Kitab Bughiyah al-Mustarsyidin (2)
Kitab Bughiyah al-Mustarsyidin karya Habib Abdurrahman Al-Masyhur Ba Alawi
Daftar Isi
- Kitab Bughiyah al-Mustarsyidin (1)
- Kitab Bughiyah al-Mustarsyidin (2)
- Kitab Bughiyah al-Mustarsyidin (3)
الكتاب: بغية المسترشدين في تلخيص فتاوى بعض الأئمة من العلماء المتأخرين مع ضم فوائد جمة من كتب شتى للعلماء المجتهدين
المؤلف: الحبيب عبد الرحمن بن محمد بن حسين بن عمر المشهور با علوي
دار النشر: دار الفكر
عدد الأجزاء: 1
(مسألة : ي) : قولهم : يشترط الستر من أعلاه وجوانبه لا من أسفله الضمير فيها عائد إما على الساتر أو المصلي ، والمراد بأعلاه على كلا المعنيين في حق الرجل السرة ومحاذيها ، وبأسفله الركبتان ومحاذيهما ، وبجوانبه ما بين ذلك ، وفي حق المرأة بأعلاه ما فوق رأسها ومنكبيها وسائر جوانب وجهها ، وبأسفله ما تحت قدميها ، وبجوانبه ما بين ذلك ، وحينئذ لو رؤي صدر المرأة من تحت الخمار لتجافيه عن القميص عند نحو الركوع ، أو اتسع الكمّ بحيث ترى منه العورة بطلت صلاتها ، فمن توهم أن ذلك من الأسفل فقد أخطأ ، لأن المراد بالأسفل أسفل الثوب الذي عم العورة ، أما ما ستر جانبها الأعلى فأسفله من جانب العورة بلا شك كما قررناه اهـ. قلت : قال في حاشية الكردي وفي الإمداد : ويتردد النظر في رؤية ذراع المرأة من كمها مع إرسال يدها ، استقرب في الإيعاب عدم الضرر ، بخلاف ما لو ارتفعت اليد ، ويوافقه في ما في فتاوى (م ر) وخالفه في التحفة قال : لأن هذا رؤية من الجوانب وهي تضر مطلقاً اهـ. وفي الجمل وقولهم : ولا يجب الستر من أسفل أي ولو لامرأة فلو رؤيت من ذيله في نحو قيام أو سجود لا لتقلص ثوبه بل لجمع ذيله على عقبيه لم يضر ، كما قاله ب ر و ع ش اهـ.
فائدة : قال في القلائد : لنا وجه أن عورة الرجل في غير الصلاة القبل والدبر فقط وهو رواية عن مالك وأحمد اهـ ، ولو انكشف بعض وركه فستره بالأرض في جلوسه كفى كالستر بيده اهـ فتاوى ابن حجر ، ولو لم يجد إلا ثوب حرير استتر به ولو خارج الصلاة حيث تعذر نحو الطين والحشيش والورق ، أو لم يلق به ذلك بخلافه مع عدم الحرير فيجب الستر بها وإن لم تلق به اهـ جمل.
52
المعفوّات
فائدة : يعفى عن محل استجماره ، فلو حمل مستجمراً بطلت كما لو حمل حامله ، وكالمستجمر كل ذي نجس معفوَ عنه ، أو ما فيه ميتة معفوّ عنها ، أو طين شارع اهـ جمل.
(مسألة : ب ك) : يعفى عن جلد نحو القمل الذي في تضاعيف الخياطة مما يشق إخراجه ولا يظهر إلا بالفتق ، وإن علم به ، زاد ب : فإن لم يشقّ فلا ، خِلافاً للزركشي وابن العماد ، وعلى كل تقدير فالاحتياط لا يخفى ، وإذا قلنا بعدم العفو لزمه إعادة كل صلاة تيقنها بعده.
فائدة : يعفى عن دم نحو البراغيث وإن تفاحش ، ولا في البدن وهو رطب لكن بنحو عرق وماء طهارة وحلق ، أو بما تساقط حال الشرب والأكل ، أو بنحو بصاق في ثوبه لمشقة الاحتراز في الكل ، بخلاف نحو ماء تبرد ، وهذا بالنسبة للصلاة ولملبوس يحتاج إليه ولو للتجمل. واعلم أن النجاسة أربعة أقسام : قسم لا يعفى عنه مطلقاً وهو معروف ، وقسم عكسه وهو ما لا يدركه الطرف ، وقسم يعفى عنه في الثوب دون الماء وهو قليل الدم لسهولة صون الماء عنه ، ومنه أثر الاستنجاء فيعفى عنه في البدن ، والثوب المحاذي لمحله خلافاً لابن حجر ، وقسم عفي عنه في الماء دون الثوب وهو الميتة التي لا دم لها سائل حتى لو حملها في الصلاة بطلت ، ومنه منفذ الطير اهـ ش ق.
(مسألة) : حاصل كلامهم في رطوبة فرج المرأة التي هي ماء أبيض متردد بين المذي والغرق ، أنها إن خرجت من وراء ما يجب غسله في الجنابة يقيناً إلى حد الظاهر ، وإن لم تبرز إلى خارج نقضت الوضوء ، أو من حد الظاهر وهو ما وجب غسله في الجنابة ، أعني الذي يظهر عند قعودها لقضاء حاجتها لم تنقض ، وكذا لو شكت فيها من أيهما هي على الأوجه ، وأما حكمها نجاسة وطهارة فما كان من حد الظاهر فطاهر قطعاً ، وما وراءه مما يصله ذكر المجامع فطاهر على الأصح ، وما وراء ذلك فنجس قطعاً ، هذا ما اعتمده في التحفة وغيرها ، واعتمد في الفتاوى و (م ر) أن الخارجة من الباطن نجسة مطلقاً ، لكن يعفى عما على ذكر المجامع. وقال (ع ش : ) ويعفى عن دم الاستحاضة ، فلا ينجس به ذكر المجامع أيضاً وإن طال خلاف العادة فيهما ، كما لو أدخلت أصبعها لحاجة فعلق به دم اهـ.
فائدة : أفتى الشيخ عبد الله باسودان بالعفو عن مدخل الجوابي ومخرجها ، وتقذر الرجل بها ، والمشي بذلك في المسجد ، وإن كان لا يعفى عن طين الشارع في المسجد لإمكان تجفيف الرجل ، بخلاف هذا لزيادة المشقة هنا.
(
مسألة : ك) : يعفى عن طين الشارع ومائه ، يعني محل المرور ولو في البيت إذا مشى فيه ، وبه أو برجله رطوبة وإن تنجس بمغلظ ، قال ق ل : وسواء أصابه ما ذكر من الشارع أو من شخص أصابه ، أو من محل انتقل إليه ولو كلباً انتفض ، ولو مشى بذلك في مكان آخر طاهر لم ينجس بتلويثه بما في رجله ونعله على المعتمد ، وأفتى (م ر) فيما لو تلوثت رجله بطين الشارع المعفوّ عنه وأراد غسلها عن الحدث بالعفو عن إصابة ماء الوضوء لهذا الطين حتى لا يحتاج إلى تسبيع رجله عند غسلها لو فرض أن الطين متنجس بمغلظ ، وفيما لو غسل ثوباً فيه دم براغيث لأجل تنظيفه وبقي به الدم بالعفو عنه إيضاً ، قال : ويعفى عن كل ما يشق الاحتراز عنه ذكره أم لا. وأفتى ابن حجر بأنه لو وقع ونيم الذباب على الورق وجرى عليه القلم عفي عنه.
(مسألة : ب ي) : يعفى عن نحو ذرق الطيور في محل الصلاة والمشي إليها من المسجد وأماكن الصلاة بشرط كثرته ، وأن لا تكون رطوبة في أحد الجانبين أجنبية وهي التي لا يحتاج إليها ، بخلاف ماء الطهارة والشرب والعرق وغسل التبرد ، وأن لا يتعمد ملامستها من غير حاجة ، فلا يكلف المشي والصلاة على المكان الطاهر.
(مسألة : ب) : الحياض التي يجتمع فيها الماء والبول ونحوه من النجاسات المغيرة وتلغ فيها الكلاب ، فإن كانت مما تعم بها البلوى كأن تكون بطريق المارة ، عفي عن مائها وترابها مع الرطوبة بالنسبة لنحو القدم والثوب مما يتعسر الاحتراز عنه غالباً ، بأنه لا ينسب صاحبها إلى سقطة أو قلة تحفظ ، وإن كثر وانتشر بنحو عرق ، ومع ذلك يحرم تلويث المسجد به ، وأفتى بعضهم بالعفو عن ولوغ الكلب الحياض وخالفه ابن حجر.
(مسألة : ك) : ابتلي بخروج دم كثير من لثته أو بجروح سائلة أو بواسير أو ناصور واستغرق جل أوقاته ، لزمه التحفظ والحشو بوضع نحو قطنة على المحل ، فإن لم ينحبس الدم بذلك لزمه ربطه إن لم يؤذه انحباس الدم ولو بنحو حرقان وكان حكمه حكم السلس ، لكن لا يلزمه الوضوء لكل فرض ، ويعفى عن قليل الدم وإن خرج من المنافذ كما قاله ابن حجر ، خلافاً لـ(م ر) لكن قاعدته العفو مما يشق الاحتراز تقتضي العفو هنا أيضاً ، وتصح صلاته ووضوؤه ولا قضاء ، ويعفى عما يصيب مأكوله ومشروبه للضرورة.
فائدة : قال في التحفة : ولو رعف في الصلاة ولم يصبه إلا القليل لم يقطعها ، وإن كثر نزوله على منفصل عنه ، فإن كثر ما أصابه لزمه قطعها ولو جمعة ، وإن رعف قبلها واستمر فإن رجى انقطاعه والوقت متسع انتظره وإلا تحفظ كالسلس اهـ.
53
مبطلات الصلاة
فائدة : اعلم أن الباطل والفاسد عندنا سواء إلا في مواضع منها الحج ، فيبطل بالردة ويفسد بالجماع الطارىء ، والعارية كإعارة الدراهم لغير التزيين. فإن قلنا باطلة كانت غير مضمونة أو فاسدة فمضمونة ، والخلع والكتابة فالباطل فيهما ما كان على عوض غير مقصود كدم ، أو رجع إلى خلل في العقد كالصغر والسفه ، والفاسد يترتب عليه الطلاق والعتق ، ويرجع السيد بالقيمة والزوج بالمهر اهـ ح ل.
(مسألة : ك) : نطق بنظم قرآن ، أو ذكر لنحو استئذان داخل ، أو فتح على إمامه أو جهر نحو الإمام بالتكبير ، فإن قصد بذلك التفهيم والفتح أو أطلق بطلت ، لأن عروض القرينة أخرجه عن موضوعه من القراءة والذكر وصيره من كلام الناس ، بخلاف قصد القراءة ولو مع التفهيم ، والأوجه أنه لا فرق بين أن يكون انتهى في قراءته إليها أو لا ، ولا بين ما يصلح لتخاطب الناس به من القرآن أو لا ، وحينئذ فلا بد من قصد نحو الذكر أو مع التفهيم بجميع اللفظ عند كل ركن ، كما في التحفة والنهاية وغيرهما ، لكن نقل عن الخطيب الاكتفاء بقصد ذلك عند أول تكبيرة ، قال سم : ويغتفر للعامي ولو مخالطاً لمزيد خفائه ، ولا يسع جهلة الأئمة إلا هذا ، واعتمد السبكي والأسنوي والأذرعي والسمهودي أن ما لا يحتمل غير القرآن أو كان ذكراً محضاً لا تبطل به الصلاة على كل تقدير ، قال أبو مخرمة : وبه يعلم أن التسبيح والتهليل وغيرهما من أنواع الذكر من قسم ما لا يصلح لخطاب الآدميين فلا إبطال ، وإن جرد به قصد التفهيم اهـ. قلت : ونقل السيوطي في الأشباه والنظائر الإجماع على جواز جهر الإمام بقصد إعلام المأموم لأنه تشريك بين مندوبين.
فائدة : لا تبطل الصلاة بالدعاء المنظوم خلافاً لابن عبد السلام ، ولا بالمسجع والمستحيل خلافاً للعبادي اهـ كردي. وقال الأجهوري : ولو مثلت له نفسه أن من أراد أن يدعو على شخص دعا له لينعكس الحال وفعل ذلك معتقداً بطلت صلاته ، لأنه حينئذ دعاء بمحرم لاستعماله اللفظ في ضده ، فإذا قال : اللهم ارحم فلاناً ، فكأنه قال : اللهم لا ترحمه اهـ.
فائدة : قال في القلائد : لو جلس المصلي بعد سجدته الأولى قاصداً به الجلوس بدل القيام عامداً بطلت أو ناسياً فلا ، وهل يكفيه عن الجلوس بين السجدتين فيه احتمالان اهـ. ولو نام متمكناً في الصلاة لم يضر اتفاقاً كما في المجموع ، قال القماط : وإن طال خلافاً لحسين الأهدل ، قال ابن حجر : ولو في ركن قصير خلافاً لـ (ش ق) .
(
مسألة : ب) : تبطل الصلاة بالحركات المتوالية ولو مندوبة ، كرفع يديه عند تكبيرة الإحرام مع تحريك نحو الرأس ، وتصفيق المرأة لموجبه ، لأنه إذا لم تغتفر الثلاث لعذر كنسيان فأولى لأجل مندوب قاله ابن حجر. وفرق أبو مخرمة بين أن يكون لهيئة الصلاة كرد اليد لما تحت الصدر والرجل إلى محاذاة الأخرى فيغتفر ، إذ هو مأمور به في كل لحظة أو لغيرها فلا ، والاحتياط لا يخفى اهـ. قلت : واعتمد (م ر) عدم البطلان بالحركة المندوبة مطلقاً وإن كثرت.
(مسألة) : مصلّ أومأ برأسه عند سلامه ، فإن خفضه حتى حاذى ما قدام ركبتيه أو التفت بصدره قبل النطق بميم عليكم من التسليمة الأولى بطلت وإلا فلا.
فائدة : نظم بعضهم الأعضاء التي لا يضر تحريكها فقال :
فشفة والأذن واللسان
وذكر والجفن والبنان
تحريكهنّ إن توالى وكثر
بغير عذر في الصلاة لا يضر وقال سم : ولو تكرر كشف الريح وتوالى بحيث احتاج في الستر إلى حركات كثيرة متوالية بطلت ، كما لو صلت مكشوفة الرأس فعتقت فيها ووجدت خماراً بعيداً أو طالت مدة الكشف اهـ. ولو كثر البعوض ولم يمكن دفعه إلا بتحريك اليد ثلاثاً متوالية لم تبطل للضرورة اهـ فتاوى ابن حجر.
54
مكروهات الصلاة
فائدة : من المكروهات قول بعضهم :
أخي تجنب في صلاتك سبعة
نعاساً حكاكاً والتثاؤب والعبث
ووسوسة كذا الرعاف التفاتة
على تركها قد حرض المصطفى وحث واختلف العلماء في الاختصار على خمسة أقوال ، أصحها أنه وضع اليد على الخاصرة ، ويقال التوكي على عصا ، أو اختصار السورة بأن يقرأ آخرها ، أو اختصار الصلاة بأن يتم حدودها ، أو يقتصر على آيات السجدة فلا يسجد اهـ خطيب. قال العراقي : وهل يتعدى النهي عن التشبيك إلى تشبيكه بيد غيره فيه نظر ، نعم إن كان تشبيكه لذلك لمودة أو ألفة لم يكره اهـ أجهوري.
(مسألة) : يكره الاضطباع المعروف في الصلاة للذكر وغيره ولو فوق الثياب ، سواء الكتف الأيمن أو الأيسر ، كما قاله في حاشية الجمل ، وهل منه الاضطباع بالحبوة المعروفة لاستدارتها وتكون حينئذ كالرداء المعقود فيحرم لبسها للمحرم كذلك أم لا ؟ إلحاقاً لها بالسبحة فيهما محل نظر.
فائدة : قد يجب تغميض العينين في الصلاة كأن كان العراة صفوفاً ، وقد يسنّ كما إذا صلى لحائط مزوّق ، ويسنّ فتحهما في السجود ليسجد معه البصر اهـ نهاية. قال سم : وقياسه سنة في الركوع.
(مسألة) : أسرّ الإمام في صلاة جهرية أو جهر في سرية كره ولم تبطل صلاته ، ولا صلاة من خلفه ، ولا يسجد للسهو وإن تعمده ، إذ لا يندب بترك السنن غير الأبعاض.
(مسألة : ك) : الاهتزاز في الصلاة وهو التمايل يمنة ويسرة مكروه ما لم يكثر وإلا أبطل ، كالمضغ إلا أن يكون عن الاضطرار ، وأما خارج الصلاة ففي شرح الشمائل لابن حجر ما يفيد ندبه ، وقال الونائي : هو خلاف الأولى ، وفي رفض الخرائد لعبد العزيز المغربي تشديد النكير فيه وكراهته ، قال : لأنه تشبه باليهود.
(مسألة : ش) : مذهب الحنابلة نجاسة المخدرات للعقل كالحشيشة وجوزة الطيب فتكره الصلاة مع حملها حينئذ.
فائدة : قال النووي : تكره الصلاة في ثوب واحد من غير أن يجعل على عاتقه شيئاً بالإجماع ، ويكره مسح الجبهة في الصلاة وبعدها ، وأن يروِّح على نفسه فيها ، وأن يترك شيئاً من سنن الصلاة اهـ. وإطلاقه الكراهة بترك السنن مقيد بما فيه خلاف غير واه أو تأكد ندبه قاله ابن حجر ، وقوله : يكره مسح الجبهة الخ عبارة النهاية ، ويكره أن يمسح وجهه فيها وقبل انصرافه مما يلصق به من نحو غبار ، قال ع ش : قوله قبل انصرافه أي من محل الصلاة ، واقتصر ابن حجر فيما نقله عن بعض الحفاظ على كونه فيها اهـ ، بل قال باعشن : يسنّ مسح الجبهة عقيب الصلاة كما مر في السنن.
(
مسألة : ك) : يكره الإيطان وهو اتخاذ المصلي ولو إماماً موضعاً يصلي فيه لا ينتقل عنه إلى غيره كأنه متوطن به ، ومن ذلك صلاة الإمام في المحراب فهي بدعة مفوتة لفضيلة الجماعة له ولمن يأتمّ به ، قاله السيوطي ، لكن قال (م ر) : لا يكره إذ لم يعدوا ذلك من مكروهاتها ، والعلة في الإيطان خشية الوقوع في الرياء ، فإن كان الصف الأوّل أو يمين الإمام يسع أكثر من واحد فلا يلازم مكاناً واحداً إذ ذاك من الإيطان.
55
سترة المصلي
فائدة : يحرم المرور بين المصلي وسترته ، وإن لم يجد طريقاً ولو لضرورة كما في الإمداد والإيعاب ، لكن قال الأذرعي : ولا شك في حل المرور إذا لم يجد طريقاً سواء عند ضرورة خوف بول ، ككل مصلحة ترجحت على مفسدة المرور ، وقال الأئمة الثلاثة : يجوز إذا لم يجد طريقاً مطلقاً ، واعتمده الأسنوي والعباب وغيرهما اهـ كردي ، وبه يعلم جواز المرور لنحو الإمام عند ضيق الوقت أو إدراك جماعة اهـ باسودان. وقال في فتح الباري : وجواز الدفع وحرمة المرور عام ولو بمكة المشرفة ، واغتفر بعض الفقهاء ذلك للطائفين للضرورة عن بعض الحنابلة جوازه في جميع مكة اهـ.
فائدة : سترة الإمام سترة من خلفه ولو تعارضت السترة ، والصف الأوّل أو القرب من الإمام فيما إذا لم يكن للإمام سترة ، فتقديم الصف الأوّل والقرب من الإمام بل وسدّ الفرج أولى كما هو ظاهر اهـ باسودان.
56
سجود السهو
فائدة : ذكر ابن عربي أن النبي سجد للسهو خمس مرات لشكه في عدد الركعات ، وقيامه من ركعتين بلا تشهد ، وسلامه من ركعتين ومن ثلاث ، وشكه في ركعة خامسة اهـ جمل. فإن قيل : كيف سها مع أن السهو لا يقع إلا من القلب الغافل ؟ أجيب : بأنه غاب عن كل ما سوى الله تعالى ، فاشتغل بتعظيم الله فقط وسها عن غيره اهـ بجيرمي.
(مسألة) : لو اعتقد العامي وجوب نحو التشهد الأول ثم تركه عمداً ، فالظاهر بطلان صلاته لتلاعبه حينئذ بفعله مبطلاً في ظنه ، ولا نظر لما في نفس الأمر ، كما صرح به (م ر) وأفهمته عبارة التحفة فيما لو زاد في تكبير الجنازة معتقداً البطلان فتأمله.
فائدة : لو نذر التشهد الأوّل فنسيه حتى انتصب ، فالأقرب عدم عوده ، لأنه تلبس بما وجب شرعاً ، وهو آكد مما وجب جعلاً اهـ ع ش ويسنّ السجود بترك التشهد الأول ولو في نفل إن قلنا بندبه فيه ، دون ما إذا صلى أربعاً نفلاً مطلقاً بقصد أن يتشهد تشهدين فاقتصر على الأخير ولو سهواً على الأوجه ، قاله في التحفة ، وجرى (م ر) على ندب السجود مطلقاً ، وفرق الخطيب بين أن يتركه سهواً فيسجد أو عمداً فلا ، ولو كرر الفاتحة أو التشهد سجد ، قاله ابن حجر في الإيعاب في الأولى والفتاوى في الثانية.
(مسألة : ش) : يتصور سجود السهو لترك الصلاة على الآل في التشهد الأخير ، بأن يتيقن المأموم بعد سلام إمامه وقبل سلامه هو أو بعده وقبل طول الفصل أن إمامه تركها ، وأما البسملة أو التشهد فرجح الجمهور عدم ندبها ، وأن روايتها عن ابن عمر شاذة اهـ.
(قلت) : بل قال في التحفة : لو بسمل أول التشهد سجد للسهو ، وقال (م ر) : لا يسجد.
(مسألة) : تذكر الإمام بعد وضع جبهته ترك القنوت لم يجز له العود ، بل إن عاد عامداً عالماً بطلت وإلا فلا ، ويسجد للسهو في الصورتين ، أما المأموم خلفه فإن أمكنه القنوت حينئذ ولو بنحو اللهم اغفر لي ويلحقه في السجود ندب له أو بين السجدتين جاز وإلا تركه.
(
مسألة : ش) : سجد المأموم وإمامه في القنوت ، فإن كان عامداً عالماً ندب له العود ، وقال الإمام : يحرم ، أو ناسياً أو جاهلاً لغا ما فعله ، ثم إن زال عذره والإمام في الاعتدال أو الهويّ منه بل أو في السجدة الأولى على المعتمد لزمه العود إلى الاعتدال ، ولا تغنيه مفارقة الإمام ، وفارقت هذه مسألة التشهد فيما إذا قام المأموم منه سهواً من لزوم العود للمتابعة ما لم يقم إمامه بفحش المخالفة هنا لإثم وإن زال ، والإمام فيما بعد السجدة الأولى حرم العود لفحش المخالفة ، ولم تبطل صلاته لعذره بالنسيان أو الجهل ، وإن كان مخالطاً للعلماء لخفائه ، بل يتابعه فيما هو فيه ويأتي بركعة بعد سلامه ولا يسجد للسهو ، وهذا كما لو استمر عَذره حتى سلم الإمام ، فإن سلم هو ناسياً أو جاهلاً ولم يطل الفصل بنى وإلا استأنف ، نظير ما لو علم ترك الفاتحة ، أو شك فيها بعد ركوعهما فيأتي بركعة بعد سلام إمامه ولا يسجد للسهو في صورة العلم اهـ. ونقل في ك نحو ذلك عن ابن حجر ، ثم قال : وقال (م ر) : هما أعني مسألة القنوت والتشهد على حد سواء ، فإن علم والإمام فيهما لزمه العود إليه وإلا فلا ، بل لم يجز العود حينئذ ، لأن العود إنما وجب لأجل المتابعة ، وبانتصابه أو سجوده زال المعنى اهـ. قلت : وحاصل كلام ابن حجر و (م ر) أنه من ركع قبل إمامه ، أو رفع رأسه من السجدة قبله ، أو قام من التشهد الأول وإمامه جالس ، أو سجد والإمام في الاعتدال ، فإن كان عامداً سن له العود في الجميع ، أو ناسياً أو جاهلاً تخير في الأولين لعدم فحش المخالفة ، ووجب عليه العود في الثالثة ما لم يقم الإمام أو ينو مفارقته كالرابعة عند (م ر) . وقال ابن حجر : يجب العود فيه مطلقاً ولم تغنه نية المفارقة كما تقرر في ش ، وخرج بذلك ما لو تقدم بركنين ناسياً فلا يحسب ما فعل ، بل إن علم والإمام فيما قبلهما رجع إليه وإلا لزمه ركعة كما هو مقرر.
(مسألة) : سلم وقد نسي ركناً وأحرم فوراً بأخرى لم تنعقد لأنه في الأولى ، ثم إن ذكر قبل طول الفصل بين سلامه وتذكره الترك بنى على الأولى ولا نظر لتحرّمه بالثانية ، كما لو تخلل كلام يسير أو استدبر القبلة وحسب له ما قرأه ، وإن كانت الثانية نفلاً في اعتقاده ، ولا أثر لقصده بالقراءة ، كما لو ظن أنه في صلاة أخرى فرض أو نفل فأتم عليه ، أو بعد طوله استأنفها لبطلانها به مع السلام بينهما وخرج بفور ، أما لو طال الفصل بين السلام وتحرم الثانية فيصح التحرم قاله في التحفة. وقال في القلائد : لم يحسب ما أتى به قبل تذكره لقصده به النفلية ، كما صرح به القاضي والبغوي والطنبداوي اهـ.
(
مسألة) : قام الإمام بعد تشهده وقبل سلامه ناسياً أو ظاناً أنه قد سلم ثم تذكر عاد وجوباً وسجد للسهو ندباً ثم سلم ، وإن استدبر القبلة أو تكلم بكلام قليل ، فلو سلم المأموم حينئذ ظاناً أنه قد سلم لغا ولزمه إعادته ، ولا يضر الشك بعد السلام في ترك ركن غير النية وتكبيرة الإحرام ، نعم تسنّ الإعادة كما في الإيعاب ، أما النية والتكبيرة فيضر الشك فيهما ، لكن إن تذكر ولو بعد سنين أجزأه ، ولو تيقن آخر صلاته زيادة ركعة سجد للسهو وسلم ، ولا يجوز للمأموم متابعته في الزيادة إن تيقنها.
