Kitab Bughiyah al-Mustarsyidin (4)

Kitab Bughiyah al-Mustarsyidin (4) karya Habib Abdurrahman Al-Masyhur Ba Alawi مسألة : ك) : أوصى بكفارة وأطلق واجتهد الوارث في بيانها ، فإن عرفها بقر

Kitab Bughiyah al-Mustarsyidin (4)

 Kitab Bughiyah al-Mustarsyidin karya Habib Abdurrahman Al-Masyhur Ba Alawi

الكتاب: بغية المسترشدين في تلخيص فتاوى بعض الأئمة من العلماء المتأخرين مع ضم فوائد جمة من كتب شتى للعلماء المجتهدين
المؤلف: الحبيب عبد الرحمن بن محمد بن حسين بن عمر المشهور با علوي
دار النشر: دار الفكر
عدد الأجزاء: 1 

Daftar Isi 

  1. Kitab Bughiyah al-Mustarsyidin (1)
  2. Kitab Bughiyah al-Mustarsyidin (2)
  3. Kitab Bughiyah al-Mustarsyidin (3)
  4. Kitab Bughiyah al-Mustarsyidin (4)

 

 مسألة : ك) : أوصى بكفارة وأطلق واجتهد الوارث في بيانها ، فإن عرفها بقرينة أو إخبار أخرجها ، فلو لم يحج الموصي تبين أنها ليست من كفارته ، وإن لم ينكح علم أنها ليست عن ظهار ، وهكذا يستدل بالقرائن على خروج ما لا يتصور وجوده ، فإن لم يظهر شيء اتجه وجوب سائر الكفارات ، إذ لا يخرج من العهدة إلا بذلك ، وحينئذ إن كفر عنه بالعتق مثلاً أغناه عن الجميع من حج ووقاع رمضان وظهار وقتل ويمين ، وكذا إن كفر بصيام شهرين متتابعين حيث كفاه الصوم في كفارة اليمين ، لأن الثلاثة بعض الستين ، كما لو كفر بإطعام الستين فيكفيه لغير كفارة القتل إذ لا إطعام فيها ، فينوي بذلك الواجب على مورثه ، وينصرف لما هو عليه من ذلك ، إذ التعيين في نية الكفارة غير لازم كما هو مصرّح به في المتون اهـ. قلت : وقوله : من حج يتأمل كلامه ، إذ ليس في كفارات الحج عتق ، وقوله : حيث كفاه الصوم في كفارات اليمين أي ومثلها غيرها إذ هو مؤخر عن العتق كما علم.

(مسألة : ك) : أوصى بدراهم تنزع من تركته يشترى بها عقار تصرف غلته لمصرف مباح ، فإن كانت التركة أعياناً حاضرة ناضاً وغيره أخذ الوصي الدراهم من الناض ما لم ينض على دراهم معينة وإلا تعينت ، وإن كان بعضها غائباً أخذ قدر ثلث الحاضر ، ثم إذا تمكن من الباقي أخذ ما بقي ، هذا إن وفى الثلث بالموصى به وإلا أخذ قدر الثلث فقط.

(مسألة : ب) : أوصى بثلث ماله يفعل منه قراءة وختم وصدقات معينات ، وما يزيد بعد ذلك يكون بيد فلان يفعل ما يعود نفعه على الموصي من مصالح الخير ، ففعل الوصي ما عينه وبقي نحو ثلاثمائة قرش ، فالذي أراه من أفضل القربات إن لم يكن أفضلها ، ومن أعلى شيء يعود نفعه على الميت أن يشتري بذلك مال وتكون غلته لطلبة العلم بمحل كذا ، أو مدرسة كذا ، ترغيباً لطلبة العلم ، لا سيما في هذه الجهات التي ركدت فيها زيارته وخبت مصابيحه ، وهو الذي ما عبد الله بشيء أفضل منه ، وفضله في الدين معلوم بالضرورة بل هو الدين كله ، وأهله الملوك في الدنيا والآخرة ، ولو أوصى بثلثه فلم يعين له جهة أو عين وبقيت بقية صح وصرف الكل أو الباقي للفقراء ، وإن قال : أوصيت بثلثي مالي لله يصرف منه كذا أو سكت ، فالفاضل أو الكل يصرف في وجوه البرّ.

(

مسألة : ب) : أوصى ببيع ثلث أمواله غير البيت ، يصرف في أبواب الخيرات من قراءة وتهليل وللمساجد ، وله بيوت وأموال عقارية ومنقولة ، فقوله في أبواب الخيرات أل فيها للعموم عند أكثر علماء الأصول ما لم يتحقق عهد ، فيشمل جميع أنواع القرب ، لكن ذكر بعضهم أن التقسيم مما يفيد الحصر فلا يتعدّى غيره ، فحينئذ يكون مقصوراً على ما ذكره فقط ، فعليه لا يجوز صرف شيء من ذلك لأرحام الميت وأهل العلم والدين المستحقين ، والطريق الأقوم السالمة عن الاعتساف إرشاد الوصي إلى أن يؤجر من يريد صلته ، وإعطاءه من أرحام الموصي أو من السادة أو أهل العلم أو الصلاح من يقرأ أو يهلل للموصي ، ويفاضل في الأجرة بتفاضل الأشخاص ، فهذا أنفع للميت مع صلة من ذكر ، وأما فعل التهاليل على الوجه المعتاد في المساجد من اجتماع العوام والتسبب في إلجائهم إلى عدم احترامها من الكلام فيما لا يعني ، بل ربما وقعوا في المحرم من نحو غيبة وعدم اجتناب نجاسة ، واختلاط نساء ورجال ، فلا أرى فيه مندوحة ، فضلاً عن أن تراه أفضل مما أشرنا إليه ، وله أن يفاضل بين أجرة القراءة والتهاليل وما للمساجد بحسب نظره إذ هو موكول إليه ، بل الذي يظهر أنه يكفي ما يطلق عليه اسم المال لكل من ثلاثة مساجد من أي بلد كانت لعموم لفظ الموصي وعدم تقييده بمحل ، وما يطلق عليه اسم القراءة والتهليل أيضاً ، وقول الموصي غير البيت ، فإن دلت قرينة على أنه البيت المعهود الذي يسكنه فذاك ، وإلا فالراجح عند أئمة الأصول أن اسم المفرد المعرف بأل للعموم فيعم كل بيت ما لم يتحقق عهد وإلا صرف إليه جزماً ، وقيل : يختص بالبيت الذي يسكنه مثلاً ، لأنه المتحقق والقلب إلى هذا أميل ، لأن العوام لا يقصدون بمثل هذه الألفاظ إلا دار السكنى فقط ، ومع ذلك هو الأحوط للورثة والوصي ، والأنفع للميت ، فينبغي العمل به ، فيبيع الوصي ثلثاً من جميع المنقول والعقار ما عدا تلك الدار ويصرفه بحسب نظره ، وله أن يعين شيئاً من العقار لما يراه من

نحو قراءة أو لمسجد.

(

مسألة : ش) : أوصى بتهاليل سبعين ألفاً في مسجد معين ، وأوصى للمهللين بطعام معلوم ، فالمذهب عدم حصول الثواب بالتهليل إلا إن كان عند القبر على المعتمد ، وفي وجه حصوله مطلقاً ، وهو مذهب الثلاثة ، بل قال ابن الصلاح : ينبغي الجزم بنفع : اللهم أوصل ثواب ما قرأناه إلى روح فلان ، لأنه إذا نفعه الدعاء بما ليس للداعي فماله أولى ، ويتعين المسجد المذكور لاستحقاق الطعام الموصى به عملاً بشرط الموصي كالوقف اهـ ، وعبارة (ك) : قرأ شيئاً من القرآن ثم أهدى ثوابه إلى روح النبي ثم إلى روح فلان وفلان ، أما النبي فالثواب حاصل له مطلقاً ، بل هو مضاعف تضعيفاً تستحيل الإحاطة به ، لأنه يثاب على أعمال أصحابه الضعف ، وأما غيره ممن دعا له القارىء بوصول ثواب القراءة له أو جعله له أو كان بحضرته أو نواه بها ، فالنفع حاصل للكل لا محالة ، بل إحضار المستأجر له في القلب سبب لشمول الرحمة إذا نزلت على قلب القارىء ، وأما ثواب نفس القراءة ففي حصوله له خلاف ، والذي اعتمده ابن حجر و (م ر) حصوله إن دعا للميت عقب القراءة ، أو جعل له ثوابها أو كان بحضرته ، وكذا إن كان غائباً ونواه بالقراءة كما اعتمده (م ر) وهو مذهب الأئمة الثلاثة ، وقال ابن حجر : يحصل له ثواب النفع دون ثواب القراءة ، ويحصل أيضاً للقارىء ثواب وإن قصد به غيره أو أهداه له كما مر ، فلو بطل ثوابه كأن كان لغرض دنيوي لم يبطل ثواب المنوي له ، ولا يظهر في هذا المقام فرق بين الواو وثم فيما إذا قال : إلى روح فلان ثم فلان ، أو قال : إلى فلان خاصة ثم إلى المسلمين عامة ، كما مال إليه في التحفة والنهاية ، لكن يتفاوت الثواب ، فأعلاه ما خصه ، وأدناه ما عمه ، نعم في النفس توقف من الإتيان بالترتيب ، لأن فيه تحكماً ، أو عدم تفويض الأمر لله تعالى ، وينبغي أن تكون الصدقة عن الغير أفضل من القراءة ، إذ لا خلاف في حصولها ، والأفضل من الصدقة ما دعت إليه الحاجة في المحل المتصدّق فيه أكثر ، فتارة يكون الماء ، وتارة يكون

الخبز ، وتارة يكون غيرهما.

(مسألة : ك) : من عمل عملاً فقال بعده : اللهم أوصل ثواب هذه العبادات للنبي صح ذلك بل يندب على المعتمد ، وإن كان يضاعف له أجر كل من عمل خيراً من أمته من غير أن ينقص من أجورهم شيء ، ومن غير احتياج إلى افتتاح الأعمال بنية جعل ثوابها له عليه الصلاة والسلام ، لأن كل عامل ومهتد إلى يوم القيامة يحصل له أجره ، ويتجدد لشيخه مثل ذلك الأجر ، ولشيخ شيخه مثلاه ، وللثالث أربعة ، وللرابع ثمانية ، وهكذا تتضاعف المراتب بعدد الأجور الحاصلة بعده إلى النبي ، وبهذا يعلم تفضيل السلف على الخلف ، فإذا فرضت المراتب عشراً بعده عليه السلام كان له صلوات الله عليه من الأجر ألف وأربعة وعشرون وهكذا ، وأما نيَّة ثواب الأعمال له من غير دعاء ، فإن كان صدقة أو دعاء صح وإلا فلا على الراجح. وفي فتاوى شيخنا سعيد سنبل : من عمل لنفسه ثم قال : اللهم اجعل ثوابه لفلان وصل له الثواب ، سواء كان حياً أو ميتاً ، أي وسواء كان بطريق التبعية أو الاستقلال ، وأما ما يفعله بعض السالكين المستغرقين في محبته من افتتاح جميع أعماله بنية ثوابها له ، ثم إن تصدق عليه عليه الصلاة والسلام قبل منه على وجه الصدقة ، وإن لم يعطه شيئاً فرح بذلك أشدّ الفرح ، فيجوز لأمثالنا المخلطين الاقتداء بهؤلاء السادة ، وإنما الممنوع منه أن يفعل تلك العبادة البدنية بدلاً عن فلان.

(

مسألة : ج) : أوصى بأن يقرأ يس وتبارك كل يوم ويهدي ثوابها إلى روحه ، وأجرة من يقرأ في تركته صحت ، وإن لم يخلف عقاراً فيؤخذ من التركة بقدر ما يؤخذ به نخل أو زبر وهو أولى تفي غلته بأجرة تلك القراءة ، ولو أوصى بأن يقرأ عليه جزء من القرآن في مسجد معين لم يتعين كنذر الصلاة إلا المساجد الثلاثة.

196

الإيصاء

(مسألة : ش) : من شروط الوصي العدالة الظاهرة ، فإذا ادعى شخص الوصاية ، فإن علم القاضي فسقه أو ثبت ببينة لم تسمع دعواه ، وإلا سمعها وطلب إثباتها ونفذ ظاهراً ، ثم إن فسق انعزل ، أو ثبت فسقه قبل الإيصاء إليه بأن أن لا ولاية له ، وإن كان قد نفذها الحاكم وحكم بصحتها اعتماداً على الظاهر ، إذ المذهب أن حكم الحاكم لا يغير ما في الباطن إذا خالف الظاهر ، وإن لم يثبت فسقه ولا عدالته وجب البحث عن حاله على الأصح ، بخلاف الأب والجدّ إذ ثبوتها لهما أصلي فلا يرتفع حتى يتحقق خلافه.

(مسألة : ي) : أوصى بأن فلاناً يتولى أمره ويعطي كل ذي حق حقه ، ملك بهذه أداء ديون الميت والأمانات والحقوق التي عنده لآدمي أو لله تعالى ، كالزكاة والكفارة وكالوصايا وغيرها كالوصاية على المحجور لا الكامل ، بل إن غاب تولاه الحاكم الأمين ثم صلحاء البلد اهـ. وعبارة (ش) : أوصى إلى زيد باستيفاء دينه وحفظ أمواله لورثته الغائبين صح وتولاه دون الحاكم ، وليس ذلك ولاية في أمر الغائب الكامل ، إذ لا تصح إلا من نحو الأب على المحجور ، بل وصاية فيما يتعلق بالميت ، لأن له غرضاً بعد موته في حفظ ماله ، إذ ربما يظهر عليه دين ، فإن لم يوص تولى الحاكم الثقة قبض العين مطلقاً ، وكذا الدين إن خاف تلفه كأن طالت غيبة مستحقه.

(مسألة : ) : أوصى إلى آخر بتجهيزه والتصدق عنه من الثلث ، أو أداء دينه وردّ ودائعه ، لزم الوصي مطالبة الوارث الكامل وولي المحجور بتسليم الموصى به يفرقه ، وبأداء الدين أو إعطائه قدره من التركة ليؤديه من ثمنه ، وليس له الاستبداد بالبيع بغير إذنه أو إذن الحاكم عند غيبته أو امتناعه ، بل لا يصح البيع ، ولا تبرأ ذمة الميت فيرد المقبوض ، إذ للوارث إمساك عين التركة وقضاء الدين من ماله ما لم يعين الموصي للأداء مالاً وإلا وجب الأداء منه ، وهذا حيث لم يقل الموصي للوصي : بع عين كذا واقض ديني منها ، وما لم يكن في التركة جنس الدين ، وإلا استبد في الأولى وكفى أداء الدين في الثانية ، لكن يأثم بعدم المراجعة فيها حيث سهلت في الأصح ، وله رد الودائع من غير مراجعة ، إذ لمالكها الاستقلال بأخذها ، ولو دفع الوصي الوصية أو قضى الدين من مال نفسه لم يرجع على التركة ولا مال الوارث إلا إن أذن له في الأداء ، وإن لم يشرط الرجوع على الأوجه ، نعم إن كان وارثاً وأدى بنية الرجوع رجع ولو بلا إذن.

(

مسألة : ) : أوصى إلى اثنين بأن قال : أوصيت إليكما أو إلى فلان ، ثم قال : ولو بعد مدة : ، أوصيت إلى فلان ، أو قال لشخص : هذا وصيي ، ثم قال لآخر : هذا وصيي ، وعلم الأول أو نسيه لم ينفرد أحدهما ، بخلاف ما لو قال : أوصيت إليه فيما أوصيت فيه لزيد فإنه رجوع كما في التحفة ، وقال في الفتح : ولو اختلف الوصيان في المصرف ورجع القاضي أو في الحفظ قسم إن قبل القسمة ، فإن لم يقبلها جعل بينهما هذا كله في وصيي تصرف اختلفا في الحفظ ، أما وصيا الحفظ فلا ينفرد أحدهما بحال.

(مسألة : ب) ونحوه ي : أوصى إلى ثلاثة أشخاص وشرط اجتماعهم إن كانوا بالبلد ، وجعل لكل الاستقلال عند غيبة صاحبه ، أو قيام مانع شرعي به ، وجعل أوصياء آخرين في حفظ تركته وقبضها وإخراج ما لا بد منه كتجهيز الميت إلى أن يصل أوصياؤه ، ففعل هؤلاء ما أمرهم به ، ثم قدم أوصياؤه الثلاثة ، فعزل واحد نفسه ، وغاب واحد من بلد المال أو مات ، وبقي الثالث كان له الاستقلال بجميع التصرفات ، لأن الموصي أثبت لكل من أوصيائه وصف الوصاية ، فدل على أن كلاًّ وصيي ، وإنما شرطوا اجتماع الأوصياء فيما إذا قال : أوصيت إليكما ونحوه ، ولو لم تحصل الكفاية بغير الحاضر ، أو خاف على المال استيلاء نحو ظالم ، أو عزل نفسه ، تعين عليه القيام بذلك لكن لا مجاناً بل بأجرة المثل ، وله إن خاف من إعلام القاضي الاستقلال بأخذها بعد إخبار عدلين عارفين له بقدر أجرة المثل ولا يعتمد معرفة نفسه ، والأوجه أنه يلزمه القبول في هذه الحالة ، وأنه يمتنع حينئذ عزله ولو من الموصي لما فيه من ضياع ودائعه أو مال أولاده كما في التحفة ، وليس للموصي توكيل غيره فيما تولاه حضر أو غاب إلا فيما لا يتولاه مثله أو عجز عنه ابتداء لكثرته ، لا إن طرأ العجز لنحو سفر ومرض ، زاد (ي) : لكن رجح في التحفة جواز التوكيل مطلقاً كالولي والقيم بشرط أن يوكل أميناً.

فائدة : يجوز للولي شراء مال طفله من الحاكم وإن لم يعزل نفسه ، كما لو أوصى إليه بتفريق شيء وهو مستحق فيجوز للقاضي إعطاؤه وإن لم يعزل نفسه اهـ ، نقله أبو مخرمة عن ابن حجر وأقره.

(مسألة : ش) : أوصى بعين تصرف في عمارة بركة تمسك الماء ، طلب الوصي ثم أبو الميت بناء على الأوجه من تقدمه على الحاكم كما في الفتح ثم الحكم ثم الوارث تسليم العين ممن هي تحت يده للموصى له بإصلاحها إن أوصى بعينها ، وحينئذ تدخل في ملكه إن كان معيناً بمجرد الإقباض ، نعم إن قال : يستأجر بها فلا بد من استئجاره ، فلو زادت العين على الأجرة فاز بها الموصى له إذ هي وصية على الأوجه ، فإن أوصى بثمنها طلب من ذكر بيعها وتسليم ثمنها لمن ذكر ، ولا يجوز إبدالها ، إذ قد يكون للموصي غرض في تلك العين ، وهذا إن وقت تلك العين بالإصلاح أو تبرع بالزائد وارث أو أجنبي ، وإلا بطلت الوصية ورجعت للوارث على الأوجه ، ولا يسلم الوصي شيئاً من الأجرة إلا بعد كمال الإصلاح ، نعم لو لم يمكن الإصلاح إلا تدريجاً ، ولم يرض العامل إلا بتسليم أجرته كل يوم ، فالظاهر جواز تسليم ذلك إن غلب على الظن أن الموصى به يفي بالإصلاح ، ولا يضمن نحو الوصي بعروض مانع من الإتمام كتلف المعين له ، فلو استأجر من ماله أو في الذمة ، ولم ينو تسليم الأجرة من العين في الثانية ، أواستأجر أجنبي مطلقاً ولو وارثاً لزمه تسليم الأجرة من ماله.

فائدة : أخرج الوصي الوصية من ماله ليرجع رجع إن كان وارثاً وإلا فلا ، كما لو اقترض ليرجع ، وإن اقترض للميت شيئاً في الذمة كالكفن وغيره رجع إن نوى الشراء للميت اهـ عماد الرضا.

(مسألة : ب) : أقر الموصي عند وصيه بأن لفلان كذا بذمته لم يجز للوصي إعطاء المقر له قبل ثبوته ببينة أو إقرار من الورثة كالوكيل ، بل يضمن بأدائه ولا يرجع على الورثة لاعترافه ، كما لو ادعي على الوصي بدين على الميت فأداه بلا بينة اهـ. قلت : وهذا من حيث الظاهر ، ففي فتاوى ابن زياد وابن حجر : لو علم الوصي ديناً على الميت لزمه تسليمه باطناً وإن لم يأمره الميت وعبارة (ك) : لا يصدق الوصي في قضاء الدين إلا ببينة ، كما لا يصدق في إخراج الزكاة ودفع المال إلى مستحقه والبيع بغبطة أو حاجة وترك شفعة ، إذ لا تعسر إقامة البينة على ذلك ، ولا ينافيه تصديقه في عدم الخيانة وفي تلف المال بنحو سرقة وغصب لأنه أمين ، والأصل عدم الخيانة بخلافه في قضاء الدين ، فإنه يدّعي ثبوت الدين وقضاءه فعليه البينة ، والحاصل أن كل ما ادعى الوصي الإتيان به مما يضر المحجور ولا تعسر إقامة البينة عليه لا يصدق فيه وما لا صدّق ، نعم يجوز للوصي فيما إذا علم ديناً على الميت قضاؤه باطناً ، ولا يضمن فيما بينه وبين الله تعالى ، بل قد يجب كما قاله ابن زياد اهـ. وعبارة (ش) : ليس للوصي أداء الدين وردّ العين لمستحقهما قبل ثبوتهما وإن علمهما هو ، نعم له قبل الأداء أن يشهد للمدعي ويتم الحجة بآخر أو يمينه لا بعد أدائه للتهمة ، كما لو شهد بهلال شوّال يوم الثلاثين بعد أن أفطر ، وحيث لم يثبت المدعي بينة حلف الوارث علي نفي العلم ووجب رد الدين والعين ثم بدلهما وله مطالبة الوصي ، فإن غرمه لم يرجع على من أقبضه لزعمه أن الظالم له الوارث ، نعم يجوز للوصي الدفع باطناً وله كالمدفوع له الحلف بعدم الإقباض والقبض ويكفران ، وليس له المطالبة بالرد بعد الدفع لاعترافه بملكه ما لم تكن العين باقية وطلبها منه الوارث.

(مسألة : ي) : رقم الولي على موليته حساباً لها وعليها ، لزمه ما أقرّ به لها ، وأما ما عليها فلا يثبت إلا بخمسة شروط : ثبوت ولايته عليها بعدلين ، وكون المرقوم عليها من ثمن وخرج نحو الحلي والثياب يساوي ذلك بنظر العدلين من أهل الخبرة بعد مراعاة ما حصل فيه من زيادة ونقص من أخذه إلى الآن ، وهذا كالمرقوم اللائق في نفقتها ، وخرج المال بقول من ذكر ، ويزيد ما اقترضه من الغير أو استدانه أو أخرجه من مال نفسه على ذينك بأن تفقد غلتها ودراهمها أو يتعسر الإخراج منهما وقت الحاجة ، وأن يأذن الحاكم في ذلك بشاهدين ، وأن يحلف الولي أن الاقتراض وما بعده بعد إذن الحاكم وتعسر الإخراج ، ويحلف ثانياً يمين الاستظهار بأن ذلك باق بذمتها لم يتطرق إليه مسقط من إبراء أو وفاء أو فقد شرط مما ذكر ، أما ما رقمه بعد بلوغها فلا يلزم إلا إن أثبت إذنها بعدلين ولم يشتر لها من نفسه ولا محجوره وحلف يمين الاستظهار أيضاً ، هذا إن لم تصدقه أو وارثها الرشيد ، وإلا لزم المصدق حصته اهـ. وعبارة (ش) : أنفق الوصي أو القيم على المحجور من مال نفسه لم يرجع به عليه ، بل يكون متبرعاً بذلك ، إلا إن أنفق منه لمصلحة المحجور كانتظار غلته ولو بلا إذن حاكم في الإنفاق ، ويصدق في القدر اللائق فيه بيمينه لعسر إقامة البينة ، فإن ذكر قدراً غير لائق صدّق المحجور في الزائد ، ولو أنكر الوصي الوصاية لغير عذر انعزل من الآن لا ما تقدم.

(

مسألة : ي) : عزل الوصي نفسه أو أراد سفراً لزمه رد المال للقاضي الأمين ، فإن لم يكن كما هو الغالب الآن لزمه أن يجمع صلحاء البلد ويردّه إليهم ويلزمهم اختيار واحد منهم ، كما لو خان الوصي أو فسق فيلزمهم عند فقد القاضي عزله وتولية غيره ، وليس للوصي أن يوصي إلى غيره فيما وصي فيه إلا بإذن الموصي كالوكيل وناظر الوقف ، ويلزم الوصي الإشهاد والمحاسبة كل سنة ، وكذا كل أمين في هذا الزمان تلزمه المحاسبة لكثرة الخيانة كما قاله في التحفة والنهاية.

199

كتاب النكاح

فائدة : أخرج الإمام مالك في الموطأ أن رسول الله قال : "إذا تزوّج أحدكم المرأة أو اشترى الجارية فليأخذ بناصيتها وليدع بالبركة" اخـ. وليقل : "اللهم بارك لي في أهلي وبارك لأهلي فيّ وارزقهم مني وارزقني منهم ، واجمع بيننا ما جمعت في خير ، وفرق بيننا ما فرقت في خير ، بارك الله لكل منا في صاحبه" اهـ من كتاب البركة. وروى أبو داود : "إذا تزوّج أحدكم فليقل : اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه ، وأعوذ بك من شرّها وشر ما جبلتها عليه" اهـ. وليقل : "اللهم إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم" .

فائدة : إذا سكنت المرأة في إحدى حجرتين أو علو أو سفل أو دار وحجرة ، وأراد الرجل الأجنبي أن يسكن الأخرى ، اشترط أن لا تتخذ المرافق كمطبخ وخلاء وبئر وممرّ وسطح ومصعد له ، فإن اتحد واحد حرمت المساكنة لأنها حينئذ مظنة الخلوة المحرمة ، كما لو اختلفا في الكل ولم يغلق الباب بينهما أو يسد أو غلق وكان ممرّ أحدهما على الآخر أو بابه في مسكن الآخر ، نعم تنتفي الحرمة في هذه الصور بأن يكون معها محرم مميز متيقظ ولو أنثى أو أعمى ذا فطانة ، بحيث يغلب على الظن انتفاء الفاحشة ، أو كان له امرأة كأجنبية يحتشمها لخوف أو حياء ، ولو لم يكن في الدار إلا بيت وصفة لم يساكنها ولو محرماً ، فعلم أنها تجوز خلوة رجل ثقة بأجنبيتين ثقتين يحتشمهما لا رجلين بأجنبية مطلقاً اهـ فتاوى ابن حجر.

(مسألة) : قال في التحفة : وإنما حلَّت خلوة رجل بامرأتين يحتشمهما بخلاف عكسه ، لأنه يبعد وقوع فاحشة بامرأة متصفة بذلك مع حضور مثلها ولا كذلك الرجل ، ومنه يؤخذ أنه لا تحل خلوة رجل بمرد يحرم نظرهم مطلقاً بل ولا أمرد بمثله وهو متجه ، ولا تجوز خلوة رجل بغير نساء ثقات وإن كثرن ، وفي التوسط عن القفال : لو دخلت امرأة المسجد على رجل لم تكن خلوة لأنه يدخله كل أحد اهـ. وإنما يتجه ذلك في مسجد مطروق لا ينقطع طارقوه عادة ، ومثله في ذلك الطريق أو غيره المطروق كذلك.

فائدة : تزوّج امرأة وقد أزيل شعر رأسها قبل تزوّجه بها فالظاهر حرمة النظر إليه كما لو أزيل منها وهي في نكاحه ثم طلقها ، لأن العقد إنما شمل الأخرى الموجودة وقته ولأنها صارت أجنبية في الثانية ، ولا نظر لانفصاله في وقت كان يجوز له فيه النظر اهـ ع ش. وقال الباجوري في مبحث حرمة نظر الرجل : وخرج بالبالغ الصبي لكن المراهق كالبالغ ومعنى حرمة النظر فيه أنه يحرم على وليه تمكينه منه ويحرم على المرأة أن تنكشف له كغير المراهق إن كان يقدر على حكاية ما يراه بشهوة ، فإن قدر عليه بغير شهوة فكالمحرم ، وإن لم يكن يقدر على حكاية شيء فكالعدم ، فعلم أن غير البالغ أربعة أقسام اهـ.

