Kitab Al-Tahzhib fi Adillat Matn al-Taqrib (2)

Kitab Al-Tahzhib fi Adillat Matn al-Taqrib (2) كتاب الزكاة تجب الزكاة في خمسة أشياء وهي: 1 - المواشي 2 - والأثمان 3 - والزروع 4 - والثمار 5 -

Kitab Al-Tahzhib fi Adillat Matn al-Taqrib (2)

Nama kitab: Al-Tahzhib (Tahdzib) Syarah Matan Taqrib, At-Tahdhib
Nama lain: At-Tahzhib Dalil Al-Quran dan Hadits dari Matan Taqrib
Judul kitab asal: Al-Tahdzib fi Adillati Matnil Ghayah wat Taqrib
Nama kitab asal: (التذهيب في أدلة متن الغاية والتقريب)
Penulis: Mustofa Daib Al-Bigha Al-Maidani Al-Dimasyqi Al-Syafi'i
Bidang studi: Dalil Quran dan Hadits fiqih madzhab Syafi'i dalam Kitab Matan Taqrib karya Abu Syujak
Profil kitab: Kitab ِAl-Tahdzib ini berisi dalil-dalil Quran, hadits dan logika ijtihad ulama fiqih madzhab Syafi'i dalam kitab Matan Taqrib.

 الموضوع:  التراث الفقهى علي مذهب الإمام الشافعي

اسم الكتاب: التذهيب في أدلة متن الغاية والتقريب المشهور بـ متن أبي شجاع في الفقه الشافعي

تأليف الدكتور مصطفى ديب البغا دكتوراه في الشريعة الإسلامية

الناشر: دار ابن كثير

دمشق - شارع مسلم الباروردي - باء فولي وصلاحي بيروت

Daftar Isi

  1. Kitab Al-Tahzhib (Tahdzib) Syarah Matan Taqrib, At-Tahdhib (1)
    1. Muqaddimah (Pengantar Penulis)
    2. Kitab Taharah (Bersuci)
    3. Kitab al-Shalah (Salat)
  2. Kitab Al-Tahzhib (Tahdzib) Syarah Matan Taqrib, At-Tahdhib (2)  
    1.  Kitab al-Zakah (Zakat)
    2. Kitab Shaum (Puasa)
    3. Kitab al-Hajj (Haji) 
    4. Kitab al-Buyu' wa Ghairiha min al-Muamalat (Jual Beli dan Transaksi Lain)
    5. Kitab al-Faraidh wa al-Washaya (Warisan dan Wasiyat)
    6. Kitab al-Nikah (Perkawinan)
    7. Kitab al-Jinayat
    8. Kitab al-Hudud
    9. Kitab al-Jihad
    10. Kitab al-Shaid wa al-Dzabaih (Berburu dan Sembelihan)
    11. Kitab al-Sabq wa al-Ramyi (Lomba dan Memanah)
    12. Kitab al-Aiman wa al-Nudzur (Sumpah dan Nazar)
    13. Kitab al-ِAqdhiyah wal al-Syahadat (Pengadilan dan Kesaksian)
    14. Kitab al-Itqi (Memerdekakan Budak)
    15. Bayan bi Al-Maraji' al-Musyar ilaiha a bi Ba'd al-Mustalahat 
  3. Kitab Kuning 
  4. Konsultasi Agama 

  كتاب الزكاة

Kitab al-Zakah (Zakat)

تجب الزكاة في خمسة أشياء وهي:

1 - المواشي

2 - والأثمان

3 - والزروع

4 - والثمار

5 - وعروض التجارة [1].

فأما المواشي فتجب الزكاة في ثلاثة أجناس منها وهي:

1 - الإبل

2 - والبقر

3 - والغنم [2]،

(1) الأصل في وجوب الزكاة مطلقاً: آيات، منها: قوله تعالى: "خُذْ منْ أموَالِهِم صَدَقَة تُطَهرُهم وَتُزَكَيهِمْ بها" التوبة: 103/. تصلح أحوالهم وتحفظهم من الشح ونحوه، ويستحقون بها المديح والثناء.

وأحاديث، منها: قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضى الله عنه، عندما وجهه إلى اليمن: (فَأعْلِمْهُمْ أن اللهَ أفترض عَلَيهمْ صَدَقَة تُؤْخَذُ مِنْ أغْنِيَائهِمْ فَتُرَد عَلى فُقَرَائِهم) . رواه البخارى (1331) ومسلم (19) وغيرهما. وانظر ص 42 حاشية 2.

وأما وجوبها في الأشياء المذكورة فستأتي أدلته في مواضعها.

(2) دل على وجوب الزكاة في هذه الأجناس، وعلى كثير من شروطها الآتية، ما رواه البخاري (1386) عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن أبا بكر رضي الله عنه، كتب له كتاباً وبعثه به إلى البحرين، في أوله: بسم الله الرحمن الرحيم، هذه فريضَةُ الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين، فمن سألها من المسلمين على وجهها فليعْطها، ومن سأل فوقها فلا يعطَ ...

وفيه ذكر هذه الأجناس، وبيان أنصبتها، وما يجب فيها، وسيأتي ذلك مفرقاً في مواضعه.

وشرائط وجوبها ستة أشياء:

1 - الإسلام

2 - والحرية

3 - والملك التام

4 - والنصاب [1]

5 - والحول [2]

6 - والسوم [3]

وأما الأثمان فشيئان:

1 - الذهب

2 - والفضة [4].

(1) أي أن يكون المال قدراً معيناً حتى تجب فيه الزكاة. وفي المصباح المنير: هو القدر المعتبر لوجوب الزكاة.

وسيأتي بيان نصاب كل مال في موضعه مع دليله.

(2) لقوله صلى الله عليه وسلم: (لَيس في مَال زَكاَة حَتَى يتحُولَ عَلَيه الحوْلُ) . رواه أبو داود (1573) أي حتى يمضي على تملكه عام قمري.

(3) هو الرعي للماشية في كلأ مباح كل الحول أو أكثره. جاء في كتاب أبي بكر رضي الله عنه: في صدقة الغنم في سائمتها ...

(4) والأصل في وجوب الزكاة فيهما: قوله تعالى: "وَالَذِين يكنزونَ الذهَبَ والْفِضَّةَ ولا يُنْفقُونَهَا في سَبيلِ الله فبَشِّرْهُمْ بعذاب أليم" / التوبة: 34 /. والكنَز هو المال الذي لَم تؤد زَكاته، روى البخاري (1339) في تفسيرها، عن ابن عمر رضي الله عنهما: من كنزها فلم يؤد زكاتها فويل له.

وما رواه مسلم (987) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما مِن صاحب ذَهَب ولا فِضَّة، لا يؤدي حقَهَا. إلا إذا كان يومُ القيامة صُفحت له صفاَئحَ من نَارٍ، فَأُحْمي عليها في نَارِ جَهَنمَ، فيكون بها جَنْبهُ وَظَهرُهُ، كلما بردت أعِيدَتْ له في يوم كانَ مِقْدَارُه خَمسينَ ألْفَ سَنَة، حتى يُقضَى بيْنَ العباد، فيُرى سبيلَه: إمَّا إلى الجنة، وإمَّا إلى النَّارِ) .

[حقها: زكاتَها] .

وشرائط وجوب الزكاة فيها خمسة أشياء:

1 - الإسلام

2 - والحرية

3 - والملك التام

4 - والنصاب

5 - والحول

وأما الزروع فتجب الزكاة فيها بثلاثة شرائط:

1 - أن يكون مما يزرعه الآدميون

2 - وأن يكون قوتاً مدخراً [1]،

3 - وأن يكون نصاباً وهو: خمسة أوسق لا قشر عليها [2].

وأما الثمار: فتجب الزكاة في شيئين منها:

1 - ثمرة النخل،

2 - وثمرة الكرم [3].

وشرائط وجوب الزكاة فيها أربعة أشياء:

1 - الإسلام،

2 - والحرية،

3 - والملك التام،

4 - والنصاب.

وأما عروض التجارة: فتجب الزكاة فيها بالشرائط المذكورة في الأثمان [4].

(1) أي يمكن ادخاره دون أن يفسد، والقوت هو ما يكون أصل الطعام الغالب لأهل البلد، والمراد القمح والشعير والحمص والفول، ونحو ذلك.

(2) سيأتي بيانها مع دليله في فصلها.

(3) روى أبو داود (1603) وحسنه الترمذي (644) عن عتَّاب بن أسيد رضي الله عنه قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُحْرَصَ العنبُ كما يخرصُ النَّخْلُ، وتُؤْخذُ زكاتُه زبيباً، كما تؤخذ صدقةُ النخل تمراً.

والخرص: تقدير ما يكون من الرطب تمراً، ومن العنب زبيباً.

(4) والأصل في وجوبها فيها: قوله تعالى: "أنْفقُوا مِنْ طَيَّبَات مَا كَسَبْتُمْ" / البقرة: 267/. قال مجاهد: نزلت في التجارة. وقالَ

"فصل" وأول نصاب الإبل خمس وفيها شاة

وفي عشر شاتان

وفي خمسة عشر ثلاث شياه

وفي عشرين أربع شياه

وفي خمس وعشرين بنت مخاض

وفي ست وثلاثين بنت لبون

وفي ست وأربعين حقة

وفي إحدى وستين جذعة

وفي ست وسبعين بنتا لبون

وفي إحدى وتسعين حقتان

وفي مائة وإحدى وعشرين ثلاث بنات لبون

ثم في كل أربعين بنت لبون

وفي كل خمسين حقة [1].

النسفي في تفسيرها: وفيه دليل وجوب الزكاة في أموال التجارة.

وروى أبو داود (1562) عن سمُرَةَ بن جُنْدب رضي الله عنه قال: أما بعد، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نَعُد للبيع. والمراد بالصدقة الزكاة.

(1) في كتاب أبي بكر رضي الله عنه: في أربع وعشرين من الإبل فما فى دونها، من الغنم، من كل خمس شاة، فإذا بلغت خمساً وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مَخَاض أنثى، فإذا بلغت ستاً وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون أنثى، فإذا بلغت ستاً وأربعين إلى ستين ففيها حِقَّةٌ طَرُوقةُ الجمل، فإذا بلغت واحدة وستين إلى خمس وسبعين ففيها جَذَعَةٌ، فإذا بلغت - يعني - ستاً وسبعين إلى تسعين ففيها بنتا لبون، فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الجمل، فإذًا زادت على عشرين ومائة: ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة. ومن لم يكن معه إلا أربعٌ من الإبل فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها، فإذا بلغت خمساً من الإبل ففيها شاة.

[من الغنم: أي تعطى زكاتها من الغنم. شاة: واحدة الغنم. بنت مخاض: لها سنة ودخلت في الثانية. بنت لبون: لها سنتان ودخلت في الثالثة. حقة:

"فصل" وأول نصاب البقر ثلاثون، وفيها تبيع

وفي أربعين مسنة، وعلى هذا فقس [1].

"فصل" وأول نصاب الغنم أربعون وفيها شاة جذعة [2] من الضأن أو ثنية [3] من المعز

وفي مائة وإحدى وعشرين شاتان

وفي مائتين وواحدة ثلاث شياه

وفي أربعمائة أربع شياه

ثم في كل مائة شاة [4].

لها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة. طروقة الجمل: أى يعلو الفحل مثلها في سنها لضرابها، والضراب للبهائم مثل الجماع للإنسان. جذعة: لها أربع سنين ودخلت في الخامسة. ربها: صاحبها].

(1) روى الترمذي (623) وأبو داود (1576) : غيرهما، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فأمرني أن آخُذَ من كل ثلاثين بقرةً في تبيعا أو تبيعة، ومن كل أربعين مسُنة.

ومن كل حالم ديناراً، أو عد لَه معافر.

[تبيع: له سنة ودخل في الثانية. مسنة: لها سنتان ودخلت والثالثة.

حالم: بالغ. عدله: ما يقوَمُ به. كل معافر: نوع من الثياب اليمانية] .

(2) هي التي أتمت سنة ودخلت في الثانية.

(3) هي التي أتمت سنتين ودخلت في الثالثة.

(4) في كتاب أبي بكر رضي الله عنه: وفي صدقة الغنم في سائمتِها إذا كانت أربعينَ إلى عشرين ومائة شاة، فإذا زادت على عشرين ومائة إلى مائتين شاتان، فإذا زادت على مائتين إلى ثلثمائة ففيها ثلاث شياه، فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة، فإذا كانت سائمة الرجل ناقًصة من أربعين شاةً واحدةً فليس فيها صدقة، إلا أن يشاء ربها. أي صاحبها.

"فصل" والخليطان يزكيان زكاة الواحد [1] بسبع شرائط:

1 - إذا كان المراح واحدا

2 - والمسرح واحدا

3 - والمرعى واحدا

4 - والفحل واحدا

5 - والمشرب واحدا

6 - والحالب واحدا

7 - وموضع الحلب واحدا [2].

"فصل" ونصاب الذهب عشرون مثقالا وفيه ربع العشر وهو نصف مثقال وفيما زاد بحسابه [3] نصاب الورق مائتا درهم وفيه ربع العشر وهو خمسة دراهم وفيما

(1) الشريكان في مال، يزكيانه كما لو كان المال كله لواحد منهما، إذا وجدت الشروط التي سيذكرها. جاء في كتاب أبي بكر رضي الله عنه: لا يُجْمعَ بين مُفْتَرِق، ولايُفَرقُ بين مجتَمع، خَشْيَةَ الصدقةِ، وما كان من خليطين فإنًهما يتراجعان بينهما بالسوِيَّةِ.

ومعناه: إذا كان نصب كل مالك مفترقاً ومتميزاًُ عن غيره فلا يجمع معه لتجب فيه الزكاة، وإذا كان مختلطاً به فلا يميز عنه حتى لا تجب فيه الزكاة لأنه يصبح أقل من النصاب. فإذا أخذت الزكاة من الخليط، كان على كل واحد من الشركاء بنسبة ما يملك، فيرد على شريكه أو يسرد منه.

(2) المراح: المأوى في الليل. المسرح: الموضع الذي تسرح إليه، لتجتمع وتساق إلى المرعى، والمرعى: موضع الرعي.

(3) لخبر أبي داود (1573) وغيره، عن علي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وليس عليك شيء - يعني في الذهب - حتى يكونَ لك عِشْرون ديناراً، فإذا كان لك عشرونَ ديناراً، وحالَ عليها الحَوْلُ، ففيها نصف دينار، فما زاد فبحسابِ ذلك) . والدينار هو المثقال، ويساوي الآن نصف ليرة انًكليزية وزيادة قليلة.

زاد بحسابه [1]. ولا تجب في الحلي المباح زكاة [2].

"فصل" ونصاب الزروع والثمار خمسة أوسق [3] وهي ألف وستمائة رطل بالعراقي [4] وفيما زاد بحسابه.

وفيها: إن سقيت بماء السماء أو السيح العشر، وإن سقيت بدولاب أو نضح نصف العشر [5].

(1) في كتاب أبي بكر رضي الله عنه: في الرقة ربع العشر. ولقوله صلى الله عليه وسلم: (ليسَ فيمَا دُونَ خمسِ أوَاق من الورِقِ صَدَقَة) . رواه البخاري (1413) ومسلم (980) واللفظ له.

[الرقة والورق: الفضة. أواق: جمع أوقية، وهي أربعون درهماً] .

(2) لخبر البيهقي وغيره من حديث جابر رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا زكَاةَ في الحُلِيِّ) . بيهقي (4/ 138) .

والمباح: كخاتم فضة للرجل، أو سوار من ذهب ونحوه للمرأة.

(3) لقوله صلى الله عليه وسلم: (ليس فيما دونَ خَمْسَةِ أوسُق صَدَقَة) . رواه البخاري (1340) ومسلم (979) . ولمسلم (979) : (ليسَ في حَب ولاتمْرٍ صَدَقَةٌ، حتى يبْلغُ خمسةَ أوسُق) .

زاد ابن حبان: والوَسْقُ ستَّونَ صاعاً.

(4) وتساوي الآن بالوزن 715 كيلو غراماً تقريباً.

(5) السيح: الماء الجاري على وجه الأرض، منصباً من جبل أو نهر عظيبم. والنضج: الاستخراج بآلة من بئر ونحوه.

روى البخاري (1412) عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فيما سَقتِ السَماء والْعيُوُنُ، أو كان عَثَريَا، العُشرُ. وما سُقِيَ بالنضْحِ نصفُ العُشرِ) .

وروى مسلم (981) عن جابر رضي الله عنه: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فيما سقت الأنهارُ والغيْمُ العُشورُ،

"فصل" وتقوم عروض التجارة عند آخر الحول بما اشتريت به [1] ويخرج من ذلك ربع العشر

وما استخرج من معادن الذهب والفضة يخرج منه ربع العشر في الحال. وما يوجد من الركاز ففيه الخمس [2].

"فصل" وتجب زكاة الفطر بثلاثة أشياء:

1 - الإسلام

2 - وبغروب الشمس من آخر يوم من شهر رمضان

3 - ووجود الفضل عن قوته وقوت عياله في ذلك اليوم

ويزكي عن نفسه وعمن تلزمه نفقته من المسلمين

وفيما سقيَ بالسَّانِيَةِ نصفُ العشر): عند أبي داود (1596) : (أو كان بَعْلاً العُشْر) .

[عثريا: الذي يشرب من المطر ولا يتعنى في سقيه، وهو البعل.

الغيم: المطر. السانية: ما يستخرج بواسطته الماء من البئر ونحوه] .

وتخرج زكاة الثمار بعدما يصبح العنب زبيباً والرطب تمراً، وزكاة الزروع عند الحصول عليها، قال تعالى: "وَآتُوا حَقه يَوْمَ حَصاده" / الأنعام: 141/.

(1) من النقد، فإن اشتريت بالذهب قومت به، وإن اشتريت بالفضة قومت بها، وهكذا، ولا تقوم بالعروض إن اشتريت بها.

(2) روى البخاري (1428) ومسلم (1710) عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (وَفي الركازِ الخَمُسُ) .

والركاز: المستخرج من دفين الجاهلية ذهباً أو فضة، وتخرج زكاته فور الحصول عليه.

صاعا من قوت بلده [1] وقدره خمسة أرطال وثلث بالعراقي [2].

"فصل" وتدفع الزكاة إلى الأصناف الثمانية الذين ذكرهم الله تعالى في كتابه العزيز في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [3]

وإلى من يوجد منهم ولا يقتصر على أقل من ثلاثة من كل صنف إلا العامل

(1) روى البخاري (1433) ومسلم (984) واللفظ له، عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فَرَضَ زَكَاةَ الفطْرِ من رمضانَ، على النِّاس، صاعاً من تَمْرٍ أو صاعاً من شَعِير، على كل حرّ أو عبد، ذكر أو أنثى، من المسلمين. وفي رواية عند البخاري (1432) وأمرَ بها أن تؤَدى قبل خروج الناس إلي الصلاة.

وعند البخاري (1439) عن أبي سعيد الخدريَ رضي الله عنه قال: كَنا نُخرِجُ في عَهدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم يومَ الفِطْرِ صاعاً من طعام، وكان طعامُنا الشعير والزبيبَ والأقطَ والتَّمْرَ.

(2) وتساوَي بالوزن 2400 غراماً تقريباً.

(3) / التوبة: 60/. الفقراء: هم الذين لا يقَدرون على شيء يقع موقعاً من حاجتهم، كمن يحتاج إلى عشرة، فيقدر على اثنين أو لا يقدر على شيء.

المساكين: هم الذين لا يقدرون على ما يكفيهم، كمن يحتاج عشرة فيأتيه ثمانية. العاملين عليها: هم من يستعين بهم الإمام لجمع الزكاة ة وتوزيعها. المؤلفة قلوبهم: من في إسلامه ضعف ونحوه. في الرقاب: المكاتبون، وتحرير العبيد.

الغارمين: المدينين، وليس لديهم وفاء دينهم. في سبيل الله: هم الغزاة دفاعاً عن الإسلام، ولا تعويض لهم من بيت المال. ابن السبيل: المسافر الذي يريد أن يرجع إلى بلده، وقد فقد النفقة التي تبلغه مقصده.

وخمسة لا يجوز دفعها إليهم:

1 - الغني بمال أو كسب [1]

2 - والعبد

3 - وبنو هاشم

4 - وبنو المطلب [2]

5 - والكافر [3]

ومن تلزم المزكي نفقته لا يدفعها إليهم باسم الفقراء والمساكين [4].

(1) لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تَحِل الصَّدَقَةُ لِغَنِىّ، ولا لذي مِرة سوي) . رواه الترمذي (652) وأبو داود (1634) . والمرة الَقوَة والقدرًة على الكسب، وفي رواية عند أبي داود (1633) : (ولا لقَوِي مكتسَب) .

(2) لقوله صَلًى الله عليه وسلم: (إن هذه الصَّدَقاتِ إنَّما هي أوْسَاخ النَّاسِ، وإنَها لا تَحِل لمُحمّد ولا لآلِ محمَّد) . رواه مسلم (1072) .

وروى البخاري (1420) ومسلم (1069) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أخذ الحسنُ بنُ علي تمرةً من تمْرِ الصَّدَقَة، فجعلها في فيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كِخْ كِخْ - لِيَطرَحَهَا - ثم قال أمَا شَعَرْتَ أنَّا لا نَأكلُ الصَّدَقةَ) .

والمراد بآل محمد صلى الله عليه وسلم بنو هاشم وبنو المطلب، ومقابل تحريم الزكاة عليهم يعطون خمس الخمس من الغنيمة، كما سيأتي في كتاب الجهاد.

(3) لقوله صلي الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه: (فَأعْلِمْهُمْ أن عليهم صدقة، تُؤخَذُ مِنْ أغْنِيائِهمْ، فَتُرَد على فُقَرَائِهِمْ) والمراد أغنياء المسلمين وفقراؤهم، فكما أنها لا تؤخذ من أغنيائهم غير المسلمين، فلا تدفع لفقراء غيرهم. انظر ص 90 حاشية 1.

(4) أَي لا يجوز دفعها لهم إن كانوا فقراء ومساكين، لأنهم يستغنون بالنفقة الواجبة لهم على المزكي، ويجوز دفعها لهم بغير هذين الوصفين، كما إذا كانوا غارمين أو مجاهدين، وغيرهم. وانظر فيمن تلزم نفقتهم فصل النفقات في النكاح.

كتاب الصوم

Kitab al-Shaum (Puasa)

وشرائط وجوب الصيام [1] أربعة أشياء:

1 - الإسلام

2 - والبلوغ

3 - والعقل [2]

4 - والقدرة على الصوم [3].

(1) الأصل في فرضية الصوم مطلقاً قولة تعالى: "يَا أيها الّذينَ أمنُوا كتِب عَلَيكُم الصِيَامُ كمَا كتُبَ على الذين منِْ قَبلِكُم لَعلكم تَتقونَ" / البقرة: 183 /. [كتب: فر ض] .

وبخصوص رمضان قوله تعالى: "شهر رَمَضَانَ الَّذِي أنْزِلَ فِيهِ الْقرْآن هُدًى للنَّاسِ وَبينات مِن الْهدى وَالفرْقَانِ فَمَنْ شهِد مِنكُمْ الشهرَ فَليصمْهُ" / البقرة: 185 /.

وأحاديث، منها: قوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي، الذي سأله: أخبزني ماذا فَرَضَ علي الله من الصوم؟ فقال: (صِيَام رمَضَانَ) .

رواه البخاري (1792) ومسلم (11) .

(2) لحديث: (رفع القلم عن ثلاثة .. ) انظر حا 2 ص 42.

(3) لقوله تعالى: "وَعلى الّذينَ ِيطيقونَهًُ فديَة" / البقرة: 184/.

وقوىء "يطوقونَه" أي يُكلَّفُونَهُ فلا يطيقونه.

روى البخاري (4235) عن عطاء: سمع ابن عباس يقرأ: "وعلى الَّذِين يطوقَونَهُ فِدْية طعًام مسْكِين" ، قال ابن عباس: ليست بمنسوخة، هو الشيخ الكبير، والمرأةُ الكبيرةُ، لا يستطيعان أن يصوما، فيطعمَانِ مكانَ كل يوم مسكيناً.

وفرائض الصوم أربعة أشياء:

1 - النية [1]

2 - والإمساك عن الأكل والشرب

3 - والجماع [2]

4 - وتعمد القيء [3].

والذي يفطر به الصائم عشرة أشياء:

1 - ما وصل عمدا إلى الجوف أو الرأس

2 - والحقنة في أحد السبيلين

3 - والقيء عمداً

4 - والوطء عمدا في الفرج

5 - والإنزال عن مباشرة [4]

6 - والحيض

7 - والنفاس

8 - والجنون

9 - والردة [5].

(1) قبل الفجر، لكل يوم، لقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ لَمْ يُبَيت الصَيامَ قَبْلَ الْفجْرِ فَلا صِيَامَ لَهُ) . رواه الدارقطني وغيره، وقال: رواته ثقات. بيهقى (4/ 202) . دارقطني (2/ 172) .

(2) لقوله تعالى: "وَكلُوا وَاشربُوا حَتَّى يتَبَيَّنَ لكُمُ الْخَيطُ الأبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأسْوَدِ مِن الفجرِ ثُم أتِمَّوا الصِّيَامَ إلى اللَيْلِ ولا تُبَاشِرُوهُن وأنْتُمْ عَاكِفُونَ في المَسَاجِدِ" / البقرة:187/.

[الخيط الأبيض: ضوء النهار. الخيط الأسود: ظلمة الليل. الفجر: ضوء يطلع معترضاً في الأفق، ينتهي بطلوعه الليل ويبدأ النهار. تباشروهن: تجامعوهن. عاكفون: وأنتم في حال اعتكاف] .

(3) روى أبو داود (2380) والترمذي (720) وغيرهما، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ ذَرعَهُ قَيْىءٌ وَهُوَ صَائِمٌ فَليْسَ عليه قَضَاءٌ، وإن استَقَاءَ فَليَقض) . [ذرعه: غلبه] .

(4) أي إنزالُ الْمَنِى بسبب لمس أو تقبيل ونحو ذلك.

(5) لخروج من قامت به هذه الأمور عن أهلية العبادة.

ويستحب في الصوم ثلاثة أشياء:

1 - تعجيل الفطر [1]

2 - وتأخير السحور [2]

3 - وترك الهجر من الكلام [3].

(1) روى البخاري (1856) ومسلم (1098) عن سهل بن سعد رضي الله عنه: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزَالُ الناسُ بِخَيرٍ ما عجَّلُوا الفطْرَ) .

والأفضل أنَ يفطر على تمرات أو قليل من ماء، تم يصلي المغرب، ثم يتناول الطعام إن أراده. روى ابن حبان بإسناد صحيح: أنَّه صلى الله عليه وسلم كان إذا كان صائماً، لم يُصل حتى يُؤْتَى بِرُطبٍ أو ماء، فَيأكُل أو يشربَ، وإذا كان في الشتاءِ، لم يُصَل حتى نَأتِيَهُ بتَمْر أًو ماء.

(2) روى أحمد في مسنده: أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا تَزَالُ أمتي بِخَيْرٍ مَا عجَّلوا الإفطارَ وَأخَّرُوا السُّحُور) . (5/ 147) .

وروى ابن حبان: (إن تَأخِيرَ السحور ِمن سُنَنِ المرْسَلِينَ) .

ويكون التأخير بحيث ينتهى من الطعام والشراب قبيل طلوع الفجر بقليل. ورى البخاري (556) عن ابن مالك رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم وزيد بن ثابت تسحرا، فلما فرغا من سحُورهما، قام نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة فصلى. قلنا لأنس: كم كان بين فراغهما من سحورهما ودخولهما في الصلاة؟ قال: قَدْر مَا يَقْرَأ الرجُلُ خمسَينَ آيَةً.

(3) أي الكلام الفاحش والباطل، كالشتم والغيبة ونحو ذلك.

روى البخاري (1804) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ لَمْ يَدع قولَ الزورِ والعَمَلَ بِهِ، فَلَيسَ للهِ حَاجَة في أن يدع طَعامَهُ وشَرَابَهُ) أي لا يترتب على إمساكه ثواب وإن سقط الواجب به، والزور: الباطل.

ويحرم صيام خمسة أيام:

1 - 2 - العيدان [1]

3 - 4 - 5 - وأيام التشريق الثلاثة [2]

ويكره صوم يوم الشك إلا أن يوافق عادة له [3].

(1) روى مسلم (1138) عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يومين: يوم الأضحى، ويومِ الفِطرِ.

ورواه البخاري (1890) عن أبي سعيد رضي الله عنه.

(2) روى مسلم (1142) عن كعب بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه، وأوسَ بن الحدَثانِ، أيام التشريق، فنادى: (أنهُ لا يَدْخلُ الجَنةَ إلا مُؤْمِن، وأياّمُ مِنى أيَامُ أكْل وَشُرْب) .

وروى أبو داود (2418) عن عمرو بن العاص رضى الله عنه قال: فهذه الأيام التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَأمُرُنا بإفطارها، وينْهانا عن صِيَامِها. قال مالك: وهي أيام التشرِيقَِ.

(3) وهو يوم الثلاثين من شعبان، الذي يشك فيه الناس: هل هو من شعبان أو من رمضان؟ والمعتمد في المذهب تحريمه، ولا يصح، لما رواه أبو داود (2334) والترمذي (686) وصححه، عن عمار بن ياسر رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَذي يَشُك فِيهِ الناسُ فَقدْ عصَى أبَا الْقاسم صلى الله عليه وسلم) .

ويحمل قول المصنف (يكره) على كراهة التحريم، فيوافق المعتمد. ويحرم أيضا الصوم في النصف الثاني من شعبان، لما رواه أبو داود (2337) وصححه الترمذي (738) عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا انتصَفَ شَعبانُ فَلا تَصُومُوا) وعند ابن ماجه (1651) : (إذا كانَ النصف منْ شَعْبَانَ فَلا صَومَ حتى يجِيءَ رَمضَان) ..

وتنتفي حرمة صوم يوم الشك والنصف الثاني من شعبان، إذا وافق عادة

ومن وطئ في نهار رمضان عامدا في الفرج فعليه القضاء والكفارة وهي: عتق رقبة مؤمنة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا لكل مسكين مد [1].

له، أو وصل صيامه بما قبل النصف الثاني من شعبان.

روى البخاري (1815) ومسلم (1082) واللفظ له، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقدموا رَمضَانَ بِصَوْمِ يَوْم وَلا يوْمَيْنِ، إلا رَجُلُ كَانَ يَصُومُ صوماً فلْيَصُفهُ) .

(1) روى البخاري (1834) ومسلم (1111) وغيرهما، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال: يا رسولَ الله، هلكتُ. قال: مالك؟ قال: وَقَعتُ على امرأتي وأنا صائم - في رواية: في رمضان - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هَلْ تَجدُ رقبَةً تَعْتِقُها؟ قال: لا. قال: فَهَلْ تَسْتَطِيع أنْ تَصُومَ شَهرَينَِ مُتَتَابِعيْنِ؟ قال: لا. فقال: فهَلْ تَجدُ إطعَامَ سِتَينَ مِسكِيناً؟ قال: لا. قال: فمكث الله صلى الله عليهَ وسلم، فبينا نحن على ذلك، أُتِيَ النبي صلى الله عليه وسلم بعرًق فيه تمرٌ، والعرق المِكْتَلُ، قال: أيْنَ السائلُ؟ فقال: أنا. قال: خُذ هَذا فتَصَدقْ بِهِ. فقال الرجل: أعلى أَفقر مني يا رسول الله؟ فوالله ما بين لابَتَيْها، يريد الحرتين، أهل بيت أفقر من أهل بيتي. فضحك النبى صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه: ثم قال: أطعمْهُ أهْلكَ) .

[وقعت على امرأتي: جامعتها. رقبة: إنساناً مملوكاً. تعتقها: تحررها من الرق والعبودية. المكتل: وعاء ينسج من ورق النخل. الحرتين:

ومن مات وعليه صيام من رمضان أطعم عنه لكل يوم مد [1]

مثنى حرة، وهي أرض ذات حجارة سوداء. بدت أنيابه: ظهرت، وهو كناية عن شدة ضحكه].

ولا يجوز للفقير، الذي قدر على الإطعام، صرف ذلك إلى عياله، وكذلك غيرها من الكفارات، وما ذكر فيَ الحديث خصوصية لذلك الرجل.

(1) من غالب قوت أهل البلد، كالحنطة مثلاً، والمد يساوي إناءاً مكعباً طول حرفه، 2 و 9 سم، ويزن ما يسعه 600 غراماً تقريباً. ويخرج هذا من التركة كالديون، فإن لم يكن له مال جاز الإخراج عنه، وتبرأ ذمته.

روى الترمذي (817) وصحح وقفه، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: من مات وعليه صِيامُ شهر فَلْيُطْعِمْ عنه مكانَ كل يوم مِسكِيناً.

وروى أبو داود (2401) عن ابن عباس رضيَ الله عنهما قال: إذا مرض الرجل في رمضان، ثم مات ولم يَصم، أطْعمَ عنه.

والأولى من الإطعام أن يصوم عنه قريبه، أو من يأذن له الميت أو وارثه بالصوم، لما رواه البخاري (1851) ومسلم (1147) عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صامَ عَنْهُ وَليُهُ) .

وروى البخَاري (1852) ومسلم (1148) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن أمي ماتت وعليها صوم شهر، أفأقضيه عنها؟ قال: (نَعَمْ، فَدَينُ اللهِ أحَق أن يُقْضىَ) .

وهذا فين أفطر لعذر وتمكن من القضاء بأن زال عذره من مرض ونحوه قبل الموت بوقت يسع القضاء ولم يصم - وكذلك من أفطر لغير عذر مطلقاً. أما من أفطر لعذر ولم يتمكن من القضاء - بأن مات قبل زوال العذر، أو بعده بوقت لا يسع القضاء - فلاَ قضاء عنه ولا فدية. ولا إثم عليه.

والشيخ: إن عجز عن الصوم يفطر ويطعم عن كل يوم مدا [1].

والحامل والمرضع: إن خافتا على أنفسهما أفطرتا وعليهما القضاء [2] وإن خافتا على أولادهما أفطرتا وعليهما القضاء والكفارة [3]، عن كل يوم مد وهو رطل وثلث بالعراقي [4].

والمريض والمسافر سفرا طويلا يفطران ويقضيان [5].

(1) انظر حاشية 3 ص 100 وحاشية 1 ص 105.

(2) روى الترمذي (715) وأبو داود (2408) وغيرهما، عن أنس

ابن مالك الكعبي رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن اللهَ تَعَالى وضعً عَنْ المُسَافِر الصوْمَ وَشَطرَ الصَلاةِ، وعن الحَامِلَ أو المُرْضِعَ الصومَ) .

[وضع: خفف بتقصير الصلاة، ورخص في الفطر مع القضاء. شطر: نصف الصلاة الرباعية] .

(3) روى أبو داود (2318) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "وَعَلى الَذِ ينَ يُطيقُونَهُ فِدْيَة طعًامُ مِسكِين" قال: كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأةَ الكبيرة، وهما يطيقان الصيام، أن يفطرا ويطعما كل يوم مسكيناً، والحُبْلى والمرضع إذا خافتا - يعني على أولادهما - أفطرتا وأطعمتا.

(4) انظر تقديره الآن: حاشية 1، ص 105.

(5) لقوله تعالى: "ومَنْ كانَ مَرِيضاً أو علىَ سفَرَ فعِدةٌ من أيام أخر" / البقرة: 185/.

ومعناها والله أعلم: من كان - خلال رمضان - مريضا مرضا لا يستطيع معه الصوم، أو كان مسافراً، فليفطر إن شاء، وليصم من غير رمضان، بعد زوال العذر، بعدد الأيام التي أفطرها فيه.

"فصل" والاعتكاف سنة مستحبة [1]، وله شرطان:

1 - النية

2 - واللبث في المسجد.

ولا يخرج من الاعتكاف المنذور إلا لحاجة الإنسان [2] أو عذر: من حيض أو مرض، لا يمكن المقام معه.

ويبطل بالوطء [3].

(1) روى البخاري (1922) ومسلم (1172) عن عائشة رضي الله

عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده.

وروى البخاري (1936) من حديث طويل عنها: أنه صلى الله عليه وسلم اعتكف في آخر العشر من شوال.

[اعتكف: أقام في المكان ولزمه، الاعتكاف مصدر، واللبث بمعناه]

(2) روى البخاري (1925) ومسلم (297) عن عائشة رضي الله عنها قالت: وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل على رأسه، وهو في المسجد، فأرَجَلهُ، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفاً.

[فأرجله: فأسرح شعره] .

(3) لقوله تعالى: "ولاْ تُباشِرُوهُن وأنتمْ عَاكفُونَ في المسَاجِدِ" / البقرة: 187/. أي لا تجامعوا أزواجكم في حال اعتكافكم.

كتاب الحج

Kitab al-Hajj (Haji) 

وشرائط وجوب الحج [1] سبعة أشياء:

1 - الإسلام

2 - والبلوغ

3 - والعقل

4 - والحرية

5 - ووجود الزاد والراحلة [2]

6 - وتخلية الطريق

7 - وإمكان المسير [3].

وأركان الحج خمسة:

1 - الإحرام [4] مع النية، والوقوف

(1) الأصل في وجوبه: قوله تعالى: "وَللهِ عَلى النّاس حج الْبيْتِ منِ اسْتَطَاعَ إلَية سبيلاً" / آل عمران: 97 /.

وأحاديث، منهاً: ما رواه مسلم (1337) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خَطَبَنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أيُّها النَّاسُ، قَدْ فَرَضَ اللهُ عَلَيكُمْ الْحَج فحُجُّوا) . وحديث الصحيحين: (بني الإسلام على خمس ... ) انظر ص 39 حاشية 1.

(2) لتفسير السبيل في الآية بهما، روى الحاكم (1/ 442) عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلي الله عليه وسلم، في قوله تبارك وتعالى: "وَللهِ عَلى الناسِ حج البَيتِ مَن اسْتَطَاعَ إلَيهِ سَبِيلا" قال: قيل: يا رسولَ الله، ما السبيلُ؟ قال: (الزادُ وَالراحِلةُ) . قال: هذا حديث صحيح.

(3) أي سلامة الطريق من المؤذيات، وبقاء زمن يتسع لوصوله عادة.

(4) وهو عند الإطلاق: نية الدخول في حج أو عمرة، قال في المصباح المنير: أحرم الشخص نوى الدخول في حج أو عمرة، ومعناه: أدخل نفسه في شيء حرم عليه به ما كان حلالاً له. والمراد به هنا الدخول، لذكر المصنف النية معه.

2 - بعرفة [1]

3 - والطواف بالبيت [2]

4 - والسعي بين الصفا والمروة [3]، والحلق [4].

(1) لقوله صلى الله عليه وسلم: (الحَج عَرَفةُ، من جاء ليلة جَمعْ قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج) . رواه الترمذي (899) وأبو داود (1949) وغيرهما. [جمع: مزدلفة، سميت بذلك لاجتماع الناس فيها] .

(2) لقوله تعالى: "وَليَطوَفُوا بالْبَيْت العَتيقِ" / الحج: 29/.

والإجماع على أن المراد به طواف الإفاضَة. [اَلعتيقَ: المتقدم في الزمان] .

(3) لخبر الدارقطني (1/ 270) وغيره بسند صحيح: أنه صلى الله عليه وسلم: استقبل الناس في المسعى وقال: (اسْعُوا، فَإن اللهَ تعالى كَتب عَلَيكُم السعي) .

وروي البخاري (1565) عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قَدِمَ النبي صلى الله عليه وسلم مكةَ، فطاف بالبيت، ثم صلى ركعتين، ثم سعى بين الصفا والمروة. ثم تلا: "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُولِ الله أسْوَةٌ حَسنةٌ" / الأحزاب: 21/. [تلا: أي ابن عمر. أسوة: قدوةَ]

(4) لبعض الرأس، أو التقصير. روى البخاري (169) ومسلم (1305) واللفظ له، وغيرهما: عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه. وسلم أتى منى، فأتى الجمرة فرماها، ثم أتى منزله بمني ونحر، ثم قال للحلاق: (خُذ) وفي رواية: فقال: (احلق) وأشار إلى جانبه الأيمن، ثم الأيسر، ثم جعل يعطيه الناس.

والحلق للرجال أفضل من التقصير، لفعله صلى الله عليه وسلم كما مر، ولقوله: (اللهم ارحم المحلقين. قالوا: والمقصرين يا رسول الله، قال: اللهم ارحم المحلقين. قالوا: والمقصرين يا رسول الله، قال: والمقصرين) .

وأركان العمرة أربعة:

1 - الإحرام

2 - والطواف

3 - والسعي

4 - والحلق أو التقصير في أحد القولين [1].

وواجبات الحج غير الأركان ثلاثة أشياء:

1 - الإحرام من الميقات [2]،

رواه البخاري (1640) ومسلم (1301) وغيرهما.

والتقصير للنساء أفضل، ويكره لها الحلق لقوله صلى الله عليه وسلم: (ليسَ عَلى النِّسَاءِ الحلقُ، إنمَا عَلى النساءِ التقْصِير) رواه الترمذي (1984، 1985) . وعند أبي داود (914) عن علي رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تَحْلِقَ المرأةُ رأسَهَا.

(1) وهو الأظهر، روى البخاري (1568) عن جابر رضي الله عنه قال: فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أنْ يجعلوها عمرة، ويَطُوفُوا، ثم يُقَصرُوا وَيَحلوا. وفي رواية (1470) عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن يطوفوا بالبيت وَبالصفا والمروة: ثم يقصَروا من رؤوسهم، ثم يَحِلَوا.

وفي رواية عنه (1644) : ثم يَحلَوا، وَيَحْلقُوا أَويُقَصَرُوا. رواه مسلم (1227) عن ابن عمر رضي الله عنهما.

(2) هو المكان الذي حدده رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل كل جهة، أن يحرموا قبل أن يتجاوزوه، إذا أتوا مكة قاصدين لحج أو عمرة.

روى البخاري (1454) ومسلم (1181) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: وقتَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لأهلَِ المدينة ذا الحُليْفَةِ، ولأهل الشاِم الجحفةَ، والأهل نَجْد قَرْنَ المنازِل، ولأهلِ اليَمَنِ يلَملمَ، فمن لهن. ولمن أتى عليهن من غَيْرِ أهْلهن، لمن كان يُرِيد الحج وَالْعمْرَةَ. فمن كان دونَهُن فَمَهَلهُ من أهَلِهِ، وكذلك حتًى أهْلُ مَكةَ يهِلونَ منهَا.

[وقت: هي في الأصل للتقدير الزماني، واستعيرت هنا للتقدير المكاني.

2 - ورمي الجمار الثلاث [1]،

فمهله: مكان إحرامه، من الإهلال وهو رفع الصوت بالتلبية عند الإحرام.

أهله: مسكنة وموضعه].

وروى البخارى (1458) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما فُتحَ هذان المصْرَان، أتَوا عُمَر فقالوا: يا أميرَ المؤمِنينَ، إن رسولَ الله صلى الله عليه وسَلم حَد لأهْلِ نَجْد قَرْناً، وهو جَوْرٌ عَنْ طَرِيقنا، وإنا إنْ أردْنا قَرْناً شَق عَلَيْنَا. قال: فانظروا حَذْوَها من طريقكم، فَحمد لهم ذاتَ عرق.

[المصران: البصرة والكوفة. جور: مائل وبعيد. حذوها: ما يحاذيها ويقابلها. فحد لهم: عين لهم ميقاتا باجتهاده] .

وهذه المواضع المذكورة في الأحاديث تعرف للحجيج الآن بواسطة سكانها، أو بوسائل أخرى، وربما تسمى بغير هذه الأسماء.

(1) في أيام التشريق، وهي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة، وجمرة العقبه وحدها يوم النحر، وهو اليوم العاشر من ذي الحجة. (انظر: حاشية 4 ص 109) .

"وروى البخاري (1665) : أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: كان يرمي الجَمرةَ الدنيا بسبع حصيات، ثمِ يكبر على إثرِ كلَ حصَاة، ثم يتقدم فَيُسْهِلُ، فيقَوم مستقبلَ القِبْلة قياماً طويلاً، فيدعو ويرفع يديْهِ، ثم يرمي الجمرة الوسطى كذلك، فيأخُذُ ذَاتَ الشمال فَيُسْهِل، ويقوم مستقبلَ القبلة قياماً طويلاً، فيدعو ويرفع يديهِ، ثم يرمي الجمرة ذاتَ العقبة من بَطن الواديَ، ولا يقف عندها، ويقول: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعَلُ."

[الجمرة: مجتمع الحصى بمنى، وكل كومة من الحصى. الدنيا: القريبة إلى منى وهي الصغرى. إثر: بعد. فيسهل: ينزل إلى السهل. العقبة: المرقى

3 - والحلق [1].

وسنن الحج سبع:

1 - الإفراد وهو: تقديم الحج على العمرة [2]

2 - والتلبية [3]

3 - وطواف

الصعب من الجبل ونحوه، والمراد الجمرة الكبرى. بطن الوادي: وسطه ومسيله.]

ويكون الرمي يوم النحر بعد طلوع الشمس، وأيام التشريق بعد الزوال.

روى مسلم (1299) عن جابر رضي الله عنه قال: رَمى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يومَ النَّحْرِ ضحىً، وأمَّا بعدُ فإذا زَالتِ الشَّمْسُ. عند أبي داود (1973) عن عائشة رضي الله عنها: ثم رَجع إلى مِنىً، فَمَكَثَ بها ليالىَ التَّشرِيقِ، يَرْمي الجَمْرَةَ إذا زَالتِ الشمْسُ كُل جَمرَة بِسبعِْ حصَيَات.

(1) اعتبار الحَلق من الواجبات قول مرجوح، والراجح أنه ركن في الحج والعمرة، لما علمت. انظر: حا 4، ص 109 وحا 1 ص 110.

(2) لأنه صلى الله عليه وسلم هكذا فعل في حجة الوداع. روى البخاري (4146) عن عائشة رضي الله عنها قالت خَرَجْنَا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوَداعِ، فمنا من أهل بعُمْرَة، ومنا من أهل بحجة، ومنَّا من أهل بحج وعمرة، وأهل رسول اللهَ صلى الله عليه وسلم بالحج، فأما من أهل بالحج، أو جمع الحج والعمرة، فلم يَحلُّوا حتَّى يوم النحْرَ. [يحلوا: يخرجوا من إحرامهم] .

(3) ويستحب أن يقتصر على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم، روى البخاري (1474) ومسلم (1184) واللفظ له، عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استوَت به رَاحلَته قائمةً عند مسجد ذي الحليفة أهل، فقال: (لبيك اللهم لَبَّيْكَ،

القدوم [1]

4 - والمبيت بمزدلفة [2]

5 - وركعتا الطواف [3]

6 - والمبيت بمنى [4]

لبيك لا شريكَ لكَ لبيك، إن الحمدَ والنعمةَ لك والملكَ لا شريكَ لك).

وفي رواية عند البخاري (1478) أن ابن عمر رضي الله عنهما: كان يلبي حتى يبلغ الحرم، ويخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك.

(1) روى البخاري (1536) ومسلم (1235) عن عائشة رضي الله عنها: أن أولَ شيء بَدَأ بِهِ النبي صلى الله عليه وسلم، حينَ قَدِمَ مَكَّةَ، أنَّه توضأ ثم طَافَ بالبيْتِ.

(2) لما رواِ مسلم (1218) عن جابر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى المُزْدَلفَةَ. فصلَى بها المَغربَ والعشَاءَ، وَاضطجعً حتى إذا طَلعَ الفَجْرُ صلًى الفجرَ.

واعتباره سنة قول مرجوح، والأظهر الراجح أنه واجب، وصححه النووي في شرح المهذب. والصحيح عنده: أنه يحصل بلحظة من النصف الثاني من النيل والله أعلم. (المجموع: 8/ 127 - 128) .

(3) روى البخاري (544ا) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قدم رسول الله صلى اللَه عليه وسلم، فطاف بالبيت سبعاً، ثم صلَّى خَلف المقام ركعتين.

