Kitab Bughiyah al-Mustarsyidin (1)
Kitab Bughiyah al-Mustarsyidin karya Habib Abdurrahman Al-Masyhur Ba Alawi
Daftar Isi
- Kitab Bughiyah al-Mustarsyidin (1)
- Kitab Bughiyah al-Mustarsyidin (2)
- Kitab Bughiyah al-Mustarsyidin (3)
الكتاب: بغية المسترشدين في تلخيص فتاوى بعض الأئمة من العلماء المتأخرين مع ضم فوائد جمة من كتب شتى للعلماء المجتهدين
المؤلف: الحبيب عبد الرحمن بن محمد بن حسين بن عمر المشهور با علوي
دار النشر: دار الفكر
عدد الأجزاء: 1
(مقدمة المؤلف)
الحمد لله رب العالمين، نحمده بجميع المحامد كلها عدّ الكلم، على جميع نعمه كلها ما علم منها وما لم يعلم، ونشكره سبحانه وتعالى على أياديه وإحسانه ما خص منهما وعم، والصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد المخصوص بأكمل الكمالات والشفاعة العظمى من الإله الأكرم، وعلى آله وأصحابه وحملة شريعته وتابعيهم على المنهج الأقوم، عدد أنفاس وخطرات الموجودات ما جرى قلم.
أما بعد: فقد منَّ الله وله الفضل دائماً على عبده الفقير "الشريف الحضرمي" باختصار فتاوى سادتي العلماء الأجلاء الفحول، المعوّل على كلامهم والمرجوع لقولهم في المعقول والمنقول، وهم: الإمام العلامة النحرير عديم المشاكل والنظير: عبد الله بن الحسين بن عبد الله بافقيه، والسيد العلامة ذو اليقين والعزم وكثرة الاطلاع وجودة الفهم: عبد الله بن عمر بن أبي بكر بن يحيى، والشريف العلامة ذو الفهم الثاقب والرأي الصائب: علوي بن سقاف بن محمد الجعفري العلويون الحضرميون، والشيخ العلامة البحر الخضمّ: محمد بن أبي بكر الأشخر اليمني، والشيخ العلامة المحقق: محمد بن سليمان الكردي المدني.
فلخصت حاصل كل سؤال وجواب بأوجز عبارة ، على حسب علمي وركة فهمي ، مع حذف التكرير ، ورددت كل مسألة في غير محلها إلى مظنتها من تقديم أو تأخير ، وأردت الآن جمع الكل في هذا السفر ، إغناء للطالب عن كثرة المراجعة والفكر ، وجعلت لكل واحد من الخمسة المذكورين علامة صدّرت بها السؤال ، فخذها مرتبة كترتيبهم في المقال : فللأوّل ب ، والثاني ي ، والثالث ج ، والرابع ش ، والخامس ك. وإذا اتفق في المسألة إثنان فأكثر رمزت للكل ، فإن زاد واحد أو خالف ذكرت ذلك فقلت : زاد فلان كذا ، أو خالف كذلك ، وحيث كان في المسألة قيد أو خلاف ونحوه ولم ينبه عليه صاحب الفتاوى كتبت آخرها ، اهـ ، ثم ذكرت الزيادة المذكورة قائلاً في أوّلها : قلت : ليعلم الأصل من المزيد. وزدت على هؤلاء الفتاويات فوائد معزوّة لقائليها ملخصة عزيزة الوجود مهمة ، استفدتها قبل من أفواه المشايخ وكتب الأئمة ، وميزتها عن تلك الفتاوى بتصديرها "بفائدة" وسنح في خاطري أيضاً أن ألخص بعض المسائل التي سئلت عنها ولم تكن في تلك الفتاويات ، وأضيفها إليها مهملة عن الرمز ، ليعرف الغثّ من السمين ، ويردها إلى الصواب من رأى بها نقصاً من تحريف أو مين ، وجعلت جميع ذلك بعبارات قريبة ظاهرة خوف التطويل المملّ والتعقيد المخلّ ، حسبما يلقيه العليم الحكيم بجناني ، ويجريه على لساني وبناني.
واعلم أني بعد أن منّ الله تعالى عليّ بإكمال هذا المجموع وانتشاره في البلاد ، حصلت لي سؤالات وفوائد أخر علقتها في الهامش ثم خفت ضياعها ، فعزمت مستعيناً بمولاي على أن أضعها في مظانها خلال هذا التأليف فأثبتها كذلك ، وتصرفت في بعض عبارات الأصل بزيادة وحذف وتقديم وتأخير إتماماً للفائدة ، فزاد بما ذكر نحو الربع فكان من حقه أن يسمى : (تكملة بغية المسترشدين) ومن الله الكريم أسأل المعونة والتسديد ، وصلاح النية والهداية لأرشد الطريق السديد.
ومن وقف عليه وتحقق فيه زلة أو مخالفة لكلام من نقلت عنه أن يصلحه حالاً من غير توان ، وله الأجر من الكريم المنان. اللهم وفقنا لإصابة الصواب ، وجنبنا الزيغ والارتياب ، وانفعنا والمسلمين بما حواه هذا الكتاب آمين.
مقدمة في فوائد تتعلق بخطب الكتب ، وفي فضيلة العلم ، وفي الاجتهاد والافتاء والتقليد.
فائدة : أتى لفظ الرب لمعان نظمها بعضهم فقال :
قريب محيط مالك ومدبر
مرب كثير الخير والمول للنعم
وخالقنا المعبود جابر كسرنا
ومصلحنا والصاحب الثابت القدم
وجامعنا والسيد احفظ فهذه
معان أتت للرب فادع لمن نظم
اهـ من حاشية الشيخ إبراهيم الباجوري على شرح ابن قاسم.
فائدة : قال سم : إذا صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه في آن واحد لما خلق به سمي شكوراً وإن صرفها في أوقات مختلفة يسمى شاكراً. قال ع ش : ويمكن صرفها في آن واحد بحمله جنازة متفكراً في مصنوعاته سبحانه وتعالى اهـ.
فائدة : قال بعضهم الفضائل سبع : الصدق ، والحياء ، والتواضع ، والسخاء ، والوفاء ، والعلم ، وأداء الأمانة اهـ حاشية الشيخ سليمان الجمل على شرح المنهج. واعلم أن لهم شريعة وهي : أن تعبده تعالى ، فعبادة الله تعالى شريعة عندهم ؛ لأنها المقصودة منها ، وإن كانت الشريعة عند الفقهاء ما شرعه الله تعالى من الأحكام ، وطريقة وهي : أن تقصدهم بالعلم والعمل ، وحقيقة وهي نتيجتهما ، وهي أن تشهد بنور أودعه الله في سويداء القلب أي وسطه ، أن كل باطن له ظاهر وعكسه كخرق الخضر للسفينة ، وإن كان منكراً ظاهراً فهو جائز في الباطن ؛ لأنه سبب لنجاة السفينة من الملك ، والأولى أن تعرف الحقيقة بعلم بواطن الأمور ، كعلم الخضر بأن ما فعله مع موسى عليهما السلام من خرق السفينة وغيرها فيه مصلحة ، وإن كان ظاهره مفسدة في البعض ، والشريعة ظاهر الحقيقة ، والحقيقة باطنها ، وهما متلازمان معنىً كما سبق. ومثلت الثلاثة بالجوزة ، فالشريعة كالقشر الظاهر ، والطريقة كاللب الخفي ، والحقيقة كالدهن الذي في باطن اللب ، ولا يتوصل إلى اللب إلا بخرق القشر ، ولا إلى الدهن إلا بدق اللب اهـ من حاشية البجيرمي على الإقناع.
فائدة : قال بعض الفضلاء : صلاة الآدميين عليه صلوات الله وسلامه عليه أفضل من صلاة الملائكة ، إذ طاعة البشر أفضل من طاعة الملائكة ، لأن الله كلفهم مع وجود صوارف ، ومحل كراهة إفراد الصلاة عن السلام ، وعكسه في غير ما ورد في الإفراد وفي حقنا ولغير داخل الحجرة الشريفة ، قال ابن حجر : ولفظاً لا خطاً فلا يكره الإفراد فيه اهـ حاشية المدابغي. وقوله : "من صلّى عليّ في كتاب الخ" أي : كتب الصلاة وإن لم يتلفظ بذلك ، لأنه تسبب في صلاة كل من قرأ ذلك المكتوب ، نعم التلفظ بها أكمل ، ولم يرسل إلى الجنّ غير نبينا عليه الصلاة والسلام ، وأما سليمان عليه السلام فكان حكماً فيهم اهـ تكملة فتح المعين للشيخ عبد الله باسودان.
فائدة : قال بعض الشيوخ : وقد منّ الله عليّ باستخراج عدد الأنبياء من اسم محمد وهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً كعدة أصحابه الذين توفى عنهم ، ولم يكن فيهم أصم في حياة النبي كرامة له ، وطريق الاستخراج أن تضرب عدد حروفه بالجمل الصغير ، وهو جعل جميع الحروف آحاداً فهي حينئذ عشرون : الميمات بثمانية ، والحاء كذلك ، والدال بأربعة في مثلها تبلغ أربعمائة ، ثم تضربها في كل عقود الرسل وهي ثلاثمائة وعشرة وتحذف الآحاد تخرج مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً ، اهـ حاشية البجيرمي على الإقناع ، ثم قال :
واعلم : أنه يجب الإيمان بالأنبياء إجمالاً فيما لم يرد فيه التفصيل ، وتفصيلاً فيما ورد فيه ذلك ، كالذين ورد ذكرهم في القرآن وهم خمسة وعشرون مجموعون في قول القائل :
ختم على كل ذي التكليف معرفة
بأنبياء على التفصيل قد علموا
في تلك حجتنا منهم ثمانية
من بعد عشر ويبقى سبعة وهم
إدريس هود شعيب صالح وكذا
ذو الكفل آدم بالمختار قد ختموا اهـ.
فائدة : هذه الأبيات في نسب المصطفى عليه أكمل الصلاة والسلام ، من حملها أو قالها أو كانت عنده أمن من كل مكروه ، وحفظ في نفسه وماله وأهله وذريته ، كما قاله ابن الجوزي وهي :
محمد عبد الله شيبة هاشم
مناف قصيّ مع كلاب ومرة
وكعب لؤي غالب فهر مالك
ونضر كنانة وهو ابن خزيمة
ومدركة وإلياس مع مضر تلا
نزار معدّ ثم عدنان صحة اهـ.
فائدة : قال ابن حجر في الإيعاب : وهو أي الصحابي على الأصح من اجتمع بالنبي مؤمناً ومات كذلك ولو لحظة ، فدخل الأعمى وغير المميز ، ومن اجتمع به وآمن من الجنّ لأنه بعث إليهم ، وخرج الملائكة ومن رآه بعد موته أو قبل البعثة أو في السماء إلا عيسى عليه السلام اهـ.
4
فضيلة العلم تعلماً وتعليما
قال بعضهم : إذا جمع المتعلم العقل والأدب وحسن الفهم ، والمعلم الصبر والتواضع وحسن الخلق ، فقد تمت النعم عليهما ، وأنشد آخر فقال :
أخي لن تنال العلم إلا بستة
سأنبيك عن تفصيلها ببيان
ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة
وإرشاد أستاذ وطول زماناهـ باجوري.
فائدة : قال الحسن البصري رحمه الله : صرير قلم العالم تسبيح ، وكتابه العلم ، والنظر فيه عبادة ، ومداده كدم الشهيد ، وإذا قام من قبره نظر إليه أهل الجمع ، ويحشر مع الأنبياء ، وقال عليه الصلاة والسلام : "من اتكأ على يده عالم كتب الله له بكل خطوة عتق رقبة ، ومن قبَّل رأس عالم كتب الله له بكل شعرة حسنة" ، وتدارس العلم ساعة من الليل أفضل من إحيائه بغيره ، ومدارسته أفضل من الذكر وقوله : "حتى الحيتان في الماء" إنما خصها بالذكر لكونها لا لسان لها. اهـ بجيرمي. وقال أبو الليث : من جلس عند عالم ولم يقدر على حفظ شيء من العلم نال سبع كرامات : فضل المتعلمين ، وحبسه عن الذنوب ، ونزول الرحمة عليه حال خروجه من بيته ، وإذا نزلت الرحمة على أهل الحلقة حصل له نصيبه ، ويكتب له طاعة ما دام مستمعاً ، وإذا ضاق قلبه لعدم الفهم صار غمه وسيلة إلى حضرة الله تعالى لقوله : "أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي" أي جابرهم وناصرهم ، ويروى : عز العالم وذل الفاسق ، فيرد قلبه عن الفسق ويميل طبعه إلى العلم. وقال أيضاً : من جلس مع ثمانية أصناف زاده الله ثمانية أشياء : من جلس مع الأغنياء زاده الله حب الدنيا والرغبة فيها ، ومن جلس مع الفقراء حصل له الشكر والرضا بقسمة الله تعالى ، ومن جلس مع السلطان زاده الله القسوة والكبر ، ومن جلس مع النساء زاده الله الجهل والشهوة ، ومن جلس مع الصبيان ازداد من اللهو ، ومن جلس مع الفساق ازداد من الجراءة على الذنوب وتسويف التوبة أي تأخيرها ، ومن جلس مع الصالحين ازداد رغبة في الطاعات ، ومن جلس مع العلماء ازداد من العلم والعمل ، اهـ بجيرمي على الإقناع. وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه : من تعلم القرآن عظمت قيمته ، ومن تعلم الفقه نبل قدره ، ومن كتب الحديث قويت حجته ، ومن تعلم الحساب جزل رأيه ، ومن تعلم العربية رق طبعه ، ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه ، اهـ من النجم الوهاج. وقال الإمام الغزالي : أربع لا يعرف قدرها إلا أربعة : لا
يعرف قدر الحياة إلا الموتى ، ولا قدر الصحة إلا أهل السقم ، ولا قدر الشباب إلا أهل الهرم ، ولا قدر الغنى إلا أهل الفقر اهـ.
فائدة : حقيقة الفقه ما وقع في القلب وظهر على اللسان ، فأفاد العلم وأورث الخشية ، ولهذا قال النووي : إنما لم يظهر على العلماء كرامات كالعباد مع أنهم أفضل منهم لما يدخل عليهم من الرياء.
(مسألة : ك) : قال رجل لأبي هريرة رضي الله عنه : إني أريد أن أتعلم العلم وأخاف أن أضيعه ، فقال : كفى بتركك للعلم إضاعة. وقال الإمام : من مكايد الشيطان ترك العمل خوفاً من أن يقول الناس إنه مراء ، لأن تطهير العمل من نزغات الشيطان بالكلية متعذر ، فلو وقفنا العبادة على الكمال لتعذر الاشتغال بشيء من العبادات ، وذلك يوجب البطالة التي هي أقصى غرض الشيطان.
(مسألة : ش) : من آداب حامل القرآن فضلاً عن العالم أن يكون شريف النفس ، مرتفعاً عن الجبابرة والجفاة من أبناء الدنيا ، وقال الفقيه الجرجاني :
ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي
لأخدم من لاقيت لكن لأخدما
أأشقى به غرساً وأجنيه ذلة
إذاً فاتباع الجهل قد كان أحزما
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم
ولو عظموه في الصدور لعظما
ولكن أهانوه فهانوا ودنسوا
محياه بالأطماع حتى تجهما وفي البخاري : لا ينبغي لأحد عنده شيء من العلم أن يضع نفسه. وورد : "من أكرم عالماً فقد أكرم الله ورسوله" . فخدمة أهل الفضل من أعظم القرب ، ومن تعظيم شعائر الله تعالى وحرماته إجماعاً.
(مسألة : ي) : لا يحل لعالم أن يذكر مسألة لمن يعلم أنه يقع بمعرفتها في تساهل في الدين ووقوع في مفسدة ، إذ العلم إما نافع : كالواجبات العينية يجب ذكره لكل أحد ، أو ضار : كالحيل المسقطة للزكاة ، وكل ما يوافق الهوى ويجلب حطام الدنيا ، لا يجوز ذكره لمن يعلم أنه يعمل به ، أو يعلمه من يعمل به ، أو فيه ضرر ونفع ، فإن ترجحت منافعه ذكره وإلا فلا ، ويجب على العلماء والحكام تعليم الجهال ما لا بد منه مما يصح به الإسلام من العقائد ، وتصح به الصلاة والصوم من الأحكام الظاهرة ، وكذا الزكاة والحج حيث وجب.
(مسألة : ب) : الفرق بين الشك والوسوسة أن الشك هو التردد في الوقوع وعدمه ، وهو اعتقاد أن يتقاوم تساويهما ، لا مزية لأحدهما على الآخر ، فإن رجح أحدهما لرجحان المحكوم به على نقيضه فهو الظن وضده الوهم. وأما الوسوسة فهي : حديث النفس والشيطان لا تنبني على أصل ، بخلاف الشك فينبني عليه ، كأخبار من لا يقبل ، وتأخير الصلاة تأخيراً مفرطاً ، وكثياب من عادته مباشرة النجاسة ، وكالصلاة خلف من عادته التساهل ، فالاحتياط مطلوب ، فإن لم يكن شيء من ذلك فهي الوسوسة التي هي من البدع كأن يتوهم النجاسة ، فالاحتياط حينئذ ترك الاحتياط.
فائدة : المشابهة : اتفاق الشيئين في الكيفية. المساواة : اتفاقهما كمية. المشاكلة : اتفاقهما نوعية. المماثلة : اتفاقهما خاصية. الموازنة : اجتماع الأربعة. الحفظ : حصول الصورة في العقل واستحكامها بحيث لو زالت لتمكنت القوة من استرجاعها. التذكر : محاولة استرجاع تلك الصورة إذا زالت. الذكر : رجوعها بعد المحاولة. المعرفة : إدراك الجزئيات كالعلم : إدراك الكليات. الفهم : تصوّر الشيء من لفظ المخاطب. الإفهام : إيصال معنى اللفظ إلى فهم السامع. الفقه : العلم بغرض المخاطب في خطابه. العقل : العلم بصفات الأشياء حسنها وقبيحها وكمالها ونقصانها. الدراية : المعرفة الحاصلة بطرف من التخيل. الجهل : معرفة الأشياء لا بحقائقها. اليقين : اعتقاد أن الأمر كذا وامتناع خلافه. الذهن : قوّة النفس عى اكتساب العلوم الغير الحاصلة. الفكر : انتقال الروح من التصديقات الحاضرة إلى المحضرة. الحدس : وجدان شيء متوسط بين طرفي المجهول لتصير النسبة بالمجهول معلومة. الذكاء : شدة هذا الحدس وكماله. الخاطر : حركة النفس نحو تحصيل الدليل. الوهم : اعتقاد المرجوح. الظن : اعتقاد الراجح. البديهة : المعرفة الحاصلة ابتداء في النفس بسبب الفكر ، اهـ من خط الشيخ محمد باسودان.
فائدة : ذكر الإمام الشعراني في الطبقات عن أبي المواهب الشاذلي قال : إثبات المسألة بدليلها تحقيق ، وإثباتها بدليل آخر تدقيق ، والتعبير عنها بفائق العبارة ترقيق ، ومراعاة علم المعاني والبيان في تركيبها تنميق ، والسلامة من اعتراض الشارع فيها توفيق ، اللهم ارزقنا التوفيق ، اهـ من خط بعضهم.
6
الاجتهاد والإفتاء والتقليد
فائدة : قال الإمام الشعراني في زبد العلوم والميزان : وأما أصول الفقه فترجع إلى مراتب الأوامر والنواهي التي جاءت في الكتاب والسنة ، وإلى معرفة ما أجمع عليه الأئمة ، وما قاسوه ، وما ولدوه بالاجتهاد من طريق الاستنباط ، ويجمع كل من الأوامر والنواهي مرتبتين تخفيفاً وتشديداً ، فمن وجد في نفسه ضعفاً أخذ بالتخفيف ، أو قوة فبالأشد. وجميع أحاديث الشريعة وما بني عليها من أقوال المجتهدين إلى يوم الدين لا يخرج عن هذا ، فما ثم حكم يناقض حكماً أبداً ولا يصادمه ، وهذا أطلعني الله تعالى عليه ، لم يظفر به أحد من المجتهدين ، فمن تحقق به لم ير في الشريعة وفي أقوال العلماء خلافاً قط ، ومن تحقق بما تحقق به أهل الله تعالى من الكشف والتحقيق شهد جميع ما ولده المجتهدون ، مأخوذاً من شعاع الشريعة ولم يخطىء أحداً منهم اهـ.
فائدة : إذا أطلق الاجتهاد فالمراد به المطلق ، وهو في الأصل بذل المجهود في طلب المقصود ، ويرادفه التحري والتوخي ، ثم استعمل استنباط الأحكام من الكتاب والسنة ، وقد انقطع من نحو الثلاثمائة ، وادّعى السيوطي بقاءه إلى آخر الزمان مستدلاً بحديث : "يبعث الله على رأس كل مائة من يجدد" الخ ، وردّ بأن المراد بمن يجدد أمر الدين : من يقرر الشرائع والأحكام لا المجتهد المطلق ، وخرج به مجتهد المذهب وهو : من يستنبط الأحكام من قواعد إمامه كالمزني ، ومجتهد الفتوى وهو : من يقدر على الترجيح في الأقوال كالشيخين لا كابن حجر و (م ر) ، فلم يبلغا رتبة الترجيح بل مقلدان فقط ، وقال بعضهم : بل لهما الترجيح في بعض المسائل ، بل وللشبراملسي أيضاً ، اهـ باجوري.
فائدة : قال في فتاوى ابن حجر : ليس لمن قرأ كتاباً أو كتباً ولم يتأهل للافتاء أن يفتي إلا فيما علم من مذهبه علماً جازماً ، كوجوب النية في الوضوء ونقضه بمس الذكر ، نعم إن نقل له الحكم عن مفت أخر أو عن كتاب موثوق به جاز ، وهو ناقل لا مفت ، وليس له الإفتاء فيما لم يجده مسطوراً ، وإن وجد له نظيراً ، وحينئذ المتبحر في الفقه هو من أحاط بأصول إمامه في كل باب ، وهي مرتبة أصحاب الوجوه ، وقد انقطعت من نحو أربعمائة سنة اهـ.
(
مسألة : ك) : شخص طلب العلم ، وأكثر من مطالعة الكتب المؤلفة من التفسير والحديث والفقه ، وكان ذا فهم وذكاء ، فتحكم في رأيه أن جملة هذه الأمة ضلوا وأضلوا عن أصل الدين وطريق سيد المرسلين ، فرفض جميع مؤلفات أهل العلم ، ولم يلتزم مذهباً ، بل عدل إلى الاجتهاد ، وادّعى الاستنباط من الكتاب والسنة بزعمه ، وليس فيه شروط الاجتهاد المعتبرة عند أهل العلم ، ومع ذلك يلزم الأمة الأخذ بقوله ويوجب متابعته ، فهذا الشخص المذكور المدَّعي الاجتهاد يجب عليه الرجوع إلى الحق ورفض الدعاوى الباطلة ، وإذ طرح مؤلفات أهل الشرع فليت شعري بماذا يتمسك ؟ فإنه لم يدرك النبي عليه الصلاة والسلام ، ولا أحداً من أصحابه رضوان الله عليهم ، فإن كان عنده شيء من العلم فهو من مؤلفات أهل الشرع ، وحيث كانت على ضلالة فمن أين وقع على الهدى ؟ فليبينه لنا فإن كتب الأئمة الأربعة رضوان الله عليهم ومقلديهم جلّ مأخذها من الكتاب والسنة ، وكيف أخذ هو ما يخالفها ؟ ودعواه الاجتهاد اليوم في غاية البعد كيف ؟ وقد قال الشيخان وسبقهما الفخر الرازي : الناس اليوم كالمجمعين على أنه لا مجتهد ، ونقل ابن حجر عن بعض الأصوليين : أنه لم يوجد بعد عصر الشافعي مجتهد أي : مستقل ، وهذا الإمام السيوطي مع سعة اطلاعه وباعه في العلوم وتفننه بما لم يسبق إليه ادعى الاجتهاد النسبي لا الاستقلالي ، فلم يسلم له وقد نافت مؤلفاته على الخمسمائة ، وأما حمل الناس على مذهبه فغير جائز ، وإن فرض أنه مجتهد مستقل ككل مجتهد.
(مسألة : ي ش) : يحرم على المفتي التساهل في الفتيا وسؤال من عرف بذلك ، إما لعدم التثبت والمسارعة في الجواب ، أو لغرض فاسد كتتبع الحيل ولو مكروهة ، والتمسك بالشبه للترخيص على من يرجو نفعه والتعسير على ضده ، نعم إن طلب حيلة لا شبهة فيها ولا تجرّ إلى مفسدة ، بل ليتخلص بها السائل عن نحو اليمين في نحو الطلاق فلا بأس بل ربما تندب.
(مسألة ش) : تجب ، على مفت ، إجابة مستفت في واقعة يترتب عليها الإثم بسبب الترك أو الفعل ، وذلك في الواجب أو المحرم على التراخي إن لم يأت وقت الحاجة وإلا فعلى الفور ، فإن لم يترتب عليها ذلك فسنة مؤكدة ، بل إن كان على سبيل مذاكرة العلم التي هي من أسباب إحيائه ففرض كفاية ، ولا ينبغي الجواب بلا أدري إلا إن كان صادقاً ، أو ترتب على الجواب محذور كإثارة فتنة ، وأما الحديث الوارد في كتم العلم فمحمول على علم واجب تعليمه ولم يمنع منه عذر كخوف على معصوم ، وذلك كمن يسأل عن الإسلام والصلاة والحلال والحرام ، ولو كان العالم بالغاً درجة الفتوى في مذهبه وعلم أمراً فأفتى به بحكم ولم يمتثل أمره ، فله الحمل عليه قهراً بنفسه أو بغيره ، إذ تجب طاعة المفتي فيما أفتى به. ونقل السمهودي عن الشافعي ومالك أن للعالم وإن لم يكن قاضياً أن يعزر بالضرب والحبس وغيرهما من رأى استحقاقه إذ يجب امتثال أمره.
(
مسألة : ي) : اعلم أن العبارات الواردة في مسألة واحدة التي ظاهرها التنافي والتخالف إذا أمكن الجمع بينها من غير تعسف وجب المصير إليه ويكون الأمر من المتفق عليه ، وأن إطلاقات الأئمة إذا تناولت شيئاً وصرح بعضهم بخلافه فالمعتمد الأخذ بإطلاقهم ، كما نص عليه في التحفة والنهاية.
(مسألة : ش) : المذهب القديم ليس مذهباً للشافعي ، لأن المقلد مع المجتهد كالمجتهد مع الرسول عليه السلام ، فكما أن الحادث من أدلة الشرع ناسخ للمتقدم منها إجماعاً حتى يجب على المجتهد الأخذ به ، كذلك المقلد مع المجتهد ، وأما المسائل التي عدوها وجعلوها مما يفتى به على القديم ، فسببها أن جماعة من المجتهدين في مذهبه لاح لهم في بعض المسائل أن القديم أظهر دليلاً فأفتوا به ، غير ناسبي ذلك إلى الشافعي كالقول المخرَّج ، فمن بلغ رتبة الترجيح ولاح له الدليل أفتى بها ، وإلا فلا وجه لعلمه ، وفتواه على أن المسائل التي عدُّوها أكثرها فيه قول جديد ، فتكون الفتوى به وهي ثمانية عشر مسألة : عدم وجوب التباعد عن النجاسة في الماء الكثير بقدر قلتين ، وعدم تنجس الماء الجاري إلا بالتغير ، وعدم النقض بلمس المحرم ، وتحريم أكل الجلد المدبوغ ، والتثويب في أذان الصبح ، وامتداد وقت المغرب إلى مغيب الشفق ، واستحباب تعجيل العشاء ، وعدم ندب قراءة السورة في الأخيرتين ، والجهر بالتأمين للمأموم في الجهرية ، وندب الخط عند عدم الشاخص ، وجواز اقتداء المنفرد في أثناء صلاته ، وكراهة تقليم أظافر الميت ، وعدم اعتبار الحول في الركاز ، وصيام الولي عن الميت الذي عليه صوم ، وجواز اشتراط التحلل بالمرض ، وإجبار الشريك على العمارة ، وجعل الصداق في يد الزوج مضموناً ، ووجوب الحد بوطء المملوكة المحرم ، ذكره المجموع. ويجب اتفاقاً نقض قضاء القاضي وإفتاء المفتي بغير الراجح من مذهبه ، إذ من يعمل في فتواه أو عمله بكل قول أو وجه في المسألة ، ويعمل بما شاء من غير نظر إلى ترجيح ، ولا يتقيد به ، جاهل خارق للإجماع ، ولا يجوز للمفتي أن يفتي الجاهل المتمسك بمذهب الشافعي صورة بغير الراجح منه.