200

الصيغة

فائدة : ما يفعله بعض العاقدين للنكاح من زيادة خطبة مختصرة بعد خطبته المشهورة الواردة عنه بقوله : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله الخ ، ثم يعقد لا أصل له في السنة ، ولا يروى عن أحد من المشايخ كابن حجر و (م ر) : وإن ذكرها في الإحياء بل هي خلاف الأولى ، إذ لا فائدة لتكرير خطبتين معاً اهـ جواب الشريف أحمد بن حسن الحداد.

(مسألة : ب) : قال للولي : زوّجني موليتك فلانة ، فقال : زوّجتكها صح ، كما لو قال له المتوسط : زوّجت فلاناً بنتك ، فقال : زوّجتها منه وقبل الزوج بشرطه.

(مسألة : ش) : لو قال الولي للزوج بعد الإيجاب : قبلت لم يضر وإن لم يكن من مصالح العقد ، لأن الكلام الأجنبي اليسير لا يضر بمن انقضى كلامه بخلافه ممن طلب جوابه وهو الزوج هنا ، وحينئذ لو ابتدأ الزوج فقال للولي : زوّجني ابنتك ، فقال : استوص بها خيراً زوّجتك ضرّ إذ هو حينئذ ممن طلب جوابه.

(مسألة : ش) : تزوّج امرأة بشرط أن لا يخرجها من بيت أبيها ، فإن لم يكن في صلب العقد فلا أثر له تقدم أو تأخر فلا يلزم به شيء ، أو في صلبه : كزوّجتك ابنتي بشرط أن لا تخرجها من بيتي صح النكاح ولغا الشرط وفسد المسمى ولزم مهر المثل ككل شرط لا يخل بمقصود النكاح ، ولهما أو لأحدهما به غرض ، والقديم كمذهب أحمد صحة الشرط النافع لها فتخير عند فقده ، وقال شريح : يلزمه الوفاء به.

(مسألة : ش) : غيرت اسمها ونسبها عند استئذانها في النكاح فزوّجها القاضي بذلك الاسم ، ثم ظهر أن اسمها ونسبها غير ما ذكرته ، فإن أشار إليها حال العقد بأن قال : زوّجتك هذه أو نوياها به صح النكاح سواء كان تغيير الاسم عمداً أو سهواً منه أو منها ، إذ المدار على قصد الولي ولو قاضياً والزوج كما لو قال : زوّجتك هنداً ونويا دعداً عملا بنيتهما.

200

الزوجان

(مسألة) : من شروط النكاح علم الزوج بالمنكوحة ، فلو تزوج من لا يعرف نسبها ولا عينها وتعذرت معرفتها بعد لم يصح وإن أشار إليها الولي ، نعم لو قال : زوّجتك بنتي أو إحدى بناتي أو بنتي فلانة ونويا معينة ولو غير المسماة صح إذ تغتفر الكناية في المعقود عليه ، قاله في التحفة والنهاية قال ع ش : فلو اختلفت نيتهما لم يصح ، وتعيين الزوج فزوّجت أحدكما باطل ، كما لو قال وليّ الطفل : زوّجت ابني بنتك ولم يسمه للجهل بالزوج ، نعم قال ع ش : يؤخذ من كلام (م ر) : أنه لو قال الولي : زوجت موليتي هذا ولم يعرف اسمه ونسبه صح اهـ. وحيث قلنا تغتفر الكناية في الزوجة لا يقدح ذلك في الشهادة ، إذ المقصود حضور الشاهد وضبطه صورة العقد وإن تعذرت الشهادة عليهم ، كما لو كانا ابني الزوجين ، ويحنئذ لو دعوا للأداء لم يشهدوا إلا بصورة العقد التي سمعوها لا غير كما في التحفة.

(مسألة : ش ك) : يجوز للشخص نكاح المعتدة منه بطلاق دون الثلاث ، أو بوطء شبهة أو نكاح فاسد لأن الماء ماؤه ، إذ التعبد بالعدة إنما يكون لغير ذي العدة ، لكن الأولى أن لا يعقد عليها حتى تنقضي العدة.

(مسألة : ي ش) : يجوز نكاح الحامل من الزنا سواء الزاني وغيره ووطؤها حينئذ مع الكراهة.

(مسألة) : عقد على امرأة ثم فارقها قبل الدخول حل له نكاح بنتها ، إذ لا تحرم البنت إلا بوطء الأم بنكاح أو شبهة أو ملك اليمين ، بخلاف أم الزوجة وزوجة الأب والابن فيحرمن بمجرد العقد.

(مسألة) : زنى ببنت زوجته وجب عليه الحدّ ولا ينفسخ نكاح الأم ، بخلاف ما لو وطئها بشبهة كأن ظنها حليلته ، فينفسخ النكاح وتحرمان عليه مؤبداً إن وطىء الأم ، وإلا حرمت الأم مؤبداً لا البنت فله نكاحها ، ويلزمه المهر بوطء الزنا والشبهة ما لم تطاوعه على الزنا ، إذ لا مهر لبغي ، ولو نكح امرأة فبانت محرمة برضاع ببينة أو إقرار فرق بينهم ، فإن حملت منه كان الولد نسيباً لاحقاً بالواطىء لا يجوز نفيه ، وعليها عدة الشبهة ولها مهر المثل لا المسمى ، وللوطء المذكور حكم النكاح في الصهر والنسب لا في حل النظر والخلوة ولا في النقض ، فيحرم على الواطىء نكاح أصولها وفروعه ، وتحرم هي على أصوله وفروعه ، ويجوز النظر إلى المحرم المذكورة بلا شهوة.

(مسألة : ك) : وطىء امرأة بنكاح أو شبهة أو أكره على الزنا بها أو وطئها مجنوناً حرم عليه أصولها وفروعها ، وحرمت هي على أصوله وفروعه ، بخلاف النظر والمباشرة بلا وطء فيما ذكر ووطء الزنا فلا يحرمان ، لأن الله امتنّ على عباده بالصهر والنسب ولأن الزنا لا حرمة له ، وقال أبو حنيفة : يثبته.

(

مسألة : ك) : امرأة تاركة الصلاة ، إن كان تركها لها جحداً لوجوبها أو وجوب ركن منها مجمع عليه أو فيه خلاف واه فهي مرتدة لا يجوز لأحد ولو كافراً ومرتداً نكاحها فلتستتبّ ثم يضرب عنقها ، ويجوز إغراء الكلاب على جيفتها ومالها فيء ، أو كسلاً مع اعتقاد وجوبها قتلت حداً بعد الاستتابة ندباً وتجهز كالمسلمين ، ويجوز نكاحها لكن غيرها من أهل الدين أولى.

(مسألة : ش) : أخبره عدل وكذا فاسق وقع في قلبه صدقه بموت أحد زوجاته الأربع جاز له التزوّج بخامسة ، ثم لو بان حياتها حال عقده بالخامسة تبين بطلانه ، ولها مهر مثلها إن دخل بها ولم تكن عالمة بحياة ضرتها ، أو عالمة وظنت حلّ العقد بالخامسة لجهلها الممكن ، وإلا فهي زانية لا تستحق مهراً ، والولد منها حر نسيب تثبت له سائر الأحكام.

(مسألة : ش) : يجوز لنحو الأب تزويج موليته إذا أخبرته الأم ببلوعها بالسنّ كأن قالت : ولدت يوم قدوم الباشا أو وقعة كذا ، وقد علم أن ذلك منذ خمس عشرة سنة ، وصدقها هو والزوجان لأن العبرة في العقود بقول أربابها ، بخلاف الحاكم لا يصح عقده ظاهراً ما لم يثبت عنده البلوغ ببينة إذ يسهل الاطلاع على السنّ ، بل لو أراد الولي تصحيح النكاح من الحاكم لم يجبه قبل الثبوت ، وبخلاف ما لو ادعت البنت البلوغ بالحيض أو الاحتلام فتصدق مطلقاً بلا يمين.

(مسألة : ب ك) : أخبرها عدل بموت زوجها أو طلاقه وصدقته جاز لها التزويج بغيره بعد خلوّها من الموانع ، ولوليها الخاص أن يعقد لها ، إذ العبرة في العقود بقول أربابها.

(مسألة : ش) : ادعى على امرأة مزوّجة بآخر أنها زوْجته ، فإن علمت زوجية الأوّل أوّلاً وادعت تطليقه ، فإن أقامت بينة وإلا حلف ونزعت من الثاني ولا شيء له عليها ، وإن لم تعلم زوجيته بل تزوّجت امرأة فادعى آخر أنه تزوّجها قبل الثاني ، فإن أقام بينة أو أقر له الزوجان بسبق عقده سلمت له ، كما لو أقرت المرأة فقط وادعت طلاقه فحلف أنه لم يطلق ، والحال أنه لم يصدر منها إقرار بنكاح الثاني ولا إذن فيه ولا تمكين ، وإلا فإقرارها لغو ، كما لو نكحت بإذن ثم ادعت رضاعاً محرماً فلا يلتفت إليها حينئذ اهـ. وعبارة (ي) : امرأة تحت رجل مقرة له بالزوجية ادعى عليها آخر أنها زوجته هربت منه وأن نكاحه سابق ، فأقرت له بذلك ، وأقرت أيضاً أنها تزوّجت بعد هربها بآخر قبل الذي هي تحته ومات عنها واعتدت ولها منه أولاد ولها من الثالث أولاد أيضاً ، فإن أقرت للأوّل ولم تدع عليه طلاقاً حكم له بالزوجية وبطلان الأخيرين وأنها زانية ، ثم إن صدقها الأخيران وإلا حلفت للمكذب ، فإن نكلت حلف ولزمها مهر المثل ، وإن ادعت الطلاق وانقضاء العدة وأثبتتهما بشاهدين انقطع نكاح الأوّل ، وإن لم تثبت الطلاق حلف على نفيه وحكم ببقائه ، لكن لا تحد بوطء الأخيرين للشبهة ، وإن لم تقر للأوّل بالنكاح وعجز عن البينة فليست زوجته ، ثم إن أثبتت بينة بنكاح الثاني ثبت الإرث ونسب الأولاد وغيرهما من أحكام النكاح ، وإن لم تثبته لم يثبت إلا سقوط الحد ولزوم العدة عليها ، وحكم الأولاد حكم مجهول النسب ، وأما إقرارها بنكاح الثالث ، فإذا حكم بأنها ليست زوجة الأوّل وأثبتت نكاح الثاني وموته وانقضاء عدته صح نكاح الثالث مطلقاً صدّقها أو كذبها ، وإن أثبتت النكاح فقط أو صدقها فيه دون الموت لم يصح نكاح الثالث ، وإذا لم يصح نكاح الثاني أو الثالث ترتبت على بطلانه أشياء منها عدم التوارث بينها وبينه ، وسقوط مهرها ونفقتها ، ووجوب الحد عليها ، وهذه الثلاثة لا تختلف بين علم الواطىء حال الوطء بالفساد

وجهله ، وكذا يثبت نسب الأولاد ومحرمية المصاهرة والعدة عليها إن جهل الواطىء الفساد ووجوب الحد على العالم به منهما.

(

مسألة : ك) : من شروط التزوّج بالأمة أن لا تكون تحته حرة تصلح للاستمتاع ولو في عدة الرجعية ، لأن الواحدة تعفّ الرجل وزيادة غالباً ، فلو فرض وجود رجل لا تعفه واحدة وخاف الزنا فنادر ، وأن لا يكون قادراً على من تصلح للتمتع من الحرائر أو الإماء بالملك ولو بائناً منه بغير الثلاث ووجد ما ترضى به.

(مسألة) : كالأمة في عدم صحة نكاح الحر لها ، من أوصى بحملها دائماً فأعتقها الوارث لأنها وإن كانت حرة فأولادها أرقاء كما في التحفة والنهاية والمغني ، وهل ذلك عام حتى للموصى له بالأولاد أم يختصّ الحكم بغيره ؟ إذ العلة وهو إرقاق الولد منتفية هنا تأمل ، وقال في الفتح : والأوجه امتناع خالصة الرقّ مع وجود مبعضة ، لأن إرقاق بعض الولد أهون من إرقاق كله لا ولود مع وجود عقيم.

202

وليّ المرأة

(مسألة : ش) : أصل المذهب أن الفاسق لا يلي النكاح بل تنتقل الولاية للأبعد ثم القاضي ، فلو امتنع الولي من التزويج إلا ببذل مال فلها مع خاطبها التحكيم ، وكذا إن قلنا الفاسق يلي وامتنع من تزويجها.

(مسألة : ك) : يشترط في الولي عدم الفسق على الراجح ، فإذا لم يصح عقده لم يصح توكيله لأنه فرعه ، كوكيل وليّ أحرم موكله هذا في غير سيد الأمة ، أما هو فيزوجها ويوكل ولو فاسقاً ، لأن تزويجه لها بالملك لا بالولاية ، كما أن الإمام الأعظم لا ينعزل بالفسق ، فيزوّج بناته إذا لم يكن لهن وليّ خاص غيره كبنات غيره ، ويوكل غيره الأهل لذلك ، ولا تشترط العدالة في الولي مطلقاً ، فلو تاب في المجلس توبة صحيحة زوّج في الحال ، وإن كان وصف العدالة لا يثبت إلا بعد مضي سنة ، نعم فيه إشكال من حيث إن من شروط التوبة ردّ المظالم وقضاء الصلوات ، وقد لا يتمكن من ذلك فوراً مع قولهم زوج حالاً ، لكن صرح (ع ش) بأن التوبة في حق الولي لا يشترط فيها قضاء نحو الصلاة ، حيث وجدت شروط التوبة بأن غرم مصمماً على ردها ، ويؤيده أن ما هنا أوسع بدليل أن الحرفة الدنيئة التي لا تليق بالولي لا تمنع تزويجه ، وأن المستور يزوّج ، وكذا الصبي إذا بلغ ، والكافر إذا أسلم ، ولم يصدر منهما مفسق اهـ. ونحوه في (ي) وزاد : والقول الثاني وهو الذي عليه عمل الناس منذ أزمنة ، بل لا يسعهم إلا هو ، وأفتى به المتأخرون ، وصححه ابن عبد السلام والغزالي ، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وجماعات أن الفاسق يلي مطلقاً ، ومال إليه في التحفة فيما إذا كانت تنتقل إلى فاسق من بعيد وحاكم.

(مسألة : ش) : الولي الذي قام به مانع من نحو صبا وخلل وحجر سفه ، وكذا فسق على المعتمد من خلاف قويّ منتشر كالعدم ، بناء على الأصح أن ذا المانع لا يسمى ولياً ، فعليه لا يعتبر رضاه بغير الكفء مطلقاً ، وقيل : يعتبر إن كان صحيح العبارة كسفيه وفاسق ، لأن ذا المانع له ولاية متأخرة اهـ. وفي فتاوى أخرى له : فلا يعتبر رضاه أي من ذكر في الكفاءة إن كان مسلوب العبارة كصبي ومجنون على المعتمد ، بخلاف ما لو كانت عبارته صحيحة كفاسق ومحجور سفه فيعتبر رضاه فيما يظهر وإن لم يل التزويج ، وإذا قلنا بانتقال الولاية بأحد الموانع المذكورة فالأصح انتقالها للأبعد والثاني للحاكم ، فالاحتياط أن تأذن لكل من الأبعد والحاكم ثم يوكل أحدهما الآخر.

(

مسألة : ي) : غاب وليها مسافة القصر انتقلت الولاية للحاكم لا للأبعد في الأصح ، ثم ينبغي استئذانه أو الإذن له خروجاً من هذا الخلاف القائل به الأئمة الثلاثة ، فلو زوج الأبعد حينئذ كان الوطء شبهة يثبت به نسب الأولاد ، وتحريم المصاهرة ، ومهر المثل للموطوءة والعدة ، لأجل النظر واللمس والخلوة وعدم النقض ، ويجب التفريق بينهما ، ولواطئها العقد بها في عدته ولها المسمى حينئذ.

(مسألة) : زوج ابنته والحال أنها غائبة عن بلد العقد صح النكاح بشرط إذن الثيب ، وكذا البكر إن كان الزوج غير كفء على المعتمد ، بخلاف الحاكم لا يزوّج إلا من في محل ولايته ، ولو فسق الأب أو جنّ انتقلت إلى بقية العصبة الأقرب فالأقرب ، ولو طلبها ابن عمها الكفء فامتنع وليها ، فسافر بها الخاطب إلى مرحلتين ثم حكَّما عدلاً بتزويجهما ثم أذنت له صح نكاحه ولا اعتراض عليه ، بل لو حكما بالبلد عند امتناع الولي أو فسقه جاز أيضاً بشرطه.

(مسألة) : لا يجوز تولي طرفي عقد النكاح إلا للجد في تزويج ابن ابنه المحجور عليه بصبا ، أو جنون بنت ابنه الآخر البكر عند فقد أبويهما ، أو قيام مانع بهما من الولاية لا نحو غيبة وإحرام ، بشرط أن يأتي بصيغتي الإيجاب والقبول ، وأن يقرن القبول بواو العطف فيقول : وقبلت الخ ، كما رجحه في التحفة ، خلافاً لـ (م ر) وخرج بالجد المذكور نحو العم والحاكم في تزويج ابنه المحجور بموليته فلا يتولى الطرفين ، بل تنتقل ولاية المرأة حينئذ للحاكم ، كما لو كانت بنت الابن ثيباً في مسألة الجد ، إذ من شرط تولية الطرفين الإجبار ، وهذا نظير ما لو أراد الولي أو الحاكم كالسلطان تزويج موليته لنفسه ، فتنتقل الولاية للحاكم في الأولى لا للأبعد ، ولحاكم آخر ولو متولياً منه في الأخيرتين ، كما قاله ابن حجر و (م ر) وغيرهما.

(مسألة : ك) : يشترط لصحة نكاح المجبر أن يزوّجها من كفء موسر بمهر المثل ، وعدم عداوة بينها وبين الزوج ، وعدم عداوة ظاهرة بحيث لا تخفى على أهل محلتها بينها وبين الولي ، وشرط جواز الإقدام لا الصحة كونه بمهر المثل حالاً من نقد البلد ، نعم لو جرت العادة بتزويج الأقارب بدون مهر المثل صح العقد بدونه وكان مهر المثل ، كما لو اعتدن التأجيل أو غير نقد البلد اهـ. وفي ج : زوج بكراً صغيرة بصبي غير موسر بالمهر لم يصح على المعتمد الذي عليه الشيخان وغيرهما ، لأن شرط الإجبار يسار الزوج بالهر ، واعتمده مشايخنا وبه يعملون ، حتى إنهم يملكون أولادهم شيئاً من المال قبل العقد ، وحينئذ فحبس المرأة وتتبع الأقوال الخارجة إضرار بها أيّ إضرار وسببه الجهل.

(

مسألة : ش) : زوجها أبوها إجباراً بكفء ، فشهدت بينة ولو أربع نسوة حسبة بأنها كانت ثيباً بوطء قبل عقد الأب حكم بكون المرأة خلية عن النكاح ، فإن ادعت ذلك على الزوج مع غيبته أو وهو حاضر لم يخالطها لم تسمع دعواها وبينتها ، نعم إن طلبت من الحاكم أن يزوّجها أو الولي بحضرة الحاكم فقال : كنت مزوجة بمن عقد له أبوك جبراً ، فادعت أنها كانت ثيباً بوطء قبله وأقامت بينة سمعت وثبت عدم كونها مزوّجة بالأول ، وإن ادعت في وجه الزوج فإن صدقها أو أقامت البينة المذكورة ، أو نكل عن اليمين على نفي العلم فحلفت المردودة بطل النكاح أيضاً وإلا استمر ، كما لو تقيد البينة بالثيوبة بالوطء أو يقبل العقد لإمكان زوالها بغير الوطء أو بعد العقد أو تخلق ثيباً ، ولا عبرة بالحمل فيما لو بانت حاملاً ، إذ البكر قد تحمل كما شوهد كثيراً اهـ. قلت : وقوله إذ البكر الخ. أي كأن توطأ وهي غوراء لم تزل بكارتها أو تستدخل المني ، أو توطأ في الدبر فتحمل بذلك من غير زوال بكارة.

(مسألة : ش) : زوّجت خرساء بالإشارة من صبي قبل له وليه ، ثم ادعى وليها غير المجبر أن تزويجه إياها قبل بلوعها فلا أثر لدعواه في الصحة وعدمها ، بل إن علم صحة النكاح بوقوعه بعد بلوغ المرأة فذاك ، وإلا فهو محكوم ببطلانه استصحاباً لأصل الصبا ، ثم إن ادعى ولي الصبي أو هو بعد بلوغه على المرأة لا على وليها ، إذ لا تسمع الدعوى على غير المجبر أن النكاح بعده فصدقته بالإشارة ، أو أقام بينة بالبلوغ أو ردت اليمين فحلف ثبت النكاح ، وإن عارضتها بينتها بعدم البلوغ في الحيض ، وكذا السن في بعض الصور ، لأن الأولى معها زيادة علم.

(مسألة) : تزوّج ابنة عمه فأتت له بولد ثم فارقها ، وأرادت التزويج بغيره كان وليها ابن عمها المذكور عند عدم أقرب منه ، ثم ابنه الذي هو ابنها ، فيزوّجها بالقرابة لا بالبنوّة ، كما لو كان الابن قاضياً فيزوّج أمه بالولاية ، إذ البنوّة غير مقتضية للولاية لا مانعة لها بخلاف الرق ، ولو فقدت العصبة من النسب زوجها الحاكم ، وليس للوصي وولي مالها ورشيدها تزويجها ، وإن أوصي إليه بذلك على المعتمد.

(مسألة) : عتقت الجارية وأبوها كان ولاية النكاح والإرث له ، سواء عتق قبلها أو بعدها ، وإن اختلف معتقهما ، ثم لبقية عصبتها ، ثم معتقها ، ثم عصبته ، ثم معتق الأب ، فلو أرادت التزويج برقيق ووليها غائب لم يصح إلا برضاه على المعتمد.

(مسألة : ش ك) : أذنت لوليها قبل أن تخطب أو وهي مزوّجة أو في العدة ، ثم خطبت وزوجها بعد زوال المانع صح ، كما يصح توكيل وليها حينئذ وهي كذلك ، وزاد في ش : ويستفيد به تكرير العقد فيما لو أذنت له في التزويج كلما طلقت واعتدت لا في توكيل الولي ، لكن ينفذ فيه أيضاً لعموم الإذن اهـ. وفي ك أيضاً : أذنت لوليها أن يزوجها برجل تحته أختها إذا طلقها صح الإذن ولم يحتج لتجديده بعد.

(

مسألة : ك) : أذنت لوليها مطلقاً ولم تعلم من هو أو في زوج غيرمعين كفى ، وقولها : رضيت أن أزوج ، أو رضيت فلاناً متضمن للإذن للولي ، فله أن يزوجها بغير تجديد إذن ، لكن محله إن لم ترجع عن الإذن وإلا احتاج إلى تجديده.

(مسألة : ش) : يكفي قول المرأة عند الاستئذان : آذنت بالمدّ وفتح الذال في تزويجي أو أن تزوجني ، فإن لم تعين الزوج زوّجها من كفء ، وإن عينته كفى قولها زوجني فلاناً ، ويكفي لفظ التوكيل ، ويجوز للحاكم الإقدام على تزويج موليته ، لكن بعد شهادة عدلين بإذنها من غير سبق دعوى من الزوج لتعذرها حينئذ.

(مسألة : ي) : بدوية قالت لوليها : أنت وكيل بجوازتي من تحت فلان أي بعقد فلان صح إذنها ، إذ قولها بجوازتي الخ ليس بشرط لصحة العقد ، بل يصح عقد غير المعين المذكور.

(مسألة) : أذنت لوليها بلفظ التوكيل صح ، إذ المعنى واحد ، ولو قالت : وكلتك كلما عزلت فأنت وكيل صح في الحال ، ولا يعود وكيلاً إذا انعزل ، لكن ينفذ عقده لعموم الإذن ، ذكره ابن حجر وغيره ، فلو ادّعت عزله قبل العقد ، فإن أثبتته بشاهدين أو صدقها الزوج بان بطلانه وإلا فلا ، وإن صدقها الولي ، وقيل وهو مذهب أبي حنيفة ورواية عن أحمد : إن الوكيل لا ينعزل إلا ببلوغ الخبر ممن تقبل روايته ، وإذا لم تثبت العزل ولم يصدقها الزوج حلف على نفي العلم ، فإن ردّهاحلفت على البت وبطل النكاح.

(مسألة : ي) : مذهب الشافعي أن البكر الصغيرة لا يزوجها إلا مجبر أب أو جد فقط ، والثيب لا تزوج حتى تبلغ ، ومذهب الحنفية جواز تزويج غير المجبر لهما ، فيقدم الأقرب فالأقرب من العصبة ، ثم بعدهم الأم ، فالأخت الشقيقة فللأب ، فالإخوة للأم ، فذوو الأرحام ثم السلطان فالقاضي ، لكن إنما يزوج الأخيران من كفء بمهر المثل مطلقاً ، كاللذين قبلهما في الثيب لا البكر ، نعم الأب والجد لهما التزويج مطلقاً بلا قيد بكراً أو ثيباً ، ويجوز التقليد ولو من غير ضرورة في التزويج وغيره لكن باجتماع شروطه ، ومنها العلم بأركان النكاح في مذهب المقلد وجريانه على مذهبه في تلك القضية وما تعلق بها ، كطلاق وظهار وعدم تتبع الرخص ، نعم القاضي لا يجوز له التقليد مطلقاً ، إذ يلزمه الجري على المعتمد اهـ. وعبارة ج ش : لا يجوز ، ولا يصح لغير الأب والجد تزويج الصغيرة بحال ، وإن تضررت بعدم النفقة قولاً واحداً بلا خلاف عندنا ، فمن حكم أو أفتى بصحته نقض حكمه وردت فتواه ، وأما تزويجها على مذهب أبي حنيفة فلا ينبغي للمحتاط لدينه أن يتساهل فيرخص في العمل بذلك ، كما يفعله بعض متفقهة العصر إذ لا ضرورة إلى ذلك ، لأن الضرورة حيث أطلقت هي التي يسوغ معها أكل الميتة فمتى يحكم بذلك ، نعم قال ابن عجيل وإسماعيل الحضرمي وولده : يجوز مع شدة الحاجة تقليد أبي حنيفة القائل إن لكل من الأولياء حتى الحاكم تزويجها سواء فقد المجبر أو غاب ، بل جوّز شريح وعروة وحماد تزويج الأجنبي للصغيرة ، وكأنهم راعوا المشقة في عدم التزويج. والحاصل أنه لا ينبغي لغير متبحر في العلم عالم بشروط التقليد فتح هذه المسألة والإفتاء بها ، فمن فعل ذلك فهو إما مدعي التبحر أو متهوّر اهـ. وعبارة ب : يجوز تقليد مذهب الغير في العمل في نكاح امرأة بلا ولي أو بلا شهود بشروطه المارة ، ومعلوم أن تقليد المذهب الآخر صعب على فقهاء العصر فضلاً عن عوامهم ، فينبغي للمستبرىء لدينه التثبت وسلوك طريق الاحتياط في مثل ذلك.