(مسألة : ك) : قام الإمام بعد السجدة الأولى انتظره المأموم في السجود لعله يتذكر ، لا في الجلوس بين السجدتين لأنه ركن قصير أو فارقه وهو أولى هنا ، ولا تجوز متابعته ، ولو تشهد الإمام في ثالثة الرابعية ساهياً فارقه المأموم أو انتظره في القيام ، وأفتى الشهاب الرملي بوجوب المفارقة مطلقاً ، وجوّز سم انتظاره قائماً ، وجوز ابن حجر في الفتاوى متابعته إن لم يعلم خطأه بتيقنه أنها ثالثة لا بنحو ظنه اهـ.
(قلت) : ومثلها في الإيعاب قال : والظاهر أنه لو تشهد إمامه في رابعة ظنها هو ثالثة ، ووافقه جميع أهل المسجد وكثروا بحيث لا تجوّز العادة اتفاقهم على السهو أنه يرجع إليهم فيتشهد ويسلم معهم ، ولا أثر لشكه لأنه حينئذ وسوسة اهـ. وهل للإمام الأخذ بفعل المأمومين بالقيد المذكور الظاهر ؟ نعم كما قاله في التحفة فيما إذا أخبره عدد التواتر ، وأن الفعل كالقول خلافاً لـ (مر) .
(مسألة : ش) : سجد الإمام ولم يضع بطون أصابع الرجلين مثلاً ، فإن تعمده وعلم المأموم ذلك باختيار معصوم أو الإمام بنحو كتابة لزمه مفارقته حالاً وإلا بطلت لربطه القدوة بمن ليس في صلاة ، وإن لم يعلم تعمده انتظره لعله يتذكر ثم يفارقه عند سلامه ، نعم لا ينتظر في ركن قصير بل يفارقه حالاً ، فلو علم المبطل بعد أن سلم ، فإن نسب إلى تقصير كأن لم يسجد إلا بعد تمام سجود الإمام على تلك الهيئة أعاد وإلا فلا.
(مسألة : ج) : قام الإمام لخامسة لم يجز للمأموم متابعته ولو مسبوقاً ولا انتظاره بل تجب مفارقته ، نعم في الموافق تردد في جواز الانتظار اهـ. قلت : وعبارة التحفة ولو قام إمامه لزائدة كخامسة سهواً لم تجز متابعته ، ولو مسبوقاً أو شاكاً في فعل ركعة ولا نظر ، لاحتمال أنه ترك ركناً من ركعة ، لأن الفرض أنه علم الحال أو ظنه بل يفارقه وهو أولى أو ينتظره على المعتمد ، ثم إن فارقه بعد بلوغ حد الراكع سجد للسهو اهـ. ولو سلم إمامه فسلم معه ، ثم سلم الإمام ثانياً فقال له المأموم : قد سلمت قبل هذا فقال : كنت ناسياً لم تبطل صلاة المأموم لظنه انقضاء الصلاة كما في قصة ذي اليدين ، نعم يندب له سجود السهو لأنه تكلم بعد انقطاع القدوة ، ذكره ب ر.
فائدة : اقتدى بإمام بعد سجوده للسهو سجد آخر صلاته ، لأن جبر الخلل لا يمنع وجوده قاله المزجد و سم والجوهري و ق ل ، ورجح الكمال الرداد و ع ش وعطية عدم السجود ، وكذا لو اقتدى به حال السجود فيعيده عند سم ، وقال البرلسي : لا يعيده.
فائدة : لو تخلف المأموم عن سجود إمامه سهواً حتى فرغ منه ثم تذكر ، قال (م ر) : لم يجب عليه الإتيان به لأنه إنما وجب للمتابعة وقد فاتت ، وقال في التحفة تبعاً لشيخه زكريا : يجب وحينئذ لو سلم عامداً بطلت ، أو ناسياً فإن تذكر قبل طول الفصل أتى به وإلا استأنف الصلاة اهـ.
فائدة : يسن سجود السهو لشافعي صلى خلف حنفي مطلقاً صبحاً وغيرها من سائر الخمس ، لأن الحنفي لا يقنت في الصبح ، ولا يصلي على النبي في التشهد الأول في غيرها ، بل لو صلى عليه فيه سجد للسهو في مذهبه ، وبتركها فيه يتوجه على المأموم سجود السهو كالقنوت فتنبه لذلك اهـ كردي.
(مسألة) : يلزم المأموم متابعة إمامه في سجود السهو موافقاً أو مسبوقاً ، ولو كان سهوه قبل الاقتداء به ، أو لم يعلم به المأموم ، فلو سلم الإمام ناسياً سن له العود للسجود إن لم يطل الفصل ، وحينئذ يلزم المأموم متابعته ولو مسبوقاً قام ليتم ما عليه ، خلافاً لما في القلائد عن أبي مخرمة من عدم لزوم العود عليه حينئذ ، نعم إن علم المأموم خطأ إمامه ، أو تخلف بعد سلامه ليسجد ، أو قام أو سلم عامداً مع تذكره سهو الإمام لم تجب عليه متابعته ، بل لا تجوز حينئذ ، ويندب للمسبوق إعادة السجود آخر صلاته كمن اقتدى به وإن لم يسجد الأول.
(مسألة : ب) : حد طول الفصل في المسائل التي حد فيها بطول الفصل وقصره يرجع إلى العرف ، فما عده طويلاً فطويل ، وما لا فلا ، إذ لا ضابط لذلك شرعاً ولا عرفاً ، ومثل لطوله في التحفة في بعض المواضع بركعتين ، ولنا وجه أن طوله بقدر ركعة ، وآخر أنه بقدر الصلاة التي هو فيها.
(مسألة) : لو علم المصلي بعد تسليمته الأولى مقتضى سجود السهو فسلم الثانية عامداً لم يكن له الرجوع للسجود لتعمده السلام المبطل لو لم يكن بمحله ، فيكون مانعاً حينئذ من الرجوع ، كما لو سلم ناسياً له ثم علمه وأتى بمبطل كالحركات واستدبار القبلة فيمتنع العود أيضاً ، إذ ما يضر ابتداء يضر انتهاء غالباً.
(مسألة) : قولهم : وإذا سجد صار عائداً إلى الصلاة أي أراد السجود وإن لم يسجد بالفعل ، حتى لو شك في ركعة لزمه الإتيان بها قبل أن يسجد وإلا بطلت ، قاله (م ر) تبعاً للإمام والغزالي ، وقال ابن حجر : أي وضع جبهته بالأرض وإن لم يطمئن.
فائدة : يتكرر سجود السهو في صور : في مسبوق سها إمامه فسجد معه للمتابعة وآخر صلاته ، وفيمن ظن سهواً فسجد فبان عدمه فيسجد ثانياً ، وفيما إذا خرج وقت الجمعة أو نقصوا عن العدد بعد سجود السهو فيتموا ظهراً ويسجدوا للسهو فيهما كقاصر لزمه الإتمام بعده اهـ شرح تحرير. ويتصور أن يسجد للسهو في الصلاة الواحدة اثنتي عشرة سجدة ، وذلك فيمن اقتدى في رباعية بأربعة ، فاقتدى بالأوّل في التشهد الأخير ثم بالباقين في الركعة الأخيرة من صلاة كلّ ، وسها كل منهم وظنّ هو سهواً فسجد ثم بان عدمه فيسجد ثانياً فتمت اثنتي عشرة اهـ ع ش.
59
سجود التلاوة والشكر
فائدة : هذان البيتان يجمعان الصور التي فيها سجدة التلاوة :
بأعراف رعد النحل سبحان مريم
بحج بفرقان بنمل وبالجرز
بحم نجم انشقت اقرأ فهذه
مواضع سجدات التلاوة إن تجز اهـ.
قال ش ق : في قوله آية سجدة الإضافة للجنس ، لأنه لا بد من آيتين في النحل والإسراء والنمل وفصلت ، وما عدا هذا فآية ، وضابط ما يطلب له السجود هو كل آية مدح فيها جميع الساجدين ، ويستثنى اقرأ اهـ. قال الكردي : ويقوم مقام سجود التلاوة والشكر ما يقوم مقام التحية إن لم يرد فعلها ولو متطهراً ، وهوسبحان الله إلى العظيم اهـ ق ل اهـ. قال الجوهري : وأخبرني بعض الإخوان أنها تقوم مقامها مرة واحدة من سبحان الله الخ.
فائدة : قال في التحفة : يسنّ للإمام تأخير السجود في السريّة إلى الفراغ اهـ. وظاهره وإن طال الفصل ، وحينئذ يستثنى من قولهم لا تقضى لأنه مأمور بالتأخير لعارض ، فوسع له في تحصيل هذه السنة اهـ سم. وفي النهاية : ولو ترك الإمام سجود التلاوة سنّ للمأموم السجود بعد السلام إن قرب الفصل اهـ. قال حب : وحدّ طول الفصل قدر ركعتين ، ويسنّ السجود لكل قارىء ولو خطيباً أمكنه عن قرب لا سامعوه ، وإن سجد لما فيه من الإعراض إن لم يسجد ، ولأنه ربما فرغ قبلهم إن سجد ، وينبغي أن يقول في سجدتي التلاوة والشكر : اللهم اكتب لي بها عندك أجراً ، واجعلها لي عندك ذخراً ، وضع عني بها وزراً ، واقبلها مني كما قبلتها من عبدك داود عليه السلام اهـ شرح المنهج.
فائدة : سجد الإمام بعد القراءة وقبل الركوع ، فإن علم المأموم أنه ترك الركوع سهواً ، كأن سمع جميع قراءته في سرية أو جهرية ، أو ظنه مستنداً لقرينة كأن سمع بعض القراءة لم يتابعه كما لو قام لخامسة ، وإلا بأن احتمل أنه سجد للتلاوة لزمه متابعته ، وإن لم يسمع قراءته كما تلزمه في سجود السهو ، بل تبطل صلاته بمجرد هويّ الإمام وعزمه على عدم المتابعة اهـ باسودان.
(مسألة : ج) : يسنّ سجود الشكر عند هجوم نعمة أو اندفاع نقمة ، فخرج استمرار النعم كنعمة الإسلام ، ولرؤية مبتلي وعاص يعني العلم بوجوده أو ظنه ، كسماع صوته وإطلاقهم يقتضي تكرر السجود بتكرر الرؤية ، ولا يلزم تكرره إلى ما لا نهاية له ، فيمن هو ساكن بإزائه مثلاً ، لأنا لا نأمره ، كذلك إلا حيث لم يوجد أهمّ منه ، قاله في التحفة.
(
مسألة : ي) : مذهبنا أن السجود في غير الصلاة مندوب لقراءة آية السجدة للتالي والسامع ، ولمن حدثت له نعمة ظاهرة أو اندفعت عنه نقمة ظاهرة شكراً لله تعالى ، ولا يجوز السجود لغير ذلك ، سواء كان لله فيحرم أو لغيره فيكفر ، هذا إن سجد بقصد العبادة ، فلو وضع رأسه على الأرض تذللاً واستكانة بلا نيته لم يحرم إذ لا يسمى سجوداً.
59
صلاة النفل
فائدة : النفل والسنة والحسن والتطوُّع والمرغب فيه والمستحب والمندوب ، والأولى ما رجح الشارع فعله على تركه مع جوازه فكلها مترادفة ، خلافاً للقاضي ، وثواب الفرض يفضله بسبعين درجة اهـ تحفة. وقد يفضله المندوب في صور نظمها بعضهم فقال :
الفرض أفضل من نفل وإن كثرا
فيما عدا أربعاً خذها حكت دررا
بدء السلام أذان مع طهارتنا
قبيل وقت وإبراء لمن عسرا اهـ.
(مسألة) : من صح إحرامه بالفرض صح تنفله ، إلا فاقد الطهورين والعاري وذا نجاسة تعذرت إزالتها فلا يصح تنفلهم اهـ من الأشباه والنظائر للسيوطي.
(مسألة) : أحرم بالوتر ولم يذكر عدداً اقتصر على ما شاء من واحدة إلى إحدى عشرة وتراً قاله ابن حجر ، وأبو قشير قال : وقياسه الضحى ، وقال (م ر) : يقتصر على ثلاث ، ولو نذر الوتر لزمه ثلاث لأنه أقل الجمع اهـ ع ش ، ولو أوتر بثلاث ثم أراد التكميل جاز ، قاله البكري وابن حجر والعمودي ، وقال (م ر) : لا يجوز ، وتسنّ الجماعة في وتر رمضان مطلقاً ، وإن لم تصلّ التراويح خلافاً للغرر ، وأفتى الريمي وابن ظهيرة أن من فاته الوتر في نصف رمضان الأخير فقضاه في غيره أنه يقنت فيه ، وفي شرح البهجة ما يقتضي خلافه.
(مسألة) : أفتى أبو زرعة وأبو حويرث وأحمد بن علي بحير بندب التكبير لمن قرأ من سورة الضحى إلى آخر القرآن في الصلاة وخارجها ، سواء الإمام والمأموم والمنفرد قياساً على سؤال الرحمة ، ويفهم منه الجهر لهم بذلك في الجهرية ، وأفتى بذلك الزمزمي لكن خص الجهر به للإمام ، قال : فإن تركه الإمام جهر به المأموم ليسمعه ، ذكره العلامة علوي بن أحمد الحداد.
(مسألة : ك) : يسنّ الاضطجاع بعد سنة الصبح على الشق الأيمن ، فإن لم يفعل فصل بكلام أو تحوّل ، لكن يكره بكلام الدنيا ، ويندب أن يقول بعدها : اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل ومحمد أجرني من النار ثلاثاً ، اللهم إني أسألك علماً نافعاً ورزقاً واسعاً وعملاً متقبلاً ، ويزيد يوم الجمعة : أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحيّ القيوم وأتوب إليه ثلاثاً ، وإذا أراد القيام للصلاة سبح وهلل وكبر ثلاثاً ، ويندب صلاة ركعتين عقب كل أذان إلا المغرب وينوي بهما سنته.
فائدة : يسنّ أن يقول بين سنة الصبح وفرضها ما نقل عن الترمذي الحكيم قال : رأيت الحق جلّ جلاله في المنام مراراً فقلت : يا رب إني أخاف زوال الإيمان ، فأمرني بهذا الدعاء في هذا المحل إحدى وأربعين مرة وهو : "يا حي يا قيوم ، يا بديع السموات والأرض ، يا ذا الجلال والإكرام ، يا ألله لا إله إلا أنت أسألك أن تحيي قلبي بأنوار معرفتك ، يا ألله يا ألله يا أرحم الراحمين" اهـ ش ق.
(
مسألة : ك) : مذهب الحنفية منع تأخير سنة الصبح عن فرضها فالخروج من خلافه مطلوب لا سيما والمعتمد أن المصيب في الفروع واحد.
فائدة : الجمعة كالظهر في راتبتها أي إن كانت مجزئة عنه ، وإلا صلى قبلها أربعاً ، وقبل الظهر أربعاً ، وبعده كذلك ، وسقطت بعدية الجمعة للشك في إجزائها بعد فعلها ، ولا تقضي سنتها البعدية بعد الوقت ، لأن الجمعة لا تقضى فكذلك سنتها اهـ بج. وفي فتاوى الجوهري سنّ قضاؤها كغيرها قال : وما نقله الشوبري عن الخادم أي من عدم القضاء فيه نظر اهـ ، ولا تسنّ إعادة الرواتب مطلقاً اهـ جمل ، والمعتمد أن القبلية كالبعدية في الفضل ، وقيل البعدية أفضل لتوقفها على فعل الفرض اهـ ع ش.
(مسألة : ب) : المشهور أن الرواتب هي التابعة للفرائض فقط ، وقيل : يقال للوتر والضحى راتبة ، وأما التخفيف المفرط في صلاة التراويح فمن البدع الفاشية لجهل الأئمة وتكاسلهم ، ومقتضى عبارة التحفة أن الانفراد في هذه الحالة أفضل من الجماعة إن علم المأموم أو ظن أن الإمام لا يتم بعض الأركان لم يصح الاقتداء به أصلاً ، ويجوز الفصل بين ركعات التراويح أو الوتر بنفل آخر ، إذ لا ينقطع إلا عما قبله لكنه خلاف الأفضل.
فائدة : أكثر الضحى اثنتا عشرة ركعة على الراجح قاله ابن حجر. وقال (م ر) : أكثرها ثمان ، وللشيخ عبد السلام النزيلي أبيات في فضلها ، منها قوله :
بثنتين منها ليس تكتب غافلاً
وأربع تدعى مخبتاً يا أبا عمرو
وستّ هداك الله تكتب قانتا
ثمان بها فوز المصلي لدى الحشر
وتمحى ذنوب اليوم بالعشر فاصطبر
وإن شئت ثنتا عشرها فزت بالنصر اهـ كردي.
وينبغي أن يقرأ بعد صلاة الضحى : رب اغفر لي وتب عليّ إنك أنت التواب الرحيم ، اللهم لك الحمد أصبحت عبدك على عهدك ووعدك ، أنت خلقتني ولم أك شيئاً ، أستغفرك لذنبي فإنه قد أرهقتني ذنوبي وأحاطت بي ، إلا أن تغفرها لي فاغفرها يا أرحم الراحمين ، فإنه مرجوّ الإجابة إن شاء الله تعالى اهـ شرح البداية. وقال في التحفة تنبيه : ما ذكر من أن الثمان في صلاة الضحى أفضل من اثنتي عشرة لا ينافي قاعدة أن كل ما كثر وشقّ كان أفضل لخبر عائشة رضي الله عنها : "أجرك على قدر نصبك" لأنها أغلبية لتصريحهم أن العمل القليل قد يفضل الكثير ، كالقصر أفضل من الإتمام بشرطه وكالوتر بثلاث أفضل منه بخمس أو سبع أو تسع على ما قاله الغزالي وهو مردود ، وكالصلاة مرة في جماعة أفضل من تكريرها خمساً وعشرين انفراداً ، لو قلنا بجوازه وتخفيف ركعتي الفجر أفضل من تطويلها بغير الوارد ، وركعتا العيد أفضل من ركعتي الكسوف بكيفيتها الكاملة ، وركعة الوتر أفضل من ركعتي الفجر وتهجد الليل وإن كثر اهـ.
فائدة : قال ع ش : ينبغي أن محل اندراج التحية مع غيرها ما لم ينذرها وإلا لم تدخل ، لأنها صارت مقصودة في نفسها اهـ جمل. ويندب لمن لم يتمكن من التحية لحدث أن يقول أربع مرات : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، زاد بعضهم : ولا حول إلى العظيم ، لأنها تعدل ركعتين في الفضل فتندفع بها الكراهة ، ومحله حيث لم يتيسر له الوضوء في المسجد قبل طول الفصل ، وبالأولى ما لو كان متطهراً ، واشتغل بغيرها اهـ ش ق عن ق ل. وقال الجوهري : إن ذلك كالكفارة لا أنه تحية كما حققه ابن حجر ، وألحق بعضهم بها سجدة التلاوة والشكر ، ومثلها سنة الوضوء والإحرام ، ولا يتقيد ذلك بما إذا كان محدثاً كما هو مقتضى النقل ، ولا يشترط الإتيان به حال القيام ، بل لو شرع فيه ثم جلس كفاه كالتحية ، واعتمد سم عدم إجزائها بعد جلوسه وفيه نظر ، إذ القصد إنابة هذا مقام تقصيره بالجلوس المكروه ، فلا فرق بين الإتيان به أي الإحرام قبل القعود أو بعده اهـ.
(مسألة : ب) : صلى ركعتين من صلاة التسبيح ليلاً وأراد التكميل نهاراً جاز ، وعدت صلاة التسبيح وإن طال الفصل ، إذ لا تشترط الفورية فيها ، ولأنها ليست من ذات السبب أو الوقت حتى تتقيد به ، بل العمر كله وقت لها ، ما عدا وقت الكراهة كالنفل المطلق فعلم أنها لا تقضى ، وأنه يسن تكرارها ولو مراراً في ساعة ، والتسبيحات فيها هيئة تابعة كتكبير العيد بل أولى ، فلا سجود لتركها وإن نوى صلاة التسبيح ، نعم إن أطال ركناً قصيراً حينئذ ضر ، لأن اغتفار تطويله بالتسبيح الوارد ، فحيث لم يأت به صارت نفلاً مطلقاً ، ولم تسمّ صلاة التسبيح ، كما لو لم ينوها وأراد التسبيح فيجوز بشرط أن لا يبطل الركن القصير أيضاً لأن نيته انعقدت نافلة ، ويندب الإسرار بتسبيحها مطلقاً ، وبقراءتها نهاراً وأن يتوسط فيها ليلاً ، وتجب بالنذر ، ويجوز فيها الفصل والوصل ، ولكن استحسن الإمام الغزالي الوصل نهاراً ، وضده ليلاً.
فائدة : الأولى أن يقرأ في صلاة التسبيح سور التسبيح كالحديد والحشر والصف والجمعة والتغابن للمناسبة ، فإن لم يفعل فسورة الزلزلة والعاديات وألهاكم والإخلاص ، ويقول قبل السلام : اللهم إني أسألك توفيق أهل الهدى ، وأعمال أهل اليقين ، ومناصحة أهل التوبة ، وعزم أهل الصبر ، وجدّ أهل الخشية ، وطلب أهل الرغبة ، وتعبد أهل الورع ، وعرفان أهل العلم حتى أخافك ، اللهم إني أسألك مخافة تحجزني بها عن معاصيك حتى أعمل بطاعتك عملاً أستحق به رضاك ، وحتى أناصحك بالتوبة خوفاً منك ، وحتى أخلص لك النصيحة حباً لك ، وحتى أتوكل عليك في الأمور كلها حسن ظن بك ، سبحان خالق النور اهـ إيعاب.
(
مسألة : ك) : يسن التوسط بقراءة صلاة التسبيح ليلاً ، ولم أر من صرح بالاكتفاء بها لمن عادته التهجد عن أربع ركعات ، والذي يظهر الاكتفاء إذ هي من النفل المطلق ، ويحصل به التهجد كما يحصل بالوتر ، إذ التهجد هو النفل ليلاً بعد نوم لأن الهجود النوم ، يقال هجد إذا نام ، وتهجد أزال نومه بتكلف.
فائدة : قال في الإحياء : قال : "من صلى المغرب في جماعة ، ثم صلى بعدها ركعتين ولا يتكلم بشيء فيما بينهما من أمر الدنيا ، يقرأ في الأولى بفاتحة الكتاب ، وعشر آيات من أول سورة البقرة إلى يشعرون الثانية ، وآيتين من وسطها ، وإلهكم إلى يعقلون ، والإخلاص خمس عشرة مرة ، وفي الثانية بالفاتحة وآية الكرسي إلى خالدون ، ولله ما في السموات إلى آخر السورة ، والإخلاص خمس عشرة مرة" ووصف في الحديث من ثوابها ما يجلّ عن الحصر اهـ. وهذه المسماة صلاة الفردوس.
فائدة : ذكر السيوطي في رسالة له في خصائص يوم الجمعة وأوصلها إلى مائة خصوصية وواحدة قال : وأخرج الأصبهاني عن ابن عباس قال : قال رسول الله : "من صلى الضحى أربع ركعات في يوم الجمعة في دهره مرة ، يقرأ بفاتحة الكتاب عشراً ، وقل أعوذ بربّ الناس والفلق والإخلاص والكافرون وآية الكرسي عشراً عشراً في كل ركعة ، فإذا سلم استغفر الله سبعين مرة وسبح كذلك سبحان الله إلى العظيم ، دفع الله عنه شر أهل السموات والأرض والجن والإنس" .
(مسألة : ش) : لا تجوز صلاة الحاجة بالرواية التي في آخرها أنه يسجد بعد التشهد وقبل السلام ، بل إن سجد بطلت صلاته لأن حديثها ضعيف جداً ، ولا عبرة بالتجربة ، بل من أراد صلاة الحاجة فليفعلها بالروايتين اللتين ذكرهما في عدّة الحصن الحصين قبل هذه الرواية ، نعم لو سلم من الصلاة فأتى بالقراءة والتهليل ، ثم تلا آية سجدة ولم يقصد إيقاعها في الوقت المكروه وسجد فلا بأس ولا يقال إنه مأمور به.
(مسألة) : يندب قضاء النفل المؤقت كالعيد والوتر والرواتب مطلقاً ، بل لو اعتاد شيئاً من النفل المطلق فتركه في وقته المعتاد ولو لعذر سن له قضاؤه لئلا تميل نفسه إلى الدعة والرفاهية ، ولا يجوز قضاء ذي السبب كالكسوف والتحية.
فائدة : النفل في البيت أفضل ، أي حتى من جوف الكعبة كما في التحفة وغيرها ، ونظم الطبلاوي ما يستثنى من ندب النفل في البيت فقال :
صلاة نفل في البيوت أفضل
إلا لدى جماعة تحصل
وسنة الإحرام والطواف
ونفل جالس للاعتكاف
ونحو علمه لإحياء البقعة
كذا الضحى ونفل يوم الجمعة
وخائف الفوات بالتأخر
وقادم ومنشىء للسفر
والاستخارة وللقبلية
لمغرب ولا كذا البعدية وذكر ذلك في الإيعاب وزاد : من خشي التكاسل والمنذورة ، وزاد ق ل : قبلية دخل وقتها اهـ كردي.
63
أحكام المساجد
فائدة : لو اشترك جماعة في بناء مسجد بني لكل منهم بيت في الجنة ، كما لو أعتق جماعة عبداً فإن كلاًّ يعتق من النار ، ويسنّ بناؤها في الدور ، ويكره فيما تكره فيه الصلاة إلا الحمام والمقبرة المندرسة اهـ إيعاب ومشرع.
(مسألة : ي) : المسجد المعمور بموات تثبت له أحكام المسجدية بشرط أن يكون العامر مسلماً ، وأن يتلفظ بوقفه ، أو يقصد بالبناء جعله مسجداً ، وأن تكون الأرض المذكورة لم تعمر أصلاً ، أو شك في عمارتها أو عمرها كافر قبل استيلاء المسلمين عليها أو بعده ولم تدخل تحت يد مسلم ، أو شك هل العمارة جاهلية أو إسلاماً ؟ وكالموات ما أخذه المسلم ولو بشراء فاسد من كافر فخرج بالمسلم الكافر ، فلا اعتداد ببنائه في تلك الصور ، إذ لا يجوز له إحياء موات الإسلام ، فلو باعها المسلم فبناها مسجداً ، أو ملكها لمسلم آخر فبناها الثاني ، كذلك باللفظ أو النية ثبتت له أحكامه ، ولم يملك الثمن آخذه إذ بيع الكافر المذكور حينئذ فاسد ، وإنما ذلك صورة افتداء ، نعم لو بنى كافر مسجداً بأرض تحت يده ولم يعلم أنها ترتبت عليها بغير حق ثبتت له الأحكام ، كما لو باع الكافر تلك الأرض لمسلم بيعاً صحيحاً بإيجاب وقبول فبنى بها مسجداً ، لكن لا بد في هاتين من التلفظ بالوقف ، فلا تكفي النية ، بخلاف الموات كما مر ، ولو رأينا صورة مسجد ولم ندر من بانيه ، وهل هو في موات أو ملك ، وهل تلفظ عامره بوقفه أم لا ؟ ثبتت له أحكامه أيضاً ، سواء استفاض بين الناس تسميته مسجداً أم لا ، كما قاله ابن حجر. وقال (م ر) : بشرط الاستفاضة ، قال ع ش : والأقرب كلام ابن حجر ، وإذا ثبتت لأرض المسجد أحكامه ثبتت لجدرانه وأخشابه وغيرها من آلات العمارة ، لأن المتصدي لقبض ذلك من الناس نائب عنهم في شرائها ، فيزول ملكهم عنها باستقرارها في محلها لا قبله ، كما لو قال لقيم المسجد : اضرب اللبن للمسجد من أرضي فضربه وبنى به يصير له حكم المسجد حينئذ.