(4) لأنه صلى الله عليه وسلم بات بها، قال النووي (المجموع: 8/ 188) : أما حديث مبيت النبي صلى الله وسلم بمنى ليالي التشريق فصحيح مشهور.

وانظر حا 1 ص111. وعده من السنن قول مرجوح، والراجح أنه واجب، لما رواه البخاري (1553) ومسلم (1315) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: استأذن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنْ يَبيتَ بمكةَ لياليَ مِنىً، منْ أجْلِ سِقَايَتِهِ، فأذنَ له. فقد

دل على أنه لا يجوز لغير المعذور تركه. ويشترط أن يوجد فيها مَعظم الليل.

7 - وطواف الوداع [1].

ويتجرد الرجل عند الإحرام من المخيط، ويلبس إزارا ورداء أبيضين [2].

(1) والأظهر أنه واجب، لما رواه مسلم (1327) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان الناس ينصرفون في كل وجه، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: (لا يَنْفِرَن أحَدكُم حتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهدِه بالْبَيت) . وعند أبي داود (2002) : (حتى يكونَ آخِرُ عهده الطوَافً باَلبيت) .

ويسقط عن الحائض والنفساء، لما رواه البخاري (1668) ومسلم (1328) عن ابن عباس رضي اِلله عنهما أنه قال: أمِرَ النَّاسُ أنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدهم بالبَيْت، إلا أنَّهُ خُفِّفَ عَنِ المرأة الحائض. وقيس بالحائض النفساَء.

(2) روى البخاري (1470) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: انطلقَ النبي صلى الله عليه وسلم من المدينةِ، بعدما ترَجَّلَ وادهنَ، ولَبسَِ إزارْهُ ورداءه، هو وأصحابه، فلم يَنْهَ عن شيء من الأرْديِة الأزرِ تلبَس. [ترجل: سرح شعره. ادهنَ: وضع الطيب ونحوه] .

وكونها بيضاء، لقوله صلى الله عليه وسلم: (البسوا من ثيابكم البياض) .

انظر حا 5 ص 74.

ويستحب له أن يغتسل، ثم يتطيب ويلبس ثياب الإحرام، ثم يصلي ركعتين سنة الإحرام، ثم يحرم. روى البخاري (1479) عن نافع قال: كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا أراد الخروج إلى مكة ادهن بدهن ليس له رائحة طيبة، ثم يأتي مسجد ذي الحليفة فيصلي، ثم يركب، وإذا استوت به راحلته قائمةً أحرم، ثم قال: هكذا رأيت النبى صلى الله عليه

"فصل" ويحرم على المحرم عشرة أشياء:

1 - لبس المخيط

2 - وتغطية الرأس من الرجل والوجه من المرأة [1]

3 - وترجيل الشعر [2]

وسلم يفعل.

وروى البخاري (1465) ومسلم (1189) عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه حين يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت. أي طواف الركن.

(1) روى البخاري (1468) ومسلم (1177) عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: ما يَلْبَسُ المُحْرِمُ من الثياب؟ فقال: (لا تَلْبَسُوا من الثياب القُمُصَ، ولا العمامة، ولا السرَاويلات، ولا الْبَرَانِسَ، ولا الخِفَافِ، إلا أحدٌ لا يَجِدُ النَّعْلَيْنِ فَليلْبسَ الخُفيْنِ، وَلْيَقْطَعهُمَا أسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ، وَلا تَلْبَسُوا مِنَ الثيابِ ما مسهُ الزعفَرَانُ أو وَرْسٌ) . زاد البخاري (1741) (ولا تَنْتَقبُ المرأةُ ولا تَلبسُ القُفَّازينِ) .

[القمص: جمع قميص. السراويلِات: جمع سراويل وهي ما يستر النصف الأسفل من الجسم من الثياب المخيطة. البرانس: جمع برنس، وهو كل ثوب ملتصق به غطاء الرأس. الخفاف: جمع خف وهو حذاء يستر القدم. الزعفران: نبت صبغي. ورس: نبت أصفر يصبغ به. تنتقب: تغطي وجهها. القفازين: تثنية قفَاز، وهو ما يلبس في اليدين ويزر على الساعدين] .

وتلبس المرأة ما أرادت من الثياب المخيطة وغيرها، ولا تظهر ما عدا الوجه والكفين، وإن خشيت الفتنة سترتها وفدت.

(2) محمول على ما إذا علم أن التسريح ينتف الشعر، لتلبد ونحوه، وإلا فهو مكروه لغلبة الظن أنه يتساقط به.

4 - وحلقه [1]

5 - وتقليم الأظفار [2]

6 - والطيب [3]

7 - وقتل الصيد [4]

8 - وعقد النكاح [5]

9 - والوطء

10 - والمباشرة بشهوة [6] وفي جميع ذلك الفدية إلا عقد النكاح فإنه لا ينعقد [7] ولا يفسده إلا الوطء في الفرج ولا يخرج منه بالفساد [8]

(1) لقوله تعالى: "ولا تَحْلقوا رؤرسَكُمْ حتى يَبْلغُ الهَدْيُ مَحلَهُ" / البقرة: 196/. أي مَكان ذبحه وهو منى يوم النحر.

(2) قياساً على الشعر، ولما فيه من الترفه. والحاج أشعثُ أغبرُ، كما جاء في الخبر. أي متلبد الشعر، يعلوه الغبار.

(3) لما رواه البخاري (1742) ومسلم (1256) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: وقصت برجل محرم ناقته فقتلته، فأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (اغسلوه وكفنوه، ولا تغطوا رأسه، ولا تقربوه طيباً، فإنه يبعث يهل) وفي رواية (ملبياً) .وقصت: دقت عنقه. وانظر ص 115 حا 1.

(4) لقوله تعالى: "وَحرمَ عَلَيْكُمْ صَيدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُم حُرُماً" / المائدة: 96/. أي محرمين.

(5) روى مسلم (1409) عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عديه وسلم: (لا ينْكِحُ المُحْرِمُ وَلا يُنْكَحُ) .

(6) لقوله تعالى: "الحَجُّ أشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فيهِن الحَجً فَلا رفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ في الحج / البقرة: 197/."

[الرفث: الجماع، ويطلق على مقدماته من المباشرة: ونحوها] .

(7) أَي لا يصح، فلا يجب فيه شيء، لأنه لم يحصل به المقصود.

(8) فيجب عليه أن يستمر في حجه، ويتمه وإن كان فاسداً، لقوله تعالى: "وَأتِمّوا الحَج وَالعمْرَةَ لله" / البقرة: 196/.

ويجب مع ذلك القضاء ولو كان الَحج تطوعاً: روى مالك في الموطأ (1/ 381) أنه بلغه: أن عمر بن الخطاب وعلي بن

ومن فاته الوقوف بعرفة تحلل بعمل عمرة، وعليه القضاء والهدي [1] ومن ترك ركنا [2] لم يحل من إحرامه

أبي طالب وأبا هريرة، رضي الله عنهم، سُئِلوا: عن رَجُل أصابَ أهله وهُوَ مُحْرِم بالحجَ؟ فقالوا: يَنْفُذَانِ، يمْضِيَانِ لوَجهِهِمَا حتى يقضيا حجهما، ثم عليهما حجُ قَابِل والهَدْيُ.

[أصاب أهله: جامع زوجته. ينفذان: يستمران في أعمال الحج.

قابل: العام التالي لعامه الذي أفسد فيه حجه. الهدي: سيأتي بيانه في الفصل التالي] .

(1) لقوله صلى الله عليه وسلم: (من أدْرَكَ عرفَةَ ليلا فقدْ أدْرَكَ الحجَّ، ومن فاتَه عرفةُ ليلا فقد فاته الحج، فَلْيهِل بعُمرَة، وعليه الحج من قابِلِ) [فليهل: أي فليقم بعمل عمرة] . الدارقطني (2/ 241) وفي سنده أحمد الفرا الواسطي وهو ضعيف.

ويقويه ما رواه مالك رحمه الله تعالى في الموطأ (1/ 383) بإسناد صحيح: أنً هَبارَ بنَ الأسْوَد جَاءَ يومَ النَحْرِ وعمر بن الخطَاب ينْحَرُ هَدْيهُ، فقال: يا أميرَ المؤمنيَنَ، أخطأنا العدةَ، كنَا نُرَى أن هذا اليومَ يومُ عرفَةَ. فقال عمرُ: اذهب إلى مكةَ، فَطُف أنت ومن معك، وانحروا هَدْياً إن كانَ معكم، ثم احْلِقُوا أو قصَرُوا، ارجِعُوا، فإذا كان عامٌ قابلٌ فحجوا وأهْدُوا، فمن لم يجدْ فصيامُ ثلاثةِ أيام في الحج وسبعة إذا رجعَ.

وروى البيهقي (5/ 175) بإسناده الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنه مثل هذا. قال النووي في شرح المهذب: واشتهر ذلك فلم ينَكره أحد.

فكان إجماعاً. (كفاية: 1/ 232) .

(2) أي غير الوقوف بعرفة، وأما هو فقد سبق حكمه.

حتى يأتي به [1]، ومن ترك واجبا لزمه الدم [2]. ومن ترك سنة لم يلزمه بتركها شيء.

"فصل" والدماء الواجبة في الإحرام خمسة أشياء:

1 - أحدها: الدم الواجب بترك نسك، وهو على الترتيب: شاة، فإن لم يجد فصيام عشرة أيام: ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله [3].

2 - والثاني: الدم الواجب بالحلق والترفه وهو على التخيير: شاة أو صوم ثلاثة أيام أو التصدق بثلاثة آصع على ستة

(1) يعني أنه لا يجبر بدم، بل يتوقف الحج عليه، لأن ماهية الحج لا تحصل إلا بجميع أركانه، وقد لزمه الحج بالشروع، فلا يتحلل منه حتى يأتي بالأركان، وغير الوقوف ليس له وقت محدد، الإتيان به.

(2) روى البيهقي بإسناد صحيح، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه قال: من تَرَكَ نُسُكا فَعَليْهِ دم. (المجموع: 8/ 106) .

والمراد بالنسك هنا الواجب.

(3) قال تعالى: "فَمَنْ تمَتعًّ بالْعُمْرَة إلى الحَج فَمَا اسْتَيْسَرَ منَ الهَديِ فَمَن لَمْ يَجِد فَصيَامُ ثلاثَةِ أَياّمٍ في الحَجّ وسَبْعَة إذا رَجعتُم" / البقرة: 196/.

[تمتع بالعمرة: أي اعتمر أولا، ثم أحرم بالحج من مكة ولم يخرج إلى الميقات، والإحرام من الميقات واجب كما علمت، فوجب بتركه دم على ما ذكر. وقيس به غيره] .

مساكين [1]

3 - والثالث: الدم الواجب بإحصار، فيتحلل ويهدي شاة [2].

4 - والرابع: الدم الواجب بقتل الصيد وهو على التخيير: إن كان الصيد مما له مثل أخرج المثل من النعم أو قومه واشترى بقيمته طعاما وتصدق به أو صام عن كل مد يوما.

(1) قال تعالى: "وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَى يبْلغُ الهَدْي مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُمْ مريضاً أوْ به أذى منْ رَأسه فَفدية مِنْ صيَام أو صَدَقَة أو نسَك" / البقرةَ: َ 196/ أَي فليحلَقَ وليفَد.

[مَحله: مكَان ذبحه وهو منى، ووقته وهو العاشر من ذي الحجة] .

وهذه الثلاثة قد ورد بيان كل منها في حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه، حين رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديبية، وقد تناثر القمل على وجْهِهَ، فقال له: (أيؤذيكَ هَوَام رأسكَ؟ قال: نَعمْ، قال: احْلِقْ رأسَكَ وانسُك شَاةً، أو صمُْ ثَلاثةَ أيام، أو أطعم ِْ فَرَقا منَ الطَّعام عَلى سِتَّة مَسَاكِينَ) .

قال كعب فيَ حديثه: فيَّ نزلت هذه الآية: "فمن كان منكم ..." وقال: فنزلت فيًّ خاصة، وهي لكم عامة.

رواه البخاري (1719) ومسلم (1201) . والفرق: ثلاثة أصع، والصاع 2400 غراما تقريبا.

وقيس بحلق الشعر ما في معناه من بقية الاستمتاعات المحرمة، كالطيب والادهان واللبس وقص الظفر ومقدمات الجماع على الأصح، لاشتراك الكل في الترفه.

(2) لقوله تعالى: "وأتِموا الحَج وَالْعَمْرَةَ للهِ فَإنْ أحْصرتُمْ فَما استيسر منَ الهَديِ" / البقرة: 196/.

وإن كان الصيد مما لا مثل له أخرج بقيمته طعاما أو صام عن كل مد يوما [1].

[أحصرتم: منعتم من المضي لأداء الحج أو العمرة. وحُصِرَ أحيط به ومنع من بلوغ قصده] . وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم تحلل بالحديبية لما صده المشركون، وكان محرماً بعمرة. بخاري (1558) ومسلم (1230) .

وأقله شاة تجزىء في الأضحية.

ولا بد من تقديم الذبحِ على الحلق، لقوله تعالى في الآية نفسها: "ولا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُم حَتى يَبلغُ الهَدْيُ محِلهُ" .

وروى البخاري (1717) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم معتمرين، فحالَ كفارُ قريثس دونَ البيت "َ فنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم بُدْنَهُ وحَلَقَ رأسه."

[بدنْه: جمع بدنة، وهي ما يساق إلى الحرم من الإبل] .

(1) لقوله تعالى: "يا أيُّها الَذِينَ آمنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأنتُمْ حُرُم ومَن قتَلَهُ مِنكُمْ مُتَعَمَداً فَجَزَاء مِثْلُ مَاقَتَل مِنَ النعَمِ يَحكُمُ بِهِ ذوَا عَدل مِنكُمْ هَدْيا بالغ الْكَعبةِ أو كَفَّارَة طَعَامُ مَسَاكِينَ أوْ عَدلُ ذَلِكَ صِيَاماً لِيَذُوقَ وَبَالَ أمْرِهِ عَفَا اللهُ عَمَا"

سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتقِمُ اللهُ مِنْهُ واللهُ عَزِيزٌ ذو انْتِقَام "/ المائدة: 95/."

[حرم: محرمون بحج أو عمرة. متعمداً: ذاكراً لإحرامه قاصداً لقتله.

مثل: شبهه في الخلقة وما يقارب الصيد في الصورة لا الجنس. النعم: ما يرعى من الأموال. وأكثر ما يطلق على الإبل. يحكم به: يقدره ويبين

5 - والخامس: الدم الواجب بالوطء وهو على الترتيب: بدنة فإن لم يجدها فبقرة فإن لم يجدها فسبع من الغنم فإن لم يجدها قوم البدنة واشترى بقيمتها طعاما وتصدق به فإن لم يجد صام عن كل مد يوما [1].

ولا يجزئه الهدي ولا الإطعام إلا بالحرم [2] ويجزئه أن يصوم حيث شاء.

ولا يجوز قتل صيد الحرم ولا قطع شجره والمحل

ما هو الواجب. هدياً: هو ما يساق من المواشي ليذبح في الحرم. بالغ الكعبة: يذبح في الحرم ويتصدق به على مساكينه. عدل ذلك صياما: صيام أيام تعادل بعددها قيمة الهدي أو الطعام كما ذكر المتن].

(1) احتج لوجوب البدنة بفتوى الصحابة رضي الله عنهم بذلك، فقد روى مالك رحمه الله تعالى فيَ الموطأ (1/ 384) عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه سئل عن رجل وقع بأهله وهو بمنيً، قبل أن يفيض، فأمره أن يَنْحَرَ بَدَنَة.

[يفيض: يطوف طواف الإفاضة] .

وروي مثل هذا عن عمر وابنه عبد الله وأبي هريرة، رضي الله عنهم.

والرجوع إلى البقرة والسبعِْ من الغنم، لأنهما في الأضحية كالبدنة.

وأما الرجوع إلى الإطعام ثم الصيام: فلأن الشرع عدل في جزاء الصيد من الحيوان إليهما على التخيير، فرجع إليهما هنا عند العذر على الترتيب.

(2) لقوله تعالى: "هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبةِ" . فيجب صرف اللحم والطعام إلى مساكين الحرم، مقيمين أو طارئين.

والمحرم في ذلك سواء [1].

(1) لقوله صلى الله عليه وسلم يوم فَتْحِ مَكَةَ: (إن هَذا الْبَلَدَ حَرَام بحُرْمَةِ اللهِ، لا يُعْضَدُ شَجَرُهُ، ولا يُنَفَرُ صَيْدُهُ، ولا تلْتَقَطُ لُقَطَتُهُ إلأَ مَنْ عَرفهَا، ولا يُخْتَلى خَلاه) . قال العباس: يا رسول الله، إلا الإذخِرَ فإنهُ لِقَيْنِهِمْ وبيوتهم، قال: (إلا الإذخِرَ) . أخرجه البخاري (1510) ومسلم (1353) عن ابن عباس رضي الله عنهما.

[يعضد: يقطع. ينفر: يثار ليصاد، وقيل معناه: يصاد. لقطته: ما سقط فيه من الأشياء. يختلى: يقتلع بالأيدي ونحوها. خلاه: هو الحشيش الرطب. الإذخر: نبت معروف لدى أهل مكة. لقينهم: حدادهم، يوقد به النار. لبيوتهم: يسقفونها به فوق الخشب] .

كتاب البيوع وغيرها من المعاملات

Kitab al-Buyu' wa Ghairiha min al-Muamalat (Jual Beli dan Transaksi Lain)

البيوع ثلاثة أشياء:

1 - بيع عين مشاهدة فجائز [1]

2 - وبيع شيء موصوف في الذمة: فجائز إذا وجدت الصفة على ما وصف به

3 - وبيع عين غائبة لم تشاهد ولم توصف فلا يجوز [2]

ويصح بيع كل طاهر منتفع به مملوك [3]

ولا يصح بيع عين نجسة ولا ما لا منفعة فيه [4].

(1) الأصل في مشروعية البيع: آيات منها قوله تعالى: "وأحَل اللهُ الْبَيعَْ وحَرَمَ الربا" / البقرة: 275/.

وأحاديث، منها: ما رواه الحاكم (2/ 10) سُئِل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الكَسبِ أطْيب؟ فقال: (عَمَلُ الرجُلِ بِيَدِهِ، وَكُل بيعً مبَرُور) ، أي لا غش فيه ولا خيانة.

(2) لأنه غرر أي فيه خطر الغش والخداع، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغَرَرِ. أخرجه مسلم (1513) .

(3) فلا يصح بيع ما لم يملكه، لقوله صلى الله عليه وسلم: (وَلاَ بَيع إلا فيما تَمْلِكُ) . أخرجه أبو داود (2190)

(4) أي باعتبار الشرع، كالخمر والخنزير، وآلات اللهو ونحوها.

روى البخاري (2121) ومسلم (1581) عن جابر رضي الله عنه: أنهُ سَمِع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ عامَ الْفتْحِ وهُوَ بمَكَةَ: (إن اللهَ ورسولَهُ حرمَ بَيع الخَمْرِ وَالميتَة وَالخِنزِيرِ وَالاْصْنَام) .

فقيل: يا رسولَ الله أرأيتَ شحومَ الميتةَ، فإنَّهَا يُطْلَى بها السُفُنَ، ويُدهَنُ بها الجُلودُ وَيَستصبِحُ بهاَ الناس؟ فقال: (لاَ، هُوَ حرَام) . ثم قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: (قاتَل الله

"فصل" والربا في الذهب والفضة والمطعومات [1]. ولا يجوز بيع الذهب بالذهب ولا الفضة كذلك إلا متماثلا نقدا [2]

اليهودَ، إن اللهَ لمَا حَرمَ شُحُومَهَا جمَلُوهُ ثم باعُوهُ فأكَلوا ثَمَنَهُ).

[يطلى: يدهن. يستصبح: يجعلونها في مصابيحهم ويوقدون فتيلاً فيها ليستضيئوا بها. قاتل: لعن. شحومها: شحوم الميتة، أو شحوم البقر والغنم، كما أخبر تعالى بقوله: "ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما" / الأنعام:146/. جملوه: أذابوه واستخرجوا دهنه] .

(1) أى يتحقق معناه شرعاً في هذه الأمور، والربا: في اللغة الزيادة، وشرعاً: نوع من التعامل تتحقق فيه زيادة على شكل مخصوص بتنافى مع أصول التشريع الإسلامي.

والتعامل بالربا من الكبائر، والأصل في تحريمه آيات، منها: "وَأحَلَّ اللهُ الْبَيْع وَحَرمَ الربا" / البقرة: 275/.

وأحاديث، منها: ما رواه مسلم (1598) عن جابر رضي الله عنه قال: لعن رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم آكِلَ الربا ومُوكِلَه وكَاتِبَهُ وشَاهِديْهِ، وقال: (هم سواءٌ) . أي يستوون في فعل المعصية والإثم.

(2) روى مسلم (1588) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الذهَّبُ بالذهبِ وَزْناً بوَزْن مِثْلاً بمِثْل، وَالْفِضَةُ بالْفِضَة وَزْنا بوزن مثلا بمثلِ، فمن زَادَ أوِسْتَزَادَ فَهُوَ رِباً) . وفي رواية أبيَ سعيد رضي الله عنه (1584) : (يداً بيد) . أي نقداً، بتقابض البدلين في المجلس. متماثلاً: دون زيادة بالوزن.

ولا بيع ما ابتاعه حتى يقبضه [1] ولا بيع اللحم بالحيوان [2] ويجوز بيع الذهب بالفضة متفاضلا نقدا [3]،

(1) روى البخاري (2028) عن ابن عباس رضي الله عنه قال: أما الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم فَهُوَ الطّعَامُ أنْ يُبَاعَ حتَى يُقْبَض قال ابن عباس: ولا أحْسِبُ كل شيء إلا مِثْلَهُ. أي مثل الطعام لا يجوز بيعه إلا بعد أن يقبض.

وروى حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: قلت: يارسولَ اللهِ، إنِّي أبْتَاعُ هذه البيوعَ، فما يَحِل لي وما يَحْرُمُ عَلي؟ قال: (يا ابنَ أخي، لا تَبِيعَن شيْئاً حتّى تَقْبضَهُ) . البيهقي (5/ 313) .

وروى أبو داود (3499) عن ابن عمر رضي الله عنه قال: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أنْ تُبَاعَ السلعُ حيثُ تُبْتَاع، حتى يحوزَها التجار إلى رِحالِهِم. أي منازلهم.

(2) لحديث سَمُرةَ رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عَن بَيعِ الشاةِ باللحْمِ. رواه الحاكم (2/ 35) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، رواتُه عن آخرهم أئمة حفاظ ثقات.

وروى مالك في الموطأ (2/ 655) مرسلاً، عن سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عَنْ بَيعِْ الحَيَوَانِ باللَحْمِ.

(3) روى مسلم (1587) عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الذهَبُ بالذهَبِ، والفضَةُ بالفضة والبرُّ بالبرِّ والشَعِيرُ بالشعَّيرِ، والتّمْرُ بالتمْرِ. وَالملحُ بالمِلَحَ ... مثلاً بمثل، سَواء بسواء، يداً بيدِ، فإذا اخْتَلَفَتْ هذه.

الأصنَافُ فبيعُوا كَيفَ شِئْتُم، إذا كان يداً بيد) .

وروى البخاري (2070) ومسلم (1589) عن البراء بن عازب وزيد بن أرقم رضي الله عنهما: نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عَن بيع الذهَب بالوَرِق دَيْناً.

[والورق: اَلفضة. كيف شئم: متساوياً أو مختلفاً بالوزن أو الكيل] .

وكذلك المطعومات: لا يجوز بيع الجنس منها بمثله إلا متماثلاً نقداً [1] ويجوز بيع الجنس منها بغيره متفاضلاً نقداً [2].ولا يجوز بيع الغرر [3].

(1) روى مسلم (1588) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (التَّمْرَ بالتمْرِ، والحنْطَةَ بالحِنْطةِ، وَالشَّعير بالشعِيرِ، وَالمِلْحَ بالمِلْحِ، مثلا بمثل، يداً بيد، فمن زَاد أو اسْتزادَ فَقَدْ أرْبَى، إلا ما اختَلَفتْ ألْوَانهُ) . أي أجناسه، فيجوز بيعه متفاضلاً نقداً.

وروى البخاري (2089) ومسلم (1593) عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلاً على خيبر، فجاءه بتَمْرٍ جَنِيب، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (أكُل تَمْرِ خَيْبرَ هكذا) . قال: لا والله يا رسولَ الله، إنا لنأخُذُ الصاعَ مِنْ هَذا بالصَاعَينِ، والصَاعَينِ بالثَّلاثة. فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (لا تَفْعلْ، بِع الجمْع بالدراهِمِ، ثم ابْتعَ بالدَرَاهِمَ جَنِيباً) .

[استعمل: جعله عاملاً ليأتي بخراجها، أو أمره عليها. جنيب: نوع جيد من أنواع التمر. الجمع: الرديء من التمر، أو الخليط منه. ابتع: اشتر] .

(2) انظر الحاشية 1. وحاشية 3 ص 125.

(3) هو كل بيع فيه جهالة، تجعله متردداً بين المنفعة والمفسدة. وغير معلوم النتائج، كبيع الحمل في البطن، واللبن في الضرع، ومجهول الصنف، ونحو ذلك.

روى مسلم (1513) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة: وعن بيع الغرر. وبيع الحصاة:

"فصل" والمتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا [1] ولهما أن يشترطا الخيار إلى ثلاثة أيام [2] وإذا وجد بالمبيع عيب فللمشتري رده [3].

أن يشتري أحد المبيعات مجهولاً، ويرمي بحصاة فما وقعت عليه كان هو المبيع، وقيل فيها غير ذلك.

(1) روى البخاري (2005) ومسلم (1531) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (المُتَبَايعَانِ كل وَاحد منهما بالْخِيَارِ على صَاحِبِهِ، ما لَم يَتَفَرقا، إلا بَيْع الخيًارِ) .

[بالخيًار: له أن يفسخ العقد ويرد البيع. ما لم يتفرقا: يغادر أحَدهما مجلس العقد، فإن غادر أحدهما لزم العقد. بيع الخيار: أن يقول أحدُهما للآخر: اختر العقد أو الفسخ، فإن اختار أحدَهما لزم] .

(2) روى البخاري (2011) ومسلم (1533) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رَجُلا ذَكَر للنبي صلى الله عليه وسلم أنه يخْدعَ في البُيُوعَِ، فقال: (إذَا بَايَعْتَ فَقُل لا خلابَةَ) وعند البيهقي (5/ 273) بإسناد حسن (ثم أنت بالخيار في كل سَلعة ابتعتها ثلاث ليال) .

[بايعت: بعت أو اشتريت. لا خلابة: لا غش ولا خداع] .

(3) روى البخاري (2041) ومسلم (1515) عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلمِ: (لا تُصَروا الإبِلَ والْغنم، فَمنْ ابْتَاعَهَا بَعدُ فَإنَّه بخَيْرِ النّظرَيْنِ بَعْدَ أنْ يَحتَلِبهَا: إنْ شَاءَ أمسَك، إنْ شَاءَ رَدهَا وصَاعَ تمْرٍ) . أي بدل ما أخذه من الحليب.

[لا تصروا: لا تترك أياماً بدون حلب، وربما ربطت أخلافها، حتى يجتمع اللبن في ضرعها ويوهم أنها كثيرة اللبن. ابتاعها بعد: اشتراها بعد تصريتها] .

وله أن يردها قبل الحلب إن علم بالتصرية، وهذا دليل ثبوت خيار الرد بالعيب.

ولا يجوز بيع الثمرة مطلقا إلا بعد بدو صلاحها [1] ولا بيع ما فيه الربا [2] بجنسه رطبا إلا اللبن [3].

"فصل" ويصح السلم [4] حالا ومؤجلا فيما تكامل فيه خمس شرائط:

1 - أن يكون مضبوطا بالصفة

2 - وأن يكون جنسا لم يختلط به غيره

3 - ولم تدخله النار لإحالته

4 - وأن لا يكون معينا [5]

5 - ولا من معين.

(1) روى البخاري (2082) ومسلم (1534) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نهى عَنْ بَيْعِ الثمَارِ حتّى يَبْدُ وصَلاحُها، نهى الْبَائعَ وَالمبْتَاعَ.

[يبدو صلاحها: يظهر نضجها. المبتاع: المشتري] .

وفي رواية عنه عند مسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تَبْتَاعُوا الثمَرَ حَتَى يَبْدُوَ صَلاحُهُ وَتَذْهَبَ عَنْهُ الآفَةُ) أي يضمن عدم إصابته بما يفسده.

(2) أي ما فيه علة الربا وهي كونه أثماناً أو مطعوماً.

(3) لأنه تتحقق فيه المماثلة، أما غيره كالعنب ونحوه فلا تتحقق فيه.

(4) والأصل فيه قوله تعالى: "يَا أيُّهَا الَذينَ آمَنُوا إذَا تَدانيَتُمْ بدين إلى أجَل مسَمّى فَاكْتُبُوهُ" / البقرة: 282/. قال ابن عباس رضي الله عنهما. أراد به السلم.

وروى البخاري (2125) ومسلم (1604) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قَدِمَ النبي صلى الله عليه وسلم المدينةَ وهم يُسْلِفُونَ بالتمر السنتين والثلاث، فقال: (منْ أسْلَفَ في شيء، فَلْيُسْلِفْ في كَيْلٍ معلُوم، وَوَزن مَعْلوم، إلى أجَل مَعْلُومً) .

(5) أي عيناً حاضرة يشار إليها. لأن الأصل في حقيقة السلم كونه ديناً.

ثم لصحة المسلم فيه ثمانية شرائط: وهو أن:

1 - يصفه بعد ذكر جنسه ونوعه بالصفات التي يختلف بها الثمن

2 - وأن يذكر قدره بما ينفي الجهالة عنه

3 - وإن كان مؤجلاً ذكر وقت محله

4 - وأن يكون موجودا عند الاستحقاق في الغالب

5 - وأن يذكر موضع قبضه

6 - وأن يكون الثمن معلوما [1]

7 - وأن يتقابضا قبل التفرق [2]

8 - وأن يكون عقد السلم ناجزا لا يدخله خيار الشرط [3].

"فصل" وكل ما جاز بيعه جاز رهنه في الديون [4] إذا

(1) والأصل فيما سبق من شرائط قوله تعالى في الآية: "إلى أجل مُسَمَّى" وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: (في كيل معلوم، ووزنٍ معلوم إلى أجَل مَعْلُوم) واستنبط ما لم يذكر مما ذكر.

(2) أي أن يقبض المسلمُ إلَيه رأسَ مال السلَم في مجلس العقد، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من أسلَفَ فَلْيُسْلفْ) . وهذا معناه، والله أعلم.

(3) لأن عقد السلم فيه غرر من وجه حيث إنه عقد على معدوم، وفي خيار الشرط غرر من وجه، حيث إن العقد على خطر الإمضاء أو الفسخ، فلا يجمع غرر إلى غرر. ناجزاً: ماضيا مبرماً ونافذاً.

(4) والأصلَ فيه قوله تعالى: "وَإنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ ولم تجدوا كاتباً فَرهان مَقْبوضَة" / البقرة: 283/.

ويصح الرهن في السفر والحضر، فقد روى البخاري (1962) ومسلم

(1603) عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى طعاماً من يهودي إلى أجل. ورهنه درعاً من حديد.

استقر ثبوتها في الذمة وللراهن الرجوع فيه ما لم يقبضه [1] ولا يضمنه المرتهن إلا بالتعدي [2] وإذا قبض بعض الحق لم يخرج شيء من الرهن حتى يقضى جميعه.

"فصل" والحجر على ستة:

1 - الصبي

2 - والمجنون

3 - والسفيه المبذر لماله [3]

4 - والمفلس الذي ارتكبته

(1) أي للراهن الرجوع عن الرهن ما لم يقبض المرتهن العين المرهونة، لقوله تعالى: "فَرِهَان مقبوُضَةٌ" . فلا يلزم الرهن قبل القبض.

(2) لقوله صلي الله عليه وسلم: (لا يَغْلَقُ الرهْنُ مِنْ صَاحبِهِ، لَهُ غُنْمه وعلَيهَ غُرمُهُ) . رواه ابن حبان (1123) والحاكم (2/ 51) وصححه.

[لا يغلق: لا يستحقه المرتهن إذا لم يستفكه الراهن. من صاحبه: أيَ هو من ضمانه فلا يضمن له إلا بالتعدي. غنمه: فوائده وثمراته. غرمه: نفقته ومؤونته] .

(3) قال تعالى: "وَلا تْؤتُوا السفهَاءَ أمْوَالَكُمْ الّتي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيَاماً" / النساء: 5/.

[تؤتوا: تعطوا. السفاء: جمع سفيه وهو الذي لا يحسن التصرف بالما، ويضعه في غير مواضعه. أموالكم: نسب المال إلى الجميع، لأنه مال الله تعالى، وللأمة حق فيه، وإن كان ملكاٌ خاصاً للفرد. قياماً: قوام معايشكم وقضاء حوائجكم بهذه الأموال] .

وقال تعالى: "فَإنْ كَانَ الَذِي عَلَيه الحَق سفيها أو ضعَيِفاً أوْ لا يَسْتَطيع أنْ يُمِل هُوَ فَليُمْلل وليَّه بالعدْلِ) / البقرة: 281/."

[الذي عليه الحق: المستدين. ضَعيفا: لصغر أو اختلال عقل. لا يستطيع أن يمل: لا يحسن الإملاء لعقدة في لسانه ونحوها، والإملاء هنا =

الديون [1]

5 - والمريض المخوف عليه [2] فيما زاد على الثلث [3]

6 - والعبد الذي لم يؤذن له في التجارة.

= أن يقرأ على الكاتب عقد الدين ليكتبه].

ووجه الاستدلال بالآية: أن الله تعالى أخبر أن هؤلاء ينوب عنهم أولياؤهم في التصرفات، وهو معنى الحجر.

وقال تعالى: "وَابْتلُوا اليَتَامى حَتَى إذَا بَلَغُوا النكَاح فَإنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشداً فَادْفَعُوا إلَيهِمْ أموالهُمْ" / النساء: 6/.

[ابتلوا: اختبروا. اليتامى: جمع يتيم وهو من لا والد له. بلغوا النكاح: أصبحوا أهلاً للزواج، والمراد البلوغ. آنستم: لمَسْتُم وعرفتم.

رشداً: سلامة عقل وحسن تصرف وصلاح دين] .

فقد دلت الآية على أن الذي لا يلمس فيه الرشد لا يدفع له ماله، ويحجر عليه.

(1) روى مالك عن عمر رضي الله عنه أنه قال: ألا إن الأسيفِعَ- أسيفع جُهَيْنةَ- رضي من دينه وَأمَانَتِهِ أن يُقالَ: سَبَقَ الحاجَ، فادان مُعْرِضاً عَنِ الْوَفَاءِ، فأَصبح وقد رِينَ به، فمن كان له عنده شيء فليحضر غداً، فإنَّا بائعو مالِهِ وقاسمِوه بين غرمائِه ثم إياكَم وَالدينَ، فإن، أوَّلَهُ هَم وآخِرَهُ حُزْنِِّّ. (نهاية) [فادان: استدان. معرضاً عن الوفاء: أي ولم يوف ديونه وتهاون بها. رين به: تراكم عليه من الديون ما لا يستطيع وفاءه. غرمائه: جمع غريم وهو صاحب الدين، وتطلق على المدين] .

(2) أي الموت من مرضه.

(3) دل على ذلك ما رواه البخاري (1233) ومسلم (1628) عن سعد ابن أبي وقاص رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَعودُني عام حجة الوَداع، من وَجعَ اشتَد بي، فقلت: إني قد بَلغ بي من =

وتصرف الصبي والمجنون والسفيه غير صحيح وتصرف المفلس يصح في ذمته دون أعيان ماله وتصرف المريض فيما زاد على الثلث موقوف على إجازة الورثة من بعده وتصرف العبد يكون في ذمته يتبع به بعد عتقه.

"فصل" ويصح الصلح مع الإقرار [1] في الأموال وما أفضي إليها [2] وهو نوعان:

1 - إبراء

2 - ومعاوضة:

فالإبراء: اقتصاره من حقه على بعضه ولا يجوز تعليقه على شرط على شرط.

= الوجع، وأنا ذُو مَال، ولا يَرِثُني إلا ابنَة، أفأتَصَدقُ بثلُثَيْ مالي؟ قال: (لا) فقلت: باًلشَّطرِ؟ فقال: (لا) ثم قال: (الثُّلُثُ، والثُلُثُ كَبِيرٌ أو كثِير، إنكَ أنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أغْنِيَاءَ خَيْرُ مِنْ أنْ تَذرًهُمْ عَالَةً يَتَكَففونَ الناسَ) .

[بلغ بي من الوجع: أي مبلغاً شديداً أتوقع منه الموت. بالشطر: بالنصف.

عالة: فقراء. يتكففون: يسألون بأكفهم، أو يطلبون ما في أكف الناس] .

(1) من المدعى عليه بالمدعى به المصالح عليه.

(2) أي ما يؤول أمره إلى الأموال، كمن استحق قصاصاً على آخر، فصالحه منه على مال. والأصل في مشروعيته: قوله تعالى: "والصلْح خير" / النساء: 128/. وقوله صلى الله عليه وسلم: (الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ المَسْلِمِينَ إلا صُلْحاً حَرَّمَ حَالالاً أو أحَل حَرَاماً. وَالمسْلِمُونَ عَلى شْرُوطِهِمْ، إلا شَرْطَاً حَرَّمَ حَلالاً أوْ أحَل حرَاماً) . رواه الترمذي (1352) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

والمعاوضة: عدوله عن حقه إلى غيره ويجري عليه حكم البيع [1].

ويجوز للإنسان أن يشرع روشناً [2] في طريق نافذ بحيث لا يتضرر المار به [3] ولا يجوز في الدرب المشترك إلا بإذن الشركاء.

ويجوز تقديم الباب في الدرب المشترك ولا يجوز تأخيره إلا بإذن الشركاء.

"فصل" وشرائط الحوالة أربعة أشياء [4]:

1 - رضا المحيل

(1) من ثبوت خيار المجلس والشرط، والرد بالعيوب، وغير ذلك.

(2) جناحاً، وهو امتداد جزء من السقف فوق الجدار خارجاً عنه إلى الطريق. ودل على جواز ذلك: أنه صلى الله عليه وسلم نصب بيده ميزاباً في دار عمه العباس رضي الله عنه، وكان شارعاً إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه أحمد في مسنده والبيهقي والحاكم. وقيس على الميزاب غيره. (كفاية) .

(3) فإن تضرر به أحد كالمارة، أو كان يطل على دار غيره، فإنه يمنع منه، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) . رواه ابن ماجه (2340، 2341) وغيره.

(4) والأصل في مشروعيتها: ما رواه البخاري (2166) ومسلم (1564) عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَطْلُ الغَني ظُلم، فَإذَا أُتْبع أحَدُكُمْ عَلى مَلِيء فَليَتبع) وفي رواية (وَإذا أحِيلَ أحَدُكُم عَلى مَليء فَلْيَحْتَلْ) .

الإَمام أحمد في مسنده (2/ 463) .

[مطل: تأخير ما استحق أداؤه. الغني: المستدين الواجد لوفاء الدين.

ظلم: تعد على غيره وهو محرم عليه. مليء: غني قادر على وفائه دينه] .

2 - وقبول المحتال

3 - وكون الحق مستقرا في الذمة

4 - واتفاق ما في ذمة المحيل والمحال عليه: في الجنس والنوع والحلول والتأجيل وتبرأ بها ذمة المحيل.

"فصل" ويصح ضمان الديون المستقرة في الذمة إذا علم قدرها [1] ولصاحب الحق مطالبة من شاء من الضامن والمضمون عنه [2] إذا كان الضمان على ما بينا. وإذا غرم

(1) روى البخاري (2168) عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتي بجنَازَة، فقالوا صَل عليها فقال (هَلْ عَلَيْهَا ديَنْ) قالوا: لا، قال: (فَهَلْ تَرَك شيئاً) قالوا: لا، فصلَى عليه. ثم أتي بجنَازة أُخرى، فقالوا: يا رسولَ الله صل عليها، قال: (هَلْ عَلَيْه دَيْن) قيل: نعم، قال: (فَهَلْ تَرَكَ شيئاً) قالوا: ثلاثةَ دَنَانير "فصلَى عليها. ثم أتِيَ بالثالثة، فقالوا: صل عليها، قال (هل تَرَكَ شيئاً) قالوا: لا، قال: (فهل عليه دَين) قالوا: ثلاثةُ دَناير، قال: (صَلوا عَلى صَاحِبِكُم) . قال أبو قتادة: صل عليه يا رسول الله وعلي دَيْنه، فصلَّى عَلَيْهِ. وعند النسائي (4/ 65) قال النبي صلى الله عليه وسلم (بالوفاء) قال: بالوفاء، فصلى عليه."

أي هذا العهد عليك أن تفي به. وعند ابن ماجه (2407) : فقال أبو قتادة: أنا أتكفل به.

ويسُتأنَسُ لهذا بقوله تعالى: "وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بعِير وأنا بِه زعِيم" / يوسف: 72/. زعيم: كفيل وضامن، وكان حمل البعير معلوم القدر لديهم.

(2) أما الضامن: فلقوله صلى الله عليه وسلم: (الْعَاريةُ مُؤداة،=

الضامن رجع على المضمون عنه إذا كان الضمان والقضاء بإذنه ولا يصح ضمان المجهول ولا ما لم يجب [1] إلا درك المبيع [2].

"فصل" والكفالة بالبدن جائزة إذا كان على المكفول به حق لآدمي [3].

"فصل" وللشركة خمس شرائط [4]:

1 - أن يكون على ناض [5] من الدراهم والدنانير

2 - وأن يتفقا [6] في الجنس والنوع

3 - وأن يخلطا المالين

4 - وأن يأذن كل واحد منهما

وَالزعِيمُ غَارم). أي الكفيل ضامن. رواه الترمذيَ (1265) وحسنه.

وأما المضَمون عنه: فلقوله صلى الله عليه وسلم لأبي قتادة رضي الله عنه، بعدما أدى الدين الذى التزمه عن الميت (الآنَ بَرَدَتْ عليه جِلْدُه) .

رواه أحمد (3/ 330) .

(1) أى يثبت ويستقر في الذمة، كأن يقول: ضمنت لك ما ستقرضه لفلان.

(2) وهو أن يضمن للمشتري الثمن، إذا خرج المبيع مستحقاً لغير البائع، أو معيباً، ونحو ذلك. فهذا ضمان لما لم يثبت ويستقر، وجاز للحاجة إليه.

(3) ويستأنس لجوازها بقوله تعالى: "فخُذْ أْحَدَنَا مَكَانَهُ إنا نَرَاكَ مِنَ المُحسْنِينَ" / يوسف: 78/.

(4) ودل على مشروعيتها ما رواه أبو داود (3383) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (إن اللهَ يقول: أنَا ثَالِث الشر يكَين ِماَ لَمْ يخُنْ أحدُهُمَا صَاحبه، فَإذَا خَانَهُ خرَجتُ مِنْ بَيْنِهِما) .

[ثالث الشرَيكين: أي معهما بالحفظ والإعانة وإنزال البركة في مالهما.

خرجت من بينهما: نزعت البركة من مالهما] .

(5) أي نقد متعامل به كأثمان.

(6) أي المالان اللذن هما أصل الشركة.

لصاحبه في التصرف

5 - وأن يكون الربح والخسران على قدر المالين.

ولكل واحد منهما فسخها متى شاء وإذا مات أحدهما أو بطلت.

"فصل" وكل ما جاز للإنسان التصرف فيه بنفسه جاز له أن يوكل فيه أو يتوكل [1].

(1) دل على ذلك أحاديث كثيرة، منها: في قضاء الدين: ما رواه البخاري (2182) ومسلم (1601) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان لرجل على النبي صلى الله عليه وسلم سِن مِنَ الإبِلِ، فجاءه يَتَقَاضاهُ، فقال: (أعْطُوهُ) فطلبوا سنه فلم يجدوا له إلا سناً فوقها، فقال (أعْطُوهُ) فقال: أوفيتني أوفى الله بك، قال النبي صلى الله عليه وسلم (إن خِيَارَكُم أحسَنُكم قَضَاءً) .

[سن من الإبل: واحد من الإبل في سن معينة] .

وفي الشراء: ما رواه الترمذي (1258) بإسناد صحيح، عن عروة البارقي رضيَ الله عنه قال: دَفعً إلي رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ديناراً لأشتريَ له شاة، فاشريتُ له شاتَيْنِ، فبعتُ إحداهما بدينار، وجئتُ بالشاةِ والدينارِ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليهَ وسلم، فذكرتُ له ما كانَ مِنْ أمْري، فقال: (بَارَكَ اللهُ لكَ في صَفْقَةِ يمينِك) .

وفي الزواج: ما رواه البخاري (2186) ومسلم (1425) عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: جاءت امرأةٌ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسولَ اللهِ، إنَي قَدْ وَهَبْتُ لك مِنْ نَفْسي، فقال رجل: زَوًجْنيها، قال: (قَدْ زَوَجْنَاكَهَا بمَا معَكَ مِنَ القُرآنِ) .

[وهبت لك: جعلت لك أمري، لتتزوجني أو تزوجني. بما معك: أي تعلمها ما تحفظ ويكون ذلك مهرا لها] .

والوكالة عقد جائز [1] ولكل منهما فسخها متى شاء وتنفسخ بموت أحدهما والوكيل أمين فيما يقبضه وفيما يصرفه ولا يضمن إلا بالتفريط.

ولا يجوز أن يبيع ويشتري إلا بثلاثة شرائط:

1 - أن يبيع بثمن المثل

2 - وأن يكون نقدا بنقد البلد

3 - ولا يجوز أن يبيع من نفسه ولا يقر على موكله إلا بإذنه.

"فصل" والمقر به [2] ضربان:

1 - حق الله تعالى

2 - وحق الآدمي:

فحق الله تعالى يصح الرجوع فيه عن الإقرار به [3] وحق الآدمي لا يصح الرجوع فيه عن الإقرار به.

(1) أي لا يلزم بالاستمرار فيها الوكيل ولا الموكل.

(2) والأصل في مشروعية الإقرار: قوله تعالى: "كُونوا قَوَامينَ بالقِسْطِ شهَدَاءَ للهِ ولَوْ عَلى أنْفُسِكُمْ" / النساء: 135/.

[قوامين بالقسط: مواظبين على إقامة العدل في جميع الأمور] . والشهادة على النفس هي الإقرار.

وقوله صلى الله عليه وسلم: (اغْدُ يا أنَيْسُ عَلى امرأةِ هذا، فَإنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا) . فغدا عليها فاعترفَتْ، فأمَرَ بها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فرجمَتْ. رواه البخاري (2575) ومسلم (1697) .

(3) دل على ذلك: ما جاء في قصة رجم ماعزٍ رضي الله عنه: أنَّه لما وجَدَ مس الحجارة فَرَّ، فأدْرَكُوهُ وَرَجَموهُ، وَأخبرَ بذلك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال: (هَلا تَرَكْتُموَه) . البخاري (4970) ومسلم (1691) والترمذي (1428) .

وتفتقر صحة الإقرار إلى ثلاثة شرائط:

1 - البلوغ

2 - والعقل

3 - والاختيار [1]

وإن كان بمال اعتبر فيه شرط رابع وهو:

4 - الرشد.

وإذا أقر بمجهول رجع إليه في بيانه ويصح الاستثناء في الإقرار إذا وصله به وهو في حال الصحة والمرض [2] سواء.

"فصل" وكل ما يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه جازت إعارته [3] إذا كانت منافعه آثارا [4].

(1) فلا يعتد بإقرار المكره بما أكره عليه. روى ابن ماجه (2044) عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن اللهَ تَجَاوَز لأمتَي عَما تُوَسْوِسُ بِهِ صُدورُها، ما لَمْ تعْمَل به أوْ تتَكَلَّمْ بِهِ، وَمَا استُكرِهُوا عَلَيْه) . أي إنه سبحانه وتعالى أسقَط التكليف عن المكره فيما استكره عليه، فَلا يصح إقراره فيما أكره على الإقرار به. بل إن الله تعالى ألغى اعتبار الاقرار بالكفر حال الإكراه مع طمأنينة القلب، فقال تعالى: "إلا مَنْ أكْرِهَ وَقلْبُهُ مطْمَئِن بالإيمان" / النحل: 106/. فلا اعتبار للإقرار بغيره من باب أولى.