(

مسألة : ش) : تزوج فقيه أو عامي امرأة من نفسها على مذهب أبي حنيفة ، فإن كان ملتزماً لمذهبه فلا اعتراض عليه ، نعم إن رفع الأمر لقاض شافعي فنقضه بطل قطعاً ، أو لمذهب الشافعي حرم ذلك ، ووجب إنكاره على كل ذي قدرة ولو حنفياً بيده ثم بلسانه ثم بقلبه ، إذ هو حرام في عقيدة الفاعل فيجب إنكاره كالمجمع عليه ، ووجب على الشافعي نقضه ، وحينئذ ترتفع شبهة الخلاف ويبطل قطعاً أيضاً ، وإذا قطع بالبطلان كان وطؤه زنا ، وليس لقاض حنفي الحكم بصحته حينئذ ، كما لو رفع أوّلاً لحنفي فحكم بصحته فيصح قطعاً ، ويجري هذا التفصيل فيما لو زوج السيد عبده الصغير بأمته إجباراً وتولى الطرفين على المذهب القديم ومذهب مالك وأبي حنيفة ، فلا يجوز لشافعي كحنبلي الحكم بصحته ، إذ المذهب القديم ليس مذهباً للشافعي ، فإن حكم بالصحة مالكي أو حنفي صح قطعاً ، إذ حكم الحاكم براجح مذهبه يرفع الخلاف ويصير كالمجمع عليه ويعزر الزوجان إن اعتقدا تحريمه ، نعم إن دعت ضرورة إلى ذلك كأن احتاجت للنفقة ولحقها في إعلام وليها مشقة صح باطناً ما لم يحكم بصحته حنفي فيصح ظاهراً أيضاً ، فإن رفع أوّلاً لشافعي نقضه إلا إن كان أهلاً للترجيح ورأى المصلحة في إبقائه ، ولم يشترط عليه الحكم براجح المذهب ، ولم يطرد به العرف في المسألتين ، ولا ينبغي أن يفتح باب التجويز والتخيير ، إذ يؤدي إلى مفاسد عظيمة لقضاة السوء ومتفقهتهم اتباعاً للأهوية.

(مسألة : ب ش ك) : ادعت مجهولة النسب أنه لا وليّ لها قبلت ، إذ العبرة في العقود بقول أربابها نعم الأحوط إثبات ذلك ، وله التأخير ما لم تلح ، فالأولى المبادرة وتحليفها ندباً بأن لا ولي لها ، وأنها خلية عن موانع النكاح ، أما معروفة النسب لو ادعت موت وليها فلا يزوّجها القاضي كالمحكم حتى يثبت ذلك ، كما لو ادعت موت زوجها المعين أو طلاقه ، بخلاف ما لو قالت : كنت مزوجة فطلقني الزوج واعتددت ولم تعينه فتصدق بلا يمين اهـ. وعبارة ي : اعتمد في التحفة عدم جواز إقدام الحاكم على تزويج من طلقها زوجها المعين أو مات بعد ثبوته لديه ، واعتمد في الفتاوى وابن زياد وأبو قضام جواز ذلك إذا صدق المخبر ، إذ العبرة في العقود بقول أربابها ، ولأن تصرف الحاكم ليس حكماً وهو القياس ، وأما الصحة فعلى ما في نفس الأمر إن بان الفراق صح وإلا فلا.

(مسألة : ش) : العبرة بكون المرأة بمحل ولاية الحاكم وعدمه بحال التزويج لا الإذن ، فلو أذنت خارجه وزوّج وهي به صح ، وإن ظنها خارجه اعتباراً بما في نفس الأمر ، ولا يشترط كون الزوج به ، لأن حكم الحاكم نافذ في جميع أقطار الأرض بخلاف العكس ، وإن كان الزوج به لكن لا يفسق لو زوّجها حينئذ ، لأن تعاطي العقود الفاسدة صغيرة ، فلو شك هل وقع العقد وهي به أو خارجه استصحب الأصل من كونها فيه أو خارجه قبل العقد ، فإن لم يكن أصل يستصحب بطل العقد احتياطاً للنكاح ، فعلم أن خروج الحاكم أو خروجها عن محل ولايته بعد الإذن لا يؤثر ، فيزوج إذا رجع أو رجعت بخلاف عزله ، نعم إن لم يكن في المحل الذي هي فيه قاض فحكَّمت هي وخاطبها من فيه الأهلية ولو القاضي المذكور صح ، وإن بعدت عن محله إذ هو الآن محكم ، ولا يشترط في المحكم كونها بمحله.

(

مسألة : ش) : غاب وليها مرحلتين من بلدها ، فأذنت للحاكم يعني الذي شمل حكمه لبلدها وإن لم يكن بها صح ، وإن قرب من محل الولي أو كانا في بلد واحدة بل وإن كان القاضي المذكور أبعد من محل الولي إلى المرأة ، لأن العلة وهي غيبة الولي التي هي شرط لثبوت ولاية الحاكم وجدت ولا عبرة بالمشقة وعدمها.

(مسألة : ي) : يصح تزويج الحاكم من غاب وليها بعد البحث عنه هل هو بمسافة القصر أم لا ؟ فلو شك وتعذر الإذن لعدم العلم بمحله صح أيضاً ما لم يبن قريباً ، ويزوّج الحاكم بنت رقيق أمها حرة أصلية ، فإن كانت الأم عتيقة فولايتها لموالي الأم ما لم يعتق أبوها ، وإلا انجر الولاء له ولمواليه ولم يعد.

(مسألة) : أتى رجل إلى الحاكم يريد التزوج بامرأة ، وادعى أنها أذنت لوليها الغائب ، وأن وليها وكَّل الحاكم في ذلك ، لم يصح تزويج الحاكم إلا بعد ثبوت ذلك على المعتمد ، نعم إن كان وليها بمسافة القصر وهي بمحل ولاية الحاكم وأذنت له صح تزويجه فإن وطىء حيث قلنا ببطلانه فبشبهة ، كما لو زوّجها بلا وليّ أو شهود.

فائدة : الأمة الموقوفة على معين يزوجها الحاكم بإذن الموقوف عليه لا منه بلا إجبار منه لها ، وعلى غير معين كمسجد يزوجها أيضاً بإذن الناظر ، وأما عبيد بيت المال فلا يزوجون بل يباعون ، ويزوجهم سادتهم كالعبد الموقوف ، لا يزوّج أبداً على المختار عند أئمة المذهب ، وإن تعلق بعض المفتين بترجيح الغزالي فهو مدخول اهـ فتاوى ابن زياد. وقد صرح في التحفة في باب الوقف بأن الأتراك عبيد بيت المال أعتقهم ناظره ، والحال أنه رقيق بيت المال ولا يصح عتقه.

207

التحكيم والتولية

(مسألة : ب ش) : الحال في مسألة التحكيم أن تحكيم المجتهد في غير نحو عقوبة لله تعالى جائز مطلقاً ، أي ولو مع وجود القاضي المجتهد ، كتحكيم الفقيه غير المجتهد مع فقد القاضي المجتهد ، وتحكيم العدل مع قد القاضي أصلاً أو طلبه مالاً وإن قل ، لا مع وجوده ولو غير أهل بمسافة العدوى ، وكذا فوقها إن شملت ولايته بلد المرأة ، بناء على وجوب إحضار الخصم من ذلك الذي رجح الإمام الغزالي والمنهاج وأصله عدمه ، ولا بد من لفظ من المحكمين كالزوجين في التحكيم كقول كل : حكمتك لتعقد لي أو في تزويجي ، أو أذنت لك فيه ، أو زوجني من فلانة أو فلان ، وكذا وكلتك على الأصح في نظيره من الإذن للولي ، بل يكفي سكوت البكر بعد قوله لها : حكميني أو حكمت فلاناً في تزويجك ، ويشترط رضا الخصمين بالمحكم إلى صاحب الحكم لا فقد الولي الخاص ، بل يجوز مع غيبته على المعتمد كما اختاره الأذرعي ، ولا كون المحكم من أهل بلد المرأة ، فلو حكمت امرأة باليمن رجلاً بمكة فزوّجها هناك من خاطبها صح وإن لم تنتقل إليه ، نعم هو أولى لأن ولايته عليها ليست مقيدة بمحل ، وبه فارق القاضي فإنه لا يزوج إلا من محل ولايته فقط ، بل لو قالت : حكَّمتك تزوجني من فلان بمحل كذا لم يتعين إلا إن قالت : ولا تزوِّج في غيره ، وأما التولية فهي والتفويض بمعنى وليس هي التحكيم خلافاً لبعضهم ، فشرطها فقد الولي الخاص والعام ، فللمرأة إذا كان في سفر أو حضر وبعدت القضاة عنها ولم يكن هناك من يصلح للتحكيم أن تولي عدلاً كما نص عليه. زاد في ب : وشرط ابنا حجر وزياد في التحكيم فقد الولي الخاص ، فلا يجوز مع غيبته وجوّزه الأذرعي والرداد ، واقتضاه كلام ابن حجر في الفتاوى وابن سراج ، قال أبو مخرمة وهو مقتضى كلام الشيخين : نعم يشكل على ذلك فيما إذا عم الفسق في زمان أو مكان كما هو المشاهد ولا يستغرب ، فقد قال الإمام الغزالي : إن الفسق قد عم العباد والبلاد ، ولم يكن بمحل المرأة ولي خاص ولا حاكم ولا عدل ، وقد ذكروا

أنه لا يجوز تحكيم الفاسق مطلقاً ، فل يتعين عليها الانتقال إلى محل الحاكم وإن بعد وشق وخافت العنت ؟ أو تزوّج نفسها تقليداً لمن يرى ذلك إن علمته بشروطه ، وكذا إن لم تعلمه واعتقدت أنه حكم شرعي ووافقت مذهباً كما مر في التقليد ، أو تولي أمرها الأمثل فالأمثل ، أي الأقل فسقاً في موضعها وما قرب منه ، ولو قيل يتعين انتقالها إلى الحاكم وإن بعد إن لم تخف العنت ولم تعظم المشقة ولا أمكنها تقليد مذهب معتبر ، ولا تولي الأمثل فالأمثل لم يكن بعيداً ولكنت أميل إليه ، بل نقل الأشخر عن فتاوى البلقيني جواز تحكيم المقلد غير العدل مع فقد قاض مجتهد وكفى به سلفاً هنا.

(

مسألة : ي) : غاب وليها مرحلتين ولم يكن ثم قاض صحيح الولاية بأن يكون عدلاً فقيهاً ، أو ولاه ذو شوكة مع علمه بحاله بمسافة القصر حكَّمت هي والزوج عدلاً يقول كل منهما : حكمتك تزوجني من فلانة أو فلان ، ولا بد من قبول المحكم على المعتمد ثم تأذن له في تزويجها ، ويجوز تحكيم الفقيه العدل ولو مع وجود القاضي كغير الفقيه مع عدمه بمحل المرأة ولو مع وجود فقيه.

208

الكفاءة

فائدة : مذهب الإمام مالك عدم اعتبار الكفاءة ، وقد قال ابن حجر وأبو مخرمة : إن صاحب الأمر إذا أمر باتباع مذهب وجب ولا يجوز نقضه ، فحينئذ إذا سهل استئذانه في هذه الواقعة فحسن ، قاله أحمد مؤذن : باجمال اهـ محمد باسودان.

(مسألة : ي) : اعلم أن الذي يستفاد من كلام أئمتنا أن في الكفاءة أربعة أقوال : الأول أنه لا تكافؤ بين الزوجين إلا إذا ساواها الزوج أو زاد عليها في النسب ، وعدد الآباء إلى المنتسب إليه ، ووجد استواء الزوجين وآبائهما في العفة والحرية ، وقرب الإسلام والشهرة بالعلم والصلاح ، وبالولاية العادلة أو ضدها ، فمتى كانت أرفع منه بدرجة في النسب ، أو كان في آبائها من اتصف بصفة كجدها الخامس مثلاً ، ولم يتصف بذلك جده المذكور ، وإن اتصف بها جده السادس دون جدها لم يكافئها ، لأن خصال الكفاءة لا يقابل بعضها ببعض ، وهذا ما اعتمده الشيخان وجرى عليه المتأخرون كابن حجر و (م ر) . الثاني : يشترط الاستواء في النسب والعفة والحرية والحرفة مع مجرد الاشتهار بالعلم والصلاح والأمارة ، ولا يشترط الاستواء بل النازل بدرجة فأكثر كفء لمن فوقه ، وهذا ما اعتمده في القلائد ودعسين والعمودي ، وكلام ابن قاضي يميل إلى أنه مرجح الشيخين. الثالث : اعتبار ذلك بالزوجين فقط لا آبائهما ، وهو ما رجحه الأذرعي ونقله عن الأكثر ، ورجحه ابن الرفعة ، وقال العمودي : هو المختار الذي دل عليه العمل من قديم الزمان. الرابع : مقابل الأصح أنه يعتبر فيهما ما مر في الأول ، لكن يقابل بعض الخصال ببعض ، فإذا فقدت خصلة في أحدهما ووجدت أخرى وحينئذ إذا زوجها أحد الأولياء المستوين ، فإن كان برضا البقية صح مطلقاً أو بغير رضاهم ، فإن وجدت قابلتها الكفاءة على أحد الأقوال الثلاثة : الأول صح أيضاً كما لو انتفت والعاقد عدل دونهم وإن انتفت ، والكل فسقة أو فيهم عدل لم يرض بطل النكاح على الأصح ، أما لو انتفت على جميع الأقوال فيبطل قطعاً وإن ظنته هي والعاقد كفؤاً ، ومحل قولهم إنه لا خيار فيما إذا ظنته هي ووليها كفؤاً فبان عدمه إذا اتحذ الولي أو تعدد وأذن الكل ولو ترافعوا إلى الحاكم ، فإن كان قبل العقد لم يصح الحكم بمنع التزويج ، إذ لم يدخل وقته أو بعده ، فإن وجدت على القول الأوّل فلا كلام في

صحة النكاح ، أو على الثاني أو الثالث فكذلك أيضاً ، لأنهما وإن كانا مرجوحين فقد رجحهما المتأخرون وقرروهما ، وعليهما عمل القضاة في جميع الأمصار ، فلا يجوز لقاض إبطاله ، إذ في العمل بالقول الأول من العسر والضرر ما لا يخفى ، فليسع القاضي اليوم ما وسع القضاة والعلماء الأعلام قبله.

(

مسألة : ك) : يشترط لتزويج الولي موليته بغير الكفء تعيين الزوج لها في الاستئذان أو وصفه بأنه غير كفء ، فإذا رضيت به ولو سفيهة ولو بالسكوت في البكر ، ورضي سائر الأولياء المستوون في الدرجة صح النكاح ، نعم لا يشترط رضا الوليّ في الجب والعنة ، ويكره كراهة شديدة تزويجها من فاسق إلا لريبة ، ومحل صحة النكاح إذا زوّجها الولي الخاص لا العام ، قال في التحفة : ولو طلبت من لا وليّ لها أن يزوّجها السلطان بغير كفء ففعل لم يصح ، وقال كثيرون أو الأكثرون : يصح ، وأطال جمع متأخرون في ترجيحه وتزييف الأول وليس كما قالوا ، وعلى الأول لو طلبت ولم يجبها القاضي فالأقرب أن لها أن تحكم عدلاً يزوّجها منه للضرورة ، حيث لم يكن حاكم يرى ذلك لئلا يؤدي ذلك إلى الفساد اهـ. وألف البلقيني في صحة تزويجها ممن لا يكافئها تأليفاً مستقلاً أطال فيه الأدلة وبين أنّ ما رجحه الشيخان ليس مذهب الشافعي ، قال : فإذا كان الشخص معتقداً ما صححاه فلينتقل عن هذا الاعتقاد قبل العقد ثم يقبل النكاح ، فإن لم ينتقل ووقع الحكم بالصحة حلّ الاستمتاع ظاهراً وباطناً اهـ. وفي ب ش نحو ما نقل عن التحفة وزادا : والذي نراه الأول إلا عند مشقة أو خوف فتنة ، فينبغي اعتماد ما قاله الأكثرون ، بل بحث بعضهم أنه يلزم الحاكم إجابتها عند خوف الفتنة ، لكن محل هذا القول في عادمة الولي لا إن غاب ، ومحله أيضاً حيث لم يكن هناك من يرى تزويجها ولم تجد عدلاً تحكمه وإلا لم يلزمه ، إذ لها عند امتناع الحاكم التحكيم للحاجة.

(مسألة : ش) : زوّج بعض الأولياء موليته بغير كفء برضا من في درجته ، ثم أبانها الزوج وأرادت التجديد منه ، فلا بد من رضا الجميع الآن أيضاً على المعتمد ، ولا يكتفى برضاهم السابق ، ومثله القاضي مع غيبة الولي ولو تجديداً بمن رضي به الولي أولاً ، بل هو أولى بالمنع من بعض الأولياء.

(مسألة : ش) : زوّج المجبر موليته إجباراً من فاسق بترك الصلاة أو الزكاة لم يصح على الأظهر لعدم الغبطة ، ويعزر بتزويجها غير كفء ما لم تدع إليه حاجة ويقلد تقليداً صحيحاً ، بل لو خطبها كفؤان وأحدهما أكفأ لزم الولي تزويجها به ، وهذا كما لو زوّج بعض الأولياء المستوين بغير رضا الباقين ، والثاني يصح ولها ولهم الخيار وهو مذهب الحنفية ، ولا يجوز الإفتاء به إلا لمن له أهلية التخريج والترجيح لا لعلماء الوقت اهـ. وعبارة (ك) العامي الذي لا يعلم فرائض نحو الصلاة والوضوء لا يصحان منه ، كما لو قصد بفرض معين النفلية أو أخل بشيء معين من الفروض ، وحينئذ يفسق بترك التعلم لعدم صحة العبادة منه ، بخلاف من اعتقد جميع أفعال الصلاة فرضاً ، فحينئذ من أتى من العوام بالفروض العينية على وجه صحيح فليس بفاسق ، فيكافىء الصغيرة من هذه الحيثية ومن لا فلا ، على أن للشافعي قولاً وهو مقابل الأظهر بصحة النكاح من غير كفء ، لكن إن زوجت إجباراً أو أذنت إذناً مطلقاً تخيرت بعد علم الكبيرة وبلوغ غيرها ، وقيل لا تتخير.

(

مسألة : ش) : ليس للهاشمي الغير المنتسب إليه كذرية عليّ كرم الله وجهه من غير فاطمة رضي الله عنها كفؤاً لذرية السبطين الحسنين ابني فاطمة الزهراء رضي الله عن الجميع ، وذلك لاختصاصهم بكونهم ذريته عليه الصلاة والسلام ومنتمين أي منتسبين إليه في الكفاءة وغيرها ، ويحمل قولهم : إن بني هاشم وبني المطلب أكفاء على غير أولاد السبطين ، وقوله : "نحن وبنو المطلب شيء واحد" ، على الموالاة والفيء وتحريم الزكاة وغيرها. ولا دليل في تزويج عليّ أم كلثوم بنت فاطمة من عمر رضي الله عن الجميع فلعلهما كانا يريان صحة ذلك اهـ. ونحوه في (ي) وزاد : إذ الكفاءة في النسب على أربع درجات : العرب وقريش وبنو هاشم والمطلب ، وأولاد فاطمة الزهراء بنو الحسنين الشريفين رضوان الله عليهم ، فلا تكافؤ بين درجة وما بعدها ، وحينئذ إن زوجها الولي برضاها ورضا من في درجته صح ، أو الحاكم فلا وإن رضيت.

(مسألة : ي) : عمل ساداتنا آل أبي علوي نفع الله بهم أنهم لا يراعون بعد صحة النسب إلى سيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين شيئاً مما ذكره الفقهاء من القرب والبعد والصلاح والعلم والحرفة ونحوها طلباً لما هو أهمّ من ذلك ، وهو تحصين الشريفة بشريف مثلها ، ولا يتأتى ذلك إلا بالإعراض عن تلك التفاصيل ، فالمعترض عليهم متعنت يخشى عليه الطرد والمقت لأنهم أئمة أجلة ، ما خالفوا ذلك التفصيل إلا لعلة ، وعلى ذلك عمل حكام جهتنا سابقاً ولاحقاً.

(مسألة) : شريفة علوية خطبها غير شريف فلا أرى جواز النكاح وإن رضيت ورضي وليها ، لأن هذا النسب الشريف الصحيح لا يسامى ولا يرام ، ولكل من بني الزهراء فيه حق قريبهم وبعيدهم ، وأتى بجمعهم ورضاهم ، وقد وقع أنه تزوّج بمكة المشرفة عربي بشريفة ، فقام عليه جميع السادة هناك وساعدهم العلماء على ذلك وهتكوه حتى إنهم أرادوا الفتك به حتى فارقها ، ووقع مثل ذلك في بلد أخرى ، وقام الأشراف وصنفوا في عدم جواز ذلك حتى نزعوها منه غيرة على هذا النسب أن يستخفّ به ويمتهن ، وإن قال الفقهاء إنه يصح برضاها ورضا وليها فلسلفنا رضوان الله عليهم اختيارات يعجز الفقيه عن إدراك أسرارها ، فسلَّم تسلم وتغنم ، ولا تعترض فتخسر وتندم. وفي ي المتقدم ما يومىء إلى ما أشرنا إليه من اتباع السلف ، إذ هم الأسوة لنا والقدوة ، وفيهم الفقهاء بل المجتهدون والأولياء بل الأقطاب ، ولم يبلغنا فيما بلغنا أنه قد تجرّأ غيرهم ممن هو دونهم في النسب أو لم تتحقق نسبته على التزوّج بأحد من بناتهم قط ، اللهم إلا إن تحققت المفسدة بعدم التزويج فيباح ذلك للضرورة ، كأكل الميتة للمضطر ، وأعني بالمفسدة خوف الزنا ، أو اقتحام الفجرة أو التهمة ولم يوجد هناك من يحصنها ، أو لم يرغب من أبناء جنسها ارتكاباً لأهون الشرين وأخف المفسدتين ، بل قد يجب ذلك من نحو الحاكم بغير الكفء كما في التحفة.

(

مسألة : ش) : حد الفقيه من أدرك من كلّ باب من أبواب الفقه ما يستدل به على باقيه ، والعالم هو الفقيه المذكور أو المفسر أو المحدّث ، فالفقيه أخص فلا يكافىء بنتهما جاهل ، نعم من لم يبلغ منهما تلك الرتبة كافأ بنته الجاهل ، وتوقف فيه في التحفة فارقاً بين الكفاءة والوصية.

(مسألة : ش) : يكافىء حرة الأصل من أمه أم ولد ، إذ هو حر الأصل أيضاً ليس لأحد عليه ولاء ، بخلاف من أمه أمة ، وإن عتقت أو عتيقة ، أو في آبائه عتيقان أو عتقاء أكثر أو أقرب ، فلا يكافىء من ليست كذلك ، كما لو كان أبوها عالماً أو قاضياً ولو غير مجتهد ، ولو لم يكن هناك أفضل يصلح للولاية ، أو كان في آبائها علماء أكثر أو أقرب ، فلا يكافئها من لم يتصف بتلك الصفات ، أما الانتساب إلى قضاة الزمان المخلطين أو المتولين مع وجود أفضل منهم فلا عبرة به كالانتساب إلى ولاة الظلم والجور.

(مسألة : ش) : لا يكافىء ولد ذي الحرفة الدنيئة ومن له أبوان فيها من ليست كذلك كولد الفاسق بنت العفيف ، ومن أسلم بنفسه من أسلم أبوها كما رجحه الشيخان ، نعم لو تاب ذو الحرفة الدنيئة قبل موته ومضت عليه سنة ولم تكن مما يعير بها أبداً كافأها ومن باب أولى ولده ، وهذا بخلاف ولد نحو الأبرص فيكافىء من ليس أبوها كذلك ، إذ لا يعير بعيب أبيه مما ليس باختياره. وقال الماوردي والروياني والهروي وأبو الطيب : لا عبرة بفسق الأب وكفره وحرفته ، ورجحه الأذرعي وجعله المنقول ، فلو حكم بصحة النكاح قاضي الزيدية مثلاً ، فإن ولاه ذو شوكة وحكم بجادّة مذهبه نفذ حكمه ظاهراً وكذا باطناً للضرورة ، وإذا صححنا الحكم المذكور فيعلم مذهبه ، فإن كان يكافىء عندهم من أبوه ذو حرفة دنيئة مثلاً من ليست كذلك كما هو عند الهروي ومن وافقه فلا خيار لها إذا بلغت لو كانت حال العقد صبية ، بل لا مخلص لها إلا نحو الطلاق وإن لم يكافئها عندهم ولكن لها الخيار ، فحكمه بالصحة مقيد بثبوت الخيار بعد البلوغ ، فإذا اختارت الفسخ ففسخ بعيب فتعتبر شروطه.

(مسألة : ك) : تتفاوت الحرف في الكفاءة كما نص عليه الأئمة في بعضها وذكروا ، لما لم ينصوا عليه ضوابط يعرف بها الخسيس من غيره ، فمن ذلك قول التحفة : ويظهر أن كل ذي حرفة فيها مباشرة نجاسة كالجزارة على الأصح ليس كفؤاً لذي حرفة لا مباشرة فيها ، وأن بقية الحرف التي لم يذكروا فيها تفاضلاً متساوية إلا إن اطرد تفاوت في عرف بلد الزوجة اهـ. وقال في الأنوار : فأصحاب الحرف الدنيئة ليسوا بأكفاء للأشراف ولا لسائر المحترفة ، فالكناس والحجام ونحو الفصاد وقيم الحمام والحائك والراعي والقصاب والبقال والطباخ والدباس والدهان ونحوهم لا يكافئون بنت الخياط والعطار والخباز والنجار ، والخياط لا يكافىء بنت التاجر والبزاز والجوهري ، ويشبه أن يلحق بهم الصرّاف والعطار ، وهم لا يكافئون بنت القاضي والعالم والزاهد المشهور ، وتتفاوت الصنائع والحرف ، وما شك فيه يرجع لعرف البلد اهـ. وعلة تفاوت الحرف تكون تارة بالنظافة وتارة بطيب الرائحة وتارة بزيادة الكسب كالتجارة.

(

مسألة : ك) : صريح عبارة التحفة تفاوت الأرقاء في الكفاءة كالأحرار فلا بد من اعتبارها ، لكن بالنسبة لتزويج غير السيد مطلقاً ، وكذا له ما عدا الرق ودناءة النسب فله تزويج أمته ولو شريفة بعبد ودنيء.

(مسألة : ب) : زوج حرّ ابنته الحرّة الصغيرة من رقيق لم يصح النكاح وإن رضيت إذ إذنها حينئذ لاغ.

(مسألة : ك) : ونحوه ش : إذا تاب الفاسق بغير نحو الزنا ومضت له سنة كافأ العفيفة ، كما قاله ابن حجر خلافاً لـ (م ر) . أما الفاسق بالزنا ونحوه مما يتلطخ به العرض فلا يكافئها مطلقاً وإن تاب وحسنت توبته باتفاقهما.

211

الخيار والإعفاف ونكاح الرقيق

(مسألة : ش) : ادّعت عنته فأقرّ به ، وادّعى أنه مسحور عنها لم يمنع ضرب المدة والفسخ بعد ، سواء كانت دعواه السحر قبل المدة أو بعدها أو أثناءها صدّقته أم لا ، وإن قلنا بالضعيف إن مرض الزوج وحبسه أثناءها لا يحسب إذ العنة لا يعتبر فيها العجز الخلقي بل الحادث مثله ، ومن ثمَّ لو عنّ عن امرأة دون غيرها أو عن الكبر فقط كان الأمر كذلك.

(مسألة : ش) : الحب الفارسي المعروف بالشحر لا يثبت به الخيار في النكاح كالاستحاضة والقروح السائلة والبخر والصنان ونحوها ، إذ الخيار منحصر بأسباب ليست هذه منها ، ومجرد العيافة لا تقتضي الإقدام على الفسخ فلو حكم حاكم بذلك نقض.

(مسألة : ك) : اختلف الزوجان في الوطء صدق النافي منهما ، نعم تستثنى مسائل يصدّق فيها مدّعيه منها العنين إذا ادعى الوطء في مدة ضرب السنة ، وفيما إذا أعسر الزوج بالمهر يصدّق في الوطء لتمنع من الفسخ بالإعسار ، وكالمولى يصدق فيه أيضاً وفيما لو علق طلاقها للسنة وادعى الوطء في طهرها يصدق لبقاء العصمة ، وتصدق هي فيما لو اختلفا في أن الطلاق قبل الوطء أو بعده ، وأتت بولد يلحقه ، وفيما لو شرطت بكارتها فوجدت ثيباً وادّعت افتضاضه فتصدّق لدفع الفسخ لا المهر ، وفيما لو تزوجت لتحلّ لحليلها الأول فتصدق في الوطء.