(مسألة : ب) : ليست الجوابي المعروفة وزواياها من رحبة المسجد ولا حريمه ، بل هي مستقلة لما وضعت له ، ويستعمل كل على ما عهد فيه بلا نكير ، ومن ذلك البول في مضاربها ومكث الجنب فيهما ، ولا تحتاج إلى معرفة نص من واقفها ، إذ العرف كاف في ذلك ، ويجوز الاستنجاء وغسل النجاسة الخفيفة منها ، وأما الممرّ من المطاهر إلى المسجد فما اتصل بالمسجد مسجد ، وما فصل بينهما بطريق معترضة فلا ، وأطلق ابن مزروع عدم المسجدية فيه مطلقاً للعرف.
(
مسألة : ب) : وجد في قائمة مسجد في صيغة وقفه : جعلت فلانة الموضع الذي أحدثته وأحيته على صورة المسجد المبني ببلد كذا مع الساحات التي يجري المسجد المقطتعات معها من السلطان ، وقفت ذلك مسجداً ، ووقفت إيضاً كما ذكر البئر والمنارة والزاوية والدكك والحوض المنسوجات للمسجد ، فالذي يظهر ببادىء الرأي من تلك الصيغة أن الساحات التي عينتها الواقفة قد كانت بجانب الموضع الذي أحدثته على صورة المسجد قبل أن يكون مسجداً ، ثم جعلته مع الساحات مسجداً ، فصارت الساحات داخلة في جملة المسجد ، إذ يبعد كل البعد أن تكون الساحات الخارجة اليوم عن المسجد المطروقة التي لم تحوّط ببناء ، ولم تحترم مع تطاول الزمان ، وتعدد النظار في بلدة هي محط العلم وموضع الحكم مسجداً بنص الواقفة مع تداول النظار السابقين لهذه الصيغة ، اللهم إلا إن تحقق أو غلب على الظن بقرائن قوية لا بمجرد كتابة الصيغة ، أن تلك الساحات الخارجة عن المسجد هي المعنية والمرادة للواقفة ، فحينئذ لا شك في كونها من جملة المسجد ، ودخولها في حكم المسجدية مطلقاً للنص ، أما مجرد كتابة الصيغة فلا عبرة به ، وقد أفتى ابن حجر بأنه لا يعتمد على التواريخ المكتوبة على المقابر والمساجد بل تفيد نوعاً من الاحتياط ، فلو رأينا محلاً مهيأ للصلاة ولم يتواتر بين الناس أنه مسجد لم يجب التزام أحكام المسجدية فيه ، فإذا رأينا مكتوباً في بعضه تأكد ندب الاحتياط والتزام أحكام المسجدية ، وبه يعلم حكم الساحات المذكورة وقولها وقفت كما ذكر البئر والمنارة الخ ، الذي يظهر أيضاً أن التشبيه في مجرد مطلق الوقف لا بقيد المسجدية ، إذ لا يعطى المشبه حكم المشبه به من كل الوجوه ، مع أنه يبعد قصد المسجدية بالبئر وما عطف عليها ما عدا الزاوية والمنارة ، بل لا يتصوَّر مع أن العرف والعادة زمن الواقفة وقبله وبعده ماضيان بأن تلك المذكورات من مرافق المسجد لا منه ، وإن شملها لفظ الوقف ، بل قولها المنسوبات للمسجد يؤيد ما ذكر ،
وإذا أريد توسيع المسجد من تلك الساحات الخارجة ففيه تفصيل ذكره في التحفة والقلائد. قلت : وقوله عن ابن حجر : إذا رأينا صورة مسجد ولم يتواتر الخ هو كذلك في فتاوى له ، لكن مال بعد ما ذكر إلى أنه إن كان في موات أنها تجري عليه الأحكام ، ورجح في فتيا أخرى أنها تثبت الأحكام لضرر المسجد المجهول مطلقاً ، وإن لم يستفض أنه مسجد كما تقدم في ي.
(
مسألة ي) : اشترى بيتاً ووقفه مسجداً صح ، وأعطى حكمه وحرم عليه وعلى غيره هدمه وتوسيعه إلا لضرورة أو حاجة ، كخوف سقوط جدار ، ودفع حرّ وبرد ، وضيق على نحو المصلين ، فيجوز حينئذ بشرط أن يبنيه في تلك الأرض الموقوفة ، وأن يعم جميعها بالبناء ، وله أن يدخل غيرها معها ، وللزيادة المذكورة حكم الوقف إن بنيت في أرض موقوفة مسجداً ، أو وقفت كذلك وإلا فلا ، وأن يكون المعاد صورة مسجد بأن يطلق عليه اسمه لا نحو رباط ، إذ يمتنع تغيير الوقف بما يغيره بالكلية عن اسمه الذي كان عليه حال الوقف بخلاف ما لا يغيره ، وإن قدم مؤخراً أو جعل محراباً صحناً أو رحبة وعكسه ، وأن يأذن الإمام أو نائبه إن كانت الزيادة فتح باب أو هدم حائط ، بخلاف نحو التحويط خارجه ، والزيادة المتصلة ببابه ، نعم لا يجوز فعل نحو حوض فيه مما يغير هيئة المسجد ، إلا إن شرطه الواقف في صلب الوقف متصلاً به كأن يقول : وقفت هذه الأرض مسجداً بشرط أن يفعل فيها حوض للماء مثلاً ، أو اطردت عادة موجودة في زمن الواقف علم بها بفعل نحو الحوض ، وإذا امتنع فعله دفن وأدخل محله في المسجد وجوباً ، والمتولي للعمارة مطلقاً الناظر الخاص الأهل الثابت له النظر من جهة الواقف ، المشروط له ذلك حال الوقف ، فلو فعل ذلك غيره ، فإن كان بإذنه أو الحاكم عند عدم تأهل الناظر جاز فعله ، أو بإذن الحاكم مع أهلية الناظر أثم ولا تعزير عليه لشبهة إذن الحاكم أو بغير إذنهما مع تأهلهما فمتعدّ يستحق التعزير من الحاكم المسلم المتأهل للحكم ، ولا يجوز رفعه لكافر ولا غير متأهل ، بل يستحق الرافع التعزير حينئذ ، لكن للبناء المذكور وآلاته حكم المسجد بشروطه المارة ، فلا يجوز نقصه حينئذ ، لأن الحرج إنما لحق الهادم بافتياته ما هو لغيره لا غيره.
(مسألة : ك) : يحرم تطيين المسجد بالآجر النجس ، ويكره بناؤه به ، ونص بعضهم على الحرمة أيضاً ، ويجوز توسيع المسجد وتغيير بنائه بنحو رفعه للحاجة بشرط إذن الناظر من جهة الواقف ، ثم الحاكم الأهل ، فإن لم يوجد وكان الموسع ذا عدالة ورآه مصلحة بحيث يغلب على الظن أنه لو كان الواقف حياً لرضي به جاز ، ولا يحتاج إلى إذن ورثة الواقف إذا لم يشرط لهم النظر ، ولو وقف ما حواليه مرافق له جاز توسيعه منه أيضاً إن شرط الواقف التوسيع منها عند الحاجة أو اطرد به عرف ، لأن العادة المقترنة بالوقف منزلة منزلة شرطه ، وكذا إن جعل لمن تولاه أن يفعل ما رآه مصلحة ، واقتضى نظر المتولي بدلالة الحال ذلك ، ولا تصير الزيادة المذكورة مسجداً إلا بالتلفظ بوقفها أو ما قام مقامه ، كإشارة الأخرس وكالبناء في الموات بنية المسجدية ، نعم يندب تقديم الداخل فيها يمينه والخارج يساره إن ألحقنا موضع الصلاة في ذلك بالمسجد وهو ما بحثه الأسنوي.
(
مسألة) : بئر قرب مسجد تضرر بها وخيف على جداره بنداوتها جاز بل وجب على الناظر طمها وحفر غيرها ، ولا ينقطع الثواب بحفر الثانية إن كان من غلة المسجد ، وفي الإيعاب : لا يكره حفر البئر في المسجد لحاجة كأن لا يحضره جماعة لعدم ماء فيه الخ.
(مسألة : ي) : ليس للناظر العام وهو القاضي أو الوالي النظر في أمر الأوقاف وأموال المساجد مع وجود الناظر الخاص المتأهل ، فحينئذ فما يجمعه الناس ويبذلونه لعمارتها بنحو نذر أو هبة وصدقة مقبوضين بيد الناظر أو وكيله كالساعي في العمارة بإذن الناظر يملكه المسجد ، ويتولى الناظر العمارة بالهدم والبناء وشراء الآلة والاستئجار ، فإن قبض الساعي غير النذر بلا إذن الناظر فهو باق علىملك باذله ، فإن أذن في دفعه للناظر ، أو دلت قرينة أو اطردت العادة بدفعه دفعه وصار ملكاً للمسجد حينئذ فيتصرف فيه كما مر ، وإن لم يأذن في الدفع للناطر فالقابض أمين الباذل ، فعليه صرفه للأجراء وثمن الآلة وتسليمها للناظر ، وعلى الناظر العمارة ، هذا إن جرت العادة أو القرينة أو الإذن بالصرف كذلك أيضاً ، وإلا فإن أمكنت مراجعة الباذل لزمت ، وإن لم تمكن فالذي أراه عدم جواز الصرف حينئذ لعدم ملك المسجد لها ، إذ لا يجوز قبض الصدقة إلا بإذن المتصدق وقد انتفى هنا ، وليتفطن لدقيقة ، وهو أن ما قبض بغير إذن الناظر إذا مات باذله قبل قبض الناظر أو صرفه على ما مر تفصيله يرد لوارثه ، إذ هو باق على ملك الميت ، وبموته بطل إذنه في صرفه.
(مسألة : ب) : يجوز للمقيم شراء عبد للمسجد ينتفع به لنحو نزح إن تعينت المصلحة في ذلك ، إذ المدار كله من سائر الأولياء عليها ، نعم لا نرى للقيم وجهاً في تزويج العبد المذكور كولي اليتيم إلا أن يبيعه بالمصلحة فيزوجه مشتريه ثم يرد للمسجد بنحو بيع مراعياً في ذلك المصلحة ، ويجوز بل يندب للقيم أن يفعل ما يعتاد في المسجد من قهوة ودخون وغيرهما مما يرغب نحو المصلين ، وإن لم يعتد قبل إذا زاد على عمارته.
فائدة : قال الفيومي : يحرم على المستجمر بالحجر المكث في المسجد إلا بقدر الصلاة فقط ، ويحرم على من ببدنه أو ثوبه نجاسة المكث فيه لغير ضرورة ، أما مروره من غير مكث فلا يحرم ، ولا يجوز إدخال النعل المتنجس إلا إن خشي عليه خارجه وأمن تلويثه اهـ وف التحفة : ومع حل لبسه يعني الثوب المتنجس يحرم المكث به في المسجد من غير حاجة إليه كما بحثه الأذرعي ، لأنه يجب تنزيهه عن النجس اهـ.
فائدة : جماعة يقرأون القرآن في المسجد جهراً ، وينتفع بقراءتهم أناس ، ويتشوّش آخرون ، فإن كانت المصلحة أكثر من المفسدة فالقراءة أفضل ، وإن كانت بالعكس كرهت اهـ فتاوى النووي.
(
مسألة : ك) : لا يكره في المسجد الجهر بالذكر بأنواعه ، ومنه قراءة القرآن إلا إن شوّش على مصلّ أو أذى نائماً ، بل إن كثر التأذي حرم فيمنع منه حينئذ ، كما لو جلس بعد الأذان يذكر الله تعالى ، وكل من أتى للصلاة جلس معه وشوّش على المصلين ، فإن لم يكن ثم تشويش أبيح بل ندب لنحو تعليم إن لم يخف رياء ، ويكره تعليق الأوراق المنقوش فيها صورة الحرمين وما فيهما من المشاعر المسماة بالعمر في المسجد للتشويش على المصلين وغيرهم ، ولكراهة الصلاة إلى ما يلهي لأنه يخلّ بالخشوع ، وقد صرحوا بكراهة نقش المسجد وهذا منه ، نعم إن كانت مرتفعة بحيث لا تشوّش فلا بأس ، إلا إن تولد من إلصاقها تلويث المسجد أو فساد تجصيصه ، ولا يجوز الانتفاع بها بغير رضا مالكها ، إلا إن بليت وسقطت ماليتها ، فلكل أخذها لقضاء العرف بذلك.
(مسألة : ك) : قال الخطيب في المغني : ويصرف الموقوف على المسجد وقفاً مطلقاً على عمارته في البناء والتجصيص المحكم والسلم والسواري للتظليل بها ، والمكانس والمساحي لينقل بها الترب ، وفي ظلة تمنع حطب الباب من نحو المطر إن لم تضرّ بالمارة ، وفي أجرة قيم لا مؤذن وإمام وحصر ودهن ، لأن القيم يحفظ العمارة بخلاف الباقي ، فإن كان الوقف لمصالح المسجد صرف من ريعه لمن ذكر لا لتزويقه ونقشه ، بل لو وقف عليها لم يصح اهـ. واعتمد في النهاية أنه يصرف للمؤذن وما بعده في الوقف المطلق أيضاً ، ويلحق بالمؤذن الحصر والدهن.
(مسألة : ك) : انهدم مسجد وله وقف ، فإن توقع عوده حفظ ريعه ، وإلا جاز صرفه لمسجد آخر ، فإن تعذر صرف للفقراء كما في التحفة ، وقال في النهاية : صرف لأقرب الناس إلى الواقف ثم الفقراء اهـ. قلت : وقال أبو مخرمة : وإذا عمر المسجد المنهدم رد عليه وقفه اهـ.
فائدة : تعطل مسجد وتعذرت عمارته لخراب البلاد وقلة ما يحصل من غلته وخيف ضياعها باستيلاء ظالم ، جاز نقلها لمسجد آخر معمور على المعتمد من خمسة أوجه ، نعم المسجد الأقرب أولى ، وكذا يقال في البئر والقنطرة إذا تعذرت إعادتها أو استغني عنها ، أما المسجد في المكان العامر فتجمع غلاّت وقفه إلى أن يحصل منها ما يعمره ولا تنقل عنه اهـ حسن النجوق للعموي ، وبنحوه أفتى العلامة أحمد بن حسن الحداد قال : فإن تعذر وجود مسجد فلرباط أو زاوية أو قنطرة أو بئر ونحوها من الأوقاف العامة الأشبه فالأشبه ، ولا يبنى بها مسجد جديد مع إمكان صرفها لعامر اهـ.
فائدة : لا يجوز للقيم بيع الفاضل مما يؤتى به لنحو المسجد من غير لفظ ، ولا صرفه في نوع آخر من عمارة ونحوها ، وإن احتيج إليه ما لم يقتض لفظ الآتي به أو تدل قرينة عليه ، لأن صرفه فيما جعل له ممكن وإن طال الوقت ، قاله أبو شكيل اهـ فتاوى ابن حجر.
فائدة : ليس لمن أخذ شيئاً من صدقة الفطور أن يصرفها في غير الإفطار عليها ، وليس له التصرف فيها ، ولا إعطاؤها لغيره ، لأنها في حكم الضيافة للصائمين ، ولو شرط الواقف التفرقة في المسجد فلمن أعطى فيه الخروج به منه ، لأنه لم يقصد الأكل في المسجد بل قصد خصوص التفرقة ، ويقبل قوله : أنا صائم لأجل الفطور حراً بالغاً حاضراً أم لا ، لكن يختص الصرف بالفقراء الصوَّام ، إلا إن اعتيد الصرف لغيرهم من النظار الورعين أو اطراد العرف بذلك اهـ فتاوى بامخرمة. وقال أبو يزيد : الظاهر أن المصروف إليه يتصرف في المقبوض بما شاء.
67
صلاة الجماعة
(مسألة) : ذهب بعض العلماء إلى تفضيل الصلاة في الفلاة عليها في الجماعة للحديث الصحيح : "الصلاة في جماعة تعدل خمساً وعشرين صلاة ، فإذا صلاها في فلاة فأتم ركوعها وسجودها بلغت خمسين صلاة ، وفي رواية : خمسين درجة" : وروى عبد الرزاق : "أن من صلى بالفلاة إن أقام صلى معه ملكان ، وإن أذن وأقام صلى خلفه من جنود الله ما لا يعرف طرفاه" . وفي الموطأ عن ابن المسيب : "من صلى بأرض فلاة بأذان وإقامة صلى وراءه أمثال الجبال من الملائكة" . وفي ذلك نظر ، بل الصلاة في الجماعة أفضل من الانفراد في الفلاة ، ويحمل الحديثان الأولان على من صلاها في الفلاة في جماعة ، بل ظاهرهما يدل على ذلك ، والروايتان الأخيرتان محتملتان بأن يراد بالمعية مجرد الموافقة ، أو تكون هذه الخاصة بهذه الأمور جعلها الشارع أفضل من الجماعة ولا مانع ، فإن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء ، وأفتى الحناطي بأنه يبرّ بها من حلف ليصلي في جماعة وهو ضعيف اهـ ملخصاً من الإيعاب. وهل ينوي الإمامة حينئذ أم لا ؟ الظاهر نعم كما قد رأيته معزوًّا.
(مسألة : ب ك) : تباح الجماعة في نحو الوتر والتسبيح فلا كراهة في ذلك ولا ثواب ، نعم إن قصد تعليم المصلين وتحريضهم كان له ثواب ، وأي ثواب بالنية الحسنة ، فكما يباح الجهر في موضع الإسرار الذي هو مكروه للتعليم فأولى ما أصله الإباحة ، وكما يثاب في المباحات إذا قصد بها القربة كالتقوّي بالأكل على الطاعة ، هذا إذا لم يقترن بذلك محذور ، كنحو إيذاء أو اعتقاد العامة مشروعية الجماعة وإلا فلا ثواب بل يحرم ويمنع منها.
(مسألة : ش) : لا خلاف عندنا في ندب إعادة الصلاة المقصورة مع مثلها ، والمعتمد ندب إعادتها مع متمّ ، كما تندب إعادة الجمعة مع مصلي الظهر على المعتمد أيضاً ، وزعم بعضهم أن القاصر لو أتى بلده مثلاً في الوقت فوجد مسافراً أعاد معه قصراً لأنها حاكية للأولى بعيد اهـ. قلت : وقوله تندب إعادة الجمعة ظهراً خالفه في ي ج كما يأتي في الجمعة ، وابن حجر في فتاويه أيضاً فقال : لا تصح إعادة الجمعة ظهراً ، واشترط الجماعة في المعادة ولو في جزء منها وإن فارق الإمام ، واعتمد (م ر) اشتراط الجماعة في جميعها.
(مسألة : ب ش) : الأصح ندب إعادة الصبح والعصر كغيرهما من بقية الخمس ولو إماماً ، خلافاً للقماط والردّاد لإطلاقهم ندب الإعادة ، والمسألة إذا دخلت في عموم كلامهم كانت منقولة كما في المجموع ، وتجب فيها نية الإمامة على الأوجه.
(
67
صلاة الجماعة
(مسألة) : ذهب بعض العلماء إلى تفضيل الصلاة في الفلاة عليها في الجماعة للحديث الصحيح : "الصلاة في جماعة تعدل خمساً وعشرين صلاة ، فإذا صلاها في فلاة فأتم ركوعها وسجودها بلغت خمسين صلاة ، وفي رواية : خمسين درجة" : وروى عبد الرزاق : "أن من صلى بالفلاة إن أقام صلى معه ملكان ، وإن أذن وأقام صلى خلفه من جنود الله ما لا يعرف طرفاه" . وفي الموطأ عن ابن المسيب : "من صلى بأرض فلاة بأذان وإقامة صلى وراءه أمثال الجبال من الملائكة" . وفي ذلك نظر ، بل الصلاة في الجماعة أفضل من الانفراد في الفلاة ، ويحمل الحديثان الأولان على من صلاها في الفلاة في جماعة ، بل ظاهرهما يدل على ذلك ، والروايتان الأخيرتان محتملتان بأن يراد بالمعية مجرد الموافقة ، أو تكون هذه الخاصة بهذه الأمور جعلها الشارع أفضل من الجماعة ولا مانع ، فإن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء ، وأفتى الحناطي بأنه يبرّ بها من حلف ليصلي في جماعة وهو ضعيف اهـ ملخصاً من الإيعاب. وهل ينوي الإمامة حينئذ أم لا ؟ الظاهر نعم كما قد رأيته معزوًّا.
(مسألة : ب ك) : تباح الجماعة في نحو الوتر والتسبيح فلا كراهة في ذلك ولا ثواب ، نعم إن قصد تعليم المصلين وتحريضهم كان له ثواب ، وأي ثواب بالنية الحسنة ، فكما يباح الجهر في موضع الإسرار الذي هو مكروه للتعليم فأولى ما أصله الإباحة ، وكما يثاب في المباحات إذا قصد بها القربة كالتقوّي بالأكل على الطاعة ، هذا إذا لم يقترن بذلك محذور ، كنحو إيذاء أو اعتقاد العامة مشروعية الجماعة وإلا فلا ثواب بل يحرم ويمنع منها.
(مسألة : ش) : لا خلاف عندنا في ندب إعادة الصلاة المقصورة مع مثلها ، والمعتمد ندب إعادتها مع متمّ ، كما تندب إعادة الجمعة مع مصلي الظهر على المعتمد أيضاً ، وزعم بعضهم أن القاصر لو أتى بلده مثلاً في الوقت فوجد مسافراً أعاد معه قصراً لأنها حاكية للأولى بعيد اهـ. قلت : وقوله تندب إعادة الجمعة ظهراً خالفه في ي ج كما يأتي في الجمعة ، وابن حجر في فتاويه أيضاً فقال : لا تصح إعادة الجمعة ظهراً ، واشترط الجماعة في المعادة ولو في جزء منها وإن فارق الإمام ، واعتمد (م ر) اشتراط الجماعة في جميعها.
(مسألة : ب ش) : الأصح ندب إعادة الصبح والعصر كغيرهما من بقية الخمس ولو إماماً ، خلافاً للقماط والردّاد لإطلاقهم ندب الإعادة ، والمسألة إذا دخلت في عموم كلامهم كانت منقولة كما في المجموع ، وتجب فيها نية الإمامة على الأوجه.
(
مسألة : ب) : تندب تسوية الصفوف وتعديلها بأن لا يزيد أحد جانبي الصف على الآخر وتكميلها إجماعاً ، بل قيل بوجوبه ، فمخالفته حينئذ مكروهة مفوّتة لفضيلة الجماعة ، ككل مكروه من حيث الجماعة بأن لا يوجد إلا فيها ، وحينئذ فقولهم الوقوف بقرب الإمام في صف أفضل من البعد عنه فيه وعن يمين الإمام ، وإن بعد أفضل من الوقوف عن يساره ، وإن قرب محله كما في فتاوى ابن حجر ما إذا أتى المأموم وقد صفت الصفوف ولم يترتب على ذلك خلوّ مياسر الصفوف ، وإلا لم يكن مفضولاً لئلا يرغب الناس كلهم عنه ، ويقاس بذلك ما في معناه ، لأنه لما رغب في ميامن الصفوف وفضلها رغب الناس في ذلك وعطلوا ميسر المسجد فقيل : يا رسول الله إن ميسرة المسجد قد تعطلت فقال : "من عمر ميسرة المسجد كتب له كفلان من الأجر" وإنما خصهم بذلك لما تعطلت تلك الجهة ، إذ ليس لهم ذلك في كل حال ، ورجح ابن حجر فوات فضيلة الجماعة بالانفراد عن الصف والبعد بأكثر من ثلاثة أذرع بلا عذر ، ووقوف أكثر المأمومين في جهة ، واعتمد أبو مخرمة وصاحب القلائد حصولها مع ذلك اهـ. قلت : ونقل باعشن عن سم والبصري وغيرهما عدم الفوات بالانفراد أيضاً ، لكنه دون من دخل في الصف. وعن المحلي وابن حجر و (م ر) فواتها بكل مكروه من حيث الجماعة ، واستثنى أحمد الرملي تقطع الصفوف.
(مسألة : ب) : الصلاة بين السواري في الجماعة تقطع الصف واتصاله مطلوب ، قال المحب الطبري : وكره قوم الصف بين السواري للنهي الوارد في ذلك ، والحكمة فيه إما لانقطاع الصف أو لأنه موضع النعال ، وقال القرطبي : روي في سبب كراهته أنه مصلى مؤمن الجن اهـ شرح تراجم البخاري للإمام محمد بن أحمد فضل ، ورأيت معزوّاً للسيد عمر البصري : لو تخلل الصف أو الصفوف سوار وقف مسامتاً لها ولم تعدّ فاصلاً لاتحاد الصف معها عرفاً.
(مسألة : ي) : لو كان في الصف من لا تصح صلاته لنحو نجاسة أو لحن ، أو كان أهل الصف المتقدم كذلك ، لم تفت فضيلة الجماعة على من وراءهم ، وإن زاد البعد عمن تصح صلاته على ما يسع واقفاً في الأولى وثلاثة أذرع في الثانية ، إلا إن علم المتأخرون بطلان صلاة من ذكر ، وأنها لا تصح عند إمام يصح تقليده ، وقدروا على تأخيرهم من غير خوف على نفس أو مال أو عرض ، لأن فضيلة الجماعة تحصل مع إمام جهل حدثه ، فأولى جهله ببطلان صلاة من لا رابطة بينه وبينه ، ولأن التأخير بعذر كحر لا يفوّتها فكذا هنا ، ولأنه استحق ذلك المكان بسبقه مع تقليده القائل بالصحة ، وكذا بعدم التقليد ، بناء على أن العامي لا مذهب له ، فعلم أن من وقف في صف لا تجوز تنحيته إلا إن علم بطلان صلاته إجماعاً أو اعتقاده فسادها حال فعلها.