(
مسألة : ش) : نقل ابن الصلاح الإجماع على أنه لا يجوز تقليد غير الأئمة الأربعة ، أي حتى العمل لنفسه فضلاً عن القضاء والفتوى ، لعدم الثقة بنسبتها لأربابها بأسانيد تمنع التحريف والتبديل ، كمذهب الزيدية المنسوبين إلى الإمام زيد بن عليّ بن الحسين السبط رضوان الله عليهم ، وإن كان هو إماماً من أئمة الدين ، وعلماً صالحاً للمسترشدين ، غير أن أصحابه نسبوه إلى التساهل في كثير لعدم اعتنائهم بتحرير مذهبه ، بخلاف المذاهب الأربعة فإن أئمتها جزاهم الله خيراً بذلوا نفوسهم في تحرير أقوالها ، وبيان ما ثبت عن قائلها وما لم يثبت ، فأمن أهلها التحريف ، وعلموا الصحيح من الضعيف ، ولا يجوز للمقلد لأحد من الأئمة الأربعة أن يعمل أو يفتي في المسألة ذات القولين أو الوجهين بما شاء منهما ، بل بالمتأخر من القولين إن علم ، لأنه في حكم الناسخ منهما ، فإن لم يعلم فبما رجحه إمامه ، فإن لم يعلمه بحث عن أصوله إن كان ذا اجتهاد ، وإلا عمل بما نقله بعض أئمة الترجيح إن وجد وإلا توقف ، ولا نظر في الأوجه إلى تقدم أو تأخر ، بل يجب البحث عن الراجح ، والمنصوص عليه مقدم على المخرج ما لم يخرج عن نص آخر ، كما يقدم ما عليه الأكثر ثم الأعلم ثم الأورع ، فإن لم يجد اعتبر أوصاف ناقلي القولين ، ومن أفتى بكل قول أو وجه من غير نظر إلى ترجيح فهو جاهل خارق للإجماع ، والمعتمد جواز العمل بذلك للمتبحر المتأهل للمشقة التي لا تحتمل عادة ، بشرط أن لا يتتبع الرخص في المذاهب بأن يأخذ منها بالأهون بل يفسق بذلك ، وأن لا يجتمع على بطلانه إماماه الأوَّل والثاني اهـ. وعبارة ب تقليد مذهب الغير يصعب على علماء الوقت فضلاً عن عوامهم خصوصاً ما لم يخالط علماء ذلك المذهب ، إذ لا بد من استيفاء شروطه ، وهي كما في التحفة وغيرها خمسة : علمه بالمسألة على مذهب من يقلده بسائر شروطها ومعتبراتها. وأن لا يكون المقلد فيه مما ينقض قضاء القاضي به ، وهو ما خالف النص أو الإجماع أو القواعد أو
القياس الجلي. وأن لا يتتبع الرخص بأن يأخذ من كل مذهب ما هو الأهون عليه. وأن لا يلفق بين قولين تتولد منهما حقيقة لا يقول بها كل من القائلين كأن توضأ ولم يدلك تقليداً للشافعي ، ومس بلا شهوة تقليداً لمالك ثم صلى فصلاته حينئذ باطلة باتفاقهما. وأن لا يعمل بقول إمام في المسألة ثم يعمل بضده ، وهذا مختلف فيه عندنا ، والمشهور جواز تقليد المفضول مع وجود الفاضل ، وفي قول يشترط اعتقاد الأرجحية أو المساواة اهـ. وفي ك : من شروط التقليد عدم التلفيق بحيث تتولد من تلفيقه حقيقة لا يقول بها كل من الإمامين ، قاله ابن حجر ، إذ لا فرق عنده بين أن يكون التلفيق في قضية أو قضيتين ، فلو تزوّج امرأة بولي وشاهدين فاسقين على مذهب أبي حنيفة ، أو بلا ولي مع حضوره وعدم عضله ، ثم علق طلاقها بإبرائها من نفقة عدَّتها مثلاً فأبرأته ، ثم أراد تقليد الشافعي في عدم وقوع الطلاق لعدم صحة الإبراء عنده من نفقة العدَّة لم يصح ، بل يحرم وطؤها حينئذ على كلا المذهبين ، أما الشافعي فلأنها ليست بزوجة عنده أصلاً لعدم صحة النكاح ، ولولا الشبهة لكان زناً محضاً ، وأما أبو حنيفة الذي يرى تزويجها فلكونها بانت منه بالبراءة المذكورة ، وقال ابن زياد : القادح في التلفيق إنما يتأتى إذا كان في قضية واحدة ، بخلافه في قضيتين فليس بقادح ، وكلام ابن حجر أحوط ، وابن زياد أوفق بالعوام ، فعليه يصح التقليد في مثل هذه الصورة.
(
مسألة : ش) : يجوز تقليد ملتزم مذهب الشافعي غير مذهبه أو المرجوح فيه للضرورة ، أي المشقة التي لا تحتمل عادة ، إما عند عدمها فيحرم ، إلا إن كان المقلد بالفتح أهلاً للترجيح ورأى المقلد رجحان دليله على دليل إمامه. اهـ ، وعبارة ي يجوز العمل في حق الشخص بالضعيف الذي رجحه بعض أهل الترجيح من المسألة ذات القولين أو الوجهين ، فيجوز تقليده للعامل المتأهل وغيره ، أما الضعيف غير المرجح من بعض أهل الترجيح فيمتنع تقليده على العارف بالنظر ، والبحث عن الأرجح كغير عارف وجد من يخبره بالراجح وأراد العمل به ، وإلا جاز له العمل بالمرجوح مطلقاً اهـ.
(مسألة : ك) : صرح الأئمة بأنه لا يجوز تعاطي ما اختلف فيه ما لم يقلد القائل بحله ، بل نقل ابن حجر وغيره الاتفاق عليه ، سواء كان الخلاف في المذهب أو غيره ، عبادة أو غيرها ، ولو مع من يرى حل ذلك ، نعم إنما يأثم من قصر بترك تعلم ما لزمه مع الإمكان ، أو كان مما لا يعذر أحد بجهله لشهرته ، أما من عجز عنه ولو لنقلة أو اضطرار إلى تحصيل ما يسدّ رمقه وممونه فيرتفع تكليفه كما قبل ورود الشرع ، قاله في التحفة اهـ. وعبارة ب ومعنى التقليد اعتقاد قول الغير من غير معرفة دليله التفصيلي ، فيجوز تقليد القول الضعيف لعمل نفسه كمقابل الأصح والمعتمد والأوجه والمتجه ، لا مقابل الصحيح لفساده غالباً ، ويأثم غير المجتهد بترك التقليد ، نعم إن وافق مذهباً معتبراً ، قال جمع : تصح عبادته ومعاملته مطلقاً ، وقال آخرون : لا مطلقاً ، وفصل بعضهم فقال : تصح المعاملة دون العبادة لعدم الجزم بالنية فيها ، وقال الشريف العلامة عبد الرحمن بن عبد الله بافقيه : ويظهر من عمل وكلام الأئمة أن العامي حيث عمل معتقداً أنه حكم شرعي ووافق مذهباً معتبراً ، وإن لم يعرف عين قائله صح ما لم يكن حال عمله مقلداً لغيره تقليداً صحيحاً اهـ. قلت : ونقل الجلال السيوطي عن جماعة كثيرة من العلماء أنهم كانوا يفتون الناس بالمذاهب الأربعة ، لا سيما العوامّ الذين لا يتقيدون بمذهب ، ولا يعرفون قواعده ولا نصوصه ، ويقولون حيث وافق فعل هؤلاء قول عالم فلا بأس به ، اهـ من الميزان. نعم في الفوائد المدنية للكردي أن تقليد القول أو الوجه الضعيف في المذهب بشرطه أولى من تقليد مذهب الغير لعسر اجتماع شروطه اهـ.
(مسألة : ك) : يجوز التقليد بعد العمل بشرطين : أن لا يكون حال العمل عالماً بفساد ما عنّ له بعد العمل تقليده ، بل عمل نسيان للمفسد أو جهل بفساده وعذر به ، وأن يرى الإمام الذي يريد تقليده جواز التقليد بعد العمل ، فمن أراد تقليد أبي حنيفة بعد العمل سأل الحنفية عن جواز ذلك ، ولا يفيده سؤال الشافعية حينئذ ، إذ هو يريد الدخول في مذهب الحنفي ، ومعلوم أنه لا بد من شروط التقليد المعلومة زيادة على هذين اهـ. وفي ي نحوه ، وزاد : ومن قلد من يصح تقليده في مسألة صحت صلاته في اعتقاده بل وفي اعتقادنا ، لأنا لا نفسقه ولا نعدّه من تاركي الصلاة ، فإن لم يقلده وعلمنا أن عمله وافق مذهباً معتبراً ، فكذلك على القول بأن العامي لا مذهب له ، وإن جهلنا هل وافقه أم لا لم يجز الإنكار عليه.
10
كتاب الطهارة
فائدة : الكتاب لغة الضم والجمع ، واصطلاحاً اسم لجنس من الأحكام. والباب لغة فرجة في ساتر يتوصل منها من داخل إلى خارج ، وعكسه حقيقة في الأشخاص مجازاً في المعاني ، واصطلاحاً اسم لجملة من الألفاظ مما دخل تحت الكتاب. والفصل لغة الحاجز بين الشيئين ، واصطلاحاً اسم لألفاظ مخصوصة دالة على معان مخصوصة مشتمل على فروع الخ. والفرع لغة ما انبنى على غيره ويقابله الأصل ، واصطلاحاً اسم لألفاظ مخصوصة مشتملة على مسائل غالباً. والمسألة لغة السؤال ، واصطلاحاً مطلوب خبري يبرهن عليه في العلم ، والتنبيه لغة الإيقاظ ، واصطلاحاً عنوان البحث اللاحق الذي سبقت إليه إشارة بحيث يفهم من الكلام السابق إجمالاً. والخاتمة لغة آخر الشيء ، واصطلاحاً اسم لألفاظ مخصوصة دالة على معان مخصوصة جعلت آخر كتاب أو باب. والتتمة ما تم به ذلك وهي قريب من معنى الخاتمة ، اهـ باجوري. والقيد اصطلاحاً ما جيء به لجمع أو منع أو بيان واقع ، وبتأمل تعريفه هذا مع تعريف الشرط يعلم أن القيد أعم مطلقاً. اهـ إيعاب.
فائدة : الطهارة لها وسائل أربع : الماء والتراب والدابغ وحجر الاستنجاء ، ومقاصد كذلك الوضوء والغسل والتيمم وإزالة النجاسة ، ووسائل الوسائل الاجتهاد والأواني ، اهـ باجوري.
(مسألة) : جزم القاضي والمزجد واختاره الإمام أن اختصاص الطهورية بالماء تعبد لا يعقل ، ورجح في الإيعاب تبعاً للغزالي وابن الصلاح أنه معقول المعنى ، قال : وسبب الاختصاص به جمعه للطاقة وعدم التركيب اللذين لا يوجدان في غيره ، وفقده للون ، وإنما يتلون بلون ظرفه أو ما يقابله ، ولا يحدث فيما يلاقيه كيفية ضارة ، ولا يغير طبيعة ، ولا يحدث من استعماله خيلاء ولا كسر قلوب الفقراء ، بخلاف نحو ماء الورد ، ولا يلزم من استعماله إضاعة مال غالباً اهـ.
فائدة : الفرق بين مطلق الماء والماء المطلق ، أن الحكم المترتب على الأول يترتب على حصول الحقيقة من غير قيد فيشمل سائر أنواع الماء ، وعلى الثاني يترتب عليها بقيد الإطلاق فيختص ببعض أنواعها وهو الطهور ، اهـ إيعاب.
فائدة : اسم الأعرابي الذي بال في مسجده عليه الصلاة والسلام ذو الخويصرة حرقوص بن زهير اليمامي لا التميمي وهو أصل الخوارج ، ووقع له أيضاً أنه سها في صلاته وقال : لئن مات محمد لأتزوّجن عائشة ، وقال : اللهم اغفر لي ومحمد ولا تشرك معنا أحداً ، فقال له النبي : لقد حجرت واسعاً ، كذا بهامش شرح المنهج.
(
مسألة : ب) : لا يضر تغير رائحة الماء كثيراً بالقرظ أو القطران ، وإن لم تغسل القربة بعد الدبغ ، كما أطلقه في الخادم قال بخلاف تغيره كثيراً بالطعم أو اللون ، وأفتى البكري بالعفو مطلقاً أي في جميع الصفات.
فائدة : قال البجيرمي : (قوله : فمتغير بمخالط طاهر غير الطهر) أي لغير ذلك المخالط ، أما بالنسبة له فمطهر ، كما لو أريد تطهير سدر أو عجين أو طين فصب عليه ماء فتغير به تغيراً كثيراً قبل وصوله للجميع فإنه يطهر جميع أجزائه بوصوله لها ، إذ لا يصل إلى جميع أجزائه إلا بعد تغيره كذلك فاحفظه ، اهـ رشيدي خلافاً للونائي ، ونقل أبو مخرمة عن السمهودي أنه لا يضر تغير الماء بأوساخ المتطهرين أي وإن طال مكثه.
فائدة : يشترط لضرر تغير الماء بالطاهر ستة شروط : أن لا يكون بنفسه ، وأن يكون بمخالط ، وأن يستغني عنه الماء ، وأن لا يشق الاحتراز عنه ، وأن يكون بحيث يمنع إطلاق اسم الماء ، وأن لا يكن ملحاً مائياً ولا تراباً ، اهـ كردي.
(مسألة) : ظاهر عبارة التحفة ومال إليه في الإيعاب أنه لو وقع في الماء ما يوافقه في الصفات كلها أو في صفة واحدة أنها تقدر كل الصفات ، واعتمده في المغني ، واعتمد في حاشية الحلبي أن الموجودة لا تقدر ، وعبارة الباجوري إذا وقع في الماء ما يوافقه في كل الصفات قدرت كلها ، كطعم الرمان ولون العصير وريح اللاذن بفتح الذال أي اللبان الذكر ، وقيل : رطوبة تعلو شعر المعز ولحاها ، فإن فقد بعض الصفات قدر المفقود فقط ، إذ الموجود إذا لم يغير فلا معنى لفرضه ، واعتبر الروياني الأشبه بالخليط ، فإذا وقع فيه ماء ورد منقطع الرائحة قدر ماء ورد له رائحة ، وهذا التقدير مندوب كما نقل عن سم والبجيرمي ، فلو هجم واستعمله جاز ، إذ غايته أنه شاكّ في التغير والأصل عدمه.
(مسألة) : قال في الإسعاد شرح الإرشاد في مبحث القلتين : والجرية ما في المجموع الدفعة بين حافتي النهر ، والمراد بها ما يرتفع وينخفض بين حافتيه تحقيقاً أو تقديراً ، وقول صاحب البحر الجرية ما وقع تحت أدق خيط من إحدى حافتي النهر إلى الأخرى فيه نظر ، إذ قضيته أن لا توجد جرية هي قلتان إلا في نحو النيل ، فما في المجموع أولى بالاعتماد لأنها من قبيل الأجسام المحسوسة ، وحينئذ فإذا كان طول الجرية وهو عرض النهر ثلاثة أذرع ، وعرضها وهو عمق النهر ذراع ونصف ، وعمقها في طول النهر نصف ذراع ، كان الحاصل مائة وأربعة وأربعين فهي فوق القلتين ، ولو كان طولها ذراعين والعمق والعرض كما مرّ ، كان الحاصل ستة وتسعين فهي دون القلتين ، اهـ ملخصاً.
فائدة : أفتى العلامة داود حجر الزبيدي بأنه لو اختلف القلتان وزناً ومساحة كان الاعتبار بالمساحة ، إذ هي قضية التقدير في الحديث بقلال هجر ، ويؤيده ذكرهم التقريب في الوزن دونها ، فدل على أن تقديرهم بالوزن للاحتياط كصاع الفطرة وغيره اهـ.
فائدة : وقع في ماء كثير عينان طاهرة ونجسة فتغير ولم يدر أبهما أم بإحداهما ؟ فالذي يظهر مراجعة أهل الخبرة ، فإن عرفوا شيئاً وإلا فالظاهر الطهارة عملاً بأصل بقائها حتى يعلم ضده ، كما لو شك هل التغير بمجاور أو مخالط أو بطول مكث أو بأوساخ المغترفين ؟ فلا يضر أيضاً ، اهـ إيعاب.
(مسألة : ب) : توضأ جماعة من ماء قليل ثم رأوا بعد الصلاة بعرات غنم ، جاز لهم تقليد القائلين بعدم تنجس الماء مطلقاً إلا بالتغير بشروطه أي التقليد المار ، وهم كثير من الصحابة والتابعين والفقهاء ، كعلي وابن عباس وأبي هريرة والحسن والنخعي وابن المسيب وعكرمة وابن أبي ليلى ومالك والأوزاعي والثوري ، لقوله عليه الصلاة والسلام : "خلق الماء طهوراً لا ينجسه إلا ما غلب على طعمه أو لونه وريحه" وعليه العمل في الحرمين والغرب وغيرها ، وكفى بهؤلاء قدوة ، على أن جماعة من الشافعية ذهبوا إلى طهارة روث المأكول كما يأتي.
(مسألة) : توضأ حنفي من ماء قليل بنية التجديد من غير نية اغتراف لم يستعمل الماء ، وإن فرض أنه مس فرجه لأن قصده التجديد صارف للاستعمال ، ولم يرتفع حدثه عندنا للصارف كما لو توضأ شافعي مجدداً ناسياً للحدث ثم تبين حدثه ، وكذا لو غسل وجهه بنية رفع الحدث ثم علم في ظنه أنه متطهر فكمله بنية التجديد ولا يكفيه ، فيما لو نسي لمعة أو ترك شرطاً من وضوئه الأوّل من غير الوجه للعلة المذكورة.
(مسألة) : لا يحكم باستعمال الماء إلا بعد فصله عن العضو ، فحينئذ لو أدخل متوضىء يده بعد غسل وجهه بلا نية اغتراف ثم أحدث ولو حدثاً أكبر فله أن يغسلها ، بل وباقي البدن في الجنابة بالانغماس قبل فصلها خلافاً للإرشاد ، لكن إن كان الحدث الثاني أصغر فلا بد من غسل الوجه بماء آخر مع بقائها في الماء.
(مسألة : ش) : لم يرد في نية الاغتراف خبر ولا أثر ، ولا نص عليها الشافعي ولا أصحابه ، وإنما استنبطها المتأخرون وتبعهم الأصحاب ، ووجه وجوبها ظاهر ، فعليه متى أدخل المحدث يده بعد تثليث الوجه ما لم يقصد الاقتصار على واحدة ، أو الجنب بعد النية ، صار الماء مستعملاً بالنسبة لغير ما فيها ، وطريق من لم يرد نية الاغتراف أن يغرف الماء قبل النية أو يفرغ على كفه ، ولا تكون نية الاغتراف صارفة لنية الوضوء بخلاف نية التبرد.
فائدة : اختلف العلماء في نية الاغتراف ، ونظم ابن المقري القائلين بعدم وجوبها فقال :
أوجب جمهور الثقات الظراف
عند التوضي نية الاغتراف
من بعد غسل الوجه من يلغها
فماؤه مستعمل بالخلاف
ووافق الشاشي ابن عبد السلام
في تركها والبغوي ذو العفاف
وابن العجيل الحبر أفتى على
إهمالها والحبر فتواه كاف
واختاره الغزالي والمزجد. قال أبو مخرمة : فلا يشدد العالم على العامي بل يفتيه بعدم وجوبها.
12
المعفوَّات في نحو الماء
فائدة : يعفى عما لا يسيل دمه بوقوعه ميتاً ، في نحو المائع بنفسه أو بنحو ريح ، وكذا بطرح بهيمة أو مميز ، وكان مما نشؤه من الماء خلافاً لـ (مر) فيهما ، بل أومن غير مميز مطلقاً ، أو مميز بلا قصد ، كأن قصد طرحه على غيره فوقع فيه ، قاله الخطيب ، بل رجح في الإيعاب و ق ل عدم الضرر مطلقاً ، وهو ظاهر عبارة الإرشاد وغيره ، كما لا أثر لطرح الحي مطلقاً ، قال ابن حجر في حاشية تحفته : وإذا تأملت جميع ما تقرر ، ظهر لك أن ما من صورة من صور ما لا دم له سائل طرح أم لا ، منشؤه من الماء أم لا ، إلا وفيه خلاف في التنجيس وعدمه ، إما قوي أو ضعيف ، وفيه رخصة عظيمة في العفو عن سائر هذه الصور ، إما على المعتمد أو مقابله ، فمن وقع له شيء جاز تقليده بشرطه ، وهذا بناء على نجاسة ميتته ، أما على رأي من يقول إنها طاهرة فلا إشكال في جواز تقليد ذلك ، اهـ كردي. وأفتى أبو مخرمة بأنه لا يضر نقل ما فيه الميتة المعفوّ عنها من إناء لآخر ، كما لا يضر إدارته في جوانب الإناء ومسها لجوانبه.
(مسألة : ك) : قرص قملة بين أصبعيه وتلطختا بالدم ثم غمسهما في نحو مائع ، فالأحوط عدم العفو والأسهل الذي أميل إليه ، وأفتى به م ر العفو حيث لم يتعمد الغمس ، مع ملاحظة تنجسهما لقلته وللحاجة إليه.
فائدة : قال في القلائد : يعفى عن بعر الفأر في المائع إذا عم الابتلاء به ، وعن جرة البعير ، وفم ما يجترّ إذا التقم أخلاف أمه ، ولا ينجس ما شرب منه ، ونقل عن ابن الصباغ أن الشاة إذا بعرت في لبنها حال الحلب عفي عنه ، فلا ينجس ولا يغسل منه إناء ولا فم ، فإن وقع فيه بعرة من غيرها عفي عنه للطعم فقط ، وأفتى المزجد بالعفو عما يلصق ببدنها ويتساقط حال الحلب وما صدمته بذنبها اهـ. وأفتى السمهودي بالعفو عن بول الإبل والبقر في ضرعيهما المتأخرين ، وعما اتصل بهما حين تريض ، وأفتى به أيضاً الفقيه محمد صاحب عيديد علوي ، ومن خط السيد أبي بكر بافقيه ، قال : يعفى عن ذرق الطيور في المياه كالسقايات والحياض لمشقة الاحتراز كما قاله البلقيني اهـ. وقال ع ش : ومما يشقُّ الاحتراز عنه نجاسة نحو الفيران في الأواني المعدّة للاستعمال كالجرار ، والأباريق كحياض الأخلية ، وإن أمكن الفرق بسهولة تغطيتها على الأقرب.
(مسألة : ش) : المذهب عدم طهارة الآجرّ المعمول بالنجس بالإحراق وإن غسل بعد ، واختار ابن الصباغ طهارة ظاهره حينئذ ، وأفتى به القفال ، ويجوز الوضوء من الأواني المذكورة ، ويعفى عن فم كل مجترّ وصبي ، وعما تلقيه الفيران في بيوت الأخلية إذا عمّ الابتلاء به.
(
مسألة : ب) : الفرق بين دخان النجاسة وبخارها ، أن الأول انفصل بواسطة نار ، والثاني لا بواسطتها ، قاله الشيخ زكريا. وقال أبو مخرمة : هما مترادفان ، فما انفصل بواسطة نار فنجس وما لا فلا ، أما نفس الشعلة أي لسان النار فطاهرة قطعاً ، حتى لو اقتبس منها في شمعة لم يحكم بنجاستها.
فائدة : خلط زباد فيه شعرتان أو ثلاث بزباد كذلك أوصاف عنه ، بحث بعض المتأخرين أن محل العفو عن قليل شعر غير المأكول ما لم يكن بفعله فعليه ينجس الزبادان ، اهـ فتاوى ابن حجر.
13
الماء المكروه
(مسألة : ش) : يكره الطهر بماء البحر للبري إن خشي منه ضرراً على نحو عينيه ولو بقول ثقة لمنعه الإسباغ كشديد البرودة ، بل إن تحققه حرم.
فائدة : المياه المكروهة ثمانية : المشمس ، وشديد البرودة أو الحرارة ، وماء ديار ثمود إلا بئر الناقة وقوم لوط ، وبئر برهوت ، وبئر بابل ، وبئر ذروان ، وألحق بذلك ماء محسر ، والطهر بفضل المرأة ، ومن الإناء النحاس ، وماء وتراب كل أرض غضب عليها كعاد ، اهـ كردي. وعبارة التحفة. ويكره الطهر بفضل المرأة للخلاف فيه ، قيل : بل ورد النهي عنه وعن الطهر من إناء النحاس اهـ.
14
النجاسات
فائدة : يتبع الفرع أخس أبويه في سبعة أشياء : النجاسة ، وتحريم الذبيحة ، والمناكحة ، وتحريم الأكل ، وامتناع التضحية في متولد بين نعم وغيرها ، وعدم استحقاق سهم الغنيمة لمتولد بين فرس وحمار ، وعدم وجوب الزكاة المتولد بين نحو بعير وفرس ، وأشرفهما في الدين ، وإيجاب البدل ، وعقد الجزية ، وأخفهما في الزكاة والأضحية ، وأغلظهما في جزاء الصيد ، ويتبع الأب في النسب وتوابعه كاستحقاق سهم ذوي القربى ، وفي الجرية إن كان من أمته أو أمة فرعه ، وفي الولاء ومهر المثل ويتبع الأم في الرق والحرية ، فالولد بين مملوكين لمالك الأم كولد البهيمة ، اهـ كردي.
(مسألة) : المني طاهر من الآدمي اتفاقاً ، وكذا غيره من بقية الحيوانات غير الكلب والخنزير على المعتمد ، لكن إن لم يكن صاحبه مستنجياً بماء فهو متنجس ، ومن ثم حرم الجماع على مستجمر بالحجر منهما ، وإن فقد الماء واحتاج إلى الوقاع كما في النهاية والمغني ، وقيده في التحفة بوجود الماء ، وهذا كما لو تنجس ذكره بمذي ما لم يعلم أن الماء يفتر شهوته فيجوز حينئذ ، واغتفر في القلائد المذي مطلقاً للضرورة ، وحيث حكمنا بطهارة المني جازت الصلاة في الثوب الذي وقع فيه ولو من جماع ، نعم يسنّ غسله رطباً وفركه يابساً.
(مسألة : ب) : ذهب بعضهم إلى طهارة روث المأكول ، بل ذهب آخرون إلى طهارة جميع الأرواث حتى من الكلب إلا الآدمي ، وجمعهم الشيخ عبد الله بن أبي بكر باشعيب فقال :
روث لمأكول لدى زهريهم
وعطاء والثوري والروياني
وإمام نخع وابن سيرين واصـ
ـــــــــــــــــــــطخرّي والشعبيّ والشيباني
وابن خزيمة منذر حبانهم
ثم ابن حنبل مالك الرياني
طهر وزاد الظاهرية والبخا
ري لغير فضلة الإنسان
فائدة : قال في الخادم للزركشي : الدم كله نجس إلا عشرة : الكبد ، والطحال ، والمسك ، والدم المحبوس في ميتة السمك ، والجراد ، والميت بالضغطة ، والسهم ، والجنين ، وكذا مني ولبن خرجا على لون الدم اهـ. وفي حكمه بطهارة الدم المحبوس إن أراد ما دام كامناً فلا يستثنى ، إذ هو حينئذ ليس دماً ، أو إذا تحلب وتلوث به غيره فممنوع لأنه نجس ، اهـ إيعاب.