(2) أي مرض الموت.

(3) الأصل فيها قوله تعالى: "وَيَمْنَعُونَ المَاعُون" / الماعون: 7/.

والمراد به ما يستعيره الجيران بعضهم من بعض كما فسره الجمهور.

وروى البخاري (2484) ومسلم (2307) : أنه صلى الله عليه وسلم استعار فرساً من أبي طلحة رضي الله عنه فركبه.

(4) الأصح أنه يجوز استعارة ما تكون منفعته عيناً، كأن يستعير شجرة ليأكل ثمرها، ولكنه لا يصح استعارة ما تستهلك عينه في الاستعمال، كشمعة ونحوها. نهاية.

وتجوز العارية مطلقة ومقيدة بمدة وهي مضمونة على المستعير بقيمتها يوم تلفها [1].

"فصل" ومن غصب مالا لأحد لزمه رده [2] وأرش نقصه وأجرة مثله فإن تلف: ضمنه بمثله إن كان له مثل أو بقيمته إن لم يكن له مثل أكثر ما كانت من يوم الغصب إلى يوم التلف.

"فصل" والشفعة واجبة بالخلطة دون الجوار فيما ينقسم دون ما لا ينقسم وفي كل ما لا ينقل من الأرض كالعقار وغيره بالثمن الذي وقع عليه البيع [3].

(1) روى أبو داود (3562) : أنه صلى الله عليه وسلم استعار يوم حنين من صفوان بن اميَّةَ أدراعاً، فقال له: أغَصْبٌ يا مُحمُّدُ؟ فقال: (لاَ، بَل عَارِيَة مضْمُونَةً) .

(2) لخبر أبي داود (3561) والترمذي (1266) عن سَمُرَةَ رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عَلى اليَدِ مَا أخَذَتْ حتى تُؤدًيَ) .

والغصب من الكبائر، والأصل في تحريمه آيات كثيرة، منها: قوله تعالى: "وَلا تَأكُلُوا أمْوَالَكُمْ بينَكُم بالبَاطِلِ" / البقرة: 188 /

وأحاديث كثيرة، منها: قوله صلى الله عليه وسلم في خطبته بمنى: (إنَ دِمَاءَكُمْ وَأموَالَكُمْ وَأعرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيكُمْ، كَحرمَةِ يَوْمِكُمْ هَذا، في بَلَدكُمْ هَذَا) . رواه البخاري (انظر 67) ومسلم (1218) وغيرهما.

(3) والأصل فيما سبق: ما رواه البخاري (2138) ومسلم (1608) عن جابر رضي الله عنه قال: قَضَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالشّفْعَة =

وهي على الفور فإن أخرها مع القدرة عليها بطلت [1].

وإذا تزوج امرأة على شقص [2] أخذه الشفيع بمهر المثل.

وإذا كان الشفعاء جماعة استحقوها على قدر الأملاك.

"فصل" وللقراض [3] أربعة شرائط:

1 - أن يكون على ناض من الدراهم والدنانير

2 - وأن يأذن رب المال للعامل في التصرف مطلقا أو فيما لا ينقطع وجوده غالباً

3 - وأن يشترط له جزءاً معلوما من الربح [4]

4 - وأن لا يقدر بمدة.

= في كُل مَا لَمِْ يُقسْمَْ، وعند مسلم: في أرض أوْ رَبعْ أو حَائِط.

فَإذا وَقَعَتِ الحُدُودُ وَصُرِّفَتِ الطرُقُ فلا شُفْعةَ.

[الربع: المنزل. الحائط: البستان] .

(1) روى ابن ماجه (2500) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الشفْعَةُ كَحَل العقَال) .

أي إنها تفوتُ عند عدم المبادرة إلى طلبها، كما يفوت البعيرَ الشرود إذا حُل عقاله، أي رباطه، ولم يبادر إليه.

(2) قطعة من أرض، أو سهم من عقار.

(3) ويسمى مضاربة، والأصل فيه الإجماع وعمل الصحابة رضي الله عنهم. قال في تكملة المجموع (14/ 191) : قال ابن المنذر: وأجمع أهل العلم على جواز المضاربة في الجملة. وقال الصنعاني: لا خلاف بين المسلمين في جواز القراض. وأنه مما كان في الجاهلية فأقره الإسلام.

ونقل العمل بهذا عن عدد من الصحابة، منهم عمر وابنه عبد الله وعثمان ابن عفان، رضي الله عنهم. انظر الموطأ: كتاب القراض (2/ 687) .

(4) أي نسبة معينة، كنصف أو ثلث.

ولا ضمان على العامل إلا بعدوان [1]

وإذا حصل ربح وخسران جبر الخسران بالربح.

"فصل" والمساقاة جائزة على النخل والكرم [2] ولها شرطان:

1 - "أحدهما" أن يقدرها بمدة معلومة

2 - "والثاني" أن يعين للعامل جزءا معلوما من الثمرة.

ثم العمل فيها على ضربين

1 - عمل يعود نفعه إلى الثمرة فهو على العامل

2 - وعمل يعود نفعه إلى الأرض فهو على رب المال.

"فصل" وكل ما أمكن الانتفاع به مع بقاء عينه صحت إجارته [3] إذا قدرت منفعته بأحد أمرين بمدة أو عمل

(1) أي بتعد في التصرف، أو تقصير بالعمل مما هو مطالب فيه.

(2) والأصل فيها ما رواه البخاري (2203) ومسلم (1551) ، عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أعطَى خيْبَرَ بشَطْرِ ما يَخرُجُ منها من ثَمَرٍ أو زرع.

وفي رواية لمسلم: دفعً إلى يَهود خيْبرَ نَخْلَ خيبر وأرضها، على أنْ يَعْمَلوها من أموالِهِمْ، وأن لرسول الله صلى الله عليه وسلم شطْرَها.

فثبت ذلك في النخل بالنص، وقيس عليه شجر العنبر.

ويجوز في الزرع إذا كان تبعاً للشجر، كما جاء في الحديث.

(3) دل على مشروعيتها: آيات، منها: قَوْل "اللهِ تعالى:" فَإنْ أرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهن أجُورَهُن "/ الطلاق: 6/."

وأحاديث، منها: ما رواه البخاري (2150) عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي=

وإطلاقها يقتضي تعجيل الأجرة إلا أن يشرط التأجيل

ولا تبطل الإجارة بموت أحد المتعاقدين وتبطل بتلف العين المستأجرة ولا ضمان على الأجير إلا بعدوان.

"فصل" والجعالة جائزة وهو أن يشترط في رد ضالته عوضا معلوما فإذا ردها استحق ذلك العوض المشروط [1].

= صلى الله عليه وسلم قال: قالَ اللهُ تَعَالى: ثَلاثَة أنَا خَصْمُهمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُل أعْطَى بي ثم غَدَرَ، ورجُل بَاعَ حَرّاً فأَكَلَ ثَمَنَهُ، ورَجُلٌ استَأجَرَ أجيراً فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِه أجْرَهُ).

[أعطى بي: عاهد بالله تعالى. فاستوفى منه: العمل الَذي استأجره عليه] .

وروى البخاري (2159) ومسلم (1202) عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: احْتَجَمَ النبي صلي الله عليه وسلم وأعطَى الحجامَ أجرَهُ، ولو عَلِمَ كَرَاهيَة لَم يُعطه. أي كراهية لمثل هذا العمل أو أخذ الأجر عليه. والمرَاد بالكراهية هَناَ الحرمة، وإلا فهذا العمل من الصنائع المكروهة.

(1) واستدل لمشروعية ذلك بما رواه البخاري (2156) ومسلم (2201) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن نَفَراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إستضافُوا قوماً فلم يضيفوهم، فلُدِغَ سيدهم، فرقاه أحد الصحابة بالفاتحة على قطيع من غنم، فشفي وأخذوا الجعل، وأخبروا بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (قد أصبتم، اقسِمُوا، واضرِبُوا لى مَعَكُم سَهْماً) . هذا مختصر الحديث.

[لدغ: ضربته حية أو عقرب. فرقاه: من الرقية، وهي كل كلام استشفي به من وجع أو غيره. قطيع: طائفة من الغنم. الجعل: الأجرة التي التزمها. اضربوا: اجعلوا. سهماً: نصيباً] .

"فصل" وإذا دفع إلى رجل أرضا ليزرعها وشرط له جزءا معلوما من ريعها لم يجز [1]. وإن أكراه إياها بذهب أو فضة أو شرط له طعاما معلوما في ذمته جاز [2].

"فصل" وإحياء الموات جائز بشرطين:

1 - أن يكون المحيي مسلما

2 - وأن تكون الأرض حرة لم يجر عليها ملك لمسلم [3]

(1) ريعها: غلتها وإنتاجها، وهذا ما يسمى بالمزارعة، والأصل في عدم جوازها: ما رواه البخاري (2214) ومسلم (1548) واللفظ له، عن رافع بن خَديج رضي الله عنه قال: كنا نحاقِلُ الأرضَ على عَهْد رسول الله صَلى الله عليه وسلم، فَنُكرِيهَا بالثلُثِ والربعُِ والطعامِ اَلمسمَىَ، فجاءنا ذات يوم رجل من عمومتى فقال: نهانا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن أمر كانَ لنا نافعا، وطَواعِيةُ الله ورسوله أنفعُ لنا: نهانا أن نحاقلَ بالأرض فنكريَها على الثلثِ والربعِ والطعامَ المسمى، وأمرَ رب الأرضِ أن يَزْرَعهَا أو يُزْرِعَها، وكره كراءها وما سوى ذلك.

[الطعام المسمى: الظاهر أن المراد بالطعام المسمى جزء معين مما يخرج من الأرض، أو أن النهي منصب على ما قبله من الكراء بالربع والثلث.

كره كراءها: بجزء مما يخرج منها.]

(2) روى مسلم (1549) عن ثابت بن الضحَاك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المُزَارَعَة وَأمَرَ بالمؤَاجَرَة وقال: (لا بأس بها) .

(3) روى البخاري (2210) عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَن أعمَرَ أرضاً ليستْ لأحَد فَهوَ أحق) أي أحق بها من غيره، والإعمار والإحياء بمعنى، وهو استصلاحها بالزرع أو البناء. وروى البخاري أيضا تعليقاً (46/ 13) : (في غير حق مسلم) .

وصفة الإحياء ما كان في العادة عمارة للمُحيا.

ويجب بذل الماء بثلاثة شرائط:

1 - أن يفضل عن حاجته [1]

2 - وأن يحتاج إليه غيره لنفسه أو لبهيمته

3 - وأن يكون مما يستخلف في بئر أو عين [2].

"فصل" والوقف جائز بثلاثة شرائط:

1 - أن يكون مما ينتفع به مع بقاء عينه

2 - وأن يكون على أصل موجود وفرع لا ينقطع [3]

3 - وأن لا يكون في محظور [4].

وهو على ما شرط الواقف: من تقديم أو تأخير أو تسويه أو تفضيل [5].

(1) روى البخاري (2230) ومسلم (107) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثَلاثَة لا يَنظرُ اللهُ إليهم يومَ القيامة ولا يُزَكيهمَ ولهمْ عَذَابٌ أليمٌ: رجُل كانَ لَهُ فضْلُ مَاء بالطَريَقِ فمَنَعَهُ مِنِ ابنِ السَّبيلِ ... ) .

[لا ينظر إليهم: نظر رحمة وإكَرام. يزكيهم: يطهرهم من إثم ذنوبهم. ابن السبيل: المسافر.]

وروى مسلم (1565) عن جابر رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بَيعِ فَضْل المَاءِ.

(2) يبقى ولم يُحْرَز في إناء ونحوه.

(3) أي أن يكون الموقوف عًليه أو نوعه موجوداً حين الوقف: وأن لا يكون مما ينقطع نوعه، إلا إذا عين جهة أخرى لا تنقطع. كما إذا أوقف على أولاده ثم الفقراء من بعدهم.

(4) أي محرم شرعاً.

(5) والأصل فيما سبق: ما رواه البخاري (2586) ومسلم (1632) عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن عمرَ بن الخطاب - رضي الله عنه - أصاب أرضاً بخيبَرَ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يَسْتَأمِرُهُ فيها، فقال: =

"فصل" وكل ما جاز بيعه جازت هبته [1] ولا تلزم

= يا رسول الله. إني أصبْتُ أرضاً تجيبرَ لمِ أُصِبْ مالاً قطُّ أنفَسَ عنْدي منه؟ فما تأمُرُ به؟ قال: (إنْ شِئْتَ حبسْتَ أصْلَهَا وَتْصَدَقتَ بها) .

قال: فتصدقَ بها عمرُ: أنَه لا يباعُ ولا يوهَب ولا يُورَثُ، وتَصَدق بها الفقراء وفي القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابنِ السبيلِ والضيْفِ، لا جُنَاح على من وَلِيَها أنْ يأكلَ منها بالمعرَوفِ ويُطْعِمَ، غَيْرَ مُتَمَوِّل.

[أصًاب: أخذها وصارت إليه بالقسم حين فتحت خيبر وقسمت أرضها.

يستأمره: يستشيره. أنفس: أجود. حبست: وقفت. بها: بثمرتها وغلتها.

في الرقاب: تحرير العبيد. جناح: إثم. وليها: قام بأمرها. غير متمول: أي لا يصح مال منها] .

وقد حث الإسلام على الوقف، ودل على ذلك ما رواه مسلم (1631) عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مات الإنسانُ انقَطَع عنه عمله إلا مِن ثلاثة: مِنْ صَدَقَة جَاريَة، أوْ عِلْم ينتَفَع بهِ، أو وَلَد صالِح يَدْعُو لَهُ) . وحًمل العلًماء الصدقة الجارية على الَوقف.

(1) دل على مشرعية الهبة: قوله تعالى: "وَآتُوا النساءَ صَدُقَاتِهِن نِحلَةً فَإنْ طِبْن لكُمْ عَنْ شيء مِنْهُ نَفْساً فكلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً" / النساء:4 /.

[صدقاتهن: جمع صداق وهو المهر. نحلة: عطية مفروضة. طبن: وهبن. نفساً: طابت نفوسهن بذلك. هنيئاً مريئاً: حلالاً طيباً سائغاً] .

وما رواه البخاري (2437) ومسلم (1077) واللفظ له، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان إذا أتي بطعام سأل عنه: فإن قِيلَ هدِيةٌ أكلَ منها. وإنْ قِيلَ صدَقة لم يأكلْ منهًا.

الهبة إلا بالقبض [1] وإذا قبضها الموهوب له لم يكن للواهب أن يرجع فيها إلا أن يكون والدا [2]

وإذا أعمر شيئا أو أرقبه كان للمعمر أو للمرقب ولورثته من بعده [3] "."

(1) أي لا تخرج العين الموهوبة من ملك الواهب وتدخل في ملك الموهوب له قبل أن يقبضها، وللواهب أن يرجع عن الهبة قبل القبض، وقد دل على ذلك ما رواه الحاكم وصححه: أنه صلى الله عليه وسلم أهْدَى للنَّجاشيِّ مسْكاً فَماتَ قَبْلَ أنْ يصِلَ إلَيْهِ، فَقَسَمَهُ النبي صلى الله عليه وسلمَ بين نِسائه. (2/ 188)

(2) روى البخاري (2449) ومسلم (1622) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: (العائِدُ في هِبَتهِ، كالكلب يَقيءُ، ثم يَعُودُ في قَيئِهِ) وروى أبو داود (3539) والترَمذي (2133) وقال: حَسَن وصحيح، عن ابن عمر وابن عباس رضى الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال: (لا يَحِل لَرَجُلٍ أنْ يُعطيَ عَطِيَّةً أو يَهبَ هبة فيَرْجِعَ فيها، إلا الوالدَ فيما يُعْطي لوَلَدِهِ) .

(3) العمرى: أن يقول له: أعمرتك هذا العقار، أي جعلته لك مدة عمرك فإذا مت رجع إلي. والرقبى: أن يقول له: أرقبتك هذا الشيء، فإذا متّ قبلي عاد إلي وإن مت قبلك استقر لك.

روى مسلم (1625) عن جابر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أيَّمَا رَجُل أعْمر رجلا عُمْرَى لَهُ ولعَقبه، فقال: أعطيتُكَها وعقبكَ مَا بقيَ منِكُمْ أحَد، فَإنَها لَمَنَ أعْطِيَ وَعَقبهِ لا ترجِعُ إلى صَاحبهَا، مِنْ أجل أنهُ أعْطَى عًطَاءً وَقَعَت فيه الَمَوًارِيث) . أي دخل في حكم ما يورث. وثبت فيه حق الورثة.

وروى أبو داود (3558) والترمذي (1351) وقال حديث حسن.

"فصل" وإذا وجد لقطة في موات أو طريق فله أخذها أو تركها وأخذها أولى من تركها إن كان على ثقة من القيام بها

وإذا أخذها وجب عليه أن يعرف ستة أشياء:

1 - وعاءها

2 - وعفاصها

2 - ووكاءها

3 - وجنسها

4 - وعددها

5 - ووزنها

6 - ويحفظها في حرز مثلها

ثم إذا أراد تملكها عرفها سنة على أبواب المساجد وفي الموضع الذي وجدها فيه فإن لم يجد صاحبها كان له أن يتملكها بشرط الضمان [1]

واللقطة على أربعة أضرب:

1 - أحدها: ما يبقى على الدوام فهذا حكمه.

= عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (العُمرى جَائِزَة لأهْلِهَا، وَالرقبى جَائزَةٌ لأهْلِهَا) . أي نافذة وماضية.

(1) والأصل في مشروعية اللقطة وأحكامها أحاديث، منها: ما رواه البخاري (2296) ومسلم (1722) عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئلَ عَنِ اللقَطَةِ: الذهَبِ أو الوَرق؟ فقال: (اعْرِف وكَاءَها رَعفَاصَها، ثم عرَفْها سَنَةً، فَإن لًمْ تَعْرِفْ فَاسْتَنْفِقْهَا، وَلتكَنْ وَدِيعَةً عِنْدَكَ، فَإن جَاءَ طَالِبُها يوماً مِنَ الدهْرِ فأدها إليه) .

وفي رواية للبخاري (2294) ومسلم (1723) عن أبي بن كعب رضي الله عنه: فقال: (اعْرِفْ عِدتها ووكِاءَها ووِعَاءَها، فإنْ جاء صاحبها، وَإلا فاسْتَمْتع بها) .

[الورق: الفضة، وكاءها: ما يربط به فم الكيس ونحوه. عفاصها: الوعاء الذي تكون فيه. لم تعرف: أي مالكها. فاستنفقها: تملكها أو استهلكها. ولتكن: هىِ أو قيمتها، وديعة: أي مضمونة عليك كالوديعة] .

2 - الثاني ما لا يبقى كالطعام الرطب فهو مخير بين أكله وغرمه أو بيعه وحفظ ثمنه.

3 - الثالث ما يبقى بعلاج كالرطب فيفعل ما فيه المصلحة: من بيعه وحفظ ثمنه أو تجفيفه وحفظه

4 - الرابع ما يحتاج إلى نفقة كالحيوان وهو ضربان:

1 - حيوان لا يمتنع بنفسه فهو مخير بين أكله وغرم ثمنه أو تركه والتطوع بالإنفاق عليه أو بيعه وحفظ ثمنه.

2 - وحيوان يمتنع بنفسه فإن وجده في الصحراء تركه وإن وجده في الحضر فهو مخير بين الأشياء الثلاثة فيه [1].

"فصل" وإذا وجد لقيط بقارعة الطريق فأخذه وتربيته وكفالته واجبة على الكفاية [2] ولا يقر إلا في يد أمين فإن وجد معه مال أنفق عليه الحاكم منه وإن لم يوجد معه مال فنفقته في بيت المال [3].

(1) جاء في حديث زيد بن خالد رضي الله عنه: وسأله عن ضَالَّةِ الإبِلِ؟ فقال: (مالَكَ وَلها، دَعْها فإن مَعَهَا حِذَاءَها وسقَاءَها، تَرِدُ المَاءَ وتَأكُلُ الشَّجرَ حتَى يجدَها ربهَا) . وسأله عنَ الشَاة؟ فقال: (خُذها فإنما هي لكَ، أو لَأخِيكَ، أوْ للذئبِ) .

[معها حذاءها وسقاءها: أيَ تقوى بخفها على قطع الصحراء، كما أنها تملأ كرشها بما يكفيها أياماً. هي لك ... : إما أن تأخذها أنت وإما أن يأخذها غيرك، وإما أن يأكلها الذئب] .

(2) حفظاً لنفسه المحترمة عَن الهلاك، وإحياءً للنفس التي قال الله تعال فيها: "وَمَنْ أحْيَاهَا فَكَأنمَا أحْيا الناسَ جَمِيعا" / المائدة: 32/.

(3) لأن عمر رضي الله عنه استشار الصحابة في نفقة اللقيط فأجمعوا على أنها في بيت المال. مغني المحتاج: 2/ 421

"فصل" والوديعة أمانة [1] ويستحب قبولها لمن قام بالأمانة فيها ولا يضمن إلا بالتعدي وقول المودع مقبول في ردها على المودع

وعليه أن يحفظها في حرز مثلها وإذا طولب بها فلم يخرجها - مع القدرة - عليها حتى تلفت ضمن.

(1) والأصل في مشروعيتها: آيات، منها: قوله تعالى: "فَإنْ أمنَ بَعضُكُمْ بَعْضاً فَليؤدَ الَّذِي اؤْتُمِنَ أمَانتَهُ" / البقرة: 283/.

وأحاديث، منها: ما رواه أبو داود (3535) والترمذي (1264) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أدَ الأمَانَةَ إلى مَن ائتَمنَك، ولا تَخُنْ مَنْ خَانك) .

كتاب الفرائض والوصايا

Kitab al-Faraidh wa al-Washaya (Warisan dan Wasiyat)

الوارثون من الرجال عشرة:

1 - الابن

2 - وابن الابن وإن سفل

3 - والأب

4 - والجد وإن علا

5 - والأخ

6 - وابن الأخ وإن تراخى [1]

7 - والعم

8 - وابن العم وإن تباعد

9 - والزوج

10 - والمولى المعتق

الوارثات من النساء سبع:

1 - البنت

2 - وبنت الابن

3 - والأم

4 - والجدة

5 - والأخت

6 - والزوجة

7 - والمولاة المعتقة

ومن لا يسقط بحال خمسة:

1 - 2 - الزوجان

3 - 4 - والأبوان

5 - وولد الصلب [2].

ومن لا يرث بحال سبعة:

1 - العبد

2 - والمدبر [3]

3 - وأم الولد [4]

4 - والمكاتب [5]

5 - والقاتل [6]

6 - والمرتد

7 - وأهل

(1) بَعدَ، كابن ابن الأخ.

(2) أي الولد المباشر وهو الابن والبنت.

(3) هو المعلق عتقه على موت سيده.

(4) هي الأمة التي وطئها سيدها وحملت منه بولد.

(5) هو الذي تعاقد مع سيده على أن يُؤتيَهُ مقداراً من المال، فإذا أداه أصبح حراً. ولا يرث هذا ومن قبله لأنهم لا يملكون أصلا.

(6) لقوله صلى الله عليه وسلم: (القَاتِلُ، لا يرثُ) رواه الترمذي (2110) .

ملتين [1].

وأقرب العصبات [2]: الابن ثم ابنه ثم الأب ثم أبوه ثم الأخ للأب والأم ثم الأخ للأب ثم ابن الأخ للأب والأم ثم ابن الأخ للأب ثم العم على هذا الترتيب ثم ابنه فإن عدمت العصبات فالمولى المعتق.

"فصل" والفروض المذكورة في كتاب الله تعالى ستة [3]:

1 - النصف

2 - والربع

3 - والثمن

4 - والثلثان

5 - والثلث

6 - والسدس

فالنصف فرض خمسة:

1 - البنت [4]

2 - وبنت الابن [5]

3 - والأخت من الأب والأم

4 - والأخت من الأب [6]

5 - والزوج إذا لم

(1) أي مسلم وكافر، لما رواه البخاري (6383) ومسلم (1614) عن أسامة بن زيد رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يَرِثُ المُسلِمُ الكَافِرَ وَلا الكَافِرُ المُسْلِمَ) والمرتد كافر.

(2) جمع عصبَة، وهو: الذي يرث ما فضل من المال، بعد أن يأخذ أصحاب الفروض المقدرة سهامهم. روى البخاري (6351) ومسلم (1615) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال عليه الصلاة والسلام: (ألْحقُوا الْفَرَائِضَ بأهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فهو لأوْلى رَجُل ذَكَر) .

[الفرائض: السهام المقدرة. بأهلها: بأصحابها] .

(3) وهي مذكورة في الآيات/ 10، 11، 176/ من سورة النساء.

وستأتي مجزأة في مواضعها.

(4) لقوله تعالى: "وإنْ كَانَتْ وَاحِدَة فَلَهَا النّصْف" .

(5) قياسا على البنت بالإجماع.

(6) لقوله تعالى: "إن امْرُوٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ اخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ" والمَراد الأخت من الأب والأم، أو من الأب فقط. هلك: مات.

يكن معه ولد [1].

والربع فرض اثنين:

1 - الزوج مع الولد

2 - أو ولد الابن وهو فرض الزوجة والزوجات مع عدم الولد أو ولد الابن [2]

والثمن فرض الزوجة والزوجات مع الولد أو ولد الابن [3] والثلثان فرض أربعة

1 - البنتين

2 - وبنتي الابن [4]

3 - والأختين من الأب والأم

4 - والأختين من الأب [5] والثلث فرض اثنين

1 - الأم إذا لم تحجب [6] وهو

(1) لقوله تعالى: "وَلَكُمْ نصف ما تَرَكَ أزواجُكُمْ إنْ لَمْ يَكُن لَهُن وَلَدٌ" .

(2) لقوله تعالى: "فَإنْ كَانَ لَهن وَلَدٌ فَلَكُمْ الربعٌ ممَّا تَرَكْنَ مِن بَعْد وَصيَّة يوصِين بها أوْديَن وَلَهُن الرّبُع مِمَّا تركْتُم."

إنْ لَمْ يَكُنْ لَكَمَ وَلَدٌ "."

(3) لقوله تعالى: "فَإنْ كَانَ لَكُمْ وَلَد فلَهُن الثمُنُ مِمَّا تَرَكتُمْ" .

(4) لقوله تعالى في البنات: "يُوصِيكُمُ اللهُ في أولادكمْ لِلذكَرِ مِثْلَْ حَظ الأنثييْنِ فَإنْ كُن نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَينِ فَلَهُن ثُلثَا مَا تَرَكَ" .

[حظ: نصيب. فوق اثنتين: أي اثنتين فما فوقهما] وقيس بنات الابن على البنات.

(5) لقوله تعالى في الأخوات: "فَإنْ كَانَتَا اثْنَتيْنِ فلَهُمَا الثلُثَان مِما تَرَكَ" .

(6) أي حجب نقصان إلى السدس كما سيأتي، قال تعالى: "فَإنْ لم يكنُ له ولد وَورثَهُ أبوَاهُ فلأمِّهِ الثلثُ" .

للاثنين فصاعدا من الإخوة

2 - والأخوات من ولد الأم [1].

والسدس فرض سبعة:

1 - الأم مع الولد

2 - أو ولد الابن

3 - أو اثنين فصاعدا من الإخوة والأخوات [2]

4 - وهو للجدة عند عدم الأم [3]

5 - ولبنت الابن مع بنت الصلب [4] وهو للأخت من الأب مع الأخت من الأب

6 - والأم [5] وهو فرض الأب مع الولد أو ولد الابن [6] وفرض الجد عند عدم الأب [7]

7 - وهو فرض الواحد من ولد الأم [8].

(1) لقوله تعالى فيهم: "فَإن كَانُوا أكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فهمْ شُرَكاءُ في الثُّلثُ" .

(2) قال تعالى: "وَلأبَوَيهِ لكُل وَاحِد مِنْهُمَا السدُسُ مِمَّا تَرَكَ إن كَانَ لَهُ وَلد" . وقال سبحانه: "فَإن كَانَ لَهُ إخْوَة فلأمه السدُسُ" .

(3) لخبر أبي داود (2895) عن بريدة رضي الله عنه: أن. النبي صلى الله عليه وسلم: جَعلَ لِلجَدَةِ السُّدُس، إذا لم تكنْ دُونَها أم.

(4) لقضائه صلى الله عليه وسلم بذلك، كما رواه البخاري (6355) عن ابن مسعود رضي الله عنه.

(5) قياساً على بنت الابن مع البنت.

(6) انظر حاشية 2.

(7) قياساً على الأب بالإجماع.

(8) لقوله تعالى: "وَإنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كلَالَة أوِ امْرَأةٌ وَله أخ أوْ أخْت فَلكُل وَاحد منهُمَا السدُسُ" .

[كلالة: من ليسَ بأصل ولَا فرع من الوارثين، أو من ليس له أصل أو فرع من الوارثين. أخ أو أخت: من أمه، كما فسره الصحابة] .

وتسقط الجدات بالأم والأجداد بالأب [1] ويسقط ولد الأم مع أربعة الولد وولد الابن والأب والجد [2]

ويسقط الأخ للأب والأم مع ثلاثة الابن وابن الابن والأب

ويسقط ولد الأب بهؤلاء الثلاثة وبالأخ للأب والأم [3]

وأربعة يعصبون أخوتهم

1 - الابن

2 - وابن الابن

3 - والأخ من الأب

4 - والأم والأخ من الأب [4]

وأربعة يرثون دون أخواتهم وهم:

1 - الأعمام

2 - وبنو الأعمام

3 - وبنو الأخ

4 - وعصبات المولى المعتق [5].

"فصل" وتجوز الوصية [6]

(1) لأن من أدلى إلى الميت بواسطة حجب بوجودها.

(2) لأن إرثه كلالة، وهي اسم لمن لا أصل له ولا فرع كما علمت، فلا يرث حيث يوجد أصل أو فرع.

(3) لقوله صلى الله عليه وسلم: (فَمَا بقيَ فهو لأوْلى رجل ذَكر) أي لأقرب. وانظر حاشية: 1.

(4) لقوله تعالى: "يُوصِيكُمُ اللهُ في أوْلاَدكُمْ لِلذكَرِ مِثلُ حَظ الأنْثَيَينِ" . والأولاد تشمل الأبناء وأبناء الأبناء.

وقوله تعالى: "وَإنْ كَانُو إخوَة رِجَالاً وَنسَاءً فَلِلذكَرِ مِثْلُ حَظ الأْنْثَيَيْن" والإخوة تشمل الأشقاء والإخوة لأب.

(5) لقوله صلى الله عليه وسلم: (لأولى رجل ذكر) . ولأن ميراث العصبة بالتناصر، والمرأة ليست من أهل النصرة.

(6) والأصل في جوازها: قوله تعالى: "مِنْ بعْد وَصية يُوصي بهَا أو دين" / النساء: 11/.

وأحاديث، منها:

بالمعلوم والمجهول [1] والموجود والمعدوم [2].

وهي من الثلث [3] فإن زاد وقف على إجازة الورثة [4] ولا تجوز الوصية لوارث إلا أن يجيزها باقي الورثة [5].

= ما رواه البخاري (2587) ومسلم (1627) عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما حَق امْرِىء مسلِم لَهُ شيَء يَوصي فِيهِ، يَبِيت ليْلَتيْنِ إلا وَوَصِيتُهُ مَكتُوبَة عِنْدَه) أي مما يليق بالمسلم، والاحتياط له والحزم، أن يعجل بكتابة وصيته، ويستحب أن يكون هذا حال صحته.

(1) كما لو أصى بثوب غير معين.

(2) كما لو أوصى بما ستثمره هذه الشجرة.

(3) لما رواه البخاري (2591) ومسلم (1628) عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: عادني النبي صلى الله عليه وسلم: فقلت: أوصي بمالي كلَه؟ قال: (لا) قلت: فالنصفُ؟ قال (لا) فقلت: أبالثلثِ؟ فقال: (نَعَمْ، والثلثُ كثير) .

(4) أي موافقتهم لأن حقهم متعلق بالزيادة.

(5) روى أبو داود (2870) والترمذي (2121) وقال: حسن صحيح، وغيرهما، عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن اللهَ أعْطى كل ذِي حَق حَقهُ، فَلا وَصيةَ لِوَارِثٍ) .

وروى الدارقطني (4/ 152) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تَجُوز وَصيةٌ لِوَارثِ إلا أنْ يَشَاءَ الوَرَثَةُ) .

وتصح الوصية من كل بالغ عاقل لكل متملك وفي سبيل الله تعالى

وتصح الوصية [1] إلى من اجتمعت فيه خمس خصال

1 - الإسلام

2 - والبلوغ

3 - والعقل

4 - والحرية

5 - والأمانة.

(1) أي الإيصاء بالتصرف بالمال، والإشراف على الأطفال ونحو ذلك.

كتاب النكاح

Kitab al-Nikah (Perkawinan) dan Perceraian

وما يتعلق به من الأحكام والقضايا

النكاح مستحب لمن يحتاج إليه [1]

ويجوز للحر أن يجمع بين أربع حرائر [2] وللعبد بين اثنتين.

(1) دل على ذلك: آيات، منها:

قوله تعالى: "وَأنكِحُوا الأيَامَى مِنكُمْ وَالصَالِحِين مِنْ عِبَادكِمْ وإمَائكُمْ إن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يغْنِهُمُ اللهُ مِنْ فَضْله" / النور:32/.

[الأيامى: جمع أيِّم وهو من لا زوج له من الرجالَ أوَ النساء. عبادكم: الرجال المملوكين. إمائكم: النساء المملوكات] .

وأحاديث، منها: ما رواه البخاري (4779) ومسلم (1400) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنَا مع النبي صلى الله عليه وسلمِ شباباً لا نجد شيئاً، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يَا مَعشَر الشبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَجْ، فَإنَّهُ أغَض للبَصَر وأحْصَنُ للفَرج، ومَنْ لم يستطِعْ فَعَلَيْه بالصوْمِ، فَإنَهُ لَهُ وِجَاء:

[الباءة: القدرة على الجماع، بتوفر القَدرة على مؤن الزواج. وجاء:

قطع لشهوة الجماع] .

(2) لقوله تعالى: "فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النسَاء مثنى وَثُلاث وَرُبَاعَ" / النساء: 3/.

وروى أبو داود (2241) وغيره. عن وَهْب الأسَدِي رضي الله عنه =

وَلاَ يَنْكِحُ الحر أَمَةً إلا بِشَرْطَيْنِ: عَدَمُ صَدَاقَ الْحُرة وَخَوْفُ الْعنًتِ [1].

وَنَظَرُ الرجلَ إلىَ المرْأة عَلى سَبْعَة أضْربٍ: أحَدُهَا: نَظَرهُ إلى أجَنَبيَّة لغَيْرِ حَاجَة، فَغَيْرُ جَائِز [2].

والثَّاني: نَظَرَهُ إلى زَوْجَتِه أً وَْ أمَته، فَيَجُوزُ أنْ ينظُرَ إلى مَا عَدَا الْفَرج منهُمَا [3].

والثالث: نظره إلى ذوات محارمه، أو أمته المزوجة فيجوز فيما عدا ما بين السرة والركبة [4].

= قال: أسْلَمْتُ وعندي ثمانِ نسْوَة، فذكرتُ ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليهَ وسلمً: (اختَرْ مِنهُن أربَعاً) .

(1) دل على ذلك قوله تعالى: "وَمنْ لَم يَسْتَطع منكُم طَوْلاً أن يَنْكِحَ المُحصنَات المؤمنَات فَممَّا مَلَكَعت أيْمَانُكَمْ مِنْ فَتيَاتِكُمُ المؤْمِنَاتِ" ثم قالَ: "ذلِكً لِمَن خَشىِ الْعنتَ مِنكم" / النساء: 25/.

[طولا: غنى وفضلاً في المال. المحصنات: الحرائر. فتياتكم: جمع فتاة، والمراد المرأة المملوكة. العنت: الوقوع في فاحشة الزنا] .

(2) لقوله تعالى: "قلْ للمُؤْمنِينَ يغُضَّوا منِْ أبصَارِهِمْ وَيَحْفَظوا فرُوجَهُم ذَلِكَ أزْكَىَ لَهُمَ" / النور: 30/.

(3) وأما الفرج فيكره النظر إليه لغير حاجة لأنه خلاف الأدب، وقد ورد عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت: ما رأيت منه ولا رأى مني.

(4) لقوله تعالى: "وَلاَ يُبْدينَ زِينَتَهُن إلا لِبعُولَتِهِن أوْ آبَائِهن أو آبَاءِ بعولَتِهن أو أبنائِهِنً أو أبناءِ بعولتِهن أوْ ="

والرابع: النظر لأجل النكاح، فيجوز إلى الوجه والكفين [1]

والخامس: النظر للمداواة، فيجوز إلى المواضع التي

= إخوَانِهِنَ أو بَني إخوَانِهِن أوْ بَني أخَوَاتِهِن "/ النور: 31/."

وفسرت الزينة بمواضعها، فوق السرة أو تحت الركبة.

وروى أبو داود (4113) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذَا زَوَّجَ أحَدُكُمْ عَبْدَهُ أمَتَهُ، فَلاَ يَنْطرْ إلى عَورَتِهَا، وفي رواية: فَلاَ يَنْظُرْ إلى مَا دونَ السرة وَفَوْقَ الركبة) .

(1) روى البخاَري (4833) ومَسلم (1425) عن سهل بن سعد رضي الله عنه: أن امْرَأة جاءت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول اللهِ جئْتُ لأهَب لَكَ نَفْسي، َ فَنظَرَ إليها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فصَعَّدَ النظَرَ إليها وَصَوَبَهُ، ثمَ طَأطأ رَأسَهُ.

[لأهب: أجعل أمري لك، تتزوجني بدون مهر، أو تزوجني لمن ترى. فصعد النظر إليها وصوبه: نظر إلى أعلاها وأسفلها وتأملها. طأطأ: خفض رأسه ولم يعد ينظر إليها] .

وروى مسلم (1424) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل، فأخبره أنه تزوَّجَ امرأةً من الأنصارِ، فقال له رسول الله صلي الله عليه وسلم: (أنظرْتَ إليها) . قال: لا، قال: (فاذهَبْ فانظُرْ إليها، فإن في أعْيُنِ الأنْصَارِ شيئْاً) . أي يختلف عن أعين غيرهن ربما لا يعجبك.

وروى الترمذي (1187) وحسنه، عن المغيرة بن شُعْبَةَ رضي الله عنه أنه خَطبَ امرأةً، فقال له النبي صلى الله عليهَ وسلم: (انْظر إليها فإنَّه أحْرَى أنْ يؤْدَمَ بَيْنَكُمَا) .

[أحرى: أجدر، ويؤدم: من الأدم وهو ما يؤكل مع الخبز، أي =

يحتاج إليها [1].

والسادس: النظر للشهادة أو للمعاملة، فيجوز النظر إلى الوجه خاصة [2]

والسابع: النظر إلى الأمة عند ابتياعها، فيجوز إلى المواضع التى يحتاج إلى تقليبها [3].

(فصل) ولا يصح. عقد النكاح إلا بولي وشاهدي عدل [4]،

أجدر أنا تكون بينكما المحبة والاتفاق ويدوما]

وحمل النظر في هذه الأحاديث على الوجه والكفين فقط، لأنه لا حاجة إلى النظر إلى غيرهما.

(1) روى مسلم (2206) عن جابر رضي الله عنه: أن أم سَلَمَة

رضي الله عنها اسْتَأذَنَتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في الحجَامَة، فَأمَرَ النبي صلى الله عليه وسلم أبا طيْبةَ أن يَحْجُمهَا.

ويشترط أن يكون ذلك بوجود مَحْرَم أو زوج، وأن لا توجد امرأة تعالجها، وإذا وُجِد المُسلمُ لا يُعْدَل إلى غيره.

(2) إذا كانت حاجة لمَعرفة تلك المرأة، ولم تعرف دون النظر إليها.

(3) دون ما بين السرة والركبة، فلا يجوز النظر إليه.

(4) لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا نِكَاحَ إلا بولي وَشَاهدَيْ عَدل، وَمَا كَانَ مِنْ نِكَاح عَلًى غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ بَاطِل) .

رواه ابن حبان (1247) وقال: لا يصح في ذكر الشاهدين غيره.

وروى أبو داود (2085) والترمذي (1101) عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا نِكَاحَ إلا بِوَلي) .

وروى الدارقطني عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تُزَوِّجُ المَرْأةُ المَرْأةَ وَلاَ تُزَوجُ نَفْسها) وكُنا نقول: التى تزَوج نَفْسَهَا هي الزَّانِيَة. (3/ 227) .

ويفتقر الولي والشاهدان إلى ستة شرائط:

- الإسلام [1]

2 - والبلوغ

3 - والعقل

4 - والحرية

5 - والذكورة

6 - والعدالة [2]

إلا أنه لا يفتقر نكاح الذمية إلى إسلام الولي ولا نكاح الأمة إلى عدالة السيد

وأولى الولاة الأب ثم الجد أبو الأب ثم الأخ للأب والأم ثم الأخ للأب ثم ابن الأخ للأب والأم ثم ابن الأخ للأب ثم العم ثم ابنه على هذا الترتيب فإذا عدمت العصبات فالمولى المعتق ثم عصباته ثم الحاكم [3]

ولا يجوز أن يصرح بخطبة معتدة ويجوز أن يعرض لها وينكحها بعد انقضاء عدتها [4].

(1) لقوله تعالى: "والمُؤمنونَ وَالمُؤْمناتِ، بَعضهمْ أوْليَاءُ بعض" / التوبة: 71/. والشهادة ولاية، فلا تقبل شهادة غير المَسلم على المسلم.

(2) لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا نِكًاح إلا بِوَلي مُرْشِد وشَاهدَيْ عَدْل) . رواه الشافعي رحمه الله تعالى في مسنده، وقًال الإمام أحمد: إنه أصح شيء في الباب. مغني المحتاج: 3/ 155. وانظر حا 4 ص 160.

(3) لقوله صلى الله عليه وسلم: (فَالسَّلْطَانُ وَلي منْ لاَ وَلي لَهُ) .

رواه أبو داود (2083) والترمذي (1102) وغيرهما عن عائشة رضي الله عنها.

(4) لقوله تعالى: "ولاَ جُنَاحَ عَلَيكُمْ فِيما عَرضْتُمْ بِهِ مِنْ خطبة النسَاءِ أوْ أكْننْتمْ في أنفُسِكُمْ علمَ اللهُ أنّكُمْ ستَذْكُرُونهن وَلَكِن لاَ تُوَاعِدُوهُن سِرّاً إلا أنْ تَقُولوا قولاً مَعْرُوفاً ولاَ تَعْزِمُوا"

وَالنسَاءُ عَلى ضَرْبَيْن: ثَيباتٍ، وَأبكَارٍ: فَالبكْر يَجُوز لِلأبِ وَالْجد إخبَارُهَا عَلى النَكَاحِ، والثيب لاَ يجوزُ تَزُوِيجُهَا إلا بَعْدَ بُلوغِهَا وإذْنِهَا [1].

(فصْلٌ) وَالْمُحَرَّمَاتُ بالنص [2] أرْبع عشرَةَ: سَبع بالنسَبِ، وَهُن: الأم وإنْ علَت، وَالْبِنْتُ وَإنْ سَفَلَتْ، وَالأخْتُ، وَالْخَالَةُ، وَالْعمَّةُ، وَبِنْت الأخِ، وَبِنْتُ الأخْتِ [3].

= عُقْدَةَ النكَاحِ حَتَى يَبْلُغ الْكِتَابُ أجَلَهُ "/ البقرة: 235 /."

[عرضتم: لوحتم وأشرتم بما يتضمن رغبتكم بالزواج. سراً: لا تعدوهن بالنكاح خفية. قولاً معروفاً: موافقاً للشرع وهو التعويض. تعزموا عقدة النكاح: تحققوا العزم على عقد الزواج. يبلغ الكتاب أجله: تنقضي العدة، وهي المدة التي فوضها الله عليها في كتابه] .

وروى مسلم (1480) : أن فَاطمةَ بنْت قَيْس طَلَقها زَوجُهَا فبَتَّ طلاقَها، فقال لها النبي صلى الله عليَه وسلمَ: (فإذَا حلَلْتِ فآذنيني) .

[فبت طلاقها: طلقها ثلاثاً. حللت: انتهت عدتك. فآذنيني: فأعَلَميني]

(1) روى مسلم (1421) عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم: قال (الثَّيِّب أحَق بِنَفْسِهاَ مِنْ وَليهَا، والبكرُ تسْتَأمَرُ وَإذنُهَا صُمَاتُها) . وفيَ رواية (وَإذْنُهَا سكوتُهَا) .

[الثيب: التي سبق لها زواج. أحق بنفسها: أولى بالإعراب عن رغبتها أو رفضها. تستأمر: تستشار، وليست مشورتها ملزمة] .

(2) أي بالنص القرآني من سورة النساء: 22 - 23. وستأتي مجزأة في مواضعها.

(3) قال الله تعالى: "حُرمَتْ عَلَيْكُمْ أُمهَاتُكُم وَبناتُكُمْ وَأخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأخِ: وبَنَاتُ الأخت" .

واثنتان بالرضاع:

1 - الأم المرضعة

2 - والأخت من الرضاع [1]

وأربع بالمصاهرة:

1 - أم الزوجة

2 - والربيبة إذا دخل بالأم

3 - وزوجة الأب

4 - وزوجة الابن [2].

وواحدة من جهة الجمع: وهي

1 - أخت الزوجة [3]

ولا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها [4]

ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب [5]

(1) لقوله تعالى: "وَأمَّهَاتُكُمُ الَّلاتِي أَرضَعنكُمْ وَأَخواتكمْ منَ الرَّضاعة" .

(2) ثبتتَ حرمة زوجة الأب بقوله تعالى: "وَلا تنْكحَوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكمْ منَ النسَاء" ، وثبتت حرمة غيرها بقوله تعالىَ: "وَأمهَاتُ نسائكَمْ ورَبَائبكُمَْ اللاتي في حُجوركم منْ نِسائكمْ اللاتي دَخلتم بهن فإِن لمْ تَكونُوا دخًلتُمْ: بهن فَلاَ جناحَ عليكُمْ وَحَلائلِ أبنَائكُم الَذينَ من ِأصْلابكم" .

[وربائبكم جمع ربيبةَ وهي بنت الزوجة. دخلتم بهن: كناية عن الجماعَ.

جناح: حرج. حلائل: جمع حليلة وهي الزوجة. أصلابكم: أي من النسب، لا من التبني كما كان في الجاهلية] .

(3) لقوله تعالى: "وَأنْ تَجمعوا بَينَ الأختين إلا ما قد سلَفَ" .

(4) روى إلبخاري (4820) ومسلم (1408) عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يجمع بينَ المرْأة وعمتها، ولاَ بين المرْأة وخالتها) .

(5) روى البخاري (2503) ومسلم (4144) عن عائشة رضي الله عنها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الرَّضَاعَةَ تحرم ما يحرم ومن الوِلادَة) .

وفي رواية عند البخاري (2502) ومسلم (1447) عن ابن عباس رضي

وترد المرأة بخمسة عيوب:

1 - بالجنون

2 - والجذام

3 - والبرص

4 - والرتق

5 - والقرن [1]

ويرد الرجل بخمسة عيوب:

1 - بالجنون

2 - والجذام

3 - والبرص

4 - والجب

5 - والعنة [2].

= الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم في بنت حمزةَ: (لاَ تَحِل لْي، يَحْرْمُ منَ الرضَاعَ مَا يَحْرُمُ مِنَ النّسبِ، هيَ بِنتُ أخي مِنَ الرضَاعَة) .

(1) المرادَ بالرد أنه يثبت للزوج خيار فسخ عقد النكاح ولا مهر عليه حينئذ. والجذام: قيل هو مرض يحمر منه العضو ثم يسود ثم يتقطع ويتناثر.