(
مسألة : ب) : إدراك الركعة الأخيرة أولى من إدراك الصف الأوّل ، وإن كان الداخل في آخر المسجد وبعد عن الصف قبله بأكثر من ثلاثة أذرع ، كما قاله في العباب والقلائد وأبو مخرمة خروجاً من خلاف الإمام الغزالي القائل بأن الجماعة لا تدرك بأقل من ركعة.
فائدة : يكره ارتفاع المأموم على الإمام كعكسه إن أمكن وقوفهما مستويين كما في التحفة والنهاية ، بل أفتى (م ر) بأن الصف الثاني الخالي عن الارتفاع أولى من الأول معه ، وفي (ع ش : ) إذا صلى الناس بالصحراء نحو عيد فالأولى جعلهم صفوفاً حيث كثروا لا صفاً واحداً ، لما فيه من التشويش بالبعد عن الإمام وعدم سماع قراءته وغير ذلك ، وتعتبر المسافة في عرض الصفوف بما يهيأ للصلاة وهو ما يسعهم عادة مصطفين من غير إفراط في السعة والضيق اهـ جمل.
فائدة : يسنّ لمنفرد رأى جماعة مشروعة أن يقلب فرضه نفلاً ويدخل فيها بشرط أن يبقى معه أكثر من ركعتين ، وأن لا يكون الإمام ممن يكره الاقتداء به ، وأن لا يرجو جماعة غيرها ، وأن يتسع الوقت بأن يدرك جميعها فيه ، وأن تكون الجماعة مطلوبة لا فائتة خلف حاضرة وعكسه من غير جنسها ، فإن انتفى شرط من ذلك حرم القلب في الأخيرتين ، كما لو وجبت الفورية في الفائتة مطلقاً ، وجاز فيما عداهما كفائتة خلف مثلها من جنسها ، فإن خشي فوت الحاضرة أو كانت الجماعة في جمعة وجب القلب ، فعلم أن القلب تعتريه أحكام أربعة اهـ ش ق.
(مسألة : ي) : يتعين على الإمام أن يستكمل السنن المطلوبة التي ذكرها الفقهاء في حقه ، فلا يزيد فيكون من الفتانين ، ولا ينقص فيكون من الخائنين ، ويتأنى في ذلك ليتمكن الضعيف منها وإلا كره ، ومن تأمل ذلك عرف أن أئمة المساجد الآن مطففون خائنون ، لأنه إذا نقص الإمام عما طلب منه فنقص بسببه المأمومون لأجل متابعته فقد ضمن ما نقص من صلاتهم كما في الحديث وهو من أشد المكروهات ، بل إن اعتقد العوام أن هذه الكيفية هي المطلوبة فقد وقع الإمام في الحرام ، إذ ما يجوز فعله قد يجب تركه إذا خشي من فاعله اقتداء الناس به ، واعتقادهم سنيته وليس بسنة كما نص عليه اهـ. وقال في ب : ويندب للإمام التخفيف بأن يقتصر على قصار المفصل في السور وأدنى الكمال في التسبيحات وإن لم يرض المأمومون ، ولا يزيد على ذلك إلا برضا محصورين ، واعتمد ابن حجر وغيره فيما إذا صلى منفرداً حصل معه الحضور ، وإذا صلى جماعة لم يتيسر له أن الجماعة أفضل من الانفراد حينئذ.
(مسألة : ب) : يسنّ انتظار الداخل في الركوع والتشهد الأخير ، وقيدوه بأن لا يطوله تطويلاً ، بحيث لو وزع على جميع أفعال الصلاة لظهر له أثر محسوس ، ولا يتقيد بثلاث تسبيحات بل ولا سبع ، إذ لا يظهر لها أثر لو وزعت على أفعالها اهـ. وعبارة ش الذي يظهر في ضابط تطويل الإمام لانتظار الداخل أنه يعتبر الزائد على ما يشرع له ، إذ المشروع له ليس تطويلاً بل من سنن الصلاة ، فإذا كان إمام غير محصورين اعتبر التطويل في الركوع مثلاً بعد الثلاث التسبيحات ، فحينئذ يأخذ في ذلك القدر بغلبة الظن ، فما دام يغلب على ظنه أن التطويل لو وزع على جميع الصلاة لما ظهر أثر زائد على ما يشرع له بغلبة الظن من اللبث في كل فعل فهو باق في محل ندب الانتظار ، وما شك فيه ألحق بما لا يظهر له أثر ، إذ ندب الانتظار قد تحقق فلا يزول إلا بيقين.
فائدة : لو انتظره للركوع والاعتدال والسجود وهو قليل في كل واحد ولكنه كثير باعتبار الجملة ، فالظاهر أنه كثير ، وقال طب : إنه قليل اهـ سم. وفي الفتح : بحيث لو وزع أي بالنسبة لكل منتظر على حدته خلافاً للإمام اهـ.
(مسألة : ش) : من أعذار الجمعة والجماعة سوى ما في المنهاج والإرشاد كون إمامها ممن يكره الاقتداء به لبدعة لا تكفر ، أو فسق أو عدم اعتقاد وجوب بعض الأركان أو الشروط وإن أتى بها ، أو كونه يلحن لحناً لا يغير المعنى ، أو موسوساً وسوسة ظاهرة ، أو معروفاً بالتساهل في الطهارة ، أو أقلف ، أو تأتاء ، أو فأفاء ، أو سريع القراءة بحيث لا تدرك معه الفاتحة ، أو يطوِّل تطويلاً يزول معه الخشوع ، أو كون المسجد بني من مال خبيث ، أو شك في ملك بانيه ، ومنها عمي إن لم يجد قائداً ، وسمن مفرط ، ونحو زلزلة وصواعق وإنشاد الضالة وسعي في رد مغصوب يرجى حصوله ولو لغيره ، وتجهيز ميت ، وزفاف حليلته في مغرب وعشاء ، وكونه متهماً بأمر ما بأن كان خروجه يشق عليه كمشقة بلل الثوب بالمطر إذ ذاك ضابط العذر ، وليس كل الأعذار تذكر كما قاله الغزالي ، فكم ممن يشق عليه حضور الجمعة لعذر لا يمكنه ذكره ، كخوف فتنة في نحو الإمام الفاسق ، أو كونه يستحي من ذكره كذي بواسير ، أو لا يحب إفشاء المرض الذي له ليتم له الكتمان الذي يترتب عليه الثواب الجزيل ، ولهذا قال الأصحاب : يسنّ للمعذورين إخفاء الجماعة إن خفي عذرهم.
فائدة : صرح الكبشي في الجوهرة بأن أيام الزفاف السبع أو الثلاث عذر عن الجمعة والجماعة ، وفي التحفة أنها عذر في المغرب والعشاء فقط اهـ.
70
شروط القدوة
(مسألة : ك) : الأئمة المبتدعة إن كانوا من المحكوم بكفرهم لإنكارهم ما علم مجيء الرسول به ضرورة ، كمنكري حدوث العالم والبعث والحشر للأجسام ، وعلم الله بالجزئيات ، فلا خلاف في عدم صحة صلاتهم والاقتداء بهم ، وإن لم نكفرهم ببدعتهم كالمعتزلة والرافضة والقدرية ، فإن علمنا إخلالهم بشيء من الواجبات لم يصح الاقتداء أيضاً ، نعم إن كان ذا ولاية جرى في التحفة على صحة الاقتداء به خوفاً من الفتنة لكن في غير الجمعة ، قال : ولم يوجبوا عليه موافقته في الأفعال مع عدم النية لعسر ذلك ، واعتمد (م ر) عدم اغتفار ذلك ، وإن خيف الفتنة ، ومال في الإيعاب إلى عدم صحة الاقتداء فيما لو رآه مسّ فرجه.
(مسألة : ج) : اقتدى بمن لا يرى وجوب بعض الأركان كالفاتحة في الأخيرتين ، فإن علم تركه لها لزمته المفارقة ، وإلا لم يؤثر تحسيناً للظن في توقي الخلاف اهـ. قلت : وفي ع ش ولا يؤثر اعتقاد الفرض المعين نفلاً هنا ، لأنه إنما يضر ذلك إذا لم يكن مذهباً للمعتقد ، وإلا فيكتفي بمجرد الإتيان به اهـ بج.
(مسألة : ش) : لا يصح اقتداء من يقرأ الفاتحة ، وإن أخلّ ببعض حروفها ، كأن يبدل السين تاء بمن لا يعرف الفاتحة أصلاً ، بل يأتي ببدلها من قرآن أو ذكر ويجوز عكسه اهـ.
فائدة : لا يصح اقتداء قارىء بأمي ، وهو من يخلّ بحرف من الفاتحة فخرج التشهد ، فيصح اقتداء القارىء فيه بالأمي ، وإن لم يحسنه من أصله ، كما في النهاية والشوبري اهـ بجيرمي ، ومثل التشهد التكبير والسلام إذ لا إعجاز في ذلك ، لكن محله إن أتى ببدله من ذكر أو دعاء ، فإن أخلّ بحرف من أحد الثلاثة فحكمه حكم الأمي اهـ باسودان.
فائدة : قال الشوبري : والحاصل أن الإمام والمأموم إما أن يكونا قائمين أو قاعدين أو مضطجعين أو مستلقيين فهي أربعة أحوال ، تضربها في مثلها بستة عشر ، ويزاد ما لو كان المأموم مصلوباً ، فتضم للأربعة في أربعة الإمام بعشرين صورة ولا تخفى أحكامها اهـ. وفي ق ل : والضابط في ذلك كله أن لا يتقدم المأموم بجميع ما اعتمد عليه على جزء مما اعتمد عليه الإمام ، سواء اتحدا في القيام أو غيره أم اختلفا اهـ. وفي الإيعاب : ومن ثم اتجه أن العبرة بالركبتين حال السجود في حق كل أحد للاعتماد عليهما حينئذ اهـ. وظاهر ما ذكر أنه لو قام الإمام من السجود ومكث المأموم فيه فتقدمت ركبتاه المعتمد عليهما على عقب الإمام بطلت صلاته فليحرر ذلك ، مع قولهم : إن إمامة النساء تقف وسطهنّ كإمام العراة ، وأن الذكر الواحد يقف يمين إمامه ويتأخر قليلاً ، قال في التحفة : بأن تتأخر أصابعه عن عقب إمامه ، ولا بد في هذه الصور الثلاث من تقدم ركبتي المأموم حالة السجود إن مكث بعد إمامه ، ثم رأيت ابن قاسم استوجه أن العبرة بالعقب مطلقاً ، وإن اعتمد على غيره في نحو السجود اعتماداً بالقوة لا بالفعل ، وهو مقتضى عبارة النهاية اهـ.
(
مسألة) : من شروط القدوة اجتماع الإمام والمأموم في مكان ، ثم إن جمعهما مسجد ، ومنه جداره ورحبته بفتح الحاء وهي ما حجر لأجله ، وإن فصل بينهما طريق ما لم يعلم حدوثها بعده ، ومنارته التي بابها فيه أو في رحبته لا حريمه ، وهو ما هيِّىء لإلقاء نحو قمامته ، فالشرط العلم بانتقالات الإمام ، وإمكان المرور من غير ازورار وانعطاف ، بأن يولي ظهره القبلة على ما فهمه الشيخ عبد الله باسودان من عبارة التحفة ، لكن رجح العلامة علي ابن قاضي عدم ضرر الازورار والانعطاف في المسجد مطلقاً وكما يأتي في ي ، ولا يضر غلق الباب وكذا تسميره كما في التحفة ، خلافاً لـ (م ر) ولا ارتفاع موقف أحدهما ، والمساجد المتلاصقة المتنافذة كمسجد ، نعم يضر التسمير هنا اتفاقاً ، وإن كان أحدهما فقط بمسجد أو لم يكونا به فتشترط خمسة شروط : العلم بانتقالات الإمام ، وإمكان الذهاب إليه من غير ازورار وانعطاف ، وقرب المسافة بأن لا يزيد ما بينهما أو بين أحدهما وآخر المسجد على ثلاثمائة ذراع ، ورؤية الإمام أو بعض المقتدين وأن تكون الرؤية من محل المرور فيضر هنا تخلل الشباك والباب المردود ، ويكفي في الرؤية وقوف واحد قبالة الباب النافذ بينهما ، وحينئذ يكون هذا الواقف المذكور كالإمام بالنسبة لمن خلفه ، فيضر التقدم عليه بالإحرام والموقف ، وكذا بالأفعال عند (م ر) كما لو كان امرأة لرجال خلافاً لابن حجر فيهما ، نعم لا يضر زوال الرابطة في الأثناء فيتمونها جماعة إن علموا بانتقالات الإمام ، إذ يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء.
(مسألة : ي) : لا يشترط في المسجد كون المنفذ أمام المأموم أو بجانبه بل تصح القدوة وإن كان خلفه ، وحينئذ لو كان الإمام في علو والمأموم في سفل أو عكسه كبئر ومنارة وسطح في المسجد ، وكان المرقى وراء المأموم بأن لا يصل إلى الإمام إلا بازورار بأن يولي ظهره القبلة ، صح الاقتداء لإطلاقهم صحة القدوة في المسجد ، وإن حالت الأبنية المتنافذة الأبواب إليه وإلى سطحه ، فيتناول كون المرقى المذكور أمام المأموم أو وراءه أو يمينه أو شماله ، بل صرح في حاشيتي النهاية والمحلي بعدم الضرر ، وإن لم يصل إلى ذلك البناء إلا بازورار وانعطاف ، نعم إن لم يكن بينهما منفذ أصلاً لم تصح القدوة على المعتمد ، ورجح البلقيني أن سطح المسجد ورحبته والأبنية الداخلة فيه لا يشترط تنافذها إليه ، ونقله النووي عن الأكثرين ، وهو المفهوم من عبارة الأنوار والإرشاد وأصله ، وجرى عليه ابن العماد والأسنوي ، وأفتى به الشيخ زكريا ، فعلم أن الخلاف إنما هو في اشتراط المنفذ ، وإمكان المرور وعدمه ، أما اشتراط أن لا يكون المنفذ خلف المأموم فلم يقله أحد ، ولو قاله بعضهم لم يلتفت لكلامه لمخالفته لما سبق ، وليس في عبارة ابن حجر ما يدل على الاشتراط ، وقوله في التحفة بشرط إمكان المرور ، مراده أن المنفذ في أبنية المسجد شرطه أن يمكن المأموم أن يمر المرور المعتاد الذي لا وثوب فيه ولا انحناء يبلغ به قرب الراكع فيهما ، ولا التعلق بنحو جبل ، ولا الممر بالجنب لضيق عرض المنفذ ، فإذا سلم المنفذ مما ذكر صح الاقتداء وإن كان وراء المأموم.
فائدة : يؤخذ من اعتبارهم في السير كونه سيراً معتاداً أن السير في السفن من المرتفع منها كالسطحة إلى المنخفض لا يمنع قدوة من بأحدهما بالآخر ، لأنه يصل إلى الإمام في ذلك بالسير المعتاد فيه ، إذ العادة في كل شيء بحسبه ، أما السفن الكبار فلأنهم يفعلون فيها سلماً ، وأما الصغار فالوثبة التي يحتاجها إلى التوصل من المرتفع إلى المنحفض لطيفة لا تمنع كونه سيراً معتاداً ، وكذا لا تضر حيلولة الفرمان ، إذ المعتبر في الحائل العرف وهو لا يعد حائلاً ، ويؤيد ذلك أنه يفعل لسطوح البيوت تحويط بجدار لو فرض الاستطراق منه لاحتاج ذلك إلى وثبة لطيفة ولم يعدوه مانعاً اهـ باعشن.
فائدة : نوى الصلاة مأموماً إلا ركعة صح وصار منفرداً في الأخيرة لتعينها للإخراج اهـ (م ر) . فلو عينها كالثانية صار منفرداً فيها ، ولا يعود إلى الجماعة إلا بنية جديدة ، كما قاله في الإيعاب فيما لو نوى الاقتداء به في غير التسبيحات صار منفرداً عند تسبيح أوّل ركوع ، ولا يتابعه بعد ذلك إلا بنية ، والمراد لفظ التسبيحات ولو احتمالاً ، كأن لم يسمعه يسبح حملاً على الإتيان به اهـ بجيرمي. وقال أيضاً : لو انتظر الإمام من غير نية القدوة لا لأجل المتابعة له بل لغيرها كدفع لوم الناس عليه لاتهامه بالرغبة عن الجماعة لم يضر وإن كثر اهـ. وقال أيضاً : قوله سيصير إماماً يقتضي أن الفرض فيمن يرجو جماعة يحرمون خلفه وإلا بطلت ، وقال الزركشي : وأقره في الإيعاب : تنبغي نية الإمامة وإن لم يكن خلفه أحد إذا وثق بالجماعة ، قال سم : ولا تبطل حينئذ لو لم يأت خلفه أحد.
(مسألة) : إذا لم ينو المأموم الاقتداء بالإمام عمداً أو سهواً في غير الجمعة انعقدت صلاته فرادى ، كما لو شك هل نوى أم لا على المعتمد ، ثم إن تابع قصداً وطال انتظاره عرفاً بطلت ، ولا فرق بين أول الصلاة وآخرها ، فلو نوى القدوة به في الأثناء ولم تسبق منه متابعة مبطلة جاز مع الكراهة.
(مسألة) : رأى جماعة يصلون فظن أنهم مقتدون بإمام ولم يدر أيهم هو فصلى معم ، ثم تبين أنهم منفردون وجبت الإعادة ، قاله (م ر) نعم لو قال حال التباس الإمام بغيره نويت القدوة بالإمام منهم صح لأن مقصود الجماعة لا يختلف ، قاله ابن حجر و (م ر) وهذا كما لو رأى اثنين يصليان فظن أحدهما الإمام فاقتدى به ، قاله في الفتح ، أي إن لم يبن المقتدى به مأموماً.
(مسألة ج) : سلم الإمام فقام مسبوق فاقتدى به آخر ، أو مسبوقون فاقتدى بعضهم ببعض صح في غير الجمعة مع الكراهة المفوّتة لفضيلة الجماعة كما في النهاية ، ووجه الكراهة أن المسبوقين قد حصلوا الجماعة مع الإمام ، فربط صلاة بعضهم ببعض فيه إبطال لتلك الفضيلة فكره ، والفرق بين الاقتداء بالمسبوق المذكور حيث كره ولم يكره خلف المستخلف عن الإمام ، أن صلاة الإمام قد فرغت في الأول ، وأما الثاني فصلاته لم تتم فقام المستخلف مقامه اهـ.
قلت : وهذا معتمد (م ر) كما نقله عن النهاية ، واعتمد ابن حجر صحة الجمعة خلف المسبوق إن درك ركعة وعدم كراهة غيرها خلفه ، وخص عدم صحة الجمعة وكراهة غيرها في اقتداء المسبوقين بعضهم ببعض ، كما نقله العلامة علوي بن أحمد الحداد عن والده ، وع ش ، والخياري ، وبلعفيف ، وعبد الرحمن الأهدل من أن عبارة التحفة ظاهرة في الثاني لا فيهما معاً ، خلافاً لمن وهم فيه ، ونقله أيضاً عبد الله باسودان عن إبراهيم الكردي ومحمد صالح الريس واعتمده فتأمل.
فائدة : تكره مقارنة الإمام في أفعال الصلاة ، وكذا أقوالها على المعتمد ، وتفوت بها فضيلة الجماعة فيما قارن فيه ولو في السرية ، ما لم يعلم من إمامه أنه إن تأخر إلى فراغه لم يدرك الركوع ، قاله ع ش ، وتوقف الرشيدي في فوات الفضيلة بالمقارنة في الأقوال ، ومحل كراهة المقارنة إذا قصدها ، لا إن وقع ذلك اتفاقاً أو جهل الكراهة كما قاله الشوبري اهـ بجيرمي.
(مسألة : ب) : أحرم والإمام في التشهد فسلم عقب إحرامه لم يجز له القعود لانقضاء المتابعة ، فإن لم يسلم لزمه ، فلو استمر قائماً بطلت إن تخلف بقدر جلسة الاستراحة اهـ
قلت : وقوله جلسة الاستراحة يعني أكملها وهو قدر أقل التشهد ، ودعاء الجلوس بين السجدتين عند ابن حجر ، وأقلها وهو قدر سبحان الله عند (م ر) وهذا ككل ما قيل فيه يلزم المأموم الانتقال عنه فوراً ، كأن سلم الإمام والمأموم في غير موضع تشهده وغير ذلك ، فهذا ضابط الفورية عندهما ، كما ذكراه في التحفة والنهاية.
فائدة : أحرم المسبوق والإمام في السجدة الأولى فسجدها معه ثم خرج الإمام من الصلاة ، قال ابن كج وابن أبي هريرة : يأتي بالثانية لأنه في حكم من لزمه السجدتان ، ونقل أبو الطيب عن عامة الأصحاب أنه لا يسجد ، لأنه بحدث الإمام صار منفرداً ، فهي زيادة محضة لغير المتابعة فكانت مبطلة اهـ ح ل. ولو رأى مصلياً جالساً فظن أنه في التشهد فأحرم وجلس معه ، ثم بان أن جلوسه بدل عن القيام لعجز قام وجوباً وكان له حكم المسبوق ، خلافاً للسمهودي والجوجري وابن أبي شريف في قولهم إنه كالموافق اهـ مجموعة بازرعة.
(مسألة : ش) : أدرك من قيام الإمام أقل من الفاتحة كان مسبوقاً ، فشرط إدراكه الركعة أن يدرك الإمام في الركوع ويطمئن يقيناً قبل وصول الإمام إلى حد لا يسمى ركوعاً.
(مسألة) : لو شك المأموم هل أدرك قدر الفاتحة فيكون موافقاً أم لا فيكون مسبوقاً قال (م ر) : له حكم الموافق وأبو مخرمة حكم المسبوق وابن حجر يحتاط فيتمّ الفاتحة وتفوته الركعة إن لم يدرك ركوعها كمسبوق اشتغل بسنة اهـ.
(
مسألة) : شك في الفاتحة قبل ركوعه ولو بعد ركوع إمامه أو تيقن تركها ، وجب التخلف لقراءتها ، ويعذر إلى ثلاثة أركان طويلة وهي هنا الركوع والسجودان ، ولا يحسب منها الاعتدال والجلوس بين السجدتين لأنهما ليسا مقصودين لذاتهما بل للفصل ، فإن كمل الإمام ما ذكر وهو في فاتحته نوى مفارقته أو وافقه فيما هو فيه من القيام أو القعود ، وأتى بركعة بعد سلامه ، وإذا وافقه بنى على ما قرأه ، فإن لم يفعل بطلت صلاته بركوع الإمام للثانية ، وإن تيقن أو شك في الفاتحة بعد ركوعهما أتى بركعة بعد سلام إمامه وسجد للسهو في صورة الشك لاحتمال زيادتها ، ككل ما أتى به مع تجويز كونه زائداً ، ولو اشتغل الموافق بسنة كدعاء الافتتاح فركع إمامه وهو في فاتحته عذر كما مر بخلاف مسبوق اشتغل بسنة فلا يعذر خلافاً للفتح والإمداد ، بل يلزمه أن يقرأ بقدر ما اشتغل به ، ثم إن أدرك الركوع أدرك الركعة وإلا فاتته كما قاله في النهاية والمغني وابن حجر في شرح المختصر تبعاً للشيخ زكريا ، وعن الكثير من العلماء أنه يركع معه وتسقط عنه القراءة ، كمن لم يشتغل بسنة ، ولا يسع العوام إلا هذا بل كلام التحفة كما قاله الكردي ، كالمتردد بين هذا وبين عذره إلى ثلاثة أركان طويلة.
(مسألة) : المواضع التي يعذر فيها المأموم إلى ثلاثة أركان طويلة تسعة ، نظم بعضهم ثمانية منها فقال :
إن شئت ضبطاً للذي شرعاً عذر
حتى له ثلاثة أركان اغتفر
من في قراءة لعجزه بطي
أو شك هل قرا ومن لها نسي
وصف موافقاً لسنة عدل
ومن لسكتة انتظاره حصل
من نام في تشهد أو اختلط
عليه تكبير الإمام ما انضبط
كذا الذي يكمل التشهدا
بعد إمام قام عنه قاصدا
والخلف في أواخر المسائل
محقق فلا تكن بذاهل يعني أن الخمس الأول وهي : بطيء القراءة لعجز خلقي لا لوسوسة إلا إن صارت كالخلقية كما بحثه في التحفة ، ومن شك في الفاتحة قبل ركوعه وبعد ركوع إمامه أو عكسه ، ومن نسي الفاتحة ثم تذكرها كذلك ، ومن اشتغل بسنة كدعاء الافتتاح ، ومن انتظر سكتة الإمام ليقرأ الفاتحة فلم يسكت ، يعذر فيها المأموم الموافق المتخلف لإتمام الفاتحة إلى ثلاثة أركان طويلة باتفاق ابن حجر و (م ر) وغيرهما ، وأما الثلاث الأخيرة وهي من نام في تشهده الأوّل متمكناً ، أو اختلط عليه تكبيرة الإمام كأعمى أو في ظلمة ، بأن قام إمامه من السجود فظنه جلس للتشهد ولم يبن له الحال إلا والإمام راكع أو قريب أن يركع ، أو جلس يكمل التشهد الأول بعد أن قام إمامه منه ، والتاسعة التي لم تذكر في النظم من نسي القدوة في السجود ولم يتذكر إلا وإمامه راكع ، فهذه الأربع رجح (م ر) أنه يعذر فيها إيضاً كالتي قبلها ، وقال ابن حجر : حكمه في غير المشتمل بتكميل التشهد حكم المسبوق ، فيركع معه وتسقط عنه الفاتحة ، وأما المشتغل بالتكميل فلا يعذر ، بل هو كمن تخلف بلا عذر ، تبطل صلاته بتخلفه بركنين فعليين.
(
مسألة) : تدرك الركعة بإدراك ركوعها مع الإمام ، بشرط أن يكبر تكبيرتين أو واحدة ، وينوي بها الإحرام فقط ويتمها ، وهو إلى القيام أقرب ، ويطمئن معه يقيناً ، وأن لا يكون الإمام محدثاً ، ولا في ركعة زائدة ، ولا الثاني من صلاة الكسوف ، نعم صرح (م ر) بإدراك الركعة بالركوع الثاني من الركعة الأخيرة منها لغير مصليها ، فلو شك في الطمأنينة قبل ارتفاع الإمام بل أو ظنها ، وإن نظر فيه الزركشي لم تحسب ركعته في الأظهر والثاني تحسب لأن الأصل بقاؤه فيه ، قاله في النهاية ، بل نقل المحلي عن الكفاية أن أكثر الأئمة قائلون بعدم اشتراط طمأنينة المأموم قبل رفع الإمام من الركوع وفي ذلك فسحة.
فائدة : قال في كشف النقاب : والحاصل أن قطع القدوة تعتريه الأحكام الخمسة واجباً ، كأن رأى إمامه متلبساً بمبطل وسنة لترك الإمام سنة مقصودة ، ومباحاً كأن طوّل الإمام ، ومكروهاً مفوتاً لفضيلة الجماعة إن كان لغير عذر ، وحراماً إن توقف الشعار عليه أو وجبت الجماعة كالجمعة اهـ.