(مسألة : ك) : عتق الأمة كلها تحت رقيق تخيرت في فسخ النكاح وعدمه على الفور ، نعم إن جهلت التعتق أو الخيار به صدّقت بيمينها إن أمكن ، فإن فسخته قبل الوطء فلا مهر ، أو بعده بعتق بعده فالمسمى ، أو قبله فمهر مثل. ولو عتق بعضها أو كوتبت أو عتق عبد تحته أمة فلا خيار ، وإن ملك أحد الزوجين الآخر ملكاً تاماً انفسخ النكاح بينهما ولا يحتاج إلى فسخ.

(مسألة : ش) : ملك زوجة أصله لم ينفسخ نكاح الأصل على الأصح عندنا ، وعند أحمد : وإن كان الأصل لا يحل له نكاح الأمة حين ملك الفرع ، إذ يغتفر في الدوام غالباً ما لا يغتفر في الابتداء ، كما لو أيسر الشخص بعد نكاحه الأمة فنكح حرة لا ينفسخ نكاحه للقاعدة المذكورة ، أما لو حلت الأمة للأصل الآن كأن كان رقيقاً أو الابن معسراً لا يلزم إعفافه فلا ينفسخ نكاحه قطعاً ، وإذا لم ينفسخ النكاح فأولاده الحادثون أرقاء كالسابقين لرضاه برق ولده ابتداء أي حين نكحها ، عالماً برقها راضياً برق ولده منها ، إذ القاعدة أن الفرع يتبع الأم في الرق ، سواء كان الواطىء حراً أو عبداً ، بزنا أو نكاح ، أو شبهة بأن ظنها زوجته الأمة ، ولا يخرج من ذلك إلا إذا استولد هو أو أصله الحر أمته ، فإن الولد ينعقد حراً ، ويثبت الاسيتلاد للمستولدة ، ويقدر انتقالها إلى ملك الأصل قبيل وقوع مائه لشبهة وجوب الإعفاف ، والشبهة تقتضي حرية الولد غالباً بخلاف النكاح السابق.

(

مسألة : ب) : تزوج عبد حرة برضاها ورضا وليها أو أمة لزمه نفقة المعسرين في كسبه ، فإن استخدمه سيده لزمه نفقتها إن ساوت أجرته أو نقصت عنها ، فإن زادت ولم يتبرّع بالزائد قرر ما زاد بذمّة العبد حتى يعتق إن رضيت بذمّته ، وإلا فلها الفسخ بشرطه ، هذا إن سلَّم الأمة سيدها ليلاً ونهاراً ، فإن سلمها ليلاً فقط فليس بها إلا المهر فقط اهـ. وعبارة ك : يخير سيد العبد المتزوج بين تركه عند زوجته والإنفاق عليها حينئذ من كسبه ، وبين السفر به والتكفل بالمؤن ، هذا إن لم يطلب العبد الزوجة ، وتأبى هي أو سيدها من المسير معه وإلا سقطت.

(مسألة) : لا يصح تزوج العبد عندنا إلا بإذن سيده الرشيد ، فلو غاب بعض ملاكه أو حجر عليه امتنع التزويج حتى يأذن الغائب ويكمل المحجور ، ولا يقوم الحاكم كالوكيل والولي مقامه ، وإن رأى المصلحة في ذلك بخلاف أمة المحجور ، والفرق أنه يستفاد بنكاحها المهر والنفقة والعبد يغرمهما.

(مسألة : ج) : ذكر الفقهاء صريحاً ومفهوماً أنه لا يصح تزويج العبد المتعلق برقبته مال إلا بإذن من له الجناية كالعبد المرهون مثلاً وهو مشكل جداً ، إذ لا يخلو العبيد غالباً عن الجنايات ، مع أن العمل قديماً وحديثاً على تزويجهم من غير تفتيش ولا نكير ، والظاهر أن وجه العمل المسوّغ للقضاة والنوّاب هو الاعتصام والأخذ بالأصل الذي هو عدم تعلق الحق بالرقاب عند الشك في ذلك ، ولا عبرة بالغالب والظاهر ، إذ الأصل مقدَّم عليهما ، لأنه الأضبط المتيقن بخلافهما ، وكفى بذلك حجة ومستنداً سيما إذا ضاق الأمر ، ومن المسوّغ أيضاً قولهم : إن تزويج الموسر عبده اختيار للفداء ، بل ذكر الزركشي في قواعده وغيره من العلماء خلافاً قوياً في بيع العبد الجاني مطلقاً فضلاً عن تزويجه ، فحينئذ لا يكلف النائب التفتيش عن العبد المأذون له في النكاح من سيده عما تعلق برقبته لأن الأصل عدمه ، إذ لا تثبت الجناية إلا ببينة أو إقرار السيد ، وكذا العبد بموجب قصاص ، فكان اللائق والأحسن بقاء العمل على ذلك أخذاً بالأصل وتقليداً لمن سلف ، لأنهم أورع منا وأعرف ، والفحص عن ذلك يؤدي إلى الحرج والتشويش لما فيه من التعطيل ، بل ترك التزويج يؤدي إلى مفاسد كما لا يخفى والدين يسر. ومن القواعد : المشقة تجلب التيسير ، وإذا ضاق الأمر اتسع ، وعند الضرورات تباح المحظورات ، ولا جرم أن التسهيل في مثل هذا الحال هو اللائق بالحال خصوصاً في هذا الزمان لكثرة الظلم والغصوب ؛ وبالجملة فللنوّاب الآن مندوحة وهي عمل من قبلهم من غير تفتيش ولا نكير.

213

الصداق

(مسألة : ش) : ما صح ثمناً صح صداقاً ولا عكس ، إذ المنافع يصح إصداقها ، ومتى وجدت في أحد شقي العقد كان إجارة صحيحة إن وجدت شروطها وأركانها وإلا ففاسدة ، والذي يظهر في ضابط ما يصح صادقاً أن يقال : كل ما قوبل بعوض وكان معلوماً ولم يكن بضعاً صح صداقاً ومالاً فلا ، فخرج ما لم يقابل بعوض والمجهول والبضع ابتداء كزوجتك على أن تزوجني ، أو رفعاً كعلى أن تطلق زوجتك ودخل القصاص.

(مسألة : ب) : المهر والصداق مترادفان على الأصح ، وقيل : الصداق ما وجب تسميته في العقد ، والمهر ما وجب بغير ذلك ، وله أسماء جمع بعضهم منها تسعة فقال :

مهر صداق نحلة وفريضة

طول حباء عقد أجر علائق

ويجوز إخلاء العقد من تسميته إجماعاً مع الكراهة ، ولا تحصل التسمية بقوله : زوجتك بمهر المثل من غير تقدير ، أو بمثل ما في يدي من الدراهم ولا علم له بها ، وقد تجب التسمية ، كأن كان الزوج محجوراً عليه ورضيت رشيدة بدون مهر المثل ، وكما لو كانت محجورة أو مملوكة محجور أو رشيدة وأذنت مطلقاً ورضي الزوج بأكثر من مهر المثل ، لأن ترك التسمية يوجبه وهو بخس بهنّ ، ويسنّ كونه فضة ومن عشرة دراهم إلى خمسمائة ، وأن يسلم بعضه قبل الدخول ، وما صح ثمناً صح مهراً ومالاً كخمر وحبة برّ يفسد مسماه ، ويصح النكاح بمهر المثل ، ومهر المثل هو ما يرغب به في مثلها نسباً وصفة ، فيراعى أقرب ما ينسب إليها ، فلو اعتدن مسامحة نحو قريب أو تأجيلاً جاز للولي ولو حاكم العقد به ، إذا علمت ذلك ظهر لك صحة ما جرت به العادة بجهتنا من التواطؤ على مهر معروف لا يزيد ولا ينقص ، ولا يختلف باختلاف الأشخاص ، بل هو الأليق والأقرب للتقوى في زمان البلوى ، وقد أغمضوا الجفن لذلك في كثير من مسائل الكفاءة والشهادات ، مع أن هذا المسمى في جهتنا مساو لمهر المثل فيها لما تواطأوا عليه ، أخذاً من اعتبار الاعتياد والتسامح ، حتى جرت به العادة قديماً وحديثاً ، وللعادة مجال وتحكيم في كثير من الأحكام ونظر الأوّلين أتم ، بل من محاسن أهل جهتنا ترك المطالبة به رأساً لاعتياد المسامحة فيه والتحليل من غالب النساء لا سيما الأشراف ، بل يعدّ بعضهم المطالبة به من غير اللائق مع علمهم بوجوبه.

(مسألة : ب). تزوجها بمال كثير لا يملكه حال العقد صح وكان ديناً بذمته ، نعم إن كانت مجبرة وهو معسر ففيه الخلاف المشهور اهـ. قلت : ومر في الولي في (ح ك) أنه يشترط لتزويج المجبر كون الزوج موسراً بمهر المثل ، وإلا لم يصح النكاح على المعتمد.

(

مسألة : ش) : عتقت تحت رقيق بعد الدخول أو قبله ولم تعلم به إلا بعد الوطء فلسيدها مهر رقيقة لا لها ، لأن موجبه الأصلي العقد ، نعم إن لم يجب لها مهر إلا بالوطء لسكوت السيد عنه وعدم فرضه قبل عتقها كان المهر لها ، وهو مهر عتيقة لا أمة.

(مسألة : ك) : عقد بنوع مما يتعامل به كدراهم وفلوس وأطلق ، فإن كان غالباً انصرف العقد المطلق إليه ، سواء كان فلوساً أو مغشوشاً أو مكسراً أو ناقصاً ، وإلا فلا بد من التعيين ولو باتفاقهما عليه نية ، وإن تساوت المعاملة عليه بأن لم يختلف قيمة وغلبة من غير تعيين سلم من أيها شاء.

(مسألة : ك) : عقد شخص عقد النكاح وأخلّ ببعض شروطه فسد العقد ، ويلزم نحو المهر المباشر وهو الزوج لا العاقد ، كما لا يلزم الغارّ إذ المباشرة أقوى من السبب.

(مسألة : ش) : دفع لمخطوبته مالاً ثم ادعى أنه بقصد المهر وأنكرت صدقت هي إن كان الدفع قبل العقد وإلا صدق هو اهـ. قلت : وافقه في التحفة ، وقال في الفتاوى وأبو مخرمة : يصدق الزوج مطلقاً ، ويؤخذ من قولهم صدقت أنه لو أقام الزوج بينة بقصده المذكور قبلت.

(مسألة : ش) : دفع لمخطوبته مالاً بنية جعله في مقابلة العقد استرده إذا لم يتفق العقد ويصدق في ذلك اهـ. قلت : ورجح ذلك في التحفة ، وخالف في فتاويه فقال : ولو أهدى لمخطوبته فاتفق أنهم لم يزوجوه ، فإن كان الرد منهم رجع بما أنفق لأنه لم يحصل غرضه الذي هو سبب الهدية ، أو منه فلا رجوع لانتفاء العلة اهـ. وأفتى الشهاب الرملي بأن له الرجوع أيضاً مطلقاً ، سواء كان الرد منه أو منهم ، كما لو مات فيرجع في عينه باقياً وبدله تالفاً مأكلاً ومشرباً وحلياً اهـ.

(مسألة : ش) : خطب بكراً ودفع إليها مالاً بلا لفظ ، سواء قصد جعله في مقابلة العقد على بكر أم لا ، ثم ادعى أنها ثيب ، صدق بيمينه لاسترداد المدفوع للقرينة ، وهي اطراد العادة أن ما يدفع للبكر أكثر مما يدفع للثيب ، ولأن الأصل عدم الاستحقاق ما لم تتيقن البكارة قبل العقد ، وإن زالت بعده أو طلقها قبل الدخول.

(مسألة : ب) : من الديون المتعلقة بالذمة ما يلزم الزوج مما يعتادونه من الجهاز فتستحقه الزوجة كالمهر وتستوفيه من التركة كسائر الديون اهـ. قلت : وعبارة أبي مخرمة الجهاز إذا لم تقبضه الزوجة أو وليها أو وكيلها فليس لها المطالبة به ، إذ غايته أنه وعد وهو غير لازم.

(مسألة : ب) : تجب المتعة لكل مطلقة إن لم يجب شطر المهر بأن وجب كله أو لم يجب شيء ، وكذا بفرقة بسببه كإسلامه وردته ، فإن كان بسببها كفسخ بعيب منه أو منها فلا وهي أقل متمول ، ويسنّ أن لا تنقص عن ثلاثين درهماً ، فإن تراضيا على شيء وإلا فرض الحاكم لائقاً بحال الزوج يساراً وإعساراً ، وحالها نسباً وجمالاً ونحوهما.

فائدة : قال في التحفة : وكذا تجب المتعة لموطوءة طلقت بائناً أو رجعياً وانقضت عدتها ، فلو مات فيها فلا ، للإجماع على منع الجمع بين المتعة والإرث ، وبهذا يعلم أن الأوجه أن المتعة لا تكرر بتكرر الطلاق في العدة ، إذ الإيحاش لم يتكرر اهـ. ورجح (م ر) تكررها بتكرر الطلاق وأنها تجب وإن راجعها في العدة اهـ.

214

الوليمة

فائدة : لم أر أحداً من أئمتنا ضبط المسافة التي تجب إجابة الداعي لوليمة العرس إليها ، ويؤخذ من متفرقات كلامهم احتمالان : أحدهما : ضبطها بمسافة العدوى قياساً على أداء الشهادة بجامع أن كلاحق آدمي. ثانيهما ضبطها بما تجب إجابة الجمعة منه لأن الجمعة فرض عين ، فإذا سقطت عمن لم يسمع النداء فكذلك يسقط وجوب الإجابة وهذا أقرب ، وأقرب منه احتمال ثالث وهو العرف المطرد عند كل قوم في ناحيتهم ، فإن اعتادوا الدعوى من مسافة العدوى ، وأن ترك الإجابة قطيعة على المدعو وجبت على القوي ، وإن لم يعتادوا لم تجب ، بل إن اعتادوا عدم الدعاء من خارج البلد ، وإن سمع النداء لم تجب اهـ فتاوى ابن حجر.

فائدة : يملك الضيف ما ازدرده أي ملكاً مراعى ، بمعنى أنه إذا أكله أكل ملكه ، ولا يتم ملكه إلا بازدراده ، فلو حلف لا يأكل طعام زيد فضيفه زيد وأكل لم يحنث ، لأنه إنما أكل ملكه لا ملك زيد ، نعم ما يقع من تفرقة نحو لحم على الأضياف يملكه ملكاً تاماً بوضع يده عليه ، وكذا الضيافة المشروطة على أهل الذمة يملكها بوضعها بين يديه ، فله الارتحال بها والتصرف فيها بما شاء ، قاله (م ر) اهـ بج على الإقناع.

فرع : لو تناول ضيف إناء طعام فانكسر منه ضمنه كما بحثه الزركشي اهـ فتح. قال في القلائد : ولا يكره الأكل قائماً لكنه في القعود أفضل ، وكذا الشرب ، وقيل : يكره ورجح ، وقيل : خلاف الأولى ويسن تقيؤه مطلقاً ، وكره في الأنوار ومختصره الشرب للماشي لا القائم.

215

القسم والنشوز

فائدة : قال (ق ل) : الحقوق الواجبة للزوج على زوجته أربعة : طاعته ، ومعاشرته بالمعروف ، وتسليمها نفسها إليه ، وملازمة المسكن ، والواجبة لها عليه أربعة أيضاً : معاشرتها بالمعروف ، ومؤنها ، والمهر ، والقسم. اهـ.

(مسألة : ش) : أكثر القسم ثلاثة أيام ، فلا تجوز الزيادة عليها إلا برضاهن على المعتمد ولو قدر كسفر وخوف وتفرقهنّ في البلدان فيجب القضاء والاستحلال ، إذ العذر المذكور لا يجوّز المبيت زيادة على المشروع ، بل يلزمه الاعتزال والمبيت في نحو مسجد أو دار صديق ، فإن تعذر جاز له المبيت مع البعد عنها ما أمكن ، نعم نقل البلقيني عن النص جواز الزيادة على الثلاث مع التسوية اهـ. قلت : ونقل مج عن إمام الحرمين أنه لا يجب القسم لمن ليست في بلد الزوج ، وبه قال مالك اهـ.

(مسألة : ج) : مزوّجة إذا دخلت على زوجها اعتراها ضيق وكرب وصياح ، وإذا خرجت من بيته سكن روعها لم يلزمها التسليم للضرر ، لكن تسقط مؤنثها ، ولا يلزم الزوج الخروج من بيته لآخر لو فرض أنه لم يعترها ما ذكر ، حينئذ يرشدهما الحاكم إلى الخلع ، ولا كراهة فيه حينئذ ، فإن لم يتفقا على شيء واشتد الخصام بعث حكمين يدفعان الظلامات ، وينبغي كون حكمه من أهله وحكمها من أهلها ، فينظران أمرهما ويفعلان الأصلح من صلح أو تفريق ، وهما وكيلان عنهما ، فلا بد من رضاهما بهما ، ويوكل هو حكمه بطلاق وقبول عوض خلع ، وتوكل هي حكمها ببذل عوض وقبول طلاق ، وإن امتنعت لا لعذر فهو نشوز تأثم به وتسقط المؤن ويجوز ضربها ، فإن رجعت وإلا أتى ما تقدم.

فائدة عظيمة : ذكر بعضهم أن من أراد أن يكون ولده ، من الشيطان وجنوده ، محفوظاً ، وبعين العناية الإلهية في الدارين ملحوظاً ، فليذكر الله قبل المباشرة أولاً بالذكر الوارد عن المصطفى وهو : "باسم الله ، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا" ثم يشتغل بذكر الحق تعالى باطناً من أول المباشرة إلى آخرها ، ثم يحمد الله تعالى بعدها على أن جعل ذلك حلالاً ، فإن ذلك مما يغفل عنه الكثير ، واستحضار من يجب من أولياء الله وأنبيائه حالتئذ نافع جداً ، فيسري سر ذلك الولي أو النبي في الكائن في ذلك الوقت ذكراً أو أنثى ، ومن كان من أهل الذكر في تلك الحالة بلغ آماله ، إذ تلك الحالة مشغلة عن الله تعالى وعن كل شيء ، والغفلة فيه سم قاطع وداء شائع ، وفيه من الإمدادات ما لا يخطر ببال يعلم ذلك أهل الكمال ، ولا التفات إلى من يقول : إنه شهوة بهيمية بل هو منقبة نبوية ، ولا يفوز بالإكثار منه إلا كامل الرجولية ، اهـ من شرح رسالة للشيخ حسين عبد الشكور المقدسي.

216

الخلع

(مسألة) : ادعى الطلاق الثلاق بعوض فأنكرت العوض ، حلِّفت ووقعت الثلاث مؤاخذة بإقراره ولا مال لأن الأصل عدمه ، نعم إن أقام بينة ولو شاهداً ويميناً ثبت المال.

216

الصيغة

(مسألة) : تعليق الطلاق بالإعطاء والنذر والضمان ونحو الإبراء الإقباض إن قصد به التمليك ، فإن كان بنحو متى أو أيّ وقت أو مهما فهو على التراخي متى وجد المعلق عليه طلقت ، أو بإن وإذا فعلى الفور ، هذا إن لم تدخل عليها لم ، وإلا فالجميع على الفور إلا إن فعلى التراخي.

(مسألة : ب) : قال لها : أنت طالق طلقة خلعية ، أو أنت طالق الطلاق الخلعي ، أو أنت طالقة طلاقاً بائناً ، ولم يلتمس قبول الزوجة وقع رجعياً ، إذ الحاصل من كلامهم فيمن قال : خالعتك أو فاديتك مثلاً من غير ذكر مال ونوى التماس قبولها ، وكذا إن لم ينوه ، كما قاله أبو مخرمة وابن سراج ، وقبلت فوراً وقوعه بائناً بمهر المثل ، فإن لم تقبل فلا طلاق اتفاقاً ، ورجح ابن حجر أنه إذا لم ينو التماس قبولها يقع رجعياً قبلت أم لا ، كما لو نفى العوض لفظاً أو قصداً فيقع.

(مسألة : ش) : وكل آخر في طلاق زوجته على البراءة من مهرها صح ، وكان توكيلاً في الخلع لا تعليقاً على البراءة ، فلا فرق بين أن يبتدىء الوكيل الصيغة أو تبتدىء هي ، فلو قالت له : طلقني على براءة زوجي من مهري ، فقال : أنت طالق وقع بائناً إن صحت البراءة بشرطها ، بخلاف ما إذا فسدت الوكالة كأن قال : إذا أبرأتني فطلقها ، أو فقد وكلتك في طلاقها ، فإنه إذا طلقها بعد براءتها براءة صحيحة منجزة يقع رجعياً وإلا فلا طلاق اهـ ، قلت : ومثله التحفة.

(مسألة : ك) : قال : خالعتك بألف فقبلت ولم تذكر الألف ، أو قالت : طلقني بألف ، فقال : طلقتك فقط بانت به.

(مسألة : ي) : تشاجر هو وزوجته فقال له أجنبي : اشتريت هذه الفضة ومهر المرأة المذكورة بطلاقها ، فقال : اشتريت ، فإن أراد بذلك الطلاق وقبل مخاطبه فوراً بنحو قوله بعده : بعتك إياهما وقع الطلاق ، وإن لم يقبل لم يقع أصلاً ، لأن قوله للزوج اشتريت الخ مجرد التماس وسؤال لا إنشاء ، ثم إن وكلته المرأة بالخلع بما ذكر ، أو دلت قرينة على إرادة الأجنبي بمهر المرأة مثل مهرها كأن يضيفه إلى ذمته ، وكأن يحيل الزوج المرأة على الأجنبي قبل خلعه وقع بائناً وإلا فرجعي ، ولو خالعت أم المرأة على مؤخر صداق بنتها في ذمتها فأجابها الزوج وقع بائناً.

فائدة : قال في التحفة كالنهاية : علم مما مر ضبط مسائل الباب يعني باب الخلع ، أن الطلاق إما أن يقع بائناً بالمسمى إن صحت الصيغة والعوض وبمهر المثل إن فسد العوض فقط ، أو رجعياً إن فسدت الصيغة وقد نجز التطليق أو لا يقع أصلاً إن تعلق بما لم يوجد اهـ.

217

خلع السفيهة وحكم البذل

(مسألة : ش) : خلع السفيهة إن كان بصيغة تعليق من الزوج نحو : إن أبرأتني من صداقك فأنت طالق ، فأبرأته لم يقع شيء كما لو قاله لصبية أو أمة ، وكذا إن أعطيتني ألفاً فأعطته على الراجح إن قصد معنى التمليك ، فإن قصد الإقباض أو أطلق وقع رجعياً في السفيهة والصبية ، وفي الأمة يقع بمهر المثل بذمتها أو بصيغة تعليق منها كإن طلقتني فأنت بريء ، أو فلك كذا ، أو خلع منه كطلقتك بألف فقبلت ، أو منها كطلقتني بألف فأجابها ، فالمشهور الذي اعتمده الجمهور وقوعه رجعياً في الكل علم السفه أم لا ، واختار بعضهم وقوعه بائناً بمهر المثل وهو شاذ ، وهذا إذا قلنا بمذهب الشافعي إن الرشد صلاح الدين والمال ، أما إذا قلنا بالوجه الشاذ إنه صلاح المال فقط وهو مذهب الثلاثة ، وأفتى به ابن عجيل والحضرمي وغيرهما فيقع بالمسمى اهـ. قلت : وقد تقدم في الحجر توجيهه.

(مسألة : ش) : بذلت صداقها على صحة طلاقها فطلقها دون ثلاث ، ثم ادعت جهلها بالصداق ، فإن قلنا : إن صيغة البذل ليست صيغة خلع فرجعي مطلقاً ، وإن قلنا : خلعاً فبائن بمهر المثل للجهل. وحاصل المعتمد عندي في مسألة البذل أنه كناية خلع ، فإذا نوت ببذلت وهبت فكأنها قالت : أبرأتك من صداقي على طلاقي لصراحة لفظ الهبة في الإبراء ، فإن أجابها : بأنت طالق على ذلك فقبلت بانت بمهر المثل ، وإن لم يكن سوى مجرد البذل ، والجواب بنحو أنت طالق فرجعي بشرطه ، سواء علم عدم صحة بذلها أم جهله ، إذ البذل ليس له عرف شرعي ، إذ لم يرد لشيء واحد يطلق عليه يسمونه صريحاً فيه ، وله عرف لغوي وهو الإعطاء والجود ، وذلك فعل لا قول ، ومورده العين لا الدين ، فلو اطرد استعماله في الدين في ناحية في مقابلة الطلاق فهو عرف خاص في أمر خاص ، يحتمل كونه كناية إن قصد معنى الهبة وليس صريحاً مطلقاً ، إذ الصريح عند النووي ما ورد به الشرع من الألفاظ فقط اهـ. وعبارة ك : طلبت الطلاق فقال : أبرئيني ، فقالت : بذلت صداقي على صحة طلاقي ، فقال : أنت طالق ، فإن قصد تعليق الطلاق على صحة البراءة والعوض من المهر وقع بائناً إن صحت البراءة ، وإلا فلا طلاق ولا براءة ، وإن لم يقصد شيئاً وقع رجعياً.

(مسألة : ش) : أفتى الأصبحي والشاشي وغيرهما أنه يقع الطلاق بائناً بمواطأة أحد الزوجين الآخر بالإبراء ثم الطلاق وعكسه ، وأفتى علماء اليمن كبني عجيل والناشري والمزجد وابن زياد والريمي والأزرق والخلي والطنبداوي والرداد وغيرهم بأنه يقع الطلاق بائناً في مسألة البذل ، فحينئذ لو قال لها : أبرئيني من دينك وأطلقك فأبرأت ظانة أن البراءة واقعة في مقابلة الطلاق ، ثم بذلت صداقها على صحة طلاقها فطلق ، جاز للقاضي والمفتي الحكم بالبينونة اعتماداً على ما ذكر ، وخصوصاً إذا كان الزوج مخادعاً لتصح البراءة وإن كان فيه خلاف ، إذ القصد إنما هو كون وقوع الطلاق بائناً ، وجهاً قوياً يسوغ الحكم به.

(

مسألة : ش) : وكلت أباها في بذل صداقها على طلاقها فقال للزوج : بنتي بذلت صداقها الخ فطلق ، وقع رجعياً مطلقاً لعدم صحة صيغة الخلع ، لأنها وكلته في الإنشاء وأتى بصيغة الإخبار عنها بأنها بذلت ولم تبذل فيصير الوقوع لا في مقابلة عوض.

217

التعليق بالإبراء والنذر

(مسألة : ب) : شرط صحة الإبراء والطلاق المعلق به فيما لو قال لزوجته : إن أو إذا أبرأتيني من مهرك مثلاً فأنت طالق ، أن تبرئه في مجلس التواجب بأن لا يتخلل بينهما كلام أجنبي ولا طول فصل في الحاضرة وبعد بلوغ الخبر في الغائبة ، نعم لا يشترط الفور في التعليق بنحو متى ، بل متى أبرأته طلقت ، وأن تكون مطلقة التصرف لا سفيهة وأمة وغير مكلفة ، ومعلوم أن الرشد على المذهب أن تبلغ مصلحة لدينها ودنياها ، فحينئذ يندر الرشد في غالب نساء العصر وقبله بأزمنة ، بل في غالب الرجال ، فيصعب الجري على جادة المذهب ، لكن اختار ابن عبد السلام وجمع من العلماء أن الرشد صلاح الدنيا فقط ، فعليه يصح إبراؤها إن كانت كذلك ، وأن لا يتعلق بالمبرأ منه زكاة لم تؤد ، وأن يعلم كل منهما بالمبرأ منه المعلق عليه الطلاق ولو ضمناً مهراً وكسوة وغيرهما على المعتمد ، وإن كان الشرط في الإبراء علم المبرىء فقط لا المبرأ لأنه هنا معاوضة ، نعم قال السمهودي وأبو مخرمة : لا يشترط علم الزوج ولكن يقع مع جهله رجعياً ، فمتى وجدت هذه الشروط الأربعة طلقت بائناً وإلا فلا ، نعم لو علق الإبراء من جميع ماتستحقه وأراد معيناً من نحو دين أو مهر وعلماً قدره برىء وطلقت ، وطريق الإبراء من المجهول وهو المراد بقولنا ضمناً أن تبرئه من قدر من جنس المبرأ منه يقطع فيه بأنه لا يبلغه ، كمائة قهاول ذرة ومثلها من الثياب ، فتحصل البراءة ضمناً ، وتبين كما لو طلب منها الإبراء من مائة هي صداقها ولم يبق لها إلا خمسون فتبين بذلك أيضاً ، وبالجملة فمسائل الخلاف لا سيما في الأبضاع ينبغي الاحتياط فيها اهـ. وفي (ي ش ك) نحو هذه الشروط ، وزاد ش : ثم إن كان إبراؤها بعد علمها بتعليقه طلقت بائناً وبرىء ، أو قبل علمها برىء أيضاً ووقع رجعياً على المعتمد من ثلاثة أوجه ، وألفاظ الإبراء : أبرأت ، وعفوت ، وأسقطت ، وتركت ، ووضعت ، وحللت ، وملكت ، ووهبت.