والبرص: بياض شديد يبقع الجلد: ويذهب دمويته. والرتق: انسداد محل الجماع باللحم. والقرن: انسداد محل الجِماع بعظم.

روي أنه صلى الله عليه وسلم تَزوج امرَأة مِنْ غفَارٍ، فلَمَا دخلتْ عليه رأى بكَشْحها بياضاً فقال: (الْبسي ثيابَكِ والْحَقي بأهْلكَِ، وقال لأهَلها: دَلَّستمْ علي) .

رواه البيهقي (7/ 214) من رواية ابن عمر رضي الله عنهما.

[الكشح: الجنب، والمراد بالبياض: البرص، وقيس الباقي عليه] .

وقوىَ هذا الحديث ما وواه مالك في الموطأ (2/ 526) عن عمر رضي الله عنهما قال: أيما رجل تزوج امرأة بها جنون أوْ جذَام أو بَرص، وفي رواية: أو قرَن، فَمَسَّهَا فلها صَداقها كاملا , وذلك غُرْم لِزَوجِهَا على وَلِيهَا.

(2) الجب: قطع الذكر، والعنة: عدم القدرة على الوطء، لعدم انتشار الذكر. وثبت خيار الرد للزوجة قياساً على ثبوته للزوج، ولكن العنين يؤجل سنة من حين رفعها الأمر للقضاء، فإن لم يحصل الوطء خلالها ثبت لها حق الفسخ، لأن ذلك قد يكون لعلة تذهب باختلاف الفصول.

ولما رواه البيهقي عن عمر رضي الله عنه: أن امرأة أتته، فأخبرته أن =

"فصل" ويستحب تسمية المهر في النكاح [1] فإن لم يسم صح العقد [2] ووجب المهر بثلاثة أشياء:

1 - أن يفرضه الزوج على نفسه

2 - أو يفرضه الحاكم

3 - أو يدخل بها فيجب مهر المثل.

= زوجها لا يصل إليها، فأجله حولا، فلما انقضى حول ولم يصل إليها خيرها، فاختارت نفسها، ففرق بينهما عمر وجعلها تطليقة بائنة. (7/ 226)

(1) قال تعالى: "وَآتوا النسَاءَ صدُقَاتِهِن نِحْلَة" / النساء: 4/.

[صدقاتهن: جمع صداق وهو المهر. نحلة: عطية وهبة مفروضة] .

وروى البخاري (4741) ومسلم (1425) عن سهلِ بن سَعْد رضي الله عنه قال: أتتِ امرأةٌ النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إنها قَدْ وَهبت نَفسَها للهِ ولرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، فقال (مالي في النَسَاءِ مِنْ حَاجة) فقال رَجُلٌ: زَوَجْنِيهَا، قال: (أعْطِهَا ثَوْباً) قال: لاَ أجِدُ، قال: (أعْطِهَا وَلوْ خَاتَماً مِنْ حَديِد) فاعْتَل له، فقال: (ما معكَ مِنَ الْقُرْآنِ) قال: كذا وكذا، قال: (فَقَدْ زَوَجتُكَهَا بمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآن) .

[وهبت نفسها: جَعلت أمرها له. فاعتل له: تعلل أنه لا يجده] .

(2) لقوله تعالى: "لاَ جُنَاحَ عَليكُم إن طَلَقْتُمُ النسَاءَ مَا لَم تَمُسوهُن أو تَفرِضُوا لَهُن فَرِيضَة" / البقرة: 236/.

[لا جناح: لا حرج. تفرضوا لهنَّ فريضة: تعينوا لهنَّ مهراً] .

فقد دلت على أن النكاح ينعقد ولو لم يسم للمرأة مهر معين، لأن الطلاق لا يكون إلا بعد صحة عقد النكاح.

وَلَيسَ لأقَل الصَّدَاق وَلاَ لأكثَرِهِ حَد [1]، ويجوز أن يَتَزَوجَهَا عَلى مَنْنَعَة سعْلُومَة [2].

ويسقط بالطلاق قبل الدخول بها نصف المهر [3]

(1) روى الترمذي (1113) عن عامر بن ربيعةَ رضي الله عنه: أنً امْرَأة مِن بَني فَزَارَةَ تَزَوَجَتْ عَلى نَعْلَيْنِ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (أرَضِيتِ مِنْ نَفسِك وَمَالِكِ بنَعْلَيْنِ) قالَتْ: نعم، فَأجَازَهُ. وانظر حاشية 1 ص 165 وَحاشية 1ص 167.

وقال تعالى: "وَآتيتُمْ إحْدَاهُن قِنْطَاراً" / النساء: 20/. أي والقنطار المال الكثير، فدل على أنه لا حد للمهر في الكثرة.

ويستحب أن لا يقل عن عشرة دراهم خروجاً من خلاف من أوجبه، وهم الحنفية.

وأن لا يزيد عن خمسمائة درهم، لأنه الوارد في مهور بناته وزوجاته صلى الله عليه وسلم.

روى الخمسة وصححه الترمذي (1114 م) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لا تغَلُوا صُدُقَ النسَاء، فإنَّها لو كانت مَكرُمَةً في الدنيا أو تَقوَى في الآخِرَة، لَكَانَ أوْلاَكمْ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أَصْدَقَ رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأةً من نِسَائِهِ، ولا أصْدِقَتْ امرأة من بناته أكَثر مِنْ ثنْتيْ عَشرَة أوقيَّة.

[صدق: جمع صداق وهو المهر. أوقية: هي أربَعون درهما، فالمجموع أربعمائة وثمانون درهماً]

(2) كتعليمها شيئاً من القرآن، أو القيام بعمل معين. انظر حا 1ص 165.

(3) قال تعالى: "وَإنْ طلقتمُوهُنَ منْ قَبلِ أنْ تَمسُّوهُنً وَقَدْ فَرَضْتمْ لَهُن فَرِيضَة فَنِصْفُ مَا فَرَضتمْ" / البقرة: 237/.

[تمسوهن: تدخلوا بهن وتجامعوهن. فرضتم: عينتم لهن مهراً] =

"فصل" والوليمة على العرس مستحبة [1] والإجابة إليها

= ويثبت لها المهر كاملاً بالموت أو الدخول:

دل على ثبوته بالموت: ما رواه أبو داود (2114) والترمذي (1145) وقال: حسن صحيح، وغيرهما عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أنه سُئِلَ عن رجل تَزَوَجَ امرأة: ولم يَفرض لها صَدَاقاً، ولم يدخُلْ بها حتى ماتَ؟ فقال ابن مسعود: لها مِثلُ صداقِ نسائها، لاوَكْسَ وَلا شَطَطَ، وعليها العِدةُ ولها الميراثُ. فقام مَعقلُ بنُ سِنَان الأشْجَعي فقال: قَضَى رسول الله صلي الله عليه وسلم في بَروعَ بنت وَاشِق، امرأة. منَّا، مِثْلَ الذي قضيتَ. فَفَرِحَ بها ابنُ مسعود.

[صداق: مهر. نسائها: أمثالها من النساء، أي مهر كامل ولو كًان مفروضاً - أي مسمى- لكان هو الواجب. وكس: نقص. شطط: ظلم.

ففرح بها: أي بهذه الفتوى التي أخبره بها، لأنه وافقها بفتواه، وهذا عنوان التوفيق الإلهي] .

وأما ثبوته بالدخول: فدل عليه قوله تعالى. "وَإنْ طلقْتموهُن مِنْ قَبْل أنْ تمَسوهُن وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُن فَرِيضَة فنِصْفُ مَا فَرَضْتُم" / البقرة: 237/. فقد دلت على أنه إذا حصل الطلاق بعد المسِ لا يسقط شيء من المهر. وقال عمر رضي الله عنه: أيُمَا رَجُل تَزَوجَ امرأةً ... فَمَسَهَا فَلَهَا صَداقُهَا كاملاً ... انظر حاشية 1ص 164.

(1) روى البخاري (4860) ومسلم (1427) عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر صُفْرَة، فقال: مَا هَذا؟ قال: تَزَوجْت امرأةً على وَزْنِ نَوَاةٍ مِن ذَهَب، قال: بَارَكَ اللهُ لَكَ، أَولِم وَلَوْ بشاة) .

[أثر صفرة: أي صبغ على ثوبه. نواة: أَي نوًاة التمر. أولم: من الوليمة، وهي صنع طعام ودعوة الناس إليه، وتطلق في الغالب على ما كان للعرس] .

واجبة [1] إلا من عذر [2].

"فصل" والتسوية في القسم بين الزوجات واجبة [3] ولا يدخل على غير المقسوم لها بغير حاجة وإذا أراد السفر أقرع بينهن وخرج بالتي تخرج لها القرعة [4].

(1) روى البخاري (4878) ومسلم (1429) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذَا دُعِيَ أحَدُكُمْ إلى الوَلِيمَةِ فَلْيَأتِهَا) وفي رواية عند مسلم (1421) : (وَمنْ لمْ يجبِ الدعْوَةَ فَقَدْ عَصى اللهَ ررَسُولَهُ) .

(2) كأن يوجد منكر لا يستطيع تغييره، ومن ذلك ما يحدث الآن في حفلات العقود والزفاف، من التقاط الصور وضرب المعازف، وغير ذلك.

(3) روى أبو داود (2133) والترمذي (1141) وغيرهما. عن أبى هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه سلم قال: (مَنْ كَانَتْ لَهُ امرَأتَانِ فَمَالَ إلىَ إحْدَاهُمَا - وعند الترمذي: فَلَمْ يَعْدِلْ بَيْنَهُمَا - جاءَ يَوْمَ الْقيَامَة وَشِقهُ مَائِل) . وعند الترمذي: (وَشقهُ سَاقِطٌ) . [فلم يعدل. بالنفقة والقسم، وهو المبيت عندهن]

وررى أبو داود (2134) والترمذي (1140) عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: كانَ رسولُ الله صلي الله عليه وسلم يَقسمُ فيَعْدلُ، ويقولُ: (اللهم هذا قَسمي فيما أملكُ، فلا تَلُمْني فيما تَمْلكُ وَلا أمْلِكُ) . قال أبو داود: يعني القلب.

(4) روى البخاري (3910) ومسلم (2770) عن عائشة رضي الله عنها: أنها قالت: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه، سلم إذا أراد السفَرَ أقْرع بينَ نِسَائِهِ، فَأيتُهن خرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بها.

وإذا تزوج جديدة خصها بسبع ليال إن كانت بكرا وبثلاث إن كانت ثيباً [1].

وإذا خاف نشوز المرأة وعظها فإن أبت إلا النشوز هجرها فإن أقامت عليه هجرها وضربها [2] ويسقط بالنشوز قسمها ونفقتها.

"فصل" والخلع جائز على عوض معلوم [3] وتملك

(1) روي البخاري (4916) ومسلم (1461) عن أنس رضي الله عنه قال: من السُّنة: إذا تَزَوجَ البكرَ عَلى الثَّيَبِ أقَامَ عِنْدَهَا سَبعاً ثم قَسَمَ، وإذَا تًزَوَجَ الثيبَ أقَامَ عنْدَها ثَلاثاً ثم قَسم. قال أبو قلابَةَ: لَوْ شئت لَقُلْتُ: إن أنَساً رضى الله عنه رَفَعَهُ إلى النبي صَلى الله عليه وسلَم.

(2) قال الله تعالى: "وَاللاًتي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَ فَعِظوهن واهْجُرُوهُنَ في المَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَ فَإنْ أطَعنكُم فَلاَ تَبْغُوا عليهن سَبيلاً" / النساء: 34/.

[نشوزهن: عصيانهن وترفعهن. المضاجع: الفرش، وهجرها أن يوليها ظهره ولا يكلمها. فلا تبغوا ... : لا تسلكوا طريقاً لإيذائهن]

(3) قال تعالى: "وَلاَ يَحِل لَكُمْ أنْ تَأخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُن شَيْئاً إلا أن يَخَافَا ألا يُقِيمَا حُدُودَ الله فَإنْ خفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ الله فَلاَ جُنَاحَ عَلَيهِمَا فِيمَا افتَدت بِه" / البقرة: 229/.

روى البخاري (4971) عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنَّ امرأةَ ثَابِتِ بن قَيْس أتَت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسولَ الله، ثابتُ بنُ قيس، ما أعْتِبُ عَلَيْه في خُلُق، ولا دِين، ولكِنًي أكْرهُ الكفرَ في الإسْلام. فقال الَنبي صلى الله عليه وسلم: (أتَرُدين عَلَيهِ حَديقَتَه) قالتْ: نَعَمْ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اقْبلِ الحًدِيقَةَ وَطَلَقْهَا تَطلِيقَة) .

به المرأة نفسها [1] ولا رجعة له عليها إلا بنكاح جديد ويجوز الخلع في الطهر وفي الحيض ولا يلحق المختلعة الطلاق [2].

"فصل" والطلاق ضربان:

1 - صريح

2 - وكناية

فالصريح ثلاثة ألفاظ الطلاق والفراق والسراح ولا يفتقر صريح الطلاق إلى النية [3]

والكناية: كل لفظ احتمل الطلاق وغيره ويفتقر إلى النية [4].

(1) أي لا يبقى للزوج عليها سلطان لأن الخلع طلاق بائن.

(2) لأنها أصبحت أجنبية بعد الخلع.

(3) لورود هذه الألفاظ في الشرع، وتكررها في القرآن بمعنى الطلاق.

قال تعالى: "يَا أيُّهَا النبي إذَا طَلقَتُمُ النًسَاءَ فَطلقوهن"

لِعِدتهن "/ الطلاق: 1/."

وقال تعالى: "وَأسَرِّحْكُن سَرَاحاً جَمِيلاً" / الأحزاب: 28/.

وقال تعالى: "أوْ فَارِقوهُن بِمَعْرُوف" / الطلاق: 2/.

(4) كقوله: الْحَقِي بأهْلكِ، ما أنت بامرأتي، أنت خَليةٌ.

فإن نوى طلاقاً طلقت، لماَ رواه البخاري (4955) عن عائشة رضي

الله عنها: أن ابْنَةَ الجُون، لما أدْخلَتْ على رسول الله صلى الله عليه وسلم

ودنا منها، قالت: أعَوذ بالله منكَ، فقال: (لَقد عذْت بعظيم،

الْحقي بأهْلِكِ) .

وإن لم ينو طلاقاً لا تطللق دل على ذلك:

ما رواه البخاري (4156) ومسلم (2769) في حديث تَخلف كعب بن

مالك رضي، الله عنه عن غزوة تبوِك قال: لما مضت أربعون من الخمسين =

والنساء فيه ضربان

1 - ضرب في طلاقهن سنة وبدعة وهن ذوات الحيض فالسنة: أن يوقع الطلاق في طهر غير مجامع فيه والبدعة: أن يوقع الطلاق في الحيض أو في طهر جامعها فيه [1].

واستَلْبَثَ الوحْي ث وَإذَا رسول الله صلى الله عليه وسلم يَأتيني، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمُرك أنْ تَعْتَزِلَ امْرَأتَكَ، فقلت: أطَلًقُهَا أم مَاذَا أفْعلُ؟ قال: بَلْ اعْتَزِلْهَا فَلاَ تَقْرَبَنهَا، قال: فقلت لامْرَأتي: الْحقَي بأهْلك.

فعل ذلك خشية أن يخالفَ أمَر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعاشرها إذا بقيت عَنده، فلما نزلت توبته رجعت زوجته إليه، ولم يأمره صلى الله عليه وسلم بفراقها، أو بتجديد عقده عليها، فدل على أن الحقي بأهلك ليس من ألفاظ الطلاق. [استلبث الوحي: تأخر نزوله] .

(1) دل على ذلك: ما رواه البخارى (4953) ومسلم (1471) عن عبد الله بنَ عمر رضي الله عنهما: أنّه طَلَقَ امْرَأتَه وهي حَائِضٌ، على عهدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عمر بنُ الخطَاب رسولَ اللهِ صلي الله عليهَ وسلم عن ذلك، فقال رسولُ الله صلي الله عليه وسَلم: (مرْهُ فَليُرَاجِعْهَا، ثم لِيُمْسِكهَا حتّى تطْهُرَ، ثم تَحِيضَ ثم تَطْهرَ، ثم َإنْ شاءَ أمْسَكَ بَعْدُ، وَإنْ شَاءَ طلَّقَ قَبْل أنْ يَمَسى. فَتِلْكَ العدةُ الَّتي أمَرَ اللهُ أن تُطَلقَ لَهَا النِّسَاء) . أي بقوله تعالى:

"يَاَ أيّهَا النبيُّ إذا طلَقْتُمُ النساءَ فَطَلقَُوهُن لِعدتِهِن" / الطلاق: 1/ أي لاستقبال عدتهن، لأنها في هذه الحالة تبتدىء عدَتها من حين طلاقها نجلاف ما لو طلقت في الحيض، فإنها لا تبتدىء حتى ينقطع حيضها. وإذا طلقها بعد المس، أي الجماع، فقد تكون حاملا، وهو لا يرغب بتطليق الحامل، فيكون في ذلك الندم.

2 - وضرب ليس في طلاقهن سنة ولا بدعة وهن أربع:

الصغيرة

والآيسة

والحامل

والمختلعة التي لم يدخل بها.

"فصل" ويملك الحر ثلاث تطليقات [1] والعبد تطليقتين [2].

ويصح الاستثناء في الطلاق إذا وصله به [3] ويصح

(1) لقوله تعالى: "الطَّلاقُ مَرتَان فَإمْسَاكٌ بمَعْرُوف أوْ تَسْرِيح بإحْسَان" / البقرة: 229/. وقوله بعد ذلكَ: "فَإنْ طَلقهاَ فَلاَ تَحِل" لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَى تَنْكِحَ زَوْجاغيرَهُ "/ البقرة: 230/."

روى أبو داود (2195) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "وَالمُطَلَقَاتُ يَتَرَبصْنَ بأنْفُسِهِن ثَلاثَةَ قُرُوء وَلا يَحِل لَهُن أنْ يَكتمنَ مَا خَلَقَ اللهُ في أرْحَامِهِن إنْ كُن يُؤْمِنً باللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهن أحَقُ بِرَدهِنً في ذَلكَ إنْ أرَادروا إصْلاحاً" ، / البقرة: 228/. قال: وذلك أنَ الرجُلَ كَانَ إذَا طَلَقَ امْرَأتَهُ، فهو أحَق برَجْعَتِهَاَ وَإنْ طلَقَها ثلاثاً، فَنَسَخَ ذلك وقال: "الطَّلاَقُ مَرَتَانَ" .

[قروء: جمع قَرء وهو المدة بين الحيضين، ويطلق على مدة الحيض.

بعولتهن: أزواجهن] .

(2) روى الدارقطني (4/ 39) أنه صلى الله عليه وسلم قال: (طَلاَقُ العبدِ تطلِيقَتَانِ) ..

(3) كأن يقول لزوجته: أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين، صح ووقعت طلقة واحدة. قال عليه الصلاة والسلام: (مَنْ أعْتَقَ أوْ طَلقَ وَاسْتثنى فَلَهُ ثُنْياهُ) . أي استثناؤه. ذكره ابن الأثير في النهاية: مادة (ثنا) .

تعليقه بالصفة والشرط [1].

ولا يقع الطلاق قبل النكاح [2] وأربع لا يقع طلاقهم الصبي والمجنون والنائم والمكره [3].

(1) مثال تعليقه بالصفة: أن يقول لها: أنت طالق في شهر كذا، أو إذا نزلت الأمطار، فتطلق عند تحقق الصفة. ومثال تعليقه بالشرط، أن يقول لها: إن دخلت الدار فأنت طالق، فتطلق بدخولها. واستأنس لهذا بقوله صلى الله عليه وسلم: (المسلمون عِنْدَ شُرُوطِهِمْ) الحاكم: 2/ 49.

(2) روى أبو داود (2190) والترمذي (1181) وقال: حديث حسن صحيح، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لاَ نَذْرَ لابن آدَمَ فِيمَا لاَ يَمْلِك ُ، وَلاَ عِتْقَ لَهُ فِيمَا لاَ يَمْلكُ، وَلاَ طَلاَقَ لَهُ فيمَا لاَ يَمْلِكُ) .

أي فيما لا سلطان له عليه، وَلا سلطان له على المرأة قبَل زواجها. وعند الحاكم (2/ 205) : (لاَ طَلاَقَ قَبْلَ نِكَاح) .

(3) لحديث: (رفع القلم ... ) انظر حاشية 2 ص 42

ولما رراه أبو داود (2193) وغيره عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لاَ طَلاَقَ وَلاَ عَتَاقَ في غَلاَق) . قال أبو داود: الغلاق أظنه في الغضب.

وعًند ابن ماجه (2046) بلفظ: إغْلاق، وفسر بالإكراه، لأن المكره يغلق عليه أمره وتصرفه.

ولقوله صلىَ الله عليه وسلم: (إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) . رواه ابن ماجه (2045) وصححه ابن حبان والحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما. أي وضع عنهم حكم ذلك وما ينتج عنه، لا نفس هذه الأمور، لأنها واقعة.

"فصل" وإذا طلق امرأته واحدة أو اثنتين فله مراجعتها ما لم تنقض عدتها [1] فإن انقضت عدتها حل له نكاحها بعقد جديد وتكون معه على ما بقي من الطلاق [2].

فإن طلقها ثلاثا لم تحل له إلا بعد وجود خمس شرائط:

1 - انقضاء عدتها منه

2 - وتزويجها بغيره

3 - ودخوله بها وإصابتها [3]،

(1) لقوله تعالى: "وَبُعُولَتُهُن أحق بِرَدهِن في ذَلِكَ" ، / البقرة: 228/. والمراد بالرد الرجعة كما قال المفسرون. ولقوله صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه: (مره فليراجعها) .

(حاشية 1 ص 171) وفي رواية: وكان عبد الله طلق تطليقة. وفي رواية عند مسلم: كان ابن عمر إذا سئل عن ذلك قال لأحدهم: أما إن طلقت امرأتك مرة أو مرتين، فإن رسول الله صلى الله عيه وسلم أمرني بهذا. أي بمراجعتها.

وروى أبو داود (2283) عن عمر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طَلقَ حَفْصَةَ، ثم رَاجَعَهَا.

(2) روي عن عمر رضي الله عنه: أنه سئل عمن طلق امرأته طلقتين وانقضت عدتها، فتزوجت غيره وفارقها، ثم تزوجها الأول؟ فقال: هي عنده بما بقي من الطلاق [الموطأ: 2/ 586]

(3) أي وطؤها، لقوله تعالي: "فَإن طلَّقَهَا فلاَ تحل لَهُ مِنْ بَعدُْ حتىَ تنكح زَوْجاً غَيرَه فإنْ طَلقهَا فَلا جُنَاح علَيْهِمَا أنْ يَتَرَاجَعَا إنْ ظًنا أنْ يُقيمَا حُدودَ اللهِ" / البقرة: 230/.

[طلقها: أي الطلاق الثالثَ. يتراجعا: بعقد جديد يقيما حدود الله: ما طلب منهما من حقوق الزوجية]

وروى البخاريَ (2496) ومسلم (1433) عن عائشة رضي الله عنها:=

4 - وبينونتها منه [1]

5 - وانقضاء عدتها منه.

"فصل" وإذا حلف أن لا يطأ زوجته مطلقا أو مدة تزيد على أربعة أشهر فهو مول ويؤجل له إن سألت ذلك أربعة أشهر ثم يخير بين الفيئة والتكفير أو الطلاق [2]،

= جاءتِ امْرَأةُ رِفَاعةَ الْقُرَظِي النبي صلى الله عليه وسلم فقالت. كُنْت عنْدَ رفَاعةَ، فَطلَّقني فأبَتَّ طلاًَقي، فَتَزَوَجت عبدَ الرَّحمنِ ابنَ الزبير، إنَّمَا مَعَهُ مِثْلُِ هُدْبَةِ الثوْبِ، فقال: (أتريدِينَ أنْ تَرْجِعي إلى رِفَاعَةَ؟ لَاَ، حَتى تَذُوقي عسَيْلتهُ وَيَذوقَ عسَيْلَتكَِ) [فأبت طلاقي: من البت وهو القطع، أي طلقها ثلاثاً. هدبة الثوب: حاشيته، شبهت به استرخاء ذكره، وكيف أنه لا قدرة له على الوطء.

تذوقي عسيلته: كناية عن الجماع، شبه لذة الجماع بلذة ذوق العسل.

وعسيلة قطعة صغيرة من العسل، وفيه إشارة إلى أنه يكفي أقل الجماع، وهو دخول حشفة الذَكر في الفرج] .

(1) أيَ انقطاع عقدة نكاحها منه بطلاق أو فسخ أو موت.

(2) أيَ يُطلْب منهُ أنْ يرجع عن حلفه. فيطأ زوجته ويكفر عن يمينه، فإن أبي طْلِبَ منه أن يطلقَ.

قال تعالى: (للذِينَ يؤْلَونَ من نسَائهمِ ترَبص أربعة أشهر فإنْ فَاؤوا فَإن اللهَ غفور رَحِيم. وَإنْ عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم "/ البقرة: 26 - 27 /."

[يؤلونَ: من الإيلاء، وهو الحلف كما ذكر. تربص: انتظار=

فإن امتنع طلق عليه الحاكم [1].

"فصل" والظهار: أن يقول الرجل لزوجته: أنت علي كظهر أمي [2] فإذا قال ذلك ولم يتبعه بالطلاق صار عائدا [3] ولزمته الكفارة.

والكفارة: عتق رقبة مؤمنة سليمة من العيوب المضرة بالعمل والكسب فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا لكل مسكين مد ولا يحل للمظاهر وطؤها حتى

= فاؤوا: رجعوا عن الحلف بالوطء].

وروى مالك في الموطأ (2/ 556) عن علي رضي الله عنه أنه كان يقول: إذَا آلى الرٌجلَ من امْرَأتِهِ لمْ يَقع عَليْهِ طَلاَقٌ، وإنْ مَضَتْ الأرْبَعَةُ الأشْهُرِ، حَتى يوقَفَ: فَإما أن يُطلقَ وإما أن يَفِيءَ. وروى مثل ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما.

(1) لإزالة الضرر عنها، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالتطليق عليه.

(2) أي تَحْرُمُ عليَ معاشرتُك كما تحرمُ علي معاشرةُ أمي معاشرةَ الأزواج. هذا القول حرامٌ بإجماع المسلمين، قال الله تعالى: "الَذين يظَاهِرونَ مِنْكَمْ منْ نِسَائهم مَا هُن أمهَاتِهِمْ إنْ أمهاتُهُم إلا اللاَئِي وَلدْنَهُمْ وَإنَهُمْ ليقولونَ مُنْكَراً مِنَ القَوْلِ وَزُوراً وَإن الله لعفوا غفُور" / المجادلة: 2/.

[زوراً: باطلا ً وكذباً] .

(3) أي مخالفاً لما قال، وهو تحريم زوجته عليه، لأن إمساكها وعدم تطليقها مخالف لتحريمها.

يكفر [1].

"فصل" وإذا رمى الرجل زوجته بالزنا فعليه حد القذف إلا أن يقيم البينة أو يلاعن [2] فيقول عند الحاكم في الجامع على المنبر في جماعة من الناس [3]: أشهد بالله

(1) قال الله تعالى: "وَالَّذينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهم ثُم يَعَودونَ لِمَا قَالوا فَتَحْرِير رَقًبَة مِنْ قبْلِ أنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمُ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللهُ بِما تَعْملَون. َخَبِيرُ. فمَنْ لَمْ يجِدْ فصِيَامُ شَهرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أنْ يتَماَسا فَمَن لَمْ يَستَطع فَإطْعَامُ ستينَ مِسكِيناً ذَلِكَ لِتُؤمنوا بِاللهِ ورسولِهِ وَتِلكَ حُدُودُ اللهِ ولِلكافرِينَ عَذَابٌ ألِيمٌ" / المجادلة: 3 - 4/.

[أن يتماسا: من المماسة والمراد بها المجامعة. ذلك: أي البيان والتعليم. لتؤمنوا: لتصدقوا. حدود الله: أحكَامه التي لا يجوز تجاوزها] .

(2) روى البخاري (4470) عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن هلال ابن أمَيّةَ قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشَريكِ بن سَمحَاءَ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (البَينَةَ أوْحَد في ظهرِكَ) ... فقال هلال: والذيَ بعثك بالحق إني لصادق، فَلْيُنزِلَن الله ما يُبرىءُ ظهري من الحد. فنزل جبريل وأنزل عليه: "والَذَينَ يَرْمونَ أزْوَاجَهمْ ..." .

(3) روى البخاري (5003) ومسلم (1492) عن سهل بن سعد رضي الله عنه: أنْ رَجُلا مِنَ الأنْصَارِ جَاءَ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسولَ الله، أرَأيْتَ رَجلاً وجد مع امرأته رجلا، أيَقْتُلهُ أمْ كيف يفعلُ؟ فأنزل الله في شَأنه ما ذُْكرَ في القرآن من ْ أمر المتلَاَعِنَيْنِ، فقال النبي صلى الله عليه وَسلم: َ (قَدْ قَضىً الله فيكَ وَفي امْرَأتِكَ) . قال: فتلاعنا في المسجد وأنا شاهد. وفي رواية: فتلاعنا وأنا مع النَّاسِ عندَ رسول الله صلى الله عليه وسلَم. وعند أبي داود=

إنني لمن الصادقين فيما رميت به زوجتي فلانة من الزنا وإن هذا الولد من الزنا وليس مني أربع مرات ويقول في المرة الخامسة بعد أن يعظه الحاكم وعلي لعنة الله إن كنت من الكاذبين [1].

ويتعلق بلعانة خمسة أحكام:

1 - سقوط الحد عنه

2 - ووجوب الحد عليها

3 - وزوال الفراش

4 - ونفي الولد

5 - والتحريم على الأبد [2].

(2250) قال سهلِ: حضَرْتُ هذا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فمَضتِ السنة بَعْدُ في المتلاعنين: أنْ يُفرَّقَ بَينهُمَا، ثم لا يجتَمعان أبداً.

(1) قالَ الله تعالى: "وَالَّذينَ يرْمونَ أزْوَاجَهُمْ وَلمْ يَكُنْ لَهُمْ شهدَاء إلا أنْفسُهمْ فَشَهًادَة أحَدهِم أربع شَهَادَات بالله إنَّهُ لمَنْ الصَّادقِين. وَالْخَامِسة أن لعْنةَ الله عليَه إنْ كًانً مِنَ الكَاذبين" / النور: 6، 7/ [يرمون: يتهمونَهن بالزنا] .

روى البخاريَ (5001) عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنَ هِلالَ ابنَ أميةَ قذَفَ امْرَأتَه، فجاء فشَهِدَ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله يعْلَمُ أن أحدكُمَا كَاذبٌ، فَهلْ مِنْكُمَا تائب) . وفي رواية عن ابن عمر رضي الله عنهما (5006) كرر ذلك صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات. ثَم قامَتْ فَشَهِدَتْ.

وروي أبو داود (2263) وغيره، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَهُ سَمع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول، حينَ نزَلَتْ آيةُ المتلاعنين: (أيّمَا امرأة أدْخَلَتْ عَلى قَوْم منْ ليسْ منِهُمْ فَليَستْ منَ الله في شَيء، وَلن يدخلها الله جنته. وأيما رجل جحد ولده وَهوَ ينظر إليه، احتجب الله منه، وفضحه على رؤوس الأولين والأخرين)

(2) روى البخاري (5009) ومسلم (1494) عن ابن عمر رضي الله

ويسقط الحد عليها بأن تلتعن فتقول: أشهد بالله إن فلانا هذا لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا أربع مرات وتقول في الخامسة بعد أن يعظها الحاكم وعلى غضب الله إن كان من الصادقين [1].

"فصل" والمعتدة على ضربين:

1 - متوفى عنها

2 - وغير متوفى عنها

فالمتوفى عنها: إن كانت حاملا فعدتها بوضع الحمل [2]

= عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم لاَعَنَ بَينَ رَجُل وامرأتِه، فانْتَفىَ مِنْ وَلدها، ففرق بينهما، وألْحَقَ الوَلَدَ بالمَرْأة.

[فانتفى من وَلدها: أي نفى أن يكون منه] .

وفي رواية عند البخاري (5006) قال النبي صلى الله عليه وسلم لهما: (حسابُكما عَلى الله، أحَدُكمَا كاَذب، لا َسَبيلَ لَكَ عَليهما) أي لَيس لك رجعة إليها ولا تلاقي بينكَما، وَلو بعقد جديد. وانظر حا 1 ص 178.

(1) قال تعالى: "ويدْرَأْ عَنْهَا العَذَابَ أنْ تَشْهَدَ أربعً شَهَادَات بِاللهِ إنّه لِمَنَ الكَاذِبين َ. وَالخَامِسَةَ أن غَضَبَ اللهِ عليْهَا إنْ كَان منَ الصادقين" / النور: 8، 9/.

[يدرأَ: يدفع ويرفع. العذاب: حد الزنا وهو الرجم هنا] .

وعند مسلم (1493) : ثم دعاها فوعظها وذكرها، وأخبرها أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الأخرة.

(2) لقوله تعالى: "وأولات الأحمَال أجَلَهن أنْ يَضَعنَ حَمْلَهُن" / الطلاق: 4/. [أولات الأحمال: اَلحاملات. أجلهن: مدة عدتهن]

:وروى البخاري (5014) عن المِسْوَرِ بن مخرمة رضي الله عنه:

أن سَبيْعَة الأسلميةَ نَفسَتْ بَعْدَ وفاة زوجِها بليال، فجاءت النبي صلى الله عليه وسلَم فاسْتَأَذَنَتةُ أنْ تَنْكِح، فأذنَ لهَا، فَنَكحتْ.

[نفست: ولدت] .

وإن كانت حائلا فعدتها أربعة أشهر وعشر [1].

وغير المتوفى عنها [2]: إن كانت حاملا فعدتها بوضع الحمل [3]، وإن كانت حائلا - وهي من ذوات الحيض - فعدتها ثلاثة قروء [4] وهي الأطهار وإن كانت صغيرة أو آيسة فعدتها ثلاثة أشهر [5].

(1) قال تعالى: "وَالَّذينَ يتُوَفونَ مِنْكمْ وَيَذَرونَ أزْوَاجا يَتَرَبَّصْنَ بأنْفُسِهِن أربَعَةَ أَشهُر وَعَشْراً فَإذَا بَلَغْنَ أجَلهن فلاَ جُنَاحَ عَلَيكُمْ فِيما فَعَلْنَ في أنْفُسِهِن بالمَعْرُوفِ وَاللهُ بما تَعَملونَْ خبيرٌ" / البقرة: 234/.

[يتربصنَ: ينتظرنَ. بلغن أجلهن: انقضت مدتهن المذكورة. جناح: لا حرج ولا إثم. فيما فعلن: من التزين أو التعرض للخطاب أو الزواج.

بالمعروف: بالوجه الذي لا ينكره الشرع] .

(2) أي المطلقة، أو المفرق بينها وبين زوجها بلعان أو فسخ، بعد وطء، ونحو ذلك.

(3) انظر حاشية: 2 ص 179.

(4) قال تعالى: "والمطلقات يتَرَبصنَ بِأنْفسهِن ثَلاثًة قُرُوء وَلاَ يَحِل لهن أنْ يكْتُمْنَ مَا خلقَ اللهُ في أرحَاِمهنَّ إنْ كن يؤمن بِالله وَاليَوْم الآخِرِ" / البقرة: 228/.

[قروء: جمع قَرء وهو مدة ما بين الحيضين، وقد يطلق على مدة الحيض] .

(5) الآيسة: هي الكبيرة التي انقطع حيضها وأيِستْ من عوده، قال تعالى: "واللائي يَئسنَ مِنَ المَحِيضِ مِنْ نِسائِكمْ إنِ ارتَبْتمْ فَعدتهن ثَلاثًةُ أشهر وَاللائي لَم يَحِضنَ" / الطلاق: 4/.

أي الصغيرات اللواتي لم يبلغن سن الحيض عدتهن ثلاثة أشهر كالآيسات.

[ارتبتم: شككتم في حكمهن ولم تدروا كيف يعتدون] .

والمطلقة قبل الدخول بها لا عدة عليها [1].

وعدة الأمة بالحمل كعدة الحرة وبالإقراء أن تعتد بقرأين [2] وبالشهور: عن الوفاة أن تعتد بشهرين وخمس ليال وعن الطلاق أن تعتد بشهر ونصف [3] فإن اعتدت بشهرين كان أولى [4].

"فصل" ويجب للمعتدة الرجعية السكني والنفقة ويجب للبائن السكني دون النفقة إلا أن تكون حاملا [5]

(1) قال تعالى: "يا أيها الذِينَ آمنوا إذَا نكَحتُمُ المُؤمنَاتِ ثُم طَلَّقتُمُوهنَّ منَ قَبل أنْ تَمسّوهَن فَمَا لكمْ عليْهنَ مِنْ عِدَّة تَعْتَدونَهَا فمَعتهُوهن وسَرحُوهُن سَرَاحاً جَمِيلاً" / الأحزاب: 49/.

[تمسوهن: تجامعوهن. عدة تعتدونها: مدة تعُدونها وتحصونها عليهن بالأشهر أو الأقراء. فمتعوهن: أعطوهن شيئاً يستمتعن به. سرحوهن: خلوا سبيلهن بالمعروف من غير إضرار بهن] .

(2) لقول عمر وابنه رضي الله عنهما: تعتد الأمة بقرأين. ولم ينكر عليهما أحد من الصحابة رضي الله عنهم فكان إجماعاً. ولأنها على النصف من الحرة في كثير من الأحكام. وقياساً على العبد في جعل طلاقه تطليقتين.

(نهاية).

(3) قياساً على ذات الأقراء في التنصيف.

(4) لأن الأشهر بدل الأقراء، والحرة تعتد بثلاثة أشهر وبدل ثلاثة قروء، فكذلك الأولى بالأمة أن تعتد شهرين بدل قرأين.

(5) أي فتجب لها النفقة أيضاً، والأصل في هذا: قوله تعالى: "أسكنوهُن مِنْ حَيْث سكنتُمْ مِنْ وُجْدكُمْ وَلاَ تَضَارُّوهن لِتضيقُوا عَليْهن وإن كن أُولاَت حمَل فَأنفقُوا عَلَيْهِن حَتى"

ويجب على المتوفى عنها زوجها الإحداد وهو الامتناع من الزينة والطيب [1] وعلى المتوفى عنها زوجها والمبتوتة

يَضَعْنَ حَمْلَهُن فَإنْ أرْضَعْنَ لكمْ فَآتوهُن أجُورَهُنَ وَأتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بمَعْروف وَإنْ تَعَاسَرْتمْ فسَتُرضِع لَهُ اخْرَى "/الطلاق:6/"

[وجدكم: سعتكم وطاقتكم. تضاروهن: تؤذوهن. وأتمروا: تراضوا تعاسرتم: أبى كل من الوالدين أن يوافق الآخر] .

وروى الدارقطني والنسائي (6/ 144) في قصة فاطمة بنت قيس رضي الله عنهما، حين طلقها زوجها تطليقة كانت بقيت لها، أنه صلى الله عليه وسلم قال لها: (إنَّما النفَقَةُ والسكنىْ لمَنْ تَملِكُ الرجْعةَ) .

وفي رواية أبى داود (2290) َ قال لها: َ (لاَ نَفقةَ لَك إلا أن تَكُوني حَامِلاً) .

(1) روى البخاري (5024) ومسلم (1486، 1489) عن أم حبيبَةَ رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لاَ يَحِل لامْرَأة تُؤْمنُ بالله وَالْيَوْم الآخِرِ أنْ تُحِد عَلى مَيَتِ فَوْقَ ثَلاثَ ليَال، إلاَ علىَ زَوْج أرْبَعًَة أشْهرٍ وَعَشْراً) .

وروى الًبخاري (307) ومسلم (938) عن أم عطية الأنصارية رضي الله عنها قالت: كْنَّا نُنْهىَ أنْ نُحِد على مَيِّت فَوْقَ ثَلاثَ، إلاَّ على زَوْجٍ أرْبَعَةَ أشْهر وَعَشراً، وَلاَ نَكْتَحِلًُ، وَلاَ نَتَطًيَّبُ، وَلاَ نَلبَس ثوْباً مَصْبوًغاً إلا ثَوْبَ عَصْب. وَقَدْ رُخِّصَ لَنَا عنْدَ الطهْرِ، إذَا اغْتَسَلَتْ إحْدانَا مِنْ مَحيضًهَا، في نبْذَة مِنْ كُستِ أظْفارِ، وَكُنَا نُنْهَى عَنِ اتَباعِ الجَنَاَئِز.

[ثوباً مصبوغاً: مما يعد لبسه زينة في العادة. ثوب عصب: نوع من الثياب، تشد خيوطها وتصبغ قبل نسجها. نبذة: قطه صغيرة. كيست أظفار: نوع من الطيب] .

ملازمة البيت إلا لحاجة [1].

"فصل" ومن استحدث ملك أمة حرم عليه الاستمتاع بها حتى يستبرئها: إن كانت من ذوات الحيض بحيضة وإن كانت من ذوات الشهور بشهر فقط وإن كانت من ذوات الحمل بالوضع [2].

وإذا مات سيد أم الولد استبرأت نفسها كالأمة [3].

(1) قال تعالى: "لاَ تُخْرجُوهُن مِنْ بيُوتِهِن وَلاَ يَخْرجنَ إلا أن يَأتِينَ بِفاحِشَة مُبَيَنَة وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَد حُدُودَ الله فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَه" / الطلاق: 1/.

وروى مسلم (1483) عن جابر رضي الله عنه قال: طُلِّقَتْ خَالَتي، فأرادت أنْ تَجُد نَخْلَهَا، فزًجَرَهَا رجُل أنْ تَخرُجَ، فأتت النبي صلى الله عليه وسلمِ فقال: (بلى، فَجدي نَخْلَكِ، فإنَّك عَسىَ أنْ تَصَدقي، أو تَفْعلي مَعْروفاً) .

[تجد نخلها: تقطع ثمره. فزجرها: نهاها] .

(2) والأصل في هذا ما رواه أبو داود (2157) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أنه صلى الله عليه وسلم قال في سَبَايَا أوْطَاس: (لاَ تُوطَأ حَامِلٌ حَتَى تَضعَ، وَلاَ غَيْرُ ذَاتِ حَمْل حَتَى تحيضَ حَيْضَة) .

[سبايا: جمع سَبِيَّة وهي الأسيرة من الكفار. أوطَاس: اسم لواد وقعت فيه غزوة بعد حنين]

وقيس على السبي غيره من أسباب التملك.

(3) قياساً على الأمة. وروى مالك (2/ 592) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: عدَةُ أم الْوَلَد، إذَا تُوَفَي عَنْهَا سَيدُهَا، حيْضَةٌ. وأم الولد هي المملوكة التي وطئهاَ سيدها فحملت منه أو أتت بولد.

"فصل" وإذا أرضعت المرأة بلبنها ولدا صار الرضيع ولدها بشرطين

1 - أحدهما أن يكون له دون الحولين [1]

2 - والثاني أن ترضعه خمس رضعات متفرقات [2] ويصير

(1) روى البخاري (4814) عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها رجل، فكَأنه تغَيرَ وَجْهه، كأنه كَرِهَ ذَلِكَ، فقالتْ: إنه أخي، فقال: (انظرْنَ منَْ إخْوَانُكُن إنَّمَا الرضَاعَةُ مِنَ المجاعَةِ) . أي تحرمُ الرضاعة إذا كانت في الزمن الذي يجوع فيه الإنسان لفقدها وبشبع بها، وهذا لا يكون إلا للصغير.

وروى الترمذي (1152) عن أِم سلمة رضى الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه: (لاَ يُحرمُ مِنَ الرضَاعَة إلا ما فَتَقَ الأمْعَاءَ، في الثدي، وكانَ قَبْلَ الْفطام) .

[فتقَ الأمعاء: شقها وسلكَ فيهَا في الثدي: في زمن الثدَي أي في زمن الرضاع قبل الفطام والفطام يكون بتمام الحولين، قال تعالى: "وفِصاله في عامين" / لقمان: 14/. والفصال هو الفطام لأنه يفصل به الرضيع عن أمه.

وقال تعالى: "والوالدَاتُ يرْضِعْن أولاَدَهُن حَوْلَيْنِ كامِلين لِمَن، أْرَادَ أن يُتم الرضَاعَةَ" / البقرة: 233/.

وروى الدارقطنَي (4/ 174) : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لاَ رَضَاعَ إلا مَا كَانَ في الْحَولينِ) . انظر حاشية 1، 5 ص 163.

(2) روى مسلمِ (1452) عن عائشة رضي الله عنها: كانَ فيما أنْزِلَ مِنَ الْقرْآن: عشْرُ رَضَعَاتٍ معلوُمَات يُحرَمْنَ، ثم نُسخْنَ بِخَمْس مَعلُومَات، فتوفِّيَ رسولُ اللهً صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرآ مِنَ الْقرآًنِ. أي إن نسخها كانَ متأخراً، حتى إنه توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعض الناس ما زال يتلوها قرآناً، لأنه لم يبلغه النسخ بعد ومعنى معلومات: أن كل رضعة متميزة عن غيرها. فهن متفرقات متشبغات.=

زوجها أباً له [1].

ويحرم على المرضع التزويج إليها وإلى كل من ناسبها [2] ويحرم عليها التزويج إلى المرضع وولده [3] دون من كان في درجته [4] أو أعلى طبقة منه [5].

"فصل" ونفقة العمودين من الأهل واجبة للوالدين [6]

= روى مسلم (1451) عن أم الفضْل رضي الله عنها: أن نَبي الله صلى الله عليه وسلم قال: (لاَ تُحَرم الرَّضْعةُ أوِ الرَّضْعتانِ، أوِ المَصَّةُ أوِ المَصَّتَانَ) .

(1) روى البخاري (4518) ومسلم (1445) أن عائشةَ رضي الله عنها قالت: اسْتَأذَنَ عَلَي أفْلَحَ، أخو أبي الْقُعَيسِ، بَعْدَ ما أنْزِلَ الحجَابُ، فقلتُ: لا آذَنُ له حتَى أستأذِنَ فيه النبي صلى الله عليه وسلم فإنًّ أخاه أبا الْقعيسِ ليس هو أرْضَعني، لكن أرضَعَتْني امرأةُ أبي القعيسْ ِ. فدخل عَلي النبي صلى الله عليه وسلم فقلت له: يا رسولَ الله، إن أفْلَحَ أخا أبي القعيس استأذنَ، فأبيت أنْ آذَنَ له حتَى أستأذنكَ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ومَا مَنَعَك أنْ تأذَني؟ عَمكِ) . قلت: يا رسولَ الله، إن الرجلَ ليس هو أرضعني، ولكن أرضْعتنيْ امرأة أبي القُعَيسْ ِ، فقَال: (ائذني لهُ، فإنَّه عَمَّكِ، تَرِبَتْ يَمينُك) أي فزْتِ ورَبْحتِ، على خلاف معناها الأصلي وهو: افتقرت ولصقت يمينك بالتراب.

(2) أي انتسب إليها بنسب أو رضاع، كبنتها وأختها ونحو ذلك.

(3) انظر: حاشية 1: 5 ص 163.

(4) كأخيه وابن عمه.

(5) كأبيه وعمه.

(6) لقوله تعالى: في حق الوالدين "وصَاحبهُمَا في الدُّنْيَا مَعْرُوفا" / لقمان: 15/.

والنفقة عليهما من المعروف.

والمولودين [1]:

فأما الوالدون: فتجب نفقتهم بشرطين:

1 - الفقر والزمانة

أو

2 - الفقر والجنون.

وقالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن منْ أطْيَبِ ما أكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِه، وولده من كسبه) . رواه أَبو داود (3528) والترمذي (1358) وغَيرهما، عن عائشة رضي الله عنها. وعن أبي داود (3530) : (أنتَ ومالُك لوالدِك، إن أولادَكم مِنْ أطيبِ كسبِكم، فكُلُوا من كسبِ أوْلادكم) .

وروى الَنسائي) ِ5/ 61) عن طَارِق المُحَاربي رضي الله عنه قال: قَدمْتُ المدينةَ، فإذَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قائمٌ على المِنْبَرِ يخطُبُ الناسَ، وهو يقول: َ (يَدُ المُعْطي الْعُلْيَا، وابْدأ بِمَنْ تَعُولُ: امَك وأباكَ، وأخْتك وأخاك، ثم أدناك أدناك) . أي الأقرب الأقرب.