74
صلاة المسافر
فائدة : الرخص المتعلقة بالسفر إحدى عشر : أربع منها مختصة بالطويل فقط وهي : القصر والجمع والفطر ومسح الخف ثلاثاً ، والبقية تعمهما وهي : أكل الميتة والتنفل على الراحلة وإسقاط الصلاة بالتيمم وترك الجمعة وعدم القضاء لضرّات زوجة أخذت بقرعة ، والسفر بالوديعة والعارية لعذر ، اهـ تسهيل المقاصد لعلوان الحموي.
(مسألة : ي) : ضابط مبيح الترخص في السفر ما ذكره السيوطي بقوله : فعل الرخصة متى توقف على وجود شيء نظر في ذلك الشيء ، فإن كان تعاطيه في نفسه حراماً امتنع معه الرخصة وإلا فلا اهـ. أي فالقصر والجمع رخصة متوقفة على السفر ، والسفر مشي في الأرض ، فمتى حرم المشي كان سفر معصية فتمتنع جميع الرخص ، وتحريم المشي إما لتضييع حق الغير بسببه ، كإباق المملوك ، ونشوز الزوجة ، وسفر الفرع ، والمدين بلا إذن أصل ، ودائن حيث وجب استئذانهما ، وإما لتعديه بالمشي على نفسه أو غيره ، كإتعاب النفس بلا غرض ، وركوب البحر مع خشية الهلاك ، وسفر المرأة وحدها أو على دابة أو سفينة مغصوبتين ، أو مع إتعاب الدابة ، أو بمال الغير بلا إذن ، وإما لقصد صاحبه محرّماً كنهب وقطع طريق وقتل بلا حق وبيع حرّ ومسكر ومخدّر وحرير لاستعمال محرم ونحوها ، هذا إن كان الباعث قصد المحرم المذكور فقط أو مع المباح ، لكن المباح تبعاً بحيث لو تعذر المحرم لم يسافر ، فعلم أن من سافر بنحو الأفيون قاصداً بيعه مثلاً لمن يظن استعماله في محرّم ، أو بيعه لذلك إن تجرد قصده بأن لم يكن له غرض سواه أو كان ، لكن لو عدم قصد الأفيون لم يسافر ولم يترخص ، وحكم صاحب السفينة في ذلك حكم المسافر به في الحرمة والترخص وعدمهما.
فائدة : مسافة القصر مسيرة يومين معتدلين أو يوم وليلة ، وقدر ذلك ثلاثمائة وستون درجة ، وإذا قسمت الدرج المذكورة على الفراسخ الستة عشر خرج لكل فرسخ اثنتان وعشرون درجة ونصف ، والفرسخ ثلاثة أميال اهـ ع ش وقدر الساعة الفلكية خمس عشرة درجة ، فحينئذ يكون الفرسخ مشي ساعة ونصف ، والميل نصف ساعة.
(
مسألة) : كم مسافة ما بين تريم حرسها الله تعالى ، وقبر نبي الله هود عليه الصلاة والسلام ؟ فإنا نسمع من بعض مشايخنا أنها مرحلتان ، ولم يقض السلف في ذلك احتياطاً ، والمشهور المتواتر عند أهل الجهة الحضرمية أن المرحلتين من سقاية مشيخ قرب حيد قاسم إلى هود ، وهو أبعد مسافة بنحو ثلاثة أميال ، والعمل عليه سابقاً ولاحقاً ، فمن كان من ذلك المحل أو مصعداً عنه ترخص ، ومن انحدر عنه لم يترخص ، فالجواب أنا تحققنا ذلك بالذراع سابقاً ، فإنا أجرنا ثلاثة من ثقات المشايخ وأذكيائهم فمسحوها من خارج عمران تريم إلى القبر الكريم سالكين طريق يبحر ، فكانت تلك المسافة تفصيلاً من تريم إلى مسجد إبراهيم بن السقاف بذراع اليد : 3705 ، وإلى حصن بلغيث : 7475 ، وإلى الحجيل : 13175 ، وإلى سقاية فرط البيع : 15625 ، وإلى خشم البضيع وغرفة الحبيب تحقيقاً وكذا إلى بلد عينات تقريباً : 35500 ، وإلى بلد قسم : 43925 ، وإلى نخر الخون : 59075 ، وإلى السوم : 81900 ، وإلى عصم : 97000 ، وإلى فغمة : 117075 ، وإلى يبحر : 121450 ، وإلى القبة والقبر الكريم وهو مجموع جميع تلك المسافة : 152075 ، ومعلوم أن المرحلتين مجموعهما بذراع اليد 28800 ، فإذا أسقطت الأوّل من الثاني بقي منه 135925 عن اثنين وعشرين ميلاً ونحو ثلثي ميل ، فحينئذ تكون المسافة المذكورة مرحلة ونحو ميل وثلث ، وفي ذلك بون كبير ومخالفة لما تقدم عن السلف ، وهذا على ما اعتمده الإمام النووي من أن الميل ستة آلاف ذراع ، أما على مقابله الذي صححه ابن عبد البر وغيره كما يأتي من أن الميل ثلاثة آلاف ذراع وخمسمائة فمجموع الأميال 1680001 وحينئذ يكون التفاوت بين هذا ومسافة ما بين تريم وقبر هود : 15925 وهو قدر ما بين تريم وسقاية مشيخ المتقدم ذكرها تقريباً ، وبذلك ظهر أن ما فعله السلف من العلماء والأولياء ، وأمروا به من الترخص بنحو القصر والجمع لزوّار هذا النبي الكريم على نبينا وعليه أفضل الصلاة والتسليم من تلك السقاية وأعلى
كما مر هو المعتمد ، وهم المقلدون فيه ، وكلامهم هو الحجة ولا يعترض عليهم ، وإن خالفهم غيرهم ، قال العلامة علوي بن أحمد الحداد نقلاً عن علامة الدنيا الحبيب عبد الرحمن بن عبد الله بلفقيه الذي بلغ رتبة الاجتهاد عن أبيه ومشايخه في المسائل الخلافيات : لا سيما فيما كثر فيه الاختلاف أن تعويلهم وعملهم على ما استمر عليه فعل السلف الصالح العلويين من العمل ، وإن كان القول فيه مرجوحاً ، إذ هم أهل احتياط وورع وتقوى وتحفظ في الدين وفي العلم في المرتبة العليا اهـ ، وها أنا أنقل لك اختلافهم في الأميال ، قال في التحفة : والميل ستة آلاف ذراع ، كذا قالوه هنا ، واعترض بأن الذي صححه ابن عبد البر وهو ثلاثة آلاف وخمسمائة هو الموافق لما ذكروه في تحديد ما بين مكة ومنى ، وهي ومزدلفة ، وهي وعرفة ومكة والتنعيم والمدينة وقباء واحد بالأميال اهـ. ويردّ بأن الظاهر أنهم في تلك المسافات قلدوا المحددين لها من غير اختبارها لبعدها عن ديارهم اهـ. وعبارة القلائد وقدر النووي وغيره الميل بستة آلاف ذراع ، قال الشريف السمهودي في تاريخ المدينة وهو بعيد جداً : بل الميل ثلاثة آلاف ذراع وخمسمائة ، كما صححه ابن عبد البر ، وهو الموافق لما ذكروه من المسافات ، يعني المارّة في عبارة التحفة في تحديدهم لها بالأميال ، وقيل : هو ألف ذراع باليد وهو ذراع إلا ثمن بالحديد اهـ. أقول : وقد جرب عندنا بالذرع فنقص ما ذكروا من كونه مرحلتين عما ذكره النووي بكثير ، فلعل كلام السمهودي أوفق لذلك انتهت.
(
مسألة : ي) : لا يجوز الترخص للمسافر ، إلا بعد مجاوزة السور والخندق عند فقده ، أو التحويط ولو بتراب إن اختص كل بمحل لا إن جمع قرى ، فإن لم يكن شيء من ذلك بشرطه فبمجاوزة عمران البلد وهو آخر الدور ، وإن اتصلت به مقابر أو ملعب الصبيان أو خراب ذهبت أصوله ، واعلم أن سفر السفينة من الندى الذي بين بيوت البلد مبدؤه خروجها من العمران ، وحينئذ يترخص من فيها بمجرد خروجهم ، هذا إن لم ينتظروا أحداً بالبلد ، أو قصدوا انتظاره بمرحلتين ، لا إن خرجوا قاصدين انتظاره بمحل قريب أو السير قليلاً قليلاً حتى يأتي المنتظر ، فلا يرخص لهم في مشيهم ووقوفهم إلى مجيئه ، كما أنهم بعد وصولهم المرحلتين فيما تقدم لا يترخص أيضاً من نيته عدم السفر إذا لم يجىء المتخلف ، أو قصد انتظاره أربعة إيام صحاح ، أو علم عدم مجيئه قبلها ، فإن توقع وصوله كل وقت ونيته السفر إن لم يأت ترخص إلى ثمانية عشر يوماً.
فائدة : قولهم وأوّل السفر مجاوزة السور الخ ، قال ابن حجر : سواء سافر برًّا أو بحراً ، واعتمد (م ر) فيما إذا سافر في البحر المتصل ساحله بالبلد وقد سافر في عرضه ، أنه لا بد من جري السفينة أو الزورق إليها آخر مرة وإن لم يصل إليها اهـ جمل.
(مسألة : ش) : ونحوه (ب) : متى انقطع سفر المسافر بأن أقام ببلد أربعة أيام صحاح بلا توقع سفر ، أو ثمانية عشر من التوقع ، أو نوى إقامة الأربعة حال دخوله ، أو اشتغل بنحو بيع يغلب على ظنه أنه يحتاجها انقطع ترخصه بالقصر والجمع والفطر وغير ذلك ، فتلزمه الجمعة حينئذ لكن لا يعد من الأربعين.
(مسألة : ب ش) : أقام الحاج بمكة قبل الوقوف دون أربعة أيام صحاح لم ينقطع سفره وحينئذ فله الترخّص في خروجه بعرفات ، وإن كان نيته الإقامة بمكة بعد الحج ، إذ لا ينقطع سفره بذلك حتى يقيم الإقامة المؤثرة على المعتمد ، زاد ش : وهذا كما لو خرج لعرفات ونيته الرحيل بعد الحج فيكون هذا ابتداء سفره ، فيترخص من حينئذ أيضاً ، فالحاصل في المسافر الخارج إلى عرفات أنه إن انقطع سفره قبل خروجه وكان نيته الإقامة بعد الحج لم يترخص وإلا ترخص بسائر الرخص.
فائدة : الإتمام أفضل من القصر إلا إن قصد ثلاث مراحل وإن لم يبلغها خروجاً من خلاف أبي حنيفة القائل بوجوب القصر ، نعم حقق الكردي أن الثلاث المراحل عنده بقدر مرحلتين عندنا ، وحينئذ فالقصر أفضل مطلقاً اهـ باعشن. وقال بج : وحيث ندب القصر فهو أفضل ولو كان مقيماً ببلد إقامة غير مؤثرة لأنه في حكم المسافر اهـ ومحل أفضلية القصر ما لم تفت بسببه الجماعة بأن لم توجد إلا خلف متمّ ، وإلا فمراعاتها أولى إن لم يبلغ سفره ثلاث مراحل ، وكذا إن بلغها خلافاً لابن مخرمة اهـ.
(
مسألة : ي) : ينقطع السفر بنية الرجوع إلى وطنه ولو من مرحلتين على المعتمد كما في التحفة والنهاية ، ورجح في الفتح وشرح الروض و (م ر) في شرح البهجة عدم انقطاعه إلا إن كان من قرب ، كما لا يضر لغير الوطن مطلقاً اتفاقاً ، بل قال البلقيني والعراقيون لا مطلقاً ولو لوطنه ، وهذا في نية الرجوع قبل وصول المقصد ، أما بعده فيترخص ما لم ينو إقامة تقطع السفر.
فائدة : ضابط انقطاع السفر بعد استجماع شروطه بأحد خمسة أشياء ، بوصوله إلى مبدأ سفره من سور أو غيره ، وإن لم يدخله إن رجع مستقلاً كما في التحفة ، وأطلقه في غيرها من مسافة القصر لوطنه مطلقاً ، أو لغيره وقصد إقامة مطلقة أو أربعة أيام صحاح ، وبمجرد شروعه في الرجوع إلى ما ذكر من دونها بالشرط المتقدم في الثانية ، وبنية إقامة الأربعة بموضع غير الذي سافر منه قبل وصوله مستقلاً ، وكذا عنده أو بعده وهو ماكث ، وبإقامة أربعة أيام كوامل أو ثمانية عشر صحاحاً إن توقع قضاء وطره قبل مضي أربعة أيام ثم توقع ذلك قبلها ، وهكذا إلى أن مضت المدة المذكورة ، فتلخص أن انقطاعه بواحدة من الخمسة المذكورة ، وفي كل واحدة مسألتان ، وكل ثانية تزيد على أولاها بشرط اهـ كردي.
فائدة : جوز المزني كأبي حنيفة القصر ولو للعاصي بسفره ، إذ هو عزيمة عندهما وفيه فسحة عظيمة ، إذ يندر غاية الندور مسافر غير عاص ، كما لو كان عليه دين حالّ وهو مليء إلا بظن رضا دائنه ومنعا الجمع مطلقاً إلا في النسك بعرفة ومزدلفة ، ومذهبنا كمالك وأحمد منعه للعاصي ، فصار الجمع للعاصي ممتنعاً اتفاقاً فليتنبه له اهـ باعشن.
(مسألة : ج) : شرط المقصر أن لا يقتدي بمتم ، فإن اقتدى به صح ولزمه الإتمام ، وإن نوى القصر وعلم أن إمامه متمّ كما في الإيعاب خلافاً لأحمد الرملي ، نعم الأحوط أن لا ينوي حينئذ خروجاً من الخلاف ، وإذا اقتدى بمتمّ لزمه الإتمام في تلك الصلاة لا فيما بعدها ، وإن جمعهما تقديماً أو تأخيراً ، ويجوز اقتداء المتم بالقاصر إجماعاً ، ولا يلزم الإمام الإتمام والفرق جليّ.
(مسألة) : صلى مقصورة أداء خلف من يصلي مقصورة قضاء كظهر خلف عشاء قصر بخلافه خلف تامة ولو في نفسها كصبح أو سنتها فيلزمه الإتمام وإن كانا مسافرين.
فائدة : شروط جمع التقديم سبعة : الأربعة المشهورة من البداءة بالأولى ونية الجمع فيها ، والموالاة ، ودوام السفر إلى عقد الثانية ، ويزاد وقت الأولى ، فلو خرج أثناء الثانية أو شك في خروجه بطلت لبطلان الجمع ، قاله المدابغي و بج . ورده ابن حجر و سم والعلم بجوازه كالقصر ، وظن صحة الأولى لتخرج صلاة المتحيرة ، وفاقد الطهورين ، وكل من يلزمه القضاء ، فليس لهم جمع التقديم ، كما في الفتح والإمداد والخطيب والأسنوي ، وقال في التحفة : وفيه نظر ظاهر ، لأن الأولى مع ذلك صحيحة ، وفي النهاية وفيه وقفة إذ الشرط ظن صحة الأولى وهو موجود هنا ، واقتصر في شرحي المنهج و (م ر) في شرحي البهجة والزبد على المتحيرة فقط اهـ كردي وباعشن.
فائدة : صلى الظهر ثم أعادها مع جماعة جاز تقديم العصر معها حينئذ بشرطه ، قاله عبد الله بن أحمد مخرمة وخالفه ابن حجر فرجح عدم الجواز. فائدة : لنا قول بجواز الجمع في السفر القصير اختاره البندنيجي ، وظاهر الحديث جوازه ولو في حضر كما في شرح مسلم ، وحكى الخطابي عن أبي إسحاق جوازه في الحضر للحاجة ، وإن لم يكن خوف ولا مطر ولا مرض ، وبه قال ابن المنذر اهـ قلائد. وعن الإمام مالك رواية أن وقت الظهر يمتد إلى غروب الشمس ، وقال أبو حنيفة : يبقى إلى أن يصير الظل مثلين ثم يدخل العصر ، ذكره الردّاد ، وكان سيدنا القطب عبد الله الحداد يأمر بعض بناته عند اشتغالها بنحو مجلس النساء بنية تأخير الظهر إلى وقت العصر.
تنبيه : قد اشترطوا الجماعة في الجمع بالمطر ، والمتجه اختصاصها بجزء من أول الثانية ، وإن انفرد في باقيها ولو قبل تمام ركعة لا في الأولى إذ هي واقعة في وقتها على كل حال ، ولا بد من نية الإمام الإمامة ، وإلا لم تنعقد صلاته كمأموم علم به ، وأن لا يتباطأ المأمومون عن الإمام بحيث لم يدركوا معه ما يسع الفاتحة قبل ركوعه كما نقله سم عن (م ر) قاله باجوري.
77
صلاة المريض
فائدة : جوز القاضي حسين والخطابي الجمع بالمرض والوحل ، واستحسنه الروياني وقواه في المجموع ، واختاره فيه وفي غيره في المرض تبعاً للمتولي ، ورجحه أبو شكيل ، وهو مذهب مالك وأحمد وقول للشافعي ، ونقل في المجموع عن جمع جوازه بهما وبالخوف والريح والظلمة اهـ قلائد. وفي الأسنى المختار جواز الجمع بالمرض ، وعليه يراعى الأرفق به ، فمن يحم وقت الثانية قدمها بشروط جمع التقديم في المطر وإلا أخرها اهـ. وقوله : بشروط جمع المطر ظاهر إطلاقه يقتضي اشتراط الجماعة كالجمع بالمطر ، ولم أر من نبه على ذلك فتأمل اهـ جمل. ويشترط وجود المرض أول الأولى وآخرها ، وأول الثانية لا فيما عدا ذلك اهـ إمداد.
فائدة : يجب على المريض أن يؤدي الصلوات الخمس مع كمال شروطها وأركانها واجتناب مبطلاتها حسب قدرته وإمكانه ، وله الجلوس ثم الاضطجاع ثم الاستلقاء والإيماء إذا وجد ما تبيحه على ما قرر في المذهب ، فإن كثر ضرره واشتد مرضه وخشي ترك الصلاة رأساً فلا بأس بتقليد أبي حنيفة ومالك ، وإن فقدت بعض الشروط عندنا. وحاصل ما ذكره الشيخ محمد بن خاتم في رسالته في صلاة المريض أن مذهب أبي حنيفة أن المريض إذا عجز عن الإيماء برأسه جاز له ترك الصلاة ، فإن شفي بعد مضي يوم فلا قضاء عليه ، وإذا عجز عن الشروط بنفسه وقدر عليها بغيره فظاهر المذهب وهو قول الصاحبين لزوم ذلك ، إلا إن لحقته مشقة بفعل الغير ، أو كانت النجاسة تخرج منه دائماً ، وقال أبو حنيفة : لا يفترض عليه مطلقاً ، لأن المكلف عنده لا يعد قادراً بقدرة غيره ، وعليه لو تيمم العاجز عن الوضوء بنفسه ، أو صلى بنجاسة أو إلى غير القبلة مع وجود من يستعين به ولم يأمره صحت ، وأما مالك فمقتضى مذهبه وجوب الإيماء بالطرف أو بإجراء الأركان على القلب ، والمعتمد من مذهبه أن طهارة الخبث من الثوب والبدن والمكان سنة ، فيعيد استحباباً من صلى عالماً قادراً على إزالتها ، ومقابلة الوجوب مع العلم والقدرة ، وإلا فمستحب ما دام الوقت فقط ، وأما طهارة الحدث فإن عجز عن استعمال الماء لخوف حدوث مرض أو زيادته أو تأخير برء جاز التيمم ولا قضاء عليه ، وكذا لو عدم من يناوله الماء ولو بأجرة ، وإن عجز عن الماء والصعيد لعدمهما أو عدم القدرة على استعمالهما بنفسه وغيره سقطت عنه الصلاة ولا قضاء اهـ. واعلم أن الله مطلع على من ترخص لضرورة ، ومن هو متهاون بأمر ربه ، حتى قيل : ينبغي للإنسان أن لا يأتي الرخصة حتى يغلب على ظنه أن الله تعالى يحب منه أن يأتيها لما يعلم ما لديه من العجز ، والله يعلم المعذور من المغرور ، اهـ من خاتمة الرسالة العلوية للشريف عبد الله بن حسين بن طاهر علوي.
78
صلاة الجمعة
(مسألة : ج) : إقامة الجمعة فرض عين على كل مسلم مكلف إلا أربعة كما في الحديث ، فحينئذ إذا كان في قرية أربعون كاملون وجبت عليهم إقامتها ببلدهم ، وحرم عليهم تعطيلها والسعي لبلد أخرى إلا لعذر شرعي ، ويحرم على بعضهم السفر إذا تعطلت بغيبته إلا لحاجة ، ويظهر ضبطها بالغرض الصحيح ، ويجب على كل من له قدرة القيام عليهم بذلك ونهيهم عن تعطيلها وإلا كان شريكاً لهم اهـ.
قلت : وفي حاشية الشرقاوي : إذا سافر يوم الجمعة مع إمكانها في طريقه لم يأثم ، وإن لزم تعطيلها على أهلها إذ لا يلزم الشخص تحصيل الجمعة لغيره ، وهل يلزمه فعلها حينئذ أم لا ، لأنه صار مسافراً وهو لا تلزمه ، ذكر في الأنوار ما يفيد اللزوم ، نعم إن شرع في السفر قصد تركها فلا إشكال في حرمته اهـ.
(مسألة) : يجوز لمن لا تلزمه الجمعة كعبد ومسافر وامرأة أن يصلي الجمعة بدلاً عن الظهر وتجزئه ، بل هي أفضل لأنها فرض أهل الكمال ، ولا تجوز إعادتها ظهراً بعد حيث كملت شروطها ، كما مر عن فتاوى ابن حجر ، خلافاً لش ، وكما يأتي عن ي ج أيضاً.
(مسألة : ب) : سافر سفراً قصيراً فدخل بلداً ولم ينو بها الإقامة لم تلزمه الجمعة فيها إذ حكم السفر باق عليه.
فائدة : في الإحياء حديث : "من سافر ليلة الجمعة دعا عليه ملكاه" . والظاهر أن المراد بالسفر الذي تفوت به الجمعة اهـ ح ل. وقوله : دعا عليه الخ أي قالا له : لا نجاه الله من سفره ولا أعانه على قضاء حوائجه اهـ شوبري.
فائدة : سئل ابن حجر : هل تلزم المحبوسين إقامة الجمعة في الحبس ؟ فأجاب : بأن القياس لزومها إذا وجدت شروط الوجوب والصحة ولم يخش فتنة ، خلافاً للسبكي ومن تبعه ، ولا يبعد أن يجوّز عذر الحبس تعددها فيفعلونها متى شاءوا ولا حرج عليهم اهـ. لكنه رجح في التحفة كلام السبكي قال : ومثلهم المرضى والعمي للعذر المسقط للجمعة ، ونقل بج عن (م ر) جواز التعدد ، ونقله في الإقناع عن الأسنوي.
(
مسألة) : وقع حرب واختلاف بين جندين في بلدة وتحزب كل ، وخاف بعض الرعية من حضور الجمعة في جامعها الأصلي ، فأحدثوا جمعة في محلهم غير الجمعة الأصلية ، حرم عليهم إقامتها والحال ما ذكر فضلاً عن ندبها أو أنها تلزمهم ، إذ لم يقل أحد من أئمة المذهب إن المعذورين بعذر من أعذار الجمعة والجماعة إذا اجتمع منهم أربعون في جانب من البلدة الواحدة يلزمهم أن يقيموا جمعة ، بل ولا من أئمة المذاهب الثلاثة ، إلا ما نقل عن الإمام أحمد من جواز تعددها للحاجة ، وإنما الخلاف فيما إذا كان المعذورون بمحل يجوز فيه تعدد الجمعة ، كما يعلم من عبارة التحفة وغيرها. والحاصل من كلام الأئمة أن أسباب جواز تعددها ثلاثة : ضيق محل الصلاة بحيث لا يسع المجتمعين لها غالباً ، والقتال بين الفئتين بشرطه ، وبعد أطراف البلد بأن كان بمحل لا يسمع منه النداء ، أو بمحل لو خرج منه بعد الفجر لم يدركها ، إذ لا يلزمه السعي إليها إلا بعد الفجر اهـ. وخالفه ي فقال : يجوز بل يجب تعدد الجمعة حينئذ للخوف المذكور ، لأن لفظ التقاتل نص فيه بخصوصه ، ولأن الخوف داخل تحت قولهم : إلا لعسر الاجتماع ، فالعسر عام لكل عسر نشأ عن المحل أو خارجه ؟ وانحصار التعدد في الثلاث الصور التي استدل بها المجيب المتقدم ليس حقيقة ، إذ لم يحصر العذر في التحفة والنهاية وغيرهما بل ضبطوه بالمشقة ، وهذا الحصر إما من الحصر المجازي لا الحقيقي إذ هو الأكثر في كلامهم ، أو من باب حصر الأمثلة ، فالضيق لكل عسر نشأ عن المحل والبعد ، ولكل عسر نشأ عن الطريق والتقاتل ولغيرهما ، كالخوف على النفس والمال والحر الشديد والعداوة ونحوها من كل ما فيه مشقة.
(مسألة : ) : لا يجوز دخول الجمعة إلا مع تيقن بقاء الوقت ، فلو شك في ضيقه عن واجب خطبتين وركعتين صلوا ظهراً.
(مسألة : ك) : صرح في التحفة والنهاية بأنه لو أمر الإمام بالمبادرة بالجمعة أو تأخيرها فالقياس وجوب امتثال أمره ، والمراد بالمبادرة أمره بفعلها قبل الزوال كما هو مذهب أحمد ، وبعدمها أمره بإخراج شيء منها عن وقت الظهر كما هو مذهب مالك.