(مسألة : ي) : قال لها : إن أبرأتيني من مهرك فقد طلقتك فأبرأته ، والحال أنه قد أعطاها بعضه برىء مطلقاً ، ثم إن كان ذاكراً لما أعطاها وقع بائناً علم الباقي أو جهله ، أو ناسياً له لم يقع سواء كان ذاكراً للباقي أم لا ، ولا بد من علمها بقدر المهر أو اعتقادهما أنه أكثر.

فائدة : أفتى الأصبحي وغيره بأن قوله : أنت طالق على تمام البراءة مثل قوله : إن أبرأتيني فأنت طالق ، وحينئذ لو قال ذلك لمن أبرأته فإن لم تتلفظ بالبراءة فلا وقوع ، وكذا إن تلفظت على الأصح ، نعم إن قصد التعليق على مجرد التلفظ بالبراءة وقع جزماً ، اهـ فتاوى ابن حجر.

(

مسألة : ك) : قالت : طلقني ، فقال : أبرئيني من صداقك ، فقالت : أنت بريء منه أو مما أستحقه عليك ، فقال : أنت طالق ، فإن لم يقصد شيئاً أو قصد أنه في مقابلة تلفظها بالبراءة وقع رجعياً بشرطه صحت البراءة وظن صحتها أم لا ، أوقع الطلاق لظنه سقوط ما أبرأته عنه أم لا ، لأنه أطلق صريح طلاق منجز ، ولم يعلقه بصحة الإبراء لفظاً أو قصداً ، وإن قصد تعليق الطلاق على صحة البراءة والعوض عما برىء منه مما كان لها في ذمته تعلق بصحة البراءة ، فإن صحت بشروطها المارة وقع بائناً ، وإلا فلا طلاق مطلقاً ولا براءة إلا فيما تعافت به زكاة ، فيصح فيما عدا قدرها ، ولا يشترط الفور في تلفظه بالطلاق ، فلو مكث زماناً طويلاً بعد طلبها وإبرائها ، أو قال : حتى يحضر فلان ، فلما حضر قال : أنت طالق ونوى جوابها طلقت بائناً بالمسمى ، ولو ادعى التعليق لفظاً بصحة البراءة وأنكرته صدق بيمينه ، وإن قال الشهود : لم نسمعه يتكلم ما لم يقولوا رأينا فمه منطبقاً عقب تلفظه بالطلاق ، وهذا كما لو قال لها : إن أبرأتيني من صداقك فأنت طالق ، فقالت له : أنت بريء من صداقي العاجل والآجل ومن جميع المطالب ، فيقع بائناً بالشروط المذكورة أيضاً ولا تضر زيادتها على ما ذكر ، لأن الموافقة إنما تجب في صيغ المعاوضات ، أما التعاليق فالمدار فيها على وجود المعلق عليه ، فمتى وجد وقع وإن وجد معه زيادة.

(مسألة : ك) : قال لها : أبرئيني من صداقك ، فقالت : أبرأتك من 450 محمدية إلا إحدى عشر ، فقال لها : إن صح إبراؤك فأنت طالق بالثلاث ، والحال أن الصداق 450 لكن قد مضى عليها حول فوجب فيها زكاتها إحدى عشر وربع لم يقع الطلاق لأن الإبراء وقع عن الربع الذي للفقراء مع الإحدى عشر المستثناة ولا يصح الإبراء عنه فلغا الطلاق ، إذ هو معلق بصحة الإبراء عن جميع ما سمته الزوجة ، نعم لو قالت : أبرأتك عما ذكر إلا إحدى عشر ونصفاً مثلاً وقع الطلاق وبقي لها ربع.

(مسألة : ب) : قال : إذا أبرأتني زوجتي من مهرها طلقتها ، فجاء أبوها فقال : أبرأتك فطلقها ، ثم أنكرت الإبراء وخاصمت الأب ، فإن كانت المخاصمة مما تؤدي إلى عدم قبول الشهادة صدقت بيمينها ، إذ لا تقبل شهادة الأب عليها حينئذ اهـ. وعبارة (ك) : قال لزوجته الغائبة : إن أبرأتني فلانة فهي طالق فلا بدّ من إبرائها فوراً عند بلوغ الخبر على المعتمد ، فلو قال أبوها : أبرأتك فأنكرت صدقت بيمينها ما لم تقم بينة بذلك ، ولو أبرأه الأب فقال : إن صح إبراؤك فابنتك طالق لم يقع إن لم يحصل منها توكيل فيه كما لو كانت سفيهة.

(

مسألة : ش) : قال لها : إن أبرأتني من صداقك فأنت طالق بعد شهر فأبرأته فوراً برىء مطلقاً ، ثم إن عاش إلى مضيّ الشهر طلقت بائناً وإلا فلا ، لأن البراءة وقعت منجزة يقيناً ولا نظر إلى أنها إنما أبرأت طمعاً في الطلاق ولم يقع لأن المقصود حصل بالموت ، فلو علقت الإبراء على الطلاق بعد تعليقه الطلاق على الإبراء لم يقع شيء ، أما طلاقه الأوّل فلأنه معلق بالإبراء ولم يوجد ، وأما الإبراء فلأنه معلق وهو لا يصح تعليقه وجدت الصفة بأن طلق ثانياً أم لا ، وأفتى الأصبحي والشاشي وغيرهما بأنه يقع الطلاق بائناً بمواطأة أحد الزوجين بالإبراء ، ثم الطلاق وعكسه والمعتمد خلافه اهـ. وعبارة (ك) : قالت له : أبرأتك من صداقي على أن تطلقني أو على الطلاق ، أو بشرط أن تطلقني لم تصح البراءة لتعليقها بالطلاق ويقع طلاقه حينئذ رجعياً ، نعم إن قصدت جعل الإبراء عوضاً عن الطلاق فقال : أنت مطلقة على ذلك بانت ، وإن اقتصر على أنت مطلقة فقط وقع رجعياً مطلقاً قاله ابن حجر ، واعتمد (م ر) أنه إن أعلم الزوج عدم صحة التعليق فرجعي أو ظن صحته فبائن ، واعتمد الشيخ زكريا الوقوع بائناً بمهر المثل ، وجزم القاضي بوقوعه رجعياً.

فائدة : قالت له : إن طلقتني فأنت بريء فطلق وقع رجعياً كما في الإرشاد والتحفة وأبي مخرمة ولا براءة ، واعتمد في الفتح وقوعه بائناً بمهر المثل ، وفصل في النهاية بين علمه بالفساد فيقع رجعياً وإلا فبائن بمهر المثل.

(مسألة) : قال لها : أبرئيني وأطلقك ، أو إذا أبرأتني أطلق فأبرأته صحت البراءة ولا يلزمه الطلاق ، وإن قالت : إنما أبرأته بظن أن يطلق على المعتمد ، فإن طلق وقع رجعياً مطلقاً صحت البراءة أم لا ، نعم إن قصد تعليق الطلاق على صحة البراءة والعوض عما برىء منه وقع بائناً إن صحت وإلا فلا ، ولو بقي لها بعض المهر فقالت : أبرأتك فقال : أنت طالق برىء وطلقت رجعياً ، ولو قال لها : إن أبرأتني فأنت طالق طلقة رجعية فأبرأته برىء ووقع رجعياً ، كما قاله في القلائد وأبو مخرمة وابن حجر في المحرر من الآري قال : لأن التصريح بالرجعة سلخ التعليق عن شائبة المعاوضة ، فأشبه ما لو قال : طلقتك بألف على أن لي الرجعة فيقع رجعياً بقبولها ويلغي ذكر العوض ، لأن ذكر العوض واشتراط الرجعة تنافيا فألغينا ذكر المال اهـ ، ورجحه (م ر) و (سم) قال : وإن نقل عن ابن حجر خلافه.

(مسألة : ب) : قال : متى أبرأتني فلانة من جميع ما تستحقه فهي طالق ، فنذرت له بذلك ، فإن أراد خلاصه من عهدة المهر وسقوطه عن ذمته بانت بذلك وبرىء ، إذ النذر هنا حكمه حكم الإبراء فلا بد من شروطه على المعتمد ، وإن أراد التعليق بلفظ الإبراء أو أطلق صح النذر ولا طلاق فيهما كما قاله الأشخر ، واقتضاه كلام التحفة إذ المتبادر من قوله : إن أبرأتني إبراؤها بلفظ الإبراء أو بمرادفه كلفظ الهبة والتمليك ، ولم يقل أحد إن النذر من صيغ الإبراء بخلاف الهبة ، نعم رجح ابن حجر في فتاويه أن النذر كالهبة ، فحينئذ يقع به الطلاق عند الإطلاق نظراً إلى استوائهما في المعنى.

(

مسألة : ي ش ك) : أفتى ابن حجر تبعاً للرداد بأن النذر من صيغ الخلع كالإبراء والإعطاء مع تضمن كل للمعاوضة التقديرية ، فلو قال : إن نذرت لي بصداقك مثلاً فأنت طالق ، فنذرت به عالمة بقدره وهي ممن يصح نذرها وقع بائناً ، وقال أبو مخرمة وابن زياد تبعاً للسمهودي : يقع رجعياً لأن النذر لا يقبل المعاوضة إلا من الله تعالى اهـ. قلت : وحينئذ يقع الطلاق وإن جهلاً أو أحدهما المنذور به ، بل لو علق بإبرائها من المهر وهي تجهله فنذرت به نفذ الطلاق وصح النذر ، قاله أبو مخرمة في فتاويه.

(مسألة) : تواطأ هو وزوجته على أن تنذر له بنخل معين ويطلقها ، وأنه إن بان النخل مستحقاً فلا طلاق ، فنذرت له بالنخل ثم طلقها ثلاثاً من غير قيد ، فإن قصد تعليق الطلاق على صحة النذر المذكور وقع بائناً به على المعتمد. وقال أبو مخرمة : رجعياً هذا إن صح النذر ، فإن لم يصح بأن كانت غير رشيدة أو بان زوال النخل أو بعضه عن ملكها حال نذرها فلا طلاق ، وإن قصد الطلاق في مقابلة تلفظها بالنذر أو لم يقصد شيئاً وقعت الثلاث صح النذر أم لا ، ويصدق بيمينه في قصده ، كما يصدق فيما لو قال : علقته لفظاً بصحة النذر وأنكرته ، وإن قال الشهود لم نسمعه تلفظ بذلك ، بخلاف ما لو قالوا : رأينا فمه منطبقاً فلا يصدق حينئذ.

(مسألة) : تنازع هو وزوجته فقال له أخوها : طلقها وترد عليك مالك عندها ، والحال أنه أعطاها مصاغاً وناقتين ، ثم قال الأخ : نذرت لك بالناقتين مردودتان عليك والمصاغ والمهر وكل ما لحقك من أختي نذرت لك به من خالص مالي ، فقال الزوج : فلانة طالق أو مطلقة ثلاثاً أو بالثلاث ، فلما علمت الزوجة قالت : هو بريء على براءة أخي ونذرت له بنذره فالطلاق نافذ على كل حال ، وقول الأخ المذكور لاغ لا يلزمه به شيء مما التزم ، نعم إن أراد بقوله : وما لحقك من أختي من خالص مالي التزام مثل ما يلزم الزوج من دعوى غير ما ذكر كالمتعة والنفقة وغيرهما لزمه ذلك كالذي قبله إن أراد التزام مثل ذلك بذمته أيضاً ، وإن برىء الزوج من ذلك بنذرها له ، لأن هذا التزام مثله لا عينه ، وقول المرأة : برىء على براءة أخي ونذرت له بنذره صحيح ، فكأنها قالت : نذرت بما نذر به أخي وهو الذي تستحقه عليه من الحقوق ، فيبرأ من جميع ما يلزمه سابقاً ولاحقاً وإن لم يعلماها إذ ليس هنا معاوضة ، ويلزمها رد ما أعطاها من الناقتين والمصاغ.

(مسألة : ش) : علق الطلاق الثلاث بإبرائها أو نذرها بالمهر فأبرأت أو نذرت ، ثم ادعت الجهل بالمهر صدقت إن أمكن كأن زوجت صغيرة أو لم تستأذن فيه كما هو الغالب ، ثم إن صدقها الزوج فلا طلاق ولا براءة ، وإن كذبها وقع الثلاث ولا براءة مؤاخذة له بإقراره ، نعم إن رجع وأمكن خطؤه قبل ، وإن لم يمكن كأن قال : سمعتها تذكره قريباً أو عند البراءة فلا ، وإن ادعى الزوج الجهل بالمهر صدق أيضاً إن أمكن ولا طلاق ، ثم إن صدقته فذاك وإلا فهو مقرّ بالمهر وهي تنكره فلا مطالبة لها إلا إن رجعت ، وأنشأ هو إقراراً آخر ، ولو عرفا أن المهر ألف ولم يعرفا كم هي لم يصح الإبراء إلا إن قطع بكذبهما.

220

التعليق بنحو الإعطاء والضمان والإقباض

(مسألة : ك) : قال لزوجته : إن أعطيتني مائة محمدية فأنت طالق وأطلق فلم يقصد شيئاً ، والحال أن المحمدية تطلق على نوع من الفضة ، وعلى عشرين غوازي صفر حمل على الفضة ، كما لو أطلق الدراهم في الخلع ، لأن إطلاق المحمديات والدراهم على غير الفضة من التوسع ، فإن نويا أحدهما صح وبانت بإعطائه فوراً في الحاضرة وعند بلوغ الخبر في غيرها ، وإن اختلفت نيتهما وتصادقا لم يقع لعدم وجود المعلق عليه ، وإن قال أردت الفضة ، فقالت : بل الفلوس بلا تصادق وتكاذب فسد المسمى ووجب مهر المثل ، كما لو طلقها على أن تعطيه جميع حقه فأعطته ما وصل إليها منه من مهر وصوغة فأبى وقال : أردت جميع ما أنفقته في العرس من وليمة وغيرها ، أما لو صدّق أحدهما الآخر على ما أراده وكذبه الآخر فيما أراده فتبين ظاهراً ولا شيء له لإنكار أحدهما الفرقة ، نعم إن عاد المكذب وصدق استحق الزوج المسمى.

(مسألة : ك) : قال لها : إن أعطيتني الورقة فأنت طالق وهي لا تساوي ربع ديوني ولكن فيها مكتوب صداقها الآجل فأعطته إياها طلقت بائناً وإن قلت قيمة الورقة ، إذ يصح الخلع بأقل متمول كالصداق والمبيع ، فما زاد على حبة البر يصح جعله ثمناً ونحوه اهـ. قلت : وانظر لو أراد الزوج بالورقة ما كتب فيها كورقة البيت مراداً بها نفس البيت ، والظاهر أنه إن اتفقا على ذلك وعلماه وقع بائناً بذلك وإلا فيأتي ما مر.

(مسألة) : قال : متى أو نهار تعطيني أو أعطتني أو مدت لي فلانة كذا فهي طالق ثلاثاً أو بالثلاث ، طلقت ثلاثاً بإعطائها ذلك ولو بعد مدة ، إذ لا يشترط الفور في نحو متى ، ولا يحتاج إلى تجديد طلاق بعد الإعطاء ، فلو أبى من قبول المال فطريق الخلاص أن تضعه عنده بحيث يعلمه ويقدر على تناوله فيملكه حينئذ وتبين ، نعم لا بد من إعطائها بنفسها ، فلو أعطاه غيرها فإن كان بإذنها مع حضورها كفى وإلا فلا كما في التحفة اهـ. وفي (ك) قال لها : إن أو متى أعطيتني ألفاً فأنت طالق ، فلا بد من إعطائها الألف بنفسها ، فلو بعثت به مع وكيلها أو أعطته عنه عوضاً كنخل أو قالت له : اقطعه مما في ذمتك لي لم تطلق ، نعم لو قالت لوكيلها سلمه له فسلمه وهي حاضرة طلقت.

(مسألة : ك) : قال لها : إن أعطيتني مائة درهم إلى شهر فأنت طالق ، فأعطته بعد مضي الشهر يقع لعدم وجود المعلق عليه ، لأن إلى لانتهاء الغاية ، فلا يفيد الإعطاء المقيد بها إلا إن وقع في اللحظة المتصلة بالشهر اهـ. قلت : فلو أعطته قبل مضيّ الشهر فهل تبين أم لا حرره.

(

مسألة : ي) : قال لها : إن أعطيتني عشرة وأنفقت على بنتي سنة فأنت طالق ، فلا بد من الإعطاء فوراً ، وأما الإنفاق فيكفي فيه قبولها باللفظ فتطلق حالاً ، أو بالفعل وهو مضي السنة فتطلق بعدها ، قاله ابن حجر وأبو مخرمة وأبو قشير ، لا بد من مضيّ السنة مطلقاً ، كما أنه لو كان الأب معسراً لا تلزمه نفقة البنت لم تطلق إلا بمضيها مطلقاً اتفاقاً ، وإذا أنفقت رجعت عليه بها إن لزمته ، ورجع هو عليها بقسط النفقة من مهر المثل مطلقاً ، فينسب إلى العشرين قدر النفقة ، فلو كان قدرها عشرة رجع بثلث المهر اهـ. وعبارة (ش) قال لها : إن احتملت بنفقة ابنك فأنت طالق ، فقالت : احتملت لم يقع به شيء لأن مراده بالاحتمال الالتزام بذلك ، وقولها احتملت لا التزام فيه ، فإن عين مدة كأن احتملتها سنتين مثلاً فلما انتهت تلك المدة طلقت رجعياً ، كما لو قال لها : إن أخرت دينك سنة ، أو إلى الخير أي وقت أخذ الغلة فصبرت إلى مضيّ تلك المدة فتطلق رجعياً أيضاً ، لأن المعلق عليه وجود ما ذكر لا تلفظها به.

(مسألة : ك) : قال لها : إن أعطيتني مالي فأنت طالق ، فقالت له : أيّ شيء مالك ؟ فقال : كذا وكذا ، فأعطته له فوراً بانت ، ثم لو قال بعد التفرق : بقي لي شيء لم يقبل ظاهراً ، لأن كلامه الثاني يفيد رفع الطلاق الذي حكم به كلامه الأوّل ، أما باطناً فالمدار على ما في نفس الأمر ، فإن قصد الكل وإنما حصل له نحو نسيان عند ذكر الأوّل فلا طلاق إلا بإعطاء الجميع. ولو قال لها : إن أعطيتني باكر الصبح كذا فأنت طالق ، فأعطته بعد الطلوع إلى ارتفاع الضحى طلقت ، ولو طلبت منه الطلاق فقال : أعطيني الذي أعطيتك كله ، فقال أبوها : نعم نعطيك فسلم له بعض الدراهم وحليّاً وغيره ، ثم قالت له الزوجة : طلقني ، فقال لها : أبرئيني من حقوق الزوجية من الحضانة وغيرها ، فقالت : أبرأتك على أن تطلقني ، فقال : أنت مطلقة وقع رجعياً ، وما أخذه الزوج سابقاً من مال الزوجة لا يملكه وإن شملته صيغة الطلاق ، إذ ليس للأب تمليك مال بنته ، حتى لو أبرأ الزوج من صداقها بعد تعليقه طلاقها على البراءة لم يقع لعدم وجود البراءة.

(مسألة) : طلقها طلقتين أو ثلاثاً على تمام الحي والضائع ، ومراده بالحي المهر وبائع ما أنفقه في الوليمة يعني ردّ ما ذكر ، فإن ردّت جميع المهر ومثل الضائع طلقت بائناً وإلا فلا ، ولو شرط شروطاً كإبراء وردّ مال ثم قال : أنت طالق على هذه الشروط كان تعليقاً على الإتيان بذلك ، فلا بد للوقوع من الإتيان بجميعها.

(

مسألة) : قال لها : أنت طالق بشرط أو على أن لي عليك عشرة حجزة يعني إلى أجل معلوم لديهما إن أديتها نفذ طلاقك وإلا فلا ، فنذرت له بذلك ، فقال لها : أنت طالق ثلاثاً إن أديت العشرة في ذلك الأجل ، كان الأول صيغة التزام فلا بد من قبولها فوراً بنحو قبلت أو ضمنت فتقع به واحدة بائناً وإن لم تؤد المال ولا يلحقها الثاني ، فإن لم تقبل كذلك بل نذرت لم تطلق ، وحينئذ فتعليقه الثاني يقع بأداء العشرة ، فإن أدتها ولو قبل الأجل لا بعده نفذت الثلاث وإلا فلا.

(مسألة : ك) : قالت له : خذ هذا على الطلاق فأخذه وقال : أنت طالق بانت به وإن لم يقل على ذلك ، كما لو قالت : خذ هذه الألف على أن تطلقني غداً فطلق ولو على التراخي في غد أو قبله لا بعد الغد فتبين لكن بمهر المثل في هذه ، ولا يشترط في جانب الزوج أن يذكر في طلاقه أنه على ذلك المال ، بل الشرط أن لا يقصد في طلاقه الابتداء ، وإلا وقع رجعياً ويصدق بيمينه في قصده.

(مسأة : ك) : قال لها : إن رجعت لي أو أتيتني أو وهبتني و فعلت أو رددت أو جئت لي بكذا فأنت طالق ، كان الكل بمعنى أعطيت فتبين بذلك ، لكن لا بد من نحو الإعطاء فوراً في مجلس التواجب في الحاضرة وعند بلوغ الخبر في غيرها ولا رجوع له ، ولا يشترط القبول لفظاً.

(مسألة : ك) : أصدقها نخلاً وزاوية ثم تشاجرا فقال لها : إن أرجعت عليَّ النخل وتكون الزاوية وقفاً على أولادي فالطلاق حاصل ، فقالت : أرجعت النخل عليك والزاوية وقف على أولادك طلقت بائناً به ، ولو قالت له ذلك ابتداء على أن يطلقها فقال : أنت طالق ولو بعد مدّة بقصد جوابها طلقت بائناً بذلك أيضاً ، ولا تشترط إعادة ذكر النخل والزاوية.

(مسألة) : علق الطلاق بغيبته عن بلده أو بجلوسه في موضع كذا ثلاث سنين ، وإعطاء أو ضمان فلان له قرشاً مثلاً ، فلا بد من وجود الغيبة المذكورة والإعطاء ويقع بائناً ، ويشترط الفور في الإعطاء إن علق بإن أو إذا لا بنحو متى ، ولا ينحلّ التعليق بغيبته أقل من المدة المذكورة ، بل لا تنحل إلا بوجود المعلق عليه وهو الغيبة أو الجلوس المذكوران وبطلاقها بائناً وإن أعادها فوراً ، إذ التعليق لا يمكن الرجوع فيه نفياً أو إثباتاً كما هو معلوم ، نعم إن قال : إن غبت في سفري هذا فسافر ثم رجع ولو من سفر قصير انحلت اليمين.

(مسألة) : قال لها : أنت طالق إن ضمنت لي ألفاً وقع بائناً بقولها ضمنت أي ألفاً أو ألفين ، لا بنحو قبلت أو رضيت أو شئت أو إعطائها بلا لفظ فلا يقع ، كما لو لم تجبه فوراً ، كما قاله في التحفة والفتح.

(

مسألة : ك) : قال لها : إن أقبضتني أو قبضتني كذا فأنت طالق كان مجرد تعليق بصفة ، فلا يشترط الفور في الإقباض مطلقاً ، فمتى وجد الإقباض منها مختارة ولو بوضعه بين يديه وقع الطلاق ، بخلاف ما لو قال : إن قبضت منك فلا بد من تناوله ولو من وكيلها بنحو يده ولو مكرهة هنا ، وإذا وقع الطلاق وقع رجعياً في جميع الصور ، إذ لا يملك الزوج ما قبضه ، نعم إن دلت قرينة على أن المراد بالإقباض التمليك ، كأن طلبت طلاقها قبل التعليق المذكور ، أو قال فيه : إن قبضتني لنفسي أو لأصرفه في حوائجي كان الإعطاء فيعطى حكمه.

223

الطلاق

(مسألة : ج) : لا يثبت الطلاق منجزاً أو معلقاً إلا بشهادة رجلين سمعا لفظه من الزوج أو وكيله ، ولا يقبل قول الوكيل على الزوج لو أنكر الشاهد أو لم يجزم بشهادته ، وإذا ادعى الزوج عدم الطلاق ولو بعد موتها وقد علم تزوجه بها صدق بيمينه إلا إن أقام ورثتها بينة بطلاقه.

(مسألة) : ادعت الطلاق الثلاث أو الخلع فقال : بل ثنتين أو بلا عوض صدق بيمينه ، كما لو قال : أبرأتني مجاناً وطلقت بلا عوض ، فقالت : بل على الطلاق ، فإن نكل حلفت المردودة وبانت ، كما لو أقامت بينة بذلك ، قاله في التحفة وأبو مخرمة.

(مسألة) : طلق زوجته في مرض موته ، فإن كان رجعياً ومات وهي في العدة انتقلت لعدة الوفاة وورثته وإلا فلا ، نعم رجح الأئمة الثلاثة أنها ترثه مطلقاً وإن طلقها ثلاثاً ، بل قال مالك : إنها ترثه وإن تزوجت بغيره.

(مسألة) : ادعى الطلاق الثلاث منذ أزمنة ، فأنكرته ، فلا بد من بينة لسقوط المؤن ، كما لو ادعى الخلع فأنكرته فتبين فيهما ولها المؤن في الأولى ونفقة العدة في الثانية ، قاله محمد بن زياد في فتاويه.

(مسألة) : إذا ملك أحد الزوجين الآخر انفسخ النكاح بينهما لتضادهما ، وحينئذ لو هرب عبد وأريد فسخ نكاح زوجته منه ، فإن كانت حرة ملكها إياه سيد العبد بنذر أو بيع ونحوهما فينفسخ النكاح حالاً ، وإن ردّته له ، وإن كانت أمة أعتقها سيدها أو كاتبها ثم ملكها العبد سيد سواء كان سيدها أو غيره فينفسخ وإن فسخت الكتابة بعد ، وتعتد عدة الطلاق بعد انفساخ النكاح.

(مسألة : ش) : الدور المعروف وهو أن يقول : إن طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثاً لا يعد من مذهب الشافعي ، فلو حكم به حاكم نقض حكمه إلا إن كان متبحراً وأتى به ، فإذا طلق زوجته ثلاثاً وادعى أنه معلق عليها الدور لم يقبل قوله ولا بينته لبطلان الدور بل يقع الثلاث.