فائدة : قال (بج) : ومن القيء ما عاد حالاً لو من مغلظ ، فلا يجب تسبيع الفم منه كالدبر ، نعم اعتمد (ع ش) عدم وجوب التسبيع من خروج ما من شأنه الاستحالة ، وإن لم يستحل كاللحم إلا إن خرج من الفم كذلك ، ووجوبه مما شأنه عدمها وإن استحال اهـ. ولا يجب غسل البيضة والولد إذا خرجا من الفرج ، إن لم يكن معهما رطوبة نجسة ، اهـ شرح روض.
(
مسألة : ب) : الحياض التي تجتمع فيها المياه ويلغ الكلاب فيها نجسة إن تغيرت ، فلا يعفى عما لا تعم البلوى به منها ، فمن أصابه شيء من ذلك لزمه تسبيعه ، كما لو قصدها الخراز فوضع فيها الجلود فيلزمه تسبيعها وتسبيع ما تحقق ملاقاته نحو بدنه ، ويحرم عليه تلويث المسجد به ، إذ لا ضرورة إلى ذلك ، ومثل ذلك ما لو ضرب الكلب بنحو سكين مع الرطوبة في أحد الجانبين ، إذ لا مجال للعفو حينئذ ، ويجوز استعمال أواني العوام المذكورين ومؤاكلتهم حيث لم يتحقق ملاقاة نجاسة لها.
(مسألة : ي) : خذ قاعدة ينبغي الاعتناء بها لكثرة فروعها ونفعها ، وهي كل عين لم تتيقن نجاستها لكن غلبت النجاسة في جنسها ، كثياب الصبيان ، وجهلة الجزارين ، والمتدينين من الكفار بالنجاسة كأكلة الخنازير أرجح القولين فيها العمل بالأصل وهو الطهارة ، نعم يكره استعمال كل ما احتمل النجاسة على قرب ، وكل عين تيقناً نجاستها ولو بمغلظ ثم احتمل طهارتها ولو على بعد لا تنجس ملاقاته ، فحينئذ لا يحكم بنجاسة دكاكين الجزارين والحواتين وزوارقهم التي شوهدت الكلاب تلحسها ، أو لا يحكم بنجاسة اللحم أو الحوت الموضوع عليها ، وما لاقاه من أبدان الناس إلا إن شوهد ملاقاتها للنجاسة ، فتكون البقعة التي لحسها الكلب نجسة ، وكذا ما لاقاها يقيناً بمشاهدة أو إخبار عدل مع الرطوبة قبل احتمال طهرها بمرور سبع جريات بماء بتراب طهور ، ولا يتعدى حكمها لباقي الدكان فضلاً عن غيره ، وكل لحم وحوت وغيرهما خرج من تلك الأماكن محكوم بطهارته ، إلا ما تيقن ملاقاته لنفس المحل المتنجس ولم يشق ويعم الابتلاء به وإلا عفي عنه أيضاً ، قاله أبو قضام وخالفه ابن حجر ، وفي النهاية : والضابط أن كل ما يشق الاحتراز عنه غالباً يعفى عنه.
(مسألة : ب) : رجح أبو قضام طهارة صيفة اللحم التي يقال لها العلق ، ونجاسة صيفة العيد لاختلاطها بما في جوفه ، والذي نعتمده أن الصيفة مطلقاً إما طاهرة أو متنجسة معفوّ عنها ، فلا ينجس ما دهن بها أو مسته ، لكن لا ينبغي التسريح بها في المسجد مطلقاً للخلاف في طهارتها مع التأذي بكراهة الأنفس لها اهـ. قلت : وأفتى بالطهارة الناشري وأبو مخرمة وأبو صهي اهـ. وعبارة ك الصل يعني الصيفة كما في نسخة الذي يجتمع مع الدم في حوض ثم يعلو الصلّ فيؤخذ لا يضر اختلاطه ، إذ الظاهر أن الصل المذكور إما طاهر أو نجس ، معفوّ عنه للعفو عن الدم المتحلب من الكبد ، ولقول عائشة رضي الله عنها : "كنا نطبخ البرمة على عهد رسول الله فتعلوها الصفرة من الدم فيأكل ولا ينكره" وقد اتفق ابنا حجر وزياد و م ر وغيرهم على طهارة ما في جوف السمك الصغير من الدم والروث ، وجواز أكله معه ، وأنه لا ينجس به الدهن ، بل جرى عليه م ر الكبير أيضاً ، ولأن لنا قولاً قوياً أن السمك لا دم له لأنه يبيضّ إذا وضع في الشمس.
(
مسألة : ي) : الذي يظهر أن الشيء الأسود الذي يوجد في بعض الحيتان وليس بدم ولا لحم نجس ، إذ صريح عبارة التحفة أن كل شيء في الباطن خارج عن أجزاء الحيوان نجس ، ومنه هذا الأسود للعلة المذكورة إذ هو دم أو شبهة ، وقد صرحوا بنجاسة الخرزة التي في الكرش كحصى الكلي والمثانة ، لخروجها من معدن النجاسة مع شبهها بالطاهر فأولى هذا الأسود ، ولأنه فضلة مستحيلة وهي نجسة إلا ما استثني ، ومن قال بطهارته فقد أخطأ.
فائدة : نقل عن البريهمي أنه قال : في الأصح أن ذرق السمك والجراد وما يخرج من فيها نجس ، وفي الإبانة أنه طاهر ، ومع الحكم بالنجاسة يعفى عنه إذا عمت به البلوى كدم البراغيث ، وأفتى ابن كبن بأن بصاق الجراد وهو بلاقها طاهر ، وما في باطن ذنبها نجس على الصحيح ، وأفتى عبد الله باسودان بأن الخارج مما لا نفس له سائلة عند قتله إن خرج حال حياته وليس به تغير فطاهر كريق الآدمي ، أو بعد موته فنجس مطلقاً ، إذ الميتة وجميع أجزائها نجسة ، وإنما لم تنجس المائع للنص ، ولو شك في شعر أطاهر أم نجس فطاهر ، وألحق به في الجواهر العظم بخلاف اللحم.
(مسألة : ك) : يصير العصير خلاً من غير تخمر فيكون طاهراً في ثلاث صور وهي : فيما إذا صب العصير في الدن العتيق بالخل ، وفيما إذا جردت حبات العنب من عناقيده وملىء منها الدنّ وطين رأسه ، ومثله الرطب إن أخبر عدل بتخلله حينئذ من غير تخمر ، وإلا فيتبع الغالب من التخمر وعدمه ، وفيما إذا صبّ خلّ على عصير دونه بل أو مساويه كما قاله ابن حجر والخطيب ، وقال م ر : إن أخبر عدل يعرف ما يمنع التخمر وما لا اتبع ، وإلا حكم بالغالب من التخمر وعدمه ، بل لنا وجه مرجوح يجوز تقليده بشرطه أنه يتخلل العصير حينئذ ، وإن كان أكثر من الخل ، ولو وضع التمر بنواه في الماء حتى تخلل كعادة أهل البصرة ، فقياس ما ذكره ابن حجر في الإيعاب من العفو عن حبات العناقيد ونوى التمر أنه يطهر وجرى غيره على عدم العفو عن ذلك ، وفي النهاية : ولا فرق في العصير بين المتخذ من نوع واحد أو أنواع ، فلو جعل فيه عسلاً أو سكراً ، أو اتخذه من نحو عنب ورمان أو برّ وزبيب طهر بانقلابه خلاً ، وليس ذلك تخللاً بمصاحبة عين ، لأن نفس ذلك كله يتخمر ، ولا يضر وضع النبيذ أو العصير على الخمر ، وعكسه كما لو أريقت خمر فصب في إنائها خمر أخرى.
فائدة : لا يطهر ظاهر الدن المترشح إليه الخمر قبل تخللها إذ لا ضرورة إليه بخلاف الباطن ، نعم ما ارتفع أو انخفض إليه من الدنّ بغير الغليان ، بل بوضع شيء أو أخذه لم يطهر هو أيضاً لعدم الضرورة ولا هي لاتصالها بنجس اهـ إيعاب. ومنه للخل خمس صور طاهرة قطعاً إذا تخللت من غير عين ولا إمساك بل اتفاقاً ، أو على الأصح إذا تخللت بعد إمساك ، وقال العراقيون : لا تطهر غير المحترمة ، أو لا تطهر قطعاً إذا طرحت العين قصداً ، أو على الأصح إن كانت بغير قصد ، أو تطهر على الأصح أيضاً إذا نقلت من نحو شمس ، ولا يحرم التخلل به لأنه سبب لإصلاحها من غير محذور اهـ.
فائدة : أصاب جلد الميتة نجاسة مغلظة ، لم يكف غسله قبل الدبغ ، بل لا بد من تسبيعه بعده ، لأنه قبله لم يكن قابلاً للتطهير ، وأخذ منه سم أن نحو عظم الميتة إذا أصابه مغلظ لا يطهر بغسله أبداً ، فينجس مماسه رطباً نجاسة مغلظة اهـ مدابغي وفي ي نحوه وزاد : ونقل الشوبري عن الشيخ زكريا أنه يطهر من المغلظة بتسبيعه.
16
إزالة النجاسة
(مسألة : ي) : تحرم مباشرة النجاسة مع الرطوبة لغير حاجة فيجب غسلها فوراً ، بخلافه لحاجة كالاستنجاء ، وغسلها من نحو بدن ، ووضعها في نحو زرع أو بنحو قصد ، وكذا التداوي بشرط فقد طاهر صالح.
(مسألة : ج) : قطرات بول متفرقات وقعت بمسجد ، ومر الناس في المحل مع ترطب أرجلهم ، لم يجب إلا غسل محل البول فقط ، لا كل المحل للشك في تنجسه ، إذ يحتمل مرور المتوضئين على النجاسة وعلى الموضع الطاهر ، والقاعدة أننا لا ننجس بالشك.
فائدة : أفتى ابن حجر بأن الكفين كعضو واحد حكماً ، فإذا غسلهما معاً من نجاسة بهما أو بأحدهما كفى ، وأفتى أيضاً بجواز غسل النجاسة بمطعوم عند الحاجة ، كغسل لثوب إبريسم يفسده الصابون ، ونخالة لغسل يد ، وملح لدم كما في المجموع اهـ.
(مسألة : ك) : وقعت في الصبغ أجزاء نجسة ، فإن كانت مما تنعقد فيه ولا يزيلها الماء كزبل لم يكف غمر المصبوغ بالماء ، بل لا بد من إزالة تلك الأجزاء ، فإن تعذر فحكمها حكم نجس العين الذي تعذر تطهيره ، وإن لم تكن كذلك طهر بغمره في ماء كثير أو ورود قليل عليه ، وإن بقي اللون في المحل أو الغسالة ، كما يطهر الصبغ المنفرد أو المخضوب بمتنجس أو نجس بذلك اهـ. وفي ب نحوه زاد : وقال القاضي يطهر المصبوغ بالنجس أي مطلقاً بما ذكر وإن بقي اللون ، ومال إليه في القلائد ومحمد بن أحمد فضل وبلحاج والريمي.
فائدة قال بج : والحاصل أن المصبوغ بعين النجاسة كالدم ، أو بالمتنجس الذي تفتتت فيه النجاسة أو لم تتفتت كان المصبوغ رطباً يطهر إذا صفت الغسالة من الصبغ ، أما المصبوغ بمتنجس لم تتفتت فيه النجاسة والمصبوغ جافّ فيطهر بغمسه في قلتين أو صب ماء يغمره وإن لم تصف الغسالة ، فقولهم : لا بد في طهر المصبوغ من أن تصفو الغسالة محمول على ما صبغ بنجس أو مخلوط بنجس العين ، اهـ سم وطب.
(مسألة : ش) : أفتى ابن مطير في نيل وقعت فيه نجاسة فترك حتى جمد ولم يتصاب فصب عليه ماء يغلبه وهو في حوضه فشربه ثم شربته الأرض بأنه يطهر كالآجرّ المعجون بالنجس ، والظاهر عدم طهره والفرق واضح.
(مسألة : ي) : تنجس مائع كدهن وغسل بنجاسة غير متفتتة ثم لاقى جامداً كدقيق اشترط في طهارته زوال أوصاف المائع إلا ما عسر ، هذا إن كان له أي المائع وصف ، وإلا كفى جري الماء عليه بحيث يظن وصوله إلى جميع أجزائه ، كما لو عجن لبن ببول فيطهر باطنه بنقعه في الماء ولو مطبوخاً رخواً يصله الماء.
(
مسألة : ي) : لحم عليه دم غير معفوّ عنه ذر عليه ملح فتشربها طهر بإزالة الدم ، وإن بقي طعم الملح كحب أو لحم طبخ ببول فيكفي غسل ظاهره ، وإن بقي طعم البول بباطنه إذ تشرب ما ذكر كتشرب المسام ، كما في التحفة.
(مسألة : ب ك) : تنجس عضو شخص كيد جزار أو شفرته وبه دهن أو نحو حلتيت ، فلا بد من إزالة أثر نحو الدهن مع النجاسة لأنه صار متنجساً ، كما لو تنجس الدهن ثم دهن به نحو جرب أو تنجس به العضو ، فلا بد من إزالته ولو بنحو صابون على المعتمد إلا ما عسر زواله ، زاد ب : وقد يفرق بأن المشقة في مسألة الجزار ، بل الضرورة أظهر بكثرة تكراره وفي تكليفه نحو السدر كل مرة مشقة ، فينبغي الاكتفاء بمجرد إزالة أوصاف النجاسة لا الدسم ، لأن المشقة تجلب التيسير ، ولأنه يعفى عن كل ما يشق الاحتراز عنه كما في النهاية ، لا سيما وقد قال بطهارة روث المأكول مالك وأحمد وغيرهما كما مر اهـ. قلت : وقال السيد علي الونائي في كشف النقاب : لو دهن عضوه بدهن متنجس كفاه جري الماء عليه وإن لم يزل أثر الدسومة ، لأنه بانبساطه على العضو يصل الماء إلى جميع أجزائه اهـ.
فائدة : المذهب وجوب غسل ما أصابه الكلب مع الرطوبة ولو معضاً من صيد على المعتمد ، وقيل : يجب تقويره ، وقيل : يعفى عن محل نابه وظفره ، وقيل : طاهر ، قال في الإمداد ونقله البجيرمي عن (م ر) : ما عدا الأخيرة وزاد ، وقيل : تكفي السبع من غير تتريب ، وقيل : يجب مرة فقط اهـ ، ولو لم تزل العين إلا بست غسلات مثلاً حسبت مرة على المعتمد ، لكن يكفي التتريب في إحداها قبل إزالة العين ، اهـ حاشية الشرقاوي. ولو جمع غسلات الكلب في إناء وقد ترب في إحداها فلا بد من غسله سبعاً مع التتريب ، لأنها صارت نجاسة مستقلة ، قاله ابن أبي شريف وتبعه ع ش وحف ، وقال سم : إن ترب الأولى كفى وإلا أعاد التراب اهـ جمل.
فائدة : أصابه شيء من الأرض الترابية قبل تمام غسلها لم يجب تتريبه قياساً على ما أصابه من غير الأرض بعد تتريبه قاله الخطيب ، وقال (م ر) : يجب ، وحمل ابن حجر عدم الوجوب على ذات التراب المتطاير ، أما ما لاقاه من نحو الثوب فيجب تتريبه ، اهـ كردي.
(مسألة) : الغسالة طاهرة إذا لم تتغير وقد طهر المحل ، وإلا فهي نجسة مع المحل ، لأن البلل المنفصل بعض ما بقي بالمحل ، ولا يتبعض الماء القليل طهارة ونجاسة كذا قالوه ، لكن قال البجيرمي على الإقناع قوله لأن المنفصل الخ ، هذا التعليل يعطي أنه يلزم من طهارة أحدهما طهارة الآخر ، ومن نجاسة أحدهما نجاسة الآخر ، وهو ظاهر شرح الروض ، وذكر ق ل ما حاصله : أنه لا يلزم من نجاسة الغسالة نجاسة المحل ، ولعل الأوّل مفروض فيما إذا كان الغسل في نحو إجانة. والثاني فيما إذا كان بالصب والمغسول بين يديه اهـ شيخنا.
18
الاجتهاد
فائدة : شروط جواز الاجتهاد أحد عشر : كون كل من المشتبهين له أصل في التطهير أو الحل ، وللعلامة فيه مجال ، وظهورها وبقاء المشتبهين وتعدد المشتبه ، والعلم بتنجس أحدهما أو ظنه بخبر عدل رواية ، والحصر في المشتبه ، واتساع الوقت للاجتهاد والطهارة والصلاة ، وإلا صلى وأعاد ، وكون الإنائين لواحد على ما قيل ، اعتمد ابن حجر و (م ر) ، خلافه ، وأن لا يخشى منه ضرراً كالشمس ، وأن يسلم من التعارض ، كخبر عدلين تعذر الجمع بينهما فيتساقطان ، إلا إن كان أحدهما أوثق أو أكثر فيؤخذ به ، ويزيد وجوب الاجتهاد بدخول الوقت ، وعدم تيقن الطهارة ، وعدم بلوغهما بالخلط قلتين اهـ كردي.
(مسألة : ش) : اشتبه تراب طهور بغيره وتحير ، فلا بد لصحة الصلاة من خلطهما كالمائين ، ويظهر أنه لا يتيمم بكل في اشتباه الطهور بالمستعمل ، والفرق بينه وبين الماء عسر إزالة التراب الأول عن العضو ، إذ يضر الخليط فيه وإن قل بخلاف الماء ، فلو فرض تنقية العضو منه صح ، لكن لا بد من الجزم بالنية بأن يأخذ كفاً من هذا وكفاً من هذا ويمسح بهما الوجه ناوياً ثم يعكس.
(مسألة) : اجتهد في ماءين فظن طهارة أحدهما فتوضأ به وصلى ، وأراق الآخر كما هو السنة ثم أحدث لم يتوضأ ثانياً ببقية الأول ، لوجوب الاجتهاد لكل وضوء ، ولا يجتهد حينئذ لفقد شرطه وهو التعدد ، بل يتيمم ويصلي ولا إعادة عليه ، قاله في الإمداد ، وهي مسألة نفيسة غامضة معلومة من كلامهم ، فإن لم يرق الآخر وبقي من الأول بقية أعاد الاجتهاد ، ثم أن ظهر له طهارة الأول أيضاً استعمله أو الثاني أراقهما ثم تيمم ، واعلم أن لزوم الاجتهاد مقيد بما إذا لم يكن ذاكراً للدليل الأول كما في النهاية وسم ، وإلا فلا يجب ويتوضأ ثانياً وثالثاً ، وهل ذلك عام سواء بقي الآخر أو تلف ظاهر إطلاقهم ، نعم ثم رأيت سم استقربه.
فائدة : لا يقبل خبر الفاسق إلا فيما يرجع لجواب نحو دعوى عليه ، أو فيما ائتمنه الشرع عليه ، كإخبار الفاسقة بانقضاء عدتها ، أو إخباره بأن هذه الشاة مذكاة فيحكم بجواز أكلها ، وكذا بطهارة لحمها تبعاً ، وإن كان لا يقبل خبره في تطهير الثوب وتنجيسه وإن أخبر عن فعل نفسه ، اهـ بامخرمة. لكن اعتمد ابن حجر والشيخ زكريا ، قبول قوله طهرت الثوب لا طهر.
(مسألة : ي) : الخبر الواقع في القلب صدقه بأن غلب على القلب صدقه ، وهو المراد بقولهم : الاعتقاد الجازم يجب العمل به على من صدقه كذلك ، وإن لم يثبت عند الحاكم ، ولم يكن المخبر مكلفاً عدلاً ، فإن ظن صدقه من غير غلبة جاز وذلك في خمس عشرة مسألة تنجس نحو المياه ، ونقض الوضوء من نحو مس وريح ، وتوقف إزالة النجاسة على نحو صابون أو عدمه ، ودخول الوقت والقبلة ، وكشف العورة ، ووقوع النجاسة ، ودخول رمضان وشوَّال وذي الحجة ، أو شهر معين منذور صومه ، وشعبان بالنسبة لرمضان فيجب الصوم عليه ، وعلى من صدقه بتمامه ، وطلوع الفجر ، وغروب الشمس ، وتعليق الطلاق بأي شهر كان ، بل وفي أكثر أبواب الفقه ، كما نقله ابن زياد عن الشيخ زكريا ، ويجوز العمل بقوله : ولا يجب ، وإن غلب على قلبه صدقه في سبع مسائل : عدم الماء ، ومبيح التيمم ، وفوات الجمعة ، والإخبار بولاء زوج لمريدة التزويج ، وكذا للمعتدة التي جهلت أشهرها أو كانت عمياء أو محبوسة.
19
خصال الفطرة
فائدة : هذان البيتان في خصال الفطرة التي ابتلي بها إبراهيم الخليل عليه السلام :
تمضمض واستنشق وقصّ لشارب
دوام سواك واحفظ الفرق للشعر
ختان ونتف الإبط حلق لعانة
ولا تنس الاستنجاء والقلم للظفر فائدة : قال ع ش : لو نذر السواك حمل على المتعارف من ذلك الأسنان وما حولها اهـ ، وأفتى الزمزمي بأنه لا بد لأصل السنة من استيعاب الأسنان وما حولها أي ظاهراً وباطناً ، وقال أبو مخرمة : لا شك أن سقف الحلق من أكمله.
فائدة : قال البجيرمي على الإقناع : والحاصل أن أحكامه أي السواك أربعة : واجب كأن توقف عليه إزالة نجاسة أو ريح كريه في جمعة ، وحرام كسواك الغير بغير إذنه وعلم رضاه ، ومكروه من حيث الكيفية كاستعماله طولاً ، وسنة على الأصل ، ولا تعتريه الإباحة لأن ما أصله الندب لا تعتريه الإباحة ، ولا يكره الاشتراك في السواك والمشط والمرود خلاف ما تظنه العوام فإن ذلك لنفرة نفوسهم ، ولم يرد نص بالكراهة ، قال : والخلوف بالضم تغير الفم ، وبالفتح كثير الخلف بالوعد ، والخلف بفتحتين الذرية الصالحة ، وبإسكان اللام الذرية السوء اهـ.
فائدة : تردد في التحفة في كراهة إزالة الخلوف بغير السواك ، وصرح زي بأنه لا يكره بنحو أصبعه وكالصائم الممسك ، نعم إن تغير فمه بنحو نوم لم يكره ، قاله م ر والخطيب خلافاً لابن حجر ، ولو مات الصائم بعد الزوال حرم إزالة خلوفه بالسواك قياساً على دم الشهيد ، قاله (م ر) والخطيب خلافاً لابن حجر ، ولو مات الصائم بعد الزوال حرم إزالة خلوفه بالسواك قياساً على دم الشهيد ، قاله (م ر) اهـ بج.
فائدة : نقل الكردي عن البكري والإيعاب وغيرهما أن أغصان الأراك أولى من عروقه ، وكلام الرافعي وابن الرفعة والإمام يقتضي التسوية بينهما ، وقال ق ل : وينبغي أن ينوي بالسواك السنة ويقول : اللهم بيض به أسناني ، وشدّ به لثاتي ، وثبت به لهاتي ، وبارك لي فيه ، وأثبتني عليه يا أرحم الراحمين. وقال في التحفة : ويسنّ أن يكون السواك باليمنى ، وأن يجعل خنصره وإبهامه تحته ، والثلاثة الباقية فوقه ، وأن يبلع ريقه أول استياكه إلا لعذر ولا يمصه ، وأن يضعه فوق أذنه اليسرى أو ينصبه بالأرض ولا يعرضه ، وأن يغسله قبل وضعه ، كما إذا أراد الاستياك به ثانياً وقد حصل به تغير ، ولا يزيد في طوله على شبر ، ولا يستاك بطرفيه اهـ.
فائدة : من فوائد السواك أنه يطهر الفم ، ويرضي الرب ، ويبيض الأسنان ، ويطيب رائحة الفم ، ويشد اللثة ويصفي الخلقة عن نحو البلغم ، ويذكي الفطنة ، ويقطع الرطوبة ، ويجلو البصر ، ويبطىء الشيب ويسوّي الظهر ، ويضاعف الأجر ، ويسهل النزع ، ويذكر الشهادة عند الموت ، ويورث السعة والغنى واليسر ، ويسكن الصداع وعروق الرأس ، ويذهب وجع الضرس والحفر ، ويصحح المعدة ويقوِّيها ، ويزيد في الفصاحة والعقل ، ويطهر القلب ، ويقوي البدن ، وينمي الولد والمال. وذكر بعضهم فوائد أخر تحتاج إلى توقيف اهـ. إيعاب.
فائدة : يسنّ حلق الرأس للرجل في النسك وسابع الولادة وكافر أسلم ، ويكره للمضحي في عشر ذي الحجة ، ويباح فيما عدا ذلك ، إلا إن تأذى ببقاء شعره أو شق عليه تعهده فيندب ، اهـ إقناع وبج. وعن أنس رضي الله عنه قال : "كان رسول الله يكثر دهن رأسه وتسريح لحيته" . وعن شيخنا ابن علان المكي : من قال إن النبي كان يدهن جسده الشريف فقد استنقص به عليه السلام ويخشى عليه الكفر ، اهـ من زاد العجلان شرح الزبد.
(مسألة : ش) : لا يكره حلق ما تحت الحلقوم على المعتمد ، إذ لم يرد فيه نهي وليس هو من اللحية ، على أنه لا يكره الأخذ من طول اللحية وعرضها كما ورد في الحديث ، وإن نص الأصحاب على كراهته ، نعم نص الشافعي رضي الله عنه على تحريم حلق اللحية ونتفها ، ولو قيل بتحريم نتف الشيب لم يبعد.
فائدة : يكره الأخذ من طول الحاجبين لأنه تغيير لخلق الله تعالى ، وعن الحسن وغيره أنه لا بأس به ، وأن النبي فعله ، اهـ تجريد المزجد. والمعتمد في تقليم أظفار اليدين أن يبدأ بسبابة يمناه إلى خنصرها ثم إبهامها ، ثم خنصر يسراه إلى إبهامها. وفي تقليم الرجلين من خنصر يمناه إلى يسراه على التوالي ، قاله في التحفة والباجوري تبعاً للإحياء ، إلا أنه فيه أخر إبهام اليد اليمنى إلى الفراغ وأبدى في ذلك نكتة.
فائدة : قال النووي : يحرم خضب يدي ورجلي رجل بحناء ، وكلام صاحب البيان والماوردي والرافعي وغيرهم يقتضي الحلّ وهو المختار اهـ عباب. وفي القلائد : خص بعض أصحابنا كراهة القزع بترك مواضع متفرقة أو بجانب ، أما القصة والقفا فلا بأس بهما للغلام ، وجزم به الفقيه عبد الله بن أبي عبيد التريمي.
(مسألة : ش) : لو ختن المولود الجن بأن أزيل ما يغطي الحشفة كفى ، إذ القصد إزالته كما لو ولد مختوناً ، ولا يسنّ حينئذ إمرار الموسى بخلاف الرأس في المحرم.
فائدة : نقل عن الشيخ عبد الله بلحاج بافضل عن شيخه الشيخ عبد الرحمن بن الشيخ علي علوي أنه قال : رأيت في بعض شروح المنهاج أنه ينبغي للشخص وضع النعل عرضاً لا طولاً ، ورأى بلحاج المذكور يوماً نعله موضوعة طولاً وقد أراد أن يحرم فانحرف ووضعها عرضاً.
20
الحجامة
فائدة : في الحجامة على الريق بركة وزيادة في العقل والحفظ ، وخير أيامها الأحد والاثنين ، وفي التلوّث خلاف ، وتكره يوم السبت والربوع ، وخير أوقاتها من الشهر بعد النصف وقبل آخره ، وينبغي أن لا يقرب النساء قبلها بيوم وليلة وبعدها كذلك ، وإذا أراد الحجامة في الغد فليتعشّ عند العصر ، ولا يأكل أثرها مالحاً ، وليشرب على أثرها خلاًّ ، ثم يحسو شيئاً من المرقة والحلو لا رائباً ولبناً ، ويقلّ شرب الماء ، والفصد مثلها ، اهـ من البستان للسمرقندي.
20
فروض الوضوء
فائدة : حكمة اختصاص الوضوء بهذه الأعضاء كما قيل : إن آدم عليه السلام توجه إلى الشجرة بوجهه وتناولها بيده ، وكان قد وضع يده على رأسه ومشى إليها برجله ، فأمر بتطهير هذه الأعضاء ، اهـ باجوري.