وروى أبو داود (1540) عن كُلَيْبِ بن مَنفعةَ عن جدَه رضي الله عنه: أنّه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسولَ اللهِ، مَنْ أبَر؟ قال: (أمك وأباك، وأخْتَك وأخَاك، ومولاك الذي يَلي ذاك، حَق وَاجِبٌ وَرَحِمٌ موْصولَةٌ) .

(1) قال تعالى: "وَالوالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أوْلاَدَهُن حَوْلَيْنِ كَامِلَيْن لِمَنْ أرَادَ أنْ يُتم الرَّضَاعَةَ وَعَلى المَوْلود لَهُ رِزْقُهُن وَكسْوَتُهُن بالمَعرُوف" / البقَرة: 233/. وقال: "فَإن أرْضَعْنَ لَكُمْ فًآتُوهُن أجورَهُن" / الطلاق: 6/. فقد دلت الآيتان بمنطوقهما على أن الأب تجب عليه نفقة مرضع ولده، وهذا دليل وجوب نفقة الولد من باب أولى.

وروى البخاري (5049) ومسلم (1714) عن عائشة رضي الله عنها: "أن هِنْدَ بنْتَ عتبَةَ قالت: يا رسولَ اللهِ إن أبا سُفْيَانَ رَجل شَحِيح، ولَيسَ يُعْطِيني ما يَكفِيني وَوَلَدِي إلاَ ما أخذْتُ مِنْهُ"

وأما المولودون: فتجب نفقتهم بثلاث شرائط:

1 - الفقر والصغر،

أو

2 - الفقر والزمانة

أو

3 - الفقر والجنون.

ونفقة الرقيق والبهائم واجبة، ولا يكلفون من العمل ما لا يطيقون [1].

وهو لا يَعْلمُ، فقال: (خذي مَا يَكْفيكِ ووَولَدَك بالمعرُوفِ) .

أي بما تعارف عليه الناس من نفَقة أمثالكم، وحسب حالَ الَزوج، من غير إسراف ولا تقتير.

(1) روى مسلم (1662) عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لِلْمملوك طَعامهُ وَكسْوَتُهُ، وَلاَ يُكَلف مِنَ الْعَمَلِ إلا ما يطيق) . وفي رواية (996) (كَفَى بِالمَرْءِ إثماً أنْ يَحْبسَِ عَمَّنْ يمْلِكهُ قُوتَهُ) .

وروى البخاري (30) ومسلم (1661) عن أبي ذر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إخْوَانُكُمْ خوَلكُمْ، جَعَلَهمْ اللهُ تَحْتَ أيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أخوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطعِمه ممَّا يَطْعمُ، وَلْيُلْبسْهُ مِمَا يَلْبَسُ، وَلاَ تكلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبهمْ فإنْ كلَفْتموهُمْ فَأَعْينوهُمْ عَلَيْهِ) .

[خولكم: خدمكم. تحت أيديكم: فى ملككم وسلطانكم. يغلبهم: يعجزون عن القيام به] .

وروى البخاري (3295) ومسلم (2242) عن ابن عمر رضيِ الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (عُذبَت امرَأة في هِرّةِ سجنتها حتَى ماتَتْ فَدَخَلَتْ فيها النَّارَ، لا هي أطعمَتْهَا وسقَتهَا. إذْ هي حَبَسَتْهَا، ولا هي تَرَكتهَا تأكلُ من خَشاشِ الأرضِ) . أي حشراتها. فقد دل الحديث على وجوب نفقة الحيوان المحتبس، ولا سيما إذا كان مملوكِاً ومشغوِلاً بمصالح المالك.

ونفقة الزوجة الممكنة من نفسها واجبة [1] وهي مقدرة:

فإن كان الزوج موسرا فمدان من غالب قوتها [2] ومن الأدم والكسوة ما جرت به العادة.

وإن كان معسرا فمد من غالب قوت البلد وما يأتدم به المعسرون ويكسونه.

وإن كان متوسطا فمد ونصف ومن الأدم والكسوة الوسط [3]

(1) قال تعالى: "الرجَالُ قوَامُونَ عَلى النسَاء بمَا فضَّلَ اللهُ بَعْضَهمْ عَلى بَعضِ وَبِمَا أنْفقوا منْ أمْوَالِهِمْ" / النساء: 34/.

فقد دلت الآية على أن الزوج هو المسؤول عن النفقة.

وفي حديث جابر رضي الله عنه الطويل عند مسلم (1218) : (فَاتَّقوا اللهَ في النسَاء، فإنكمْ أخَذْتُمُوهُن بأمَانَة اللهِ، وَاسْتَحللتمْ فُرُوجَهن بِكًلِمَةِ اللهِ، وَلَكُمْ علَيْهِن أنَْ لاَ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أحَداً تَكْرَهونهُ، فَإنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهن ضَرْباً غيرَ مبُرح.

ولَهُن عَلَيكُمْ رزْقُهُن وَكَسْوَتهُن بِالمَعْرُوف وَقدَْ تَرَكت فِيكُمْ مَا لَنْ تضلوا بعْدَهُ إن اعْتَصَمْتُمْ به: كَتَابَ الله) .

ومن المعروف أنَ يطعمها مما يأَكل أمثالها من أهَلَ البلد، ويلبسَها مما يَلبَسنَ.، وانظر حاشية 1 ص 186.

(2) أي من غالب ما يقتات به أمثالها.

(3) قال تعالى: "لِيُنْفقْ ذُو سَعة منْ سَعتَِهِ ومنْ قدرَ علَيهِ رٍزقُهُ فلْينْفِقْ مِمَا آَتَاهُ اللهُ لاَ يُكَلَفُ اللهُ نَفساً إلا ماَ آتَاهَا سيجعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْر يُسْرا" / الطلاق: 7 /.

وإن كانت ممن يخدم مثلها فعليه إخدامها [1].

وإن أعسر بنفقتها فلها فسخ النكاح [2] وكذلك إن أعسر بالصداق قبل الدخول.

"فصل" وإذا فارق الرجل زوجته وله منها ولد فهي أحق بحضانته إلى سبع سنين [3] ثم يخير بين أبويه،

= وروى أبو داود (2144) عن مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْري رضى الله عنه قال: أتيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقلتُ: ما تقولُ في نسَِائِنَا. قال: (أطعموهن مِمَّا تَأكُلُونَ، وَاكْسُوهُن مِمَا تَكْتسُونَ، وَلاَ تَضْرِبُوهُنَ وَلاَ تُقبِّحُوهُن) .

هذا وللعرف أثر كبير في تحديد النفقة حسب الزمان والمكان والأحوال، وهذا كله إذا لم تكن مساكنة للزوج وتأكل معه، فإن كانت في كذلك سقطت نفقتها. وانظر حاشية 1 ص 186. حا 2 ص 188

(1) إن طلبت ذلك، لأنه من العشرة بالمعروف.

(2) روى الدارقطني (3/ 297) عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال في الرَّجُلِ لا يَجِد ما ينْفِقُ عَلى امْرَأتِه: (يفَرق بينَهُمَا) .

(3) روى أبو داود (2276) وغيره عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم جاءتْه امرأةٌ فقالت: يا رسولَ الله، إن ابني هذا: كان بَطني لَه وِعَاء، وثَدْيِي لَهُ سِقَاء، وَحِجريْ لَهُ حواءً، وإن أباه طَلقني وأرادَ أنْ يَنْزِعَهُ مني. فقال لها رسولُ اللهِ صلىَ الله عليه وسلم: (أنْتِ أحَق بِهِ ماَ لَمْ تَنكحِي) .

فأيهما اختار سلم إليه [1].

وشرائط الحضانة سبع

1 - العقل

2 - والحرية

3 - والدين [2]

4 - والعفة

5 - والأمانة

6 - والإقامة

7 - والخلو من زوج [3]

فإن اختل منها شرط سقطت.

(1) روى الترمذي (1357) وغيره، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم خيَرَ غُلِاماً بين أبيهَ وأمِّه. وفي رواية عند أبي داود (2277) وغيره: أن امرأةً جاءتْ فقالت. يا رسولَ الله ِ، إنَّ زَوْجي يريد أنْ يَذْهَبَ بِابني، وقد سَقَاني منْ بئرِْ أبيِ عِنَبةَ، وَقَد نَفعني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (استَهما عَليه) .

فقال زوجها: منْ يُحَاقني في وَلَدَيَ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (هذَا أبُوكَ وهَذِهِ أمك، فَخُذُ. بيدِ أيِّهِما شِئت) . فأخذ بيد أمه فانطلقت به.

[بئر أبي عنبه: بئر معتين، والظاهر أنه كان في مكان بعيد، وهي تعني: أن ولدها قد كبر، وأصبح يستطيع القيام بما ينفعها، بعد أن قامت بتربيته حيث كان صغيراً لا ينفعها بشيء. أستهما: اقترعا.

يحاقني: يخاصمني] .

(2) أي أن يكون الحاضن مسلماً إن كان المحضون كذلك.

(3) لقوله صلى الله عليه وسلم: (ما لم تنكَحي) . انظر حا 3 ص 189.

كتاب الجنايات

Kitab al-Jinayat (Pidana)

القتل على ثلاثة أضرب:

1 - عمد محض

2 - وخطأ محض

3 - وعمد خطأ:

فالعمد المحض هو: أن يعمد إلى ضربه بما يقتل غالبا ويقصد قتله بذلك [1] فيجب القود عليه [2] فإن عفا

(1) وهو من أكبر الكبائر وأفظع الذنوب، قال الله تعالى: "وَمَنْ يقْتُلْ مُؤْمناً مُتَعَمداً فَجَزَاؤهُ جَهنَّمُ خَالداً فِيهَا وَغَضِبَ الله عَلَيْهِ وَلَعَنًهُ وَأعَد لَه عَذابا عَظِيماً" / النساءَ: 93/.

وقال صلى الله عليه وسلم: (اجْتَنِبُوا السَّبع المُوبُقَات) . أي المهلكات التي تدخل فاعلها النار، وعد منها: (قتْل النفس الَتي حَرَّمَ اللهُ إلا بِالْحق) . رواه مسلم (89) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

وروى ابن ماجه بإسناد صحيح (2619) عن البراء بن عازب رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لَزَوَالُ الدنيا أهْوَنُ عَلى الله مِنْ قتْلِ مَؤْمِن بِغيرِ حَق) . وروى الترمذي (1395) وغيره مثلهَ عن ابن عمرو رضي الله عنهما.

والنصوص في هذا كثيرة ومتوافرة.

(2) أي القصاص وهو قتل القاتل، قال تعالى: "يَا أيها الَّذين آمَنِوا كُتِبَ علَيْكُم الْقصَاصُ في الْقَتْلَى الحرُّ بالْحُر وَالْعَبدُ بِالْعَبْد وَالأنْثى بالأنثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أخِيهِ شَيْءٌ فَاتباعٌ بِالْمَعْروفِ وَأداءٌ إلَيْهِ بِإحْسان ذَلِك تَخفِيفٌ مِنْ رَبِّكمْ"

عنه وجبت دية مغلظة حالة في مال القاتل [1]

والخطأ المحض أن يرمي إلى شيء فيصيب رجلا فيقتله

وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلكَ فَلَهُ عَذَابٌ أليمٌ "/ البقرة: 178/."

روى البخاري (4228) وغيره، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: فالعفو أن يقبل في العمد الدية، والاتباع بالمعروف: يتبع الطالبُ بمعروف، ويؤدي إليه المطلوب بإحسان. ولا فرق في وجوب القصاص بين الرجال والنساء، لقوله تعالى: "وكتَبْنَا عَليهِم فِيهَا أن النَّفْسَ بالنفسِْ" / المائدة: 45/.

روى الطبراني، عن عمرو بن حزم الأنصاري رضي الله عنه: أن رسول الله صلىَ الله عليه وسلم قال: (العَمْدُ قَودٌ) .

(1) روى البخاري (112) ومسلم (1355) عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ قُتلَ له قَتيلٌ فهُوَ بخِير النظَرَيْنِ: إمَّا أنْ يَقْتُلَ وَإمَّا أنْ يَدِيَ) أي يأخذ الَدية.

وكونها مغلظة سيأتي معناه ودليله في الفصل التالي.

وتجب حالة وفي مال القاتل تشديداً عليه.

روى البيهقي (8/ 104) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لا تَعْقِلُ العَاقِلَةُ عَمْداً وَلاَ صُلْحاً وَلاَ اعْتِرَافاً ولا ما جَنى المَمْلُوكُ. وروي مثل هذا عن عمر رضي الله عنه.

[صلحاً: ما تصالح عليه أولياء التقتيل مع الجاني. اعترافاً: دية جناية اعترف بها الجاني ولم تثبت عليه بالبينة] .

وذكر مالك في الموطأ (2/ 865) عن ابن شهاب أنه قال: مضت السنة: أن العاقلة لا تحمل شيئاً من دية العمد، إلا أن يشاؤوا ذلك.

والعاقلة: قبيلة الرجل وأقاربه، ممن يستنصر بهم ويستنصرون به.

فلا قود عليه بل تجب عليه دية مخففة على العاقلة مؤجلة في ثلاث سنين [1].

(1) قال تعالى: "وَمَا كَانَ لِمَؤْمنٍ أنْ يَقْتلَ مُؤْمنا إلا خطأ وَمنْ قَتَلَ مؤمِناً خطَأً فَتَحرِيرُ رَقَبةِ مُؤمِنَة وَدِيَةٌَ مسلَّمَة إلى أهْلِه إلا أنْ يَصّدَقوا" / النساء: 92 /.

وكَون الدية مخففة سيأتي معناه ودليله في الفصل التالي.

وكونها على العاقلة، لما رواه البخاري (6512) ومسلم (1681) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: اقْتَتلتْ امرَأتَان مِنْ هَذَيْل، فرَمتْ إحداهما الأخْرَى بحجَر فَقتلَتْهَا وَما فَي بطنِها، فَاختَصَمْوا إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَضىَ أن ديَةَ جَنِينهَا غرة عَبْدٌ أوْ وَلِيًدة، وَقضَى بِدِيةِ المرأةِ عَلى عًاقلَتِهَا.

[غرة: هي بياض في الوجه عبر به عن عبد كامَل. وليدة: امرأة مملوكة] .

قالوا: هذا القتل شبه عمد، وقضي فيه بالدية على العاقلة، فيقضى بها عليهم في الخطأ من باب أولى.

وروى ابن ماجه (2633) عن الغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالديةِ على العاقِلةَِ.

وكونها في ثلاث سنين، لما رويَ عَن عمر وعلي وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم، أنهم قضوا بذلك ولم ينكر عليهم، فكان إجماعاً، وهم لا يقولون مثل هذا إلا بتوقيف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولم أعلم مخالفاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدية على العاقلة في ثلاث سنين.

وقال الترمذي (1386) : وقد أجمع أهل العلم على أن الدية تؤخذ في ثلاث سنين. وانظر: نيل الأوطار: 7/ 90.

وعمد الخطأ: أن يقصد ضربه بما لا يقتل غالبا فيموت فلا قود عليه بل تجب دية مغلظة على العاقلة مؤجلة في ثلاث سنين [1].

وشرائط وجوب القصاص أربعة:

1 - أن يكون القاتل بالغا

2 - عاقلا [2]

3 - وأن لا يكون والداً للمقتول [3]

4 - وأن لا يكون المقتول أنقص من القاتل بكفر أو رق [4].

(1) روى ابن ماجه (2627) وأبو داود (4547) وغيرهما، عن عبد الله ابن عمروَ رضي الله عنهما، عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: قتِيلُ الْخَطَإ شِبْهِ العمْد قَتِيل السوْطِ والعصا، مائَةٌ - في رواية:

فيه مائة - منَ الإبِلَِ: أربعَونَ مِنهَا خَلِفَةً في بُطُونِهَا أولادُها) وانظر حاشية 1 ص 193. وحا 1 ص 196.

وروى أبو داود (4565) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عقْلُ شبه العمْدِ مُغَلَّظُ مِثْلُ عَقلِ الْعَمْد، ولاَ يقْتَلُ صَاحِبهُ) .

واَلعقل الدية، والتغليظ كَونها ثلاثة أنواع كمَا سيأتىِ، وانظر: حا 1 ص 193.

(2) لأن القصاص عقوبة بدنية، َ والعقوبة لا تجب إلا بالجناية، وفعل الصبي والمجنون لا يوصف بالجناية، لعدم صحة قصد التعدي منهما، فليسا من أهل العقوبة، ولا قصاص عليهما في قتلهما وإن كان على صورة العمد.

(3) أي فلو كان القاتل عمدا والد المقتول فلا يقتل به، لما رواه الدارقطني (3/ 141) من قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يقاد للابن من أبيه) .

ومثل الأب جميع الأصول، كالجد وإن علا.

(4) لما رواه البخاري (6507) عن علي رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (لاَ يقتَلُ مسْلِم بكَافِر) . ولقوله تعالى: في آية القصاص: "الحر بالحرِّ" وعن علي رضي الله عنه قال: من السنة ألاً يقتلَ ِحُر بعبد ولخبر أبي داود (4517) : (لاَ يقتلٌ حُر بِعبدٍ) .

وتقتل الجماعة بالواحد [1].

وكل شخصين جرى القصاص بينهما في النفس يجري بينهما في الأطراف [2]

وشرائط وجوب القصاص في الأطراف بعد الشرائط المذكورة اثنان:

1 - الاشتراك في الاسم الخاص, اليمنى باليمنى, واليسرى باليسرى.

2 - وأن لا يكون بأحد الطرفين شلل [3].

وكل عضو أخذ من مفصل ففيه القصاص [4] ولا قصاص في الجروح إلا في الموضحة [5].

(1) روى مالك في الموطأ (2/ 871) عن سعيد بن المسيب أن عُمَرَ بن الْخطاب رضي الله عنه قَتَلَ نَفَراً - خمَسة أوْ سَبْعة - برجل واحِد، قَتَلُوهُ غِيلَة، وقال: لَو ْتمالأ عَلَيْه أهْلُ صَنْعَاءَ لَقتَلتهمْ جَمِيعاً. وروى مثل ذلك عن غيره من الصحَابة ولم ينكر عليهم، فكَان إجماعاً [تمالأ: اتفق وتواطأ على قتله] .

(2) والأعضاء، لقوله تعالى: "وَكَتَبْنَا علَيْهِمْ فيها أن النَّفْسَ بِالَنَّفسِْ والْعينَ بِالْعيْنِ والأنْفَ بِالأنفِ وَالأذُنَ بالأذُنِ والسِّن بِالسَن وَالجُروحَ قصَاص" / المائدة: 45/.

(3) لأن من معنى القصاص التماثل، ولا تماثل بين اليمنى واليسرى من حيث المنافع، ولا بين الأشل والسليم.

(4) لإمكان تحقق المماثلة، بخلاف ما أخذ من غيره.

(5) أي الجرح الذي يشق اللحم ويصل إلى العظم ويوضحه، لقوله تعالى: "وَالجُروحَ قِصَاص" . والقصاص من أصل معناه المماثلة، كما علمت، ولا تتحقق في غير الموضحة من الجروح.

"فصل" والدية على ضربين

1 - مغلظة

2 - ومخففة

فالمغلظة مائة من الإبل ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة في بطونها أولادها [1]

والمخففة مائة من الإبل عشرون حقة وعشرون جذعة, وعشرون بنت لبون, وعشرون ابن لبون, وعشرون بنت مخاض [2]

فإن عدمت الإبل انتقل إلى قيمتها وقيل ينتقل إلى ألف دينار أو اثني عشر ألف درهم, وإن غلظت زيد عليها الثلث

(1) روى الترمذي (1387) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (منْ قتلَ مؤمناً متَعَمداً دُفِع إلى أولياءِ المَقْتولِ: فإنْ شَاؤُوا قَتلُوا، وَإنْ شاؤوا أخَذُوا الديَةَ، وهي: ثلاَثُونَ حقة، وثَلاَثونَ جَذَعة، وَأرْبَعونَ خَلفَة، وَما صَالَحُوا عَليْهَِ فَهو لهم، وَذَلِكَ لَتَشْديدِ العَقْلِ) . أي لتغليظ الدية، وتغليظها كونها مثلثة كما ذكر.

[حقة: ما طعنت في الرابعة من الإبل. جذعة: ما طعنت في الخامسة من الإبل. خلفة: حامل. صالحوا عليه: ضوا به واتفقوا عليه] .

وانظر حاشية: 1 ص 194.

(2) وهذا معنى كونها مخففة، أي من خمسة أسنان. واحتج لهذا بما رواه الدارقطني (3/ 172) ، عن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفاً: أنه قال: في الخطَإ عِشْرُونَ جَذعَةً، وعِشْرونَ حِقةً، وَعِشْرُونَ ْبنت لَبون، وعشْرُونَ ابنَ لَبُون، وَعِشْرَونَ بِنْتَ مَخَاض.

ومثل هذا له حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه من المقدرات، وهي ليست مما يقال بالرأي.

الثلث [1].

وتغلظ دية الخطأ في ثلاثة مواضع:

1 - إذا قتل في الحرم

2 - أو في الأشهر الحرم

3 - أو قتل ذا رحم محرم [2].

ودية المرأة على النصف من دية الرجل [3]

ودية اليهودي والنصراني ثلث دية المسلم [4]

وأما المجوسي ففيه ثلثا

(1) وهذا هو المذهب القديم، والجديد: هو الانتقال إلى قيمة الإبل مهما بلغت، وهذا هو الصحيح المعتمد، لأن الأصل في الدية هو الإبل، فيرجع إلى قيمتها عند فقدها.

(2) (الحرم) المكي. (الأشهر الحرم) هي: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب، ودليل التغليظ في هذه المواضع: عمل الصحابة رضي الله عنهم. واشتهار ذلك عنهم. فقد روي عن عمر رضي الله عنه قال: من قتل في الحرم، أو ذا رحم، أو في الأشهر الحرم، فعليه دية وثلث. وروي مثل هذا عن عثمان وابن عباس رضي الله عنهما. رواها البيهقي. انظر: تكملة المجموع: 17/ 367 وما بعدها.

(3) ودليله ما روي عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وغيرهم، رضي الله عنهم: أنهم قالوا: ديةُ المرأهَِ نصفُ ديِةِ الرَّجلِ. ولا مخالف لهم من الصحابة، فصار إجماعاً. على أن هذا مما لا يقال بالرأي، فيكونُ في حكم المرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(تكملة المجموع: 17/ 378، نيل الأوطار: 7/ 70).

والحكمة فيَ هذا: أن الدية منفعة مالية، والشرع قد اعتبر المنافع المالية بالنسبة للمرأة على النصف من الرجل، كالميراث مثلا. وهذا عدل يتلاءم مع واقع كل من الرجل والمرأة وطبيعتهما.

(4) ودليله ما رواه الشافعي رحمه الله تعالى في الأم (6/ 92) قال: فقضى عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما في ديِةِ اليهودي والنصراني بثلث ديةِ المسلمِ. وانظر سنن أبي داود (4542) .

عشر دية المسلم [1]

وتكمل دية النفس في قطع اليدين والرجلين والأنف والأذنين والعينين والجفون الأربعة واللسان والشفتين وذهاب الكلام وذهاب البصر وذهاب السمع وذهاب الشم وذهاب العقل والذكر والأنثيين [2].

(1) قال الشافعي رحمه الله تعالى في الأم (6/ 92) : وقضى عمر في ديةِ المجوسّ بثَمَانِمَائَةِ درهم، وذلك ثلثا عُشْرِ ديَةِ المسلم، لأنه كان يقول: تقُوَّمُ الدية في اثني عشر ألفَ دِرْهَم وروي مثل ذلك عن عثمان وابن مسعود رضي الله عنهما، وانشر ذلك في الصحابة، ولم ينكره منهم أحد، فكان إجماعاً.

(تكملة المجموع: 17/ 379).

(2) البيضتين، روي النسائي (8/ 57) وغيره، عن عمرو بن حزم رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن كتاباً فيه الفرائض والسنن والديات، وبعث به مع عمرو بن حزم .... وفيه.

(أنَ في النَّفْس الدَيَة مائة من الإبِلِ، وفي الأنْفِ إذا أوعِب جَدْعُهُ الديةُ، وفي اللسَان الديَة، وفي الشَّفتَيْنِ الديَة، وفي الْبيضَتَيْنِ الدية، وفي الذكَرَ الدية، وفي الصُّلبِ الديَة، وفي الْعينين الدية، وفي الرجْلِ الواحِدةِ نِصْفُ الدية. وفي رواية: (وفيْ اليَدِ الواحِدةِ نِصْفُ الديَةَ) ، وفي رواية عند البيهقي (8/ 85) : (في الأذُن خمسون مِن الإبِلِ) . وعنده أيضاً (8/ 86) : (وفي السمع إذا ذهب اَلدية تامة) .

[أوعب جدعه: قطع جميعه. الصلب: المراد القدرة على الجماع] .

وقيس ما لم يذكر من الأعضاء على. ما ذكر، وكذلك المعاني والمنافع، تقاس على ذهاب القدرة على الجماع، ودية الإصبع الواحدة، من اليد أو الرجل، عُشْرُ الدية، لما جاء في

وفي الموضحة والسن خمس من الإبل [1] وفي كل عضو

حديث عمرو بن حزم رضي الله عنه: (وفي كُل أصْبع من أصابع اليدِ والرجلَ عَشْر من الإبِلَ)

ولا فرق بين إصبع وأخرى، لما رواه البخاري (6500) وغيره، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (هَذِهِ وهَذه سَواء) يعني الخِنصَر والإبهام. وعند أبي داود (4559) : (الأصَاَبعُ سَواءٌ) .

ولوَ أتلف أكثر من عضو في جناية واحدة وجبت ديات الجميع، ولو تجاوزت دية النفس، لما رواه أحمد رحمه الله تعالى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنه قضى فيَ رجل ضرب رجلاً، فذهب سمعُه وبصرُه ونكاحُه وعقله، بأربع ديات. [نكاحه: أي قدرته على الجماع] .

(1) الموضحة هي الجرح الذي يصل إلى العظم ويوضحه أيَ يكشف عنه اللحم. جاء في حديث عمرو بن حزم رضي الله عنه، السابق: (وفي السن خَمْسٌ مِن الإبِلَ، وفي المُوَضَحة خَمسٌ من الإبِلَ) .

ولا فرق بين سن وأخرى، لما رَواه أبو داود (4559) وغيره، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (والأسنان سوَاء، الثنيةُ والضَرْسَ سَواءٌ) .

[الثنية:، وهي إحَدى السنين اللتين في وسط الأسنان. سواء: مستوية في قدر ديتها] .

ومن الجراح التي تجب فيها الدية: الجائفة، وهي التي تصل إلى الجوف، أي الباطن من العنق أو الصدر أو البطن وغيرها وفيها ثلث الدية.

والمأمومة، وهي التي تصل إلى أم الدماغ، وهي الجلدة التي تكون تحت العظم في الدماغ، وفيها ثلث الدية أيضاً.

والمنقلة، وهي التي تنقل العظم عن موضعه بعد كسره، وفيها عُشْرٌ

لا منفعة فيه حكومة [1].

ودية العبد قيمته ودية الجنين الحر غرة: عبد أو أمة [2] ودية الجنين الرقيق عشر قيمة أمه [3].

"فصل" وإذا اقترن بدعوى الدمِ لوثٌ [4] يقع به في النفسِ صِدْقُ المُدَّعِي حَلَفَ المُدَّعِي خمسين يمينا واستحق

ونصف العشر من الدية.

والأصل في هذه الثلاثة: ما جاء في حديث عمرو بن حزم رضي الله عنه: (وفي المَأمومةِ ثُلثُ الديَةِ، وفي الجائِفَةِ ثلُثُ الديةِ، وفي المنَقلَةِ خَمسَةَ عَشَر مِن الإبِلِ) .

والهاشمة، وهي التي تهشم العظم وتكسره، وفيها عشر الدية. لما رواه البيهقي (8/ 82) عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: في الهاشمة عشر من الإبل. تكملة المجموع: 17/ 392، 393.

(1) كاليد الشلاء والإصبع الزائدة وحِلْمةِ الرجل، ونحو ذلك.

وكذلك كل جراحة أو كسر عظم ليس فيه دية. مقدرة، فتجب حكومة، وهي: مقدار من الدية، يراه القاضي العدل متناسباً مع الجناية، شريطة أن ينقص عن دية العضو المجني عليه.

(2) انظر حديث أبي هريرة رضي الله عنه ص 193 حاشية 1.

(3) قياساً على جنين الحرة، لأن الغر كانت تقدر بعشر دية المرأة.

(4) دعوف الدم: أي دعوى القتل، واللوث: قرينة حالية أو مقالية: مثال القرينة الحالية: أن يوجد قتيل في قرية أوِ محلة بينه وبين أهلها عداوة، وليس فيها غيرهم.

ومثال المقالية: أن يشهد عدل واحد، أو من لا تقبل شهادتهم في الجنايات كنسوة وصبيان: أن فلاناً قتل فلاناً.

الدية وإن لم يكن هناك لوث فاليمين على المدَّعَى عليه [1]

وعلى قاتل النفس المُحَرَّمَة [2] كفارة عتق رقبة

(1) والأصل في هذا: ما رواه البخاري (5791) ومسلم (1669) وغيرهما، عن سهل بن أبي حَثمة رضي الله عنه قال: انْطَلَق عَبْدُ اللهِ ابنُ سهل ومحيِّصَة وبن مسعودٍ إلى خيبرَ، وهي يومئذ صلْحُ، فتفرقا في النخل فأتى محيصة إلى عبد الله بن سهل وهو يتشَحَّطُ في دَمِهِ قتيلا، فدفنه ثم قدم المدينة، فانْطلق عبدَ الرحمن بن سهَل وحيصةُ وحُوَيصَةُ - عماه - ابنا مسعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذهب عبد الرحمن يتكلمُ وكان أصْغرَ القومِ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كبِّرِ الْكُبر) - أي ليتول الكلامَ الأكبر- فسكَتُّ فتكلما، قال: (أتَستَحقونَ قَتِيلكَم بأيمانِ خَمسينَ منكم) قالوا: يا رسولَ الله، أمْرِّ لَمْ نَرَهُ قال: (فَتُبرِئُكُمْ يهود في أيمان خمسينَ منهم) قالوا: يا رسولَ الله، قومٌ كفارُ، فؤدَاهم رسولُ الله صلًى الله عليه وسلم من قبله.

[يتَشحط: يتخبط ويتمرغ. أتستحقون قتيلكم: أي ديته. فتبرئكم يهود: تبرأ إليكم من دعواكم. فودَاهم: أعطاهم الدية. من قبله: من عنده أو من بيت مال المسلمين] .

(2) هي كل نفس مسلمة لم يهدر دمها. ولا يهدر دم المسلم إلا بأحد أمور ثلاثة، بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (لا يَحل دَمُ امْرِىءِ مُسْلِم يَشْهَدُ أِن لاَ إلهَ إلا الله وأنْىَ رسولُ الله إلا بإحدى ثلاثٍ: النفسْ بالنَّفْسِ، والثّيب الزاني، والمفَارِق لِدَينِهِ التارِكُ للجماعة) . رواه البخاري (6484) ومسلم (1676) .

[النفس بالنفس: أي القاتل عمداً يقتل. الثيب: المتزوج، رجالاُ كان أم امرأة. المفارق لدينه: المرتد عن الإسلاَم الجماعة: أي جماعة المسلمين وعامتهم] .

ومثل المسلم الذمي والمستأمن. والكبير والصغير سواء وكذلك الجنين.

مؤمنة، سليمة من العيوب المضرة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين [1].

(1) لقوله تعالى في قتل الخطأ: "وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمناخَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَة مُومِنَة وَديَة مُسَلَمَةٌ إلى أهْلِه إلا أنْ يَصَدقوا فَإنْ كَانَ منْ قَوْم عَدوَُ لَكُمْ وَهُوَ مُؤمِن فًتَحْرِيرُ رَقَبة مُؤْمِنَة وَإنْ كَانَ مِن قَوْم بيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مسلًمَةٌ إلى أهْله وتحرًيرُ رَقَبَةَ مْؤمنة فمن لم يجدْ فَصيامُ شَهْرَيْن مُتَتَابعَين وِتوبة من الله وكان الله عليما حكيماً" / النساء: 92 /.

[فتحرير رقبة: عتق عبد أَو أمة. يصدقوا: يعفوا. قوم بينكم وبينهم ميثاق: أي إن كان المقتول من قوم كافرين، ولكن بينكم وبينهم عهد من ذمة أو أمان، وهو على دينهم أوكان مسلما] .

ووجبت في شبه العمد لشبهه بالخطأ، وأما وجوبها في العمد فلما رواه آبو داود (3946) وغيره، عن وائلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صاحب لنا أوجب - يعني النار - بالقتل، فقال: (أعْتِقُوا عَنْهُ- وفي رواية: فَليَعْتِقْ رَقبةً - يُعتِقِ الله بِكل، عُضْوٍ مِنْهُ عُضْواً منْهُ مِنَ النارِ) .

قالوا: لا يستوجب النارَ إلاّ بالقتل العمد، فدل على مشروعية الكفارة فيه. وقياساً على الخطأ من باب أولى.

كتاب الحدود

Kitab al-Hudud (Hukuman)

والزاني على ضربين

1 - محصن

2 - وغير محصن

فالمحصن حده الرجم [1].

(1) وسيأتي بيان الإحصان ص 205.

روى البخاري (6430) ومسلم (1691) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى رجلٌ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فناداه فقالَ: يا رسولَ اللهِ، إنَي زَنيْتُ، فأعْرَضَ عنه، حتى ردََدَ عليه أرْبَع مراتٍ، فلمًّا شهِدَ على نَفْسِهَ أرْبع شهَادَات، دعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أبكَ جُنُونٌ) . قال: لا، قال: (فَهلْ أحْصنْتَ) . قال: نعم، فقالَ النبي صلى الله عليه وسلم: (اذْهبوا بِهِ فَارحمُوُهُ) . قال جابرٌ: فكنتُ فيمَن رَجَمَه، لفرجمناهُ بالمُصلّى، فلما أذْ لقتْهُ الحجَارة هَرَبَ، فأدركناه بالحرَّة، فرجمناه.

[رجل: ما عز بن مالك الأسلمي رضي الله عنه. أحصنت: تزوجت المصلى: مكان صلاة العيد والصلاة عن الجنائز. أذلقته: أصابته بحدها وبلغت منه الجهد. بالحرة: موضع ذو حجارة سوداء، والمدينة بين حرتين] .

وروى البخاري (6467) ومسلم (1697) عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني رضي الله عنهما قالا: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أنْشُدكَ الله إلاَّ قضَيْتَ بيننا بكتابِ الله، فقال خَصْمُهُ، وكان أفْقهَ منه، فقال: صدق، اقضِ بيننا بكتاب اللهَ، وَأذَنْ لي يا رسول الله فقال النبي (قُل) . فقال: إن ابني كان عسِيفاً في أهلِ هذا، فزنى بامرأته، فافْتدَيتُ منه بمائة شاة وخادم. وإني سألت رجالاً من أهل

وغير المحصن حده: مائة جلدة, وتغريب عام [1] , إلى

العلم، فأخبروني أنَّ على ابني جلدَ مائة وتغريب عام ت وأنَ على امرأة هذا الرجمَ، فقال: (وَالَّذِي نَفسْي بيدهِ، لأقْضيَن بَينَكُمَا بِكِتَاب اللهِ، المائَةُ وَالخَادِمُ رَد عَلَيْكً، وَعَلى ابنك جلدُ مَائَة وَتَغْريبُ عام، ويا أُنَيسُ اغدُ عَلى امْرَأةِ هذا فَسَلها، فَإنِ اعترَفَتْ فارْجمها) فاعرفت فرجمها.

[أنشدك الله: أقسم عليك بالله. أفقه منه: أكثر منه إدراكاً وفهماً.

عسيفا: أجيراً. في أهل هذا: فيَ خدمة أهله. بكتاب الله: لأن ما يحكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم في حكم ما ثبت في القرآن، قال تعالى: "وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولَُ فخذُوه وَمَا نَهَاكمْ عَنهُ فَانتهوا" / الحشر: 7/.

أنيس: ابن الضحاك الأسلمي رضي الله عنه] .

(1) قال الله تعالى: "الزانية والزَّاني فَاجْلُدُوا كل وَاحِد منْهُمَا مائَةَ جلْدَة وَلاَ تَأخُذْكُمْ بِهِمَا رَأفَة في دين الله إن كُنتُمْ تُؤْمِنونَ بالله وَالْيَوْم الآخِرِ وَليْشْهَدْ عَذَابًهُمَا طًائفَةٌ مِنَ المؤْمنينَ" /النور: 2/.

[فاجلدوا: من الجلد وهو ضرب الجلد. جلدة: ضربة. رأفة: رقة ورحمة. في دين الله: في تنفيذ أحكامه وإقامة حدوده. عذابهما: إقامة الحد عليهما. طائفة: فئة وجماعة لتحصل العبرة ويتحقق الزجر] .

والمراد بالزانية والزاني في الآية غير المحصنين، لما علمت من أدلة وجوب رجم المحصنين.

ودل على وجوب التغريب حديث البخاري ومسلم السابق حا 1ص 203.

وما رواه البخاري (6443) عن زيد بن خالد رضى الله عنه قال: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يَأمُرُ فيمنْ زَنَى وَلَم يحصَنْ: جَلْدَ مائَة وتغْرِيبَ عَام.

قال ابن شهابَ: وأخبرني عروة بن الزّبَيْرِ: أنَ عمرَ بنَ الخطّابِ

مسافة القصر [1].

وشرائط الإحصان أربع:

1 - البلوغ

2 - والعقل

3 - والحرية

4 - ووجود الوطء في نكاح صحيح [2].

والعبد والأمة حدهما نصف حد الحر [3].

غَرت، ثم لَمْ تَزَلْ تِلْكَ السنةَ.

وعند مسلم (1690) من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (البكْرُ بِالْبكْرِ: جَلْدُ مَائَة وَنَفي سَنَة) . والمعنى: إذا زنا البكَر بالبكَر فحد كَل منهما ... والبكرً من لم يتزوج، رجلاً كان أم امرأة. والنفي هو ِالتغريب والإبعاد عن الموطن

(1) فما فوقها، حسبما يراه الحاكم العدل، ولا يكفي أقلَ منها، لأنه لا يعد سفراً، ولا يحصل به المقصود، وهو إيحاشه بالبعد عن الأهل والَوطن.

ولا فرق في ذلك بين الذكر والأنثى، ويجب على الأنثى أن نصطحب معها محرماً، لحرمة سفرها بدونه.

(2) أي أن يكون الزاني قد سبق له أن تزوج وجامع زوجته، وكان عقد زواجه صحيحاً، لاستيفائه الشروط والأركان المعتبرة فيه شرعاً، كتولي ولي الزوجة للعقد، ووجود الشهود العدول، ونحو ذلك.

وكذلك الزانية، أن تكون قد سبق لها أن تزوجت وجامعها زوجها، وكان عقد زواجها كما ذكرنا.

ولا يشترط أن يكون الزواج مستمراً، بل لو حصل الفراق بعد هذا، ثم وقع الزنا، اعتبر محصناً ورُجم. فإذا فقد واحد من هذه الأربع لم يعد الزاني محصناً، ولا يقام عليه حد اَلرجم، بل يجلد ويضرب كالبكر، إن كان بالغاً عاقلاً، ويؤدب بما يزجره عن هذه الفاحشة، إن كان صبياً أو مجنوناً.

(3) لقوله تعالى: "فإنْ أتَيْنَ بفَاحشة فَعَلَيْهِن نصف ما عَلى المحْصنمَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ" / النساء: 250/.

وحكم اللواط وإتيان البهائم كحكم الزنا [1].

ومن وطئ فيما دون الفرج عزر [2] ولا يبلغ بالتعزير أدنى

[أتين: أي الإماء المذكورات في صدر الآية بقوله تعالى: "فَممَّا ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات" . والمراد بالمحصنات الحرائر] (انظر حاشية 1ص 158) .

والمعنى: إذا وقعت الأمة بفاحشة الزنا عوقبت نصفْ عقوبة الحرة أي تجلد خمسين وتغرب نصف عام، متزوجة كانت أم بكراً، ولا رجم عليها: لأنه لا ينصف. وقْيس بالأمة العبد، لأن المعنى فيهما واحد.

(1) اللواط: هو إتيان الذكر في دبره، وكذلك إتيان الأنثى الأجبنية، أي غير الزوجة، في دبرها.

وعقوبة الفاعل لهذا كعقوبة الزنا، لأنه فاحشة، فيرجم إن كان محصناً، ويجلد ويضرب إن كان غير ذلك.

وأما المفعول فيه فيقام عليه حد غير المحصن مطلقاً، ولو كان متزوجاً، لأن الزاني المحصن هو من يطأ - أو يوطأ - وَطأْ سبق له نظيره على وجه مباح، ومن وطىءَ في دبره لا يتصور فيه هذا: فلا يكون محصناً.

وأما من أتى بهيمة فإنه يعزر ولا حد عليه، على القول الراجح والمعتمد في المذهب، لأن فعله مما لا يشتهى، بل ينفر منه الطبع الصحيح، ولا تميل إليه النفس السليمة، فلا يحتاج إلى زجر، والحد إنما شرع زجراً للنفوس عن مقاربة ما يشتهى طبعاً، على وجه غير مشروع.

ويستدل لهذا بما رواه أبو داود (4465) والترمذي (1455) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ليس على الذي يأتي البهيمة حد.

ومثل هذا لا يقال عن رأي، فيكون حكمه حكم المرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وإذا انتفى الحد فقد وجب التعزير، لإرتكابه مصعية لا حد فيها ولا كفارة.

(2) وطىء: باشر بفرجه جسد امرأة أجنبية أو أجنبي، ومثل

الحدود [1].

"فصل" وإذا قذف غيره بالزنا [2] فعليه حد القذف بثمانية شرائط:

ثلاثة منها في القاذف, وهو

1 - أن يكون بالغا

2 - عاقلا [3]

3 - وأن لا يكون والدا للمقذوف [4]

وخمسة في المقذوف, وهو

1 - أن يكون مسلما

2 - بالغا

3 - عاقلا

4 - حرا

5 - عفيفا [5]

ذلك سائر مقدمات الجماع، كالقبلة ونحوها.

عزر: أدب بما يراه الحاكم المسلم العدل، من ضرب ونفي وحبس وتوبيخ وغيره، لأنه فعل معصية لاحد فيها ولا كفاره.

(1) وهو أربعون جلدة حد شَارب الخمر، فيجب أن ينقص التعزير عنها. لما رواه البيهقي (8/ 327) عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من بلغ حدا في غيْرِ حَد فَهُوَ منَ المُعتدين) .

[في غير حد: أي في غير ما يستوجب حداً، والمراد أقل الحدود كما علمت] .

(2) اتهمه ورماد به، كأن قال: يا زاني، أو يا زانية، أو نفى نسبه من أبيه المعروف به فهو قذف لأمه، ونحو ذلك.

(3) لأن الحد عقوبة، والصبي والمجنون ليسا أهلا لها.

(4) لأن الوالد لا يقتل بقتل ولده كما علمت. فلا يقام عليه حد بقذفه من باب أولى. ومثل الوالد جميع الأصول، ذكوراً كانواً أم إناثاً.

(5) أي لم يقم عليه حد زنا من قبل. لقوله تعالى: "وَالذَين: يرمونَ المحْصَنَات ... فاجلدوهم" / النور: 4/. فقد شرط لَوجوب الحد أن يكون المرَمي بالزنا محصناً، وهذه شروط الإحصان.

ويحد الحر ثمانين [1] والعبد أربعين.

ويسقط حد القذف بثلاثة أشياء:

1 - إقامة البينة [2]

وقد دل على شرط الإسلام والحرية والعفة: قوله تعالى: "إن الذينَ يرْمونَ المُحصنَاتِ الغَافلات المُؤْمِنَاتِ لعنوا في الدنْيا والآخِرَةِ وَلهمْ عَذَاب عَظِيم" / النوَر: 23/.

[المحصنات: الحرائر. الغافلات: العفيفات. السليمات الصدور، النقيات القلوب. المؤمنات: المسلمات] .

وروى الدارقطني في سننه (3/ 147) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (منْ أشْرَكَ بِاللهِ فَليسَ بمحْصَن) قال الدارقطنى: والصواب موقوف من قول ابن عمر.

وأيضاً: وجب الحد على القاذف لاتهامه بالكذب، ودفعاً للعار على المقذوف. ومن عرف بعدم العفة عن الزنا يغلب على الظن صدق من قذفه به، كما أنه لا يلحقه عار بهذا الاتهام.

وكذلك الكافر ليس لديه ما يردعه عن فعل الفاحشة.

أما اشتراط العقل والبلوغ، فلأن المجنون والصبي لا يلحقهما العار، وحد القذف شرع دفعا للعار عن المتهم كما علمت.

وإذا لم يثبت الحد لاختلال شروطه، عزر القاذف مما يراه القاضي مناسباً.

(1) لقوله تعالى: "وَالَّذِين يرْمَونَ المحصنَاتِ ثم لَمْ يأتوا بأربَعة شهَدَاءَ فَاجْلدوهُمْ ثَمانين جلدَةً وَلا َتقبلوا لَهمُْ شهَادَةَ أبَداً وَأولئِكَ هم الْفَاسِقونَ" / النور 4/.

: هذا في الأحرار، والعبد عقوبته عَلى النصف من الحر كما علمت.

(2) على صدق مدعاه ومارماه به من الزنِا. لقوله تعالى: "ثم لم يأتوا بأربعة شهداء" فدل على أنه إذا أتي بالشهداء فلا حد على القاذف ويثبت الزنا على القذوف.

2 - أو عفو المقذوف [1]

3 - أو اللعان في حق الزوجة [2].

"فصل" ومن شرب خمرا أو شرابا مسكرا [3] يحد أربعين [4] ويجوز أن يبلغ به ثمانين على وجه

(1) لأن حد القذف شرع لدفع العار عن المقذوف، ولهذا فهو حق خالص للآدمي، فيسقط بالعفو عنه كما أنه لا يستوفىَ إلا بإذنه ومطالبته، كالقصاص.

(2) أي إذا قذف الزوج زوجته ولم يستطع إقامة البينة، أقيم عليه حد القذف إلا أن يُلاعِن، فإذا لاعن سقط عنه الحد. (انظر حا 2، 3 ص 177) .

(3) مهما كان منشؤه أو اختلف اسمه، سواء حصل الإسكار بقليل منه أو كثير. فقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البتعِ، وهو شراب يصنع من العسل، والمِزْرِ وهو شراب يصنع من الشعير أو الذرة فقال صلى الله عليه وسلم: (أْوَمسكر هُوَ؟ قال: نعم، قال: كُل مُسكرٍ حَرَامٌ، إن على الله عَزّ وَجل عهدا، لمَنْ يَشْرَبُ المُسكر، أنْ يَسقيه منْ طينَة الخَبَالِ. قالوا: يارسوًل لله، وما طينَةُ الخَبَال قال: عَرَقُ أهلِ النَار، أو عصَارةُ أهْل النَّارِ) . (انظر مسلم: 2001 - 2003) .

وروى أبو داود (3688) وغيره عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لَيشْرَبَن نَاسٌ منِْ أمتيَ الخَمر، يُسمونَهَا بِغَيْرِ اسْمِها) .

وروى أبو داود (3681) والترمذي (1866) وغيرهما، عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أسكَرَ كَثيرُهُ فَقَليلُهُ حرَامٌ) .

(4) روى مسلم (1706) عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله

عليه وسلم كان يضرب في الخمر، بالنعال، والجريد، أربعين.

[الجريد: أغصان النخيل إذا جردت من الورق] .

التعزير [1].

ويجب عليه بأحد أمرين بالبينة أو الإقرار [2]، ولا

(1) إن رأى الإمام العدل مصلحة في ذلك، لاسيما إذا انتشر شربها وفشا شرها، ليحصل الردع والزجر.