(

مسألة : ش) : المعتمد فيما إذا ألقى حصاة أو أشار إلى أصبعه وقال : أنت طالق ، أو طلقتك أو ذه أو ته أو هذه طالق وزوجته حاضرة أنه يقع عليها الطلاق مطلقاً ظاهراً ، وكذا باطناً في الأصح ، ولا تقبل إرادته نحو الحصاة ، وكلفظ الطلاق بقية ألفاظه وصريحها وكنايتها ، سواء قاله ابتداء أو بعد طلب المرأة ببدل ودونه ، وإن واطأ الشهود قبل على إرادة ذلك ، أو علم الحاكم أن مراده حكاية طلاق سابق ، أو أن يسمي زوجته ومراده غيرها وصدقته المرأة وتوفرت القرائن عليه لأن فيه حق الله تعالى ، ولأن الوقوع منوط بوجود اللفظ وصدوره من أهله مع قصد معناه ليخرج تكرار نحو المدرس والحاكي : أنت طالق فلا يقع على امرأته ولو حاضرة طلاق ، كما لو قال : طلقت الحصاة أو أصبعي ، أو قال في غيبة الزوجة ، هذه الحصاة أو زينب طالق ، أو أنت يا حصاة أو يا أصبعي طالق ولم يكن اسمها كذلك وإلا فتطلق أيضاً ، وسيأتي عن التحفة أنه يدين إن أراد غيرها ، نظير ما لو قال لزوجته ودابة أو رجل إحداكما طالق فيقع على الزوجة مطلقاً ، والفرق بين هذا وما لو قال أنت طالق بعد أن حلها من وثاق ، وقصد ذلك أن لفظ الطلاق كما يصدق على الحل المعنوي أي حل عقد النكاح حقيقة شرعية يصدق على الحل الحسي أي حل الوثاق حقيقة لغوية ، فحقيقته مشتركة باعتبارين ، فأثر فيه تخصيص النية وهو منتف هنا ، نعم يحتمل تصديقه ، فيما إذا طلبت منه الطلاق بمال فأوقعه مع وضع الحصاة وقال : أردتها لقرينة إعراضه عن جوابها بعدم ذكر المال اهـ. ونحوه في (ي) وزاد : نعم لو ادعى أنه قال : قد طلقت فلانة سابقاً وأسر بقد وسابقاً ، فإن صدقته الزوجة أو أثبت ببينة لم يقع وإلا حلفت وطلقت ، كما لو قال شاهدان حضرا تلفظه إنه لم يأت بذلك بخلاف ما لو قالت أو قالا لم نسمع ذلك فيصدق هو بيمينه ، ويشترط لجواز دعواه وحلفه أن يتحقق أنه أتى بلفظ الطلاق قاصداً به حال التلفظ حكاية طلاقه السابق والإتيان بقوله سابقاً قبل فراغه منه ، وإلا لم تجز لها

الدعوى والحلف ، بل هذه هي اليمين الغموس ، وهو زان إن وطئها فيما بينه وبين الله تعالى اهـ. وعبارة (ك) قال : أنت طالق وادعى أنه أراد إن دخلت الدار أو شاء زيد دين إن نوى ذلك قبل فراغه ، ومعنى التديين أنها إن غلب على ظنها صدقه بقرينة وجب عليها تمكينه وحرم النشوز ، لكن يفرق بينهما الحاكم إن رآهما مجتمعين ، وإن استوى التصديق وعدمه كره تمكينه ، وإن ظنت كذبه حرم التمكين ، ولها في هذه الحالة أن تنكح بعد العدة من لم يصدقه ، وإن زعم أنه أتى بقوله إن دخلت الدار لفظاً ، فإن صدقته فذاك وإلا حلفت وطلقت ، كما لو قال الشاهدان إنه لم يأت به لأنه نفي محصور ، بخلاف ما لو قالت أو قالا لم نسمعه فيصدق الزوج بيمينه.

فائدة : الطلاق البدعي المحرم أن يطلقها في نحو حيض أو طهر وطىء فيه أو في حيض قبله ولا حمل بيِّن أو قد ظلمها في قسم ، وإن سألته الطلاق إلا إن كان بعوض منها فلا حرمة ، كما لو بذله أجنبي في مسألة الوطء في الطهر لإشعار الزوج بعدم الندم ، قاله في التحفة والفتح.

224

صرائح الطلاق

(مسألة) : صرائح الطلاق ثلاث : الطلاق والفراق والسراح لا غيرها ، وإن اشتهر في عرف محلة وذلك كطلقتك وأنت مطلقة ، وإن أبدل الكاف شيناً كطلقتش ، فلو أسقط المفعول فقال : طلقت فقط ، أو المبتدأ فقال : طالق فقط يقع الطلاق وإن نواه ، نعم إن سبق سؤالها أو سؤال غيرها الطلاق فأجابها بذلك وقع نص عليه في شرح السراجية وفتاوى ابن حجر وهو ظاهر عبارة التحفة والقلائد وغيرهما.

(مسألة : ك) : قوله : عليّ الطلاق ، أو يلزمني الطلاق ، أو الطلاق واجب عليّ صريح على المعتمد ، وقيل كناية ، وقيل لاغ ، فإن قيده اعتبر وجود الصفة ، ولو قال : طلاقك بخروجك من بيتك وقع بخروجها رجعياً ، ولو قال : عليّ الطلاق من فرسي أو سيفي مثلاً فظاهره كناية وباطنه صريح ما لم ينو من فرسي قبل فراغ لفظ اليمين.

(مسألة : ي) : قيل له : أطلقت زوجتك ؟ فقال : نعم ، فإن قصد السائل طلب الإيقاع من الزوج فصريح ، وإن قصد الاستخبار عن طلاق سابق أو جهل قصده فإقرار به ، إن كان قد طلق صح وإلا فلا اهـ. قلت قال (سم) : ولو قيل له : طلقت زوجتك ؟ فقال : نعم طلقت لأن تقدم الطلب جعل التقدير نعم طلقتها بمعنى الإنشاء اهـ جمل.

(مسألة) : قال لزوجته ابتداء أو بعد سؤالها الطلاق واسمها زينب واسم أجنبية أيضاً وقال : أردت الأجنبية لم يقبل ظاهراً بل يدين لاحتماله كما في التحفة. ولو قيل له : طلقت فلانة ؟ فقال : طلقتها الثلاث حكم عليه بالطلاق ظاهراً وباطناً ، إن قصد إنشاء الطلاق أو سبق منه طلاق وإلا فظاهراً فقط ويدين ، فحينئذ إن لم يبلغ الحاكم وصدّقته الزوجة على ذلك جاز لها تمكينه ، وجاز للشهود أن لا يشهدوا عليه كما في نظائر المسألة ، كما أفهمه كلام أبي مخرمة وباجمال وترغيب المشتاق ، وفي التحفة : معنى التديين أنه إن غلب على ظنها صدقه وجب عليها تمكينه ، وإن ظنت كذبه حرم ، وإن استوى الأمران كره ، ولها إذا كذبته أن تنكح من لم يصدقه ، ولا يتغير الحال بحكم الحاكم بالتفريق أو عدمه ، إذ العبرة بالباطن فلا يحل حراماً ولا يحرم حلالاً.

(مسألة) : قال لها : اذهبي أنا إلا مطلقش طلقت واحدة ، ولو قال لها : أنت طالق الطلاق القطع بريئة من كل شرط ، فقال له آخر : لا تقل بريئة الخ. فأعاده كذلك طلقت ثنتين إلا إن أراد بالثاني التأكيد للأول ، أو ظن عدم وقوعه به فأتى بالثاني فتقع واحدة ، نعم إن أراد بقوله الطلاق القطع الثلاث وقعن.

فائدة : من صرائح الألفاظ قوله : طلقك الله ، ومثله ما لو قال لغريمه : أبراك الله ، أو لأمته : أعتقك الله ، بخلاف ما لو قال : باعك الله أو أقالك فإنه كناية ، إذ القاعدة أن كل ما استقل به الشخص وأسنده لله تعالى يكون صريحاً لقوته بالاستقلال ، وما لا يستقل به يكون كناية ، وقد نظم ذلك بعضهم بقوله :

ما فيه الاستقلال بالإنشاء

وكان مسنداً لذي الآلاء

فهو صريح ضده كناية

فكن لذا الضابط ذا دراية

اهـ إقناع وباجوري.

(مسألة : ش) : قال لها : أنت من رقبتي أو من رجلي أو مني طالق وقع مطلقاً ، إذ الطلاق حل عقد النكاح ، ويلزم من انحلاله عن بعض أعضاء الزوج انحلاله عن كلها ، ويدل عليه وقوعه بإيقاعه على جزئها المتصل ، إذ العلة عدم اختصاصه بجزء دون جزء لئلا يلزم التبعيض.

(مسألة : ش) : قال لها : طلق أو طلقا أو طلقوا طرفاك أو طرفيك طلقت ولا عبرة بلحنه ، إذ الطرف بفتح الراء يطلق على اليدين والرجلين والرأس ، وبإسكانها تثنية طرف الذي هو العين ، نعم إن أراد بالطرفين بالفتح جانبيها المنفصلين واشتهر عرفهم بذلك ، أو بالطرف بالسكون غير العين دين ، ولو قال : طلقت رقبتك أو طلقت رقبتك بالنصب في الأولى والرفع في الثانية عكس إعرابهما طلقت ولا يضر لحنه أيضاً ، بخلاف انطلق رقبتك فإنه كناية.

(مسألة : ش) : قال لها : إن لم تتزوَّجي فلاناً فأنت طالق وقع حالاً على المعتمد ، خلافاً للأصبحي ولا يلزمها مهر مثل للمطلق إذا تزوّجت خلافاً للأزرق ، ولو طلق رجعياً ثم قال : يصير تطليقي ثلاثاً إن لم تفعلي كذا لغا ولم تحرم عليه مطلقاً ، سواء وصله ونوى به الحال ، وأنه من تتمة الأول أم لا على المعتمد ، لأن ذلك كلام مستأنف لا يصلح لذلك ، وبه فارق قوله ثلاثاً بعد أنت طالق ، فإنه تقع به الثلاث إذا نوى أنه من تتمة الأول ولم يطل الفصل ، نعم إن قصد بأنت طالق الثلاث وقعن.

(مسألة : ك) : كرر صرائح الطلاق أو كناياته ولو مع اختلاف ألفاظه أو أكثر من ثلاث مرات ، كأنت طالق ، طلقتك أنت مطلقة ، أو أنت طالق مفارقة مسرحة ، أو أنت بائن اعتدّي اخرجي ، فإن قصد التأكيد فواحدة ، وإن قصد الاستئناف أو أطلق تعدد ، وهذا كما لو أصمت عن الكلام مع بقاء الشعور فقيل له ثلاث مرات : نشهد عليك أن فلانة طالق من عقدك آخر جزء من حياتك ، فقال كل مرة : أها أي نعم ، فتقع الثلاث أيضاً لكن بقصد الاستئناف لا إن أطلق أو قصد التأكيد اهـ. قلت : ومحل عدم التعدد بقصد التأكيد إن أتى بالألفاظ فوراً لا إن فصل بفوق سكتة التنفس والعيّ وإلا تعدد مطلقاً ، كما أن محل ذلك أيضاً في غير المعلق ، أما هو فلا تعدد فيه إلا إن قصد الاستئناف كما في التحفة وغيرها ، وعبارة (ي) : ولو قال أنت طالق إن دخلت الدار وكرره مراراً ولو متراخياً ، فإن قصد بالثاني طلاقاً ثانياً تعدد أو الاستئناف أو أطلق وقع الأول فقط ويصدق بيمينه اهـ. ونحو ذلك كله في (ش) وزاد : وهذا في مدخول بها ، أما غيرها فتقع واحدة مطلقاً منجزاً أو معلقاً ، والظهار كالطلاق إلا في حالة الإطلاق فيحمل على التأكيد مطلقاً.

(

مسألة : ك) : ونحوه (ش) قال لها أنت مطلقة فقيل له طلق بالثلاث فقال وبالثلاث فإن لم يفصل بينهما سكتة التنفس والعي وقعت الثلاث وإن فصل ولم تنقطع نسبته عنه ونوى أنه من تتمة الأوّل وبيان له فكناية وإلا لم يؤثر مطلقاً.

(مسألة : ش) : طلقها ثلاثاً ، ثم ادعى أنه فصل بين طالق وثلاثاً فاصل مضرّ ، فإن صدقته أو شهدت له بينة بالفصل ولم تعارضها أخرى بالاتصال فواحدة ، وإن كذبته صدق بيمينه ما لم يصدر منه إقرار بالثلاث ولو بعد أن حلف وراجع ، فتقع الثلاث مؤاخدة له بإقراره ، ولا تقبل دعواه أنه إنما أقر بظن الطلاق ، كما لو نكل عن اليمين فحلفت المردودة ، أو أقامت هي بينة فقط ، أو تعارضت بينتها بالاتصال وبينته بضده ، فتقدم بينتها لأن معها زيادة علم بالاتصال الذي هو خلاف الأصل فتكون حينئذ نافلة.

(مسألة : ش) : سألته الطلاق فقال : متى من رقبتي أنت طالق بالثلاث حكم عليه بها ، إلا إن أراد بمتى الاستفهام ولم يأت بالفاء قبل أنت الخ فيصدق بيمينه ، لأن أسلوب كلامه يحتمله ، فكأنه قال : متى تصيرين مطلقة ثلاثاً ، فإن أتى بالفاء لم يصدق ظاهراً ، كما لو ادعى أنه أراد التعليق بالبراءة ولا قرينة كمنعه من التلفظ بذلك على المعتمد.

(مسألة : ش) : قال لها : أنت طالق عدد المشي وأطلق فواحدة لأن المشي اسم جنس إفرادي لا تعدد في ماهيته ، بخلاف ما لو نوى عدد أنواعه أو مرّاته أو تلفظ بذلك فتقع الثلاث ، كما لو قال : أنت طالق عدد أنواع أو أجناس أو أصناف الطلاق أو عدد ضراط إبليس.

(مسألة : ب) : طلقها ثلاثاً في مجلس واحد وأراد تقليد القائل وهو ابن تيمية بأنها تحسب واحدة لم يجز له ذلك ، وقد غلطه العلماء وأجمعوا على عدم جوازه وهو من تجري جهلة العوام اهـ. وعبارة (ش) طلق ثلاثاً فسئل عن مذهبه فقال : شافعي ، ثم غاب أياماً وعاد وقال : قد راجعتها وأنا إسماعيل لم يقبل قوله مطلقاً لتكذيبه نفسه ، بل وإن صدق في دعواه الثانية وحكم له حاكم بذلك ، وهذا كما لو طلقت ثلاثاً ثم ثلاثاً ثم ثلاثاً وادعى أنه زيدي فاستفتى الزيدية فقالوا : تقع بالثلاث واحدة لأنه بكل ثلاث تقع واحدة ، بل لو فرض أن الكل بمجلس واحد فتقع الثلاث أيضاً ، ولا عبرة بقول الزيدية لخرقهم الإجماع الفعلي من البينونة الكبرى بالثلاث مطلقاً ، فيجب نقض الحكم في هذه كالتي قبلها على كل من قدر عليه ، بل من قدر على نقضه وردّه فلم يفعل فهو فاسق باعتقاده المنكر معروفاً لا سيما والزوجان شافعيان ، ولو ثبت تلفظه بالثلاث ثم ادعى أنه لم يشعر بذلك لم يتلفت إليه لثبوته بالبينة وهو الآن ناس أو متناس ، ويبعد أن يزول حسه أو ينام بعد تلفظه بالطلاق قبل الثلاث.

226

كنايات الطلاق

(مسألة) : وكل من يكتب له الطلاق ونوى هو لم يقع إذ لا تصح النية إلا من الكاتب ، فإن وكله في النية والكتابة فكتبه ونوى وقع ، ويجري ذلك في سائر العقود التي تنفذ بالكتابة ، فلا بد من نية الكاتب ، سواء عن نفسه أو غيره ، قاله ابن حجر في فتاويه ونحوه التحفة والنهاية.

(مسألة : ش) : اتهمته زوجته بأخذ شيء فأنكر فقالت بلى ، فقال لا وإلا فعليك مائة طلقة ، كان كناية تقع به الثلاث حالاً إن نواه أي الطلاق ولم يقصد بإلا شيئاً ، فإن قصد بها إن الشرطية المركبة مع لا النافية كان معلقاً على أخذه ما ادعته ، فإن ثبت بشاهدين ولو حسبة أو بيمينها المردودة وقع.

(مسألة : ش) : أقرّ بأنه قد أخرج زوجته كان كناية طلاق ، وإن اشتهر عندهم أنه صريح فيه وفي الثلاث ، إذ لا عبرة بالاشتهار عند النووي ، بل لا صريح إلا ما ورد في الكتاب العزيز من لفظ الطلاق والفراق والسراح وما اشتق منها ، وحينئذ فإن نوى به إنشاء الطلاق أو والثلاث وقع ما نواه ، وإن قصد الإقرار بالثلاث فقد غلظ على نفسه أو بواحدة صدق بيمينه.

(مسألة : ك) : انتهر زوجته أو أمته مع قولها : طلقني أو أعتقني فقال : انطلق رأسك أو بطنك ، فإن لم ينو شيئاً فلغو ، وإن نوى الطلاق أو العتق احتمل إلغاءه واحتمل الوقوع وهو الأحوط ، كما قاله ابن زياد فيمن قالت له زوجته : طلقني ، فقال : طلقت رجلك أنه كناية ، وصرح في التحفة والنهاية فيمن قالت له : أنا مطلقة ؟ فقال : ألف مرة ، أو هل هي طالق ؟ فقال : ثلاثاً بأنه كناية في الطلاق والعدد ، ومثله ما لو طلبت الطلاق فقال : اكتبوا لها ثلاثاً ، فإن لم يسبق طلبها فلغو مطلقاً.

(مسألة : ي) : كتب إلى آخر : وإن طلبت الزوجة كلمتها فأنت وكيل من طرفنا ، كان ذلك كناية في الطلاق ، ويصح تعليق التوكيل لعموم الإذن.

(مسألة : ب) : قوله لزوجته : اسرحي كناية يقع به الطلاق مع النية ، كما لو قال لها عند الخصام : أنت قالة شيطانة مسرحة ولم يقصد الطلاق فلا يقع بلا شك للقرينة ، إذ لا يستعمل لفظ السراح في جهتنا في الطلاق ، بل لا يعرف صراحته إلا الخواص ، ومع ذلك لا يخطر ببال من تلفظ به الطلاق قط لاستعمالهم في الحقيقة اللغوية والعرف مطرد بذلك ، بل غالب العوام لا يعرفون مدلوله الشرعي ، فيكون حينئذ كالأعجمي الذي لقن لفظ الطلاق ولم يعرف مدلوله فلا يقع طلاقه ، وهذا الذي نعتمده كما أفتى به ابن حجر وابن زياد.

(

مسألة : ك) : قال لها إن جئتك جئت أمي ، أو أنت عليَّ حرام إن وطئتك مثل أمي أو أختي ، فإن نوى به طلاقاً وقع أو ظهاراً فكذلك وإلا فكفارة يمين اهـ. وفي (ج) قال : عليَّ الحرام في بيني يعني زوجته ما يخرج فلان من الدار وكرره ثلاثاً كان كناية طلاق يقع من النية ، فتطلق حينئذ ثلاثاً بوجود المعلق عليه وهو خروج فلان اهـ. قلت وقوله : تطلق ثلاثاً أي إن قصد بكل الاستئناف كما مر.

فائدة : قال : عليَّ فيش بالحرام الثلاث إن زدت ذكرتيها أن قدها طلاقش فذكرتها طلقت ثلاثاً إن نوى الطلاق بقوله عليَّ فيش لأنه كناية اهـ عبد الله الخطيب. ولو قال : أنت عليَّ من السبع المحرمات ، أو أنت عليَّ حرام ، فإن نوى طلاقاً أو ظهاراً فما نوى أو تحريم عينها فكفارة يمين ، كما لو لم ينو شيئاً ويصدق بيمينه ، اهـ بامخرمة ومثله السمط اختصار فتاوى ابن حجر.

227

الألفاظ التي يقع بها الطلاق وما يحتمل التأويل

(مسألة : ج) : قال لزوجته بالحرام بالثلاث إن تزوجت فلانة أو إن خرجت إلى مكان كذا إن قدها طريقك ، فهذه صيغة قسم والطلاق لا يقسم به ، فتكون لغواً لا يقع به الطلاق بوجود المعلق عليه ، وإن نوى الطلاق هذا مذهبنا ومذهب مالك وأكثر الأصحاب ، ولم ينقل عن أحد ما يخالفه للنهي عن الحلف بغير الله تعالى ، والنهي يقتضي الفساد ، ولا فرق بين فتح الهمزة وكسرها من نحوي وغيره فيما يظهر ، وفي المسألة خلاف وهذا معتمدنا ، وإن أوهمت عبارة النهي أنه كناية ، نعم عليه كفارة يمين والإثم والتعزير ، ولو قال : عليَّ في زوجتي بالطلاق الثلاث إن فعلت كذا ، رجح جانب الالتزام مع الفتح فيقع الطلاق حالاً ، وجانب الحلف مع الكسر فيلغى ، وأما ما اقتضته عبارات الفقهاء من أن الحلف بالطلاق يؤاخذ به الحالف ليس المراد به القسم بالطلاق ، بل مرادهم بذلك ما اقتضى منعاً من شيء أو حثاً عليه أو تحقق خبر اهـ. وعبارة (ب ك) : قال لزوجته بالحرام بالثلاث وعلق ذلك على فعل شيء أو تركه ، فالذي يصرّح به كلام التحفة والفتح والفتاوى في نظير المسألة أنه لغو ، وكلام النهاية وعلي بايزيد يقتضي أنه كناية ، زاد (ب) : وما نقل عن العلامة سقاف وابن محمد الصافي من وجوب كفارة يمين فهو من باب الاحتياط اهـ. وخالفهم في (ي) فقال لأمه المزوّجة بالحرام بالثلاث أو بالطلاق الثلاث في زوجتي لا تدخلي داري إلا إن قنعت من هذا الرجل أو طلقتك ، فقوله بالحرام الخ كناية إن نوى بها الطلاق الثلاث وقعن بدخول أمه إذا لم تقنع من زوجها ولم يطلقها ، لكن لا يتحقق ذلك إلا باليأس ، فحينئذ للابن الاستمتاع بزوجته ، وإن دخلت الأم داره ما لم تمت الأم أو زوجها قبل الطلاق والقناعة فيقع الثلاث على المعلق حينئذ.

(مسألة : ب) : قال لأجنبية : أنت محرّمة عليَّ لا أتزوّج بك ، لم يلزمه بذلك شيء ويجوز له التزوّج بها ، كما لو حرم على نفسه طعاماً أو شراباً فلا يحرم ولا كفارة ، وإنما وجبت في تحريم الزوجة احتياطاً في الأبضاع ، ومثله ما لو قال لنحو ولده أو والده : وجهي من وجهك حرام فلا شيء فيه.

(مسألة : ي) : طلبت الطلاق فرماها بشيء ، ثم أعادت الطلب ثانياً وثالثاً فأعاد هو الرمي لم يقع برميه المذكور شيء وإن نواه وتعارفه أهل جهته ، لأن إشارة الناطق وإن أفهمت لا يقع بها شيء ، ولو قالت هذه يعني الرمي طلاقي ؟ فقال : نعم لم يقع أيضاً ، سواء قصدت استخباره أم جهل قصدها ، لأن قصده الطلاق بالرمي لاغ ، فلغي الإقرار به ، ولا يتأتى هنا وقوع الطلاق بقصدها الطلب لأن لفظها لا يحتمله ، إذ قولها هذا إشارة إلى فعله وهو الرمي ، والمجيب بنعم حاك لكلام السائل فكأنه قال نعم هذا الرمي طلاقك.

(

مسألة : ك) : قالت : بذلت صداقي على طلاقي ، فقال : إذا أتيتني بثلاثمائة زبدية نملاً أو كناناً في مكان كذا يكيلها فلان ولا يطير منها نملة فأنت طالق ، أما بذلها المذكور فلغو لأنه في مقابلة طلاق منجز ولم يقع ، وأما تعليقه بما ذكر فمستحيل عادة فلا يقع ، إذ لا يمكن جمع مثل هذا النمل وكيله من غير أن يطير منه نملة ، فإن فرض إمكان ذلك وقع رجعياً بشرطه.

فائدة : قال لها : أنت طالق إن شاء الله ، أو إن لم يشأ الله لم يقع إن قصد التعليق ، بخلاف ما لو قاله تبركاً أو سبق لسانه أو بلا قصد فيقع اهـ شرح السراجية.

(مسألة : ش) : قال لها : أنت طالق بمشيئة الله أو إرادته لم تطلق للتعليق ، فكأنه قال إن شاء الله بخلاف لمشيئة الله فيقع حالاً لأن اللام للتعليل.

فائدة : قال فلانة يعني زوجته طالقة ثنتين من مهري ، فأخبره بعض من حضره بأن الصيغة فاسدة ، فأعادها بقوله : فلانة طالقة ثنتين من عقدي نفذت الأوليان ولُغي قوله من مهري لا المتأخرتان فلا تبين بهما لظنه أن الأوليين لم يقعا وقصده تصحيح الأول ، نعم إن نوى بهما إنشاء طلاق ثان ضمتا إلى الأوليين وبانت ، اهـ فتاوى الشيخ محمد باسودان.

(مسألة : ش) : قال لزوجتيه : كل امرأة لي غيركم طالق لم يقع عليهما شيء ، نعم إن أراد بغير معنى إلا الاستثنائية وفهَّمه وقع للاستغراق ولا أثر للحنه بحذف ألف التثنية ، كما يقع بقوله : كل امرأة لي طالق غيركم مثلاً ، إلا إن أراد بغير الوصف وأنه أخره عن تقديم ، أو دلت قرينة على إرادته كأن قالت : تزوّجت فقال ما ذكر وحيث لم يقع ، فقالت : احلف بالثلاث ، فقال : بالله عشرين مرة لم يقع به شيء وإن نوى به الطلاق إذ لا يصلح كناية له.

(مسألة : ش) : قالت له : طلقني وإلا طلقت نفسي ، فقال : طلقي نفسك فطلقت ، ثم ادعى أنه إنما قاله على سبيل التهكم أي ليست قادرة بلا إذن مني صدق يمينه ظاهراً للقرينة القوية ، إذ لو حلها من وثاق وقال : أنت طالق ثم قال : أردت من الوثاق صدّق ، فإذا أثرت القرينة في المقصود وهو لفظ الطلاق الصريح فلأن تؤثر في الوسيلة وهو التوكيل أو التفويض من باب أولى ، ومحل عدم النظر إلى القرائن مع الصريح إذا ضعفت جداً ، وقول الأزرق وغيره لا يصدق ظاهراً بل بدين مردود كما علمت.

(مسألة : ي) : طلق إحدى زوجتيه معينة ثم نسيت وتعذرت معرفتها أو مبهمة ولم يبينها ومات وقف حصتهن حتى يصطلحن ولو بتفاوت لا بأخذ مال من إحداهن ليس من التركة ، ويفسح الصلح هنا مع الإنكار ، ثم إن كان الطلاق مبهماً كأن قال : طلقت واحدة من زوجاتي ولم يعينها قبل موتها لم يمكن التداعي ، وإن عينت حال الطلاق أو بعده ثم نسيت وادعت بعضهن على ضرتها أنها المطلقة وأثبتته بشاهدين أخذت المال ، فإن لم تثبت حلفت المنكرة واصطلحن ، وإن نكلت حلفت المدعية المردودة وحرمت الناكلة الإرث.

229

الإكراه على الطلاق

(مسألة) : شرط عدم وقوع الطلاق بالإكراه ستة : قدرة المكره بكسر الراء على تحقيق ما هدد به عاجلاً من نحو حبس أو ضرب أو إتلاف مال يتأثر به ، وعجز المكره بفتح الراء عن دفعه بنحو فرار أو استغاثة وظنه أنه لو امتنع فعل ما خوفه به ناجزاً ، وأن لا يكون الإكراه بحق كطلاق المولى ، وكأن قال مستحق القود : طلق زوجتك وإلا قتلتك بقتلك أبي فطلق فيقع فيهما ، وأن لا تظهر منه قرينة اختيار كأن قيل له : طلق ثلاثاً فوحد أو عكسه ، وأن لا ينوي الطلاق بل يتلفظ به لمجرد الإكراه لكن لا تلزمه التورية كأن ينوي به طلاقاً سابقاً أو حلها من وثاق ، نعم هي مندوبة إن أمكنت.