فائدة : تتعلق بالنية سبعة أحكام نظمها بعضهم فقال :
حقيقة حكم محل وزمن
كيفية شرط ومقصود حسن
فحقيقتها قصد الشيء مقترناً بفعله ، ومحلها القلب ، وحكمها الوجوب ، ومقصودها تمييز العبادة عن العادة ، كالجلوس للاعتكاف تارة وللاستراحة أخرى ، أو تمييز رتبها كالفرض عن النفل ، وشرطها إسلام الناوي وتمييزه وعلمه بالمنويّ ، وعدم الإتيان بمنافيها ، وعدم تعليقها كإن شاء الله إلا إن قصد التبرك ، وزمنها أي وقتها أول العبادات إلا الصوم ، وكيفيتها تختلف بحسب الأبواب اهـ ش ق.
(مسألة : ي) : تطلق النية على معنيين : أحدهما قصد العمل وإرادته وانبعاث النفس إليه لتحصيل ما هو محبوب لها في الحال أو المآل ، وهو طلب رضا الله تعالى والخوف من عقابه ، وهذه هي التي بحث على تصحيحها جميع العلماء والصالحين ، وهي خارجة عن اختيار العبد ، إذ ما تميل إليه النفس خارج عن الاختيار ، بل من قوي إيمانه ، وكثر خوفه ، وعظمت رغبته فيما أعد الله لأوليائه ، وقل التفاته إلى ما سواه ، صارت قصوده وإراداته في أغلب حركاته تحصيل رضا من آمن به ، وما يبعد من عقابه ، ومن ضعف إيمانه ، وغلبت عليه الشهوات ، وكثرت رغبته في زهرة الدنيا ، صارت قصوده مقصورة عن ذلك ، وإن أتى بأعمال ظاهرها طاعة ، نعم للعبد اختيار في هذه النية ، وتصحيحها بتقوية أسبابها من الإيمان بمولاه ، والرغبة والرهبة فيما أعد من الثواب والعقاب ، لتنبعث الإرادة الصالحة المثمرة للتجارة الرابحة ، وحكم هذه الوجوب في جميع أنواع الطاعات ، والندب في جميع المباحات وفي ترك المعاصي والمكروهات. والثاني على قصد الشيء مقترناً بفعله ، وهذه هي التي يبحث عنها الفقهاء ، وهي في الحقيقة عين الأولى ، وإنما امتازت عنها باستحضار ذلك عند ابتداء الفعل ، ووجوب ذلك الاستحضار مبني على أن وجوبه لازم ، إما لتميير العبادة عن العادة كالغسل الواجب ، أو المسنون من غسل التبرد ، وإما لتمييز راتب العبادة بعضها عن بعض ، كالصلاة تكون فرضاً أو نفلاً ، فكل ما كان من العبادات مشتبهاً بالعادة أو على مراتب مختلفة لزم استحضار قصده عند ابتدائه ، إلا نحو الصوم والزكاة مما جوّز الشرع فيه تقديم الاستحضار ، وما لم يكن كذلك فلا ، بل اللازم فيه النية بالمعنى الأول وهو إرادة وجه الله تعالى ، فعلم أنه إما أن تجب النيتان معاً كما مر أو الأولى فقط ، فيما سلم من الاشتباه والاختلاف ، وذلك كالإسلام والأذان ومطلق الأذكار والقراءة ، أما العادات وترك المعاصي والمكروهات فلا تجب لها نية ، بل تندب الأولى ليثاب عليها ، ولو أشرك
في النية ما لا تطلب له نية فاته الكل عند ابن عبد السلام ، واعتبر الباعث عند الغزالي اهـ. قلت : رجع ابن حجر في حاشية الإيضاح وأحال عليه في غيرها أن له ثواباً بقدر قصده الأخروي وإن قل. واعتمد (م ر) كلام الغزالي ، وهذا في غير قصد نحو الرياء ، أما هو فمسقط للثواب مطلقاً اتفاقاً ، قاله الكردي :
(
مسألة : ب) : اللحية إما خفيفة بأن ترى البشرة من خلالها في مجلس التخاطب ، أو كثيفة بأن لا ترى ، أو بعضها كذا وبعضها كذا ، فلكل حكمه إن تميز ، وإلا وجب غسل الجميع ، وليس بينهما درجة متوسطة ، وتحصل سنة التخليل بغسل الكثيفة بلا كراهة كالرأس ، وورد أن من السنة أخذ غرفة بعد تثليث الوجه يغسل بها لحيته ، ونص عليه العامري في البهجة لكنه لم يشتهر في كتب المذهب ، وكأنهم لم يروه لقوادح خفيت عن المقلدين ، فلم يسع لمثلنا إلا الإفتاء بما عليه أئمة المذهب ، وقد ذكروا أنه تكره الزيادة على الثلاث ، وللعامل سبيل غير الفتوى.
(مسألة : ك) : اعتمد الشيخ زكريا وابن حجر أن ما خرج عن حد الوجه بحيث لو مد خرج بالمد عن جهة نزوله من شعور وجه المرأة ، والخنثى حكمه حكم الداخل في حده ، أي فيجب غسل ظاهره وباطنه ، والبشرة تحته مطلقاً ، واعتمد (م ر) : أن الخارج من شعورهما كالخارج من شعور الرجل إن خف وجب غسل ظاهره وباطنه ، وإن كثف وجب غسل ظاهره فقط.
(مسألة : ك) : الوسخ الذي على ظاهر البدن والظفر والسرة إن نشأ من البدن كالعرق المتجمد فله حكم البدن فينقض لمسه ، ويكفي إجراء الماء عليه في الطهارة ، وإن نشأ من غير البدن كالغبار وجبت إزالته ، أما الوسخ الذي يجتمع تحت الأظفار ، فإن لم يمنع وصول الماء صح معه الوضوء ، وإن منع فلا في الأصح ، ولنا وجه وجيه بالعفو اختاره الغزالي والجويني والقفال ، بل هو أظهر من حيث القواعد من القول بعدمه عندي ، إذ المشقة تجلب التيسير ، فيجوز تقليده بشرطه ولو بعد الصلاة اهـ. وفي ب نحوه في وسخ الأظفار وزاد : وفصل بعضهم بين أن يكون من وسخ البدن الذي لا يخلو عنه غالب الناس فيصح معه الوضوء للمشقة ، وأن يطرأ من نحو عجين فلا ، وهذا الذي أميل إليه.
(مسألة : ب) : يجب في نحو الشقوق إيصال الماء إلى جميع ما في محل الفرض من الغور الذي لم يستتر ، وإزالة ما أذيب فيها من نحو شمع وسمن مانع من إيصال الماء إلى البشرة ما لم يصل اللحم ، ويجب أيضاً إزالة ما خيط به الشق مما يمنع وصول الماء إلى محل الفرض ما لم يستتر ، نعم إن خاف من إزالته محذور تيمم تيمماً عنه.
فائدة : الذي يظهر من كلامهم أن الشق والثقب حيث كانا في الجلد ولم يصلا إلى اللحم الذي وراء الجلد وجب غسلهما إن لم يخش ضرراً وإلا تيمم ، وحيث وصلا اللحم لم يجب ، وإن لم يستتر ، إلا إن ظهر الضوء من الجهة الأخرى فيجب غسل جميعه حينئذ ، اهـ كردي.
(مسألة) : محدث حدثاً أصغر غمس أعضاءه الأربعة فقط في الماء ونوى ارتفع حدثه وإن لم يمكث ، كما لو غطس بعد أن طلى ما عداها بشمع ، نقله الكردي عن فتاوى ابن حجر ، وأفتى به عبد الله بن سراج ، وخالفهما أبو حويرث فقال : لا يرتفع بغمس الأعضاء المذكورة بل لا بد من الغطس ، وفرق بين المسألتين.
22
سنن الوضوء
فائدة : يسن للمتوضىء أن يتعوذ قبل التسمية ثم بعدهما : الحمد لله الذي جعل الماء طهوراً والإسلام نوراً ، الحمد لله على الإسلام ونعمته ، رب أعوذ بك من همزات الشياطين ، وأعوذ بك رب أن يحضرون ، ثم يتشهد ، ومما ينفع للوسوسة في أي أمر كان أن يضع يمناه على صدره ويقول : سبحان الملك الخلاق الفعال سبعاً {إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق ـ إلى ـ عزيز} اهـ (ش ق) . ولا ينبغي أن يأتي بالأذكار الواردة في الوضوء وبعده في نحو الجوابي المعهودة ، لأنها صارت محلاً للبول والقذر فيكره فيها الذكر ، كما قاله الحبيب القطب عبد الله الحداد ، وشد النكير على من نقل عنه خلافه.
(مسألة : ش) : المعتمد أن أول سنن الوضوء التسمية ، وقيل السواك ، ولو ترك بعض السنن ولو من أوله أثيب على ما أتى به منها بشرط أن توجد النية فيما قبل غسل الوجه ، نعم الترتيب بين المضمضة وغسل الكفين مستحق ، فلو قدمها لم تحسب على المعتمد ، وكذا بين مسح الرأس والأذنين لا غير. وهنا دقيقة وهي ندب السواك لكل ذكر فيشمل التسمية ، وندبها لكل أمر ذي بال ، فيحصل حينئذ دور كما هو معلوم ، ولا يتخلص منه إلا بأن يقال : تسمية السواك لا يندب قبلها سواك ، وهو أولى من عكسه لاعتناء الشارع بالتسمية أكثر.
فائدة : قال سم : يحرم وضع اليد المتنجسة بعينية في البركة الموقوفة أو المسبلة إن تقذر منها الماء لإمكان طهرها خارجها ، ومثله البصاق والمخاط ، اهـ كردي.
(مسألة) : يتخير نحو المتوضىء في تخليل اللحية والأصابع كالدلك ، بين أن يفعله مع كل غسلة أو يؤخره بعد الثالثة ، ويخلل ثلاثاً وهو الأولى ، ويسنّ تخليل اللحية بغرفة مستقلة ، قاله في التحفة ، نعم في الإيعاب ندب تخليل أصابع الرجلين مع غسلهما.
(مسألة : ب) : يحصل سنّ تخليل أصابع اليدين والرجلين بأي كيفية كانت ، وكمالها بالكيفية المشهورة ومستقلاً بماء جديد.
(مسألة) : لا يحصل تطويل الغرة إلا بعد نية معتبرة ولو عند غسل حمرة الشفة ، وظاهر قوله : "أنتم الغر المحجلون يوم القيامة من إسباغ الوضوء" أن هذه السيما إنما تكون لمن توضأ بالفعل في حياته لا بوضوء الغاسل للميت ، وينبغي أن مثل الوضوء التيمم لإقامته مقامه ، اهـ ع ش.
(مسألة) : لا تحصل سنة تثليث الرأس بمسح ثلاثة جوانب منه ولو مرتباً إذ لا يسمى تثليثاً ، إلا إن كان بموضع واحد كما نص عليه ، نعم يحصل بذلك تكميل الرأس إن عمه ، وشرط المسح على العمامة أن لا يعصي بلبسها لذاته كمحرم ، وأن لا يكون عليها نجاسة ولو معفوّاً عنها ، وأن يمسح جزءاً من الرأس أولاً ، وأن يتصل مسح الجزء بمسح العمامة وإلا صار مستعملاً. قاله في حاشية الجمل ، وفي ش ق : لا يشترط الاتصال على المعتمد.
فائدة : يندب غسل الأذنين مع الوجه ثلاثاً كمسحهما مع الرأس ومنفردتين ووضع كفيه عليهما ، فالجملة اثنا عشر اهـ أجهوري. وقوله : ووضع كفيه إلخ قال ش ق : أي ثلاث مرات على التوالي بعد تثليث مسح الأذنين على الأظهر ، لا بعد المرة الأولى ولا بعد كل مرة اهـ.
(فرع) : لو كان معه ماء لا يكفي كل السنن قدم ما قيل بوجوبه ، ثم ما أجمع على طلبه ، ثم ما قوي دليله على الأوجه ، ولو كفى تثليث بعض الأعضاء كالوجه فالظاهر أن تفريقه على الكل مرتين أولى ، اهـ بجيرمي على الإقناع.
(مسألة : ب) : تردد سم في ندب الشرب عقب الوضوء من الماء الموقوف ، ولم أر من صرح بندبه ، لكن إطلاقهم يقتضي أنه لا فرق كسائر السنن ، وكأن ترك الشرب من الجوابي المعروفة لاستقذارها غالباً ، ومعلوم أن تناول المستقذر حرام ، فلو فرض عدم الاستقذار سنّ الشرب حينئذ اهـ ، وخالفه ج فقال : الظاهر حرمة الشرب أخذاً من إطلاقهم حرمة الشرب من الماء الموقوف للطهارة ، سواء قبل الوضوء وبعده ، إذ هو مناف لشرط الواقف ، وقاعدة إذا اجتمع المقتضي والمانع تقديم المانع تؤيد ذلك.
فائدة : يندب للمشتغل بالوضوء إجابة المؤذن ولو فرغ من الوضوء مع فراغ المؤذن أتى بالذكر المشروع عقب الوضوء ، ثم ذكر الأذان ، ثم دعاء الوضوء ، ولا يفوت الأذكار عقبه بطول الفصل كركعتي الطواف والتكبير المقيد ، اهـ فتاوى بامخرمة.
فائدة : ينبغي أن لا يتكلم بين الوضوء والذكر لخبر : "من توضأ ثم قال قبل أن يتكلم أشهد الخ غفر له ما بين الوضوء من قبل" . وورد : "من قرأ {إنا أنزلناه} في أثر وضوئه مرة كان من الصدِّيقين ، ومن قرأها مرتين كتب في ديوان الشهداء ، ومن قرأها ثلاثاً حشره الله مع الأنبياء" اهـ إيعاب. وفي نزهة المجالس حديث : "من قرأها مرة كتب له عبادة خمسين سنة ، أو مرتين أعطاه الله ما يعطي الخليل والكليم والحبيب ، أو ثلاثاً فتحت له أبواب الجنة يدخل من أيها شاء بلا عتاب ولا عذاب" ويسنّ قراءة الإخلاص لأنه عليه الصلاة والسلام أمر علياً بذلك ، ويسنّ عقب الوضوء : اللهم اغفر لي ذنبي ، ووسع لي في داري. وبارك لي في رزقي اهـ. زاد في الترحيمية للشيخ حسن بن خليل المقدسي : وقنعني بما رزقتني ، ولا تفتني بما زويت عني ، اهـ من تكملة فتح المعين للشيخ عبد الله باسودان.
(مسألة : ك) : تفوت سنة الوضوء بطول الفصل عرفاً كما في التحفة والنهاية ، وضابطه بأن يزيد على الذكر المأثور وإنا أنزلناه ثلاثاً بقدر ركعتين خفيفتين ، ونقل عن إفتاء السمهودي أن فواتها بالحدث ، ويسنّ أن يقرأ في الأولى : {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم ـ إلى ـ رحيماً} وفي الثانية : {ومن يعمل سوءاً ـ إلى ـ رحيماً} اهـ. قلت : ورجح في فتاوى بامخرمة كلام السمهودي ، وينبغي أن يستغفر الله ثلاثاً كل ركعة بعد قراءة الآية المذكورة ، كما نص عليه في المسالك وغيره.
فائدة : في استحباب تجديد الوضوء خمسة أوجه : أصحها بعد أن يصلي بالأول ولو نفلاً ، والثاني بعد فرض ، والثالث بعدما يطلب له الوضوء ، والرابع بعد صلاة أو سجدة أو قراءة في مصحف ، والخامس مطلقاً اهـ شرح المهذب ، قال ابن حجر : يحرم التجديد قبل أن يصلي صلاة ما إن قصد عبادة مستقلة ، وقال (م ر) : يكره.
فائدة : لا بد للوضوء المسنون من نية معتبرة ولو نية الفرضية إذا لم يرد الحقيقة ، ولا تكفي نية الأسباب ، لأن القصد هنا رفع الحدث الأصغر ، إما لنحو حدثه الأكبر في صورة الجنب ، أو لتحصيل حقيقة الطهارة ، فيكفر إثمه في نحو التكلم بكلام فيه إثم ، أو لرفع حدثه فيما فيه خلاف بنقض الوضوء ، أو ليزداد تعظيمه وتأمله في نحو قراءة القرآن والعلم ، وبه علم الفرق بينه وبين الغسل المسنون حيث نوي سببه اهـ ش ق.
24
مسح الخف
فائدة : شرع مسح الخف في السنة التاسعة ، وثبت عنه قولاً وفعلاً ، وعن الحسن : حدثني سبعون صحابياً أنه مسح على الخفين اهـ باجوري.
(مسألة : ك) : المعتمد الذي دل عليه كلام ابن حجر و (م ر) وغيرهما اشتراط الطهارة وغيرها من شروط المسح عند اللبس فقط ، فلو طرأت نجاسة وزالت قبل المسح ولو بعد الحدث ، أو لم تزل ومسح على غير موضعها أو موضعها وهي معفوّ عنها لم يضر ، وما أوهمته عبارة التحفة من الضرر فمؤوّل ، إذ يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء.
فائدة : ابتداء المدة في الخف من انتهاء الحدث مطلقاً عند ابن حجر والخطيب تبعاً لشيخهما زكريا ، وفرق (م ر) بين ما كان بغير اختياره كالخارج فمن انتهائه ، أو باختياره كاللمس والنوم فمن ابتدائه كما لو اجتمعا اهـ باسودان.
24
نواقض الوضوء
(مسألة : ج) : ابتلي ببلل يخرج من ذكره ، فإن تحقق خروجه من داخله فنجس ينتقض به الوضوء ، وإلا فلا نقض ولا تنجس للشك ، وأما الدم الخارج من الدبر من علة البواسير أو غيرها ، فإن كان من داخل الدبر نقض قطعاً أو من خارجه فلا.
(مسألة) : خرجت مقعدة المبسور انتقض وضوؤه ، وتصح إمامة المبسور إذ لا تلزمه الإعادة.
فائدة : الحاصل في النقض بالخارج من الثقبة أنه إن كان المخرج منفتحاً فلا نقض بالخارج من غيره مطلقاً اتفاقاً ، أو منسدّاً نظر ، فإن كان خلقياً نقض الخارج مطلقاً حتى من المنافذ كالفم عند ابن حجر ، خلافاً لـ(مر) والخطيب فيها أو عارضاً فلا نقض به ، إلا إن خرج من تحت السرة اتفاقاً ، وتثبت للمنسدّ جميع الأحكام ، سواء كان خلقياً أو عارضاً ، ولا يثبت للمنفتح إلا النقض بالخارج منه فقط ، قاله الشيخ زكريا وابن حجر ، ووافقهما (م ر) : في العارض ، قال : أما في الخلقي فتنقل جميع الأحكام للمنفتح وتسلب عن الأصلي اهـ كردي.
فائدة : خروج المني يوجب الغسل ولا ينقض الوضوء ، ونظم بعضهم صور خروجه من غير نقض فقال :
نظر وفكر ثم نوم ممكن
إيلاجه في خرقة هي تقبض
وكذاك في ذكر وفرج بهيمة
ست أتت في روضة لا تنقض
وكذاك وطء صغيرة أو محرم
هذي ثمان نقضها لا يعرض وزيد عليها إخراج المني بنحو فخذه اهـ باجوري.
فائدة : العقل الغريزي صفة غريزية يتبعها العلم بالضروريات عند سلامة الحواس ، وهو إما وهبي وهو ما عليه مناط التكليف ، أو كسبي وهو ما يكسب من تجارب الزمان ، وسمي عقلاً لأنه يعقل صاحبه عن ارتكاب الفواحش ، ولذا يقال : لا عقل لمرتكب الفواحش ، والأصح أن مقره القلب ، وله شعاع متصل بالدماغ ، وهو أفضل من العلم لأنه منبعه وأسه ، قاله ابن حجر. وقال (م ر) عكسه لاستلزامه له ، ولأن الله تعالى يوصف بالعلم لا بالعقل اهـ باجوري.
فائدة الجنون مرض يزيل الشعور من القلب مع بقاء القوة والحركة في الأعضاء ، والإغماء يزيلها مع فتور الأعضاء ، والسكر خبل في العقل مع طرب واختلاط نطق ، والنوم ريح لطيفة تأتي من الدماغ إلى القلب فتغطي العين ، فإن لم تصل إلى القلب فنعاس لا نقض به اهـ جمل.
فائدة أخبر معصوم نائماً غير ممكن بعدم خروج شيء لم ينتقض كما في الإمداد ، ولو أخبر من نام ممكناً عدل بخروج ريح أو بلمسها له وجب الأخذ بقوله ، كما اعتمده في التحفة والإيعاب ، خلافاً لما نقله زي عن (م ر) من النقض في الأولى وعدمه في الثانية ، واعتمد بج وجوب الأخذ في الثانية إن كان المخبر معصوماً.
فائدة : المس يخالف اللمس في هذا الباب من ثمانية أوجه ، إذ اللمس لا يكون إلا من شخصين ، وشرطه اختلاف الجنس بذكورة وأنوثة ، وأن لا تكون بينهما محرمية ، وأن يبلغا حد الشهوة ، وأن لا يكون الملموس مباناً إلا إن كان فوق النصف ، ويكون بأي عضو كان ، وفي أي موضع من البشرة ، وينتقض وضوؤهما لا اللامس فقط بخلاف المس في الكل اهـ كردي.
فائدة : ليس في الحيوان خنثى غير الآدمي والإبل والبقر ، ولو اتضح الخنثى بما يقتضي النقض عمل به ، ووجبت الإعادة عليه وعلى من لامسه اهـ ق ل ، اهـ جمل.
25
ما يحرم بالحدثين
فائدة : مصحف فوق كتابين يجوز حمل الذي تحته معه لأخذ الأسفل ، ويحل مس المصحف من وراء ثوب حيث لم يكن بصورة التقليب ، ويحرم توسده وإن خيف سرقته ، لا إن خيف تلفه أو تنجسه أو أخذ كافر بل يجب حينئذ ، ويكره إحراق خشبة كتب فيها قرآن ، وقراءة القرآن ممن فمه متنجس ، ولا يمنع المميز ولو جنباً من حمله ولو لغير الدراسة اهـ فتاوي بامخرمة ، وقيده ابن حجر و (م ر) وغيرهما بحاجة تعلمه ولو جلد مع المصحف غيره ، اعتمده ابن حجر حرمة مسه من سائر جهاته ، واعتمد (م ر) والخطيب حرمة مس الساتر للمصحف فقط ، وجوّز أبو مخرمة مس جميع الجلد.
فائدة : قال أبو حنيفة : يجوز حمل المصحف ومسه بحائل. وقال داود : لا بأس بهما للمؤمن مطلقاً. وقال طاوس : يحلان لآل محمد مع الحدث اهـ شرح الدلائل.
(مسألة : ي) : يكره حمل التفسير ومسه إن زاد على القرآن وإلا حرم ، وتحرم قراءة القرآن على نحو جنب بقصد القراءة ولو مع غيرها لا مع الإطلاق على الراجح ، ولا يقصد غير القراءة كردّ غلط وتعليم وتبرك ودعاء ، ويجوز له حمل ومس وقراءة نحو التوراة والحديث القدسي وكتب العلم والحديث ، نعم يكره للجنب ذكر الله تعالى حتى إجابة المؤذن كما اختاره السبكي ، لا لنحو حائض قبل الانقطاع ، وقالت الحنفية : يكره له قراءة نحو التوراة وحملها ، ونص العيني منهم على الحرمة ، قالوا : ويحرم مس التفسير مطلقاً ، وتحل قراءته بقصد معرفة التفسير ، ولا تكره قراءة الكتب الشرعية والذكر والدعاء ، لكن تستحب الطهارة.
فائدة : يجوز حمل المصحف مع المتاع وإن صغر جداً ، قال ب ر : ولو خيط إبرة لكن بقصد المتاع فقط ، وكذا مع الإطلاق خلافاً للتحفة ، بل أو بقصدهما عند (م ر) اهـ كردي. وقال ع ش : لو جعل المصحف في خرج على دابة وركب عليها ، فإن كان على وجه يعدّ إزراء به كأن وضعه تحته ملاقياً لأعلى الخرج وصار الفخذ موضوعاً عليه حرم وإلا فلا.
(مسألة : ش) : يحرم التصليب بأوراق نحو المصحف كما أفتى به الطنبداوي وغيره اهـ. قلت : وفي فتاوى أبي مخرمة ويجوز تصليب الجلود بورق كتب فيها قرآن لا يقصده كحرز وورق حديث ، لا بورق قرآن كتبت للدراسة وإن بليت ، بل إن فعله استخفافاً كفر اهـ.
(مسألة : ش) : تجب إزالة النجاسة من المصحف ، ويلحق به كل اسم معظم وعلم محترم ، وإن أدّى لتلفه وكان لنحو يتيم ، ومحله إن مست النجاسة شيئاً من حروفه لا نحو جلده وحواشيه ، ولا تكفي إزالة العين فقط ، نعم إن كانت النجاسة مما اختلف فيها كروث مأكول جاز تقليد القائل بطهارتها للضرورة ويضمن منجسه ، وقول أهل السير إن دم عثمان رضي الله عنه ترك على المصحف لا يسلم ، بل لعله أزيلت عينه بالدلك حتى بقي أثر يسير لا يمكن تطهيره بالماء.
فائدة : وجد القارىء غلطاً في شكل المصحف أو حروفه لزمه إصلاحه إن كان ملكه ، وكذا إن كان وقفاً أو علم رضا مالكه ولم يعبه خطه ولم يقابل بأجرة اهـ تحفة.
26
قضاء الحاجة والاستنجاء
فائدة : يحرم التبرز على محترم كعظم وقبر وفي موضع نسك ضيق كالجمرة والمشعر وبقرب نبيّ ، قال الأذرعي : وبين قبور نبشت اهـ تحفة. وقال في حاشية الكردي : يندب تقديم اليمنى دخولاً واليسرى خروجاً في الانتقال إلى مكان شريف ، ومنه إلى أشرف منه ، وما لا دناءة فيه ولا شرف وما جهل حاله ، ويندب العكس في الانتقال من مستقذر إلى أقذر منه ، ومن شريف إلى دنيّ ، ويخير في الانتقال من شريف ودنيّ لمثله اهـ.
فائدة : ورد أن البصاق على الخارج من الشخص يورث الوسواس وصفرة الأسنان ويبتلى فاعله بالدم ، والسواك حال الخلاء يورث النسيان والعمى ، وطول القعود فيه يورث وجع الكبد والبواسير ، والامتخاط يورث الصمم والهم ، وتحريك الخاتم يأوي إليه الشيطان ، والتكلم بلا ضرورة يورث المقت ، وقتل القمل يبيت معه الشيطان أربعين ليلة ينسيه ذكر الله ، وتغميض العينين يورث النفاق ، وإلقاء حجر الاستنجاء على الخارج يورث الرياح ، وإخراج الأسنان وجعل الرأس بين اليدين يقسي القلب ويذهب الحياء ويورث البرص ، والاستناد إلى الحائط يذهب ماء الوجه وينفخ البطن ، وينبغي أن يقعد على قدمه اليسرى معتمداً عليها ، ويأخذ فرجه بين أصبعيه السبابة والوسطى حتى يفرغ ، ويضم فخذيه ، ويضع يده اليمنى على فخذها ، ولا يضع اليسرى على اليمنى ولا رأسه على ركبتيه ، اهـ من عجالة ابن النحوي.
فائدة : أفتى بعضهم يندب غفرانك الخ عقب الريح والقيء والحجامة والخروج من أحد قبلي المشكل ومن الثقبة وعقب الحيض ، اهـ حاشية الجوهري على شرح المختصر ، ويندب تكرير غفرانك ثلاثاً كما في الكردي.
(مسألة : ش) : نص الشافعي رضي الله عنه على جواز الاستطابة بالآجر ، وحمل على الخالي عن السرجين كما هو بالمدينة الشريفة أو على المحرق إن قلنا يطهر.
(مسألة : ج) : يجوز الاستنجاء بالحجر الطاهر ، وفي معناه كل جامد لم ينفصل منه شيء إلى المحل حال الاستنجاء قالع للنجاسة كجذع وطين متحجر ، ولا يلزم المستنجي بالحجر القضاء وإن تيمم.