(مسألة : ي) : المراد بالخطة محل معدود من البلد أو القرية بأن لم يجز للمسافر القصر فيه ، ولو تعددت مواضع وتميز كل باسم فلكل حكمه إن مد كل قرية مستقلة عرفاً ، بحيث لو خرج المسافر من أحدهما إلى جهة أخرى عد مسافراً عرفاً بأن فصل بينهما فاصل ولو بنحو ذراعين إن عده العرف فاصلاً ، كالمقابر وملعب الصبيان ومطرح الرماد والمناخ والنادي ومورد الماء والمزارع ، أو لم يفصل ما ذكر ، لكن لم يتصل دورها الاتصال الغالب في دور البلدان ، ولهذا لو تفرقت الأبنية بحيث لم تعد مجتمعة في العرف لم تصح إقامة الجمعة بها ، ولو فصلت بيوت الكفار بين بيوت المسلمين في بلدة واحدة لم تعد بلدين ، كما لو كانت المقابر وما بعدها بين الدور ، أو كان الفصل يسيراً ولو بنهر إن عد العرف ما على جانبيه قرية واحدة ، لكونها مع فصلها تسمى بيوتاً مجتمعة اجتماع الدور في غالب القرى ، كنهر دجلة الجاري بين شقي بغداد ، لا كالنيل الفاصل بين الروضة ومصر العتيقة ، ويحمل قولهم إن النهر لا يعد حائلا وإن كبر على عرض لم يفحش كما ذكرنا ، أو على الطول والعمق ولو بعدت أطراف البلد جداً بحيث لو خرج منها بعد الفجر لم يدركها جاز التعدد مطلقاً.
(
مسألة : ش) : لو كان بعض المأمومين خارج الخطبة اشترط تقدم إحرام أربعين ممن هو داخلها على إحرامهم ، بناء على ما رجحه البغوي من اشتراط تقدم إحرام من تنعقد بهم الجمعة على من لا تنعقد بهم اهـ.
قلت : ورجح ابن حجر في كتبه و (م ر) وأبو مخرمة عدم الاشتراط خلافاً للشيخ زكريا ، قال أبو مخرمة : فلا يسن الخروج من هذا الخلاف لضعفه.
فائدة : يشترط في الجمعة أن تقام بأربعين وإن كان بعضهم قد صلاها في بلدة أخرى على ما بحثه بعضهم ، أو من الجن كما قاله القمولي اهـ تحفة. وقوله : وإن كان قد صلاها الخ اعتمده في القلائد و (م ر) قال أبو مخرمة : إن القرى التي يتم العدد فيها تارة وينقص أخرى ، إذا حضرها شخص بعد إحرام أهلها فشك هل هم في جمعة أو في ظهر ولم تكن ثم قرينة كجهر بالقراءة لا يصح إحرامه بالجمعة بل بالظهر ، لأن الشك يمنع الإحرام بالجمعة ، بخلاف ما لو أحرم بالجمعة في حالة جواز الإحرام بها ثم تبين فقدان شرط فتنعقد ظهراً اهـ.
(مسألة : ي) : ونحوه ج : متى كملت شروط الجمعة بأن كان كل من الأربعين ذكراً حراً مكلفاً مستوطناً بمحلها لا ينقص شيئاً من أركان الصلاة وشروطها ، ولا يعتقده سنة ، ولا يلزمه القضاء ، ولا يبدل حرفاً بآخر ولا يسقطه ، ولا يزيد فيها ما يغير المعنى ، ولا يلحن بما يغيره وإن لم يقصر في التعلم كما قاله ابن حجر ، خلافاً لـ (م ر) لم تجز إعادتها ظهراً ، بخلاف ما إذا وقع في صحتها خلاف ولو في غير المذهب ، فتسنّ إن صحت الظهر عند ذلك المخالف ، ككل صلاة وقع فيها خلاف غير شاذ ، ويلزم العالم إذا استفتى في إقامة الجمعة مع نقص العدد أن يقول : مذهب الشافعي لا يجوز ، ثم إن لم يترتب عليه مفسدة ولا تساهل جاز له أن يرشد من أراد العمل بالقول القديم إليه ، ويجوز للإمام إلزام تارك الجمعة كفارة إن رآه مصلحة ويصرفها للفقراء اهـ. وعبارة ك : وإذا فقدت شروط الجمعة عند الشافعي لم يجب فعلها بل يحرم حينئذ لأنه تلبس بعبادة فاسدة ، فلو كان فيهم أمي تم العدد به لم تصح وإن لم يقصر في التعلم كما في التحفة ، خلافاً لشرح الإرشاد و (م ر) بخلاف ما لو كانوا كلهم أميين والإمام قارىء فتصح ، وإذا قلد الشافعي من يقول بصحتها من الأئمة مع فقد بعض شروطها تقليداً صحيحاً مستجمعاً لشروطه جاز فعلها بل وجب حينئذ ، ثم يستحب إعادتها ظهراً ولو منفرداً خروجاً من خلاف من منعها ، إذ الحق أن المصيب في الفروع واحد والحق لا يتعدد ، فيحتمل أن الذي قلده في الجمعة غير مصيب ، وهذا كما لو تعددت الجمعة للحاجة ، فإنه لكل من لم يعلم سبق جمعته أن يعيدها ظهراً ، وكذا إن تعددت لغير حاجة وشك في المعية فتجب إعادتها جمعة ، إذ الأصل عدم وقوع جمعة مجزئة ، وتسن إعادتها ظهراً أيضاً احتياطاً بل قال الغزالي بوجوبه هنا ، وقد صرح أئمتنا بندب إعادة كل صلاة وقع خلاف في صحتها ولو منفرداً ، ومن قال إن الجمعة لا تعاد ظهراً مطلقاً ، لأن الله تعالى لم يوجب ستة فروض في اليوم والليلة فقد أخطأ ، لما صرح
به أئمتنا بأن نحو فاقد الطهورين تلزمه الصلاة في الوقت ثم إعادتها ككل من لم تغنه صلاته عن القضاء ، وأن من نسي إحدى الخمس ولم يعلم عينها تلزمه الخمس اهـ.
قلت : وقوله لو كانوا كلهم أميين الخ عبارة التحفة ، وأن يكونوا كلهم قراء أو أميين متحدين فيهم من يحسن الخطبة اهـ فتأمله. وقوله : وشك في المعية المراد به كما قاله ابن حجر وقوعها على حالة يمكن فيها المعية ، فعلم أن كل جمعة وقعت بمصر الآن مؤداة مع الشك في معيتها فيجب الظهر على الجميع اهـ ع ش.
(مسألة : ج) : المذهب عدم صحة الجمعة بمن لم يكمل فيهم العدد ، واختار بعض الأصحاب جوازها بأقل من أربعين تقليداً للقائل به ، والخلاف في ذلك منتشر ، قال ابن حجر العسقلاني : وجملة ما للعلماء في ذلك خمسة عشر قولاً : بواحد نقله ابن حزم اثنان كالجماعة قاله النخعي وأهل الظاهر ثلاثة قاله أبو يوسف ومحمد وحكي عن الأوزاعي وأبي نصر أربعة قاله أبو حنيفة وحكي عن الأوزاعي أيضاً وأبي ثور ، واختاره المزني وحكاه عن الثوري والليث وإليه مال أكثر أصحابنا ، فإنهم كثيراً مايقولون بتقليد أبي حنيفة في هذه المسألة ، قال السيوطي : وهو اختياري إذ هو قول الشافعي قام الدليل على ترجيحه على القول الثاني. سبعة حكي عن عكرمة ، تسعة عن ربيعة ، اثنا عشر عن المتولي والماوردي والزهري ومحمد بن الحسن ، ثلاثة عشر عن إسحاق ، عشرون عن مالك ، ثلاثون رواية عن مالك أيضاً ، أربعون بالإمام وهو الصحيح من مذهب الشافعي ، أربعون غير الإمام روي عن الشافعي أيضاً وبه قال عمر بن عبد العزيز ، خمسون قاله أحمد ثمانون حكاه الماوردي جمع كثيرون بغير قيد ، وهو المشهور من مذهب مالك أنه لا يشترط عدد معين ، بل الشرط جماعة تسكن بهم قرية ويقع بينهم البيع ولا تنعقد بالثلاثة ، ولعل هذا هو أرجح المذاهب من حيث الدليل. واعلم أن السيوطي وغيره من العلماء قالوا : لم يثبت في الجمعة شيء من الأحاديث بتعيين عدد مخصوص ، وإذا كان الأمر كذلك مع إجماع الأمة على أن الجمعة من فروض الأعيان ، فالذي يظهر ونختار أنه متى اجتمع في قرية عدد ناقص ولم يمكنهم الذهاب إلى محل الكاملة أو أمكنهم بمشقة وجب عليهم في الأولى وجاز في الثانية أن يقيموا بمحلهم الجمعة ، وقد اختار هذا وعمل به العلامة أحمد بن زيد الحبشي ، نعم إن أمكن فعلها آخر الوقت بالأربعين بحيث يسع الخطبة والصلاة وجب التأخير ، لكن يجب على ذي القدرة زجرهم عن تأخيرها إلى هذا الحد ، كما يجب عن تعطيلها وتعزيرهم بنحو حبس وضرب ، إذ التأخير المذكور
مشعر بتساهلهم بأمور الدين بل مؤد إلى خروج الوقت اهـ. وفي ك مثله في تعدد الأقوال إلا الأول فإنه قال : اختلف العلماء في العدد على أربعة عشر قولاً بعد إجماعهم على أنه لا بد من عدد وهو اثنان إلى آخر ما مر.
(
مسألة) : إذا اتسع المنبر سن للخطيب أن يقف بجانبه الأيمن ، كما صرح به في الأنوار وأفهمه كلام الشيخين ، ويؤخذ منه أنه إذا أراد الالتفات بعد رقيه أن يلتفت إلى جهة يمينه قاله ابن حجر في فتاويه.
(مسألة) : يكفي في الوصية ما يحث على الطاعة أو يزجر عن المعصية ، ويؤخذ منه أنه لا يشترط أن يكون مما يلابسه السامع ، فلو كان السامعون عمياً كفى التحذير عن آفات النظر ، ولو خص الخطيب الدعاء بالغائبين لم يكف كما في التحفة والنهاية ، ويفهم منه أنه لا يكفي تخصيص بعض الأربعين ، بل لا بد من التعميم للمؤمنين أو تخصيص الحاضرين ، بل في الزبد أنه أولى كما قال وحسن تخصيصه للسامعين.
(مسألة : ك) : لا يشترط فهم أركان الخطبة للمستمعين بل ولا للخطيب نفسه خلافاً للقاضي ، كما لا يشترط فهم أركان الصلاة ولا تمييز فروضها من سننها اهـ.
قلت : بل ولا يشترط معرفة الخطيب أركان الخطبة من سننها كما في فتاوى (م ر) كالصلاة ، لكن يشترط إسماع الأربعين أركان الخطبة في آن واحد فيما يظهر ، حتى لو سمع بعض الأربعين بعضها وانصرف وجاء غيرهم فأعاد عليهم لم يكف ، قاله ع ش.
(مسألة) : لو شك الحاضرون حال الخطبة هل اجتمع أربعون ؟ أو هل خطب الإمام ثنتين أو أخلّ بركن ؟ لم يؤثر ، بل لو عرض ذلك في الصلاة لم يؤثر أيضاً ، حتى في حق الإمام فضلاً عن غيره ، قاله أبو مخرمة.
فائدة : خطب قاعداً فبانت قدرته على القيام لم يؤثر اهـ إمداد. ومثله لو بان حدثه بل أولى كالصلاة وقضية كلام الروض أن يكون زائداً على الأربعين اهـ جمل. ولا تعتبر شروط الخطبة إلا في الأركان فقط ، فلو انكشفت عورته في غيرها لم يضر ، كما لو أحدث بين الأركان وأتى مع حدثه بشيء من الوعظ ثم استخلف عن قرب اهـ ع ش.
فائدة : قال ب ر : ولا يجب الجلوس بينهما عند الأئمة الثلاثة ، وعندنا يضر تركه ولو سهواً ، ولا يكفي عنه الاضطجاع ، ويسن أن يكون بقدر سورة الإخلاص ، وأن يقرأها فيه كما في التحفة ، وقال في الفتاوى قال القاضي : والدعاء في هذه الجلسة مستجاب ، وعليه يستحب للحاضرين الاشتغال به اهـ.
(مسألة : ب) : لا تنبغي البسملة أول الخطبة ، بل هي بدعة مخالفة لما عليه السلف الصالح من أئمتنا ومشايخنا الذين يقتدى بأفعالهم ويستضاء بأنوارهم ، مع أن أصح الروايات خبر : "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله" فساوت البسملة الحمدلة.
فائدة : قال باعشن : ومنه يؤخذ أن الزائد على الآية ليس من الركن ، وهو قاعدة ما يتجزأ كالركوع ، أن أقل مجزىء منه يقع واجباً والزائد سنة ، وحينئذ ما زاد على الواجب وطال به الفصل يقطع الموالاة ، وبمثله يقال في الدعاء ، فما قطع الموالاة ضر خصوصاً في الدعاء للصحابة وولاة الأمر ، لأنه ليس من ركن الدعاء وطول الفصل قدر ركعتين بأقل مجزىء ، كما في الموالاة بين صلاتي السفر ، وفي التحفة والنهاية أن قراءة المرقي آية { إن الله وملائكته يصلون على النبي} الخ ، ثم الحديث بدعة حسنة اهـ.
فائدة : أفتى أحمد الذهبي البصال بأن من دخل حالة أذان الخطبة أن الأولى له أن يصلي التحية ، وقال أبو شكيل : لعل الأولى الوقوف وإجابة المؤذن ثم يصلي التحية ويتجوز ليحصل الجمع بين المقصودين ، ورجحه أبو مخرمة قال : ولا يصح القول بكراهة الإجابة حينئذ اهـ.
(مسألة : ش) : أتى حال الخطبة على محل خارج المسجد لم تجز له التحية ولا غيرها من الصلوات مطلقاً ولو قضاء سمع الخطبة أم لا ؟ بخلاف داخل المسجد فله ركعتان ، سواء نوى بهما التحية فقط أو مع الراتبة أو الراتبة وحدها ، لوجود صورة التحية المانعة من هتك حرمة المسجد مع سقوط الطلب ، وإن لم يحصل ثوابها حينئذ ، لكن يلزمه التخفيف بأن يقتصر على الواجبات اهـ.
قلت : وقوله وإن لم يحصل ثوابها اعتمده (م ر) ورجح في التحفة حصول الثواب وإن لم ينوها لكن دون ثواب من نواها ، وقوله : بأن يقتصر على الواجبات تبرأ منه في التحفة ، ونظر فيه في النهاية ثم قال : فالأوجه أن المراد به ترك التطويل عرفاً ، وعليه فتكره الزيادة على الواجب اهـ كردي.
فائدة : يكره للإمام وغيره الشرب حال الخطبة إلا لعطش ، كالكلام لمن استقر في موضع إلا لمهم ناجز ، كتعليم واجب ، وإنكار منكر ، وإنذار أعمى وأولى الإشارة إن كفت ، ويجوز شراء ماء الطهر والسترة والقوت ، وينبغي أن لا يكره البيع في بلد يؤخرون كثيراً اهـ قلائد. واعلم أن وقت الخطبة يختلف باختلاف أوقات البلدان بل في البلدة الواحدة ، فالظاهر أن ساعة الإجابة في كل أهل محل من جلوس خطيبه إلى آخر الصلاة ، ويحتمل أنها مبهمة بعد الزوال ، فقد يصادفها أهل محل ولا يصادفها آخر متقدم أو متأخر ، اهـ إمداد ونهاية.
83
سنن الجمعة وفوائد تتعلق بالصلاة على النبي
فائدة : المتجة جواز ترك التعليم يوم الجمعة ، لأنه يوم عيد مأمور فيه بالتبكير والتنظيف وقطع الأوساخ والروائح الكريهة ، والدعاء إلى غروب الشمس رجاء ساعة الإجابة اهـ فتاوى ابن حجر. وفي الإيعاب : أن عمر رضي الله عنه طالت غيبته مدة حتى اشتاق إليه أهل المدينة ، فلما قدم خرجوا للقائه ، فأول من سبق إليه الأطفال ، فجعل لهم ترك القرآن من ظهر يوم الخميس إلى يوم السبت ، ودعا على من يغير ذلك اهـ ش ق.
فائدة : يسن لمستمع الخطبة تشميت العاطس لأن سببه قهري ، ويسن للعاطس الرد عليه ، وورد أن من عطس أو تجشأ فقال : الحمد لله على كل حال رفع الله عنه سبعين داء أهونها الجذام اهـ باعشن. وقال في الدر : من سبق العاطس بالحمد أمن من الشوص بفتح الشين وجع الضرس ، وقيل : البطن واللوص بفتح اللام وسكون الواو وجع الأذن ، وقيل : البخر والعلوص بكسر العين وفتح اللام وجع البطن ، وقيل : التخمة ونظمها بعضهم فقال :
من يبتدىء عاطساً بالحمد يأمن من
شوص ولوص وعلوص كذا وردا
عنيت بالشوص داء الضرس ثم بما
يليه داء الأذن والبطن اتبع رشدااهـ شرح الجامع لعلقمي.
فائدة : ينبغي لسامع الصلاة على النبي أو الترضي عن الصحابة حال الخطبة أن يصلي على النبي ويترضى عنهم ، فهو أفضل من الإنصات ، وقد أوجب جمع الصلاة عليه كلما ذكر ، اهـ تجريد المزجد.
(مسألة : ي) : يكره التخطي كراهة شديدة ، وقيل يحرم ، والمراد به تخطي الرقاب حتى تحاذي رجله أعلى منكب الجالس ، بخلاف ما لو كانت رجل المار تمر على نحو عضده أو أسفل منه فلا كراهة ، إذ لا يسمى تخطياً بل هو مسنون لتحصيل سنة ، كالصف الأول والقرب من الإمام والجدار ونحوها ، فإنكاره والأنفة منه إنكار للسنة ، ومن طلب التأدب معه بترك ذلك فلجهله طلب التأدب بترك سنة الرسول اهـ.
قلت : وقال في فتح الباري : كراهته يعني التخطي شاملة ولو بمكة على المعتمد ، واغتفر بعض الفقهاء ذلك للطائفين للضرورة ، وعن بعض الحنابلة جواز ذلك في جميع مكة اهـ.
(مسألة : ش) : ترك الإمام قراءة الجمعة في الأولى أتى بها مع المنافقين في الثانية ، وإن قرأ المنافقين في الأولى قرأ الجمعة في الثانية ، إذ السنة أن لا يخلي صلاته عنهما ، أو قرأهما معاً ، في الأولى قرأ المنافقين وفي الثانية أيضاً لئلا تخلو عن وظيفتها ، فلو قرأ الجمعة حينئذ فوّت فضيلة الجمع بين السورتين في الركعتين ، وحصل أصل سنة القراءة إن قلنا بحصولها بتكرير السورة كما هو المعتمد ، ولو اقتدى مسبوق في الثانية وسمع قراءة المنافقين سنّ له إعادتها في ثانيته أيضاً ، وليس كقارىء المنافقين في الأولى حتى تسن له قراءة الجمعة في ثانيته ، لأن السنة له حينئذ الاستماع ، نعم لو سنت له السورة حينئذ بأن لم يسمع قراءة الإمام فقرأ المنافقين فيها فالراجح أنه يقرأ الجمعة في ثانيته كما مر في الإمام.
فائدة : ورد أن من قرأ الفاتحة والإخلاص والمعوذتين سبعاً سبعاً عقب سلامه من الجمعة قبل أن يثني رجليه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وأعطي من الأجر بعدد من آمن بالله ورسوله ، وبوعد من السوء إلى الجمعة الأخرى ، وفي رواية زيادة وقبل أن يتكلم حفظ له دينه ودنياه وأهله وولده ويقول بعدها أربع مرات : اللهم يا غني يا حميد ، يا مبدىء يا معيد ، يا رحيم يا ودود ، أغنني بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اهـ باعشن. ونقل عن أبي الصيف أن من قال هذا الدعاء يوم الجمعة سبعين مرة لم تمض عليه جمعتان حتى يستغني. ونقل عن أبي طالب المكي أن من واظب على هذا الدعاء من غير عدد أغناه الله تعالى عن خلقه ورزقه من حيث لا يحتسب ، اهـ كردي. ولا تفوت سنة المسبعات والأذكار المأثورة عقب صلاة الجمعة بكلام أو انتقال ، نعم يفوت ثوابها المخصوص ولو بجعل يمينه للقوم ، كما نقله الكردي عن ابن حجر و ق ل. وقال بعضهم : لا يفوت الثواب بل كماله ، اهـ فتاوى باسودان.
فائدة : نقل عن الإمام الشعراني أن من واظب على هذين البيتين في كل يوم جمعة توفاه الله على الإسلام من غير شك وهما :
إلهي لست للفردوس أهلاً
ولا أقوى على نار الجحيم
فهب لي زلتي واغفر ذنوبي
فإنك غافر الذنب العظيم
ونقل عن بعضهم أنهما يقرآن خمس مرات بعد الجمعة اهـ باجوري.
فائدة : يسن الإكثار من قراءة الكهف والصلاة على النبي يوم الجمعة وليلتها ، وأقل الإكثار من الأول ثلاث ومن الثاني ثلاثمائة ، اهـ مغني وكردي وباعشن.
(مسألة : ك) : إذا قال الشخص : اللهم صل وسلم على سيدنا محمد ، أو سبحان الله ألف مرة أو عدد خلقه فقد جاء في الأحاديث ما يفيد حصول ذلك الثواب المرتب على العدد المذكور ، كما صرح بذلك ابن حجر وتردد فيه (م ر) وليس هذا من باب لك الأجر على قدر نصبك ، بل هو من باب زيادة الفضل الواسع والجود العظيم.
فائدة : ورد أنه قال : "من صلى عليّ في يوم خمسين مرة صافحته يوم القيامة" وذكر ابن المظفر أنه لو قال : اللهم صلِّ على محمد خمسين مرة أجزأه إن شاء الله تعالى ، وإن كرر ذلك فهو أحسن اهـ. قال ع ش : ولم يتعرض لصيغة الصلاة على النبي ، وينبغي أن تحصل بأي صيغة كانت ، ومعلوم أن أفضل الصيغ الواردة : اللهم صل أبداً أفضل صلواتك على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك محمد وآله وصحبه وسلم عليه تسليماً كثيراً ، وزده شرفاً وتكريماً ، وأنزله المنزل المقرّب عندك يوم القيامة ، اهـ جمل. وقال ابن الهمام : كل ما جاء في كيفيات الصلاة الواردة فهو موجود في هذا اللفظ المذكور ، ولكن التصلية التي استنبطها الشيخ ابن حجر أعم وأفضل كما قاله ب.
فائدة : قال الحافظ ابن حجر : وتتأكد الصلاة عليه في مواضع ورد فيها أخبار خاصة أكثرها بأسانيد جياد عقب إجابة المؤذن ، وأوّل الدعاء وأوسطه وآخره ، وأوّله آكد ، وآخر القنوت ، وفي أثناء تكبيرات العيد ، وعند دخول المسجد والخروج منه ، وعند الاجتماع والتفرق ، وعند السفر والقدوم ، والقيام لصلاة الليل ، وختم القرآن ، وعند الكرب والهم والعقوبة ، وقراءة الحديث ، وتبليغ العلم والذكر ، ونسيان الشيء ، وورد أيضاً في أحاديث ضعيفة عند استلام الحجر وطنين الأذن والتلبية وعقب الوضوء ، وعند الذبح والعطاس ، وورد المنع منها عندهما أيضاً اهـ مناوي اهـ جمل.
85
الاستخلاف وحكم المسبوق
أفتى الشهاب الرملي بأن الإمام في الجمعة لو تذكر أنه محدث فخرج واستخلف مأموماً صح ، قال : ولا يخالف ما ذكرته قول المنهاج ولا يستخلف في الجمعة إلا مقتدياً به قبل حدثه فإنه جرى على الغالب اهـ ، ووافقه ابن حجر.
(مسألة) : استخلف إمام الجمعة مسبوقاً لم يدرك معه ركوع الأولى أتم ظهراً لا من اقتدى به فيتم جمعة إن أدرك الركعة الثانية من صلاة الإمام الأول ، وكذا إن أدرك ركعة من بقية صلاة المستخلف الذي يتم بظهر ، أقام ع ش وابن حجر في فتاويه فليتأمل ، لكن شرط (م ر) بقاء العدد إلى سلام الإمام المذكور ، بل لو فارقه المقتدون وسلموا وهو في ثانيته امتنع الاقتداء به حينئذ لفوات العدد.
(مسألة) : حاصل مسألة الاستخلاف كما أوضحها الشيخ محمد بن صالح الريس في القول الكافي أنه إذا خرج الإمام عن الإمامة بنحو تأخره عن المأمومين ، أو عن الصلاة بنحو حدث ولو عمداً ، فاستخلف هو أو المأمومون أو بعضهم صالحاً للإمامة ، أو تقدم الصالح بنفسه جاز تارة بل وجب وامتنع أخرى ، ولا يشترط أن يكون الخليفة محاذياً للإمام ، ولا أن يتقدم على المأمومين ، بل يندب ذلك ، ثم الاستخلاف إن كان في جمعة فشرطه أن يكون الخليفة مقتدياً به قبل خروجه ، وأن لا ينفرد المأمومون بركن قولي أو فعلي ، أو يمضي زمن يسع ركناً ، ولا تلزمهم نية الاقتداء بالخليفة مطلقاً ، فإن انفرد كلهم بركن ، فإن كان في الركعة الأولى بطلت لوجوب الاستخلاف فيها أو في الثانية فلا ، ولكن لا تجوز لهم حينئذ نية الاقتداء به بل تبطل بذلك إذ هو كتعداد الجمعة ، وإن حصل الانفراد أو نية القدوة من بعضهم ، فإن بقي أربعون صحت الجمعة لهم فقط ، وإلا بطلت جمعة الكل فيعدونها جمعة ، وأما الخليفة فإن أدرك ركوع الأولى مع الإمام واستخلفه في اعتدالها تمت جمعته كالمقتدين ، وإلا فتتم لهم دونه ويحرم تقدمه مع علمه بتفويت جمعته وإن صح ، واختلفوا فيمن أدرك مع الإمام ركوع الثانية وسجوديها ثم استخلف في التشهد فقال ابن حجر : يتم ظهراً ، وقال الشيخ زكريا و (م ر) والخطيب وغيرهم : يتم جمعة وإن كان الاستخلاف في غير الجمعة ، فإن كان الخليفة مقتدياً واستخلف عن قرب أو غير مقتد واستخلف في الأولى وثالثة الرباعية جاز من غير تجديد نية وإن مضى قدر ركن ، وإن استخلف غير المقتدي في ثانية مطلقاً أو ثالثة مغرب أو رابعة غيرها لم يصح إلا بتجديد نية ، ويجب على المسبوق المستخلف في الجمعة أو غيرها مراعاة نظم صلاة إمامه ، فيقنت ويتشهد في غير موضعه ويشير إليهم بما يفهم فراغ صلاتهم ، ولهم فراقه بلا كراهة وانتظاره ليسلموا معه وهو أفضل ، ويجوز استخلاف من لم يعرف نظم صلاة الإمام في الأصح وحينئذ يراقب المأمومين ،
فإن هموا بالقيام أو القعود تبعهم ، ولا ينافي ذلك قولهم إنه لا يرجع لقول غيره وفعله وإن كثروا ، لأن هذا مستثنى للضرورة كما في التحفة ، وعلم من قولنا صالحاً للإمامة أنه لو تقدم غير صالح كأمي وامرأة لم تبطل صلاتهم إن نووا الاقتداء به ، ولا يجوز الاستخلاف قبل خروج الإمام ، ومن قدموه أولى ممن قدمه الإمام ما لم يكن راتباً ، ويجوز استخلاف اثنين فأكثر في غير الجمعة ، وكذا فيها في الركعة الثانية بقيده المار ، فلو استخلف اثنان في الأولى منها ، فإن اقتدى بواحد منهما أربعون وبالآخر أنقص صحت للأولين ، وإن كان كل أربعين أو أنقص لم تصح للكل ويعيدونها جمعة ، وإن استخلف في الخطبة من سمع أو خطب وأمّ من سمعها صح ، لكن الاستخلاف خلاف الأولى ، بل الأفضل أن يتطهر الخطيب ويستأنف ما لم يضق الوقت ، أما المستخلف بعد الإحرام فلا يشترط سماعه الخطبة لأنه بإحرامه اندرج مع غيره ، ولو استخلف الإمام في أثناء الفاتحة لزم الخليفة إتمامها ثم الإتيان بفاتحته إن لم يقرأها قبل ، كما رجحه ابن حجر وأبو مخرمة ، فإن لم يقرأ الفاتحة لزمه الإتيان بركعة بعد انتهاء صلاة المستخلف.