(مسألة : ش) : تخاصم هو وزوجته بمحضر جمع فطلقها حياء منهم أو غيظاً وقع ، وليس من الإكراه في شيء ، بخلاف ما لو خوّفته بالشتم القبيح وهو من ذوي الأقدار ، وذلك كأن تنازعه الطلاق وتقول : إن لم تفعل لأشتمنك بين الناس شتماً قبيحاً وهو ذو مروءة ويعلم قدرتها ويغلب على ظنه فعلها ، وكذا لو قالت له بملأ من الناس كلاماً قبيحاً وتعين اندفاعها بالطلاق ، هذا إن لم يظهر منه قصد اختيار كأن طلبت الطلاق فثلث أو الثلاث فوحد وإلا وقع ، ويظهر ضبط الشتم بأنه كل ما يصلح أن يعزر على فعله كمعصية ليس لها وقع ولا عبرة ، بكون الشخص قد يسب بتلك الرذائل فلا يكترث بها ، ولا يعدّ عرفاً أنه حط لرتبته ، فلا شك أن ذلك كثير ممن يعدّ من ذوي الأقدار ، لكونه يصدر على سبيل المزح والمجانة ، ولو صدر على سبيل الجد لعدّ حطاً عن تلك المكانة ، والمكره لا شك جادّ لا هازل ، فيعد بالنسبة لذوي القدر محذوراً مناسباً من غير نظر إلى حال المزح ، أما الأراذل فالسب لهم مطلقاً لا يشين ، فليس محذوراً بالنسبة إليهم لملابستهم له أخذاً وعطاء في كل حين وضابط ، كون الشخص من ذوي الأقدار العرف ، ويختلف باختلاف الأشخاص والأزمنة والأمكنة والأحوال ، فربّ شخصين يسبان بسب واحد فيعد حطاً لرتبة أحدهما فقط ، ورب ملبوس يلبسه شخص في زمنين أو حالين أو مكانين ، فيعدّ حطاً لرتبته في أحدهما فقط ، وليس من الإكراه التخويف بالله تعالى ، إذ لا يجب إبرار القسم به ، بل وسنيته مقيدة بعدم ترتب الضرر والمفسدة ، بل ولو قلنا بوجوبه فليس بإكراه أيضاً اهـ. قلت : وهل يلحق بالتخويف بالله تعالى قول الوالد لولده : فارق زوجتك وإلا فأنا غير راض ، وتغيظ غليه وغضب بسبب ذلك ، أي فيقع به الطلاق أو يلحق ذلك بالكلام القبيح لذوي المروءات فيكون إكراهاً ، فلا يقع طلاقه حينئذ ، خصوصاً إذا كان الابن يؤثر رضا والده على المال محل نظر وتأمل ، ولو قيل بالثاني بقيده لم يبعد.

(

مسألة : ش) : طلق زوجته ثم ادعى إكراهها إياه ، فإن وجد منها ما هو إكراه كأن تمسك ثوبه فلا تفكه إلا بالطلاق ، أو تغلق عليه الباب ، أو تتوعده بالضرب الشديد والكلام القبيح وهو من ذوي المروءات ، وكانت قادرة على ذلك ، ولم يمكنه الهرب والاستغاثة عليها بغيرها فطلق حينئذ لم يقع ، ومتى ادعى ذلك وثم قرينة صدق بيمينه ، فإن نكل فحلفت المردودة وقع ، وهذا حيث لا بينة لأحدهما وإلاَّ قضى بها ، فإن تعارضنا قدمت بينة الإكراه ، لأن معها زيادة علم ما لم نقل بينة الاختيار زال الإكراه وطلق مختاراً وإلا قدمت.

(مسألة : ش) : اتهمه ذو شوكة بأنه يؤوي اللصوص فأنكر فقال له : احلف بالطلاق الثلاث وإلا أخذت مالك ، فحلف ثم بان أنه يؤويهم ، فإن كان الأمر ممن يخاف سطوته لكونه مشهوراً بذلك فأمره منزل منزلة الإكراه ، فيكون تخويفاً بإتلاف المال فينظر ، فإن كان يسيراً كخمسة دراهم لموسر لم يكن إكراهاً ، وإن كان قدراً يؤثر العاقل الإتيان بما أمره به صيانة لذلك كان إكراهاً لأنه محذور مناسب ، فإذا حلف كما أمره من غير ظهور قصد اختيار فلا طلاق.

(مسألة : ش) : أخذت دابته ففداها فمنعه الغاصب أن يفكه أو يستلمها إلا إن حلف بالطلاق أن لا يخبر أحداً بالفداء فمكره بشرطه ، فلا يقع الطلاق إذا أخبر به ، كما لو حبسه حتى يحلف بالطلاق ، أما إذا فداها فدفعوها إليه وحلفوه أن لا يخبر أحداً بالمأخوذ فحلف من غير تهدد ، ثم أخبر عامداً وقع ، ولا عبرة بقوله حينئذ ، إنما أخبرت بعض الناس الذين لم يكن للغاصب بهم غرض إذ النكرة في سياق النفي للعموم ، نعم إن دلت قرينة تغلب ظن الحالف على أن الغاصب أراد واحداً مخصوصاً فينبغي تصديقه بيمينه.

(مسألة : ك) : أخذه اللصوص وادعوا أنه دس شيئاً من ماله فأنكر ، فحلفوه بالطلاق الثلاث أنه لم يدس والحال أنه قد دس وقع الثلاث ، وليس هذا بإكراه على المعتمد ، لأنه خير بين بيان ما دسه من المال والطلاق ، كما لو أخذه السلطان بسبب غيره فطالبه به أو بماله فقال : لا أعرفه أو لا شيء عندي ، فحلفه بالطلاق فحلف كاذباً فيقع ، وهذا بخلاف ما لو أخذه اللصوص وقالوا : لا نخليك حتى تحلف بالطلاق أن لا تذكر ما جرى ، فحلف فلا يحنث إذا ذكره لأنهم أكرهوه على الطلاق هنا ، فلو رجع عن إقراره في الأولى وادعى أنهم إنما حلفوه على عدم خروجه من البيت بشيء غير هذا لم يقبل ظاهراً إلا بقرينة ، ومن القرينة شهادة عدلين على ما ادعاه ثانياً ، وسماع شهادتهم إنما هو لكونهم قرينة تدل على ما رجع إليه الحالف ، وإلا فالقاعدة أن من أقر بشيء ثم ادعى بما يناقض ذلك الإقرار لا تسمع دعواه ولا بينته بذلك ، كما صرح به في التحفة في الدعوى ، ولو ادعى سبق لسانه بطلاق بلا قصد لم يصدق إلا بقرينة أيضاً لتعلق حق الغير به ، أما باطناً فيصدق ولها قبوله إن ظنَّت صدقه بأمارة ، ولمن ظن صدقه أن لا يشهد عليه.

(

مسألة : ك) : طلق ثلاثاً ثم ادعى أنه سكران حال الطلاق ، فإن كان متعدياً بشربه وقع عليه الطلاق ، وإن ادعى الجهل بكونه خمراً أو بتحريمه وعذر صدق أو الإكراه أو زوال العقل ، فإن دلت قرينة كحبس أو مرض أو اعتياد صرع صدق أيضاً ، كما لو شهدت بينة بذلك وإلا فلا ، وله تحليف الزوجة أنها لا تعلمه.

(مسألة : ك) : أمره الحاكم بالطلاق فطلق لم يقع وإن لم يتهدده ، لأن الأئمة ألحقوا حكم الحاكم بالإكراه ، ولا فرق بين قدرة الحاكم على إجباره حساً أم لا ، إذ هو إكراه شرعاً ، ومنه ما لو حلف ليطأنها الليلة فغلبه النوم بحيث لا يستطيع ردّه ولم يتمكن قبل غلبته بوجه فلا يحنث كما لو وجدها حائضاً ، وشرط عدم وقوع الطلاق بالإكراه أن لا يكون بحق كما في المولى ، وأن لا توجد قرينة اختيار من المطلق ، كأن أكره على ثلاث فوجد وأن لا ينوي الطلاق.

(مسألة : ش) : قال لها : إذا أو متى مضى شهر رمضان ولم أكسك فأنت طالق ، أو يلزمني الطلاق لأكسونك في شهر رمضان ، فتعذرت الكسوة حساً بأن لم يجدها أو ثمنها أو شرعاً بأن لم تبع إلا بأكثر من ثمن المثل في جميع الشهر لم تطلق لأنه مكره شرعاً ، وإن تمكن منها في جزء منه ولو أوله فقط طلقت ، بخلاف ما لو قال : إن مضى شهر رمضان ولم أكسك فلا يقع الطلاق إلا إن تمكن منها آخره ولم يفعل ، ولا عبرة بقدرته أثناء الشهر.

231

تعليق الطلاق والحلف به

(مسألة : ب) : الحروف التي تستعمل في الطلاق للتعليق بالصفات سبعة : إن ، وإذا ، ومتى ، وما ، وأيّ وقت ، وأيّ حين ، وأيّ زمان ، فإن تجردت عن العوض ولم تدخل عليها لم كانت الجميع للتراخي ، وكذا إن دخلها العوض أيضاً ، غير إن ومثلها إذا على المعتمد فعلى الفور ، وإن دخلت عليها لم فكلها على الفور ، إلا إن على المعتمد دخلها العوض أم لا اهـ. قلت : وسئل عنها ابن الوردي شعراً بقوله :

أدوات التعليق تخفى علينا

هل لكم ضابط بكشف غطاها فأجاب بقوله :

كلما للتكرار وهي ومهما

إن إذا أي متى من معناها

للتراخي مع الثبوت إذا لم

يك معها إن شئت أو أعطاها

أو ضمان والكل في جانب النفـ

ـي لفور لا إن فذا في سواها اهـ..

(مسألة : ي ش ك) : علق الطلاق بشيء وكرره متوالياً أو متراخياً لم يتكرر إلا إن قصد بالثاني طلاقاً ثانياً ، لا إن قصد التأكيد أو أطلق زاد ، ولا طريق للرجوع عن الطلاق المعلق بل يقع عند وجود الصفة ، ولا تدخل كفارة اليمين في باب الطلاق أصلاً ، وإنما سموا العلق يميناً لأن المطلق إنما يأتي به غالباً لتحقيق شيء أو حثّ عليه أو امتناع منه ، كما أن اليمين يأتي بها الحالف كذلك.

(مسألة : ي) : ونحوه ش ك : المخلص من اليمين في الطلاق المعلق أن يخالعها ثم يجدد بإذن ومهر ، ويفعل المحلوف عليه بعده أو في حال البينونة وهو الأولى خروجاً من الخلاف ، أو يطلقها ثلاثاً ، وكذا رجعياً إن جدد بعد انقضاء العدة اهـ. زاد ش : وليست هذه الحيلة محرمة بل ولا مكروهة لعدم المفسدة ، بخلاف الحيلة التي تجرّ إليها اهـ. وزاد : (ي) وهذا في التعليق بالدخول المطلق كإن دخلت الدار ، وكذا في الحلف على النفي مطلقاً أشعر بالزمان أم لا ، كلا أدخل دار زيد أو لا أكلمه هذه الليلة وإلا فأنت طالق ، أو الإثبات بما لا إشعار له بالزمان كان لم أدخل دار زيد فأنت طالق ، أما الحلف على الإثبات بما يشعر بالزمان ، كإذا لم أدخل داره أو لأقضينه غداً فلا تنحلّ اليمين بالبينونة ، بل يقع الطلاق المعلق عليه وتبطل البينونة على المعتمد ، كما في التحفة والنهاية وزكريا اهـ. قلت : عبارة الشرقاوي وأصل الخلع مكروه إلا في صور منها أن يحلف بالطلاق الثلاث على عدم فعل شيء لا بد له من فعله كدخول الدار فيخالعها ليخلصه من الطلاق ثم يفعله ، فهو مخلص من الطلاق الثلاث في الحلف على النفي المطلق ، كقوله : عليّ الطلاق الثلاث لا أفعل كذا ، والمقيد كلا أفعل كذا في هذا الشهر ، أوالإثبات المطلق كلأفعلن كذا ، وأما المقيد كلأفعلن كذا في هذا الشهر ففيه خلاف ، والمعتمد أنه يخلص فيه أيضاً بشرط أن يخالع ، والباقي من الوقت زمن يسع المحلوف عليه وإلا لم ينفعه قطعاً ، وقال بعضهم : لا ينفعه أي الخلع إن فعله بعد التمكن من فعل المحلوف عليه ، فإذا مضى الوقت المعلق عليه وقعت الثلاث لأنه فوّت البرّ باختياره اهـ ملخصاً. وقوله : وقال بعضهم الخ هو معتمد النهاية و سم وع ش.

(

مسألة : ش) : تخاصم هو وآخر فقال : أهب فلانة بالطلاق الثلاث إما أن تقضي الدراهم أو لأحرقنّ عليك البيت الآن ، فإن أراد بقوله أهبها الخ أصيرها أو أجعلها متصفة بالطلاق احتمل الوعد بتطليقها عند انتفاء الإعطاء والتحريق فلا يقع بمجرّده شيء مطلقاً إذ شأن المضارع الاستقبال غالباً والأصل دوام النكاح ، واحتمل إنشاء التعليق في الحال على كلا الخصلتين ، فإن أقرّ بإرادته ذلك وأخذ به فتقع الثلاث بانتفائهما ، ولا يكفي إعطاء أجنبي الدراهم إلا إن أذن له المدين في دفعها ودفعها بحضرته ، فيكون كإعطائه لأنه يملك الدراهم بالقرض الحكمي ويصير الدافع وكيلاً عنه.

(مسألة : ش) : حلف بالطلاق أنه ما لزم جاريته وكان قد أمسكها بيده وقع إن كان حال حلفه ذاكراً متعمداً ، ولا يقبل منه إرادة الجماع ، لأن لفظة لزم تطلق على الإمساك باليد وضعاً لغوياً وعرفاً مطرداً ، فإن لم يمسكها هو بل أخذت هي بيده فلا طلاق.

(مسألة : ش) : أخبر برعي دواب زيد لزرعه فادعى عليه فأنكر ، فحلف بالثلاث ظاناً صدق مخبره فبان كذبه وأنها لم ترعه لم يحنث على المعتمد ، كما لو حلف على شيء ففعله ناسياً ، بخلاف ما تيقن عند الحلف عدم رعيها أو قال : يلزمني الطلاق أنها رعته صدق المخبر أو كذب فيقع حالاً.

(مسألة : ك) : قال : حنثت من أهلي أن الشيء الفلاني لم يقع ونوى بذلك الطلاق ، فالظاهر من احتمالين أنه كناية ، فإذا وقع الشيء المحلوف به كان كمن حلف على أن الشيء الفلاني لم يكن أو كان أو سيكون ، أو إن لم أكن فعلت ، أو إن يكن فعل ، أو في الدار ظناً منه أنه كذلك ، أو اعتقاداً لجهله أو نسيانه ، ثم تبين خلاف ما ظنه أو اعتقده ، فإن قصد به أن الأمر كذلك في ظنه أو اعتقاده أو فيما انتهى إليه علمه أي لم يعلم خلافه لم يحنث ، وكذا إن لم يقصد شيئاً في الأصح ، وإن قصد أن الأمر كذلك في نفس الأمر بأن قصد به ما يقصد بالتعليق حنث قاله في التحفة.

(مسألة : ك) : علق الطلاق على فعل نفسه أو غيره كقوله : عليّ أو يلزمني الطلاق إن ساكنت زيداً ، أو لا أفعل كذا ، أو لا تفعلي كذا ، لم يحنث إلا بفعل ، أو لأفعلنه حنث بالترك ، ثم فيما إذا قيده بفعله إن قصد التعليق بمجرد صورة اللفظ ، وكذا إن أطلق كما في التحفة خلافاً لـ (م ر) وقع بوجود الصفة مطلقاً ، وإن قصد منع نفسه فيشترط أن يفعله متعمداً مختاراً عالماً أنه المعلق عليه ، وفيما إذا قيده بفعل غيره من زوجة أو غيرها ، فإن لم يبال المعلق على فعله بتعليقه مطلقاً ، أو يبالي ولم يقصد إعلامه لمنعه علم بخلفه أم لا ، أو قصده وتمكن من إعلامه ولم يعلمه أفعله الغير متعمداً مختاراً وقع الطلاق في الكل ، وإلا بأن كان يبالي بتعليقه ، وقصد الحالف منعه وعلم به ذلك الغير ، فلا حنث بفعله ناسياً أو مكرهاً أو جاهلاً بالمعلق أو المعلق به ، ويقبل قوله نسيت إن أمكن ، ومعنى يبالي بحلفه أن تقضي العادة أو المروءة بأن لا يخالفه ويبرّ يمينه لنحو حياء أو صداقة أو حسن خلق اهـ. قلت : قال في الفتح : وينبغي لمن حلف بالطلاق أن لا يخرج إلا بإذن زيد أن يشهد على إذنه لأنها المصدقة في نفيه بيمينها اهـ.

(

مسألة : ك) : قال : عليّ الطلاق ما يأتي الصبح وفي البيت حاجة من حوائجك ، فيحتمل أن مراده رفع حوائجها قبل الصبح ، وأنه إن أتى الصبح وقد بقي شيء من ذلك وقع الطلاق ، ويحتمل أن مراده إذا أتى الصبح يخرج حوائجها بعد إتيانه بحيث لا تبقى لها حاجة ، ثم يحتمل أيضاً أن المراد إخراج الحوائج قبل خروج وقت الصبح أو عدم التقييد بذلك ، فإن أراد شيئاً من ذلك عومل به ، إذ اللفظ محتمل وكل محتمل يرجع فيه إلى قصد قائله ، وإذا قصد أن إخراجها يكون بعد إتيان الصبح ولم يقصد زمناً معيناً كان ذلك على التراخي ، ولا يقع الطلاق إلا باليأس منه بموت أحدهما.

(مسألة : ش) : قال : يلزمني الطلاق الثلاث ما أرضى على أختي إلا وقد جزيت رأسها أو حلقته ، كان معلقاً على وقوع الرضا قبل حلقها ، فإن قال : رضيت عنها لفظاً وإن خالف ما في القلب قبل حلق جميع رأسها حنث ، فإذا أراد عدم الوقوع وترك الحلق المحرم فلا يقل رضيت ، وإن عاملها معاملة الراضين كالدخول والانبساط ، نعم إن قصد بالرضا لازمه أدين عليه.

(مسألة) : قال لها : أنت طالق إن لم تصلي اليوم ، طلقت بغروب الشمس إن لم تصلّ صلاة ما ولو ركعتين نفلاً لا نحو جنازة وركعة واحدة ، بل إن أراد بالصلاة الفرض أو دلت عليه قرينة قوية لم يبرّ إلا بصلاتها فرضاً ، وإن لم يقيد باليوم لم تطلق إلا باليأس بموت أحدهما أو جنونه المتصل بالموت.

(مسألة : ك) : قال لها : إن لم تأخذي من مالي شيئاً فأنت مطلقة ، ثم ادعى أنها أخذت وأنكرته صدقت بيمينها حيث لا بينة تشهد بالأخذ ، إذ كل ما تمكن إقامة البينة عليه لا يصدق مدعيه إلا بببينة ، وإذا لم يقيد الأخذ بزمن طلقت باليأس.

(مسألة : ش) : علق الطلاق بدخول نحو طفل أو بهيمة فدخل مختاراً حنث الحالف ، إذ لا يبالي من ذكر بحلفه ، وإن أكره على الدخول فلا ، إذ فعله مع الإكراه غير منسوب إليه ، بخلاف البالغ العاقل إذا علق بفعله وهو ممن يبالي بحلفه فيحنث بدخوله ولو مكرهاً ، ومحل ذلك ما لم يطرد العرف أن الحالف إنما حلف حاثاً لنفسه أو مانعاً لها ، وإلا فهو حلف على فعل نفسه لا فعل غيره ، لا سيما إن دلت قرينة ظاهرة كالمخاصمة ، فحينئذ لو تنازع شخص وأمه على تربية طفل ، فحلف بالطلاق ما بقي يدخل بيتها لم يحنث إلا إن دخل الطفل وعلمه وسلمه مختاراً ، وإلا فلا حنث على الراجح ، كما لو تنازع رجلان على بئر فحلف أحدهما بالطلاق لا بقيت تركبها ، فإذا ركبها المحلوف عليه مع من لا يستطيع الحالف أن يسطو عليه معه لم يقع الطلاق.

(

مسألة) : حلف بالطلاق الثلاث أن لا يبيت هذه الليلة في البلد وأن يسافر ، برّ بسفره بمجاوزة ما تشترط مجاوزته في صلاة المسافر نية السفر ، لأنه يسمى مسافراً لغة وشرعاً وعرفاً ، كما في التحفة والنهاية في الأيمان. قال ع ش : أي فلا بد من كونه قاصداً محلاً يعد قاصده مسافراً عرفاً وإن رجع قبل وصوله ، ولا يكفي مجرد خروجه عن السور بنية أن يعود منه إذ لا يسمى مسافراً.

(مسألة : ش) : قال لها : أنت طالق إن خرجت بلا إذن أو خف أو غير لابسة الحرير ، فخرجت غير ممتثلة أمره طلقت أو ممتثلة فلا ، وانحلت اليمين فيهما بمرة ، بخلاف ما لو علق بكلما ، وعبارة العباب هنا تحتاج إلى تحرير.

(مسألة : ش) : حلف بالطلاق لا يدخل الدار ثم دخلها فسئل عن حلفه هل قلت : يلزمني الطلاق الثلاث ، قال : نعم ثم ادعى أنه سبق لسانه لم يقبل ، لأن نعم ونحوها كأجل وأي إذا وقعت جواب الاستفهام كان إقراراً بما وقع الاستفهام عنه ودعواه سبق اللسان ، وأنه لا يميز بين الواحدة والثلاث لا تسمع ويدين ، نعم إن دلت قرينة على عدم قصده تصديق المستفهم كعجلة ودهشة صدق بيمينه أنه سبق لسانه ، وكذا إن لم يعرف معنى الثلاث ولم يميزها عن الواحدة من كونها محرمة للمرأة إن أمكن خفاؤه لقرب عهده بالإسلام أو بعد محله عن العلماء ، كما لو لقن لفظ الطلاق ولم يعرف معناه لا يقع وإن قصده.

(مسألة : ك) : تشاجر هو وزوجته فقال لها : إن خرجت فأنت مطلقة ثلاثاً ، فبقيت نحو يوم ثم أذن لها في الخروج فخرجت ، وادعى أنه أراد خروجها تلك الساعة صدق ظاهراً بيمينه للقرينة ، كما لو قيل له : كلم زيداً اليوم فحلف لا أكلمنه وقصد اليوم فيصدق حيث وصل كلامه بكلام السائل ، ولو قال لها : إن دخل عليك زيد فأنت طالق طلقت بدخوله عليها في أي مكان وحدها أو مع غيرها ، لا نحو حمام ومسجد مما لا يختص به عرفاً ، ولو أعارت حماره بغير إذنه فقال لها : إن جاءني الحمار مرفعاً فأنت طالق ، لم يقع الطلاق إلا إن وصل إليه مرفعاً ، إلا إن أنزل المتاع عنه قبل وصوله إليه ، وإن وصل البلد كذلك ، بل لو أتي به إليه مرفعاً ولم يجتمع به لم تطلق أيضاً على خلاف وتردد في التحفة ، نعم إن قال : إن جاء البلد مرفعاً وقع بوصوله أول البلد كذلك.

فائدة : حلف بالطلاق الثلاث ما يفعل كذا وله زوجتان ولم يقصد واحدة ثم قال : ولو قبل الحنث عيّنت فلانة لهذا الحلف تعينت ولم يصح رجوعه عنها وليس له توزيع العدد عليهما اهـ تحفة.

فائدة : شرط أبو الزوجة على الزوج مسكة فغضبت ، فحلف أبوها بالطلاق في زوجته أن لا تخرج بنته من بيته إلا بمسكتها ، فتعليق الأب المذكور باطل ، إذ ليس لها مسكة بذمة الزوج وإن شرطت عليه ، نعم إن نذر بالمسكة في ذمته صح تعليق الأب ولم يتخلص إلا بخلعها ، اهـ فتاوى القاضي علوي بن سميط علوق.

234

التوكيل في الطلاق

(مسألة : ك) : لا يصح التوكيل في تعليق الطلاق وإنما يصح في تنجيزه ، فلو ادعى الزوج تعليق الطلاق في التوكيل وأنكره الوكيل صدق الزوج للقاعدة أن من كان القول قوله في أصل الشيء كان القول قوله في صفته.

(مسألة : ش) : ونحوه ي قال : إذا أبرأتني فلانة من كذا فقد وكلتك بطلاقها فسد التوكيل للتعليق ، لكن إن أبرأته براءة صحيحة فطلق نفذ لعموم الإذن وكان رجعياً ، لأنه لم يوكل في الطلاق على الإبراء بل علق الوكالة به.

(مسألة : ج) : ونحوه (ك) وكل آخر في طلاقها فليس له أن يخالع ، لأنه وإن أفاده مالاً فقد فوت عليه حق الرجعة ، ولأنه ليس للوكيل أن يطلق بعوض بلا إذن ، هذا إن أمكنت مراجعتها بأن دخل بها ولم تكن الثالثة وإلا جاز ، ولو وكله في طلاقها وأطلق فطلق الوكيل ثنتين ، فإن نوى الموكل ثنتين أو ثلاثاً وقعت ثنتان ، وإن لم ينو شيئاً وقعت واحدة.

(مسألة : ش) : قوله لها : أنت وكيلة نفسك في طلاقك لغو ، إذ ليس ذلك تفويضاً ولا تمليكاً ولا توكيلاً ، إذ لا تملك طلاق نفسها ، كما لو قال لغيره : أنت وكيل نفسك في بيع مالي ، وإنما الصحيح أن يقول مثلاً : أنت وكيلتي في طلاق نفسك ، نعم إن قال : أردت توكيلها في طلاق نفسها وقع تغليظاً عليه.

235

الرجعة

فائدة : قال بج : يصح ارتجاع كل مكلف ولو بتطليق الحاكم في حق المولى فخرج به الفسخ فلا رجعة فيه لأنه شرع لدفع الضرر ، ويسن الإشهاد عليها سواء بلفظ صريح أو كناية أو إقرار ، إذ لا يصدق في الرجعة ولا يقرّ على الزوجية بعد علمنا بتطليقه وانقضاء العدة إلا ببينة وهذا فائدة الإشهاد اهـ. ونظم بعضهم شروط الرجعة فقال :

شروط الارتجاع تعدّ سبعاً

فهاك السبع في نظم مجاد

طلاق غير مستوف لعد

وقبل مضي وقت الاعتداد

وبعد دخولها ووجود وطء

بلا عوض يكون ولا ارتداد (مسألة : ج) ادعى الرجعة لم يصدق إلا ببينة تشهد بأنه راجع قبل انقضاء العدة ، فإن لم تكن بينة صدقت هي كوارثها بيمينها على نفي العلم.

(مسألة) : تحصل الرجعة بقوله : راجعت ورجعت وارتجعت ومراجعة ومرتجعة ، وتشترط إضافتها إليها أو إلى ضميرها أو الإشارة ، كراجعت فلانة ، أو راجعتها ، أو راجعتك أو هذه ، أو أنت مراجعة ، ولا تشترط إضافتها إليه كإليّ أو إلى نكاحي بل هو سنة ، فهذه صرائح ومثلها رددتها أو أمسكتها لكن بشرط الإضافة إليه ، وتحصل أياً بالكناية مع النية كتزوّجتها ونكحتها ولو بصورة العقد.

(مسألة : ب) : علق الطلاق بصفة وشك في وجودها فراجع ثم بان وجودها صحت مراجعته كما رجحه النووي ومال إليه ابن حجر ، ومثله لو شك في لفظ أيقع به طلاق أم لا ؟ فراجع احتياطاً وإن بان وقوعه ، لأن العبرة في العقود بما في نفس الأمر فقط.

235

الإيلاء والظهار واللعان

فائدة : جرى في التحفة والنهاية والفتح والإمداد على أن المرأة المولي عنها زوجها ، يعني الحالف عن وطئها مطلقاً أو أكثر من أربعة أشهر ، مخيرة بين مطالبته بالفيئة أي الوطء وتكفير يمينه أو الطلاق ، وجرى في المغني كالحاوي على أنها تطالبه بالفيئة أوّلاً فإن امتنع فبالطلاق.

فائدة : الأعضاء الباطنة كالظاهرة في حكم التشبيه بها في الظهار سواء المشبه والمشبه به ، قاله في الفتح والإمداد ، لكن اعتمد في التحفة والنهاية عدم صحة الظهار بالتشبيه بها ، سواء المشبه والمشبه به أيضاً إلا القلب ، فاستوجه في التحفة أن تشبيهه كناية ظهار ، واعتمد في التحفة والنهاية والمغني والروض وشرحه ، حرمة الاستمتاع بالمظاهر منها كالحائض يعني بما بين السرة والركبة ، ورجح في الفتح والإمداد تبعاً للمنهاج حرمة الجماع فقط.