فائدة : يجوز الاستنجاء بأوراق البياض الخالي عن ذكر الله تعالى كما في الإيعاب ، ويحرم الاستجمار بالجدران الموقوفة والمملوكة للغير قاله (سم) . وقال بج : وتعتريه أي الاستنجاء الأحكام الخمسة ، فهو واجب من الخارج الملوث ، ومستحب من خروج دود وبعر بلا لوث ، ومكروه من خروج ريح ، وحرام بمطعوم ، ومباح قبل دخول الوقت على الأصل اهـ.
27
الغسل
(مسألة) : نوى رفع الجنابة عند الاستنجاء كفته نيته ، بل ينبغي النية حينئذ لترتفع جنابة المحل ، إذ يجب غسل محل الاستنجاء عن الجنابة ، وما يظهر من فرج المرأة عند الجلوس على القدمين ، ومن صماخ وباطن قلفة ، لكن يتفطن لدقيقة ، وهي أنه إذا نوى عند محل النجو ومس بعد النية ورفع جنابة اليد ، حدث بيده حدث أصغر فقط ، فلا بد من غسلها عنه بعد رفع حدث الوجه ، ويكفي الغسل بنية الأكبر عن الحدثين ، وإن نفى نية الوضوء ولم يرتب أعضاءه لسقوطه حينئذ ، ولا تحصل سنة الوضوء المسنون للجنب بترتيب الأعضاء ، ولو انغمس جنب في ماء كثير أو قليل ونوى كفاه وإن لم يدلك ، نعم لو كان على الأعضاء نحو شمع أو وسخ أو دهن جامد يمنع وصول الماء إلا بالدلك وجب كما في الوضوء.
فائدة : يثبت للعلقة من أحكام الولادة وجوب الغسل ، وفطر الصائم بها ، وتسمية الدم عقبها نفاساً ، وتزيد المضغة بانقضاء العدة وحصول الاستبراء ، وتزيد ما فيها صورة ولو خفية بوجوب الغرة ، وأمية أم الولد ، وجواز أكلها من المأكول عند (م ر) اهـ (بج) .
فائدة : قال أحمد زروق في الاحتلام :
من يحتلم بصورة شرعية
فإنه كرامة مرضية
وإن يكن بصورة قد حرمت
فهو إذن عقوبة تعجلت
أولا بصورة فذاك نعمة
حكاه زروق عليه الرحمة وينبغي أن لا يجامع بعد الاحتلام فإنه يورث الجنون اهـ بج. (مسألة) : يجب على الجنب غسل ما تحت القلفة ، فإن تعذر تيمم وقضى ، كما لو تنجس ما تحتها بالبول فتصح صلاته حينئذ مع القضاء أيضاً لا القدوة به لقدرته على إزالتها ، فلو مات غير المختون وتعذر غسل ما تحتها يمم وصلي عليه للضرورة قاله ابن حجر ، وقال (م ر) : يدفن بلا صلاة ، ويحرم تأخير الختان بعد البلوغ لغير عذر.
(مسألة : ج) : اغتسل عن جنابة ثم رأى لمعة ببدنه لم يصبها الماء كفاه غسلها فقط ، إذ لا يجب على الجنب ترتيب.
(مسألة : ك) : الصليب الذي تجعله النساء على رؤوسهنّ ويبقى أثره عند الغسل ، فإن منع وصول الماء إلى البشرة لكثافته لم يصح الغسل ، وإن لم يمنع ولم يتغير به الماء تغيراً كثيراً أو كان مجاوراً لم يضر ، ولنا وجه قوي بعدم الضرر وإن تغير الماء.
(مسألة : ب) : المشطة المعروفة وهي وضع النساء بروؤسهنّ تمراً مع نحو طيب بدعة منكرة شديدة التحريم لما فيها من المفاسد من فعلها بالتمر مع حشوه بالطيب وتركه أياماً ، ثم إخراجه غالباً بمحل النجاسة ، ومن تضييع المال سفهاً في غير عرض صحيح ، وقد أوجب الله حفظ الكليات الخمس وهي : الدين والعقل والنفس والنسب والمال ، وزيد العرض ، ومن ترك الصلاة من المزوّجات غالباً كما هو مشاهد فيمن وجب عليها غسل لا تسمح نفسها بإزالتها ، بل تمكث أياماً تاركة للصلاة ، وهذا من أكبر المناكير ، لو لم يكن إلا هو لكفى ، وقد حرمت أشياء لا مفسدة فيها لكن تجرّ إليها ، كقليل المسكر ، وقبلة الصائم ، وهذه البدعة حدثت من قريب ، ولأنها قد تجر إلى الإسراف في الحلي ، ومجرد الإسراف فيه يوجب الزكاة اهـ. قلت : وأطال العلامة طاهر بن حسين علوي في إباحة تلك المشطة ، ورد كلام هذا المجيب بدلائل واضحة فلينظر في كلامه.
فائدة : مذهب الحنفية أنه لا يجب على المرأة إلا غسل أصول الشعر ومنابته في نحو الجنابة دون المسترسل ، ومذهب مالك وأحمد أنه لا يجب نقض الضفائر على الجنب ، وإن لم يصل الماء إلى باطنها ، بل يكفي غسل ظاهرها ، ومثله الحائض عند مالك ، واختاره الروياني والشاشي ، فلو فعلت نحو طيب برأسها وأرادت تقليد الإمامين في الجنابة ، ومالك في الحيض جاز بشرطه كما ذكره الجيشي اهـ فتاوى العلامة سليمان الأهدل.
28
الأغسال المسنونة
فائدة : ضابط الفرق بين الغسل الواجب والمستحب ، أن ما شرع بسبب ماض كان واجباً كالغسل من الجنابة والموت ، أو لمعنى مستقبل كان مستحباً كأغسال الحج ، واستثنى منه الغسل من غسل الميت والجنون والإغماء وللإسلام اهـ ش ق. وقال ب ر : ينبغي لصائم خشي منه مفطراً تركه ، وهل ينتقل للتيمم بعد أن يغسل من بدنه ما لا يخاف منه الفطر أو يسقط التيمم من أصله ؟ قال ( ع ش) : الأقرب السقوط اهـ جمل.
فائدة : الأغسال المسنونة كثيرة منها : غسل الجمعة وهو أفضلها على المعتمد ، ولو تعارض البكور والغسل أو بدله قدم الغسل ، فإن عجز تيمم فيقول : نويت التيمم عن غسل الجمعة ، فيكون مستثنى من أنه لا تكفي نية التيمم ، ولو أحدث أو أجنب عقبه سن إعادته قاله سم وقال الباجوري : ولا يبطل ، بالحدث والجنابة ، ويكره تركه لخبر : "اغتسلوا ولو كأساً بدينار" والغسل من غسل الميت أو تيممه ولو شهيداً وكافراً ، وغسل العيدين ولو لحائض وغير مميز ، ويدخل بنصف الليل ، ويخرج بغروب شمسه ، وينصرف عند إطلاق النية للذي هو فيه بقرينة الحال والاستسقاء ، ويدخل بإرادة فعلها للمنفرد ، وباجتماع من يطلب فعله لمن يصلي جماعة ، ويخرج بفعلها ، والكسوفين ولو منفرداً ، ويدخل بأول التغير ، ويخرج بالانجلاء ، والكافر إذا أسلم ولو تبعاً إن لم تعرض له جنابة وإلا وجب ، وسن له غسل آخر وله نيتهما معاً ، ولا يجزئه إلا بعد الإسلام ، والمغمى عليه وإن تكرر ، والسكران ، وعند الإحرام بنسك ولو حائضاً وغير مكلف ، ولدخول الحرم ومكة والكعبة ، نعم إن اغتسل للأول وقرب الفصل ولم يتغير بدنه لم يعده للثاني كغسل العيد والجمعة ، وللوقوف بعرفة ويدخل بالفجر ، والأولى كونه بثمرة ، وقبل الزوال كما في التحفة ، وفي النهاية الأولى بعده ، وللوقوف بالمشعر الحرام غداة النحر ، ويغنيه عن غسل العيد ، ورمي جمرة العقبة ، وثلاثة لرمي الجمار الثلاث كل يوم من أيام التشريق لا لكل جمرة غسل ، وللطواف بأنواعه على رأي مرجوح ، نعم إن تغير بدنه سن له الغسل على المعتمد ، والغسل من الحجامة والفصد ، وللخروج من الحمام ، وكذا لدخوله إذا عرق ، ولدخول المسجد وللأذان ، ولكل ليلة من رمضان ، وإن لم يحضر التراويح ، ولدخول مدينة الرسول ، وقيده ق ل بعد الدول ، وقيل عند إرادته ، ولإزالة شعر العانة ، وحلق الرأس ، ونتف الإبط ، وقص الشارب ، ولبلوغ الصبي بالسن ، وكذا بالاحتلام فيطلب منه غسلان ، وللمعتدة بعد فراغ عدتها ، وعند سيلان الوادي
كالنيل أيام الزيادة كل يوم ، ولكل مجمع خير أو مباح ، اهـ ملتقطاً من التحفة وحواشي بج وباجوري وغيرها جملتها 37.
(
مسألة) : قال في الفتح والإمداد : لو ترك غسل دخول مكة حتى دخلها لم يبعد ندب قضائه كسائر الاغتسال قياساً على قضاء النوافل اهـ وعبارة فتح المعين.
تنبيه : قال شيخنا : يسن قضاء غسل الجمعة كسائر الأغسال المسنونة ، وإنما طلب قضاؤه لأنه إذا علم أنه يقضي دوام على أدائه اهـ. ووافقه سم في غسل دخول مكة والمدينة فقط ، ونقل ابن حجر في الإيعاب وحاشية الإيضاح عن السبكي ، واستوجه عدم ندب قضاء الأغسال كلها واعتمده (م ر) .
29
التيمم
فائدة : نظم بعضهم أسباب التيمم فقال :
يا سائلي أسباب حلّ تيمم
هي سبعة بسماعها ترتاح
فقد وخوف حاجة إضلالة
مرض يشق جبيرة وجراح والرخصة هي الحكم الثابت على خلاف الدليل الأصلي اهـ (ش) (م ر) . وقال العزيزي : هي الانتقال من صعوبة لسهولة لعذر مع قيام سبب الحكم الأصلي.
فائدة : يجب طلب التراب على التفصيل في طلب الماء ، ولو مر متيمم نائم ممكن بماء فلم ينقه إلا والماء بحدّ البعد لم يبطل تيممه ، كما لو كان ببئر خفية اهـ (م ر) . ولو مرّ بالماء في الوقت وبعد عنه بحيث لا يلزمه طلبه فتيمم لم يقض اهـ عباب ، وقضيته عدم وجوب الوضوء. قال الأسنوي : والقياس وجوبه اهـ إيعاب. ولو أبيح أو وهب ماء قليل لجمع متيممين بطل تيمم الكل ولا يتوقف على القبول اهـ. سم. ولو خاف راكب سفينة غرقاً لو تناول الماء تيمم بلا إعادة ، كمن حال بينه وبينه سبع اهـ زيادي.
(مسألة) : تزوّد للعطش ففضلت فضلة ، فإن ساروا على العادة ولم يمت منهم أحد قضى من الصلوات لما تكفيه تلك الفضلة عادة اهـ تحفة. قال سم : أي يقدر كل وضوء لصلاة من آخر المدة اهـ. لكن استوجه ع ش ما اعتمده ابن عبد الحق من وجوب قضاء جميع صلوات تلك المدة ، إذ يصدق عليه في كل تيمم أنه تيمم مع وجود ماء قادراً على استعماله.
(مسألة : ب ش) : إزالة النجاسة عن البدن شرط لصحة التيمم ، كالاجتهاد في القبلة ، أو تقليد الأعمى فيها ، نعم إن تعذر إزالتها لنحو مرض وفقد ماء تيمم وصلى لحرمة الوقت وقضى كما قاله ابن حجر ، زاد ش : فلو وجده ماء قليلاً تعين للنجاسة. وإن لزمه قضاء الصلاة بالتيمم على المعتمد اهـ. قلت : وقال (م ر) : لا يصح التيمم قبل إزالة النجاسة أي الغير المعفوّ عنها وإن تعذرت إزالتها ، بل يصلي حينئذ لحرمة الوقت ويعيد ، ونقل في الإيعاب عن الريمي وغيره أن محل اشتراط إزالة النجاسة للتيمم لنحو الصلاة ، أما القراءة ومس المصحف فيصح لهما التيمم مع بقاء نجاسة النجو وغيره ، قال : وهو حسن اهـ. وأفتى به ابن كبن ، ولو طلب منه غسلان : واجب ومندوب وعجز عن الماء كفاه تيمم واحد اهـ أسنى.
فائدة : قال الأسنوي : لو كانت العلة بيده ، فإن نوى عند غسل وجهه رفع الحدث احتاج لنية أخرى عند التيمم لأنه لم يندرج في النية الأولى أو الاستباحة فلا ، ولو عمت الجراحة وجهه لم يحتج للنية عند غسل بقية الأعضاء ، بل تكفيه نية التيمم اهـ إيعاب ، لكن رجح في التحفة وجوب نية الوضوء عند اليد ، وقال البرماوي : وضابط تأخير البرء أي طول مدته بأن يسع قدر صلاة أو وقت المغرب. (مسألة ش) : تيمم ذي الجبيرة يبطل بالبرء ، فيجب غسل العضو وما بعده ، فلو صلى حينئذ جاهلاً بالبرء لزمه إعادة كل صلاة تيقنها بعده ، كما لو صلى بنجاسة ، إذ لا عبرة بالظنّ البين خطؤه.
(
مسألة : ك) : الحاصل في الجبيرة أنه إن أمكن نزعها وغسل ما تحتها أو مسحه بالتراب حيث وجب بأن كانت في عضو التيمم لزمه مطلقاً ، وإلا فإن أخذت من الصحيح زائداً على قدر الاستمساك أو لم تأخذ ، ووضعت على حدث وكذا على طهر ، وكانت في الوجه واليدين على المعتمد ، وجبت الإعادة وإلا فلا ، وما في التحفة من عدم وجوب الإعادة في الأخيرة مؤوّل أو ضعيف ، ولو كان ببدن جنب جبيرة في غير أعضاء الوضوء وجب التيمم لكل فرض وإن لم يحدث ، فلو أحدث قبل أن يصلي فرضاً لزمه الوضوء فقط.
(مسألة : ب ج) : من تيمم بمحل الغالب فيه فقد الماء لم يلزمه القضاء ، سواء كان التيمم لحدث أكبر أو أصغر ، زاد ب : وإن كان معه ماء يحتاجه لعطش ويلزمه الغسل أو الوضوء عند وجود الماء ولو بالفاضل من عطشه ، وزاد ج : ولو تيمم عن جرح وأراد فرضاً آخر لم يلزمه غسل ما بعد عليله مطلقاً ، وقيل يلزمه للحدث اهـ. قلت : وقوله بمحل الغالب فيه فقد الماء الخ ، قال ابن حجر : أي فيه وفيما حواليه إلى حد القرب ، والعبرة بمحل التيمم لا محل الصلاة ، وقال (م ر) : العبرة بمحل الصلاة ، قال : ولو شك في المحل الذي صلى فيه هل تجب فيه الإعادة أم لا ؟ يحتمل عدم الوجوب.
(مسألة) : فاقد الطهورين إذا صلى لحرمة الوقت ثم وجد التراب قبل خروج الوقت لزمه إعادتها ولو بمحل لا يسقط به القضاء ، ثم يعيدها ثالثاً بالماء أو بالتراب حيث يسقط القضاء ، قاله في العباب و ش ق ، وحين يتصوَّر أن يصلي في الوقت أربع مرات ، هذه الصور الثلاث والرابعة إعادتها مع جماعة.
فائدة : ألغز السيوطي فقال :
أليس عجيباً أن شخصاً مسافراً
إلى غير عصيان تباح له الرخص
إذا ما توضأ للصلاة أعادها
وليس معيداً للتي بالتراب خص فأجاب آخر فقال :
لقد كان هذا للجنابة ناسياً
وصلى مراراً بالوضوء أتى بنص
كذاك مراراً بالتيمم يا فتى
عليك بكتب العلم يا خير من فحص
قضاء التي فيها توضأ واجب
وليس معيداً للتي بالتراب خص
لأن مقام الغسل قام تيمم
خلاف وضوء هاك فرقاً به تخص
31
الحيض
فائدة : قوله : "النساء ناقصات عقل ودين" المراد بالعقل الدية ، وقال بعضهم : هو العقل الغريزي وهو المناسب للمقام ، وبنقص الدين بالنسبة للرجال من حيث عدم تعبدهنّ في بعض الأوقات ، وإن كنّ يثبن على الترك إن قصدن امتثال أمر الشارع كترك المحرمات اهـ بجيرمي.
(مسألة : ي) : رأت دماً يصلح حيضاً بأن زاد على يوم وليلة ونقص عن خمسة عشر ، ثم نقاء دون خمسة عشر ، لكن لو اجتمع مع الدم زاد عليها ثم دماً ، فالأول حيض ، وما يكمل الطهر من العائد دم فساد ، والزائد حيض بشرطه ما لم يجاوز أكثره ، وإلا فتأخذ المبتدأة غير المميزة من أول الزائد يوماً وليلة ، وتطهر تسعة وعشرين ، والمعتادة عادتها حيضاً وطهراً اهـ. قلت : وعبارة أبي مخرمة من كانت تحيض في كل شهر خمسة أيام مثلاً ، فحاضت في دور خمستها وطهرت أربعة عشر ثم عاد الدم واستمر ، فالأصح أن يوماً من أول العائد استحاضة تكميلاً للطهر ، وخمسة بعده حيض ، وخمسة عشر طهر وهكذا ويصير دورها عشرين ، وكالأربعة عشر ما دونها إلى العشرة ، فما يكمل الخمسة عشر استحاضة ، ثم خمسة حيض وخمسة عشر طهر ، بخلاف ما لو نقص النقاء عن العشرة فليس بطهر ، لأن الدم الذي بعده يجتمع مع الذي قبله حيضاً اهـ. وفيه مخالفة لما ذكر فتأمله ، وتشبيه التحفة انتقالها للعادة بما ذكره أبو مخرمة يقتضي أن معنى رجوعها للعادة يعني المتأخرة وهو الخمسة عشر الطهر والخمس الحيض ، وصرح بذلك في هامش حاشية الشرقاوي واقتضته عبارة سم ، ولعله مراد صاحب الفتاوى بقوله : والمعتادة عادتها طهراً وحيضاً فتأمله.
(مسألة : ش) : قوله في التحفة : أقل الحيض يوم وليلة ، أو قدرهما متصلاً فمتصلاً ، حال من قوله : أو قدرهما أي أقله يوم وليلة حقيقة ، كأن رأته من الصبح إلى الصبح ، أو قدر يوم وليلة ، وفرض ذلك القدر متصلاً ، وإن لم يتصل هو ولا الدم ولم يتلفق إلا من أربعة عشر يوماً ، كأن رأت ست ساعات دماً ثم ثمانياً نقاء ، ثم ستاً دماً ثم ثمانياً نقاء ، ثم ستاً دماً ثم ثمانياً نقاء ، ثم ستاً دماً ، فمجموع الدماء بقدر يوم وليلة متصلين ، فلا شك في كونها حيضاً ، وإنما الخلاف في أن حيضها الدماء فقط ، فيكون الأقل لأنه بقدره وهو قول التلفيق ، أو مع النقاء المتخلل وهو قول السحب الذي عليه العمل ، وقوله بناء على قول السحب أراد به الإشارة إلى الخلاف ، وهو أنها لو رأت أول الأربعة عشر دماً مقدار عشر ساعات وآخرها كذلك ، فالمجموع دون أقله متصلاً فليس حيضاً على قول التلفيق ، وكذا على قول السحب على الأصح من ستة أوجه ، إذ من شرط قول السحب أن لا ينقض مجموع الدماء عن يوم وليلة وقد نقص ، فهذا الخلاف الذي أشار إليه في التحفة فكأنه قال : شرط إذا تلفقت الدماء أن لا ينقص مجموعها عن يوم وليلة وإن بنينا على قول السحب.
(
مسألة : ب) : اختلاف عادة المرأة في الطهر كاختلافها في الحيض ، فإذا لم تنتظم ولم تتكرر كأن كان عادتها ستة أيام حيضاً وأربعة وعشرين طهراً فتغيرت في دور إلى ستة وعشرين يوماً ، وفي آخر إلى تسعة أشهر ، ثم آخر إلى شهرين ، ثم استحيضت ردّت إلى ما قبل شهر الاستحاضة وهو الشهران ، فإن تكررت كذلك وانتظم تكرارها فترجع إلى أربعة وعشرين ، ثم إلى ما بعدها على الترتيب المذكور ، وهذا حيث لم تر قوياً بشرطه ، وإلا فهو الحيض وإن تأخر وغيره استحاضة ، وإن طال أو كان فيه قوي وضعيف لم يتميزا.
(مسألة : ي) : الدم الخارج للحامل بسبب الولادة قبل انفصال جميع الولد ، وإن تعدد عن الرحم يسمى طلقاً ، وحكمه كدم الاستحاضة فيلزمها فيه العصب والطهارة والصلاة ، ولا يحرم عليها ما يحرم على الحائض حتى الوطء ، أما ما يخرج لا بسبب الولادة فحيض بشرطه ، نعم لو ابتدأ بها الحيض ثم ابتدأت الولادة انسحب على الطلق حكم الحيض ، أي سواء مضى لها يوم وليلة قبل الطلق أم لا على خلاف في ذلك اهـ ، وما خرج بعد انفصال الولد وإن بقيت المشيمة فنفاس.
32
كتاب الصلاة
(مسألة : ش) : أفضل عبادات البدن الصلاة ، فرضها أفضل الفروض ، ونفلها أفضل النوافل ، لكن صوم يوم أفضل من ركعتين ، بل وما فوقهما إذا اقتضى العرف أنه قليل في جانب يوم ، فهو أفضل منها من حيث الأكثرية ، فإن كثرت عرفاً كأن اشتغل بها في جزء من الأوقات له وقع بحيث لا يعدّ قليلاً عرفاً كانت أفضل من حيث الذات والأكثرية ، وإن استويا كثرة في ميزان العرف فضلته من حيث الذات فقط.
فائدة : أكثر العلماء على أن اختصاص الصلوات الخمس بأوقاتها تعبدي لا يعقل معناه ، وأبدى بعضهم له حكمة وهي تذكر الإنسان بها نشأه فكماله في البطن ، وتهيؤه للخروج منه كطلوع الفجر ، وولادته كطلوع الشمس ، ومنشؤه كارتفاعها ، وشبابه كوقوفها عند الاستواء ، وكهولته كميلها ، وشيخوخته كقربها من الغروب ، وموته كغروبها ، وفناء جسمه كانمحاق أثر الشمس اهـ تحفة.
فائدة : يجب على الشخص بدخول الوقت إما فعل الصلاة أو العزم عليها في الوقت وإلا عصي ، أي وإن فعلها في الوقت اهـ ع ش ، اهـ (م ر) فإن مات بعد العزم والوقت يسعها لم يعص وفارقت الحج حيث يعصي بموته بعد الاستطاعة ، وإن عزم على فعله بأن وقتها محدود بحيث لو أخرجها عنه أثم ووقته العمر وقد أخرجه عنه ، والعزم المذكور عزم خاص ، والعزم العام أن يعزم الإنسان عند بلوغه على فعل الواجبات وترك المحرمات ، فإن لم يعزم عصى وتداركه ، ومعنى العزم القصد والتصميم على الفعل اهـ باجوري.