روى مسلم (1706) عن أنس رضي الله عنه: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم جلد في الخمر بالجَرِيد والنعَال، ثم جلد أبوْ بكر أربعين، فلما كان عمر - رضي الله عنه - ودناَ الناسُ منَ الريف والقرى، قال: ما تَرَوْنَ في جَلدِ الخمرِ؟ فقال عبد الرحمن بنُ عوف: أرى أنْ تَجعَلَها كأخَفَ الحُدُود قال: فجلد عمرُ ثمانين.

[دنَا الناس من الريف والقرى: أي سكنوا مواقع الخصب، وكثرت لديهم الثمار والأعناب، فاصطنعوا الخمر وشربوها، فزيد في العقوبة زجراً لهم. أخف الحدود: هو حد القذف، وهو ثمانون جلدة كما علمت] .

ودل على أن الزيادة على الأربعين تعزير وليست بحد: ما رواه مسلم (1707) أن عثمانَ رضي الله عنه أمرَ بجلد الوليد بن عُقْبَةَ بن أبي مُعَيْطٍ، فجلده عبدُ الله بن عمر رضي الله عَنهما، علي رضي الله عنه يعُد، حتى بَلغَ أربعين، فقال: أمْسكْ، ثم قال: جَلَدَ النبي صلى الله عليه وسلم، أربعين، وجلد أبو بكرَ أربعينَ، وعمرُ ثمانينَ، وكُلٌ سُنَّةٌ، وهذا أحَبّ إلي. أي الاكتفاء بأربعين، لأنه الذي فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحوط في باب العقوبة، من أن يزيد فيها عن المستحَق، فيكون ظلماً.

ولا يقام عليه الحد حال سكره، لأنه لا يحصل به الزجر حينئذ.

(2) أي يثبت الحد على من شرب المسكر إذا شهد عليه رجلان بذلك.

أو أقر هو على نفسه. جاء في حديث مسلم (1207) : فشَهِدَ عَلَيْه رجُلان. والإقرار حجة تقوم مقام البينة.

يحد بالقييء والاستنكاه [1].

"فصل" وتقطع يد السارق بثلاثة شرائط [2]:

1 - أن يكون بالغا

2 - عاقلا

3 - وأن يسرق نصابا قيمته ربع دينار [3] من حرز مثله [4] لا ملك له

(1) هو شم رائحة المسكر من الفم، لاحتمال أن يكون شربه مكرها أو مضطراً أو مخطئاً، ولأن رائحة الخمر قد تشاركها فيها غيرها. فهذه الأمور تورث شبهة في تعديهِ بشرب المسكر، والحدود تسقط بالشبهات.

(2) والأصل في هذا قوله تعالى: "وَالسارِقُ والسارِقَةُ فَاقْطَعُوا أيدِيَهُمَا جزَاءً بما كَبسَا نَكَالاً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَزيزٌ حَكِيم" / المائدة: 38/.

[السارق: هو من أخذ مال غيره خفية من حرز مثله على سبيل التعدي، وسيأتي معنى الحرز بعد قليل. نكالًا: عقوبة تردع غيره عن ارتكاب مثل جنايته، وتكون عبرة لمن يعتبر] .

(3) لما رواه البخاري (6407) ومسلم (1684) واللفظ له. عن عائشة رضي الله عنها. عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لاَ تُقْطَع يَدُ السَارِقِ إلا في ربعُِ ديِنَار فَصَاعِداً) . والدينار يساوي نصف ليرة انكليزية ذهبية تقريباً الآن.

(4) الحرز: هو المكان الذي يحفظ به المسروق ونحوه عادة، أو الحال الذى يمنع دخول يد غير مالكه عليه. والعرف هو المرجع في تحديد الحرز وعدمه.

ودل على اشتراط الحرز أحاديث، منها: ما رواه أبو داود (4390) وغيره، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه سُئِلَ عن ٍالثَّمَر المُعَلَّقٍ، فقال: (مَنْ أصَابَ بفيهِ منْ ذِي حَاجَة، غَيْر مُتَّخذ خُبنَةَ، فلا شيء عليه.

ومن خرجَ بشيء منهُ فعلَيهِ غَرَامَةُ مِثْلًيهِ وَالْعُقوبَةُ، ومن سرق

فيه [1] ولا شبهة في مال المسروق منه [2].

وتقطع يده اليمنى من مفصل الكوع [3] فإن سرق ثانيا قطعت رجله اليسرى [4] فإن سرق ثالثا قطعت يده

منه شيئاً بَعْدَ أنْ يؤْوِيَهُ الجَرِينُ، فبلغَ ثمنَ المجن، فعليه الْقطع) [خبنة: هي ما يحمله الرجل في ثوبه. العقوبَة: وهي التعَزير هنا.

الجرين: البيدر وما في معناه مما تحفظ فيه الثمار ونحوها. المجن: كل ما يتوقى به ويستتر من ضربة السلاَح، كالترس. وكانت قيمته تقدر بربع دينار] .

(1) أي في المسروق، فلو كان للسارق ملك فيه، كما لو سرق الشريك

من مال الشركة، فلا قطع عليه.

(2) أي ليس للسارق شبهة ملك في مال المسروق منه، فلو كان له فيه شبهة ملك، كما لو سرق الوالد من ولده أو الولد من والده، فلا قطع، لشبهة الملك باستحقاق النفقة.

(3) الكوع: هو العظم الناتىء مما يلي الإبهام، في مفصل الكف مع الساعد. ودل على كون اليد اليمنى: قراءة ابن مسعود رضي الله عنه: فَاقْطَعُوا أيَمَانَهُمَا. وهي في حكم حديث الآحاد من حيث الاحتجاج بها على الأحكام. عند الطبراني: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بسارق فقطع يمينه. مغني المحتاج: 4/ 177.

وكون القطع من مفصل الكوع: لما جاء في حديث سرقة رداء صفوان ابن أمية رضي الله عنه، عند الدارقطني (3/ 205) : ثم أمرَ بَقطْعِه مِنَ المِفصَلَ.

(4) روى الدارقطني (3/ 103) عن علي رضي الله عنه قال: إذا سَرَقَ السارق قطِعت يدُهُ اليُمْنى، فإنْ عادَ قطعَتْ رجلُهُ اليُسرى.

وتقطع من مفصل الساق مع القدم، لفعل عمر رضي الله عنه، ولم ينكَر عليه أحد، فكان إجماعاً. نهاية: 3/ 60.

اليسرى [1] فإن سرق رابعا قطعت رجله اليمنى [2] فإن سرق بعد ذلك عزر [3] وقيل يقتل صبرا [4].

(1) روى مالك في الموطأ (2/ 835) والشافعي في مسنده (الأم: 6/ 255 هامش) : أن رجلا من أهل اليمن أقْطع اليد والرجل، قَدمَ فنزل على أبي بكر الصَديق، فشكا إليه أنَ عَامِلَ اليَمَنِ قد ظلمه، فكان يُصَلِّي منَ الليل، فيقول أبو بكَر: أبيكَ ما لَيْلك بِلَيلِ سَارِق.

ثُم إنهُمْ فَقَدُوا عِقْداً لأسمَاءَ بنتِ عُمَيسْ، امرأة أبي بكر الصديق فَجعلَ الرجُلُ يَطُوفُ معهم ويقول: اللهم عليك بمن بيَّتَ أهلَ هذا البيتِ الصالِحِ. فوجدوا الحُليَّ عندَ صَائغٍ، زعمَِ أن الأقْطَع جاءه به، فاعْتَرَف به الأقطع، أو شُهِدَ عليه به، فأمرَ به أبو بكر الصديقُ، فَقُطِعَتْ يَدُهُ اليُسرَى، وقال أبو بكر: واللهِ لَدُعاؤه على نفسه أشَدٌ عندي عليه من سرقته.

[ظلمه: بقطع يده: رجله بتهمة السرقة. بيت: أغار عليهم ليلاً وأخذ مالهم] .

(2) روى الشافعي بإسناده، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في السارق: (إن سرق فاقطعوا يده، ثم إن سرق فاقطعوا رجله، ثم إن سرق فاقطعوا يده، ثم إن سرق فاقطعوا رجله) .

مغني المحتاج: 4/ 178. وانظر الأم: 6/ 138.

(3) عوقب بما يراه الحاكم رادعاً له من ضرب أو سجن أو نفي، لأن السرقة معصية، ولم يثبت فيها حد بعد المرة الرابعة، فتعين التعزير.

(4) لحديث ورد في هذا رواه أبو داود (4410) وغيره، وهو قول مرجوح وضعيف لضعف الحديث الوارد فيه، والإجماع على خلاف، وأن الحديث - إن ثبت - فهو منسوخ. وفي بعض النسخ (يقتل صبراً) أي يحبس من أجل أن يقتل ولو يوماً واحداً.

"فصل" وقطاع الطريق [1] على أربعة أقسام:

1 - إن قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا

2 - فإن قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا [2]

3 - وإن أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف [3]

4 - فإن أخافوا السبيل [4] ولم يأخذوا مالا ولم يقتلوا حبسوا وعزروا [5].

(1) هم قوم يجتمعون، لهم منعة بأنفسهم، يحمي بعضهم بعضاً، ويتناصرون على ما قصدوا إليه ويتعاضدون عليه، يترصدون الناس في مكامن الطرق، فإذا رأوهم برزوا، قاصدين أموالهم، وربما أزهقوا نفوسهم.

(2) علقوا على خشبتين متصالبتين ونحوهما، بعد غسلهم وتكفينهم والصلاة عليهم إن كانوا مسلمين، زيادة في التنكيل بهم وشهراً لحالهم، لفظاعة جريمتهم وكِبَرِ إثمهم، ولينزجر بهم غيرهم. ويصلب ثلاثة أيام إن لم يتغير، فإن خيف تغيره أنزل قبلها.

(3) أي تقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى، فإن عاد ثانية قطعت يده. اليسرى ورجله اليمنى.

(4) أدخلوا الرعب على الناس، لوقوفهم في طريقهم والتعرض لهم.

(5) يعزرون بالضرب ونحوه، مما يراه الحاكم رادعاً لهم وزجراً.

والأولى أن يحبسوا في غير موضعهم، لأنه أكثر إيحاشاً لهم وأبلغ في زجرهم.

ويستمر في حبسهم حتى تظهر توبتهم ويستقيم حالهم احتياطاً في أمن الناس.

والأصل فيما سبق: قوله تعالى: "إنَّمَا جزاءُ الذِينَ يحَاربُون اللهَ وَرَسُولَهُ ويَسْعوْنَ في الأرضِ فسَاداً أنْ يُقَتلُوا أو يصَلَبُوا أو تقَطَّع أيدِيهِمْ وأرجُلُهُم منْ خِلاف أوْ يُنْفَوْا مِنَ الأرْضِ ذَلِكَ لهمْ خِزْي في الدنْيَا ولَهم في الآخِرَة عذَابٌ عَظيمٌ" / المائدة: 33/.

[يحاربون الله ورسوله: يخالفون أمرهَما بالاعتداء عَلى خلق الله عز وجل.

يسعون في الأرض فساداً: يعملون في الأرض بما يفسد الحياة من قتل

ومن تاب منهم قبل القدرة عليه سقطت عنه الحدود [1] وأخذ بالحقوق [2].

"فصل" ومن قصد بأذى في نفسه أو ماله أو حريمه فقاتل عن ذلك وقتل فلا ضمان عليه [3].

للأنفس وسلب للأموال، إثارة للذعر والقلق. ينفوا: يطردوا منها وينحوا عنها، بالتغريب أو الحبس. خزي: ذل وفضيحة وتأديب].

وفسرها ابن عباس رضي الله عنهما بما ذكر، كما رواه الشافعي رحمه الله تعالى في مسنده (الأم: 6/ 255 هامش) .

(1) أي سقطت عنه العقوبات الساقة؟ المختصة بقطاع الطريق، لقوله تعالى: "إلا الَذينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أنْ تَقْدِرُوا عَلَيهِم فَاعْلمُوا أن اللهَ غَفُور رَحَيمٌ" / المائدة: 34/.

(2) أي طولبَ بالحقوق المرتبة على تصرفه كما لو لم يكن قاطع طريق، من قصاص وضمان مال، ونحو ذلك.

(3) أي لا يضمن ما أتلفه ولا إثم عليه في تصرفه، فلو كان القاصد له إنسانا وقتله، فلا قصاص عليه ولا دية، ولا كفارة، ولو كان حيوانا وقتله، لا يضمن قيمته، ركذلك لو أتلف له عضواً، أو أحدث فيه عيباً. وإذا لم يستطع الدفع عن نفسه وقُتِلَ كان شهيداً. وهذا ما يسمى في الفقه الإسلامى: دفع الصائل، أي المستطيل على غيره ظلماً بقصد النيل من ماله أو نفسه أو عرضه.

والأصل في هذا: قوله تعالى: "فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيكُمْ فَاعتدُوا عَلَيْه. بمثلِ مَا اعْتَدَى عَلَيكُمْ" / البقرة: 194/. أي فردوا اعتداءهَ بالمثلَ، فهي صرخة بمشروعية رد الاعتداء ودفعه عن النفس.

وما رواه أبو داود (4772) والترمذي (1420) وغيرهما، عن سعيد ابن زيد رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (مَن قُتِلَ

وعلى راكب الدابة ضمان ما أتلفته دابته [1].

دُونَ مَالِهِ فهوَ شهِيدٌ وَمنْ قُتِلَ دونَ دِينِهِ فَهوَ شهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهيد، ومَنْ قتِلَ دُونَ أهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ). والمراد بالأهل الزوجة وغيرها، كالبنتَ والأخت والأم، وكل من يلحقه العار بسببهن.

ووجه الاستدلال بالحديث: أنه لما جعل شهيداً حال قتله، دل على أن له أن يقاتل، كما أن شهيد المعركة له أن يقاتل، وقد يلزم عن قتاله أن يقتل غيره، فدل على أنه مأذون له في القتل، وما كان مأذونا فيه لايضمنَ، وإذا كان له أن يقتل فله فعل ما هو أقل من القتل من باب أولى، على أنه ليس له أن يلجأ إلى الأشد إن كان الصائل يدفع بالأخف، فإن أمكن دفعه بالصياح والاستغاثة فلا يلجأ إلى الضرب، وإن أمكن بالضرب لا يلجأ إلى القطع وهكذا.

والدفع واجب إن كان الصيال على العرض أو النفس، لأن ترك المدافعة عن العرض إباحة له، ولا يملك أحد إباحة عرضه لأحد في حال من الأحوال، وترك المدافعة عن النفس استسلام للظالم، وهو لا يجوز، إلا إن كان الصائل مسلماً فله عدم المدافعة، وقد يستحب له ذلك.

وأما إن كان الصيال على المال، فله دفعه وله تركه، لأنه يملك إباحة ماله لغيره، فيحمل ترك دفعه على الإذن له فى أخذه.

والمدافعة عن نفس غيره وماله وعرضه كالمدافعة عن نفسه وماله وعرضه، دل على ذلك: ما رواه أحمد في مسنده (3/ 487) : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ أذل عنْدَهُ مُؤمن فَلَمْ يَنصُرْهُ، وَهُوَ قَادر عَلى أن يَنْصُرَهُ، أذًلَّهُ الله عَلى رؤُوسِ الخَلاَئِق يَوْمَ الْقيَامَةِ) ..

(1) َ سواء أتلفته بيدها أم برجلها، أم بفمها ونحو ذلك. لأن إتلافها ينسب إلى تقصيره.

"فصل" ويقاتل أهل البغي [1] بثلاثة شرائط: أن

والأصل في هذا: ما رواه أبو داود (3570) وغيره: أنه صلى الله عليه وسلم قَضىَ: عَلى أهْلِ الْحَوَائِطِ حِفْظهَا بالنهَارِ، وَعَلى أهْلِ الموَاشي مَا أصَابَتْ مَاشِيَتُهُمْ بالليَلِ.

[الحوائط: جمع حائط وهو البستان] .

وجه الاستدلال: أن العادة جارية: أن يحفظ أصحاب البساتين زرعهم نهاراً وأن يتركوها بلا رقيب ليلاً. وأن المواشىِ يرسلها أصحابها نهاراً ويخفظونها ليلاً: فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على وفق هذه العادة: فإذا قصر أصحاب الزرع ولم يحفظوا زرعهم نهاراً، ودخلتها المواشي وأتلفت شيئاً منها، كان من ضمانهم. وإذا قصر أصحاب المواشي، فتركوها تسرح ليلاً فدخلت الحوائط. وأتلفت الزرع كان ما أتلف من ضمان أصحاب الموِاشي.

فدل قضاؤه صلى الله عليه وسلم: أن من كان مسؤولاً عن شيء، فقصر في القيام بمسؤِليته، وحصل عن تقصيره أثر: كان من ضمانه.

ويقاس على إتلاف الدابة إتلاف السيارات في أيامنا الحاضرة، فيضمن سائق السيارة كل ما يحصل من إتلافات بسبب تقصيره، وبفعله ما يمكن التحرز عنه، ومن ذلك إثارته الغبار الكثير والطين والمياه الملوثة بكثرة بسبب سرعته، فإذا ألحق ذلك ضرراً بالمارة أو أهل السوق ضمن ما ينتج عنه.

(1) هم قوم من المسلمين، يخرجرن عن طاعة الإمام الحق، الذي نصبه جماعة عامة المسلمين، فيمتنعون عن أداء ما وجب عليهم، ويقاتلون جماعة المسلمين بتأويلهم لأحكام يخالفونهم فيها، ويدعون أن الحق معهم والولاية لهم. وقتالهم واجب على أهل العدل مع إمامهم، إذا تحققت الشروط المذكورة. والأصل في مشروعية قتالهم: قوله تعالى: "وَإنْ طائفتان منَ المؤَمنين اقتَتَلوا فأصلحوا"

1 - يكونوا في منعة [1]

2 - وأن يخرجوا عن قبضة الإمام [2]

بَينَهُمَا فَإنْ بَغَتْ إحْداهُمَا عَلى الأخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتي تَبْغِي حَتَّى تَفِيىءَ إلى أمْرِ اللهِ فَإنْ فَاءَتْ فَأصْلِحُوا بَينَهمَا بِالْعَدْل وَأقْسِطُوا إنَ اللهَ يحِبُّ المُقْسِطِينَ "/ الحجرات: 9 /."

[طائفتان: فئتان. بَغت: أبت الإصلاح وتعدت. تفيىء: ترجع. أمر الله: حكم الله تعالى. أقسطوا: اعدلوا] .

ووجه الاستدلال بها: أنه يجب قتال الفئة الباغية بطلب الإمام، إذا كان البغى من طائفة على طائفة، فإذا كان البغي على الإمام نفسه، وجب القتال معه من باب أولى.

وما رواه مسلم (1852) وغيره، عن عرفجة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (مَنْ أتَاكُمْ وَأمْرُكُمْ جمِيع عَلى رَجُل وَاحِد، يُريدُ أنْ يَشُق. عَصَاكُم أو يُفَرَق جَمَاعتَكُمْ، فَاقْتُلُوهُ) . وفي رواية: (فَمَنْ أرَادَ أنْ يُفَرقَ أمْرَ هَذِهِ الأمةَ، وَهِي جَمِيعٌ، فَاضرِبُوهُ بِالسيْفِ، كَائِنا مَنْ كَانَ) .

[أمركم جميع: مجتمع، وهي جميع: مجتمعة. يشق عصاكم: كناية عن إثارة الاختلاف وتنافر النفوس، حتى تفترق الأمة كما تفترق العصا المشقوقة] .

(1) أي قوة يتمكنون بها من مقاومة الإمام وأهل العدل، بأن تكون لهم فئة ينحازون إليها، أو حصن يلتجئون فيه، أو تغلبوا على بلد من بلاد المسلمين لأن قتالهم لدفع شرهم، فإن لم تكن لهم قوة بهذا المعنى فلا يخاف شرهم ..

(2) أي سلطانه، بانفرادهم ببلدة أو قرية، ولهم رئيس يطاع فيهم.

3 - وأن يكون لهم تأويل سائغ [1]

ولا يقتل أسيرهم، ولا

(1) شبهة محتملة، من كتاب أو سنة، يجيزون بسببها الخروج على الإمام الحق، أو منع الحق المتوجه عليهم، ومن خرج من غير تأويل كان معانداً ولم يكن باغياً. كتأويل بعض من خرجوا على علي رضي الله عنه: بأنه يعرف قتلة عثمان رضي الله عنه ولا يقتص منهم، وهذا كفر لأنه تعطيل للحكم بما أنزل الله عز وجل. والله تعالى يقول: "وَمَنْ لَمْ يَحكُمْ بمَا أنْزَلَ اللهُ فأولئِكَ هُمُ الكافرُونَ" / المائدة: 44/.

وكتأويل مانعي الزكاة لأبي بكر رضي الله عنه: بأنهم لا يدفعون الزكاة لا لمن كان دعاؤه رحمة لهم: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. لأن الله تعالى يقول: "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وَصَل عَلَيْهِمْ إن صلاَتَكَ سًكَنٌ لَهَمْ" التوبة: 103/.

[صدقة: هي الزكِاة. وغيرها. تطهرهم: تنظفهم وتنقيهم من آثار الذنوب. وتزكيهم: تزيد أموالهم بركة ونماء وتستعمل التزكية بمعنى المبالغة في التطهير. صل عليهم: اعطف عليهم بالدعاء. سكَن لهم: رحمة تسكن بها نفوسهم وتطمئن قلوبهم] .

فإذا فقد شرط من الشروط الثلاثة لم يكونوا بغاة. ولم يجب قتالهم.

وإنما يؤاخذون بأعمالهم وما ترتب عليها، ولا يعاملون معاملة البغاة.

ويشترط أيضاً لجواز قتالهم: أن يرسل إليهم الإمام الحق رجلا أميناً فطناً، ينصحهم ويدعوهم إلى الطاعة ويكشف لهم شبهتهم، إن أبدوا شبهة. ويسألهم عما يكرهون من إمام أهل العدل، ويحذرهم من عاقبة إصرارهم على البغي. وينذرهم بالقتال إن أصروا على ما هم عليه.

والْأصل في هذا: أن الله تعالى أمر بالإصلاح قبل القتال إذ قال: "فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا"

يغنم مالهم ولا يذفف على جريحهم [1].

التي تبغي "."

وهذا ما فعله علي رضي الله عنه، حيث بعث ابن عباس رضي الله عنهما إلى الخوارج فناظرهم، فرجع منهم أربعة آلاف وأصر الباقون، فقاتلهم رضي الله عنه. (مسند أحمد: 1/ 87) .

(1) مما يختلف به قتال البغاة عن قتال الكفار: أنه إذا أخذ منهم أسرى لا يقتلون، كما أنهم لا يسترقون، بل يحبسون حتى ينتهي بغيهم فيطلقون.

وإذا أخذت منهم أموال لا تقسم كما تقسم الغنائم، بل تحفظ حتى إذا انتهى بغيهم ردت إليهم. وإذا وجد منهم جريح لا يذفف عليه، أي لا يتمم قتله.

وإذا ولَى أحدهم هارباً فلا يتبع.

والأصل في هذا: ما رواه البيهقي (8/ 182) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن مسعود: (يا ابْنَ مَسعود، أتَدْرِي مَا حكمُ اللهِ فِيمَن بَغَى مِنْ هَذه الأمَّة؟ قال ابنُ مسعودٍ: اللهُ ورسولُهُ أعْلَمُ؟ قال: فَإن حُكْم اللهِ فِيهِمْ أن لاَ يُتْبعً مدْبرُهُم، ولاَ يُقتَلَ أسِيرُهمْ ولاَ يذفَف على جَرِيحِهم. وفي رواية: وَلاَ يُقْسم فَيْؤُهُمْ) . أي ما يغنم منهم.

وروى ابن أبي شيبة بإسناد حسن: أن عليا رضي الله عنه أمرَ منَادِيه يومَ الجَملِ فنادى: لا يُتبعُ مُدْبِر ولا يَذففُ عَلى جَرِيح، وَلاَ يقْتَلُ أسير، وَمَنْ أغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمنٌ، وَمَنْ ألْقَى سِلاحَهُ فهُوَ آمن. مغني المحتاج: 4/ 127.

وروِي عنه: أنَه ألقى ما أصاب من عسكر أهل النهْرَوَانِ في الرحْبَةِ، فمن عرف شيئاً أخذه، حتى كان آخره قدر حديد لإنسان فأخذه.

[النهروان: بلدة كانت بقرب بغداد. الرحبة. الساحة الواسعة بين دور القوم] .

"فصل" ومن ارتد عن الإسلام استتيب ثلاثا فإن تاب وإلا قتل [1] ولم يغسل ولم يصل عليه ولم يدفن

(1) لما رواه البخاري (2854) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم: (مَنْ بَدلَ دِينَهُ فَاقتُلُوهُ) . ولقوله صلى الله عليه وسلم: (لاَ يحل دَمُ امْرِىء مُسْلِم .. إلا بِإحْدَى ثَلاث ..

المُفَاِرقُ لِدِينِهِ التَّارِكُ لِلْجَماعَةِ (انظر: حاشية 2 ص 201) .

والاستتابة واجبة، أي يطلب منه أن يتوب ويعود إلى الإسلام قبل أن يقتل، لما رواه الدارقطني (3/ 118) عن جابر رضي الله عنه: أن امرأة يقالُ لها أم رومان ارتدت، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يُعْرَضَ عليها الإسلام، فإنْ تابتْ وإلا قتلَتْ.

وقيل: يمهل ثلاثة أيام، يكرر عليه الطلب فيها، لقول عمر رضي الله عنه في مرتد قتل ولم يمهل: أفَلاَ حَبسَتمُوُه ثَلاَثا، وَأطعَمْتُمُوه. ُ

كُل يَوْم رَغِيفاً، وَاسْتَتَبْتُمُوهُ لعَلَهُ يَتُوبُ ويُراجِعُ أمْرَ اللهِ؟ ثم قال عمر: اللهُم إني لم أحضر، ولم آمرْ، ولمَ أرضَ إذ بَلَغَني الموطأ (2/ 737) .

والراجح في المذهب أنه لا يمهل، لظاهر الأدلة السابقة. وقد روى البخاري (6525) ومسلم (1733) حديث تولية أبي موسى الأشعري رضي الله عنه على اليمن، وفيه:: ثم أتْبَعَهُ مُعَاذَ بْنَ جَبَل، فلما قَدِمَ عليه أْلقى له وسادةً، قال: انْزِلْ، وإذا رجلٌ عنده. مُوثَقٌ، قال: ما هذا؟ قال: كان يهودياً فأسلم ثم تَهوَدَ، قال: اجْلِسْ، قال: لا أجلسُ حتَى يُقْتَلَ، قضاءُ الله ورسولِه، ثلاث مرات، فأمَرَ به فقُتِل.

[قضاء الله: أي هذا قضاء الله. ثلاث مرات: أي كرر قوله ثلاثاً] .

في مقابر المسلمين [1].

"فصل" وتارك الصلاة على ضربين:

1 - أحدهما: أن يتركها غير معتقد لوجوبها فحكمه حكم المرتد [2].

2 - والثاني: أن يتركها كسلا معتقدا لوجوبها

فيستتاب فإن تاب وصلى وإلا قتل حدا [3] وكان حكمه حكم

(1) لأنه خرجِ منهم، قال تعالى: "وَمَنْ يَرتَددْ مِنكُمْ عَنْ دينه فَيَمت وَهُو كَافِر" / البقرة: 217/.

(2) أى يستتاب، وتوبته أن يصلي معلناً اعتقاده بوجوب الصلاة، فإن لم يتب قتل وكان كافراً، لا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين.

روى مسلم (82) : غيره عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول: (إن بيْنَ الرجلِ: وبينَ الشًرْكِ وَالكفرِ تَرْكَ الصَلاَةِ) . وهو محمول على الترك جحوداً وإنكاراً لفرضيتها.

(3) أي عقوبة على تركه فريضة يقاتل عليها. دل على ذلك: ما رواه البخاري (25) ومسلم (22) عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أمرتُ أنْ أقَاتل النَّاسَ حَتَى يشْهَدُوا أنْ لإَ إلَهَ إلاً اللهُ وَأن محُمَداً رَسَول الله، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ ويُؤتُوا الزكَاةَ. فَإذَا فَعَلوا ذَلِكَ عَصَمُوا. مني دماءَهُمْ وَأموالَهُم إلا بحَق الإسْلاَمِ، وَحسَابُهُمْ عَلى اللهِ) .

دل الحديث على أن من أقر بالشهادتين يقاتل إن لم يقم الصلاة، ولكنه لا يكفر، بدليل ما رواه أبو داود (1420) وغيره. عن عبادةَ بن الصاَمِتِ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (خمس صلوات كتبهن الله على العباد، فمن جاء بهن، ولم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن. كان له عند الله عهد أن

المسلمين [1].

يُدخلَهُ الجَنةَ، ومَنْ لَمْ يَأت بِهن فَلَيسَ لَهُ عنْدَ الله عَهْد، إن شَاءَ عَذبَه وَإنْ شَاءَ أدْخَلَهَ الجَنةَ).

فقد دل على أن تارك الصلاة لا يكفر، لأنه لو كفر لم يدخل في قوله: (إن شاء أدخله الجنة) لأن الكافر لا يدخل الجنة قطعاً، فحمل على من تركها كسلا، جمعاً بين الأدلة.

(1) فيغسل ويكفن ويصلى عليه، ويدفن في مقابر المسلمين، لأنه منهم.

كتاب الجهاد [1]

Kitab al-Jihad (Perang di Jalan Allah)

وشرائط وجوب الجهاد سبع خصال:

1 - الإسلام

2 - والبلوغ

3 - والعقل

4 - والحرية

5 - والذكورية

6 - والصحة

7 - والطاقة على القتال [2].

(1) الجهاد من فرائض الإسلام وشعائره العظمى، دل على مشروعيته: من كتاب الله تعالى آيات كثيرة، منها: قوله تعالى: "كتبِ عَلَيْكمْ القِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكمْ وَعَسىَ أنْ تكْرَهُوا شَيئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسىَ أنْ تحبوا شَيْئاً وَهُوَ شَر لَكمْ والله يَعْلم أنتمْ لاَ تَعْلَمونَ" / البقرة: 216/.

ومن السنة: جهاده المتواصل صلى الله عليه وسلم منذ أْذنَ له فيه، إلى أن لقي الله عز وجِل. مع بيانه أحكامه وأهدافه الله، كقوله: (أُمِرْتُ أَن أقَاتلَ النَاسَ حَتى يقولُوا لاَ إلَهَ إلاَ اللهُ) . البخاري (2786) ومسلم (21) .

وقد ورد في فضل الجهاد والحث عليه، والتنفير من القعود عنه، والتحذير من تعطيله، ما لا يحصى من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية.

(2) أي القدرة على القتال بالبدن والمال دون مشقة شديدة، فخرج نحو الأعمى والأعرج وفاقد النفقة. والأصل في هذه الشروط: قوله تعالى: "يا أيهَا الذين آمَنوا قاتلُوا الَّذينَ يَلُونَكمْ مِنَ الكفارِ" / التوبة: 123/. فقد خَوطب بالأمر بَالقتال المؤمنون وهم المسلمون فلا يتوجه على غيرهم. والجهاد أيضاً من أعظم العبادات وغير المسلم ليس

ومن أسر من الكفار فعلى ضربين:

1 - ضرب يكون رقيقا بنفس السبي [1] وهم الصبيان والنساء

2 - وضرب لا يرق بنفس السبي وهم الرجال البالغون

والإمام مخير فيهم بين أربعة أشياء

1 - القتل

2 - والاسترقاق

3 - والمن

4 - والفدية بالمال أو بالرجال [2]

يفعل من ذلك ما فيه المصلحة [3].

أهلا للعبادة، وهو أيضاً لإعلاء كلمة الله عز وجل، والكافر لا يسعى إلى ذلك.

وقوله تعالى: "لَيْسَ عَلى الضُّعفاء ولاَ عَلى المَرْضىَ وَلاَ عَلى الَذينَ لاَ يجدُونَ مَا يُنْفقونَ حَرَج َ" / التوبة 91 /.

[الضعفاءَ: الصبيان والمَجانين. حرج: إثم وذنب إذا لم يخوجوا إلى الجهادَ ونفي الإثم والذنب بعدم الخروج دليل على الوجوب] روى البخاري (2521) ومسلم (1868) واللفظ له، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: عَرَضني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يومَ أحُد في القتال. وأنا ابنُ أربًعَ عشْرَةَ سنة، فلما يجُزْني، وعرضني، يوم الخَنْدَق، وأنا ابنُ خمسَ عشرةَ سَنَة. فأجازَني. أي فأذن لي بالخروج وَالاشتراك في القتال.

وروى البخاري (1762) عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله، ألا نَغْزو ونجاهِدُ مَعَكُمْ؟. قال: (لكُن أحْسَن الجِهاد وَأجْمَلُهُ الحَج حج مَبرُورُ) . أي مقبول.

(1) هو الأسر والأخذ من صفوف الأعداء أثناء القتال أو مطاردة العدو.

(2) بأن يأخذ منهم مالاً مقابل إطلاقهم، أو يستبدل أسرانا بأسراهم.

(3) قال تعالى: "فَإذَا لقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فًضرْبَ الرقابِ حَتَى إذَا أثخنتموهُمْ فَشُدُوا الْوَثَاقَ فَإمَّا مَنّا بَعْدُ وَإمَا فِدَاء ً حَتى تَضعً الْحَرْبُ أوْزارَهَا" / محمد: 4/.

[أْثخنتموهم: أثقلتموهم بالقتل والجراح. فشدوا الوثاق: فأسروهم

ومن أسلم قبل الأسر أحرز ماله ودمه وصغار أولاده [1].

وشدوا رباطهم حتى لا يفلتوا منكم. مناً:، تمنون منا. والمن هو الإنعام والمراد إطلاقهم من غير فدية. تضع الحرب أوزارها: حتى تنتهي الحرب بوضع المقاتلين أسلحتهم وكفهم عن القتال، وأصل الوزر ما يحمله الإنسان فأطلق على السلاح لأنه يحمل].

وروى البخاري (3804) ومسلم (1766) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: حَارَبَتْ النضِيرُ وَقُرَيْظَةُ، فأجْلى بني النضِيرِ وَأقَر قُرَيْظة وَمَن عَليْهِمْ، حَتَّى حارَبَتْ قريظةُ فقتلَ رجالَهم، وَقَسمَ نِساءهم وأولادهم وأموالهم بَيْنَ المُسْلِمِينَ.

وقد حكم بقتلهم سعد بن معاذ رضي الله عنه بتحكيم منه صلى الله عليه وسلم، بعد أن نزلوا على حكمه.

انظر البخاري (2878) ومسلم (1768) .

واسترقْ صلى الله عليه وسلم أسرى هوازن، ثم تشفع فيهم لدى المسلمين بعد أن قسموا بينهم، عندما جاء وفد هوازن مسلمين، وطلبوا منه صلى الله عليه وسلم أن يرد إليهم سبيهم وأموالهم، فَمنوا عليهم. البخاري (2963) .

وروى مسلم (1755) أن سرية من المسلمين أتوا بأسارى فيهم امرأة من بني فَزَارة، فبعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مَكَّةَ، ففدى بها ناساً من المسلمين، كانوا أسِرُوا بمكة. وروى أيضاً مسلم (1763) أنّه صلى الله عليه وسلم أخذ الفِدَاءَ مِنْ أسرى غزوة بَدْر.

(1) أحرز: حفظ وحمى، وذلك لما رواه البخاري (25) ومسلم (22) عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أمِرْتُ أنْ أقًاتِلَ الناسَ حَتَى يَشهَدُوا أن لاَ إلَهَ إلا اللهَ وَأن محمَدا رَسُولُ الله، وَيُقِيمُوا الصَلاةَ وَيُؤتُوا الزكَاةَ، فَإذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عصمُوا مِنَي دِمَاءَهُم وَأموالَهمْ. إلابِحَق الإسْلاَمِ. وَحِسَابُهُمْ عَلى اللهِ) .

ويحكم للصبي بالإسلام عند وجود ثلاثة أسباب [1]:

1 - أن يسلم أحد أبويه

2 - أو يسبيه مسلم منفردا عن أبويه

3 - أو يوجد لقيطا في دار الإسلام [2].

"فصل" ومن قتل قتيلا أعطى سلبه [3] وتقسم الغنيمة [4] بعد ذلك على خمسة أخماس فيعطى أربعة أخماسها لمن شهد الوقعة [5] ويعطى للفارس ثلاثة

[عصموا: حفظوا ووقَوْا، وألحق صغار الأولاد بما ذكر لأن الولد تبع لأبويه في الإسلام. بحق الإسلام: أي إذا فعلوا ما يستوجب عقوبة مالية أو بدنية في الإسلام، فإنهم يؤاخذون بذلك قصاصاً. حسابهم على الله: أي فيما يتعلق بسرائرهم وما يضمرون] .

(1) أي عند وجود أحد أسباب ثلاثة.

(2) تغليباً لجانب الإسلام وترجيحاً لمصحلة الصغير وما هو أنفع له، فإن الإسلام صفة كمال وشرف وعلو. قال عليه الصلاة والسلام: (الإسْلاَمُ يَعْلُو وَلاَ يُعْلَى) . رواه الدارقطني في سننه (كتاب النكاح) . ورواه البخاري تعليقاً في الجنائز، باب: إذا أسلم الصي .. (العيني: 8/ 169) .

(3) وهو ما يكون مع المقتول من سلاح وعتاد ولباس ومال.

روى البخاري (2973) ومسلم (1851) عن أبي قتّادة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَن قَتَلَ قَتِيلا لَهُ عَلَيْهِ بَينَة فَلَهُ سلَبهُ) .

[بينة: علامة أو شهود يشهدون له بقتله] .

(4) الغنيمة: ما أخذ من أموال الكفار عنوة والحرب قائمة، ولو عند المطاردة.

(5) روى البيهقي (9/ 62) أن رجُلا سأل النبي صلي الله عليه وسلم قال: ما تقول في الغنيمة؟ قال: (للهِ خُمُسُهَا، وَأربَعَةُ أخْمَاس لِلجيش) .

أسهم وللراجل سهم [1]

ولا يسهم إلا لمن استكملت فيه خمس شرائط:

1 - الإسلام

2 - والبلوغ

3 - والعقل

4 - والحرية

5 - والذكورية

فإن اختل شرط من ذلك رضخ له ولم يسهم له [2].

ويقسم له الخمس على خمسة أسهم

1 - سهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف بعده للمصالح

2 - وسهم لذوي القربى وهم بنو هاشم وبنو المطلب

3 - وسهم لليتامى

4 - وسهم للمساكين

5 - وسهم لأبناء السبيل [3].

(1) روي البخاري (2708) عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم جَعَلَ لِلفرَسِ سهمينِْ وَلِصَاحِبِهِ سَهْماً.

وفي روايةَ عنه أيضاً. عند البخاري (3988) ومسلم (1762) قال: قَسم ًرسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يومَ خيبرَ: للفرس سَهْمَيْنِ، وَللراجِل سَهماً.

[الراجل: المقاتل على رجليه] .

(2) لأنة ليس من أهل الجهاد المفروض عليهم حضوره بل يعطيه أمير الجيش أو الإمام شيئاً من الغنيمة قبل قسمتها، ويجتهد في قدره حسب ما قدم من نقفع، على أن لا يبلغ سهم الراجل. وهذا المراد من قوله: رضخ له، من الرضخ، وهو في اللغة: العطاء القليل.

(3) قال تعالى: "وَاعْلَملوا أنمَا غَنمتُمْ منْ شَيْء فأن للهِ خُمُسَهُ ولِلرَّسول وَلِذِي القربى واليتَامى وَالمَسَاكًين وِابْن السَّبِيلِ" / الأنفال َ: 41/.

[لله خمسه يحكم فيه كيف يشاء. للرسول: قسمته وتوزيعه، وله فيه نصيب وهو خمسه. اليتامى: جمع يتيم، وهو كل صغير لا أب له،

"فصل" ويقسم مال الفيء [1] على خمس فرق [2]: يصرف خمسة على من يصرف عليهم خمس الغنيمة [3]،

فإذا بلغ لم يبق يتيما، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لايُتْمَ بَعْدَ احتلام) أبو داود (2873) ابن السبيل: المسافر الذي فقد النفقة وهو بعيد عنً ماله].

وروى البخاري (2971) عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: مشيت أنا وعثمان بن عفان إلى رسرل الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: يا رسولَ الله، أعطيتَ بني المطلب وتركتَنَا، ونحن وهم منك بمَنْزِلَة وَاحِدَة؟ فقالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّمَا بَنُو المطلِبِ وً بنُو هَاشِم شيء وَاحِدٌ) .

[بمنزلة واحدة: من حيث القرابة، لأن الجميع بنو عبد مناف. شيء واحد: لأصهم ناصروه قبل إسلامهم وبعده] . وانظر: حاشية 3 التالية.

(1) وهو ما أخذ من الكفارمن غير قتال، أو بعد انتهاء الحرب بالكلية.

(2) أقسام.

(3) قال تعالى: "ماَ أفَاءَ الله عَلى رَسُوله مِنْ أهلِ الْقُرَى فَللهِ وَلِلرسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَاليتامىَ وَالمَساكَينِ وَابنِ السَبِيلِ" / الحشر:7 /.

وهذه الآية مطلقة لم يذكر فيها التخميس. فحملت على أية الغنيمة المقيدة بالتخميس.

وقال صلى الله عليه وسلم: (مَالي ممَا أفَاءَ اللهُ إلا الخمس، وَالخُمُسُ مَردُودٌ فِيكُمْ) رواه البيهقيَ نهاية: 3/ 272).

أي يصرف في مصالحكم، وذلك بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، والمراد بالخمس خمس الخمس كما علمت. انظِر: حاشية 3 ص 228.

ويعطى أربعة أخماسه للمقاتلة [1] وفي مصالح المسلمين [2].

(1) وهم الجند المنقطعون لرصد العدو وحماية الثغور، والمتأهبون دائماً للجهاد.

(2) لأنها كانت تعطى له صلى الله عليه وسلم في حياته، وكان يصرفها فيما ذكر.

روى البخاري (2748) ومسلم (1757) عن عمر رضي الله عنه قال: كانتْ أمْوالُ بَني النضِير، ممَا أفَاءَ اللهُ عَلى رسُوله صلى الله عليه وسلم مِمَّا لَم يُوجِفِ المُسْلمُوَنَ علَيْه بخيْل وَلاً رِكَاب، فكانتْ لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسَلم خَاصَّةً، وكانَ يُنْفِقُ عَلِى أهْلِهِ نفَقَة سنتِهِ، ثم يَجْعل مَا بَقيَ في السلاحِ وَالْكُرَاع ِ، عُدة في سبيل الله.

[يوجف: من الإيجاف وهو الإسراع في السير، والركاب الإبل، والمعنى: لم يبذلوا فيها سعيا لا بالخيل ولا بالإبل. الكراع: الخيل التي تعد للجهاد. عدة: استعداداً للجهاد]

ومن جملة المصارف النفقة على أسر من يموت من المجاهدين الذين سبق ذكرهم، ويسمون المرتزقة، ولو في غير قتال، أو العلماء ونحوهم، ممن تحتاج الأمة إلى أعمالهم، فيعطى ورثتهم الذين كانت تلزمهم نفقتهم في حياتهم ما يسد حاجتهم. قال في النهاية: ومن مات من المرتزقة دفع إلى من كان تلزمه نفقته من أربعة أخماس الفيء كفايته، لا ما كان يأخذه هو، فتطعى الزوجة وإن تعددت، والبنات حتى ينكحن أو يستغنين بكسب أو غيره،

والذكور حتى يستقلوا بالكسب أو المقدرة على الغزو، لئلاَّ يشتغل الناس بالكسب عن الجهاد إذا علموا ضياع عيِالهم بعدهم، ومن بلغ من الأبناء عاجزاً فكمن لم يبلغ.

وقال: ويعطى لأولاد العالم من أموال المصالح إلى أن يستقلوا وللزوجة حتى تنكح، ترغيبا في العلم. (3/ 74) .

"فصل" وشرائط وجوب الجزية خمس خصال [1]:

1 - البلوغ

2 - والعقل

3 - والحرية

4 - والذكورية [2]

5 - وأن يكون من أهل الكتاب [3].

(1) صفات، والجزية: اسم للمال الذي يلتزم أداءه غير المسلمين بعقد مخصوص، مقابل حمايتهم وحقن دمائهم وإسكاننا لهم في ديارنا، وسميت جزية لأنها أجزأت عن القتل، أي أغنت وكفت عنه.

والأصل في مشروعيتها: قوله تعالى: "قَاتِلُوا الذينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلاَ بِالْيَوْم الآخِرِ وَلاَ يُحَرمونَ مَا حَرّم اللهُ رَسُولُهُ وَلاَ يَدِينونَ دِينَ الحًق مِنَ الَّذِينَ أتُوا الْكِتَابَ حَتى يُعْطُوا الْجِزْيَة عَن يَد وَهُم صَاغِرُونَ" / التوبة: 29/.

[يدينون: يعتقدون. دين الحق: القائم على التوحيد وهو الإسلام.

أوتوا الكتاب: أعطوا كتباً سماوية من قبل، وهم اليهود والنصارى. عن يد: طائعين غير ممتنعين. صاغرون: عليهم علائم الذل والقهر، وقال الشافعي رحمه الله تعالى: الصغار هو جريان أحكام المسلمين عليهم] .

وروى البخاري (2988) ومسلم (2961) عن عمرو بنِ عَوْف الأنصارِيّ رضي الله عنه: أن رسولَ اللهِ صلي الله عليه وسلم بعث أبا عُبًيدَةَ بن الجَرَاحِ إلى الْبَحْرَيْنِ، يَأتي بجِزيَتِهَا.

(2) والأصل في هذه الشروط الأربعة الآية السابقة، فقد دلت على أن الجزية تؤخذ من المكلفين أهل القتال، فخرج النساء لأنهن لسن من أهل القتال، وكذلك العبيد. وخرج الصبيان والمجانين لأنهم غير مكلفين.

وروى البيهقي (9/ 195) أن عمر رضي الله عنه كَتبَ إلى عمَّالِهِ أنْ لا يَضْرِبوا الجِزْيَةَ عَلى النَسَاءِ وَالصبْيانِ. وانظر حاشية 1.

(3) للآية السابقة.

أو ممن له شبهة كتاب [1]

وأقل الجزية دينار في كل حول [2]

ويؤخذ من المتوسط ديناران ومن الموسر أربعة دنانير [3]

ويجوز أن يشترط عليهم الضيافة فضلا عن مقدار الجزية [4]

ويتضمن عقد الجزية أربعة أشياء:

1 - أن يؤدوا الجزية

2 - وأن تجري عليهم أحكام الإسلام [5]

3 - وأن لا يذكروا دين

(1) كالجوس وهم عبدة النار. روى البخاري (2987) : أن عمر رضي الله عنه لم يكَن ليأخذَ الجِزْيَةَ. منِ المجوس، حتى شهد عبد الرحمن بن عوف، رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذها مِنْ مجوس هجر.

(2) لأنه صلى الله عليه وسلم لما وجه معاذاً رضي الله عنه إلى اليمن: أمره أن يأخذ من كل حالم ديناراً أو عدله من المعافر. انظر ص 94 حاشية 1.

(3) اقتداءَ بعمر رضي الله عنه، فقد وضعها على الغني ثمانية وأربعينَ درْهَماً، وعلى المَُستوسط أربعة وعشرين درهماً، على الفقيرِ اثني عَشرَ درَهماً. رواه البيهقيَ (9/ 196) . وكان صرف الدينار باثني عشر درهماً.

ويساوي الآن فصف ليرة انكليزية ذهبية تقريباً.

(4) روى البيهقي (9/ 195) أنه صلى الله عليه وسلمٍ صالح أهل أيلة على ثلاثمائة دينار - وكانوا ثلاثمائة رجل - وعلى ضيافة من مَر بهم من المسلمين.

(5) فيما يعتقدون تحريمه كالزنا مثلا، فقد ثبت عند البخاري (6433) ومسلم (1699) : أنه صلى الله عليه وسلم رجم يهودياً ويهودية زنيا.

وأما ما لا يعتقدون تحريمه فلا تجري عليهم فيه أحكَامنا، إلا إن ترافعرا إلى قاضي المسلمين، فإنه يحكم بينهم بشرعنا.