(
مسألة : ش) : أدرك مع الإمام ركوع الثانية ثم فارقه في التشهد أو أحدث الإمام قال ابن حجر : لا يدرك الجمعة بل لا بد من بقائه إلى السلام ، وقال غيره يدركها وهو جدير بأن يعتمد. فعليه لو خاف خروج الوقت لو لم يفارقه ويأتي بالثانية وجب فراقه.
(مسألة) : المسبوق الذي لم يدرك مع إمام الجمعة ركعة يلزمه الإحرام بالجمعة ثم يتم ظهراً أربعاً ويسرّ بالقراءة ، لو رأى مسبوقاً آخر أدرك مع الإمام ركعة قطع صلاته وجوباً واقتدى به ، لأن من لزمته الجمعة لا تجزئه الظهر ما دام قادراً على الجمعة ، ولا يجوز له الاقتداء به من غير قطع ، لاتفاقهم على أنه لا يجوز اقتداء المسبوقين بعضهم ببعض ، وهذا ما اعتمده ابن حجر القائل بإدراك الجمعة خلف المسبوق ، بل قال في فتاويه : لو فارق المقتدون في الركعة الثانية جاز للمسبوق الاقتداء بمن شاء من الإمام والمأمومين ، كما لو قام مسبوقون فاقتدى بكل واحد آخر فتحصل الجمعة لكل من أدرك ركعة ولا تعدد ، لأن الكل في الحقيقة تبع للإمام الأول ، واعتمد (م ر) أنه لا يجوز الاقتداء بالمسبوق بعد سلام إمام الجمعة مطلقاً ، ووافق ابن حجر الخياري وصاحب القلائد لكنهما قالا : ولا يقطعها إلا إن لم يمكنه قلبها نفلاً ركعتين ثم الاقتداء به وإدراك ركعة ، وأفتى محمد بلعفيف بأنه يلزمه الاقتداء بالمسبوق المذكور من غير قطع وهو مشكل لامتناع اقتداء المسبوق بمثله في الجمعة فتحصل أن في المسألة أربعة آراء : قطعها ، والاقتداء به مطلقاً ، وقلبها نفلاً ، ثم الاقتداء والاقتداء به من غير قطع وعدم صحة الاقتداء به ، اهـ فتاوى باسودان مع زيادة.
86
صلاة الخوف
فائدة : لو أخذ له مال كأن خطف نعله أو أخذت الهرة لحماً وهو يصلي جاز له طلبه ، وصلاة شدة الخوف إن خاف ضياعه ، وله وطء نجس لا يعفى عنه مع القضاء قاله (م ر) واعتمد ابن حجر عدم الجواز لأنه طالب لا خائف لكنه جوّز القطع لذلك اهـ باعشن ، وأفتى أحمد الخبيشي بجواز صلاة شدة الخوف لمانع نحو الطير عن زرعه عند ضيق الوقت ، كالدفع عن نفس أو مال أو حريم ، وقد جعلوا ذلك من أعذار الجمعة اهـ.
86
اللباس والتحلية
فائدة : لم يلبس ما صبغ منسوجاً ولبس البرد ، ولا يكره لبس غير الأبيض ، نعم إدامة لبس السواد ولو في النعال خلاف الأولى اهـ جمل ، وكان طول ردائه عليه الصلاة والسلام أربعة أذرع وعرضه ذراعين وشبراً اهـ نهاية.
(مسألة) : يسن لبس القميص والإزار والعمامة والطيلسان في الصلاة وغيرها إلا في حال النوم ونحوه ، نعم يختص الطيلسان غالباً بأهل الفضل من العلماء والرؤساء وبعض كيفياته تقوم مقام الرداء ، والأكمل أن يكونا فوق القميص ، وكيفية الطيلسان المشهورة التي كادوا يجمعون عليها أن يجعل على الرأس فوق نحو العمامة ، ثم يغطي به أكثر الوجه ، ثم يدار طرفه والأولى اليمين من تحت الحنك إلى أن يحيط بالرقبة جميعاً ، ثم يلقى طرفاه على الكتفين حذراً من السدل ، فلو لم يحنكه كما ذكر حصل أصل السنة ، ولا يغطى الفم لكراهته في الصلاة ، ويطلق الطيلسان مجازاً على الرداء الذي هو حقيقة مختص بثوب عريض على الكتفين مع عطف طرفيه ، وورد الارتداء لبسة العرب والتلفع أي الطيلسان لبسة الإيمان ، وبه يعلم أفضليته على الرداء قاله ابن حجر في درّ الغمامة ، . وفي فتاوى العلامة علوي بن أحمد الحداد قال : وفي فتح الباري باب الأردية جمع رداء بالمد وهو ما يوضع على العاتق وهو ما بين المنكب إلى أصل العنق أو بين الكتفين من الثياب على أي صفة كان اهـ ، فلم يفرق بين العاتق الأيمن والأيسر فيكفي أحدهما اهـ. وقال الشيخ عبد الله باسودان : وقع في عبارة التحفة والنهاية وغيرهما ذكر الرداء المدوّر والمثلث والمربع والطويل الذي يكون على منكب وأنه تحصل به السنة ، ولم يتحقق حينئذ تصوير صفته في الأربع بعد البحث في كتب الحديث والحواشي الموجودة اهـ. وفي درّ الغمامة أيضاً : ويكره سدل الثوب في الصلاة وغيرها ، ويحرم للخيلاء بأن يسبل الثوب الموضوع على الرأس أو الكتف من غير أن يضم جانبيه بنحو اليد ولا يردهما على الكتفين ، ويحتمل الاكتفاء بضم أحدهما ، والأفضل كون القميص كغيره من اللباس من قطن ويليه الصوف ، وتحصل سنة العمامة بقلنسوة وغيرها ، وينبغي ضبط طولها وعرضها بعادة أمثاله ، والأفضل كونها بيضاء وبعذبة ، وأقلها أربعة أصابع وأكثرها ذراع وأوسطها شبر ، وسنية العمامة عامة ، ولا تنخرم بها
المروءة مطلقاً ، وورد : "صلاة بعمامة خير من سبعين ركعة بغير عمامة" و "إن لله ملائكة يستغفرون للابسي العمائم" وورد أنه كان يلبس قلنسوة بيضاء ، وفي رواية : كان يلبس كمة بيضاء وهي القلنسوة ، وفي خبر أنه كان له ثلاث قلانس : قلنسوة بيضاء ، مضرية ، وقلنسوة بردة حبرة ، وقلنسوة ذات آذان يلبسها في السفر ، وربما وضعها بين يديه إذا صلى ، ويؤخذ من ذلك أن لبس القلنسوة البيضاء يغني عن العمامة ، وبه يتأيد ما اعتاده بعض مدن اليمن من ترك العمامة من أصلها ، وتمييز العلماء بطيلسان على قلنسوة بيضاء لاصقة بالرأس ، لا يقال : محل أصل السنة بذلك ما لم يكن بمحل يعدّ لبس ذلك مزرياً له. لأنا نقول : شرط خرم المروءة بذلك أن لا يقصد التشبه بالسلف ، فأولى قصده التشبه به ، إذ لا يترك التأسي لعرف طارىء ، وكان ابن عبد السلام يلبس قلنسوة من لباد أبيض ، فإذا سمع الأذان خرج بها إلى المسجد اهـ.
فائدة : القزّ نوع من الحرير كمد اللون وليس من ثياب الزينة ، وهو ما قطعته الدودة وخرجت منه حية ، والحرير ما يحل عنها بعد موتها اهـ زي ، ويحل من الحرير الخالص بأنواعه المعروفة خيط المفتاح والميزان والكوز والمنطقة والقنديل وليقة الدواة وتكة اللباس وخيط السبحة وشرابتها وخيط الخياطة والأزرار وخيط المصحف وكيسه لا كيس الدراهم وغطاء العمامة خلافاً لابن حجر. ويحل غطاء الكوز وخيطه وستر الكعبة وكذا قبور الأنبياء على ما اعتمده ق ل لا قبور غيرهم خلافاً للرحماني. ويجوز الدخول بين ستر الكعبة وجدارها لنحو دعاء للحاجة كالالتصاق به من خارج كما صرح ابن قاسم ، ويحرم إلباسه الدواب كستر الجدار به اهـ ش ق.
فائدة : لو سجف بزائد على عادة أمثاله حرم عليه وعلى غيره ، وإن اعتاد أمثاله مثله لأنه وضع بغير حق ، ولو اتخذ سجافاً عادة أمثاله ثم انتقل لمن ليس عادته جازت استدامته لأنه وضع بحق ، ويغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء اهـ ع ش. وأفتى الزمزمي بأن الهدب المتخذ من الحرير إن كان داخلاً ، في أجزاء الثوب فهو كالمطرز بالإبرة فيعتبر فيه الوزن فلا يحرم إلا إن زاد وزنه ، وإن لم يكن كذلك حرم مطلقاً ، وأفتى الشيشي بأن العبرة فيه بالوزن مطلقاً ، وفي التحفة : يحرم الجلوس على جلد سبع كنمر وفهد وإن جعل إلى الأرض لأنه من شأن المتكبرين اهـ.
(مسألة) : حاصل كلام القلائد في اللباس أنه يحرم المزعفر وكذا العصفر خلافاً لبعضهم ، لا المصبوغ بالورس على المعتمد كما قاله أبو مخرمة لثبوت فعله عنه ، وكان تعجبه البرود المخططة ، ولا يكره لبس غير تلك الثلاثة بأي صبغ كان ، نعم كره بعضهم لبس الرجل ما صبغ بعد نسجه وفيه نظر ، فقد ثبت لبسه جبة حمراء وثوبين أخضرين وعمامة سوداء ، والظاهر إن ذلك بعد النسج اهـ.
فائدة : من خط السمهودي قال : من فضل التواضع ما ذكر أن الله تعالى أتحف آدم عليه السلام بخاتم فقال الإبهام : أنا أحق به منكن لكوني منفرداً ، وقالت السبابة : أنا أحق به لكوني مسبحة ، وقالت الوسطى : أنا أحق به لكوني أطولكن ، وقالت البنصر : أنا أحق به لكوني طرفاً ، فيئست الخنصر منه لانكسارها وصغرها فخصها الله به ورفعها بتواضعها لكونها لم تر نفسها مستحقة اهـ.
(مسأل : ش) : يجوز التختم في غير الخنصر على الراجح لكن مع الكراهة ، والمعتمد حرمة التعدد في لبس الخاتم في يد أو يدين اهـ. قلت : واعتمده في التحفة ، واعتمد أيضاً حل لبس الحلقة إذ غايتها خاتم بلا فص ، وكره (م ر) التعدد مطلقاً لبساً واتخاذاً ، وحيث حرم أو كره وجبت زكاته ، وأفتى أبو قضام بحرمته ، وكان نقش خاتمه عليه الصلاة والسلام : "محمد رسول الله" يقرأ من أسفل. ونقش خاتم الصديق : نعم القادر الله. والفاروق : كفى بالموت واعظاً يا عمر. وعثمان : آمنت بالله مخلصاً. وعليّ : الملك لله. وأبي عبيدة : الحمد لله. رضي الله عن الجميع اهـ جمل.
(
مسألة : ك) : المعتمد حل افتراش المنسوج والمطرز بالذهب والفضة للنساء كالحرير بلا فرق كما قاله البلقيني و (ع ش) وغيرهما ، خلافاً لما رجحه ق ل من حرمة الافتراش لإطلاق الأدلة المجوّزة لاستعمالهن الحرير والنقد بأي صورة كانت ، إلا ما استثني كالأواني ونحو الكرسي من النقد فيحرم على الفريقين ، وكآلة الحرب فتحرم عليهن ، وليس من الأواني وضع قطعة فضة كاللوح على نحو الوسادة بل هي من الزينة فيحل لها كالمكحلة الفضة ، ولا زكاة في ذلك ما لم يكن فيه إسراف ، ولا يحل للمكلف شيء من ذلك ، نعم يحل له استعمال الحرير في نحو تسجيف وتطريز خيط سبحة وشرابة برأسها ، وغطاء نحو عمامة وكيس الدراهم والمصحف.
فائدة : تحل تحلية المصحف بالفضة مطلقاً ، وبالذهب للمرأة ، والتحلية وضع قطع النقد الرقاق مسمرة على شيء والتمويه إذابته والطلاء به اهـ ش ق. وأفتى ابن زياد بأنه لو حظي نحو العمامة بالقصب يعني خيط الفضة المغموس فيها حرم ، وإن لم يحصل منه شيء بالنار ، نعم إن قلد أبا حنيفة جاز لأنه يجيز قدر أربع أصابع من ذلك اهـ باعشن. ولا تحرم ملاقاة الفم للمطر النازل من ميزاب الكعبة ، وإن مسه الفم على نزاع فيه اهـ تحفة. واعتمد (م ر) الحرمة إن قرب من الفم كما في سم و ب ر ، وتحل حلقة الإناء ورأسه إذا لم يسمّ إناء وسلسلته من فضة ، ويحل جعل ما يلعب به في الشطرنج من نقد إذ لا يسمى إناء ولا يستعمل في البدن اهـ فتح.
فرع : ما جرت به العادة من تحلية رأس مرش ماء الورد بفضة نقل بعضهم الإجماع على التحريم ، والذي يظهر أنه إن اتخذ من فضة عند كيس رأسه فله حكم الضبة الكبيرة للحاجة فيكون مكروهاً ، أو لتكميل رأسه فحرام ، كما قال في الإيعاب في رأس الكوز اهـ كردي.
89
العيدان
فائدة : قال في الإيعاب و زي و ش ق : التهنئة بالعيد سنة ، ووقتها للفطر غروب الشمس ، وفي الأضحى فجر عرفة كالتكبير اهـ. زاد ش ق وكذا بالعام والشهر على المعتمد مع المصافحة عند اتحاد الجنس والخلوّ عن الريبة ، كامرأة وأمرد أجنبيين والبشاشة والدعاء بالمغفرة ، وقد جعل الله للمؤمنين ثلاثة أيام : عيد الجمعة والفطر والأضحى ، وكلها بعد إكمال العبادة ، وليس العيد لمن لبس الجديد بل طاعاته تزيد ، ولا لمن تجمل بالملبوس والمركوب بل لمن غفرت له الذنوب. واعلم أن اجتماع الناس بعد عصر يوم عرفة للدعاء كما يفعل أهل عرفة ويسمى التعريف قال الإمام : لا بأس به ، وكرهه الإمام مالك ، وفعله الحسن ، وسبقه ابن عباس رضي الله عنهم ، ومن جعله بدعة فمراده حسنة ، ونقل عن الطوخي حرمته لما فيه من اختلاط النساء بالرجال وهو وجيه حينئذ اهـ.
فائدة : التطيب والتزين في العيد أفضل منه في الجمعة ، بدليل أنه طلب هنا أغلى قيمة وأحسنها منظراً ولم يختص بمريد الحضور ، وينبغي أن يكون غير الأبيض أفضل إذا وافق يوم العيد يوم الجمعة اهـ ع ش.
فائدة : قال ش ق : والتكبير أولى ما يشتغل به حتى من قراءة الكهف والصلاة على النبي لو وافق العيد ليلة الجمعة ، وإن توقف فيه الشوبري فيشتغل به وحده ، وقال ع ش : يجمع بين ما ذكر ، وتكبير الفطر أفضل من تكبير الأضحى المرسل ، أما مقيد الأضحى فهو أفضل من تكبير الفطر ، وكل ما اعتاده الناس وازدادوه فقد ورد حتى لفظة : وأعز جنده رواها العلقمي. والحاصل أن للعلماء اختلافاً في التكبير المقيد ، هل يختص بالمكتوبات ؟ أو يعم النوافل وبالرجال ؟ أو يعم النساء وبالجماعة ؟ أو يعم المنفرد وبالمقيم ؟ أو يعم المسافر وبالساكن المصر ؟ أو يعم القرى ؟ فمجموع ذلك اثنا عشر قولاً ، وهل ابتداؤه من صبح عرفة أو ظهره أو صبح النحر أو ظهره أربعة ؟ وهل انتهاؤه إلى ظهر النحر أو ثانيه ؟ أو صبح آخر التشريق أو ظهره أو عصره ؟ خمسة مضروبة في أربعة الابتداء بعشرين سقط منها كون ظهر النحر مبتدأ ومنتهى كليهما معاً بقي تسعة عشر تضرب في الاثني عشر تبلغ مائتين وثمانية وعشرين اهـ.
فائدة : يسن تأخير التكبير المطلق عن أذكار الصلاة بخلاف المقيد فيسن تقديمه كما في الإمداد ، قال ع ش : ويوجه بأنه شعار الوقت ولا يتكرر ، فكان الاعتناء به أشد من الأذكار ، وفي بج : وخرج بالحاج المعتمر فيكبر إن لم يكن مشتغلاً بذكر طواف أو سعي على المعتمد اهـ ب ر ، ولو أحرم بالحج ليلة عيد الفطر سن له التلبية اهـ ع ش ، ويسن التكبير لرؤية النعم أو سماع صوتها في عشر الحجة ، قال في الإيعاب : مرة واحدة.
فائدة : يسن إحياء ليلتيهما بالعبادة ويحصل بمعظم الليل ، وبصلاتي الصبح والعشاء في جماعة أو الصبح وحدها ، نعم الحاج لا يسن له من الصلاة غير الرواتي ، بل اختار جمع عدم سنها له ، وأنكر ابن الصلاح سن إحيائها له اهـ باعشن. لكن في الإحياء إيماء إلى ندب إحيائها.
فائدة : حكمة كونه يوم العيد يذهب في الطريق الأطول ويرجع في عكسه ، نظمها محمد بن أبي بكر اليمني أظنه الأشخر فقال :
كان الرسول في ذهابه إلى العيدين يختار الطريق الأطولا
لكون الأجر في الذهاب أكثرا
وفي الرجوع كان يمشي الأقصرا
أو لينال أهل كل منهما
بركته أو ليسأل فيهما
أو ليؤدي فيهما صدقته
أو ليزور فيهما قرابته
أحياء أو أموات أو لما يقع
غيظ على أهل النفاق والبدع
أو أكثر البقاع كيما تشهدا
أو لتفاؤل فخذها عددا
(مسألة) : فيما إذا وافق يوم الجمعة يوم العيد ففي الجمعة أربعة مذاهب ، فمذهبنا أنه إذا حضر أهل القرى والبوادي العيد وخرجوا من البلاد قبل الزوال لم تلزمهم الجمعة وأما أهل البلد فتلزمهم ، ومذهب أحمد لا تلزم أهل البلد ولا أهل القرى فيصلون ظهراً ، ومذهب عطاء لا تلزم الجمعة ولا الظهر فيصلون العصر ، ومذهب أبي حنيفة تلزم الكل مطلقاً ، اهـ من الميزان الشعراني.
فائدة : ذكر العلامة عبد الله بلحاج أنها تحصل سنة أكل التمر في عيد الفطر بأكل العصيدة المعهودة ، بخلاف ما لو حلف لا يأكل تمراً فلا يحنث بذلك لأن الأيمان يسلك بها مسلك العرف.
90
الكسوفان
فائدة : قال الشوبري : وهو أي الكسوف للشمس أشهر من عكسه ، لأن معنى كسف تغير ، ومعنى خسف ذهب ، وقد بين علماء الهيئة أن الكسوف لا حقيقة له ، بل الحاصل لها مجرد تغير ، لأن ضوءها من جرمها فيقلّ بحيلولة القمر ، بخلاف خسوف القمر فله حقيقة لأن نوره مستعار من نور الشمس ، فإذا حالت الأرض بينهما منعت وصول ضوء الشمس إلى القمر فيصير لا نور له اهـ ح ل. وقال ابن العماد في كشف الأسرار : وأما ما يقوله المنجمون وأهل الهيئة في الكسوفين فباطل ، وسبب كسوفيهما تخويف العباد بحبس ضوئهما فيرجعون إلى الطاعة ، لأن هذه النعمة إذا حبست لم ينبت زرع ولم يجفّ ثمر ولم يحصل له نضج ، وقيل : سببه تجلي الحق سبحانه وتعالى عليهما ، فإنه ما تجلى لشيء إلا خضع ، فقد تجلى للجبل فجعله دكاً ، وقيل : إن الملائكة تجرها ، وفي السماء بحر فإذا وقعت فيه استتر ضوؤها. ومن خواصّ الشمس أنها ترطب بدن الإنسان إذا نام فيها ، وتسخن الماء البارد ، وتبرد البطيخ الحارّ. ومن خواص القمر أنه يصفر لون من نام فيه ، ويثقل رأسه ، ويسوّس العظام ، ويبلي ثياب الكتان ، وقال علي كرم الله وجهه : إن السواد الذي فيه أثر مسح جناح جبريل ، لأن الله خلق نور القمر سبعين جزءاً كالشمس ، ثم أمر جبريل عليه السلام فمسحه بجناحه ، فمحا ستة وستين فحوَّلها للشمس ، فأذهب عنه الضوء وأبقى فيه النور ، وإذا نظرت إلى السواد في القمر وجدته حروفاً أولها جيم ثم ميم ثم ياء ثم لام وألف آخره أي جميلاً ، وقد شاهدت ذلك وقرأته مراراً اهـ شوبري. قال (م ر) : ولكل شهر قمر بخلاف الشمس فإنها واحدة اهـ بج.
فائدة : أقل صلاة الكسوف ركعتان كسنة الظهر ، قال ابن حجر : ومحلها إن نواها كالعادة أو أطلق أي فيقتصر على ذلك على الكيفية التي فيها ركوعان إلا إن قصدها مع النية. وقال (م ر) : يتخير عند الإطلاق بين الكيفيتين ، قال ح ل : هذا في حق غير المأموم ، أما هو إذا أطلق فتحمل نيته على ما نواه إمامه اهـ. فلو اختلفت نيتهما في الكيفيتين لم تصح لعدم تمكنه من المتابعة اهـ كردي وباعشن.
فرع : تسنّ الصلاة فرادى لا بالهيئة السابقة لكسوف بقية الكواكب والآيات السماوية والزلازل والصواعق والريح الشديد اهـ نهاية. قال ع ش : وينوي بها أسبابها ، ولا تجوز لها خطبة ولا جماعة ، ويدخل وقتها بوجودها ، ويخرج بزوالها كالكسوف ، وتصح في وقت الكراهة اهـ ب ر ، اهـ جمل.
91
الاستسقاء
(مسألة : ك) : يجب امتثال أمر الإمام في كل ما له فيه ولاية كدفع زكاة المال الظاهر ، فإن لم تكن له فيه ولاية وهو من الحقوق الواجبة أو المندوبة جاز الدفع إليه والاستقلال بصرفه في مصارفه ، وإن كان المأمور به مباحاً أو مكروهاً أو حراماً لم يجب امتثال أمره فيه كما قاله (م ر) وتردد فيه في التحفة ، ثم مال إلى الوجوب في كل ما أمر به الإمام ولو محرماً لكن ظاهراً فقط ، وما عداه إن كان فيه مصلحة عامة وجب ظاهراً وباطناً وإلا فظاهراً فقط أيضاً ، والعبرة في المندوب والمباح بعقيدة المأمور ، ومعنى قولهم ظاهراً أنه لا يأثم بعدم الامتثال ، ومعنى باطناً أنه يأثم اهـ. قلت : وقال ش ق : والحاصل أنه تجب طاعة الإمام فيما أمر به ظاهراً وباطناً مما ليس بحرام أو مكروه ، فالواجب يتأكد ، والمندوب يجب ، وكذا المباح إن كان فيه مصلحة كترك شرب التنباك إذا قلنا بكراهته لأن فيه خسة بذوي الهيئات ، وقد وقع أن السلطان أمر نائبه بأن ينادي بعدم شرب الناس له في الأسواق والقهاوي ، فخالفوه وشربوا فهم العصاة ، ويحرم شربه الآن امتثالاً لأمره ، ولو أمر الإمام بشيء ثم رجع ولو قبل التلبس به لم يسقط الوجوب اهـ.
فائدة : كان السلف يكرهون الإشارة إلى الرعد والبرق ويقولون عند ذلك : لا إله إلا الله وحده لا شريك له سبوح قدوس فيختار الاقتداء بهم اهـ تحفة. وعن ابن عباس قال : من قال عند الرعد : سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته وهو على كل شيء قدير فأصابته صاعقة فعليّ ديته ، اهـ فتح الرحمن شرح الزيد.
91
حكم تارك الصلاة
(مسألة : ي) : الأصح أن من لزمته الجمعة يقتل بتركها إذا ضاق الوقت عن واجب الخطبتين والصلاة وإن قال أصليها ظهراً.
(مسألة) : تارك الصلاة بالكلية والمخلّ ببعضها فاسق بالإجماع كتارك الزكاة ، ويجب قتله بالسيف بعد الاستتابة ولو بترك صلاة واحدة ، ويخاف عليه سوء الخاتمة والعياذ بالله تعالى ، ولا يجوز لمن معه ماء إعطاؤه إياه والتيمم بل يتوضأ به ويترك عطشان لأنه غير محترم كالكلب العقور ، وينبغي للمتدين أن لا يحضر مجالسه وضيافته ، وجنازته ، وأن لا يصلي عليه ظاهراً ليرتدع غيره ، بل ينبغي كما قاله القطب سيد أحمد بن سميط أن يقبر بمحل بعيد عن المسلمين وتسمى مقبرة الفساق.
92
الجنائز
فائدة : الموت مفارقة الروح الجسد ، والروح جسم لطيف لا يفنى أبداً ، وصبيان الكفار كفار في أحكام الدنيا ، مسلمون في أحكام الآخرة اهـ عباب.