(
مسألة : ب) : ينبغي متأكداً التغليس أي التبكير بصلاة الصبح أول وقتها ، كما نقل عن النبي والصحابة ومن بعدهم من العلماء رضوان الله عليهم ، وحدّه أن يخرج منها وهو لا يعرف جليسه ، ولم ينقل عن أحد من العلماء غير أبي حنيفة ندب التأخير إلى الإسفار وهو الإضاءة بحيث يرى شخصاً من موضع كان لا يراه منه عند طلوع الفجر الصادق ، ويقدر ذلك في فضاء خال عن نحو الجدران العالية ، بل قال الاصطخري ومن تبعه : إن الصبح يخرج بالإسفار عكس أبي حنيفة ، ويجوز للحاسب وهو من يعتمد منازل القمر والشمس وتقدير سيرهما ، والمنجم وهو من يرى أول الوقت طلوع النجم الفلاني العمل بحسابهما ، ولمن غلب على ظنه صدقهما تقليدهما قياساً على الصوم كما قاله ع ش وبج ، ويتحقق طلوع الفجر كما في الإحياء قبل الشمس بمنزلتين ، وقدرهما أربع وعشرون درجة ، وكل درجة ستون دقيقة ، وكل دقيقة قدر قراءة الإخلاص مرة ، وكل إحدى عشر من الإخلاص قدر قراءة مقرىء تقريباً ، فمجموع ذلك مائة وثلاثون مقرئاً ، وذلك نحو ثمانية أجزاء من القرآن ، ومن راقب غروب القمر ليلة اثنتي عشرة ، وطلوعه من أفقه ليلة ست وعشرين ، فقرأ بين ذلك إلى طلوع الشمس قارب هذا القدر ، وقد نص في الإحياء على أن الفجر يطلع مع غروب القمر ، وطلوعه في تينك الليلتين ليقيس عليهما العامي بقية أيام الشهر بأخذ علامة من نحو كوكب ، ومن العلوم بديهة أن من مسكنه بين جبال كحضرموت لا يبدو له أوَّل الضوء المنتشر إلا وقد انتشر في أفقه انتشاراً عظيماً حتى يبدو مبادي الصفرة ، وإنما يعرف أوَّله حينئذ العارفون بالأوقات المجرِّبون لها بالعلامات التي لا تختلف عادة على ممرِّ السنين الداخلة تحت اليقينيات ، وهذا وصف العارفين من المؤذنين الثقات الذين أوجب الله الأخذ بقولهم لا كل الناس ، فعند عدم من هذا وصفه ينبغي الاحتياط ، إذ لا يصح الصلاة مع الشك بخلاف الظن ، وأما ما قيد به في بعض المؤلفات على طريقة حساب الشبامي من أن النجم يغرب مع
الفجر حادي عشره ، ويطلع رقيبه وهو الخامس عشر ، ويتوسط الثامن فلا عبرة به الآن ، لتزحلق الفلك من ابتداء حسابه إلى هذه المدة بنحو منزلة وسدس ، فظهر فيه الخلل ، لأن أهل الهيئة يقولون إن الفلك حركة مخالفة إلى جهة الشرق لكنها بطيئة ، بحيث يحصل منها في كل اثنتين وسبعين سنة عربية درجة نحو يوم ، ففي نحو ألف يكون التفاوت أكثر من ثلاثة عشر يوماً ، فحينئذ يكون غروب الثريا على حساب الشبامي مع غروب البطين ، بل الفضاء الذي
قدامه كما حققه أبو مخرمة وغيره ، وقد عدَّ العلماء من الواجب في تعلم النجوم ما يعرف به وقت الصلاة والقبلة اهـ. وفي ي كلام مبسوط في تحقيق ذلك ، وبعض مخالفة لما سبق ، وحاصله أن الفجر الصادق هو اعتراض البياض المشرب بالحمرة الذي لا يزال يتزايد ، فيندب حينئذ الاشتغال بالصلاة وما يطلب لها ، وهذا هو المراد بالتغليس في الحديث ، إذ هو آخر الليل المختلط بضوء الصباح ، فمن صلى ولم تظهر زيادة نور النهار بعد صلاته فصلاته باطلة قطعاً ، فعلم أنه لا بد من الإضاءة في وقت الفضيلة ووقت الاختيار ، إلا أنها في الأوَّل أنقص ، وبتمام الإضاءة يدخل وقت الجواز إلى ابتداء الحمرة التي قبل طلوع الشمس لا التي مع طلوع الفجر كما قد يتوهم ، إذ تلك تشرب البياض ، وهذه حمرة خالصة ، فحينئذ يدخل وقت الكراهة ، ويستدل على الفجر بالمنازل الفلكية التي هي ثمان وعشرون منقسمة بين الليل والنهار ، ولا يزيد الفجر على منزلتين قطعاً ، بل ينقص عنهما احتياطاً ، كما حققه المؤقتون وبعض الفقهاء ، وهو المراد بالتقريب في كلام الإمام الغزالي وغيره ، وعلى هذا يكون وقت الفضيلة في الاعتدال نصف منزلة ، وهو قدر أربع ركعات متوسطات ، وما يتعلق بالصلاة من الواجبات والمستحبات ، ووقت الاختبار نصف منزلة أيضاً ، والمنزلة ثلاث عشرة درجة إلا سبعاً ، والساعة خمس عشرة درجة ، وكل درجة ستون دقيقة ، واختلفوا في الدقيقة المذكورة فقيل قدر سبحان الله مستعجلاً ، وقيل قدر سورة الإخلاص بالبسملة ، وبين المقالتين تفاوت كثير كما لا يخفى ، وأما تقدير بعضهم لحصة الفجر بقراءة أكثر من ثمانية أجزاء من القرآن فغلط ، والذي حققه الثقات وضبطناه أنه من طلوع الفجر إلى الإشراق في الاستواء قدر ثلاثة أجزاء بترتيل ، وأربعة إلا ربعاً بالوسط ، وأربعة ونصف بالأدراج ، ويزيد وينقص بزيادة الليل ونقصه ، ويستدل عليه أيضاً بالمنازل في السماء ، وذلك أن أوَّل يوم من النجم الذي أنت فيه يغرب مع الفجر ويتوسط ثامنه ويطلع
خامس عشره ، نعم قد تغير هذا الحساب لطول الزمان وتأخر الفلك ، من أوَّل حساب الشبامي إلى الآن بأربعة عشر يوماً ، فحينئذ إذا كان أوَّل يوم من نجم الثريا فيطلع الفجر آخر درجة من نجم النطح وهكذا ، ويستدل عليه أيضاً بالقمر وهو غروبه ليلة ثلاث عشرة من الشهر ، وطلوعه ليلة سبع وعشرين غالباً ، كما ذكره ابن قطنة وغيره ، وأما ما ذكره الغزالي واليافعي فهو بالنسبة لبلدهما ، وما قاربها في العرض والطول ، بل هذه الاستدلالات كلها تقريبية لا تحقيقية ، وأضبط من هذه وأتقن تحقيقاً ضبطه بالساعات ، وهو قدر ساعة ونصف في الاستواء على المعتمد ، من أن حصة الفجر تكون دائماً ثمن الليل في أي مكان وزمان ، كما قاله في الإيعاب وغيره من كتب الأئمة المحققين ، وقيل سبعة ، وقيل تسعة ، فعلى الأوَّل يزيد في غاية طول الليل ثمن ساعة ، وفي غاية قصره ينقص كذلك ، هذا في جهة حضرموت وما والاها مما يكون غاية طول الليل فيها ثلاث عشرة ساعة إلا نصف درجة يعني دقيقتين ، وغاية قصره إحدى عشرة ونصف درجة ، وذلك لكون عرضها أي بعدها عن خط الاستواء خمس عشرة درجة ونصفاً ، فحينئذ يكون مع الاستواء بعد مضي عشر ساعات ونصف من الغروب ، وإحدى عشرة وربع وثمن مع الطول ، وتسع ونصف وثمن مع القصر ، ويضاف لكل من الثلاثة ما قاربه ، وهذه عادة الله المستمرَّة في جهتنا لا يتقدم ولا يتأخر ، وكذا في جميع الجهات ، مع مراعاة الزيادة والنقص بطول ليلها وقصره ، فمن أخبر بما يخالف هذه العادة عن علم أو اجتهاد فغير مقبول للقاعدة التي ذكرها ابن عبد السلام والسيوطي وغيرهما أن ما كذبه العقل أو العادة مردود ، وإذا رد الشرع الشهادة بما أحالته العادة فأولى رد الحساب والاجتهاد ، بل الحاسب والمنجم إن دل علمه على طلوع الفجر وقد بقي من الليل ثمنه فالحس يصدقه ، فيجوز له العمل بذلك ، وكذا لمن صدقه على ما قاله ( ع ش) ، واعتمد في التحفة والنهاية والمغني والفتح والإمداد خلافه وإلا فلا ، ومحل هذا حيث لم يعلم
هو أو يخبره الثقة بعدم طلوع الفجر بمشاهدة ، ولم يسهل عليه العمل باليقين أو بمشاهدة أو إخبار الثقة أيضاً ، وإلا لم يجز له العمل بحساب نفسه فضلاً عن تقليده ، ولا العدول عن ذينك أيضاً ، فعلم أن من سمع أذان إنسان أو أخبره بدخول الوقت لا يجوز الاعتماد عليه إلا إن علم اتصافه بالعدالة ومعرفة الوقت وعدم تساهله في ذلك ، ولم يكذبه الحس والعادة ، ولم يعارض خبره ، فلو أخبر أوثق أو أكثر بل أو مثله تساقطاً ولم يجز العمل بقوله ، نعم لو اعتقد صدق الفاسق واجتمعت فيه بقية الشروط جاز العمل بقوله مطلقاً ، ويجوز اعتماد الساعات المضبوطة والمناكيب المحررة إذ هما أقوى من الاجتهاد اهـ. قلت : وحاصل التفاوت بينهما يزيد وينقص بحسب طول الليل وقصره ، والأخير حقق أن الحصة المذكورة في الاستواء ثمن الليل عن منزلتين إلا ربع منزلة ، وذلك ساعة ونصف ويزيد وينقص كما مرّ.
(
مسألة : ج) : صلاة الصبح بمجرد استواء النجوم وغروبها مما يغلط فيه ، والشرع لم يعلق الحكم بمعرفة النجوم ، بل علقه بطلوع الفجر الصادق ، وليس لمن صدق المنجم تقليده في ذلك.
(مسألة : ي) : العبرة في دخول وقت الصلاة وخروجه بما وقته الشارع له لا بما ذكره المؤقتون ، وحينئذ لو غاب الشفق قبل مضي العشرين درجة التي هي قدر ساعة وثلث دخل وقت العشاء ، وإن مضت ولم يغب لم يدخل كما في فتح الجواد ، ومثل المغرب غيرها من بقية الخمس ، فالعبرة بتقدير الشارع في الجمع ، وما ذكر لها من الاستدلالات محله ما لم يخالف ما قدره فتأمله فإنه مهمّ. قلت : وقوله ساعة وثلث الذي حققه العلامة علوي بن أحمد الحداد في الفتاوى أنه ساعة وثمن.
(مسألة : ي) : مراتب الاجتهاد في الوقت ستّ : إمكان معرفة يقين الوقت ، ووجود من يخبر عن علم ، والمناكيب المحررة أو المؤذن الثقة في الغيم ، وإمكان الاجتهاد من البصير ، وإمكانه من الأعمى ، وعدم إمكانه منهما ، فصاحب الأولى مخير بينها وبين الثانية حيث وجدت وإلا فالثالثة ثم الرابعة ، وصاحب الثانية ليس له العدول إلى ما دونها ، وصاحب الثالثة يخير بينها وبين الاجتهاد ، وصاحب الرابعة ليس له التقليد ، وصاحب الخامسة يخير بينها وبين السادسة ، وصاحب السادسة يقلد ثقة عارفاً ، ذكره الكردي.
(مسألة : ب ي) : يستحب للإمام الحرص على أول الوقت ، لكن بعد مضي قدر اجتماع الناس وفعلهم لأسبابها عادة ، لما في ذلك من التعرض للنفحات ، وتكثير الجماعة ، والاقتداء بسيد السادات عليه أفضل الصلوات والتسليمات ، هذا في غير المغرب للخلاف في ضيق وقتها ، ثم يصلي بمن حضر وإن قل ، لأن الأصح أن الجماعة القليلة أوله أفضل من الكثيرة أثناءه ، وغاية قدر الانتظار قدر نصف جزء تقريباً ، فمخالفته بزيادة أو نقص خلاف السنة ، زاد ب ويظهر أنه لو كان الإمام يؤخر كثيراً لم يكره الخروج من محل الجماعة بعد الأذان للمشقة الحاصلة أخذاً من قولهم يكره التطويل ليلحق آخرون بل هذه أعظم ، والجمعة كغيرها في ندب الانتظار لدخولها في إطلاقهم ، بل ينبغي زيادة الانتظار فيها على هذا القدر ما لم يفحش التأخير بخروج وقت الفضيلة ليدركها الآتي من بعد ، والأجير الآتي بعد دخول الوقت ، ولا يقاس بعدم سنّ الإبراد ، لأن السنة ثم ملحوظة في حق كل شخص على انفراده ، فلهذا لم يسن الإبراد بها لئلا يؤدي التأخير إلى فواتها ، ولا كذلك تأخير الإمام إلى آخر وقت الفضيلة.
فائدة : يندب تأخير الصلاة عن أول وقتها في سبع وعشرين صورة : الصبي علم بلوغه أثناء الوقت بالسن ، ولمن غلبه النوم مع سعة الوقت ، ومن رجا زوال عذره قبل فوات الجمعة ، ومن تيقن الجماعة ، ولدائم حدث رجا الانقطاع ، وللخروج من الأمكنة التي تكره فيها الصلاة ، ولمن عنده ضيف حتى يطعمه ويؤويه ، ومن تعينت عليه شهادة حتى يؤدِّيها ، وعند الغضب والغيظ حتى يزول ، ومن يؤنس مريضاً يستوحش بفراقه ، وخائف على معصوم ، ومشتغل بذبح بهيمة مشرفة على الهلاك أو إطعامها ، أو قتل نحو حية ، ولشدة الحر ، وللرمي ظهراً والمغرب بمزدلفة ، ومدافعة الحدث ، ولتوقان الطعام ، وتيقن الماء آخره ، أو السترة أو القدرة على القيام ، وللغيم إلى اليقين ، واشتغاله بنحو غريق أو صائل على نفس أو مال وتجهيز ميت اهـ كردي و ش ق. وقوله : ومن تيقن الجماعة قال في الفتح : إن فحش التأخير ما لم يضق الوقت ، والمراد بالتيقن الوثوق بحصولها بحيث لا يختلف عادة ، ففي ظنها لا يندب التأخير إلا إذا لم يفحش عرفاً اهـ. وقال في الإمداد : ويحتمل أن يضبط الفحش بنصف الوقت اهـ.
(
مسألة : ش) : شخص أوقع الصلاة قضاء مع إمكانها أداء ولم يأثم ، وصورة ذلك أن يشرع فيها والوقت يسعها فيمد حتى يخرج الوقت ولم يوقع فيه ركعة فهي قضاء غير مأثوم عليه ، خلافاً للأسنوي القائل إنه لا بد من إيقاع ركعة في الوقت اهـ. قلت : وهل ينويها قضاء نظراً لقصده ، أو أداء نظراً للوقت ؟ الظاهر الثاني قاله الشوبري والجمل.
(مسألة : ش) : شك هل تلزمه الصلاة أو هل هي عليه أم لا ؟ لم يلزمه ، كما لو شك هل تركت شيئاً من صلوات أمس أم لا ؟ وهل تركت ظهر أمس أو ما قبله للإبهام ؟ بخلاف ما لو شك في ترك ظهر معين فيلزمه إعادته إن كان في الوقت قطعاً ، وكذا بعده على المعتمد ، وعلى هذا تحمل عباراتهم المتنافية.
(مسألة : ك) : شك في قدر فوائت عليه لزمه الإتيان بكل ما لم يتيقن فعله كما قاله ابن حجر و (م ر) : وقال القفال : يقضي ما تحقق تركه ، والصوم كالصلاة ، ولو شك فيما فاته منهما هل كان قبل البلوغ أو بعده ؟ لم يلزمه شيء ، والضابط أنه متى لزمه شيء وشك هل أتى به أم لا ؟ لزمه لتيقن شغل الذمة ، وإن شك هل لزمه أم لا ؟ لم يلزمه إذ الأصل براءته منه.
فائدة : يندب ترتيب الفوائت إن فاتت كلها بعذر أو دونه ، وإلا وجب تقديم الفائت بلا عذر على غيره وإن فقد الترتيب ، قاله ابن حجر. وقال (م ر) : يندب الترتيب مطلقاً. قال ش ق : محل ندب الترتيب إن كانتا من يوم واحد ، أما لو فاته عصر السبت وظهر الأحد بدأ بالعصر محافظة على الترتيب أي في أصل الفوات اهـ. ومن كلام الحبيب القطب عبد الله الحداد : ويلزم النائب أن يقضي ما فرَّط فيه من الواجبات كالصلاة والصوم والزكاة لا بد له منه ، ويكون على التراخي والاستطاعة من غير تضييق ولا تساهل فإن الدين متين ، وقد قال : "بعثت والحنيفية السمحاء" . وقال : "يسروا ولا تعسروا" اهـ ، وهذا كما ترى أولى مما قاله الفقهاء من وجوب صرف جميع وقته للقضاء ، ما عدا ما يحتاجه له ولممونه لما في ذلك من الحرج الشديد.
(مسألة : ك) : الذي يفيده كلام ابن حجر في فتاويه ندب تقديم التهجّد على صلاة الصبح حيث وسع الوقت ، ولولا سبقه لذلك لكان الأوجه عندي خلافه ، والفرق بين الفرض والنفل ظاهر ، وعلته من الاتباع والخروج من الخلاف لا تتأتى هنا ، بل قضية تأخيره عليه الصلاة والسلام سنة الظهر لما فاتته إلى بعد العصر تخالف ما ذكره ابن حجر ، وإذا كان هذا في ركعتين ، فما بالك بالتهجد الذي تكثر ركعاته حتى ربما يصل إلى الإسفار فالذي ينبغي لمن له تهجد وخاف طلوع الفجر تخفيفه ، وفعل الصبح أول وقتها أو قضاء التهجد بعدها لا سيما إن كان إماماً ، إذ الصلاة أوَّل وقتها أفضل الأعمال ، والتغليس بالصبح هو الذي استمر عليه إلى أن توفي. وحديث : "أسفروا بالفجر" حمله الشافعي وأحمد على تحقق طلوعه ، فالتأخير إليه أفضل من التعجيل عند ظن طلوعه ، ولما في تعجيل الفرض من الفضيلة المتعدية ، وما في التأخير من الضرر على المصلين ، ولأن الإصطخري من أئمتنا ، قائل إنه بالإسفار يخرج وقت الصبح اهـ. قلت : والذي رجحه ع ش كراهة التنفل بعد طلوع الفجر غير سنته فقط ، وأنه إذا فاته الوتر الأولى تأخيره إلى ما بعد طلوع الشمس ، للخروج من خلاف من منع التنفل وقت الكراهة مطلقاً.
فائدة : تحرم صلاة بلا سبب وقت طلوع الشمس حتى ترتفع كرمح في رأي العين وهو سبعة أذرع ، قال بج : أي قدر أربع درج ، والساعة الفلكية خمس عشرة درجة.
36
الأذان
فائدة : قد اشتهر أن الديك يؤذن عند أذان حملة العرش ، وأنه يقول في صياحه : يا غافلون اذكروا الله ، ونقل الغزالي عن ميمون قال : بلغني أن تحت العرش ملكاً في صورة ديك ، فإذا مضى ثلث الليل الأول ضرب بجناحه وقال : ليقم القائمون ، وإذا مضى النصف قال : ليقم المصلون ، فإذا طلع الفجر قال : ليقم الغافلون وعليهم أوزارهم. وروي أنه قال : "الديك الأفرق حبيبي وحبيب حبيبي جبريل يحرس بيته وستة عشر بيتاً من جيرانه" وأنه كان له ديك أبيض اهـ بج.
فائدة : يندب الأذان للرجل وإن سمع أذان غيره ما لم يكن مدعوًّا به ، بأن سمعه من مكان وأراد الصلاة فيه وصلى فيه فلا يندب له الأذان حينئذ اهـ (م) : وقوله : وصلى فيه أي ولو بعد الجماعة الأولى كما هو ظاهر السياق ، وفي فتاوى ابن حجر : أن الأذان الواحد يكفي لجميع الجماعات المتكررة في المسجد بالنسبة لسقوط الكراهة ، أما بالنسبة لحصول الفضيلة فهو للجماعة التي تليه ، ولا عبرة بقصد المؤذن ولا بدخوله في الجماعة ، نعم لا يثابون عليه حتى يأمروه أو يتسببوا فيه اهـ. وخالفه أبو مخرمة وعبارته : ولو أذن لجماعة المسجد المعهودة فأراد من حضر أن يصلي منفرداً أو جماعة قبل جماعة المسجد فالأرجح أنه يؤذن سراً ، ولا تحتاج جماعة المسجد إلى أذان اهـ.
فائدة : قال الشيخ أحمد الحبشي : ندب رفع الصوت للجماعة مقيد بوقت الاختيار لا بعده ، وبما إذا لم يتعدد محل الجماعة ، وبما إذا لم ينصرفوا ، وإلا فلا يندب الرفع الكثير مطلقاً اهـ.
فائدة : لا تجزي إقامة الأنثى للرجال والخناثى بخلافها للنساء فتسنّ ، ويحرم أذانها بحضرة رجال ولو محارم ، كما لو رفعت صوتها به مطلقاً وقصدت التشبه بالرجال أو الأذان الشرعي وإن لم ترفع اهـ كشف النقاب. ولا يندب الأذان للمعادة ، كما نقله الزمزمي عن فتاوى ابن حجر ، واعتمده ابن عبد البر ، ونقل عن سم وبج أنه يقال فيها : الصلاة جامعة ، وقال باعشن : يؤذن لها على خلاف فيه اهـ. ولو أذن وأقام للعيد حرم لتعاطيه عبادة فاسدة كالأذان قبل الوقت ، لكن في شرح (م ر) : الكراهة ، ويمكن حمله على ما إذا أذن لا نبيته ، اهـ ع ش ، اهـ بج.
(مسألة) : يجب ترك الأذان والإقامة عند ضيق الوقت بحيث لا يسعها كسائر السنن ، أما لو فاتت وأراد قضاءها سنّ لها الأذان وغيره من سائر السنن حينئذ.
فائدة : شرط المؤذن كالمقيم إن نصبه الإمام كونه مكلفاً أميناً عارفاً بالوقت ، أو معه أمين يخبره به ، لأن ذلك ولاية فاعتبر فيه شروطها ، وإلا حرم نصبه ولم يستحق أجرة ، وشرطه مطلقاً الإسلام والتمييز والذكورة اهـ باعشن. وقوله : الذكورة أي ولو في أذان غير الصلاة قاله سم. وقال ع ش : يجزي أذان الأنثى في أذن المولود.
فائدة : قال الدميري : في الجمع بين الأذان والإمامة ثلاثة : أوجه الكراهة لحديث ضعيف ، نهي أن يكون المؤذن إماماً ، والاستحباب ليحوز الفضيلتين وهو الذي صححه في المجموع ، والجواز. ونقل أبو الطيب الإجماع عليه. والماوردي ، وحمل الروياني ذلك على اختلاف أحوال الناس اهـ. ولا يسنّ لمن يؤذن سراً جعل سبابتيه في صماخيه قاله في التحفة. وقال أبو مخرمة : يسّن ، قال : ولا يسنّ النظر إلى المؤذن والخطيب ، وخالفه في القلائد وفي التحفة ، ويسنّ النظر إلى المؤذن ، وقال الزمزمي : يستقبل المؤذن ظهر المسافر إذ لا يكون خلفه إلا كذلك اهـ.
(مسألة : ب) : تسنّ الصلاة على النبي بعد الإقامة كالأذان ولا تتعين لها صيغة ، وقد استنبط ابن حجر تصلية ستأتي في الجمعة قال : هي أفضل الكيفيات على الإطلاق ، فينبغي الإتيان بها بعدهما ، ثم اللهم ربَّ هذه الدعوة التامة الخ. ونقل عن النووي واعتمده ابن زياد أنه يسنّ الإتيان بها قبل الإقامة ، وعن البكري سنها قبلهما ، وأما الترضي عن الصحابة فلم يرد بخصوصه هنا كبين تسليمات التراويح ، بل هو بدعة إن أتي به يقصد أنه سنة في هذا المحل بخصوصه ، لا إن أتي به بقصد كونه سنة من حيث العموم لإجماع المسلمين على سنِّ الترضي عنهم ، ولعل الحكمة في الترضي عنهم وعن العلماء والصلحاء التنويه بعلوِّ شأنهم والتنبيبه بعظم مقامهم.
(مسألة : ك) : يسنّ لكل من المؤذن والمقيم وسامعهما الصلاة على النبي بعد الفراغ ثم الدعاء المشهور ، وورد أنها تفتح أبواب السماء ، ويستجاب الدعاء إذا أقيمت الصلاة ، فلا يكره الدعاء حينئذ ، ولا يكون بدعة بشرط أن لا يطيله بحيث تنقطع نسبته عن الإقامة ، وأما تأمين المأمومين لدعاء الإمام حينئذ فلم أقف على من صرح به بخصوصه إن لم يؤخذ من عموم طلب الدعاء ، نعم قال في الإيضاح في مبحث الطواف ، ولو دعا واحد وأمّن جماعة فحسن ، وأقره شارحه ومختصره.
فائدة : الفضيلة عطف بيان على الوسيلة أو من عطف العام ، وقيل الوسيلة والفضيلة قبتان في أعلى عليين ، إحداهما من لؤلؤة بيضاء يسكنها النبي صلى الله عليه وسلم وآله ، والأخرى من ياقوتة صفراء يسكنها إبراهيم عليه السلام وآله اهـ (م ر) . وقال ع ش : ولا ينافي سؤاله لهما لجواز أن يكون السؤال لتنجيز ما وعد به من أنهما له ، ويكون سكنى إبراهيم وآله فيها من قبله عليه الصلاة والسلام اهـ بج.
فائدة : قال في الإمداد : الأوجه أنه لا يجيب في الزيادة ، فيما لو ثنى المقيم الإقامة ولو حنفياً ، أو زاد المؤذن في أذانه على المشروع اعتباراً بعقيدته اهـ. وقال ابن كج : يثني مثله ، ووافقه في الإيعاب. وتردد (م ر) قال : ولا يجيب أذان غير الصلاة لكن في القلائد ، وشرح المنهاج لابن شعيب أنه يجيبه ، وأفتى باستحباب إجابة كل أذان مشروع أيضاً أحمد بن علي بحير. قال : وقول سم لا يجيب أذان المسافر لم نر من صرح به فهو مخالف ، ولو لم يسمع إلا آخره أجاب فيه ، وفيما لم يسمعه مبتدئاً بأوَّله قاله في الفتح ، وقال في الإيعاب : والفتاوى يتخير بين أن يجيب من أوَّله وبين أن يجيب ما سمعه ، ثم يأتي بأوَّله وهو الأفضل.
(مسألة : ك) : طال الفصل بين الإقامة والإحرام بقدر ركعتين ولو بسبب وسوسة الإمام في التكبير أعادها ولا يغتفر ذلك : كما لا تغتفر الوسوسة الظاهرة في إدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام.
38
استقبال القبلة
(مسألة : ب) : تعلم أدلة القبلة فرض عين في حق من بحضر أو سفر يقلّ فيه العارفون ، وكفاية فيهما مع كثرتهم ، أو كان ثم محاريب معتمدة معتبرة بشرطها ، أو يجد من يعلمه ، وحيث كان التعلم عيناً فسافر دونه فعاص لا تباح له الرخص فليتنبه لذلك ، وأدلة القبلة كثيرة ، قال أبو مخرمة المعتمد الذي دلت عليه القرائن أن قبلة الشحر ودوعن على مغيب النسر الواقع وحضرموت قريب منه ، وذكر العلامة أبو قشير صاحب القلائد أن قبلة حضرموت على مغيب السماك الرامح والثريا ، وبين النسرين وبين الفرغين مع الميل إلى الشمالي ، وعلى النجمين الشاميين من الجبهة ، وعلى مغيب الشمس في آخر الليل الشمالي يعني في نجم الشولة ، وفي الميل الجنوبي في غايته يعني نجم الهقعة تكون على الخد الأيسر ، ثم على ماق العين الأيسر ، ثم وسطها بين الميلين يعني في الصرفة والفرع المقدم ، ثم تميل إلى وسط الوجه قليلاً قليلاً حتى ينتهي الميل كما سبق ، وكل هذا على التقريب عند الغروب ، أما في الاستواء فتكون في الميل الجنوبي على نصف جانب الرأس الأيسر ، وفي الشمالي على الأيمن ، ثم تأخذ إلى قدام حتى عند الغروب كما سبق بين الوقتين ، يتوسط بين إحدى الغروب والزوال من الرأس بقدر ما تقدمت إلى جهة المغرب ، وقبلة الشحر والفوة والمشغاص كحضرموت ، إلا أنه في دوعن يتيامن بقدر لطيف لا بأس به ، وقبلة عين بامعبد في الظاهر على مغيب النسر الواقع ، ثم بعدها يتيامن قليلاً كل يوم حتى تكون قبلة عدن على مغيب بنات نعش ، ويكون الجاه حينئذ في العين اليمنى ، ثم يتيامن قليلاً حتى يكون بباب المندب على مغيب الفرقدين ، ثم يتيامن في المخا وبعدها كذلك حتى تكون بجازان البحر حتى الجاه ، ولا يزال كذلك إلى حلى ، ثم يتيامن قليلاً إلى الرياضة ، ثم يتيامن كثيراً بتدريج لطيف حتى ينتهي غايته في جدة مشرق الشمس ، هذا في البحر وسواحله. وأما في البر من حضرموت فمن هينن إلى العبر كحضرموت وشبوة كدوعن ، ثم يتيامن قليلاً حتى تكون
قبلة إيراد على يسار مغيب بنات نعش قرب النسر ، ثم الجوف الأعلى على جانبهنّ الأيسر ، وصعدة على جانبهنّ الأيمن ، وجاز أن البر غربي الجاه ، وسواحلها على الجاه ، وقبلة الرياضة إلى مكة برّ الشرقي الجاه قليلاً حتى يقرب منها يسأل عن جهة عينها من يسكن ، ثم هذا ما تتبعناه في سلوكها لا سيما باعتبار الجهة وعليه العمل ، واختاره الغزالي وقوّاه الأذرعي اهـ. والقول بالجهة هو مذهب أبي حنيفة ومالك وهو أرجح الطريقين للشافعي ، وإن كان المشهور اشتراط العين ولو مع البعد اهـ. قلت : والذي شاهدناه وتحققناه في غالبه مساجد تريم التي هي أعظم بلدة بحضرموت وأشهرها ، ومحط العلماء والأولياء وأهل الكشف أن القبلة في المساجد المذكورة كمسجد الجامع ، ومسجد الأبي علوي ، ومسجد السقاف الذي يقول فيه : ما بنيته وأسسته إلا والنبي في قبلته والأئمة الأربعة بأركانه ، وغيرها على مغيب النسر الواقع ، فتكون الثريا حينئذ وسط العين اليسرى فافهم.
(
مسألة) : ومن أثناء رسالة للشيخ العلامة عبد الله بن سعيد باقشير قال : ومن توجه من مكة إلى المدينة يجعل الجاه خلف أذنه اليسرى إن سلك درب الماشي إلى أن يصل إلى جهم ، ومن سميا يجعله خلف أذنه اليمنى إلى أن يصل المدينة ، وقبلته من البيت الركن العراقي إلى الميزاب ، ومن سلك درب السلطان فإنه يجعل الجاه كذلك إلى أن يصل الصفراء ويتيامن قليلاً قليلاً إلى جهة مطلع السلبار إلى أن يصل المدينة ذهاباً وإياباً اهـ.