الإسلام إلا بخير [1]

4 - وأن لا يفعلوا ما فيه ضرر على المسلمين [2]

ويعرفون بلبس الغيار وشد الزنار ويمنعون من ركوب الخيل [3].

(1) فلو تعرضوا للقرَآن، أو ذكروا الرسول صلى الله عليه وسلم بما لا يليق به، أو طعنوا في شرع الله عز وجل عزروا، وإن كان شرط انتقاض العهد بذلك نقض.

(2) كإيوائهم جاسوساً أو يدلوا أهل الحرب على خلل في المسلمين فينتقض العهد بمثل هذا. أو يظهروا خمرا أو خنزيرا، أو يعلنوا شرَكاً ونحوه فيمنعون من كل ذلك.

(3) الغيار: أن يخيط بموضع من ثوبه لا يعتاد الخياطة عليه بلون يخالفه.

والزنار: خيط غليظ يشده الرجال في أوساطهم فوق الثياب.

والغرض: أن يتميزوا عن المسلمين بلباس ونحوه ليعرفوا ويعاملوا بما يليق بهم، وأن لا بظهروا بمظهر التعالي والعزة أمام المسلمين، وقد ضرب الله تعالى عليهم الذلة والمسكنة والصغار. ونعوذ بالله تعالى من انقلاب الأحوال.

كتاب الصيد والذبائح

Kitab al-Shaid wa al-Dzabaih (Berburu dan Sembelihan)

وما قدر على ذكاته [1] فذكاته في حلقه ولبته [2]

وما لم يقدر على ذكاته فذكاته عقره حيث قدر عليه [3]

(1) أي ذبحه، والأصل في مشروعية الذبائح قوله تعالى: "إلا ما ذَكيتمْ" / المائدة: 3/ أي ما أدركتموه حياً، ذبحتموه فإنه حلال لكم.

وفي مشروعية الصيد قوله تعالى: "وَإذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا" .

/المائدة: 2/ أي إذا تحللتم من الإحرام بالحج أو العمرة فقد حل لكم الاصطياد.

وسيأتي مزيد من الأدلة خلال فصول الكتاب.

(2) الحلق أعلى العنق، واللبة أسفله، والذبح يكون بينهما. قال عليه الصلاة والسلام: (ألاَ إن الذكَاةَ في الحَلْقِ وَاللبة) رواه الدارقطني (4/ 283) . والبخاري تعليقاً عن ابن عباس رضي الله عَنهما في الذبائح، باب: النحر والذبح.

(3) جَرحُه جُرحاً مزهقاً لروحه في أي مكان أمكن من بدنه.

روى البخاري (5190) ومسلم (1968) عن رافعِ بن خديج رضي الله عنه: أنه صلى الله عليه وسلم أصَابَ نَهْبَ إبل وغنم، فَند منها بعيرُ، ولم يكن معهم خيل، فرماه رجل بسهْم فَحَبَسَهُ - أي فمات- فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (إن لِهذه الْبهائِمِ أوَابِدَ كَأوَابِد الْوَحش فما فعَلَ منها هكذا فافعَلُوا بهَ مِثلَ ذلك. وروي: وما غَلَبكُم منها فَاصنَعُوا بِه هكذا) .

[نهب: غنيمة. فند: نفر وذهب على وجهه شارداً. أوابد: هي التي تأبدت، أي نفرت وتوحشت] .

وكمال الذكاة أربعة أشياء:

1 - قطع الحلقوم

2 - والمريء

3 - 4 - والودجين [1]

والمجزئ منها شيئان

1 - قطع الحلقوم

2 - والمريء [2]

ويجوز الاصطياد بكل جارحة معلمة من السباع ومن جوارح الطير [3]

(1) وهي مجرى النفس، ومجرى الطعام، ومجريا الدم على صفحتي العنق، وقطع الجميع كاملة مستحب، لأنه أسهل في خروج الروح، فهو من الإحسان إلى الذبيحة، في الذبح. وفي الحديث: (كُلْ مَا أفْرَى الأوْدَاجَ) (ذكره ابن الأثير في النهاية، مادة ودج) أي كل ما ذُبَح بما قطع العروق، وهذه الأربع كلها عروق.

(2) روى البخاري (2356) ومسلم (1968) عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَا أنْهَرَ الدمَ وَذُكِرَ اسمُْ الله عَلَيْه فَكلوهُ) . دل الحديث على أنه بجزىء في الذبح ما ينهر الدم، أيَ يسيلهَ بقوة، وقطع الحلقوم والمريء ينهر الدم، فأجزأ في الذبح. ولأن الحياة تفقد بقطعهما وتوجد بسلامتهما غالباً.

(3) أي بكل ذي ناب من البهائم كالفهد والكلب، وذي مخلب من الطير، كالبازي والصقر. قال تعال: "يسَألُونَكَ مَاذَ اأحِلَ لَهمْ قُلْ أحِل لَكُمْ الطيباتُ وَمَا عَلمْتم مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلَبينَ تُعَلَمُونَهن مِمَا عَلَمَكُمْ اللهُ فَكُلُوا مِمّا أمسكنَ عَلَيكُمَْ وَاذْكُرُوا اسمَ اللهِ عَلَيْه وَاتقُوا اللهَ إن الله سَرِيع الْحِسَابِ" / المائدة: 4/.

[وما علمتم: أحل لكم صيد الحيوان الجارح الذي علمتموه. مكلبين: من التكليب وهو تأديب الحيوان وترويضه أن يسترسل إذا أغري بالصيد وسلط عليه، واشتق من الكلب لأن التأديب في الكلاب لهذا أكثر] .

وشرائط تعليمها أربعة:

1 - أن تكون إذا أرسلت استرسلت

2 - وإذا زجرت انزجرت [1]

3 - وإذا قتلت صيدا لم تأكل منه شيئا

4 - وأن يتكرر ذلك منها [2]

فإن عدمت أحد الشرائط لم يحل ما أخذته إلا أن يدرك حيا فيذكى [3]

وتجوز الذكاة بكل ما يجرح إلا بالسن والظفر [4]

(1) أرسلت: أغربت وهيجت على الصيد. استرسلت: هاجت وانبعثت. زجرت: استوقفت بما علمت عليه بعد عدوها إلى الصيد أو ابتداءاً. انزجرت: وقفت.

(2) مرتين فأكثر، لأن المرة قد تقع اتفاقاً، فلا تدل على حصول التعلم، ويرجع في عدد المرات إلى أهل الخبرة بالحيوان الجارح المعلم.

(3) والأصل فْي هذه الشروط الآية السابقة وأحاديث، منها: ما رواه البخاري (5167) ومسلم (1929) عن عديَ بنِ حاتِم رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذَا أرسَلتَ كَلبكَ المعلم وَسَميْت، فَأمْسَكَ وَقتلَ، فَكُل، وَإنْ أكَلَ فَلا تَأكُلْ، فَإنمَا أمْسَكَ على نَفسِهِ) .

وروى البخارى (5170) ومسلم (1930) . عن أبي ثَعْلبَةَ رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وَمَا صِدْتَ بِكَلْبكَ الَذِي لَيْسَ بِمُعلَم فَأْدْرَكتَ ذَكَاتَه فَكُلْ) أي أدركته حيتاً وذبحته.

(4) لأن الذٌبح بهما فيه تعذيب للحيوان، وهو في الغالب خنق على صورة الذبح.

جاء في حديث رافع رضي الله عنه (حا 2 ص235) : إنا نَرْجُو أو نخاف الّعَدُوَ غداًَ وليست معنا مُدى، أفنذبح بالْقصبَ؟ قال: (مَا أنْهر الدمَ وَذُكر اسمُ الله عَلَيه فَكُلُوهُ، لَيًْس السن الظفرُ.

وتحل ذكاة كل مسلم وكتابي [1] ولا تحل ذبيحة مجوسي ولا وثني [2]

وذكاة الجنين بذكاة أمه إلا أن يوجد حيا فيذكى [3]

وَسَأحَدثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ: أمَّا السنُّ فَعَظْم، وَأمَا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَة).

[مدَى: جمع مُدْيَة وهي السكين. أنهر الدم: أساله وصبه بكثرة، شبه بجريَ الماء في النهر. فعظم: أي ولا يحل الذبح به. فمدى الحبشة: أي الحبشة يذبحون بالأظفار، وهم كفار، وقد نهيم عن التشبه بهم] .

(1) يهودي أو نصراني لقوله تعالى: "إلا مَا ذَكَيْتُم" وهو خطاب للمسلمين.

وقوله تعالى: "وَطَعامُ الذينَ أوتُوا الكِتَابَ حِل لَكُمْ" ، / المائدة: 5/. والمراد بالطعام هنا الَذبائح.

ولا فرق في الحل بين ذبيحة الذكر والأنثى بالإجماع.

(2) كعبدة الأوثان ونحوها، لمفهوم الآيات السابقة، فقد دلت على أنه لا تحل ذبيحة غير المسلم والكتابي، ولأنه صلى الله عليه وسلم كتب إلى مجوسِ هجرَ يَعْرِضُ عليهم الإسلامَ، فمن أسْلَمَ قُبِلَ منه، ومن أبَى ضُرِبَتْ عليهم الْجزيَةُ، على أنْ: لا تُؤكَلَ لهم ذَبِيحةٌ، ولا تُنكَحَ لهم أمْرَأةٌ.

قال البيهقي (9/ 285) : هذا مرسل، وإجماع أكثر الأمة عليه يؤكده.

ومثل الوثني في عدم حل ذبحه المرتد، لأنه لا يقر على الدين الذي انتقل

إليه، والملحد وهو الذي ينكر الأديان أو وجود الخالق سبحانه، لأنه لا

ملة له، فلا تؤكل ذبيحة أحد من هؤلاء.

(3) أي يعتبر ذبح أمه ذبحاً له، إلا إن خرج حيا بعد ذبحها فيذبح.

روى أبو داود (2827) عن أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه قال:

وما قطع من حي فهو ميت [1] إلا الشعور المنتفع بها في المفارش والملابس [2].

سَألتا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عن الجَنِين، فقال: (كُلُوهُ إن. شِئْتُم.، فَإن ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أمهَ) .

(1) أى له حكم ميتة هذا الحي، من حيث حل الأكل وعدمه، ومن حيث الطهارة والنجاسة، فما قطع من السمك يؤكل لحل ميتته كما سيأتي، وما قطع من إنسان فهو طاهر كما علمت. (انظرحاشية 4 ص 11. حا 2 ص 240) .

روى الحاكم وصححه (4/ 239) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عن جِبَابِ أسْنمَةِ الإبل وَألياتِ الغنم؟ قال: (مَا قُطعَ منْ حَي فَهوَ ميَت) .

[جباب: مصدر من جب يَجُب إذا قطع] .

وروى أبو داو د (2858) والترمذي (1480) واللفظ له، وحسنه، عن أبى واقد الليثي قال: قَدمَ النبي صلى الله عليه وسلم المدينةَ، وهمِ يَجبونَ أسنمةَ الإبل، ويقطَعون ألياتِ الغْنم. فقال: (مَا قُطِعَ مِن الَهِيمَةِ وهِي حَيّة فَهِيَ ميتَة) . ورواه الحاكم وصححه (4/ 239)

(2) وشرطها: أن تكون من حيوان مأكول اللحم شرعاً، وأن تقص منه حال حياته كما يفهم من كلامه، أو بعد ذبحه ذبحاً شرعياً، وأن لا تنفصل من الحي على عضو منه. وأما شعر الميتة غير الآدمي فهو نجس، ولا يطهر، لأنه لا يدبغ.

والأصل في طهارة ما ذكر: قوله تعالى: "وَاللهُ جَعَلَ لَكمْ مِنْ بيوتِكُم سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُود الأْنْعَام بُيُوتاً تَسْتَخِفونَها يوْمَ ظَعنكُمْ وَيوْمَ إقامَتكُمْ وَمِنْ أصوَافِهَا وً أوْبَارِهَا وأْشْعَارِهَا أثَاثاً ومَتَاعَاً إلى حينٍ" / النحَل: 80 /.

[سكناً: ملجَأ تألفونه وتطمئنون فيه. تستخفونها: تجدونها خفيفة في

"فصل" وكل حيوان استطابته العرب [1] فهو حلال إلا ما ورد الشرع بتحريمه وكل حيوان استخبثته العرب (1) فهو حرام إلا ما ورد الشرع بإباحته [2]

ويحرم من السباع ما له ناب قوي يعدو به [3] ويحرم من الطيور ما له مخلب قوي يجرح به [4].

حملها ونصبها ونقضها. ظعنكم: سيركم ورحيلكم في الأسفار. أثاثاً: أمتعة للبيوت. متاعاً: ما تتمتعون به باللبس وغيره. حين: مدة من الزمن حتى تبلى].

دلت الآية على جواز استعمال الذكورات، وذلك دليل طهارتها وألحق فيما ذكر ما يقوم مقام الشعر من كل حيوان مأكول اللحم كالريش ونحوه.

(1) أي عدوه طيباً أو خبيثاً، واعتبر عرف العرب في هذا، لأنهم الذين خوطبوا بالشرع أولا، وفيهم بعث النبي صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن.

(2) قال تعالى: "وَيُحِل لَهُمُ الطَّيِّبَات وَيُحَرمُ عَليهِمُ الْخَبَائثَ" / الأعراف: 157/. وقال تعالىَ: "يَسْألُونَكَ مَاذَا أحلِ لًهُم قُل أحل لَكُمُ الطَّيَبَاتُ" / المائدة: 4/.

[الطيبات: ما تسَتطيبه النفوس وتشتهيه. الخبائث: ما تستقذره وتنفر منه]

(3) يسطو به على غيره ويفترسه، كالذئب والأسد والكلب.

(4) روي البخاري (5210) ومسلم (1932) عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه: أنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل كل ذي ناب من السباعَ.

وروى مسلم (1934) وغيره، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلً ذي ناب مِنَ السباع، وعن كل ذي مخِلَبٍ مِنَ الطيورِ.

ويحل للمضطر في المخمصة: أن يأكل من الميتة المحرمة ما يسد به رمقه [1].

ولنا ميتتان حلالان:

1 - السمك

2 - والجراد

ودمان حلالان

1 - الكبد

2 - والطحال [2].

"فصل" والأضحية [3] سنة مؤكدة [4]:

[ناب: سن حاد يعدو به علي فريسته. السباع: الحيوانات المفترسة.

مخلب: ظفر يقطع به الجلد ويمزقه] .

(1) أي ما يحفظ به قوته وبقية روحه، ومثل الميتة في الحل كل ما حرم تناوله. والأصل فىَ هذا: قوله تعالى: يا حرمَتْ عليكم المَيتَةُ وَالدمُ وَلَحْمُ الخِنْزيرِ وَمَا أهِل لِغير الله به ". ثم قال:" فَمَنِ اضْطُرَّ في مخمصة غيْر متجانِف لإثمِ فَإن، الله غََفور رحِيم "، / المائدة: 3 /."

[أهل لغير الله به: ما ذكر عليه عند الذبح غير اسم الله تعالى. من الإهلال وهو رفع الصوت. والمخمصة: شدة الجوع التي يخاف منها الموت أو المرض الشديد. غير متجانف لإثم: متجانف مائل "أي لا يريد المخالفة الموقعة في الإثم] ."

(2) روي أحمد (2/ 97) وغيره، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أحِلتْ لنَا مَيتَتَان وَدَمَان ِ: فأمَا المَيْتَتَان فَالْحُوتُ وَالْجَرَادُ، وَأما الدمَان فَالْكَبدُ والطحَالُ) ويحرم من السمَك ما طفا على سطح الماء وانتفخ، إن غلب على الظن أنه يورث المرض.

(3) وهي ما يذبح من الإبل أو البقر أو المعز أو الغنم يوم العيد، تقرباً إلى الله عز وجل. مأخوذة من الضحوة وهي امتداد النهار، وسميت بأول زمان فعلها وهو الضحى.

(4) ودل على ذلك آيات منها. قوله تعالى: "فَصَل لربكَ"

ويجزئ فيها الجذع من الضأن [1] والثني من المعز والثني من الإبل والثني من البقر [2] وتجزئ البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة والشاة عن واحد [3].

وَانْحرْ "/ الكوثر: 2/. أي صل العيد واذبح الأضحية. وثبت في ذلك أحاديث، منها: ما رواه البخاري (5245) ومسلم (1966) عن أنس رضي الله عنه قال: ضحَى النبيُ صلى الله عليه وسلم بِكَبشيْنِ أمْلَحَيْنِ أقرَنينِ، ذَبَحَهما بِيَدِهِ، وَسَمى وَكَبرَ، وَوَضعً رجْلهُ عَلى صِفاحِهِمَا."

[ضحى: ذبح الأضحية. الأملح: الذي بياضه أكثر من سواده.

صفاحهما: جمع صفحة وهي جانب العنق] .

(1) الجذع: هي ما أتمت سنة وطعنت في الثانية، أو التي سقط مقدم

أسنانها. والضأن: الغنم.

روى أحمد (6/ 368) والطبراني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ضَحُّوا بِالجَذعَِ مِنَ الضَّأنِ فَإنَّهُ جَائِزُ) . (انظر الجامع الصغير:5210) .

وعند أحمد (2/ 254) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (نِعْمَ، أوْ: نعِمَتِ الأضْحِيَةُ الْجذع مِنَ الضَأنَ) .

(2) الثني من المعز والبقر ما طعن في الثالثة، ومن الإبل ما طعن في السادسة. وجازت الأصحية بها بالإجماع.

(3) البدنة: واحدة الإبل، وتقع على الذكر: الأنثى.

روى مسلم (1318) عن جابر رضي الله عنه قال: نحرْنَا مع رَسول الله صلى الله عليه وسلم عامَ الحُدَيبِيَةِ: البَدَنةَ عَنْ سَبعَة، وَالبقرَة

وأربع لا تجزئ في الضحايا:

1 - العوراء البين عورها

2 - والعرجاء البين عرجها

3 - والمريضة البين مرضها

4 - والعجفاء التي ذهب مخها من الهزال [1]

ويجزئ الخصي [2] والمكسور القرن ولا تجزئ

عن سبعة.

وفي البخًاري (5228) عن عائشة، رضي الله عنها: ضَحَّى رسول الله صلى الله علية وسلم عن نساَئه بالبقرِ.

وفي الموطأ (2/ 486) : أن أبا أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: كناَ نضَحى بالشَاة الواحدَة، يَذبحهاَ الرجلُِ عنه وعن أهْلِ َبيته ثم تبَاهَى الناَسُ بَعدُ فصَارَت مبَاهاة. أي صارت الأضحية مفاخرة بين الناس، لايقصد السنة. وهذا لايعني تركها، بل تصحيح القصد وإخلاص النية.

(1) لخبر الترمذي وصححه (1497) وأبو داود (2802) واللفظ له، عن البراء بن عازب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء بين عورها، والمريضة بين مرضها، والعرجاء البين ظلعها، والكسير - وعند الترمذي: العجفاء - التي لا تنقي) .

[البين: الظاهر ظلعها: عرجها، الكسير: مكسورة إحدي القوائم.

العجفاء: الضعيفة والهزيلة. لا تنقي: ذهب مخها - أي دهن عظامها من الهزال] .

(2) الخصي: هو الذي رضت خصيتاه أو قطعت عروقها حتى تذهب شهوة الجماع لدى الإنسان، أو النزو لدى الحيوان.

روى الحاكم (4/ 227) عن عائشة وأبي هريرة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين سمينين عظيمين

المقطوعة الأذن والذنب [1]

ووقت الذبح: من وقت صلاة العيد [2] إلى غروب الشمس من آخر أيام التشريق [3]

ويستحب عند الذبح خمسة أشياء:

1 - التسمية

2 - والصلاة

أمْلَحَيْنِ أقرنَينِ موجوءين، فذبح أحدهما فقال: (اللهم عن محمد وأمته، من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ) .

[موجودين: خصيين] .

(1) كلا أو بعضا، لنقص اللحم وذهاب جزء مأكول منها.

(2) أي من دخول وقت صلاة العيد. وهو طلوع الشمس، ومضي وقت يسع الصلاة والخطبتين. والأفضل فعلها بعد الفراغ من الصلاة وسماع الخطبتين.

روي البخاري (5225) ومسلم (1961) عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا نصلي، ثم نرجع فننحر، من فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل فإنما هو لحم قدمه لأهله، ليس من النسك في شيء) .

[يومنا هذا: يوم العاشر من ذي الحجة، وهو يوم النحر ويوم الأضحى.

فننحر: فنذبح. قبل دخول وقت صلاة العيد ومضي وقت يسعها.

أصاب: وافق. النسك: العبادة والقربة] .

(3) وهي: الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة.

روى ابن حبان (1008) عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وكل أيام التشريق ذبح) : أي وقت للذبح.

على النبي صلى الله عليه وسلم

3 - واستقبال القبلة

4 - والتكبير

5 - والدعاء بالقبول [1]

ولا يأكل المضحي شيئا من الأضحية المنذورة [2] ويأكل من المتطوع بها [3] ولا يبيع من

(1) قال تعالى: "فَكلُوا ممَّا ذُكِرَ اسمُ الله عَلَيْهِ" ، الأنعام: 118/.

وفي حديث أنس رضي الله عنه: وَسمّى وَكًبَرَ.

وعند مسلم (1966) : أنه صلى الله عليه وسلم قال: (بِاسم اللهِ وَاللهُ أكْبَر) .

وعنده أيضاً (1967) أنَه صلى الله عليه وسلم ضَحى بكَبْش، وقال عند ذبحه: (بِاسمِ اللهِ، اللَّهم تَقبلْ مِنْ مُحمَّد، وآلِ مُحَمَد، وَمِنْ أمَة مُحَمّد) .

وأما الصَلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: فلأنه محل شرع فيه ذكر الله تعالى، فيشرع فيه ذكر نبيه صلى الله عليه وسلم بالصلاة عليه، كالأذان.

وأما استقبال القبلة: فلأنها أشرف الجهات، فهي أولى أن يتوجه إليها في القربات، ويكون الاستقبال بمذبح الذبيحة، فيتحقق الاستقبال من الذابح أيضاً.

(2) وهي التي أوجبها على نفسه، كأن قال: لله علي أن أضحي هذا العام، أو بهذه الشاة، أو: إن شفى الله مريضي هذا ونحوه، أو قال: جعلت هذه الشاة أضحية. ومثل الأكل الانتفاع، فليس له أن ينتفع بجلدها مثلًا، بل عليه أن يتصدق به، فلو أكل منها شيئاً أو انتفع به ضمنه بالبدل أو بالقيمة.

(3) روى البخاري (5249) ومسلم (1974) عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ ضَحَى مِنْكم فَلاَ يُصْبِحَن بَعْدَ ثَالِثَة وفي بَيته منْهُ شيءٌ) . فلما كان العامُ المقبلُ، َ قالوا: يا رسولَ الله، فإن ذلكُ العام كما فعَلنا عامَ الماضي؟ قال: (كُلوا وأطعموا وادخروا، فإن ذلك العام كان بالناس جهد، فأردت أن

الأضحية [1] ويطعم الفقراء والمساكين [2].

تُعينُوا فيها).

وله أيضاً أن يهدي منها إلى الأغنياء، ويسن أن لا يزيد في الأكل أو الإهداء على الثلث، والتصدق أفضل من الإهداء.

والأفضل أن يأكل القليل منها تبركاً ويتصدق بالباقي، اقتداء به صلى الله عليه وسلم، فقد روى البيهقي أنه صلى الله عليه وسلم كان يأكل من كَبِدِ أضْحِيتِه (مغني المحتاج: 4/ 290) .

ويجبَ التصدق ببعضها ولو لفقير واحد على الأصح في المذهب، لقوله تعالى: "وَالْبُدنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ لَكُمْ فيهَا خَيْرْ فَاذْكُرُوا اسمَْ الله عَلَيْهَا صَوَافّ فَإذَا وَجبَتْ جنوبهَا فَكُلُوا مِنْها وَأْطْعِمُوا البائِسً الْفَقيرَ" / الحج: 36/.

[البدن: جمع بَدَن وهي ما يهدى إلى الحرم من الإبل، وقيس عليها الأضاحي. شعائر الله: علائم دينه. صواف: قائمة معقولة اليد اليسرى.

وجبت جنوبها: سقطت على الأرض. البائس: شديد الحاجة] .

ولم يجب الأكل منها كما وجب إطعام الفقير لقوله تعالى: "جعلناها لكم" وما جعل للإنسان فهو مخير بين أخذه وتركه. (مغني المحتاج: 4/ 290) .

(1) أي جزء ولو جلدها، ويحرم ذلك، وليس له إعطاؤه أجرة للجزار.

والأصل في هذا: ما رواه البيهقي (9/ 294) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ بَاعَ جِلْدَ أضْحِيَتِهِ فَلاَ أضْحيَةَ لَهُ) .

وإن كَانت غير منذورة أو واجبة (انظر حاشية 2 ص 244) جاز له الانتفاع بجلدها، وإلاَ وجب عليه التصدق به.

(2) انظر حاشية: 3 ص244.

"فصل" والعقيقة مستحبة وهي: الذبيحة عن المولود يوم سابعه [1] ويذبح عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة ويطعم الفقراء والمساكين [2].

(1) وهي في اللغة من العَق وهو الشق والقطع، وهي اسم للشعر الذي يكون على رأس المولود حين ولادته، سمي بذلك لأنه يحلق ويقطع، وسميت الذبيحة المذكورة بها لأنها يقطع مذبحها ويشق حين الحلق. ويستحب أن يحلق شعره أيضاً يوم سابعه، ويتصدق بزنته ذهباً أوفضة، ذكراً كان المولود أم أنثي. والأصل في مشروعية ما ذكر واستحبابه: ما رواه الترمذي (1522) وغيره من حديث سَمرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلمِ: (الغُلاَمُ مُرْتهَن بِعَقيقته، يذْبَحُ عَنهُ يَوْمَ السابِعِ، ويسمى، ويحلقُ رَأسه) .

[مرتهن بعقيقته: أي لا يشفع في والديه يوم القيامة إن لم يعَق عنه، وقيل غير ذلك] .

وروى الحاكم (4/ 237) عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: عَق رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عنٍ الحسينِ بِشَاةٍ وقال: (يا فَاطمَةُ احْلِقِيَ رأسَه، وتَصدقي بِزِنةِ شَعْرِهِ) . فَوزَناهُ، فكانَ وَزنُه دَرهَماً.

(2) روى ابن ماجه (3163) عن عائشة رضي الله عنها قالت: أمَرَنَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ نَعق عن الْغُلاَمِ شَاتيَنْ، وعن الْجَارِيَة شَاة. وعند أبي داود (2834) والترمذي (1513) : عن الغلاَم شَاتَان متكَافئَتان.

[اَلغلاء: الذكرَ. الجارية: الأنثى. متكافئتان: متساويتان]

كتاب السبق والرمي

Kitab al-Sabq wa al-Ramyi (Lomba dan Memanah)

وتصح المسابقة على الدواب والمناضلة بالسهام [1]: إذا

(1) المسابقة من السبْق وهو التقدم، والمناضلة من النضْل وهو الرمي، وتناضل القوم ترامَوْا لتظهر مهارة كل منهم في الرمي.

وهما سنة إن كانا بقصد التأهب للجهاد، وإلا فهما مباحان، ما لم يقصد بهما محرماً - كقطع الطريق - فيحرمان، أو المفاخرة والتعالي.

والأصلَ في مشروعيتهما:

قوله تعالى: "وَأعِدوا لَهُمْ ماَ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة" / الأنفال: 60/.

فقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم القوة بالرمي فقال: (ألا إًنَ الْقُوَّةَ الرمْي ألاَ إن الْقوَةَ الرَّمْيُ، ألاَ إن الْقُوَةَ الرَّمْيُ) . (مسلم: 1917) .

وروى البخاري (2743) عن سَلَمةََ بْنِ الأكْوَعِ رضي الله عنه قال: مَرَّ النبي صلى الله عليه وسلم على نَفرٍ من أسلَمَ يَنْتَضلُونَ، فقال النبي صلى الله عليه وسلمِ: (ارْمُوا بَني إسْماعيلَ، فَإن أَبَاكُمْ كانَ رامياً، ارْمُوا وَأنَا مَع بَنِي فلان) . قال: فأمسَكَ أحَدُ الْفَرِيقَيْن بأيديهم، فقال رسول الله صلى الله علًيه وسلم: (مَالَكُمْ لا تَرْمُونَ) .

قالُوا: كيف نَرْمى وَأنتَ مَعهمْ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ارْموا فَأنَا مَعَكُم كُلِّكُمْ) .

[نفر: من ثلاثة إلى عشرة من الرجال. أسلم: اسم لقبيلة كانت مشهورة.

إسماعيل: بن إبراهيم عليهما السلام، فإنه أب العرب. فأمسك .. : أمسكوا عن الرمي]

وروىَ البخاري (410) ومسلم (1870) عن ابن عمر رضي الله عنهما

أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم سَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ التي أُضْمِرَتْ من الحَفْيَاء إلَى ثَنية الوَدَاع ِ، وسَابًَق الخيل التي لم تُضَمَّرْ من الثنيةِ إلى مًسْجِدِ بنيَ زُرَيْق، وأن عبدَ اللهِ بنَ عمر - رضي الله عنهما - كان فيمن سابَقَ بها.

[أضمرت: وضُمِّرت، سمنت أولا، ثم قُلّلَ علفها وأدخلت مكاناً وجللت حتى يكثر عرقها ويجف، فيذهب رهلُها ويقوى لحمها ويشتد جريها. الحفياء: موضع بقرب الدينة. أمدها: غايتها ونهاية مسافة سبقها.

الفنية: أي ثنية الوداع. وهي في الأصل الطريق إلى الجبل أو فيه] .

وتجوز المسابقة والمناضلة على شرط مال بالشروط الآتية، وتسمى عندئذ رهاناً. روى الإمام أحمد في مسنده (3/ 160) عن أنس بن مالك رضي الله عنه، وقد سُئِل: أكُنْتُمْ تُرَاهِنُونَ على عهدِ رسول الله صًلى الله عليه وسلم؟ فقال: نَعمِْ، لقَدْ راهَنَ على فَرَس له يقاَلُ له سبحَة.

فَسبَقَ الناسَ، فَهش لذلك وَأعْجَبَهُ.

[لقد راهن: أي رسول الله صلى الله عليه وسلم. سبحة: من قولهم: فرس سابح، إذا كان حسن مد اليدين في الجري. فهش: تبسم وأظهر ارتياحه] وتكونان في جميع آلات الحرب ومعداتها وما ينفع فيها، لما رواه أبو داود (2574) والترمذي (1700) وغيرهما، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لاَ سَبقَ إلا في خُف أوْ حَافِرٍ أو نَصْل) .

[سبق: هو المال المشروط في السبْق. خف: أي ذي خف: المراد الإبل. حافر: ذي حافر والمراد الخيل وما يلحق بها. نصل: القسم الذي يجرح من السيف والرمح والسهم ونحوها، والمراد الرمي بها] .

فصار معنى الحديث: لا يحل أخذ المال بالمراهنة إلا في الثلاثة المذكورة.

كانت المسافة معلومة [1] وصفة المناضلة معلومة [2].

ويخرج العوض [3] أحد المتسابقين حتى إنه إذا سبق استرده وإن سبق أخذه صاحبه له وإن أخرجاه معا لم يجز [4] إلا أن يدخلا بينهما محللا [5] إن سبق أخذ العوض [6] وإن سبق لم يغرم.

وقد كانت آلة الحرب وعُدته، فيلحق بها كل ما كان كذلك حسب الزمان والمكان.

وأما غير ما ذكر فلا يجوز أخذ المال عليه، ويجوز التسابق فيه بغير شرط المال، شريطة أن لا يكون فيه إيذاء لإنسان أو تعذيب لحيوان.

(1) انظر حديث ابن عمر رضي الله عنه في الحاشية السابقة.

(2) كمعرفة الغرض وصفته وكيفية الرمي، ونحو ذلك.

(3) المال المشروط في المسابقة.

(4) لأن كلا منهما على خطر أن يغنم أو يغرم، وهذا قمار فلايجوز وجاز من أحدهما لانتفاء صورة المقامرة المذكورة.

ويجوز أن يكون العوض مشروطاً من غيرهما، كأن يشرطه الإمام من بيت المال، أو أحد الرعية من ماله، للسابق منهما، أو لأحد المتسابقين.

(5) أي شخصاً ثالثاً يكافئهما في شروط المسابقة، وسمي محللا لأنه يجعل العقد حلالاً، لانتفاء عورة المقامرة بوجوده على الوجه المذكور.

(6) المشروط منهما إن سبقهما، وإن سبق مع أحدهما أخذ العوض المشروط من الآخر.

كتاب الأيمان والنذور

Kitab al-Aiman wa al-Nudzur (Sumpah dan Nazar)

ولا ينعقد اليمين إلا بالله تعالى أو باسم من أسمائه أو صفة من صفات ذاته [1]

(1) اليمين هي الحَلِفُ، سميت بذلك لأنهم كانوا إذا تحالفوا أخذ كل بيمين صاحبه. ولا تنعقد - أي لا تصح ولا تترتب عليها آثارها المعتبرة شرعاً - إلا إذا كانت بما يدل على ذات الله تعالى، كقوله: والله. أو باسم خاص به، كقوله: والإله، مالك يوم الدين. أو بصفة من صفاته، كقوله: والرحمن، والحي الذي لا يموت، ونحو ذلك. والحلف بغير ما، سبق حرام ومعصية.

والأصل في هذا: ما رواه البخاري (6270) ومسلم (1646) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أدْرَكَ عُمَرَ بنِ الخَطَاب، وهو يسَيرُ في رَكبَ، يَحْلفُ بأبيه، فقال: (ألاَ إن اللهَ ينْهًاكُمْ أنْ تَحْلفُوا بآبائكُمْ، َ مَنْ كانَ حالِفاً فَلْيحْلفْ بالله أوْ لِيَصمُتْ) .

[ركَب: جَمع راكب. ليصمت: ليسكت] .

وروى البخاري (6253) عن ابن عمر رضى الله عنه قال: كَانَتْ يَمِينُ النَّبي صلى الله عليه وسلم: (لاَ وَمُقَلَبِ المْقُلُوبِ) .

وثبت في أكثر من حديث عند البخاريَ (6254، 6255) وغيره: أنه صلى الله عليه وسلم قال في حلفه: (وَالَّذِي نَفْسي بِيَدِهِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَد بيده) .

ويكره الحلف لغًير حاجهَ، قال تعالى: "" وَلاَ تجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً

ومن حلف بصدقة ماله [1] فهو مخير بين الصدقة [2] أو كفارة اليمين [3] ولا شيء في لغو اليمين [4].

لأيْمَانِكمْ أنْ تَبروا وَتَتَّقُوا وَتصلِحُوا بَيْنَ الناسِ "/ البقرة: 224/."

وروى البخاري (1981) ومسلم (1606) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: (الْحَلف مُنَفقةٌ للسلْعَة مُمحقةٌ للبَركة) .

[للسَلعة: ما يباع ويشترى من المتاعَ. ممحقة: مذهبَة. للبركة: الزيادة والنماء] .

(1) كأن قال: لله علي أن أتصدق بمالي إن فعلت كذا، ومثله: أن أصوم يوماً، ونحو ذلك. ويسمى يمين اللجاج والغضب، كما يسمى نذر اللجاج والغضب، لشبهه بالنذر من حيث الالتزا بقربة، وشَبهه باليمين من حيث تأكيد المنع من الفعل أو الترك. وهو إلى النذر أقرب وبه أشبه. وأضيف إلى اللجاج - وهو التمادي في الخصومة - وإلى الغضب: لأنه غالبا يحصل عندهما.

(2) أي التصدق بماله، أو تنفيذ ما التزمه من القُرباتِ.

(3) لما رواه مسلم (1645) عن عقبة بنَ عامر رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كَفَارَةُ النذْرِ كَفارَةُ اليَمِينِ) . قال النووي رحمه الله تعالى: اختلف العلماء في المراد به، فحمله جمهور أصحابنا على نذر اللجاج، هو أن يقول إنسان يريد الامتناع من كلام زيد مثلاً: إن كلمت زيداً - مثلا - فلله علَيَ حجة، أو غيرها، فيكلمه، فهو بالخيار بين كفارة يمين وبين ما التزمه، هذا هو الصحيح في مذهبنا. (شرح مسلم:104/ 11) .

(4) وهو ما يجري على اللسان دون قَصْدِ الحْلِفِ، أو قَصَدَ الحلفَ على شي فسبق لسانُه إلى غيره. فلا كفارة فيه ولا إثم، لقوله تعالى: "لا"

ومن حلف أن لا يفعل شيئا فأمر غيره بفعله لم يحنث [1] ومن حلف على فعل أمرين ففعل أحدهما لم يحنث [2].

وكفارة اليمين [3] هو مخير فيها بين ثلاثة أشياء:

يُؤَاخذكُم اللهُ باللَّغْوِ في أيمانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بمَا كسبت قُلُوبُكُمْ "/ البقرَة: 225/. أي قصدتموه وعزمتم عليه، وكسب القلب هو العزم والنية."

قالت عائشة رضي الله عنها: أنزِلَتْ فيَ قوله: لاَ وَاللهَ، بَلى واللهَ.

البخاري (6286) .

وروى أبو داود (3254) وابن حبان (1187) عن عطاء في اللَّغْوِ في اليمين، قال: قالت عائشة رضي الله عنها: إن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: (هُوَ كَلاَمُ الرجُلِ في بَيْتِهِ، كَلاَ وَالله، وً بَلى وَاللهِ) .

(1) من الحنث وهو عدم الوفاء بموجب اليمين، والحنثَ في الأصل الذنب، وأطلق على ما ذكر لأنه سبب له. ولم يحنث في الصورة المذكورة، لأنه لم يباشر الفعل، والفعل ينسب إلى من باشره، وهو قد حلف على فعل نفسه حقيقة، فلا يحنث بفعل غيره.

(2) وذلك كما لو حلف: لا يلبس هذين الثوبين، أولا يكلم زيداً وعمراً، فلبس أحد الثوبين أو كلم أحد الرجلين، فلا يحنث، لأن يمينه واحدة على مجموع الأمرين.

أما لو قال: والله لا ألبس هذا ولا هذا، أو لا أكلم زيداً ولا عمراً، فيحنث بلبس أحد الثوبين أو تكليم أحد الرجلين، لأن إعادة حرف النفي جعلت كلا منهما مقصوداً باليمين على انفراد.

(3) أي المنعقدة، وهي التي يجري لفظها على لسانه ويقصدها قي قلبه، فإن لم يَبر بها، أي يعمل بموجبها، وجبت عليه الكفارة، لقوله تعالى:

1 - عتق رقبة مؤمنة

2 - أو إطعام عشرة مساكين كل مسكين مدا

3 - أو كسوتهم ثوبا ثوبا فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام [1].

"وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بمَا عقَّدْتُمُ الأيمَانَ" / المائدة: 89/. أي بما قصدتموه من الأيمان وأكدتموه، بدليل قوله تعالى: "وَلكنْ يُؤَاخِذُكُم بمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ" / البقرة: 225/.

وتكون على الماضي وعلى المستقبل، فإن كانت على الماضي وتعمد فيها الكذب فهي اليمين الغموس، وهي من الكبائر، ففيها الإثم بالإضافة إلى وجوب الكفارة، وسميت الغموس لأنها تغمس صاحبها في النار إن لم يتب منها.

روى البخاري (6298) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلمِ قال: (الْكبائِرُ: الإشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقوقُ الوَالِدين، وَقتلُ النّفْسِ والْيَمِينُ الْغَمُوسُ) .

(1) مداً: كيل معروف يساوي مكعباً طول حرفه 2/ 9 سم، ويتسع 600 غراماً تقريباً.

ثوباً: يقع عليه اسم الكسوة مما يعتاد لبسه. لم يجد: أي كان عاجزاً عن كل من العتق والإطعام والكسوة. ولا يشترط التتابع في صوم الأيام الثلاثة.

والأصل في هذا: قوله تعالى: "فَكَفارَتُهُ إطعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ من ْ أوسَط مَا تُطْعِمُونَ أهْلِيكُمْ أوْ كِسْوَتُهمِْ أوْ تَحْرِيرُ رَقَبَة فمن لَمَْ يجد فصِياَمُ ثَلاَثَةِ أيامٍ ذلك كفارةُ أيْماَنِكُمْ إذاً حَلَفْتُمْ" / الماَئدة: 89/.

[أوسط: الوسط المعتاد والمألوف لأمثالكم، بدون إسراف ولا تقتير.

تحرير رقبة: أي تخليص إنسان مملوك من الرق، ذكراً كان أم أنثى.

وقيدت بالإيمان لما جاء في كفارة القتل. (انظر: حاشية 1 ص 202)

إذا حلفتم: أي ولم تبرُّوا بيمينكم] .

"فصل" والنذر يلزم في المجازاة على مباح وطاعة [1] كقوله إن شفى الله مريضي فلله عليَّ أن أصلي أو أصوم أو

(1) أي يصح النذر وترتب عليه آثاره، ويلزم الوفاء به: إن كان بالتزام فعل طاعة مكافأة على حصول أمر مباح، أي محبوب للنفس طبعاً، من إصابة خير أو دفع سوء.

والنذر في اللغة: الوعد بخير أو شر، وشرعاً: الوعد بالخير خاصة.

أو: التزام قربة لم تتعين بأصل الشرع. وهو نوعان: نذر لجاج وغضب كما مر (حاشية 1 ص 251) . ونذر تبرر، أي يُطلَب به البر والتقربُ من الله تعالى، وهو قسمان:

أحدهما: أن يكون معلقاً بأن يلتزم فعل قربة إن حدثت له نعمة أو ذهبت عنه نقمة، وهو نذر المجازاة - أي المكافأة - كما ذكر المصنف ومثل له.

والثاني: أن يكون غير معلق، كأن يقول: لله عَلَيّ صوم أو حج أو غير ذلك فيلزمه أيضاً كفى الأظهر في المذهب.

والأصل في شروعية النذر ولزوم الوفاء به: قوله تعالى، في صفات الأبرار: "يُوفوُنَ بالنذْر ويَخَافُونَ يوماً كَانَ شرهُ مُسْتَطيراً" / الدهر: 7 /.

[يوماً: هو يوم القيامة. شره: هوله وشدته. مستطتراً: ممتداً ومنتشراً] .

وقال تعالى: "ولْيوفوا نُذُورهُمْ" / الحج: 29 /.

وذمه صلى الله عليه وسلم للذين لا يفون بنذرهم، روى البخاري (2508) ومسلم (2535) عن عمران بن حصين رضى الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن بَعدَكُمِ قَوماً يَخوُنون ولاَ يُؤْتَمَنُونَ ويشهدونَ ولا يستشهدون، ويْنْذرون ولا يفونَ، ويَظْهرُ

أتصدق

ويلزمه من ذلك ما يقع عليه الاسم [1].

ولا نذر في معصية كقوله: إن قتلت فلانا فلله عليَّ كذا [2].ولا يلزم النذر على ترك مباح كقوله: لا آكل لحما ولا أشرب لبنا وما أشبه ذلك [3].

فِيهِمُ السمَنُ). أي بسبب كثرة المآكل الخلود إلى الراحة وترك الجهاد.

وقيل: هو كناية عن التفاخر. بمتاع الدنيا.

وروى البخاري (6318) عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَذَرَ أنْ يُطيع اللهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أنْ يَعْصِيَهُ فَلاَ يَعْصِه) .

(1) أي اسم الصَلاة أو الصوم أو الصدقة شَرعاً، وأقله في الصلاة ركعتان، وفي الصوم يوم، وفي الصدقة أقل ما يتمول شرعاً، أي ما يعده الشرع مالاً. وهذا إن أطلق، فإن عين مقداراً أو عدداً لزمه ما عينه.

(2) لقوله صلى الله عليه وسلم: (ومَنْ نَذر أنْ يَعْصِيَه فلاَ يَعْصِهِ) . ولقوله صلى الله عليه وسلم: (لاَ نَذْرَ في مَعْصِيَةِ اللهِ) . مسلم (1641) . أي لا ينعقد ولا يترتب عليه شيء، إلا إن نوى به اليمين فتلزمه كفارة يمين (انظر حاشية 3 ص 251) .

(3) ومثل الترك الفعل، كما لو نذر أن يأكل أو يشرب أو يلبس.

دل على ذلك: ما رواه البخاري، (6326) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخْطُبُ، إذا هو بِرَجل قائم، فسأل عنه فقالوا أبو إسْرَائيلَ، نَذَرَ أنْ يقومَ ولا يقعدَ، ولا يستظل ولا يتكلم، ويصومَ. فقالَ النبي صلى الله عليه وسلم: (مرْهُ فَلْيتَكَلَمْ وَلْيَستَظِل وَلْيَقعُدْ، وَليتِم صَوْمهُ) . وذلك لأن الصوم طاعة، ويلزم الوفاء بها إذا نذرها.

كتاب الأقضية والشهادات [1]

Kitab al-ِAqdhiyah wal al-Syahadat (Pengadilan dan Kesaksian) 

(1) الأقضية: جمع قضاء، وله في اللغة معان عدة منها: الحكم، قال تعالى: "وَقضىَ رَبكَ ألا تَعْبُدُ وا إلا َإياه وْبَالوَالديَن إحْسَاناً" / الإسراء: 23/. أي حكم.

وفي الشرع: فصل الخصومة بين اثنين فأكثر بحكم الله تعالى.

والأصل في مشروعية: آيات، منها: قوله تعالى: "وَإذَا حَكَمْتمْ بَيْنَ النّاسِ أنْ تَحكُمُوا بِالعَدْلِ" / النساء: 58/. وقوله تعالى: "وَأنِ احْكُمْ بيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ الله" / المائدة: 49/.

وأحاديث، منها: ما رواه أبو داود (3582) وغيره، عن علي رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قاضياً، فقلت: يا رسول الله، ترسلني وأنا حديث السن - وعند الحاكم (4/ 93) : تبعثني إلى قوم ذوي أسنان وأنا حدث السن- ولا علم لي بالقضاء؟ فقال: (إن الله سيَهْدي قَلْبَكَ، وَيُثَبتُ لِسَانَكَ) . قال فما زلت قاضاً، أو: ماشككتَ في قضاء بعد.

[حديث السن: شاب. ذوي أسنان: كبار معمرين. لا علم لي: لم تسبق لي خبرة فيه. فما زلت قاضياً: عالماً بالقضاء] .

وسيأتي مزيد من الأدلة في مواضعها من أحكام الكتاب.

والشهادات: جمع شهادة، من المشاهدة، وهي الاطلاع على الشيء عياناً، فهي إخبار عما شوهد أو علم بلفظ خاص. وهي في الشرع: إخبار لإثبات حق لغيره على غيره بلفظ خاص.

والأصل في مشروعيتها:

ولا يجوز أن يلي القضاء [1] إلا من استكملت فيه خمس عشرة خصلة:

1 - الإسلام [2]

2 - والبلوغ

3 - والعقل

4 - والحرية [3]

5 - والذكورية [4]

6 - والعدالة [5]

7 - ومعرفة أحكام الكتاب والسنة [6]

8 - ومعرفة الإجماع [7] ومعرفةُ

آيات، منها: قوله تعالى: "كُونُوا قَوَّامينَ لله شُهدَاءَ بالْقِسْطِ" / المائدة: 8/. وقوله تعالى: "ولاَ تكتُمُوا الشًهادةَ" / البقرةَ: 283/.

وأحاديث سيأتي بعض منها في مواضع من الأحكام.

(1) أي لا تصح توليته، وليس للسلطان أن يوليه، كما أنه يأثم بقبوله.

(2) فلا يصح تولية الكافر القضاء فيَ دار الإسلام ولو ليقضي بين الكفار، لقوله تعالى: "ولَنْ يجْعَلَ الله للكَافِرِينَ عَلى المُؤْمنين سَبِيلاً" ، / النساء: 141/. ولا سبيل أعظم من أن يكون قاضياً على المسلمَين أو في ديارهم.

(3) لنقص من فقدت فيه إحدى هذه الصفات.