فائدة : سئل أبو بكر عن موت الأهل فقال : موت الأب قصم الظهر ، وموت الولد صدع الفؤاد ، وموت الأخ قص الجناح ، وموت الزوجة حزن ساعة اهـ مغني. ويستحب الاستعداد للموت بالتوبة بشروطها ، ولا يحرم التبرم من المقضي كالمرض والفرق دون القضاء اهـ باعشن.
فائدة : ورد أن جبريل عليه السلام يحضر من مات على طهارة من الأمة ، فليحرص المريض ومن حضره الموت على طهارته ، ويسن أن يقرأ عنده يس لما ورد أنه يموت رياناً ويدخل قبره رياناً اهـ. باعشن. والحكمة قراءة يس على المحتضر اشتمالها على أحوال القيامة وأهواله ، وتغير الدنيا وزوالها ، ونعيم الجنة وعذاب النار ، فيتذكر تلك الأحوال الموجبة للثبات ، قيل : والرعد لأنها تسهل خروج الروح ، ويجرع الماء ندباً بل وجوباً إن ظهرت أمارات تدل على احتياجه ، كأن يهشّ إذا فعل به ذلك ، لأن العطش يغلب لشدّة النزع ، ولذلك يأتي الشيطان بماء زلال ويقول : قل لا إله غيري حتى أسقيك اهـ تحفة.
فائدة : الأنين خلاف الأولى إن لم يغلبه ، أو تحصل به استراحة من الألم ، وإلا فمباح وإبداله بنحو تسبيح أولى اهـ باعشن. وقال الحبيشي : وورد أن أنين المريض تسبيح ، وصياحه تهليل ، ونفسه صدقة ، ونومه عبادة ، وتقلبه من جانب إلى جانب جهاد في سبيل الله تعالى ، ومحل الأنين والصياح مع الغلبة إذ اختيار الأنين مكروه اهـ.
فائدة : أقل الثقيل الذي يوضع على بطن الميت عشرون درهماً ، وتجوز الزيادة عليه ما لم تؤذه بحيث لو وضع على الحي لآذاه اهـ شوبري.
(مسألة : ب) : يجب تجهيز كل مسلم محكوم بإسلامه ، وإن فحشت ذنوبه ، وكان تاركاً للصلاة وغيرها من غير جحود ، ويأثم كل من علم به أو قصر في ذلك ، لأن لا إله إلا الله وقاية له من الخلود في النار ، هذا من حيث الظاهر ، وأما باطناً فمحل ذلك حيث حسنت الخاتمة بالموت على اليقين والثبات على الدين فالأعمال عنوان.
(مسألة) : المعتمد عندنا أنه لا يحكم بإسلام الصبي إلا تبعاً لأحد أبويه وإن علا ، بشرط معرفة نسبته إليه ، أو إذا وجد لقيطاً في بلد بها مسلم أو تبعاً لسابيه المسلم ، وكذا إن جعل سابيه ووجد بيد مسلم خصوصاً إن وصف الإسلام كما قاله أبو مخرمة ، فحينئذ يجهز إذا مات وجوباً كالمسلم ، بل صحح أبو حنيفة وجمع من السلف إسلام المميز مطلقاً ، ونقل الإمام إجماع الصحابة عليه ، وانتصر إليه جمع ، وأفتى محمد باسودان بأنه لو مات شخص بطريق وخاف لو وقف لتجهيزه من عدوّ فعل ما أمكنه ولو البعض إن لم يمكن نقله لمحل الأمن.
92
الغسل والتكفين
(مسألة : ي) : تجب إزالة النجاسة الغير المعفوّ عنها عن الميت ، سواء الأجنبية والخارجة منه ، قبل إدراجه في الكفن اتفاقاً ولو من غير السبيلين ، وكذا بعده في الأصح كغسل الكفن الملوث بها ، ولا تصح الصلاة عليه حينئذ مع وجود الماء المزيل لها ، وقال البغوي : لا تجب الإزالة بعد الإدراج مطلقاً ، وإن تضمخ الكفن اهـ. قلت : ورجحه في الإمداد ، وقال باعشن : ولو لم يمكن قطع الخارج من الميت صح غسله والصلاة عليه ، لكن يجب فيه الحشو والعصب على محل النجاسة والمبادرة بالصلاة عليه كالسلس اهـ. وفي التحفة : وبه يعلم وجوب غسل ما يظهر من فرج الثيب عند جلوسها على قدميها نظير ما مر في الحي اهـ.
فائدة : ينبغي أن يأتي الغاسل بعد وضوء الميت وغسله بذكر الوضوء بعده ، وكذا بدعاء الأعضاء ويسن : اجعله من التوابين ، أو اجعلني وإياه اهـ تحفة.
(مسألة : ش) : يجوز لغرماء الميت المفلس منع الزائد عن ساتر كل البدن ما لو أوصى بإسقاطه ، بخلاف الورثة فليس لهم المنع من الثلاثة ، وإن اتفقوا على ذلك أو كان فيهم محجور على المعتمد ، نعم لهم المنع من الزائد حتى في حق الأنثى اهـ. قلت : وقال باعشن : كل من كفن من ماله ولا دين عليه مستغرق يجب له ثلاثة وإن لم يخلف سواها ، ومن كفن من مال غيره لم يجب له إلا واحد يعم جميع بدنه ولو عالماً ولياً ، وقال في مبحث القميص وإطلاقهم يقتضي أنه كقميص الحي بل صرح به الشرقاوي وغيره ، فما اعتيد في بعض الجهات من جعله إلى نصف الساق وبلا أكمام منكر شديد التحريم اهـ.
فائدة : حاصل أحكام الكفن أنه أربعة أقسام : حق الله تعالى وهو ساتر العورة ، ويختلف بالذكورة والأنوثة ، وهذا لا يجوز لأحد إسقاطه مطلقاً ، وحق الميت وهو ساتر بقية البدن فيجوز للميت إسقاطه كما قاله ابن حجر خلافاً لـ (م ر) ، وحق الغرماء وهو الثاني والثالث فهذا للغرماء عند الاستغراق المنع منه ، وحق الورثة وهو الزائد على الثلاثة فلهم إسقاطه اهـ كردي.
فائدة : مؤن التجهيز في مال الميت إلا زوجة وخادمها المملوك أو المستأجر بالنفقة لا بالأجرة فعلى زوج غني ، قال (م ر) : ولو بما يرثه منها خلافاً لابن حجر ، لا ناشزة وصغيرة ، ولا زوجة الأب ، والمراد بالغني غني الفطرة ، ويجب للزوجة ثوب فقط ولا يجب الزائد من مالها ، نعم إن لم يقدر إلا على بعض الثوب تمم باقيه من تركتها ، ووجب ثان وثالث لانفتاح باب الأخذ ، وحينئذ ثم من بيت المال كالحنوط والقطن وإن كانت مستحبة ، ثم من مياسير المسلمين كفاية إن لم يسأل شخص بعينه وإلا فعين لئلا يلزم التواكل ، وحد الموسر من يملك كفاية سنة زيادة على ما يكفي ممونه يومه وليلته اهـ ش ق.
فائدة : قال ابن عجيل : لو مات شخص وله محجور ولم تمكن مراجعة الحاكم قبل تغيره جاز لأحد الثقات من المسلمين تجهيزه من تركته للضرورة ، اهـ بازرعة وبامخرمة وسمهودي.
فائدة : مال في التحفة إلى حرمة ستر الجنازة بحرير حتى في المرأة ، وخالفه (م ر) وسم فيها بل قال : يجوز تحليتها بالذهب ودفنه معها برضا الورثة الكاملين وتضييع المال لغرض ، وهو هنا إكرام الميت وتعظيمه جائز اهـ. والوجه خلافه اهـ كردي صغرى.
فائدة : قال زي : وقد عمت البلوى بما يشاهد من اشتغال المشيعين بالحديث الدنيوي وربما أدّاهم إلى نحو الغيبة ، فالمختار إشغال أسماعهم بالذكر المؤدي إلى ترك الكلام أو تقليله ارتكاباً لأخف المفسدين اهـ.
93
الصلاة على الميت
فائدة : يتأكد استحباب الصلاة على من مات في الأوقات الفاضلة كيوم عرفة والعيد وعاشوراء والجمعة اهـ (م ر) . وقال المزجد البالغ يصلى عليه لتكفير سيئاته ورفع درجاته ، والصبي لرفع درجاته خاصة اهـ.
فائدة : تجزي صلاة الذكر الواحد على الميت ، وإن لم يحفظ الفاتحة ولا غيرها ، ووقف بقدرها مع وجود من يحفظها ، لأن المقصود وجود صلاة صحيحة من جنس المخاطبين وقد وجدت ، قاله في التحفة اهـ.
فائدة : لو نقل الرأس عن الجثة كفت الصلاة على أحدهما إن نوى الجملة ، فإن لم يعلم غسل الباقي علق نيته بغسله اهـ تحفة ، أي كأن يقول : أصلي على جملة ما انفصل منه هذا الجزء إن غسلت البقية ، فإن لم تغسل نوى الجزء فقط وإلا بطلت اهـ مدابغي.
فائدة : سن الوقوف عند رأس الذكر وعجيزة غيره عام ، وإن كان الميت مستوراً أو في القبر اهـ أحمد الحبيشي. ويسن أن لا ترفع الجنازة حتى يتم المسبوق ولا يضر رفعها قبل تمامه ، وإن خرجت عن المسجد وبعدت بأكثر من ثلاثمائة ذراع وتحولت عن القبلة لأنه دوام ، بخلاف ما لو أحرم وهي سائرة فيشترط عدم البعد وعدم الحائل كما في التحفة اهـ باعشن.
فائدة : في النهاية يسن تطويل الدعاء بعد الرابعة ، وحدّه كما بين التكبيرات أي الأولى والأخيرة كما أفاده الحديث ومنه : اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده ، واغفر لنا وله ، ويصلي على النبي ويدعو للمؤمنين والمؤمنات ، ويقرأ فيها آية : {الذين يحملون العرش ـ إلى ـ العظيم} وآية {ربنا آتنا في الدنيا حسنة} الآية ، و {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ـ إلى ـ الوهاب} اهـ باعشن. لكن قال ابن حجر : وينبغي كراهة ربنا اغفر لنا الخ ، كما تكره القراءة في غير القيام.
فائدة : فرغ المأموم من فاتحته قبل إمامه سن له السورة فهي أولى من السكوت اهـ إيعاب. وقال ع ش : الأقرب أنه يدعو للميت لأنه المقصود ، كما لو فرغ من الصلاة على النبي فيشتغل بالدعاء أو يكررها لأنها وسيلة لقبوله اهـ بج. فائدة : قال أبو مخرمة : ولو تقدم غير الأحق في الجنازة حرم أو في غيرها كره اهـ ، لكن نقل ع ش عن ابن حجر الكراهة في الجنازة ، ولو زاد الإمام في تكبير الجنازة لم تبطل ، فلو تابعه المأموم المسبوق وأتى بواجبه حسب له ، علم ذلك أم لا ، إذ الزيادة جائزة للإمام ، وبهذا فارق المسبوق التابع لإمامه في الخامسة حيث فصل فيه بين الجهل فتصح والعلم فلا اهـ شوبري. ولو تقدم على إمامه بتكبيرة عمداً لم تبطل ، لأن غايته أنه كزيادة تكبيرة وهو لا يضر قاله ابن حجر. وقال (م ر) : تبطل ما لم يقصد بهذا الذكراهـ باعشن.
(
مسألة) : قال في التحفة : ولو صلى على كل واحدة والإمام واحد قدم من يخاف فساده ثم الأفضل بما مر ، أي من نحو ورع وولاية إن رضوا وإلا أقرع اهـ. ومثلها الإمداد وشرح الروض. قال سم : هلا قدم بالسبق قبل الإقراع اهـ. ووجدت بخط ب قال : فائدة ووجدت حاشية على بعض نسخ التحفة في تقديم الجنائز ، قال : وقضية عبارته أنه لا يقدم السابق إلى محل الصلاة ، وعمل أهل تريم على تقديمه وإن كان مفضولاً مطلقاً ، ولم نعلم مستندهم في ذلك ، ثم رأيت الفقيه العلامة محمد بن عبد الله باعلي أفتى بما يوافقه ناقلاً له عن شرح العباب ولفظه : قال ابن حجر هذا إن جاءوا معاً وإلا قدم الأول فالأوَّل اهـ. فأفاد فيه دون بقية كتبه أن الإقراع لا يكون إلا إن جاءوا معاً ، ورأيت ذلك بخط محمد بلعفيف معزوّاً للعلامة محمد بن إسماعيل بافضل ، فقيد الإقراع لشيخه ابن حجر في الشرح المذكور بما إذا جاءوا معاً اهـ.
(مسألة : ج) : لا تكره الصلاة على الميت على القبر بل تسن كما في خبر الشيخين وقال به الجمهور ، فتكون حينئذ مستثناة من كراهة الصلاة في المقبرة.
فائدة : قال الحلبي : وظاهر كلامهم أنه يكفي في الاصطفاف وجود الاثنين في كل صف ، فاصطفاف الرابع غير مكروه وإن لم تتم الصفوف ، بل كان في كل صف إثنان مع السعة اهـ بج.
(مسألة : ب ش) : لا تصح الصلاة على من أسر أو فقد أو انكسرت به سفينة ، وإن تحقق موته أو حكم به حاكم ، إلا إن علم غسله أو علق النية على غسله ، إذ الأصح أنه لا يكفي غرقه ، ولا يجوّزها تعذر الغسل ، خلافاً للأذرعي وغيره اهـ. قلت : وعبارة الإمداد فعلم أن من مات بنحو هدم وتعذر إخراجه لا يصلى عليه وهو المعتمد كما في الروضة ، وأصلها عن المتولي وأقراه ، وفي المنح لا خلاف فيه ، وجزم به في المنهاج ، لكن أطال جمع في رده وتبعهم المصنف في الشرح. وفي فروق الشيخ أبي محمد قال الشافعي : من دفن قبل الغسل والصلاة ، فإن كان قبل أن يهال عليه التراب أخرج وغسل إلا أن يخاف تغيره ، وإن أهيل عليه التراب لم ينبش وصلي عليه في القبر ، والقاعدة الميسور لا يسقط بالمعسور ، ومن عجز عن ركن أو شرط أتى بالمقدور ، وهذه أولى بالجواز ، إذ مقصودها الدعاء والشفاعة ، وهذا حقيق بالاعتماد ، وعليه الأسنوي والأذرعي وابن أبي شريف وغيرهم ورجحه الناشري اهـ حاشية الفتح.
(مسألة) : مذهبنا لا يصلي على القبر والغائب إلا من كان من أهل الصلاة عليه يوم الموت ، ورجح الزمزمي صحة صلاة الصبي على الغائب والقبر ، ونقل عن جده ابن حجر ما يدل على أن الشرط أن يكون من أهل صحتها لا وجوبها يوم الموت ، قال : وعدم منع العلماء من السلف المتقدم والمتأخر لهم منها يؤيد ما ذكر ، وسئل أبو زرعة فأجاب بصحة صلاته مع رجال ولو واحداً ، وأجاب أبو حويرث بعدم صحة صلاته على ما ذكر وأطال في ذلك ، اهـ من الدشتة للعلامة عبد الرحمن بن محمد العيدروس. وقال أبو مخرمة : وضابط الغيبة أن يكون بمحل لا يسمع منه النداء ، وفي التحفة أن يكون فوق حد الغوث ، قال : ولا يصلى على حاضر في البلد وإن عذر بنحو حبس أو مرض اهـ. لكن في الإمداد والنهاية أنها تصح إن شق عليه الحضور.
(
مسألة) : ماتت وفي بطنها جنين ، فإن علمت حياته ورجي عيشه بقول أهل الخبرة شق بطنها أي بعد أن تجهز وتوضع في القبر ، وإن لم ترج الحياة وقف دفنها وجوباً حتى يموت ، ولا يجوز ضربه حينئذ ، وإن لم تعلم حياته دفنت حالاً ، قاله في التحفة.
فائدة : يعطى السقط حكم الكبير إن علمت حياته بنحو صياح وتحرك يقتضي الحياة كقبض يد وبسطها ، بل لو صاح في بطن أمه كما في سم لأن المدار على وجود الحياة ، وكذا لو انفصل بعد ستة أشهر ولحظتين ميتاً ، وإن لم يعلم له سبق حياة عند (م ر) خلافاً لابن حجر ، وإن ظهر خلقه وجب غير الصلاة ، وإن لم يظهر فلا شيء ، ويجوز رميه ولو للكلاب ، لكن يسن ستره ودفنه اهـ شوبري.
95
الدفن
فائدة : استوجه ع ش أن نحو الشعر لا يشترط في دفنه ما ذكروا ، بل يكفي ما يصونه عن الامتهان اهـ. وقال ابن زياد : الأولى أن توضع يد الميت على الأرض مبسوطة وبطن كفها إلى السماء كما عند التكفين ، ولا تترك على صدره إذ يخاف سقوطها حينئذ بخلاف اليسرى فتبقى كذلك اهـ.
فائدة : يسن أن يقول الدافن : بسم الله الرحمن الرحيم وعلى ملة رسول الله ، قال ابن منبه : إنها ترفع العذاب عن صاحب القبر أربعين سنة اهـ ب ر ، وأن يزيد من الدعاء ما يليق بالحال ، كاللهم افتح أبواب السماء لروحه ، وأكرم نزله ، ووسع مدخله ، ووسع له في قبره ، فقد ورد أن من قيل ذلك عند دفنه رفع الله عنه العذاب أربعين سنة اهـ بج. وورد أن من أخذ من تراب القبر حال دفنه وقرأ {إنا أنزلناه} سبع مرات ، وجعله مع الميت في كفنه أو قبره لم يعذب ذلك الميت في القبر اهـ (ع ش) . فائدة : يسن أن يحثو ثلاث حثوات ويقول في الأولى : {منها خلقناكم} اللهم افتح أبواب السماء لروحه ، وفي الثانية {وفيها نعيدكم} اللهم جاف الأرض عن جنبيه ، وفي الثالثة : {ومنها نخرجكم تارة أخرى} اللهم لقنه حجته اهـ إمداد.
(مسألة : ج) : الظاهر فوات سن الحثيات بالفراغ من الدفن ، ويكره الوقوف على القبر كراهة شديدة.
فائدة : قال أبو مخرمة : الظاهر أنه لا يجب سد اللحد ، بل تجوز إهالة التراب من غير سد ، خلافاً للمزجد والرداد اهـ. ووافقهما ابن حجر قال : ومثل فتح اللحد تسقيف الشق ، لكن لو انهدم القبر بعد لم يجب إصلاحه ، إذ يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء اهـ.
فائدة : أفتى أبو زرعة بأن الميت في البحر الذي أريد رميه فيه عند تعذر البر يلقن قبل رميه ، لأنه جرى لنا قول باستحبابه قبل الدفن فعند تعذره أولى اهـ. وأفتى أحمد بجير بأنه يؤخر إلى بعد الإلقاء ، ولا يقال : إن جري السفينة وغيبوبته في البحر مانعان لسماعه ، كما يقال : إن حيلولة التراب والأحجار وكونه عند غير رأس القبر مانعان وإن كان القعود عند رأسه أولى ، لأن المدرك للسماع معنى لطيف لا يمنعه المحسوس الكثيف ، والمقصود امتثال أمر الشارع ومراعاته وجوباً وندباً اهـ ، ووافقه أبو حويرث. ويندب تكرير التلقين ثلاثاً ، والأولى للحاضرين الوقوف وللملقن القعود اهـ فتح المعين.
(مسألة : ب) : سؤال منكر ونكير يقع بعد الدفن عند انصراف الناس فوراً ، ففي الصحيح : "إنه ليسمع قرع نعالهم" ولهذا يسن أن يقف جماعة عند قبره بقدر ما تنحر جزور ويفرق لحمها ، يسألون له التثبيت لأنه وقت السؤال اهـ. قلت : قال العمودي في حسن النجوى : وذلك الزمان قدر ساعة وربع أو وثلث فلكية تقريباً ، وقدر الساعة خمس عشرة درجة ، كل درجة ستون دقيقة ، والدقيقة مقدار قولك : سبحان الله مستعجلاً من غير مهملة ، قاله عبد الله بلحاج ، فمقدار الساعة تسعمائة تسبيحة ، ومقدار ما يمكث على القبر ألف ومائتا تسبيحة على الأحوط اهـ.
فائدة : سؤال الملكين عام لكل أحد ، وإن لم يقبر كالحريق والغريق ، وإن سحق وذرّي في الهواء أو أكلته السباع ، إلا الأنبياء وشهداء المعركة والأطفال وما ورد من أن من واظب على قراءة تبارك الملك كلّ ليلة لا يسأل ، ونحوه يحمل على أنه يخفف عنه في السؤال بحيث لا يفتن في الجواب ، ويسألان كل أحد بلغته على الصحيح ، وقيل بالسرياني ، ولذلك قال السيوطي :
ومن عجيب ما ترى العينان
أن سؤال القبر بالسرياني
أفتى بذاك شيخنا البلقيني
ولم أره لغيره بعيني
والسؤال على القول بأنه بالسرياني أربع كلمات وهي : أتره أترح كاره سالحين ، فمعنى الأولى قم يا عبد الله. والثانية فيمن كنت. والثالثة من ربك وما دينك. والرابعة ما تقول في الرجل الذي بعث فيكم وفي الناس أجمعين. وقد ورد أن حفظ هذه الكلمات دليل على حسن الخاتمة كما بخط الميداني اهـ باجوري. وقد جمع بعضهم الذين لا يفتنون في قبورهم فقال :
جمع كرام أتى في النقل أنهم
لا يسألون من الملكين في القبر
الأنبياء ومطعون كذا الشهدا
من البطون كذا الصديق في الخبر
ومن منيته في يوم جمعة أو
في ليلة مات والأطفال في الأثر
ومن تلاوته في كلّ ليلته
لسورة الملك فافقه ذاك واعتبر
97
التعزية وزيارة القبور
فائدة : نقل الزركشي عن الإمام أحمد أن المعزى يردّ على المعزي بقوله : استجاب الله دعاءك ورحمنا وإياك اهـ. وقد ورد في الأثر عن سيد البشر أنه قال : "من ورخ مؤمناً فكأنما أحياه ، ومن قرأ تاريخه فكأنما زاره ، ومن زاره فقد استوجب رضوان الله تعالى في حرور الجنة" وحق على المرء أن يكرم زائره. اهـ مشرع. وفي شرح السحيمي على الجوهرة حديث : "ما من عبد يقول ثلاث مرات عند قبر ميت : اللهم بحق سيدنا محمد وآل محمد لا تعذب هذا الميت إلا رفع عنه العذاب إلى يوم ينفخ في الصور" اهـ.
فائدة : زيارة القبور إما لمجرد تذكر الموت والآخرة فتكون برؤية القبور من غير معرفة أصحابها ، أو لنحو دعاء فتسن لكل مسلم ، أو للتبرك فتسن لأهل الخير ، لأن لهم في برازخهم تصرفات وبركات لا يحصى مددها ، أو لأداء حق كصديق ووالد لخبر : "من زار قبر والديه أو أحدهما يوم الجمعة كان كحجة" وفي رواية "غفر له وكتب له براءة من النار" أو رحمة وتأنيساً لما روي : آنس ما يكون الميت في قبره إذا زاره من كان أحبه في الدنيا اهـ إيعاب.
فائدة : رجل مرّ بمقبرة فقرأ الفاتحة وأهدى ثوابها لأهلها فهم يقسم أو يصل لكل منهم مثل ثوابها كاملاً ، أجاب ابن حجر بقوله : أفتى جمع بالثاني وهو اللائق بسعة رحمة الله تعالى اهـ.
(مسألة : ب) : الأولى بمن يقرأ الفاتحة لشخص أن يقول : إلى روح فلان ابن فلان كما عليه العمل ، ولعل اختيارهم ذلك لما أن في ذكر العلم من الاشتراك بين الاسم والمسمى ، والمقصود هنا المسمى فقط لبقاء الأرواح وفناء الأجسام ، وإن كان لها بعض مشاركة في النعيم ، وضدّه البرزخ إذ الروح الأصل ، وسر ذلك أن حقيقة المعرفة والتوحيد وسائر الطاعات الباطنة إنما تنشأ عن الروح ، فاستحقت أكمل الثواب وأفضله ، والطاعات الظاهرة كالتبع والقائم بها البدن ، فاستحق أدنى الثواب وليس كالجماد من كل وجه بل له إدراك ، لأن الروح وإن كانت بعيدة عنه في عليين وهي روح المؤمن أو سجين وهي روح الكافر فلها اتصال بالبدن ، كالشمس في السماء الرابعة ولها اتصال وشعاع ونفع عام بالأرض ، فلذا كان له نوع إحساس بالنعيم وضدّه.
(مسأة : ش) : ورد أن الأموات يتعارفون ويتزاورون في قبورهم وفي أكفانهم ، ولهذا ندب تحسين الكفن ، ويعرفون من زارهم ويستأنسون به ويردّون على من سلم عليهم ، ولا يختص بيوم الجمعة ، ولا بميت دون آخر ، ولا يبعد رؤيتهم للزائر ، ولا تكون الأرض حائلة إذ ذاك من أمور الغيب الواجب الإيمان بها ، وليست جارية على العادة ، وهذا في حق المؤمن الناجي من العذاب ، بل من توجه إليه النعيم جسماً وروحاً ، وفتح له إلى الجنة باب بلا بواب من أهل لا إله إلا الله ، فلا يحتاجون إلى الإيناس في قبورهم وليس عليهم فيها وحشة ، نعم من شابها بالمخالفات ومات على التوحيد فهو وإن توجب عليه العذاب لا يكون أبديّ التأبيد ، بل هو بصدد الانقطاع ، إما بشفاعة أو برحمة الله تعالى ، كما ليس على من مات صبياً وحشة في قبره أصلاً ، إذ سببها المخالفة وهي مفقودة في حقه ، إذ ورد أن الصبيانَ في الجنة يكفِلهم إبراهيم عليه السلام وسارة ، وأن الصبي شبعان ريان ويرتضع من شجرة طوبى هذا حكم الروح ، وما كالروح تنعماً وضدّه وصل إلى الجثة ، وأما من وضع عليه النكال فهو مشغول عن الزوّار بما هو فيه ولم تغنه زيارة الأشكال.
فائدة : طرح الشجر الأخضر على القبر استحسنه بعض العلماء وأنكره الخطابي ، وأما غرس الشجر على القبر وسقيها فإن أدى وصول النداوة أو عروق الشجر إلى الميت حرم ، وإلا كره كراهة شديدة ، وقد يقال يحرم ، والجلوس على القبرمكروه كما في الروضة والمجموع خلافاً لقول شرح مسلم إنه حرام اهـ بامخرمة.