(مسألة : ك) : الراجح أنه لا بد من استقبال عين القبلة ، ولو لمن هو خارج مكة فلا بد من انحراف يسير مع طول الصف ، بحيث يرى نفسه مسامتاً لها ظناً مع البعد ، والقول الثاني يكفي استقبال الجهة ، أي إحدى الجهات الأربع التي فيها الكعبة لمن بعد عنها وهو قويّ ، اختاره الغزالي وصححه الجرجاني وابن كج وابن أبي عصرون ، وجزم به المحلي ، قال الأذرعي : وذكر بعض الأصحاب أنه الجديد وهو المختار لأن جرمها صغير يستحيل أن يتوجه إليه أهل الدنيا فيكتفى بالجهة ، ولهذا صحت صلاة الصف الطويل إذا بعدوا عن الكعبة ، ومعلوم أن بعضهم خارجون من محاذاة العين ، وهذا القول يوافق المنقول عن أبي حنيفة وهو أن المشرق قبلة أهل المغرب وبالعكس ، والجنوب قبلة أهل الشمال وبالعكس ، وعن مالك أن الكعبة قبلة أهل المسجد ، والمسجد قبلة أهل مكة ، ومكة قبلة أهل الحرم ، والحرم قبلة أهل الدنيا ، هذا والتحقيق أنه لا فرق بين القولين ، إذ التفصيل الواقع في القول بالجهة واقع في القول بالعين إلا في صورة يبعد وقوعها ، وهي أنه لو ظهر الخطأ في التيامن والتياسر ، فإن كان ظهوره بالاجتهاد لم يؤثر قطعاً ، سواء كان بعد الصلاة أو فيها ، بل ينحرف ويتمها أو باليقين ، فكذلك أيضاً إن قلنا بالجهة لا إن قلنا بالعين ، بل تجب الإعادة أو الاستئناف ، وتبين الخطأ إما بمشاهدة الكعبة ولا تتصوَّر إلا مع القرب ، أو إخبار عدل ، وكذا رؤية المحاريب المعتمدة السالمة من الطعن قاله في التحفة ، ويحمل على المحاريب التي ثبت أنه صلى إليها ومثلها محاذيها لا غيرهما.
(مسألة : ك) : محل الاكتفاء بالجهة على القول به عند عدم العلم بأدلة العين ، إذ القادر على العين إن فرض حصوله بالاجتهاد لا يجزيه استقبال الجهة قطعاً ، وما حمل القائلين بالجهة على ذلك إلا كونهم رأوا أن استقبال العين بالاجتهاد متعذر ، فالخلاف حينئذ لفظي إن شاء الله تعالى لمن تأمل دلائلهم.
(مسألة : ك) : تنقسم المحاريب إلى ما ثبت أنه صلى فيه ، إما بطريق التواتر كمحراب مسجده عليه الصلاة والسلام ، فله حكم رؤية الكعبة في جميع ما ذكروه من عدم جواز الاجتهاد مطلقاً ، والأخذ بالإخبار عن علم إذا خالفه ، وكذا بطريق الآحاد ، لكن ليس له حكم القطع من كل الوجوه ، ويمتنع الاجتهاد فيه يمنة ويسرة أيضاً ، وألحق بمحرابه محاذيه ، وإلى ما لم يثبت أنه صلى فيه ، فإن كان بمحل نشأ به قرون من المسلمين ، أو كثر به المارّون منهم ، بحيث لا يقرون على الخطأ وسلم من الطعن ، لم يجز الاجتهاد جهة وجاز يمنة ويسرة ولم يجب على المعتمد ، فإن انتفى شرط من ذلك وجب الاجتهاد مطلقاً ، والمراد باليمنة وضدها أن لا يخرج عن الجهة التي فيها الكعبة كما مرّ ، ويجوز الاعتماد على بيت الإبرة يعني الديرة في دخول الوقت والقبلة لإفادتها الظن كالاجتهاد.
فائدة : ضبط أبو حامد السفر القصير بميل والقاضي بالخروج لمحل لا يسمع منه النداء وبينهما تقارب ، والأوّل أضبط ، والثاني أحوط لزيادته على الأول والمعتمد اهـ إمداد.
40
أركان الصلاة
(مسألة : ي) : لا يلزم الناوي لركعتين من نحو التراويح والوتر استحضار من التبعيضية عند ابن حجر و ع ش ، ورجح في شرح المنهج والنهاية وغيرهما لزومها.
فائدة : قال في المنتخب : لو قال بعد أصلي الظهر طاعة لله كفاه عن نية الفرضية إن أراد امتثال أمره الواجب عليه اهـ.
(مسألة) : السنن التي تندرج مع غيرها عشر : التحية ، وركعتا الطواف ، والإحرام ، والوضوء ، وصلاة الغفلة ، والاستخارة ، والحاجة ، والزوال والقدوم من السفر ، والخروج له ، ذكره في النهاية ، فلو جمعها كلها أو بعضها ولو مع الفرض بنية واحدة جاز وأثيب على الكل ، ويسنّ لمن وجد الإمام في الفرض أن يحرم به معه ، وينوي معه التحية ، ولا يشتغل بها عن الفرض بل يكره ذلك.
(مسألة : ي) : ضابط الشك المبطل في نية الصلاة وإمامة الجمعة والقدوة فيها طول زمنه عرفاً أو فعل ركن فعلي أو قولي ، أما الشك في نية القدوة في غير الجمعة ، بل أو تيقن تركها فلا يبطل ، إلا إن انتظر الإمام طويلاً وتابعه في الأفعال عمداً اهـ. قلت : قال ابن حجر : التردد بين مصححين كأن أحرم بالظهر ثم شك هل نواها أو العصر ثم بان الحال لا يضر ، وإن طال زمن الشك أو فعل معه أركاناً وبين مصحح ومبطل ففيه ما مر اهـ.
(مسألة : ي ش) : وصل همزة الجلالة بما قبلها كمأموماً الله أكبر لم يضر ، زاد ي لو قال : والله أكبر ضر ، أو والسلام عليكم فلا ، قاله القفال ، ولعل الفرق أن الأول ابتداء لا يليق به العطف بخلاف الثاني.
(مسألة : ش) : لو وصل همزة أكبر بهاء الجلالة في تكبيرة الإحرام لم تنعقد صلاته كما لو أبدلها واواً خلافاً للأفقهسي ، أو ضم راء أكبر بحيث تولد منها واو لصيرورته فعلاً ماضياً مسنداً لواو الجمع بخلاف ضمه بلا تولد فلا يضر.
فائدة : يستثنى من وجوب القيام ما لو كان به رمد أو سلس يستمسك بقعوده فيصلي قاعداً بلا إعادة ، أو كان لو صلى جماعة قعد أو منفرداً قام فله القعود ، لكن الانفراد حينئذ أفضل ، وكذا لو صلى قائماً لم يمكنه قراءة السورة ، أو قاعداً أمكنه ، أو خاف راكب سفينة سقوطه في البحر لدوران رأسه ، أو خاف الغزاة غير البغاة رؤية عدوهم ، أو لم يمكنه القيام لضيق المكان ، أو شق عليه البروز في المطر كمشقة المرض ، فيصلي قاعداً في الكل بلا إعادة ، وإن اتسع الوقت اهـ قلائد وكردي. وقوله : أو سلس يستمسك بقعوده أي فيقعد وجوباً كما في النهاية والإيعاب وشرح المختصر. قال أبو مخرمة : أو لم يمكنه القيام إلا بحركات مبطلة فيقعد بلا إعادة ، لكن أفتى ابن حجر بوجوب القيام في هذه ولو تعارض القيام والستر ، قال المدابغي : راعى القيام. وقال ع ش : راعى السترة أو القيام والاستقبال قدم الاستقبال أو الاستقبال والفاتحة استدبر لها اهـ شوبري.
فائدة : يجب على العاجز عن الإيماء برأسه الإيماء بجفنه ، وهل يلزم تغميض عينيه عند نحو الركوع ، وفتحهما عند نحو الاعتدال ، أو يجوز العكس ؟ استظهر العلامة أحمد الحبشي اللزوم. قال : ويجب أن يكون الإيماء بطرفيه جميعاً ، ولا يجب التمييز بكون الإيماء للسجود أخفض خلافاً للجوهري اهـ.
(مسألة) : قال في التحفة : وللمتنفل قراءة الفاتحة في هويه ، وإن وصل لحد الراكع فيما يظهر ، لأن هذا أقرب إلى القيام من الجلوس ، ومن ثم لزم العاجز كما مر ، نعم ينبغي أن لا يحسب ركوعه إلا بزيادة انحناء له بعد فراغ قراءته ويحتمل أن لا يشترط ، بل تكفي زيادة طمأنينته بقصده اهـ.
فائدة : اختلف العلماء في وجوب الفاتحة ، فأوجبها الشافعي في الجديد في كل ركعة وفي الجنازة ، ومالك في ثلاث ركعات إلا للمأموم في الجهرية كقول قديم عندنا ، وأبو حنيفة ، وقول آخر : لا تجب على المأموم مطلقاً والحسن في ركعة. وقال علي كرم الله وجهه والأصم وابن راهويه : لا تجب في الصلاة مطلقاً ، ولا تتعين الفاتحة عند أبي حنيفة ولو آية مختصرة كمد هامتان ، وقال صاحباه : لا بد من ثلاث آيات أو آية طويلة اهـ من البلابل الصادحة لأبي شعيب.
فائدة : كتب الشيخ أبو إسحاق الكندي وزير السلطان السلجوقي إلى إمام الحرمين : سمعت أنك زدت في القراءة سطراً ونقصت من الإقامة شطراً ، فدع هذه العادة وصن قلمي عن الإعادة والسلام ، فكتب إليه الإمام : أمر الله المتعال أولى بالامتثال وسنة الرسول أحرى بالقبول ، وقد صح أنه عليه الصلاة والسلام قرأ البسملة فجهر ثم أقام وأوتر اهـ.
(مسألة : ك) : لا يجوز وصل البسملة بالحمدلة مع فتح ميم الرحيم ، إذ القراءة سنة متبعة ، فما وافق المتواتر جاز ، وما لا فلا ، وهذا وإن صح عربية ، غير أنه لم يصح قراءة ولا في الشواذ ، وليس كل ما جاز عربية جاز قراءة.
فائدة : موسوس قال : بس بس ، إن قصد بذلك القراءة لم تبطل وإلا بطلت اهـ فتاوى ابن حجر. وقال أبو مخرمة وبلحاج : تبطل مطلقاً ولو بسمل بنية قراءة السور ، فذكر أنه لم يقرأ الفاتحة كفته عن بسملتها اهـ باخرمة.
فائدة : تبطل الفاتحة بتغير المعنى وإبطاله ، وإبدال حرف منه في غير القراءة الشاذة ، وإن لم يغير المعنى ، وكذا فيها إن غيره ، ولو نطق بالكلمة الواحدة مرتين حرم : كما لو وقف بين السين والتاء من نستعين اهـ باعشن. ويقطع الموالاة في الفاتحة الذكر الأجنبي لا كتأمين وسجدة ودعاء لقراءة إمامه ، وفتح عليه إذا توقف فيها ، ومحله إن سكن وإلا قطعها اهـ فتح. وفي الإيعاب : وكذا يسنّ تلقينه إذا كان يقرأ في موضع فسها وانتقل لغيره ، أو سها عن ذكر فأهمله ، وقال بعضهم : يجهر به المأموم ليسمعه فيقوله اهـ.
(
مسألة : ب) : لو أبدل الضاد ظاء في الفاتحة بطلت صلاته في الأصح ، ومقابله وجه قوي يجوز تقليده أنها لا تبطل لعسر التمييز بينهما ، وفي تفسير الفخر الرازي : تجوز القراءة بإبدال الضاد ظاء لتشابههما ، وهذا يخفف عن العوام ، ويوجب عدم التشديد والتنطع عليهم ، واختلف العلماء في النطق بقاف العرب المتردّدة بينها وبين الكاف فقال كثيرون : تجزي القراءة بلا كراهة ، منهم المزجد والشيخ زكريا في شرح البهجة وابن الرفعة وعلماء حضرموت وأولياؤها ، وقد سأل العلامة القاضي سقاف بن محمد شيخه العلامة عبد الرحمن بن عبد الله بلفقيه عن القراءة بها فأجابه بأن لا ينهى من قرأ بها ، وأن يقرأ هو بها قال : وعندنا من الاطلاع على صحة الصلاة بلا كراهة شيء كثير اهـ. وعن صاحب القاموس أنها لغة فصيحة صحيحة ، وروي أنه نطق بها ، بل نقل الشعراني عن ابن عربي أن شيوخه لا يعقدون القاف ويزعمون أنهم أخذوها عن شيوخهم ، وهكذا إلى الصحابة إلى النبي ، وفي الأسنى والنهاية والإقناع صحتها مع الكراهة. وقال ابن حجر والطبري وعبد الله بن أبي بكر الخطيب بعدم الإجزاء ، مع أن الثقات نقلوا أن الخطيب المذكور كان يصلي بالناس في جامع مدينة تريم بهذه القاف المذكورة ، ويقتدي به الأكابر كالقطب الحداد والعلامتين أحمد الهندوان وعبد الله بن أحمد بلفقيه ، والذي نعتمده ونشير به عدم الإنكار على من يقرأ في الصلاة وخارجها بقاف العرب أو المعقودة ، إذ كل منهما قائل بصحتها أئمة لا يحصون ، وأما عملنا فبالقاف المعقودة ، إذ الجمهور من سائر المذاهب قائلون بصحتها بلا كراهة بخلاف الأخرى ، فحينئذ فمن قدر على النطق بالمعقودة على وجهها من غير شائبة بغيرها مع صفاء ما قبلها ومن غير رياء وتكلف مناف الخشوع فالأولى له القراءة بها ، وإلا فالأولى بل المتعين النطق بالأخرى وهذا شأن الكثير ، ولعل هذا هو السبب في اختيار سلفنا لقاف العرب ، وكفى بهم أسوة اهـ. (قلت) : ونقل العلامة علوي الحدّاد عن الحبيب
عبد الرحمن بلفقيه المتقدم ذكره عن أبيه ومشايخه في المسائل الخلافيات ، لا سيما فيما كثر فيه الاختلاف أن تعويلهم وعملهم على ما استمر عليه فعل السلف الصالح العلويين من العمل ، وإن كان القول فيه مرجوحاً ، إذ هم أهل احتياط وورع وتقوى وتحفظ في الدين وفي العلم في المرتبة العليا.
فائدة : قال في الإيعاب ونحوه الفتح : ولو قرأ غافلاً ففطن عند صراط الذين ولم يتيقن قراءة الجميع لزمه استئنافها ، وإن كان الغالب أنه لا يصل آخرها إلا بعد قراءة أولها لاحتمال ترك بعضها اهـ. ولو شك بعد الفاتحة أو التشهد في بعضها لم يضر ، قال ابن حجر : وكذا غيرهما من سائر الأركان ، فلو شك في نحو السجود من أصله لزمه الإتيان به أو بعده في وضع نحو اليد فلا ، واعتمد (م ر) الضرر فيما عداهما من الأركان القولية والفعلية اهـ سم.
(
تنبيه) : إنما وجب للقيام قراءة وللجلوس الأخير تشهد دون الركوع والسجود والاعتدال وبين السجدتين ، لالتباس الأولين بالعادة ، فوجب تمييزهما عنها وهو حاصل بذلك ، بخلاف الركوع والسجود فإنهما ممتازان عنها بذاتهما فلم يحتاجا إلى تمييز آخر ، وأما الآخران فغير مقصودين لذاتهما بل للفصل ، ومن ثم كانا قصيرين فلم يناسبهما إيجاب شيء فيهما إعلاماً بذلك اهـ إيعاب.
فائدة : سجد بعد القيام ظاناً أنه قد ركع فذكر في هويه لزمه القيام ولا يكفيه هذا الهوي ، كما لو قرأ إمامه آية سجدة وهوى فهوى معه بظن السجود فثبت الإمام راكعاً فيلزمه القيام أيضاً ثم الركوع ، قاله ابن حجر وخالفه (م ر) وصاحب القلائد في الثانية فجزما بحسبان هويه.
(مسألة : ك) : المراد بقولهم في الطمأنينة بحيث تستقر أعضاؤه انفصال حركة الهويّ عن حركة القيام بحيث لا تتصل الحركتان ، فلو فرغ من حركة الهويّ ثم مكث يحرك شيئاً من أعضائه حركة غير مبطلة ، ثم رفع إلى الاعتدال مثلاً صح ركوعه إذا لم يطلقوا استقرار الأعضاء ، بل قيدوه بحيث ينفصل الخ ، فظهر أن المراد بالسكون والاستقرار في كلامهم الانفصال بين الحركتين لا حقيقة السكون ، ولو شك بعد رفع رأسه من السجود في وضع نحو يده لم يضر ، كما اعتمده ابن حجر في كتبه.
فائدة : تعارض التنكيس ووضع الأعضاء راعى الأوَّل للاتفاق عليه اهـ ع ش. وحدَّ التنكيس رفع العجيزة وما حولها على الرأس والمنكبين والكفين ، فلو انعكس أو تساويا لم يجزه إلا لعذر ، كأن كان بسفينة وضاق الوقت فيفعل الممكن ويعيد اهـ كشف النقاب. قال أبو مخرمة : ولو وضع الكفين بحذاء العجيزة أو رفعهما على الرأس أو المنكب ضر اهـ.
(مسألة) : سجد الإمام ولم يضع بطون أصابع رجليه بطلت إن علم وتعمد ، بناء على الأظهر من وجوب وضع بقية الأعضاء كالجبهة ، سواء قلنا وضعها شرط للسجود فيكون من باب خطاب الوضع ، أو شطر منه وهو الأوجه فيكون من باب خطاب التكليف كالجبهة ، وهذا كما لو سجد على نحو خشن ثم رفع رأسه عامداً عالماً مع إمكان تحوّله عنه بجر جبهته مع بقائها لزيادة صورة ركن اطمأن أم لا ، نعم إن رفع معذوراً كأن سجد على نحو كمه لم تبطل ، كما لا تبطل في الصورتين صلاة الناسي والجاهل وإن كان مخالطاً للعلماء ، لأنه مما يخفى لكن لا يعتد بسجوده الأوَّل فيعيده.
(مسألة : ش) : يجوز تنكير سلامي التشهد ، ثم إن وقف على سلام وإن لم يطلب الوقف فالأولى إسكانه ، وإن وصله فالأولى تنوينه ، فلو ترك التنوين مع الوصل لم تبطل ، إذ غايته لحن لا يغير المعنى ، كما لو ضم الهمزة من أشهد أو كسرها ، بل الكسر لغة من يكسر حرف المضارعة إذا لم يكن تاء مطلقاً ، ولو كسرها على هذه اللغة وسكن الدال لم يضر إيضاً ، إذ غايته أنه استعمل تلك اللغة مع اللحن بترك الرفع ، نعم إن قصد به الأمر بطلت ، كما لو وصل همزة أشهد بالصالحين ، إلا إن قصد الوقف على الصالحين ونقل حركة الهمزة إليها مع معرفته بذلك اهـ. (قلت) : وافقه في عدم الضرر بترك التنوين في سلام أبو قضام ، وخالفه أبو مخرمة فقال : تبطل بعدمه مع التنكير إن علم وتعمد.
فائدة : أفتى ابن زياد بأنه لا يضر زيادة عز وجل لا شريك له بعد إلا الله أوَّل التشهد ، كما لا يضر اليسير في تكبيرة الإحرام.
(مسألة : ي) : لو قال : السلام عليك يا أيها النبي لم يضر خلافاً لبعض اليمنيين اهـ. (قلت) : اعتمده الشيخ زكريا ، وأفتى ابن حجر ببطلان الصلاة بذلك مع العلم والتعمد ، وأفتى بالبطلان معهما فيمن قال : السلام مني عليكم ، أو اللهم صلي بالياء وقصد به خطاب مؤنث. عبد الله بلحاج ، وأبو مخرمة قال : بل العامد العارف بالعربية يكفر ، وأما الناسي والجاهل فتبطل قراءتهما.
فائدة : قال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري : من ترك صلاة أضر بجميع المسلمين ، لأن المصلي لا بد أن يقول في تشهده : السلام علينا إلخ ، فيكون مقصراً في خدمة الله تعالى وفي غيره حتى نفسه ، ولذلك عظمت المصيبة بتركها اهـ.
(مسألة) : ترك ركناً من الصلاة واشتغل بما بعده بطلت إن علم وتعمد وإلا فلا ، لكن لا يعتد بما بعده ، بل إن علم المتروك قبل أن يأتي بمثله من ركعة أخرى عاد إليه وإلا تمت به ركعته الأولى وأتى بركعة وسجد للسهو في الصورتين ، نعم إن لم يكن المثل من الصلاة كسجود التلاوة والسجود لأجل المتابعة لم يجزه ، كأنه ترك سجدة من الركعة الأولى وسجد للتلاوة في الثانية ، أو صلى ركعة منفرداً ونسي منها سجدة ، فلما قام اقتدى بمصلّ في الاعتدال ، لكن ، قال الشوبري : محل عدم الإحزاء في الصورتين ما لم يتذكر حال السجود المذكور ترك السجدة ويقصدها وإلاَّ فتكفيه ، سواء كان مستقبلاً أو مأموماً ، لأنه قصدها عما عليه حال السجود ، وقيد ع ش الإجزاء بتذكره حال الهويّ لها لا حال السجود ، لأنه صرف هويه حينئذ للتلاوة أو المتابعة اهـ من الجمل وبج.
44
سنن الصلاة
(مسألة : ج) : يسن للمأمون رفع يديه إذا قام من التشهد الأول مع إمامه ، وإن لم يكن موضع تشهده لأجل المتابعة ، بل بحث بعضهم سن الرفع عند القيام من جلسة الاستراحة مطلقاً.
فائدة : للأصابع ست حالات في الصلاة : فحالة الرفع في نحو التَّحرم يندب تفريقها ، وحالة القيام والاعتدال لا تفريق ، وحالة الركوع تفرق على الركبتين ، وحالة السجود تضم وتوجه للقبلة ، وحالة الجلوس بين السجدتين كالسجود في الأصح ، وحالة التشهد تقبض اليمنى لا المسبحة وتبسط اليسرى مضمومة اهـ كردي و ش ق.
(مسألة : ك) : الظاهر أن الأنثى تؤنث الضمائر فتقول مستقبلة القبلة مقتدية ، ويجوز التذكير على إرادة الشخص ، كما يجوز تأنيث الذكر على إرادة الذات ونحوها قياس ما ذكروه في الجنائز من التذكير والتأنيث ، بل يجوز ولو لم يلاحظ ذلك وعلم وتعمد.
(مسألة : ك) : ينبغي للمأموم السامع قراءة إمامه الاقتصار في الافتتاح على نحو {وجهت وجهي} الخ ، وأن يسرع به ليستمع القراءة ، بل لا يسن للمأموم الافتتاح إلا إن علم إمكانه مع التعوُّذ والفاتحة قبل ركوع إمامه ، فلو أمكنه البعض أتى به.
فائدة : يفوت دعاء الافتتاح والتعوُّذ بالإتيان بما بعدهما من التعوّذ في الأوّل والبسملة في الثاني عمداً أو سهواً ، بخلاف ما لو سبق لسانه اهـ جمل. وقال المدابغي على الإقناع والحاصل إن شرط الافتتاح خمسة : أن لا تكون صلاة جنازة ، وأن لا يدرك الإمام في غير القيام ، ولا يشرع في التعوّذ ولا يخاف فوت بعض الفاتحة ، ولا فوت الوقت ، وهي شروط للتعوذ أيضاً ما عدا الأولين اهـ.
فائدة : يسن أن يقول بعد تكبيرة الإحرام : اللهم إني أعوذ بك أن تصدَّ عني وجهك يوم القيامة ، اللهم أحيني مسلماً وأمتني مسلماً. وعند ختم القرآن : اللهم اختم لنا بخير وافتح لنا بخير ، فكلا هذين ورد الوعد لنا عليهما بالموت على الإسلام ، اهـ حدائق الأرواح لباسودان.
(مسألة : ك) : يسن التطويل للمنفرد كإمام محصورين بمسجد غير مطروق لم يطرأ غيرهم ، وقد رضي الجميع لفظاً بتطويله ولم يتعلق بهم حق ، كأجراء عين على عمل ناجز وأرقاء ومزوّجات حسبما أراد ما لم يضق الوقت ، فإن لم يكن كذلك سن الاقتصار على أدنى الكمال ، فلا يقتصر على الأقل ، ولا يستوفي الأكمل ، وإلا كره ، فحينئذ يقتصر في دعاء الافتتاح على : وجهت وجهي إلى وأنا من المسلمين ، ثم يقرأ الفاتحة بعد التعوذ ، ثم سورة من قصار المفصل في الفروض الخمسة المتكررة حيث طلبت ، أما ما لا يتكرر كصبح الجمعة فيقرأ فيه : {الم السجدة} {وهل أتى} كغيره مما ورد فيه سورة معينة ، ويقتصر على ثلاث تسبيحات في الركوع والسجود ، ويقول في الاعتدال بعد التسميع : ربنا لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً ، فيه ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما ، وملء ما شئت من شيء بعد ، وفي الجلوس بين السجدتين : رب اغفر لي إلى واعف عني ، وفي الدعاء بعد التشهد الأخير ، والصلاة على النبي على أقل منهما اهـ. قلت : وقوله على أقل منهما يعني أن الدعاء يكون أقل من أقل التشهد والصلاة على النبي كما قاله ابن حجر في التحفة وشرح الإرشاد. وقال (م ر) : أقل مما يأتي به منهما ، فإن أطالهما أطاله وإن خففهما خففه.
فائدة : يندب التعوّذ كل ركعة والأولى آكد ، ويندب أيضاً لقراءة القرآن خارج الصلاة ، بل أفتى أبو حويرث بندبه لقراءة الحديث والفقه والنحو والأذكار ، قال : وإذا أتى بالبسملة بقصد القراءة سنّ لها التعوّذ أو التبرك فلا اهـ.
(مسألة : ش) : عطس في الصلاة سنّ له أن يحمد سرّاً ولو في أثناء الفاتحة ، لكنها تنقطع بذلك فيعيدها ، لا يقال : لا يندب التحميد حينئذ لقطعه فرضاً لنفل إذ لا محذور في ذلك ، فإنه محل القراءة والإتيان بها مستأنفاً ممكن فاغتفر ذلك ليحصل كلاًّ من المطلوبين أعني القراءة والحمد ، وإنما المحذور قطع الأركان الفعلية وما ألحق بها ، على أن قطع الفرض للنفل معهود كما في التيمم إذا وجد الماء.
فائدة : قال الشريف العلامة طاهر بن حسين : لا يطلب من المأموم عند فراغ إمامه من الفاتحة قول رب اغفر لي ، وإنما يطلب منه التأمين فقط ، وقول ربي اغفر لي مطلوب من القارىء فقط في السكتة بين آخر الفاتحة وآمين اهـ. وفي الإيعاب : أخبر الطبراني عن وائل بن حجر قال : رأيت رسول الله دخل الصلاة فلما فرغ من فاتحة الكتاب قال : آمين ثلاث مرات ، ويؤخذ ممن ندب تكرير آمين ثلاثاً حتى في الصلاة ، ولم أر من صرح بذلك اهـ.
(مسألة : ي) : تطلب إعادة الفاتحة في الصلاة في خمسة مواضع : إذا قرأها المأموم قبل إمامه ، ولعاجز قرأها قاعداً ثم أطاق القيام ، ومن نذر قراءتها كلما عطس فعطس بعد قراءتها فتجب إعادتها ، ومن ختم القرآن في الصلاة يستحب له أن ينتقل للختمة الأخرى فيعيدها ندباً ، ومن لم يحفظ غيرها فيعيدها عن السورة ، قاله ابن العماد اهـ. وقال في ش : ختم القرآن في الصلاة أتى بالفاتحة في الثانية مرة ثم شرع في البقرة ، وقول ابن العماد : يكرر الفاتحة مرتين مرة للفرض وأخرى لأول الختمة الثانية مردود بالإجماع الفعلي على عدم تكريرها في التراويح أول ليلة من رمضان ، وليست الفاتحة مطلوبة لذاتها ، بل المطلوب وجود قراءة قبل الشروع في سورة البقرة ، فيحصل بالفاتحة التي هي ركن ، بخلاف ما لو نذر الفاتحة كلما عطس فعطس في الصلاة قبل أو بعد قراءة الفاتحة فلا بد من تكريرها لأن كلاًّ مقصود.
(مسألة : ش) : فرغ المأموم من الفاتحة قبل إمامه اشتغل بذكر أو قراءة وهي أولى ، كإمام انتظر قراءة المأموم الفاتحة في الجهرية.