(4) لقوله صلى الله عليه وسلم: (لنْ يُفْلِحَ قَوْمُ وَلوْا أمرَهُمُ امْرَأة) .رواه البخاري (4163) عن أبي بكَرة رضي الله عنه.

(5) لأنه لا يوثق بقول من ليس بعدل ولا يؤمن الجَوْرُ في حكمه.

وسيأتي بيان العدالة في فصل الشهادة.

(6) الأحكام الثابتة بهما، والمحكم منها والمنسوخ، وأن يعرف ما يتعلق بهما من الأحكام العامة التي بواسطتها يستطيع استنباط الأحكام الفرعية، كما يستطيع أن يرجح بين الأدلة عند تغارضها.

(7) أي الأحكام المجمع عليها، حتى لا يخالفها في قضائه. والإجماع في اصطلاح الفقهاء والأصوليين: هو اتفاق جيع مجتهدي الأمة في عصر من العصور، على حكم شرعى، في حادثة لم ينص على حكمها في كتاب أو سنة.

فإذا حصل هذا الإجماع صار الحكم المجمع عليه شرعاً لازماً ولم يجز

9 - الاختلاف [1]

10 - ومعرفة طرق الاجتهاد [2]

11 - ومعرفة طرف من لسان العرب [3]

12 - ومعرفة تفسير كتاب الله تعالى [4]

لأحد من المسلمين مخالفته، وليس للمجتهدين، ولو في عصر آخر، أن يجعلوا الحادثة - التي سبق إجماع على حكم لها - موضع نظر واجتهاد.

(1) الواقع بين الصحابة رضي الله عنهم، ومن بعدهم من التابعين والأئمة المجتهدين، في المسألة التي يقضي فيها، ليكون على بصيرة فيما يجتهد فيه ويحكم به.

(2) أي الطرق المؤدية إلى استنباط الأحكام من أدلتها، وكيفية الاستدلال بتلك الأدلة على الأحكام.

(3) أي أن يكون على شيء من المعرفة باللغة العربية، واشتقاق ألفاظها وتصريفها، ووجوه الإعراب، لأنها لغة الشرع من كتاب أو سنة.

(4) والأصل في هذه الشروط الستة السابقة: ما رواه أبو داود (3573) وغيره، عن بريدة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (القُضَاة ثَلاَثة: واحِدٌ في الْجَنَّة واثْنَان في النارِ، فَأمَّا الَّذي في الْجَنَةِ: فَرجل. عَرَفَ الْحَق فًقَضى بهَ، ورجلٌ عرف الحَق فَجَارَ في الْحُكمِ فهو في النار، ورَجل قَضَى للناس على جَهلٍ فهو في النّارِ) . [على جهل: أي ليس لديه معرفة بما يوصله إلى القضاء بالحق الذي يرضي الله عز وجل] قال في الإقناع (2/ 277) : والقاضي الذي ينفذ حكمه هو الأول، والثاني والثالث لا اعتبار بحكمهما.

وما رواه البخاري (6919) ومسلم (1716) عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذَا حَكمَ الحاكم فاجْتَهَد ثم أصابَ فله أجْرَانِ، وإذا حَكَمَ فَاجتهدَ ثم أخْطَأَ فله أَجْر).

[اجتهد: بذل وسعه للتعرف على القضية ومعرفة الحق فيها. أصاب: الحق والواقع في حكمه. أخطأ: الحق وواقع الأمر في قضائه]

13 - وأن يكون سميعا

14 - وأن يكون بصيرا

15 - وأن يكون كاتبا

16 - وأن يكون مستيقظا [1]

ويستحب أن يجلس في وسط البلد في موضع بارز للناس [2] ولا حاجب له [3] ولا يقعد للقضاء

فقد دل على أن القاضي الذي يحكم بين الناس ويمضي حكمه هو الذي لديه أهلية الاجتهاد، ولا تتوفو أهلية الاجتهاد إلا بتحقق هذه الشروط.

قال النووي رحمه الله تعالى في شرح مسلم (12/ 13) : قال العلماء: أجمع المسلمون على أن هذا الحديث في حاكم عالم أهل للحكم، فإن أصاب فله أجران: أجر باجتهاده وأجر بإصابته، وإن أخطأ فله أجر باجتهاده ...

فأما من ليس بأهل للحكم فلا يحل له الحكم، فإن حكم فلا أجر له بل هو آثم ولا ينفذ حكمه، سواء وافق الحق أم لا، لأن إصابته اتفاقية - أي عن غير قصد - ليست صادرة عن أصل شرعي، فهو عاص في جميع أحكامه، سواء وافق الصواب أم لا، وهي مردودة كلها، ولا يعذر في شيء من ذلك، وقد جاء في السنن: القضاة ثلاثة ... ثم ساق حديث أبي داود السابق.

(1) غير مغفل بحيث لا يخدع، هذا شرط إن كان فيه اختلال رأي ونظر، وإلا فهو مستحب. واشترط السمع ليميز بين الإقرار والإنكار. والبصر: ليميز بين الخصوم والشهود، ويعرف الطالب من المطلوب، لأن الأعمى لا يميز إلا بالصوت والصوت قد يشتبه.

والأصح أن الكتابة ليست بشرط، إلا إذا لم يوجد لديه كاتب يثق به.

(2) أي يمكن التعرف عليه بسهولة، للمستوطن والغريب.

(3) أي بواباً ونحوه، يحجب الناس عنه في وقت جلوسه للحكم ويمنعهم من الدخول إليه. لما رواه أبو داود (2948) والترمذي (1332) وغيرهما، عن أبي مريمَ الأزدي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (مَنْ وَلاَه الله عَزّ وَجَل شيْئاً منِْ أمرِ المُسلِمِينَ،

في المسجد [1].

ويسوي بين الخصمين في ثلاثة أشياء:

1 - في المجلس

2 - واللفظ

3 - واللحظ [2].

ولا يجوز أن يقبل الهدية من أهل عمله [3].

فَاحْتجَبَ دونَ حاجَتِهمْ وخَلَّتهِم وَفَقْرِهم، احتجبَ الله عنه دونَ حاجَته وخلَّته وفَقرِه). [الخلة: الحاجة وما في معناها]

وهذا إذَاَ لم تكنَ هَناك زحمَة تستْدعي وضع حاجب أمْنتظم الأمور.

(1) صوناً له عن الصياح واللغط والخصومات، على أنه قد يحتاج أن يحضر إلى مجلس القضاء من ليس لهم أن يمكثوا فيَ المسجد كالحُيَّض، ومن لا يليق دخولهم بالمسجد كالصغار والمجانين والكفار.

(2) أي النظر، فلا ينظر إلى أحد الخصمين ويقبل عليه أكثر من الآخر، كما أنه لا يخصه بكلام أو سلا م دون خصمه. وكذلك سائر أنواع الإكرام.

والأصل في هذا: ما رواه الدارقطني (4/ 205) عن أم سلمة، رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من ابْتُلِيَ بالقضاء ين الناس فليعدل بينهم: في لحظه وإشارته ومقعده ولا يرفعن صوته على أحد الخصمين ما لا يرفع على الآخر) .

(3) أي الذين يرجعون إليه في حل خصوماتهم والفصل في منازعاتهم.

والأصل في هذا: ما رواه البخاري (6260) ومسلم (1832) عن أبي حُميد الساعدي رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: استَعْل عاملا، فجاءه العامل حين فرغ من عمله، فقال: يا رسولَ الله هذا لكم وهذا أهْديَ لي. فقال له: (أفَلاَ قعَدتَ في بيت أبيكَ وأمِّك فنظرتَ: أيهدَى لك أم لا) ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم عَشِيَّة بعد الصلاة، فتشهدْ وأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: (أما بعد، فما

ويجتنب القضاء في عشرة مواضع:

1 - عند الغضب

بال العامل نستعملُه، فيأتينا فيقول: هذا من عملكم، وهذا أهدي لي، أفلا قَعَد في بيت أبيه وأمَه فنظر: هَلْ يُهدى له أم لا؟ فوالذي نفسى مُحَمَّد بيده، لا يَغُل أحدُكم منها شيئاً إلاّ جاء به يوم القيامة يحملُه على عُنُقًهِ: إنْ كان بعيراً جاء به له رغاءٌ، وإن كانت بقرةً جَاء بها لها خُوَار، وإن كانت شاة جاء بها تَيْعَرُ. فقد بَلَغْتُ). ثم رفع رسول

الله صلى الله عليه وسلم يدَه حتى إنَّا لننظُرُ إلى عفرَةِ إبطَيْهِ. وفي رواية عنه عند أحمد (5/ 424) : (هَدَايَا الْعمال غُلُولُ) .

[استعمل: وظفه على جمع الزكاة. من عملكم: َ الذي كلفتموني به.

لا يغل: من الغلول، وهو في الأصل: الأخذ من الغنيمة قبل قسمتها، وسميت هديه العامل غلولا بجامع أن كلا منهما فيه خيانة وإخلال بالأمانة، لأن الهدية غالباً ما تحمل العامل على ذلك، ولذلك فهي حرام كالغلول.

رغاء: صوت الإبل. خوار: صوت البقر. تيعر: من اليُعار وهو صوت الغم والمعز. عفرة إبطيه: باطنهما، من شدة رفعه ليدبه. والعفرة في الأصل بياض يخالطه لون كلون التراب، وكذلك لون باطن الإبط] .

وهذا إذا كانت ممن له عنده خصومة، أي قضية ينظر فيها، أو ممن لم تسبق له عادة في إهدائه قبل توليه القضاء. فإن كانت ممن له عادة في إهدائه، وليس له خصومة عنده، جاز له قبولها إن لم يزد فيها عن المعتاد كما أو كيفاً، فإن زاد فيها نظر: فإن كانت الزيادة لها أثر ظاهر لم تقبل، وإلاّ قبلت.

ومما ينبغي الانتباه إليه: هو أن الكلام في الهدية إذا لم يكن هناك قصد ظاهر، فإن كانت بقصد أن يحكم بغير الحق أو ليمتنع من الحكم بالحق، فهي رشوة، وهي من الكبائر، ويأثم القاضي بقبولها، كما يأثم الباذل لها والساعي في شأنها.

روى الترمذي (1336) وغيره، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:

2 - والجوع

3 - والعطش

4 - وشدة الشهوة [1]

5 - والحزن

6 - والفرح المفرط

7 - وعند المرض

8 - ومدافعة الأخبثين [2]

9 - وعند النعاس

10 - وشدة الحر والبرد [3]

ولا يسأل المدعي عليه إلا بعد كمال الدعوى [4]

لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرَّاشي والمُرْتَشي في الحكمِ. وعند أحمد (5/ 279) عن ثوبان رضى الله عنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: الرَّاشي والمُرْتَشي والرَائِش، يعني الذي يمشي بينهما.

ومثل الهدية في كل ما سبق حضور الولائم والزيارات والضيافة ونحوها.

إلا إذا كانت وليمة عامة، كوليمة العرس والختان، وقد عمم صاحبها الدعوة إليها وليس له عنده خصومة، فله أن يخضرها، شريطة أن لا يشغله ذلك عن أعمال القضاء.

(1) أي التوقان إلى الجماع.

(2) البول والغائط.

(3) وغير ذلك من الأحوال التي تورث اضطرابا في النفس وسوءاً في الخلق وخللاً في الفكر.

والأصل فيَ هذا: ما رواه البخاري (6739) ومسلم (1717) عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لاَ بقْضِيَن حَكَمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ) . وعند ابن ماجه (2316) (لاَ يَقْضي الْقَاضى ... ) وفي رواية: (لاَ يَنبَغي لِلْحاكِمِ أنْ يقْضيَ ... ) .

وألحق بالغضب ما ذكر، لأنه في معناه من حيث تغير النفس، وخروجها عن الطبيعة التي تؤهلها للنظر والفكر والاجتهاد لمعرفة الحكم.

والنهي في هذا للكراهة، ولو قضىَ في حال منها نفذ حكمه.

(4) أي بعد فراغ المدعي من بيان دعواه.

ولا يحلفه إلا بعد سؤال المدعي [1] ولا يلقن خصما حجة ولا يفهمه كلاما [2] ولا يتعنت بالشهداء [3]

ولا يقبل الشهادة إلا ممن ثبتت عدالته [4] ولا يقبل شهادة عدو على عدوه ولا شهادة والد لولده

ولا ولد لوالده [5]

(1) أي بعد أن يطلب المدعي من القاضي أن يُحَلَف المدعى عليه، لأن استيفاء اليمين من المدعى عليه حق للمدعي، فيتوقف على إذنه وطلبه.

(2) يعرف به كيفية الدعوى أو الجواب، أو كيف يقر أو ينكر، لما في ذلك من إظهار الميل له والإضرار بخصمه، وهذا حرام.

(3) أي لا يَشُقُّ عليهم ويؤذيهم بالقول ونحوه، كأن يهزأ بهم، أو يعارضهم في أقوالهم، أو يشدد عليهم في التعرف على كيفية تحملهم للشهادة، وظاهر حالهم الصدق وكمال العقل، لأن مثل ذلك ينفر من الشهادة وتحملها أو أدائها، والناس في حاجة إليها. قال تعالى: "ولا يضارَ كاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإن تَفْعَلُوا فَإنَّه فسوقٌ بِكمْ" / البقرة: 282/.

(4) وتثبت العدالة بمعرفة القاضي للشاهد، أوبتزكية عدلين له عنده.

وسيأتي بيان العدالة ودليلها بعد فصلين.

(5) لتهمة التحامل على العدو، والمحاباة للوالد أو الولد. والأصل في رد الشهادة للتهمة، فيما ذكر وغيره: ما رواه أبو داود (3601) وغيره، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ خَائِن ولا خائنة، ولا زان ولا زانية، ولا ذِي غِمْر عَلى أخِيهِ) .

وفي رواية عند الترمذي (2299) : (ولا ظَنين في وَلاء ولا قرابة) .

[الغمر: الحقد والغل والشحناء. الظنين: المتهم]

ولا يقبل كتاب قاض إلى قاض آخر في الأحكام إلا بعد شهادة شاهدين يشهدان بما فيه [1].

"فصل" ويفتقر القاسم [2] إلى سبعة شرائط:

1 - الإسلام

2 - والبلوغ

3 - والعقل

4 - والحرية

5 - والذكورة

6 - والعدالة

7 - والحساب [3]

فإن تراضى الشريكان بمن يقسم بينهما لم يفتقر إلى ذلك [4]

وإذا كان في القسمة تقويم لم يقتصر فيه على أقل من

(1) أي إذا حكم قاض على غائب، وكتب إلى القاضى الذي في بلده بما حكم به لينفذه عليه، اشترط أن يشهد على الكتابة شاهدين، يشهدان أمام القاضي المكتوب إليه بمضمون الكتاب.

(2) هو الذي ينصبه القاضي ليقسم الأشياء المشتركة بين الناس، ويميز نصيب كل شريك من نصيب غيره.

والأصل في مشروعية القسمة قوله تعالى في الميراث: "وَإذَا حَضَرَ الْقِسمةَ أولُوا الْقُربَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُم قَوْلاَ مَعْرُوفاً" / النساء: 8/.

وقوله صلى الله عليه وسلم: (الشفْعَةُ فِيمَا لَمْ يقْسمَْ) .

(انظر حاشية 3 ص 139).

وثبت أنّه صلى الله عليه وسلم قَسًم الغنيمةَ بين الغانمينَ. (انظر: ص 227 حا 5، ص 228 حا 1) .

(3) أما الشروط الستة الأولى: فلأن القاسم له ولاية كل من يقسم لهم، لأن قسمته ملزمة، ومن لم تتوفر فيه هذه الشروط فليس من أهل الولاية.

وأما معرفة الحساب، وكذلك المساحة وما يحتاج إليه حسب المقسوم، فلأن ذلك آلة القسمة، كما أن معرفة أحكام الشرع آلة القضاء.

(4) أي إلى جميع هذه الشروط، وإنما يكتفى بكونه مكلفاً، أي بالغاً

اثنين [1].

وإذا دعا أحد الشريكين شريكه إلى قسمة ما لا ضرر فيه [2] لزم الآخر إجابته [3].

"فصل" وإذا كان مع المدعي بينة سمعها الحاكم وحكم له بها وإن لم تكن له بينة فالقول قول المدعي عليه بيمينه [4] فإن نكل عن اليمين ردت على المدعي

عاقلا، لأنه لا ولاية له في هذه الحالة، وإنما هو وكيل عنهما.

(1) لأن التقويم تقدير قيمة الشيء المقسوم، فهو شهادة بالقيمة، فيشترط فيه العدد.

(2) أي في قسمته، كدار كبيرة، وثياب متعددة، ونحو ذلك.

(3) أي موافقته على القسمة، إذ قد يكون في استمرار الشركة ضرر عليه. أما لو كانت في القسمة ضرر، فإنه لا تلزمه إجابته.

والأصل في هذا: قوله صلى الله عليه وسلم: (لا ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ) .

ابن ماجه (2340،2341) ومالك في الموطأ (2/ 745، 805) .

(4) البينة: أي شهود يشهدون على مدعاه. فالقول: الذي يُسْمعَ ويُقْبَل.

والأصل في هذا أحاديث، منها: ما رواه البخاري (4277) ومسلم (1711) واللفظ له، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أِن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَوْ يُعْطَى الناس بدَعوَاهُم، لادعى ناس دماءَ رجال وأموالهم، ولَكنْ اليَمينُ على الَمُدَعَى عَلَيه) .

وروى مسلَمِ (138) عن الأشْعثِ بنِ قَيْس رضي الله عنه قال: كان بيني وبينَ رجُل أرضٌ باليمنِ، فخاصمتُهُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (هَل لَكَ بينة) فقلت: لا. قال: (فَيَمينُه) . وفي رواية (شَاهِداكَ أو يمينُه) .

فيحلف ويستحق [1]

وإذا تداعيا شيئا في يد أحدهما: فالقول قول صاحب اليد بيمينه [2] وإن كان في أيديهما تحالفا وجعل بينهما [3]

ومن حلف على فعل نفسه حلف على البت والقطع [4]

ومن حلف على فعل غيره فإن كان إثباتا حلف على البت والقطع [5] وإن كان نفيا حلف على نفى العلم [6].

(1) ما ادعاه، لما رواه الحاكم (4/ 100) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم رَد اليَمنَ على طَالِبِ الحَق.

قال: هذا حديث صحيح الإسناد.

وطالب الحق هو المدعي. ونكل: امتنع.

(2) عملا بالأصل واستصحاب الحال، فإن وجوده بيده يرجح أنه ملكه، حيث لا بينة تخالفه، لأن الأصل أن لا يدخل في يده إلا بسبب مشروع.

(3) تحالفا: أي حلف كل منهما على نفي أن يكون ملكاً للآخر.

روى أبو داود (3613) وغيره، عن أبي موسى الأشْعريَ رضي الله عنه: أنَ رجلين ادعَيَا بعيراً أو دَابَّة، إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ليست لواحد منهما بَيِّنَةٌ، فجعله النبي صلى الله عليه وسلم بَينَهُما.

قال الحاكمَ (4/ 95) : هذا حديث صحيح.

(4) البت: هو الجزم والقطع، لأنه عالم بنفسه ومحيط بحاله.

(5) لسهولة الاطلاع على المثبت والعلم به، كما لو ادعى أن لمورثه عل فلان كذا، فأنكر المدعى عليه ونكل عن اليمين، وحلف المدعي.

(6) أي إن كان ينفي فعلا عن غيره فلا يحلف على الجزم، لأنه لا سبيل له إلى القطع في نفي فعل غيره- بل يقول: والله لا أعلم أن فلاناً فعل كذا.

"فصل" ولا تقبل الشهادة إلا ممن اجتمعت فيه خمس خصال:

1 - الإسلام

2 - والبلوغ

3 - والعقل

4 - والحرية

5 - والعدالة [1]

وللعدالة خمس شرائط:

1 - أن يكون مجتنبا للكبائر

2 - غير مصر على القليل من الصغائر

3 - سليم السريرة

4 - مأمون الغضب

5 - محافظا على مروءة مثله [2].

(1) أما الإسلام: فلقوله تعالى: "وَاسْتَشْهِدُ وا شَهِيدين مِنْ رِجَالِكُمْ" / البقرة 282/. والكافر ليس من رجالنا. ولقوله تعالى: "وَأشْهِدُ وا ذَوَيْ عَدل مِنكُمْ" / الطلاق: 2/. والكافر ليس بعدل، كما أنه ليس منا.

وأيضا الشهادة ولاية، ولا ولاية للكافر، كما علمت (انظرص 257 حا 2) وأما البلوغ والعقل والحرية: فلأن الصبي والمجنون والعبد لا ولاية لهم على أنفسهم فلا ولاية لهم على غيرهم من باب أولى، فلا تقبل شهادتهم.

لأن الشهادة ولاية كما علمت.

وأما العدالة: فلقوله تعالى: "وَأشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْل منْكُمْ" فهي صريحة في اشتراط أن يكون الشاهد عدلاً.

ولقوله تعالى: "ممنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشهَدَاءِ" / البقرة: 282/.

وغير العدل ممن لا يرضى.

(2) الكبائر: جمع كبيرة، وهي كل ما ورد فيه وعيد شديد في كتاب أو سنة، ودل ارتكابه على تهاون في الدين، كشرب الخمر والتعامل بالربا وقذف المؤمنات بالزنا، قال تعالى في شأن القاذفين: "وَلا تَقْبَلُوا لَهمْ شَهَادَة أبَداً وَأولئكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ" / النور: 4/.

والصغائر: جمع صغيرة، هى ما لم ينطبق عليه تعريف الكبيرة، كالنظر المحرم وهجر المسلم فوقَ ثلاث، ونحو ذلك.

سليم السريرة: أي العقيدة، فلا تقبل شهادة من يعتقد جواز سب الصحابة رضي الله عنهم.

"فصل" والحقوق ضربان:

1 - حقوق الله تعالى

2 - وحقوق الآدميين:

فأما حقوق الآدميين فهي على ثلاثة أضرب:

1 - ضرب لا يقبل فيه إلا شاهدان ذكران، وهو: ما لا يقصد منه المال ويطلع عليه الرجال [1]

2 - وضرب يقبل فيه شاهدان أو رجل وامرأتان أو شاهد ويمين المدعي وهو ما كان القصد منه المال [2].

مأموناً: أي من أن يتجاوز الحد في تصرفه، ويقع في الباطل والزور.

مروءة مثله: أي متخلقاً بأخلاق أمثاله من أبناء عصره، ممن يراعون آداب الشرع ومناهجه، في الزمان والمكان. ويرجع في هذا غالباً إلى العرف.

(1) كالزواج والطلاق والوصية ونحو ذلك: لقوله تعالى في الوصية: "يَا أيهَا الذين آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنكُمْ إذا حَضَرَ أحَدَكُمْ المَوْتُ حِينَ الوَصِيةِ اثنَانِ ذَوا عَدْل منْكُمَْ" ، / المائدة: 106/.

وقوله تعالى في الطلاق: "مأمسِكُوهُن بمعرُوفٍ أوْ فَارِقُوهُن بمَعْروفٍ وأشْهِدُوا ذَوَيْ عَدل مِنْكُمْ" / الطلاق: 2/ مثنى ذو، وهو بمعنى صاحب.

وقرله صلى الله عليه وسلم في الزواج: (لاَ نِكَاحَ إلا بِوَليٍ مُرْشِد وَشَاهدَيْ عَدل) . انظر حاشية 2 ص 161.

ففَي النصوصً الثلاثة ورد الشهود بلفظ التذكير، وقيس ما لم يذكر من الحقوق على ما ذكر.

(2) كالبيع والإجارة والرهن ونحو ذلك. والأصل في هذا: قوله تعالى: "وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَين مِنْ رِجَالِكُمْ فَإنْ لَمْ يكُونا"

رَجُلَيْن فَرَجُلٌ وَامْرأتَان مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشهدَاءِ أنْ تَضِل إحْدَاهمَا فَتُذكرَ إحدَاهمَا الأخْرَى "/ البقرة: 282/. تضل: تنسى."

وروى مسلم (1712) عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسولَ الله

3 - وضرب يقبل فيه رجل وامرأتان أو أربع نسوة وهو ما لا يطلع عليه الرجال [1].

وأما حقوق الله تعالى فلا تقبل فيها النساء [2] وهي على ثلاثة أضرب:

1 - ضرب لا يقبل فيه أقل من أربعة وهو الزنا [3].

صلى الله عليه وسلم قضىَ بِيَمِينٍ وَشَاهد. وفي مسند الشافعي: قال عمرو أي ابن دينار راويه عن ابن عباس - في الأموال. (الأم: 6/ 156 هامش) أي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد في الأموال.

(1) غالباً، من عيوب النساء، وكذلك الرضاع والولادة ونحوها.

لما رواه ابن أبى شيبة، عن الزهري رحمه الله تعالى قال: مضت السنةُ بأنه يجوز شهادةُ النَساء فيما لا يَطلِعُ عليه غيرُهن، من وِلاَدَةِ النساء وعيوبهن. (الإقناَع: 2972) ومثل هذا القول من التابعي حجة، لأنه في حكَم الحديث المرفوع، إذ لا يقال سن قبيل الرأي والاجتهاد.

وقيس على ما ذكر غيره. مما يشاركه في معناه وضابطه.

واشترط العدد، لأن الشارع جعل شهادة المرأتين بشهادة رجل واحد.

وإذا قبلت شهادة النساء منفردات في شؤونهن، فقبولها مع اشتراك رجل وامرأتين أولى، لأن الأصل في الشهادة الرجال، وكذلك إذا انفرد الرجال بالشهادة.

(2) لأن شهادتها فيها شبهة، وهذه الحقوق يؤخذ فيها بالاحتياط، وكذلك قبول شهادتها منفرة فيما مر للستر. وروى مالك عن الزهري قال: مضت السنة بأنه لا يجوز شهادة النساء في الحدود. (الإقناع: 2/ 296) .

(3) دل على ذلك آيات، منها: قوله تعالى: "وَالَذينَ يَرْمُونَ المَحْصَنَاتِ ثم لَمْ يَأتُوا بِأرْبَعَة شهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ" / النور 4/.

فقد رتب وجوب الجلد على عدم اَلإتيان بأربعة شهداء، فدل على أن الزنا لا يثبت إلا بهم.

2 - وضرب يقبل فيه اثنان وهو ما سوى الزنا من الحدود [1]

3 - وضرب يقبل فيه واحد وهو هلال رمضان [2].

وقال تعالى: "وَاللاَتي يَأتِين الْفَاحشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاشتَشْهِدُوا عَليهِن أرْبَعَة مِنْكُم" / النساء: 15/.

وقال في حادثة الإفك - أي افتراء الفاحشة على عائشة رضي الله عنها - "لَوْلاَ جَاؤوا عَليْهِ بأرْبَعَة شهَدَاءَ فَإذَ لَمْ يَأتُوا بِالشداءِ فَأولَئِكَ عنْدَ الله هُمَُ الْكَاذَبونَ" / النور: 13/.

فهذه لآيات كلهَا تدك على أن نصاب الشهادة في الزنا أربعة من الذكور.

وبين هذا حديث مسلم (1498) أن سعد بن عبادة رضي الله عنه قال: يا رسولَ الله، لو وجدت مع أهلي رجلاً، لم أمسَهُ حتَّى آتيَ بأرْبَعَةِ شهَدَاءَ؟ قال رسولُ الله: (نَعَمْ) قال: كَلا والَّذي بعثَك بالحَق، إنْ كنتُ لأعاجلُه بالسَّيفِ قبل ذلك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اسْمَعوا إلى ما يَقولُ سَيَدُكُمْ، إنه لَغيُورٌ، وَأنَا أغْيَرُ مِنْه، واللهُ أغْيَرُ مِنَي) . وقال ذلك عندما نزل: "والذين يرمون ..." ثم نزلت آيات اللعان فُسْحَة للأزواج. (انظر حاشية 3،2 ص 177) .

(1) كحد القذف والشرب (انظر حا 2 ص 208، حا 2 ص 210) ومثله القصاص لعموم نصوص الشهادة، مثل قوله تعالى: "واستشهدوا شهيدين من رجالكم" وقوله: "وأشهدوا ذوي عدل منكم" وقوله صلى الله عليه وسلم (شاهداك أو يمينه) . مع قول الزهري: مضت السنة بأنه لا يجوز شهادة النساء في الحدود.

(2) لما رواه أبو داود (2342) وغيره، عن ابن عُمَرَ رضي الله عنهما قال: تَرَاءى النَّاسُ الهِلاَلَ، فأخرتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أنَي رأيته، فصامَهُ وأمر النَّاسَ بصيامه.

والحكمة في قبول شاهد واحد في هذا اَلاَحتياط في أمر الصوم، إذ الخطأ في فعل العبادة أقل مفسدة ميت الخطأ في تركها، ولذا لا يقبل في هلال شوال بأقل من شاهدين.

ولا تقبل شهادة الأعمى إلا في خمسة مواضع:

1 - الموت

2 - والنسب

3 - والملك المطلق [1]

4 - والترجمة [2]

5 - وما شهد به قبل العمى [3]

6 - وما شهد به على المضبوط [4]

ولا تقبل شهادة جار لنفسه نفعا ولا دافع عنها ضررا [5].

(1) أي كأن يدعي شخص ملك شيء ولا منازع له فيه، فيشهد الأعمى: أنَّ هذا الشيء مملوك، دون أن ينسبه لمالك معين. وقبلت شهادته في هذه الأمور لأنها مما يثبت بتسامع الناس لها، أي تناقلها بينهم، واستفاضتها فيهم، ولا تفتقر إلى مشاهدة وسماع خاص، لأنها تدوم مدة طويلة، يعسر فيها إقامة البينة على ابتدائها لذهاب من حضرها فيَ غالب الأحيان.

(2) أي بيان كلام الخصوم والشهود وتوضيحها، لأن ذلك يعتمد على اللفظ لا على الرؤية.

(3) أي تحمل فيه الشهادة قبل العمى، إن كان المشهود له وعليه معروفي الاسم والنسب.

(4) أي الممسوك، وذلك كأن يقول أحد في أذن الأعمى قولاً، من إقرار أو طلاق ونحوه، فيمسكه ويذهب به إلى القاضى، ويشهد عليه بما قاله في أذنه.

(5) مثال الأول: أن يشهد الوارث أن مورثه مات قبل أن يندمل الجرح، فيأخذ الدية. ومثال الثاني: أن تشهد العاقلة في قتل الخطأ بفسق شهود القتل، حتى لا تتحمل الديهّ. والأصل في رد هذه الشهادة التهمة.

كتاب العتق [1]

Kitab al-Itqi (Memerdekakan Budak)

ويصح العتق من كل مالك جائز التصرف في ملكه [2]

(1) وهو إزالة الملك عن الاَدمي، وتخليصه من الرق، تقرباً إلى الله تعالى. وقد جاء في الحث عليه والندب إليه نصوص كثيرة من الكتاب والسنة: أما الكتاب: فمثل قوله تعالى: "فَلاَ اقتحَمَ الْعَقَبةَ. وَمَا أدْرَاك مَا الْعَقَبَةُ. فَك رَقَبَة" / البلد: 11 - 13/.

ومنها: آيات الكفارات، كالقتل والظهار واليمين، كما مر معك.

وأما الأحاديث: فمنها: ما رواه البخاري (2381) ومسلم (1509) عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أيمَا رجُل أعتقَ امْرَأ مُسْلِماً، اسْتَنْقَذَ اللهُ بِكُل عُضْوٍ مِنهُ عُضْواً منْهُ مِنَ النارِ) .

[رجل: مسلم، ذكراً كان أم أنثى. استنقذ: خلص ونجى، وتخليص العضو تخليص لكامل الجسد، لأنه إذا استحق عضو النار بمباشرته المعصية، كانت العقوبة لكامل الجسد] .

وعند أبي داود (3966) وغيره، عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (منْ أعْتَقَ رَقَبَة مؤْمنَة كَانَتْ فداءَهُ منَ النارِ) . والرقبة تشمل الذكر والأنثى.

وَكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر به عند النوازل.

روى البخارى (2383) عن أسماءَ بنت أبى بكر رضي الله عنهما قالت: أمَر النبي صلى الله عليه وسلم بِالْعَتاقَةِ في كُسُوفِ الشمْس.

(2) أي مطلق التصرف فيما يملك، وهو: كل بالغ عاقل غير محجور

ويقع بصريح العتق والكنابة [1] مع النية

وإذا أعتق بعض عبد عتق عليه جميعه وإن أعتق شركا له في عبد وهو موسر سرى العتق إلى باقية وكان عليه قيمة نصيب شريكه [2].

عليه لسفه أو فلس. لأن العتق تبرع، ولا يصح التبرع إلا ممن كان على هذا الوصف.

(1) وهي هنا: كل لفظ يتضمن زوال المِلك أو ينبىء عن الفرقة، كقوله: لا سلطان لي عليك، أنت سائبة، لا خدمة لي عليكم، ونحو ذلك.

(2) شركاً: نصيباً مشتركاً. موسر: غني يملك قيمة باقيَ العبد. سرى: تعدى وجاوز. فإن لم يكن المعتق موسراً عتق نصيبه، وتُرِك العبد ليعمل ويكسب قيمة باقيه، ويدفعها إلى الشركاء، فيصبح حراً بالكلية.

والأصل في هذا:

ما رواه البخاري (2386) ومسلم (1501) وغيرهما، عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ أعتقَ شِرْكاً له في عَبد، فكانَ له مَال يبلغٌ ثمَنَ العبد، قُومَ الْعَبْد قيمةَ عدل، فَأعطىَ شركاءَه حِصَصَهُمْ وَعَتَقَ عَليْه، وإلا فقد عتق منه ما عتق) .

[قيمة عدل: أي لا زيادة فيها ولا نقص. حصصهم: قيمة حصصهم.

ما عتق: أي نصيبه الذيَ أعتقه] .

وروى البخاري (2360) ومسلم (1503) وغيرهما، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (منْ أعْتَقَ شَقِيصاً منْ ممْلوُكِه فعليه خَلاَصُهُ في ماله، فَإنْ لم يكنْ له مالٌ قُوِّمَ المَمْلُوكُ قيمةً عَدْلٍَ، ثم استُسْعِيً غَيرَ مشقوق عليه) .

[شقيصاً: نصيباً. خلاصه: أداء قيمة باقية ليتخلصً منَ الرق نهائياً.

ومن ملك واحدا من والده أو مولوده عتق عليه [1].

"فصل" والولاء من حقوق العتق [2] وحكمه حكم التعصيب عند عدمه [3] وينتقل الولاء عن المعتق إلى

استسعي: ألزم العبد أن يكتسب قيمة باقيه. غير مشقوق عليه: أي لا يشدد عليه في ذلك إذا عجز عن الاكتساب، بل يبقى باقيه مملوكاً].

وإذا كان عتق الجزء يسري إلى الكل في المشترك ث فَلأنْ يسري إليه إذا كان يملك جميعَه من باب أولى.

(1) أي من ملك أحد أصوله مهما علوا كجد وجدة، أو فروعه مهما نزلوا كابن ابن وبنته، أصبح حراً تملكه له. والأصل في هذا: ما رواه مسلم (1510) وغيره، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لاَ يَجزي وَلَدُ وَالداً، إلا أنْ يَجدَهُ مَمْلُوكاً فَيشْتَرِيَهُ فَيَعْتِقَهُ) . أي فيكون شَراؤه له سبباً لعتقَه، فيعتق بنفس الشراء: لا يحتاج إلى لفظ جديد.

وقيس على الشراء غيره من أسباب الملك، كالهبة والميراث وغيرها.

[لا يجزي: لا يقوم بماله عليه من حق. مجده: يصادفه] .

وقيس بالأصول الفروع بجامع البعضية، أي إن الولد الذي هو الفرع بعض الوالد الذي هو الأصل، فكما أن الأصل لايملكه بعضُه، فهو لايملك بعضَه.

(2) أي ملازم له، يثبت للمعتِق بمجرد عتقه، ولا يملك إسقاطه أو التنازل عنه. والولاء: من الموالاة، وهي المعاونة والنصرة، والمراد به هنا: استحقاق الميراث إذا لم يوجد عصبة من النسب.

روى البخاري (444) ومسلم (1504) عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى اللَه عليه وسلم: (فَإن الْوَلاَءَ لِمَنْ أعْتَقَ) .

(3) أي للمعتق ما للعصبة من النسب، كالولد والوالد والأخ، عند فقده، من استحقاق الميراث وولاية التزويج وتحمل الدية والمطالبة بها،

الذكور من عصبته [1] وترتيب العصبات في الولاء كترتيبهم في الإرث [2] ولا يجوز بيع الولاء ولا هبته [3].

"فصل" ومن قال لعبده: إذا مت فأنت حر فهو مدبر [4] يعتق بعد وفاته من ثلثه [5] ويجوز له أن يبيعه في حال حياته ويبطل تدبيره [6] وحكم المدبر

ونحو ذلك.

روى الحاكم (4/ 341) وصحح إسناده: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الولاء لحمة كلحمة النسب) . واللحمة القرابة ونحوها.

(1) أي عصبة المعتق، وذلك بعد موته.

(2) أي الأقرب والأولى من عصبة المعتقَ مقدم على غيره.

(3) روى البخاري (2398) ومسلم (1506) عن ابن عمر رضي الله عنه قال نَهَى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيعِ الْوَلاَءِ وَعَنْ هِبَتِه.

(4) من التدبير، وهو: تعليقُ المالك عتقَ عبده على موته. سمي بذلك لأن الموت دُبُرُ الحياة، أي آخرها ونَهايتها.

(5) أي من ثلث تركته بعد تجهيزه ووفاء ديونه، لأنه تبرع معلق بالموت، فأشبه الوصية، وهي من الثلث. وروي أن ابن عمر رضي الله عنه قال: المدبر من الثلث. دارقطني (4/ 138) ولم ينكر عليه أحد، فصار في حكم الإجماع. (نهاية: 3/ 116) .

(6) روى البخاري (2034) ومسلم (997) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أنَ رجُلا أعْتَق غُلاَماً له عن دُبر، فاحْتَاج فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (مَنْ يَشْتَرِيه منَي) . فاشتراه نُعَيْمُ بنُ عبد الله بكذا وكذا، فدفعه إليه.

في حال حياة السيد كحكم العبد القن [1].

"فصل" والكتابة مستحبة إذا سألها العبد وكان مأمونا مكتسبا [2] ولا تصح إلا بمال معلوم ويكون مؤجلا إلى أجل معلوم أقله نجمان [3]

وهي من جهة السيد لازمة ومن جهة المكاتب جائزة فله فسحها متى شاء [4] وللمكاتب التصرف فيما في يده من المال

(1) أي له أن يتصرف به بيعاً وهبة ونحو ذلك لما مر آنفاً.

والقن: هو المملوك الذي لم يتصل به شيء من أحكام العتق أو مقدماته، وهي: التدبير كما سبق، والكتابة والاستيلاد، كما سيأتي.

(2) الكتابة في اللغة: الضم والجمع، وفي الشرع: عقْد عتْقِ على عوض، بشروط تأتي، وبلفظ الكتابة. سميت بذلك، لأن المملَوكَ يضم قسطاً من المال إلى قسط حتى يعتق. أميناً: مأموناً فيما يكسبه. مكتسباً: قادراً على الكسب. والأصل فيها: قوله تعالى: "وَالَّذِينَ يَبتَغُونَ الْكتَابَ ممَّا مَلَكَتْ أيمَانكُمْ فَكَاتبُوهُمْ إنْ عَلمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً" / النورَ: 33/.

[يبتغون: يطلبوَن ويقصدون. الكتاب: المكاتبة مما ملكت أيمانكم: من العبيد والإماء. خيراً: هو القدرة على الاكتساب والأمانة]

(3) مثنى نجم وهو الوقت، لأن العرب كانوا يوقتون بطلوع النجم، ويطلق أيضاً على المال المؤدى في كل وقت.

(4) لازمة: أي عليه الاستمرار بها، وليس له فسخها والرجوع عنها.

جائزة: أي لا يجب عليه الاستمرار بها، وله الوجوع عنها وفسخها، سواء عجز عن أداء النجوم أم لا. وذلك مراعاة لصلحة المكاتب، لأن الكتابة شرعت في الأصل نظراً لمصلحته.

ويجب على السيد أن يضع عنه من مال الكتابة ما يستعين به على أداء نجوم الكتابة [1] ولا يعتق إلا بأداء جميع المال [2].

"فصل" وإذا أصاب السيد أمته فوضعت ما تبين فيه شيء من خلق آدمي حرم عليه بيعها ورهنها وهبتها وجاز له التصرف فيها بالاستخدام والوطء وإذا مات السيد عتقت من رأس ماله قبل الديون والوصايا [3] وولدها من غيره بمنزلتها [4]

(1) أي يحط عنه جزءاً من المال المتفق عليه ليسهل عليه الأداء. قال تعالى: "وَآتُوهُمْ مِنْ مَال الله الَّذي آتَاكُمْ" /النور:33/.

(2) روى أبو داود (3926) عنَ عبدَ الله بَن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المُكَاتَبُ عبدٌ مَا بَقِيَ عَليْه منِْ مُكَاتَبتَه درْهَمٌ) .

(3) أصابَ: َ وطىء، وتسمى بوضعها ما ذكر بعد وطئه لها أم ولد.

والأصل فيما ذكر لها من أحكام: ما رواه الدارقطني (4/ 134) والبيهقي (10/ 348) وصححا وقفه على عمر رضي الله عنه: أمهات الأولاد لا يبعن ولا يوهن ولا ديورثن، يستمتع بها سيدها ما دام حياً، فإذا مات فهي حرة. وصحح ابن القطان رفعه.

(نهاية:3/ 121).

وعند مالك في الموطأ (2/ 776) أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: أيما وليدة ولدت من سيدها، فإنه لا يبيعها ولا يهبها ولا يورثها، وهو يستمتع بها، فإذا مات فهي حرة.

(4) أي إذا أتت بولد من غير سيدها، بعد أن أصبحت أم ولد، فولدها يصبح حرا مثلها بعد موت السيد، لأن الولد تبع لأمه فيَ الحرية.

ومن أصاب أمة غيره بنكاح فالولد منها مملوك لسيدها [1] وإن أصابها بشبهة [2] فولده منها حر وعليه قيمته للسيد وإن ملك الأمة المطلقة بعد ذلك [3] لم تصر أم ولد له بالوطء في النكاح وصارت أم ولد له بالوطء بالشبهة على أحد القولين [4] والله أعلم.

(1) لأنها مملوكة وولدها تبع لها.

(2) أي ظناً منه أنها أمته أو زوجته الحرة.

(3) أي بعد وطئه لها بالنكاح، وصورتها: أنه تزوجها مملوكة ووطئها، فأتت منه بولد، ثم طلقها، ثم ملكها من سيدها، بشراء أو هبة ونحوها.

(4) وهو مرجوح، والأرجح أنها لا تصير أم ولد، ما لم يطأها وتضع منه بعد ملكه لها.

تم الكتاب بفضل الله تعالى، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.

بيان بالمراجع المشار اليها وببعض المصطلحات

Bayan bi Al-Maraji' al-Musyar ilaiha a bi Ba'd al-Mustalahat

تعليقا: أي أن الحديث معلق، والحديث المعلق: هو الذي يذكره مخرجه في كتابه، وقد حذف منه السند كله أو بعضه.

رواه الخمسة: المراد بهم: أحمد بن حنبل، والترمذي، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، رحمهم الله تعالى.

مرسلا: أي ان الحديث مرسل، والحديث المرسل: هو الذى يرويه التابعي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، دون أن يذكر الصحابي الذي رواه عنه.
مراجع الحديث المعتمدة

1 - صحيح البخاري رحمه الله تعالى (الجامع الصحيح) : طبعة دار الإمام البخاري، التى ستصدر قريبا باذن الله تعالى، موشحة بخدمة جديدة مفيدة، لهذا الكتاب الذي هو مرجع المسلمين بعد كتاب الله عز وجل، وفقني الله تعالى للقيام بها، بفضله وكرمه.

وحيث أذكر الرقم هكذا (4260) مثلا فهو الرقم المتسلسل لأحاديث الصحيح من أول الكتاب الى آخره. وأذكر هكذا (2/ 15) مثلا، فالرقم الأول رقم الكتاب في الصحيح، والرقم الثاني رقم الباب ضمن الكتاب المشار اليه.

2 - صحيح مسلم رحمه الله تعالى (الجامع الصحيح) : طبعة دار إحياء التراث العربي، المصورة عن طبعة عيسى البابي الحلبي، بتحقيق وتعليق محمد فؤاد عبد الباقي، وهي مرقمة الكتب والأبواب والاحاديث، والرقم المشار اليه عند كل حديث هو الرقم المتسلسل للاحاديث.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

3 - الجامع الصغير للسيوطي رحمه الله تعالى، وهو ذو أرقام، والرقم المشار إليه يعني الرقم المتسلسل للحديث.

4 - سنن ابن ماجه رحمه الله تعالى: طبعة عيسى البابط الحلبى (1372هـ - 1952 م) بتحقيق وتعليق محمد فؤاد عبد الباقي، وهي مرقمة، والرقم المشار اليه عند الرواية هو الرقم المتسلسل للحديث.

5 - سنن أبي داود رحمه الله تعالى: طبعة الأستاذ عزت عبيد الدعاس وبتعليقه- الطبعة الأولى، وهي ذات أرقام متسلسلة للأحاديث، وقد أشرت الى رقم الحديث عند روايته.

6 - سنن الترمذي رحمه الله تعالي: طبعة الأستاذ عزت عبيد الدعاس بتعليقه (1385هـ - 1965 م) وهي طبعة مرقمة، والرقم المشار اليه عند الرواية هو الرقم المتسلسل للحديث.

7 - سنن النسائي رحمه الله تعالى: طبعة دار إحياء التراث العربي،

8 - سنن الدارقطني رحمه الله تعالى: طبعة السيد عبد الله هاشم يماني المدني بالدينة المنورة (1386هـ - 1966م) .

9 - السنن الكبرى للبيهقي رحمه الله تعالى: طبعة الطبعة العثمانية بالهند (1353 هـ) .

10 - شرح صحيح مسلم: للإمام النووي رحمه الله تعالى.

11 - كشف الخفاء: طبعة دار أحياء اللتراث العربى (1351 هـ) .

12 - المستدرك على الصحيحين: للحاكم رحمه الله تعالى: الطبعة الهندية، نشر مكتب الطبوعات الاسلامية - حلب - محمد أمين دمج.

13 - المسند: للإمام أحمد رحمه الله تعالى: نشر الكتب الإسلامي ودار صادر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

14 - موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان: للحافظ الهيثمي رحمه الله تعالى، وهو المعتمد حيث يسند الحديث إلى ابن حبان، والرقم المشار إليه عند الرواية هو الرقم المتسلسل للحديث فيه.

15 - الموطأ: للإمام مالك رحمه الله تعالى: طبعة عيسى البابي الحلبي، بتعليق محمد فؤاد عبد الباقي رحمه الله تعالى.

16 - نيل الأوطار: للشوكاني رحمه الله تعالى، طبعة مصطفى البابي الحلبي (1380 هـ - 1961 م) .

ملاحظة: الرقم المذكور، عند الرواية عن الكتب. غير الرقمة ترقيما متسلسلا يعني رقم الجزء والصفحة.

كتب الفقه المشار اليها

1 - الأم للشافعي رحمه الله تعالى، تصوير كتاب الشعب في القاهرة.

شروح متن الغاية والتقريب: وهى:

- الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع: للخطيب الشربيني رحمه الله تعالى، طبع الطبعة العامرة الشرفية في القاهرة سنة 1317 هـ.

- كفاية الأخيار: لتقي الدين الحسيني الحصني الدمشقى، طبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه.

- النهاية: للعلامة أبي الفضل ولى الدين البصير، بتحقيق مجموعة من أساتذة الأزهر الشريف، ومراجعة محمد محي الدين عبد الحميد، طبع المكتبة التجارية الكبرى في القاهرة.

3 - المجموع للإمام النووي رحمه الله تعالى، وتكملته، نشر زكريا علي يوسف.

4 - مغني المحتاج: للخطيب الشربيني رحمه الله تعالى، شرح المنهاج للنووي رحمه الله تعالى، طبعة مصطفى البابي الحلبي، (1352 هـ - 1933 م) .

LihatTutupKomentar