(
مسألة : ب) : لم أقف في كتب الحديث والفقه والتصوُّف على ندب سور مخصوصة في الصلوات الخمس وغيرها سوى ما ذكروا في مغرب ليلة الجمعة وعشائها وصبحها ، وصلاة الجمعة من السور المشهورة ، وفي ليلة السبت نم ندب المعوّذتين ، وما ورد من طوال المفصل وأوساطه وقصاره ، وما ذكروه في العيدين والاستسقاء والخسوف مما لا يخفى ، نعم استحسن بعض العلماء قراءة سورتي الإخلاص في كل صلاة لم يرد فيها قرآن بخصوصه ، وذكر بعضهم أن الصلوات التي يسنّ فيها السورتان المذكورتان اثنتا عشرة : مغرب ليلة الجمعة ، وصبح المسافر أبداً ، وراتبة العشاءين ، والصبح ، وركعتي الإحرام ، والطواف ، والتحية ، وصلاة الحاجة ، وعند السفر في بيته ، وعند القدوم في المسجد ، والتقديم للقتل ، وأما عمل أهل الفضل من أئمة السلف وتوظيف أوقاتهم وتنوع كيفياتهم من سائر العبادات فمما لا يخل في الحصر ، فكم لكل منهم طريقة وكيفية وغاية واحدة ، وآخرهم ترتيباً خاتمة المحققين القطب الحبيب عبد الله الحداد. وحاصل ما ذكره تلميذه السيد محمد بن سميط في غاية القصد ، والمراد أنه في أواخر عمره اقتصر في الصبح على أوساط المفصل كالأعلى والغاشية في يوم الجمعة دائماً ، وفي غيره ربما قرأهما وربما قرأ غيرهما ، وإذا قرأ الطارق في أولى الصبح فالتين في الثانية ، أو البلد فالشمس أو الليل فالقدر أو لم يكن فالعاديات ، وأما المغرب ففي ليلة الجمعة والثلاثاء بسورتي الإخلاص ، وفي السبت والأربعاء بالمعوذتين ، وفي الأحد بالفيل وقريش ، وفي الاثنين والخميس بالماعون والكوثر ، وفي ثالثة كل ليلة : {ربنا لا تزغ قلوبنا ـ إلى ـ الوهاب} وأما العشاء فيقرأ فيها : إما الضحى وألم نشرح ، أو ألم نشرح والنصر ، أو التين والقدر ، أو الزلزلة والتكاثر ، أو القارعة والتكاثر ، أو الهمزة والفيل ، ويقول في ثالثتها : {أنت وليي في الدنيا ـ إلى ـ الصالحين} وفي الآخرة : {ربنا آتنا من لدنك ـ إلى ـ رشداً} وربما قرأ في العصر التكاثر والعصر ، أو
العصر والإخلاص ، ويقرأ في ثالثة الظهر والعصر : {ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم} وفي رابعتهما {ربنا آتنا في الدنيا حسنة} الآية ، وأما النوافل فيقرأ في ركعتي الفجر بآيتي البقرة وآل عمران ، وربما قرأ بسورتي الإخلاص أو ألم وألم ، ويصلي قبلية الظهر أربعاً بسلام واحد ، يقرأ في كل ركعة بآية الكرسي ومقرى من يس وثلاث من الإخلاص ، ويصلي بعدية الظهر ركعتين بالمعوذتين وربما صلاها أربعاً ، ويصلي سنة العصر أربعاً مفصولة بالزلزلة والعاديات والقارعة والتكاثر ، وفي ذلك أثر ذكره الحبشي في كتاب البركة ، ويصلي بعدية المغرب ركعتين بسورتي الإخلاص ، ويقرأ في قبلية العشاء بقريش والتكاثر ، ويقرأ في بعديتها بألم السجدة والملك ، وفي آخر وقته اقتصر على المعوذتين ، ويصلي قبلية الجمعة أربعاً بتسليمة يقرأ في الأولى آية الكرسي وأول الجمعة إلى {فينبئكم بما كنتم تعملون} وفي الثانية {آمن الرسول} إلى آخر السورة وبقية الجمعة ، وفي الثالثة آية الكرسي وأول المنافقين إلى {ولكن المنافقين لا يعلمون} وفي الرابعة بقية السورة ثم آية الكرسي وآخر الحشر من {هو الله الذي} ويصلي الضحى ثمانياً يقرأ بالشمس والضحى والشرح والنصر والتكاثر وقريش والمعوذتين على الترتيب ، واقتصر أواخر عمره في صلاة الأوّابين على أربع : يقرأ في الأولى : {أفحسبتم} إلى آخر السورة. وقوله : {فسبحان الله ـ إلى ـ تخرجون} وفي الثانية : {والصافات ـ إلى ـ لازب} وفي الثالثة : {حم غافر ـ إلى ـ المصير} وآية الكرسي. وفي الرابعة : {لقد جاءكم رسول} إلى آخر السورة وربما قرأ فيها : {لقد صدق الله رسوله الرؤيا ــ إلى آخر السورة أو إلى ـــ فتحاً قريباً}
فائدة : لا تسن ليلة السبت المعوذتان خلافاً للناشري التابع للغزالي ، وعلله بعضهم بأن الشياطين تنتشر عند السبت بعد خروج يوم الجمعة ، ويسن في عشاء ليلة الجمعة الجمعة والمنافقون أو الأعلى والغاشية اهـ فتاوي ابن حجر. وفي الإيعاب : تكره المداومة على سور معينة لما فيه من هجر القرآن ، ومحله فيمن يحفظ غير ما خصصه بالقراءة ، ولو اقتصر مرات عديدة على سورة أو سور من غير قصد تخصيص فلا كراهة اهـ.
فائدة : ذكر الحبشي في كتاب البركة أنه يسن أن يقرأ في راتبة العصر الأربع الزلزلة والعاديات والقارعة والتكاثر ، وأورد العلامة عبد الرحمن ابن الشيخ علي علوي حديثاً أن من واظب عليها كذلك حرّم الله لحمه على النار.
فائدة : سمي المفصل مفصلاً لكثرة الفصل بالسور ، وقيل غير ذلك ، والأصح أن أوّله الحجرات وفيه عشرة أقوال للسلف نظمها بعضهم فقال :
مفصل قرآن بأوّله أتى
خلاف فصافات فقاف فسبح
وجاثية ملك فصفّ قتاله
وفتح ضحى حجراتها ذا المصحح فائدة : يسنّ تدبر القراءة وترتيلها ، ومحله حيث أحرم ، والقوت يسعها وإلا وجب الإسراع ، وحرف الترتيل أي التأني في إخراج الحروف أفضل من حرفي غيره ، فنصف السورة مثلاً معه أفضل من تمامها بدونه ، ولعل هذا في غير ما طلب بخصوصه ، كقراءة الكهف يوم الجمعة فإن إتمامها مع الإسراع أفضل من بعضها مع التأني اهـ ع ش ، قال : وقولهم تطويل القيام أفضل من عدد الركعات محله أيضاً في النفل المطلق ، أما نحو الوتر فالمحافظة على العدد المطلوب فيه أفضل وإن قصر الزمن اهـ.
فائدة : لو شك القارىء حال التلاوة في حرف أهو بالياء أو التاء ، أو هو بالواو أو الفاء لم تجزه القراءة مع الشك حتى يغلب على ظنه الصواب اهـ فتاوى ابن حجر ، لكن في بج عن الفخر الرازي أنه قال : إذا شك في حرف أهو بالياء أم التاء ؟ أو مهموز أم لا ؟ أو مقطوع أم موصول ؟ أو ممدود أم مقصور ؟ أو مفتوح أم مكسور ؟ فليقرأ بالخمسة الأول إذ مدار القرآن عليها اهـ.
فائدة : قال في الإيعاب : ويسن أن يفصل الإمام بين التأمين والسورة بزمن يكون قدر قراءة المأموم الفاتحة ، وإن كان بطيء القراءة فيما يظهر ، نعم لا يسن السكوت لأصم ، ومن لا يرى قراءة الفاتحة بعد الإمام لانتفاء العلة أي وهي تفرّغ المأموم لسماع السورة ، وهل يلحق بهما من يعلم الإمام منه أنه لا يستمع قراءته بل يقرأ معه أم لا ؟ إرشاداً إلى الاستماع المندوب ، ولعل الثاني أقرب اهـ ملخصاً. وكتب عليه ب ولو قيل الأليق بأهل زماننا الأول لم يكن بعيداً لكثرة ما يرد عليهم في الصلاة ، ولكراهتهم التطويل ، بحيث تخرجهم تلك الكراهة إلى حدّ أن لا تحضر قلوبهم في غالب الصلاة أو جميعها ، بل يفضي بالبعض إلى ترك الجماعة كما هو مشاهد ، ودرء المفاسد أولى من جلب المصالح اهـ.
(
مسألة : ك) : نقل الخطيب عن فتاوي الرملي أنه لا يسنّ قلب الكفين في دعاء القنوت عند قوله : وقنا شر ما قضيت ، إذ الحركة في الصلاة غير مطلوبة بل يكره ، وجزم الشوبري و ح ل بندبه قالا : لأن محل كراهة الحركة فيما لم يرد ، والمفهوم من ظاهر كلام ابن حجر وصريح كلام (م ر) : أن كل داع في قنوت الصلاة أو في غيرها إن دعا برفع ما نزل به من بلاء جعل ظهر كفيه إلى السماء من أول القنوت إلى آخره ، أي قنوت كان وإن كان بصيغة الطلب ، كاللهم اسقنا غيثاً مغيثاً الخ ، لأن المراد بقولهم برفع بلاء أي إذا كان المقصود منه رفع البلاء ، ويؤيده التصريح بندب رفع اليدين في حال الثناء مع أنه لا دعاء فيه.
(مسألة : ش) : استحسن العلماء زيادة : ولا يعز من عاديت في القنوت قبل تباركت الخ ، بل قال في البحر : لو زاد فيه : رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين فحسن ، كما لو زاد قنوت عمر رضي الله عنه. والحاصل أن الصحابة والسلف فهموا أن الشارع لم يرد تعيين الألفاظ التي قالها وعلمها للقنوت ، كما لم يرد تعيين السورة التي قرأها ، وعلمها معاذاً في العشاء ، فمن ثم اخترعوا تارة وزادوا أخرى ، وقنتوا بالآيات القرآنية والأدعية النبوية ، وكل ذلك توسيع ، فالإتيان حينئذٍ بزيادات العلماء أولى ، فهي داخلة في حيز البدع المسنونة ، وهذا الذي نعتمده ونعمل به ، وقول بعضهم زيادة الآل والأصحاب والأزواج في الصلاة على النبي لا أصل لها يردّ بأنه إنما يأتي على تعيين الوارد.
(مسألة : ب) : الإقعاء المسنون في الجلوس بين السجدتين هو أن يضع أطراف أصابع رجليه وركبتيه على الأرض وألييه على عقبيه ، لكن الافتراش أفضل منه.
(مسألة) : يسنّ الافتراش في جميع جلسات الصلاة الست وهي : الجلوس بين السجدتين ، وللتشهد الأول ، وللاستراحة ، وجلوس بدل القيام ، وجلوس المسبوق مع إمام ، ومن عليه سجود سهو لم يرد تركه ، ولا يستثنى إلا الجلوس الأخير الذي لا يعقبه سجود سهو فيسن فيه التورك ، وقال في حاشية الجمل : وكالافتراش الإقعاء المسنون ، فيندب في كل جلوس ندب فيه ، وإن كان الافتراش أفضل اهـ ، وليس من التورك المسنون جلوسه على وركه اليمين مع إخراج رجله من جهة يساره وإن لم يمكنه إلا كذلك للنهي عنه قاله ح ل . وقال في النهاية : ويندب للمنفرد وإمام محصورين في الجلوس بين السجدتين زيادة : رب هب لي قلباً تقياً نقياً من الشرك برياً لا كافر ولا شقياً ، رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم.
(
مسألة : ش) : كمل المأموم الموافق تشهده الأول قبل إمامه ، فالقياس أنه يعيده لأنه محله ، ولا يأتي بالصلاة على الآل إذ هو نقل ركن قولي ، نعم مال النووي في التنقيح إلى ندبها فيه للمصلي ، قال السمهودي : وهو الظاهر ، ويندب للمسبوق الإتيان بها متابعة لإمامه مع بقية أدعية التشهد أخذاً من قولهم : إن المأموم يوافق إمامه في الأذكار وإن لم تحسب له اهـ . قلت ونقل سم عن فتاوى الشهاب الرملي أن المأموم الموافق إذا فرغ من تشهده الأول قبل إمامه يأتي بالصلاة على الآل وما بعدها اهـ ع ش : أما المسبوق فيأتي بها لأجل المتابعة ولو في تشهده الأول كما قاله ابن حجر و (م ر) الأذكار والدعوات المطلوبة خلف الصلوات والواردة مطلقاً.
فائدة : الذكر لغة ما يذكر ، وشرعاً قول سيق لدعاء أو ثناء أو كل قول يثاب فاعله اهـ تحفة. وفي اصطلاح الصوفية الذكر كل ما يتوجه به العبد إلى الحق ظاهراً وباطناً.
(مسألة : ي) : الأذكار الواردة خلف الصلوات وعند النوم واليقظة وفي المساء والصباح لإخفاء أنه لا بد فيها من النية بالمعنى الأول المار في مبحث الوضوء الذي هو إرادة وجه الله تعالى ، وكذا بالمعنى الثاني الذي هو استحضار القصد عند الابتداء لحصول الأجر المخصوص عليها ، لأنها بتخصيص الشارع لها بتلك الأسباب صارت من المختلفة المراتب ، وقد أفتى ابن حجر بأن من ترك الأذكار بعد العشاء وأتى بها عند النوم أنه إن نواهما معاً حصلا أو أحدهما حصل ثوابه فقط ، وسقط الطلب عن الآخر ، فعلم من سقوط الطلب حينئذ عدم حصول الثواب الوارد ، وأنه لو لم ينو شيئاً منهما لم يحصل له الثواب المخصوص بل ثواب الذكر المطلق.
فائدة : قال سم : قوة عباراتهم وظاهر كثير من الأحاديث اختصاص طلب الذكر بالفريضة ، وأما الدعاء فيتجه أن لا يتقيد طلبه بها بل يطلب بعد النافلة أيضاً اهـ.
(مسألة) : ومن خط أحمد الحكيم قال : والجامع بين الصلاتين كيف يفعل بأدعية الصلاتين ؟ والظاهر أنه يكفي لهما مرة واحدة ، لأن ترك ذلك عقب الأولى مطلوب اهـ جواب ابن كبن. قال أبو قضام : وهو كذلك اهـ.
(مسألة : ك) : الذكر كالقراءة مطلوب بصريح الآيات والروايات والجهر به حيث لم يخف رياء ولم يشوّش على نحو مصل أفضل ، لأن العمل فيه أكثر ، وتتعدى فضيلته للسامع ، ولأنه يوقظ قلب القارىء ، ويجمع همه للفكر ، ويصرف سمعه إليه ، ويطرد النوم ، ويزيد في النشاط ، ولو جلس أناس يقرأون القرآن ثم آخر ونام بقربهم وتأذى بالجهر أمروا بخفض الصوت لا بترك القراءة جمعاً بين فضيلة القراءة وترك الأذى ، فإن لم يخفضوه كره ، وإن أذن المتأذي لإطلاقهم كراهة الأذى من غير تقييد بشيء ، ولأن الإذن غالباً يكون عن حياء ، نعم إن ضيق النائم على المصلين أو شوّش عليهم حرم عليه النوم حينئذٍ كما هو المنقول ، وكالنائم المشتغل بمطالعة أو تدريس ، وما ورد في الكتاب والسنة من الأدعية والأذكار مطلقاً يحمل على إطلاقه ، نعم ما قيده الأئمة تقيد ، إذ من المعلوم أن الصلاة على النبي لا تطلب في نحو قيام الصلاة وركوعها وقس عليه.
فائدة : قال في التحفة : وأفتى بعضهم بأن الطواف بعد صلاة الصبح أفضل من الجلوس ذاكراً إلى طلوع الشمس وصلاة ركعتين وفيه نظر ، بل الصواب أن هذا الثاني أفضل لما صح أن لفاعله ثواب حجة وعمرة تامتين ، ولم يرد في الطواف ما يقارب ذلك ، ولأن بعض العلماء كره الطواف حينئذٍ ، ولم يكره أحد الجلوس بل أجمعوا على عظيم فضله اهـ.
(مسألة : ك) : ورد في الأحاديث الصحيحة أن من قال دبر صلاة الصبح أو العصر أو المغرب : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير ، كان كعدل عشر رقاب من ولد إسماعيل ، وفي رواية : كتبت له عشر حسنات ، ومحيت عنه عشر سيئات ، ورفعت له عشر درجات ، وكان يومه في حرز من كل مكروه ، وحرس من الشيطان ، ولم ينبغ لذنب أن يدركه إلا الشرك ، وهذا الذكر مقيد في الأحاديث ، وكلام الفقهاء بعشر مرات ، وقبل أن يتكلم وهو ثان رجليه ، لكن لا يفوت بتقديم نحو الاستغفار عليه ، وما روي مطلقاً يحمل على المقيد ويفوت بتحوله ولو إماماً أصل الثواب أو كماله ، وما في مسلم عن عائشة : "ما كان يجلس إلا قدر ما يقول : اللهم أنت السلام.. الخ" يحمل على الظهر والعشاء ، أما ما ورد الإتيان به بعد الصلاة أو عقبها أو دبرها فيأتي به ، وإن قام من مجلسه كما هو الأفضل للإمام ، أو استقبل القوم بأن جعل يمينه إليهم ، ومحل ندب الذكر ما لم يطل الفصل بأن تنقطع نسبة ابتدائه عن الصلاة. وقال (ح ل ) وإن طال ، نعم لا يفوت بتقديم السنة البعدية وإن كان الأفضل تقديمه عليها.
فائدة : روى ابن منصور : أنه كان إذا قضى صلاته مسح جبهته بكفه اليمنى ثم أمرَّها على وجهه حتى يأتي بها على لحيته الشريفة وقال : "بسم الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم ، اللهم أذهب عني الهم والحزن والغم ، اللهم بحمدك انصرفت ، وبذنبي اعترفت ، أعوذ بك من شرِّ ما اقترفت ، وأعوذ بك من جهد بلاء الدنيا وعذاب الآخرة" .
فائدة : نقل عن القطب الحدَّاد أن مما يوجب حسن الخاتمة عند الموت أن يقول بعد المغرب أربع مرات : أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم الذي لا يموت وأتوب إليه ، ربّ اغفر لي. وعن بعض العارفين من قال بعد صلاة المغرب أيضاً قبل أن يتكلم : اللهم صلّ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه بعدد كل حرف جرى به القلم عشر مرات مات على الإيمان اهـ حدائق الأرواح لباسودان.
(
مسألة : ك) : المفهوم من كلام كثير من المتأخرين أن الإمام يطيل الأذكار حيث أراد ، والحق كما قاله الأسنوي وأقره الشيخ زكريا أنه يختص الذكر والدعاء بحضرة المأمومين ، ولم أر من نبه على أقل الكمال ، والظاهر أنه موكول إلى نظر الإمام ، ويختلف باختلاف الأزمان والأحوال ، ولا فرق بين الصبح وغيرها ، وأما ترتيب الأذكار بعد الصلاة فقد صرَّح الأئمة بتقديم الاستغفار ، وقد استوعبها في الإيعاب ، وذكر نحو سبع ورق في القطع الكامل منها : أستغفر الله ثلاثاً ، اللهم أنت السلام إلى الإكرام ، ثم لا إله إلا الله وحده إلى قدير ، اللهم لا مانع إلى الجد ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة والفضل وله الثناء الحسن ، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون ، ثم آية الكرسي والإخلاص والمعوذتين ، ويسبح ويحمد ويكبر العدد المشهور ويدعو : اللهم إني أعوذ بك من الجبن ، وأعوذ بك أن أردّ إلى أرذل العمر ، وأعوذ بك من فتنة الدنيا ، وأعوذ بك من عذاب القبر ، اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ، اللهم أذهب عني الهم والحزن ، اللهم اغفر لي ذنوبي وخطاياي كلها ، اللهم أنعمني واجبرني واهدني لصالح الأعمال والأخلاق إنه لا يهدي لصالحها ولا يصرف سيئها إلا أنت ، اللهم اجعل خير عمري آخره ، وخير عملي خواتيمه ، وخير أيامي يوم لقائك ، اللهم إني أعوذ بك من الفقر وعذاب القبر ، سبحان ربك إلى العالمين ، ويزيد في الصبح : اللهم بك أحاول ، وبك أصاول ، وبك أقاتل ، اللهم إني أسألك علماً نافعاً ، وعملاً متقبلاً ، ورزقاً طيباً ، وبعده وبعد المغرب : اللهم أجرني من النار سبعاً ، وبعدهما وبعد العصر : لا إله إلا الله وحده إلى قدير عشراً ، والظاهر أن هذا الترتيب بتوقيف ، وذكر الكوراني ما يخالف ذلك.
فائدة : عن بعض الصحابة رضي الله عنهم من قال : لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه ومدَّها بالتعظيم غفر له أربعة آلاف ذنب من الكبائر ، قيل : فإن لم تكن له هذه الذنوب قال : غفر له من ذنوب أبويه وأهله وجيرانه اهـ. وأما حذف ألف الله فلا تنعقد معه يمين ولا يصح ذكر ، اهـ شرح راتب الحبيب الحداد لباسودان.
فائدة : أخرج البيهقي أن الدعاء يستجاب في أربعة مواضع : عند التقاء الصفوف ، ونزول الغيث ، وإقامة الصلاة ، ورؤية الكعبة ، ومن علامة استجابة الدعاء الخشية والبكاء والقشعريرة ، وقد تحصل الرعدة والغشاء وسكون القلب عقبه ، وبرد الجأش وظهور النشاط باطناً ، والخفة ظاهراً ، حتى كأنها نزعت عنه حملة ثقيلة اهـ أ ج.
فائدة : شروط الدعاء عشرة نظمها بعضهم فقال :
قالوا شروط الدعاء المستجاب لنا
عشر بها يبشر الداعي بإفلاح
طهارة وصلاح معهما ندم
وقت خشوع وحسن الظن يا صاح
وحل قوت ولا يدعو بمعصية
واسم يناسب مقروناً بإلحاح اهـ من شرح إبراهيم الخليل. (مسألة : ك) : لا يسنّ مسح الوجه في أدعية الصلاة أصلاً عندنا ، بل ولا رفع اليدين إلا في القنوت للاتباع ، وزاد أحمد : مسح الوجه فيه أيضاً ، والفرق ظاهر ، وأما رفع اليدين خارجها للدعاء فالمعتمد كما ذكره السيوطي في رسالته في ذلك عن بضع وعشرين صحابيًّا ، وأورد فيه نيفاً وأربعين حديثاً ، وكذا يسنّ مسح الوجه ، وقد روي عن ابن عمر أنه قال : ما مدّ رسول الله يديه في دعاء قط فقبضهما حتى يمسح بهما وجهه ، أخرجه الطبراني.
فائدة : يندب في كل دعاء أي خارج الصلاة رفع اليدين ، فإن تعذر رفع أحدهما رفع الأخرى ، ويكره رفع اليد المتنجسة ولو بحائل ، وغاية الرفع حذو المنكبين إلا إذا اشتدّ الأمر ، وتسنّ الإشارة فيه بسبابة اليمنى ، ويلاحظ فيها ما مر في رفعها في التشهد ، ويكره بأصبعين ، ويسنّ آخر كل دعاء : ربنا تقبل منا إلى الرحيم ، وسبحان ربك إلى العالمين ، اهـ من باعشن.
فائدة : المصافحة المعتادة بعد صلاتي الصبح والعصر لا أصل لها ، وذكر ابن عبد السلام أنها من البدع المباحة ، واستحسنه النووي ، وينبغي التفصيل بين من كان معه قبل الصلاة فمباحة ، ومن لم يكن معه فمستحبة ، إذ هي سنة عند اللقاء إجماعاً. وقال بعضهم : إن المصلي كالغائب فعليه تستحب عقيب الخمس مطلقاً اهـ شرح التنبيه للريمي. ويسنّ تقبيل يد نفسه بعد المصافحة قاله ابن حجر.
(مسألة : ك) : يندب الفصل بين كل صلاتين فرضاً أو نفلاً بالانتقال إلى موضع آخر لتشهد له البقاع ، قال ق ل : ولو بعد الإحرام بفعل خفيف خلافاً للخطيب ، فإن لم ينتقل فصل بكلام إنسان مما يبطل الصلاة ولو بذكر وتنحنح مبطلين ، بوجود صارف في الأول وظهور حرفين في الثاني ، لا ذكر ودعاء لا خطاب فيهما ، ويكره الكلام الدنيوي بين الصبح وسنتها.
51
شروط الصلاة
فائدة : اعلم أن للصلاة شروط وجوب وهي : الإسلام ، والتكليف ، والنقاء عن الحيض ، والنفاس ، وشروط صحة وهي أربعة أقسام : ما هو شرط لكل عبادة وهو الإسلام والتمييز والعلم بالفرضية وأن لا يعتقد فرضاً سنة ، وما هو شرط للصلاة فقط وهو طهارة الحدث والخبث والستر والاستقبال ، وما هو شرط للنية وهو أن لا يمضي ركن مع الشك ولا ينوي قطعها ولا يعلق قطعها بشيء ، وما هو من الموانع المطلوب تركها وهو ترك الكلام والأفعال والأكل اهـ باعشن.
(مسألة : ك) : صلى صلاة وأخلّ ببعض أركانها أو شروطها ثم علم الفساد لزمه قضاؤها مطلقاً ، إلا إن كان ما أخلّ به مما يعذر فيه الجاهل بجهله مما قرر في كتب الفقه.
(مسألة : ب) : تنجس بعض بساط أو بيت وجهل محل النجاسة لم ينجس مماسه رطباً للشك ، وتجوز الصلاة عليه إن اتسع عرفاً ويبقى قدر النجاسة ، فإن صغر جداً كملحفة اجتنب الكل ولا يجتهد ، نعم إن علم محل النجاسة صلى على ما سواه مطلقاً اهـ. قلت : وفي بج الواسع ما زاد على قدر موضع صلاته.
(مسألة : ب) : لا تصح الصلاة مع حمل خبز خبز في تنور معمول بروث نحو الحمر إذ لا ضرورة لحمله ، بخلاف أكله مع نحو المرقة وفته فيها فيجوز ، ويعفى عما تطاير حال الأكل في الثوب والبدن للضرورة ، كما أفتى به غير واحد اهـ. قلت وفي باعشن : ويجوز حمل الخبز المعمول في التنانير المعمولة بالسرجين في الصلاة كما قاله الخطيب خلافاً لـ(م ر) اهـ. ومحل الخلاف حيث لم يحرق التنور ثم يغسل وإلا فيطهر ظاهره ، وحينئذ لا ينجس مماسه مطلقاً ، كما مر في الطهارة عن ابن الصباغ والقفال فتنبه.
فائدة : لو لسعت المصلي حية بطلت صلاته أو عقرب فلا ، قاله ابن حجر و (م ر) وأبو مخرمة ، والفرق بينهما أن سم الحية يبقى ظاهراً لكونها تلحس بلسانها والسم نجس ، بخلاف العقرب فإنه يغيض إبرته في اللحم.
فائدة : شرط ساتر العورة أن يمنع إدراك لون البشرة ، قال ابن عجيل في مجلس التخاطب : فلو قرب وتأملها فرآها لم يضر وهو ظاهر ، كما لو رؤيت بواسطة نار أو شمس بحيث لم تر بدونها لمعتدل البصر اهـ ع ش ، اهـ جمل. وقال أبو مخرمة : والمعتمد أنه لا فرق بين مجلس التخاطب ودونه ، نعم لو كان لا ترى إلا بحيث يلصق الناظر عينه بالثوب أو قريباً منه فلا اعتبار به قطعاً اهـ. ولو أخبره عدل رواية بنحو نجس أو كشف عورة وجب قبوله ، كما لو أخبره بكلام أو فعل كثير اهـ تحفة.
فائدة : لو كشفت الريح عورته فسترها حالاً لم يضر ، كما لو كشفه نحو آدمي قاله بج وح ل ، ، وقيده سم بغير المميز ، وقال زي : وحينئذ يضر غير الريح مطلقاً.