(مسألة : ي ش) : نكح حاملاً من الزنا فولدت كاملاً كان له أربعة أحوال ، إما منتف عن الزوح ظاهراً وباطناً من غير ملاعنة ، وهو المولود لدون ستة أشهر من إمكان الاجتماع بعد العقد أو لأكثر من أربع سنين من آخر إمكان الاجتماع ، وإما لاحق به وتثبت له الأحكام إرثاً وغيره ظاهراً ، ويلزمه نفيه بأن ولدته لأكثر من الستة وأقل من الأربع السنين ، وعلم الزوج أو غلب على ظنه أنه ليس منه بأن لم يطأ بعد العقد ولم تستدخل ماءه ، أو ولدت لدون ستة أشهر من وطئه ، أو لأكثر من أربع سنين منه ، أو لأكثر من ستة أشهر بعد استبرائه لها بحيضة وثم قرينة بزناها ، ويأثم حينئذ بترك النفي بل هو كبيرة ، وورد أن تركه كفر ، وإما لاحق به ظاهراً أيضاً ، لكن لا يلزمه نفيه إذا ظن أنه ليس منه بلا غلبة ، بأن استبرأها بعد الوطء وولدت به لأكثر من ستة أشهر بعده وثم ريبة بزناها ، إذ الاستبراء أمارة ظاهرة على أنه ليس منه لكن يندب تركه لأن الحامل قد تحيض ، وإما لاحق به ويحرم نفيه بل هو كبيرة ، وورد أنه كفر إن غلب على ظنه أنه منه ، أو استوى الأمران بأن ولدته لستة أشهر فأكثر إلى أربع سنين من وطئه ، ولم يستبرئها بعده أو استبرأها وولدت بعده بأقل من الستة ، بل يلحقه بحكم الفراش ، كما لو علم زناها واحتمل كون الحمل منه أو من الزنا ، ولا عبرة بريبة يجدها من غير قرينة ، فالحاصل أن المولود على فراش الزوج لاحق به مطلقاً إن أمكن كونه منه ، ولا ينتفي عنه إلا باللعان والنفي ، تارة يجب ، وتارة يحرم ، وتارة يجوز ، ولا عبرة بإقرار المرأة بالزنا ، وإن صدقها الزوج وظهرت أماراته.

(

مسألة) : قذف زوجته بالزنا وادعى أن الحمل ليس منه لزمه الحدّ ، ولم يبرأ إلا بعفوها أو باللعان ، ويلحقه الولد ويرثه ما لم ينفه حال اللعان ، ويلزمه نفيه فوراً إن تحقق أنه ليس منه ، وقد ألحقه الشرع به كما تقدم ، وإذا لاعن أو أقرت بالزنا ولم ترجع عن إقرارها لزمها الحد وهو الرجم للحرة الموطوءة في نكاح صحيح ، وإلا فجلد مائة وتغريب عام إلى مسافة القصر للحرة ونصفهما لمن بها رق ما لم تلاعنا أيضاً.

236

العدد

(مسألة) : عدة الطلاق بائناً أو رجعياً ، والفسخ ووطء الشبهة والوفاة للحامل بوضع الحمل المنسوب لذي العدة حرة كانت أو أمة ، وأما غير الحامل فللوفاة بأربعة أشهر وعشر للحرة ، ونصفها للأمة ، ولغير الوفاة بثلاثة أقراء للحرة ، وقرءين لغيرها ، والقرء طهر بين دمين أي ولو حيضاً ونفاساً ، كما اعتمده في التحفة والنهاية والدميري والناشري وغيرهم ، خلافاً للنووي في الروضة والفتاوى والبغوي وأبي مخرمة والأسنى ، وحينئذ فمن طلقت ولم تر حيضاً أصلاً وقد رأت دم النفاس اعتدت بالأقراء على الأوّل المعتمد وبالأشهر على الثاني ، أما لو ولدت ولم تر دماً أصلاً فتعتد بالأشهر اتفاقاً ، هذا إن كانتا من ذوات الأقراء ، وإلا كصغيرة وآيسة فثلاثة أشهر لحرة ونصفها لأمة.

(مسألة : ك) : عدة الفسخ كعدة الطلاق لا الوفاة ، وحكم المفسوخ نكاحها حكم البائن في وجوب السكنى واستحباب الإحداد.

(مسألة : ش) : فورقت غير حامل وهي من ذوات الأقراء ، فانقطع حيضها لعارض يعرف كرضاع ومرض وجوع ، لم يحل لها التزويج بغير ذي العدة قطعاً حتى يعاودها الدم ، فتعتد بالأقراء أو تبلغ سنّ اليأس فتعتد بالأشهر ، ولا يبالى بطول مدة الانتظار ، كما نقل عن إجماع الصحابة ، وأطبق عليه المتقدمون والمتأخرون ، وإن انقطع لا لعلة فكذلك على المذهب الجديد ، وبه قال أبو حنيفة وفي القديم ، وبه قال مالك وأحمد ، وأفتى به جمع متأخرون أنها تتربص تسعة أشهر ثم تعتد بثلاثة أشهر ، فإن قضى به شافعي لرجحانه عنده أو مساواة الجديد أو لضرورة كالاحتياج للنفقة وفيه أهلية الترجيح نفذ قضاؤه وصح العقد قطعاً وإلا نقض ، ويجوز الإفتاء لمن هو كذلك ، مع بيان أنه ليس من مذهب الشافعي ليقلد المستفتي ذلك اهـ ، ونحوه (ب) وزاد : وقضى به سيدنا عمر ، واختاره البلقيني ، وأفتى به ابن عبد السلام والبارزي والحضرمي وابن شكيل وابن كبن وأبو حميش وابن مطير ، وكفى بهؤلاء أسوة وقوّة ، فالأولى لمن ليس لها ولي خاص ولم تجد حاكماً يرى ذلك أن تحكم عدلاً بشرطه.

(مسألة : ش) : تجب العدة بوطء الصبي والخصي اكتفاء بالسبب وهو الوطء ، لأن اشتغال الرحم الذي شرعت العدة لاستبانته أمر باطن ، فاعتبر سببه وهو غيبة الحشفة أو قدرها ، كما ذلك شأن الشرع الشريف من تعلق الحكم بالوصف العام الظاهر المنضبط الذي هو مظنته ، كتعليق الإسلام بكلمته الظاهرة ولو مع الإكراه لنحو حربي ، دون الاعتقاد الذي به حصول النجاة ، وتعليق النقض باللمس والنوم اللذين هما مظنة الخروج ، وتعليق القصر بالسفر الذي هو مظنة المشقة وعكسه بالإقامة ، مع أن المغلب في هذا الباب التعبد ، فمن ثم وجبت العدة ، وإن تيقن براءة الرحم كأن طالت غيبة الزوج كثيراً ثم فارق فتجب العدة حينئذ. والحاصل أن العدة أربعة أقسام : تعبد محض كعدة من تيقن براءة رحمها بفراق صبي يقطع بأنه لا يولد له ، وصبية يقطع بأنها لا تحمل ، ومن مات زوجها قبل الدخول ، ومعنى محض كعدة الحامل ، واجتماع الأمرين والمعنى أغلب ، كموطوءة يمكن حبلها ممن يولد لمثله ، فإن معنى براءة الرحم أغلب من التعبد بالعدد بالنسبة للزوجة لا الأمة إذا اكتفى فيها بحيضة أو شهر واجتماعهما ، والتعبد أغلب كمعتدة الوفاة المدخول بها وأقراؤها تنقضي قبل عدتها ، فالعدد الخاص أغلب في التعبد.

(

مسألة) : يجب الإحداد على المتوفي عنها زوجها ، وهو ترك الطيب والدهن كالمحرم ، فيحرم عليها لغير ضرورة أو حاجة ما يحرم عليه من الطيب في الثوب والبدن والطعام ودهن نحو الرأس ، نعم يلزمها إزالة طيب عليها حال الشروع في العدة ، ولا كفارة عليها باستعماله بخلافه فيهما ، ولها استعمال نحو أظفار عند طهرها من نحو حيض والحلي وكل صبوغ لزينة واكتحال ولو بصبر لا لرمد ، فتكتحل ليلاً وتمسحه نهاراً ، قاله في الفتح. ويندب الإحداد للبائن وفي قول يجب ، وكذا للرجعية ما لم تظن عود الزوج لها وخرج بما ذكر نحو غسل الرأس ولو بسدر وامتشاطه والاستحداد وقلم الأظفار فلا يحرم وبالزوج غيره فيحرم فوق ثلاث مطلقاً ، وكذا دونها لغير قريب وعالم وصالح ، ويجب على كل معتدة مطلقاً ملازمة المسكن بإجماع الأئمة الأربعة ، بل تركه كبيرة لقوله تعالى : {ولا يخرجن} كما في الزواجر.

(مسألة) : طلقت حرة فادعت انقضاء عدتها قبل مضي شهر وتزوجت كانت كاذبة بدعواها فاسقة بتزوجها ، إذ أقل إمكان انقضاء عدة الحرة ذات الأقراء غير الحامل والمتوفى عنها زوجها اثنان وثلاثون يوماً ، ولحظتان إن طلقت في طهر ، وخمسة وأربعون ولحظة في حيض ، وفي الأمة ستة عشر يوماً ولحظتان إن طلقت في طهر ، فإذا ادعت المرأة الانقضاء لإمكانه كما ذكرنا صدقت بيمينها ، وإن اتهمت وخالف عادتها المستمرة إذ هي مؤتمنة على رحمها.

(مسألة) : فورقت موطوءة وأحست بالحمل فمكثت سنة ولم تر حيضاً ، ثم تزوّجت آخر فوطئها جاهلاً بالحمل فولدت كاملاً ، كان النكاح الثاني باطلاً لوقوعه في عدة الأوّل ، وأما الولد فإن أمكن كونه من الأول فقط بأن ولدته لدون أربع سنين من آخر إمكان الاجتماع ، ودون ستة أشهر من إمكان اجتماع الثاني ، فللأول أو من الثاني فقط بأن عكس ذلك ، فللثاني أو منهما بأن ولد لدون الأربع في الأول ، وفوق الستة في الثاني عرض على القائف ، وهو مكلف حر ذكر عدل مجرّب بعرض أصناف ، فإن ألحقه بأحدهما لحقه ، ولا ينتفي عنه إلا باللعان ، وإن ألحقه بهما أو نفاه عنهما أو تحير ، أو لم يوجد قائف ترك حتى يبلغ ، فينتسب إلى من يميل إليه طبعه ، ثم إن لحق بالأول انقضت عدتها بوضع ذلك ، واعتدت للثاني بثلاثة أقراء أو بالثاني فبالعكس ، ولو مات زوجها فاعتدت بالأشهر ، ثم تزوجت فظهر بها حمل وولدته لدون ستة أشهر من نكاح الثاني لم يلحقه الولد ، ووطؤه شبهة يوجب المهر لا الحد ، ويلحق الأول بقيده المذكور وإن أقرت بالزنا ، وتعتد للثاني بعد الوضع.

تنبيه : ينبغي بل يتعين في هذا الزمان الذي عم فيه التساهل مع الجهل للعالم كالقاضي ، إذا حضر مجلس عقد النكاح أن يبحث ويفتش عن مقتضيات النكاح ، كالعدة والبلوغ وكيفية مجيء الحيض والإذن والولاية ونحوها مما يغلب جهل العامة به ، لئلا يقعوا في مثل هذه المخازي.

(مسألة) : تنقضي عدة الحامل بوضعه ولو ميتاً أو مضغة ، قال القوابل : إنها مبدأ خلق آدمي ، ولو مات في بطنها واستمر أكثر من أربع سنين لم تنقض إلا بوضعه أيضاً ، وإن تضررت وخافت الزنا ولم تسقط نفقتها ، كما لو استمر حياً في بطنها حيث ثبت وجوده ولم يحتمل وضع ولا وطء ، ولا ينافي ذلك قولهم أكثر مدة الحمل أربع سنين لأنه في مجهول البقاء ، حتى لا يلحق المطلق إذا زاد على الأربع ، وكلامنا في معلومه زيادة على الأربع ، هذا هو الذي يظهر وهو الحق إن شاء الله تعالى ، قاله سم. وقال ع ش وهو ظاهر : لكن يبقى الثبوت بماذا ؟ لأنه حيث علم أن أكثر مدته أربع سنين ، وزادت المدة كان الظاهر من ذلك انتفاء الحمل ، وأن ما تجده في بطنها من نحو الحركة ليس مقتضياً لكونه حملاً ، نعم إن ثبت بقول معصوم كعيسى عليه السلام وجب العمل به اهـ. ولو شكت حال العدة في الحمل لنحو ثقل وحركة حرم نكاحها حتى تزول الريبة بأمارة قوية ، فلو تزوّجت بعد انقضاء العدة مع بقاء الريبة ، ثم بان أن لا حمل صح النكاح ، خلافاً لـ (م ر) وإن شكت بعد انقضائها سنّ لها التوقف.

(مسألة : ش) : ونحوه (ب) : تزوج مطلقة غيره في العدة لم يصح ، ثم إن وطئها عالماً بالفساد فزان أو جاهلاً فشبهة ، فإن وقع بعد قرءين مثلاً قطع عدة الطلاق لصيرورتها فراشاً له ، فمن ثم لم تحسب مدة افتراشه ، بل تتم بقية عدة الطلاق بعد تفريق الحاكم بينهما ، أو اتفاقهما على الفرقة ، أو طلاقها على ظن الصحة ، أو موته ، فلو تأخر التفريق إلى سنّ اليأس أتمت عدة الطلاق بشهر ، وحينئذ تتبعض عدة الطلاق من الأقراء والأشهر ، لأنها لما كانت بدلاً عن الأقراء كان الشهر بدلاً عن قرء ، ثم تعتد للفاسد بالأشهر أيضاً ، ويفرق بين هذا وما لو حاضت ذات أشهر قبل انقضائها فإنها تستأنف العدة بالأقراء بأن الأشهر بدل ، وإنما أصالتها حيث لم يسبقها حيض ، والأقراء أصل مطلقاً والقدرة عليه قبل فراغ البدل ، إذا لم يتصل بالمقصود تبطله ، كرؤية المتيمم الماء قبل الشروع في نحو الصلاة ، بخلاف العجز عن الأصل في الأثناء مع القدرة على البدل لا يبطل ما مضى منه ، كمن وجد ماء لا يكفيه فاستعمله ، فإن قدرته على التراب لا تبطل ما مضى ، بل يتيمم عن الباقي ، فلو قدر على الماء بعد بطل تيممه لا غسله ، ولو وطئت بشبهة معتدة أتمت الأولى ما لم تحمل للثاني ، وإلا اعتدت له ثم أتمت الأولى ، لأن الحمل لا يقبل التأخير ، وللزوج الرجعة قبل الوضع وبعده إلى انقضاء عدته ، لا في حال فراش واطئها ، كما ليس له تجديد النكاح قبل الوضع ، وليس للزوج الاستمتاع بالمعتدة عن شبهة ولو بنحو نظر بلا شهوة ، أو منكوحة فاسداً وقد وطئها الأول فشرعت في عدة الثاني قبل التفريق لعدم تأثرها بمحض المخالطة بشبهة ، ثم فرق بينهما أتمتها ثم اعتدت للفاسد ، وهذا بخلاف ما لو وطئت بشبهة في نكاح صحيح وشرعت فيها ثم فورقت فتنتقل له إن لم تحمل من الشبهة لقوته.

فائدة : قال سم : قوله منيه المحترم العبرة في الاحترام بحال خروجه فقط ، حتى لو خرج منه منيّ بوجه محترم ، كما لو علا زوجته فأخذته أجنبية عالمة بأنه مني أجنبي واستدخلته كان محترماً تجب به الغرة ويلحق أباه ، ومثله ما لو ساحقت امرأته التي نزل فيها ماؤه أجنبية فنزل في الأجنبية ، أو استنجى بحجر فخرج منه منيّ عليه فأخذته امرأة وأدخلت ما عليه فرجها.

239

الاستبراء

(مسألة : ب) : قال المزني وابن شريح وصاحب التقريب : لا يجب استبراء البكر والصغيرة ومن لم توطأ نظراً للمعنى ، قال الروياني : وأنا أميل لهذا ، قال السيوطي : وهو المختار عندي لصحة الحديث به ، ونقله البخاري عن ابن عمر اهـ. وعن الليث جوازه ممن لا تحمل مثلها ، ويجوز تقليد هؤلاء بشرطه المار اهـ. قلت : والحيلة عند الحنفية فيمن لم يطأها بائعها بعد طهرها ، أو كانت لامرأة أو صبي ، أو كانت هي صبية ، أن يكاتبها مشتريها بألف مثلاً ، ثم تختار الرق وتفسخ فيحل وطؤها حالاً من غير استبراء ، اهـ من خط العلامة علوي بن أحمد الحداد.

(مسألة) : دبر أمته ومات عتقت بموته ، ولزمها الاستبراء حينئذ بوضع الحمل ولو من زنا إن كانت حاملاً ، وإلا فبحيضة إن كانت من ذوات الحيض ، فإن لم تكن فبشهر هذا إن لم يستبرئها قبل موته ، وإلا فلا استبراء وتتزوّج حالاً.

(مسألة : ش) : ادعت الأمة أنها حامل من سيدها ، فإن أنكر الوطء صدّق بلا يمين ، وإن أقرّ به وادعى الاستبراء ، فإن صدقته أو حلف على أن الحمل ليس منه لا على سبيل الاستبراء فقط انتفى عنه الولد ما لم تضعه لدون ستة أشهر من الاستبراء وإلا لحقه الولد مطلقاً ، كما لو نكل عن اليمين ، ولا ترد عليها على الراجح ، ولا على الولد لو نكلت أيضاً اهـ. وذكر نحوه ك لكن قال : فإن نكل السيد عن اليمين فوجهان : أحدهما ورجح أنه يتوقف اللحوق على يمينها ، فإن نكلت فيمين الولد بعد بلوغه اهـ.

(مسألة : ش) : باع أمته فادعت أنها حامل منه ، فإن حاضت بعد وطئه انتفى عنه الحمل مطلقاً لانقطاع فراشه بالحيض الذي يدل غالباً على براءة الرحم ، فحينئذ تصير فراشاً لمشتريها إن وطىء ، فيلحقه الحمل وتصير به أم ولد ما لم تضعه لدون ستة أشهر من وطئه وإن لم تحض بين وطئهما فإن ولدته لدون الستة من وطء الثاني ، ودون أربع سنين من وطء الأوّل ، لحق الأوّل أو بالعكس لحق الثاني ، أو ما بينهما من الوطأين عرض على القائف ، فإن عدم بمسافة القصر أو تحير أو ألحقه بهما أو نفاه عنهما انتسب بعد بلوغه إلى من يميل إليه طبعه.

239

النفقات

(مسألة : ي) : لا تستحق الزوجة المؤن ، ويباح لها الفسخ بالإعسار ، إلا إذا لم تخرج عن طاعة الزوج بنحو خروجها من البيت بغير إذنه ، ومنعه من التمتع الجائز ، وغلق الباب قدامه ، وكأن تلزمها عدة شبهة وغصب ظالم لها ، وحبسها مطلقاً ، وسفرها بلا إذن أو لحاجتها ، ودعواها الطلاق كذباً ، وترك إجابتها للسفر معه بحراً أو براً ، مع أمن الطريق وغلبة السلامة ، وصومها بلا إذن فرضاً موسعاً ، أو نفلاً غير عرفة وعاشوراء ، واشتغالها بنحو تعليم بنات يستحي من أخذها بينهن ، وتطويلها صلاة الفرض ، والراتبة على أدنى الكمال بلا إذن ، ومنعه من لمسها ، وتغطية وجهها وتلويته منه وإن مكنته من الجماع ، وعدم تسليم الأمة نهاراً ، وترك إجابته إلى المسكن اللائق بها وردتها ، وإجارتها عينها قبل النكاح مع بقاء المدة بعده ، وإكراه نحو أبيها على خروجها من الطاعة ، ولا يضر خروجها من البيت بإذن الزوج ، أو ظن رضاه لجريان العرف الدال على رضا أمثاله ، هذا إن لم ينهها عنه ولم تعلم غيرته على الخروج ، كما لا يضر الخروج لإشراف البيت على الخراب أو الخوف على نفسها أو مالها ، وتصدق فيه بقرينة أو لطلب حق ، أو تعلم فرض عين أو استفتاء في واقعة لها إن لم يعلمها ولم يسأل لها ، أو إخراج معير أو ظالم أو تهدده لها ، وتصدق بيمينها فيما لا يعرف إلا منها ولو نشزت والزوج حاضر يتمتع بها لم تسقط المؤن ، أو نشزت فغاب أو وهو غائب ثم عادت للطاعة ، فلا بد لعود المؤن من إعلامه بعودها ، أو إعلام الحاكم ، ثم الإشهاد ، هذا إن لم تخرج من بيته ، وإلا فلا بد أيضاً من مضيّ زمن مجيئه أو وكيله بعد بلوغ الخبر ، ولم يعذر في عدم التوكيل ، وعلم الحاكم محله ، وثبوت نكاحها وإقامتها بمسكنه ، وخلفها على الاستحقاق ، فإن لم يعرف محله بحث الحاكم عنه ، واستحقت لعودها مع علم الحاكم إن وجد ، وإلا أشهدت على العود واستحقت ، ومتى ثبت تمكينها بعلم الحاكم أو ببينة أو إقرار الزوج أو وليه أو حلفها المردودة لم تسقط

المؤن ، فلو ادعى النشوز صدقت هي.

(مسألة) : تصدق المرأة بيمينها في عدم النشوز أي بعد التمكين ، وعدم تسليم النفقة ، نعم لو ادعت نفقة وكسوة ماضية وكذا نفقة اليوم ، كفاه في الجواب لا تستحق عليّ شيئاً ، قاله في القلائد والتحفة.

(

239

النفقات

(مسألة : ي) : لا تستحق الزوجة المؤن ، ويباح لها الفسخ بالإعسار ، إلا إذا لم تخرج عن طاعة الزوج بنحو خروجها من البيت بغير إذنه ، ومنعه من التمتع الجائز ، وغلق الباب قدامه ، وكأن تلزمها عدة شبهة وغصب ظالم لها ، وحبسها مطلقاً ، وسفرها بلا إذن أو لحاجتها ، ودعواها الطلاق كذباً ، وترك إجابتها للسفر معه بحراً أو براً ، مع أمن الطريق وغلبة السلامة ، وصومها بلا إذن فرضاً موسعاً ، أو نفلاً غير عرفة وعاشوراء ، واشتغالها بنحو تعليم بنات يستحي من أخذها بينهن ، وتطويلها صلاة الفرض ، والراتبة على أدنى الكمال بلا إذن ، ومنعه من لمسها ، وتغطية وجهها وتلويته منه وإن مكنته من الجماع ، وعدم تسليم الأمة نهاراً ، وترك إجابته إلى المسكن اللائق بها وردتها ، وإجارتها عينها قبل النكاح مع بقاء المدة بعده ، وإكراه نحو أبيها على خروجها من الطاعة ، ولا يضر خروجها من البيت بإذن الزوج ، أو ظن رضاه لجريان العرف الدال على رضا أمثاله ، هذا إن لم ينهها عنه ولم تعلم غيرته على الخروج ، كما لا يضر الخروج لإشراف البيت على الخراب أو الخوف على نفسها أو مالها ، وتصدق فيه بقرينة أو لطلب حق ، أو تعلم فرض عين أو استفتاء في واقعة لها إن لم يعلمها ولم يسأل لها ، أو إخراج معير أو ظالم أو تهدده لها ، وتصدق بيمينها فيما لا يعرف إلا منها ولو نشزت والزوج حاضر يتمتع بها لم تسقط المؤن ، أو نشزت فغاب أو وهو غائب ثم عادت للطاعة ، فلا بد لعود المؤن من إعلامه بعودها ، أو إعلام الحاكم ، ثم الإشهاد ، هذا إن لم تخرج من بيته ، وإلا فلا بد أيضاً من مضيّ زمن مجيئه أو وكيله بعد بلوغ الخبر ، ولم يعذر في عدم التوكيل ، وعلم الحاكم محله ، وثبوت نكاحها وإقامتها بمسكنه ، وخلفها على الاستحقاق ، فإن لم يعرف محله بحث الحاكم عنه ، واستحقت لعودها مع علم الحاكم إن وجد ، وإلا أشهدت على العود واستحقت ، ومتى ثبت تمكينها بعلم الحاكم أو ببينة أو إقرار الزوج أو وليه أو حلفها المردودة لم تسقط

المؤن ، فلو ادعى النشوز صدقت هي.

(مسألة) : تصدق المرأة بيمينها في عدم النشوز أي بعد التمكين ، وعدم تسليم النفقة ، نعم لو ادعت نفقة وكسوة ماضية وكذا نفقة اليوم ، كفاه في الجواب لا تستحق عليّ شيئاً ، قاله في القلائد والتحفة.

(

مسألة : ش) : خرجت من بيت زوجها على سبيل النشوز ، فلا بد لعود المؤن من عودها إليه ، ولا يكفي قولها : رجعت عن النشوز فليأت إليّ ، ولا يكلف الزوج الإتيان إليها وإن أمكنه ، وكانت عادة البلد وهي من ذوي الأقدار ، هذا هو المذهب الذي لا ريب فيه كما أفتى به القلعي ، لكن ينبغي الإتيان إليها إذا طلبت منه ذلك ، لما يترتب عليه من جبر القلوب والوفاء بحسن العشرة والمصاحبة بالمعروف ، لا سيما إذا كانت رفيعة القدر يلحقها العار بعودها بنفسها ، وحيث لم تعد سقطت مؤنها وإن طال مكثها ، وترد ما أخذته من نفقة يوم النشوز وكسوة فصله ، إذ يملكه الزوج بمجرد نشوزها ، فتغرم ما تلف عندها بالأقصى ، وما نقص بأرشه ، وما لبسته بأقصى الأجر ، فإن عادت للطاعة عادت مؤنها للمستقبل من اليوم والفصل لا الحال كما قاله الشيخان ، وقال ابن عجيل : تعود لها كسوة الفصل الحاضر بالتوزيع ، ويردّ لها ما أخذه من ذلك ، ولا بأس بالفتيا به للإضرار اللاحق لها بسقوط كسوة كل الفصل بنشوز لحظة ، بخلاف نفقة اليوم لا إضرار في سقوطها ، وإن امتنعت من العود إلا بتسليم الصداق ، فإن كان حالاً ولم تقبض منه شيئاً ولم يطأها الزوج وقد سلمت له فغير ناشزة ، إذ لها الحبس حينئذ ، ولو بالخروج من منزله على المعتمد لتقصيرها بعدم التسليم ، فإن أعسر فلها الفسخ ، وإن انتفى شرط أو امتنعت عبثاً فناشزة تجبر على العود ولو بالضرب لأنه حق لزمها ، كما يجبر هو على تسليم مهرها الحال إن كان موسراً ، وإن ادعى النشوز فأنكرته صدقت إن كان بسبب ظاهر كخروج لسهولة البينة ، فإن كان بخفي كمنع مضاجعة أو أطلق صدق اهـ. قلت وقوله : وإن ادعى النشوز الخ. تقدم في (ي) تصديقها بعد ثبوت التمكين أي مطلقاً ، وهو كذلك في فتاوى ابن حجر والتحفة والقلائد كما مر ، فليحمل كلامه هنا على ما إذا لم يثبت التمكين وعدمه.

(مسألة : ش) : تزوّج امرأة بشرط أن لا يخرجها من بيت أهلها لم يلزم الشرط ، سواء كان في صلب العقد أم قبله ، على الجديد والقديم ، كمذهب مالك صحة الشرط النافع لها ، نعم إن التزم ذلك بالنذر لزمه حيث ظهرت فيه القربة ، كجبر خاطرها أو خاطر أمها مثلاً ، لأن فيه إدخالاً للسرور على مسلم وهو مطلوب.

(مسألة : ش) : خرجت بإذنه أو تيقن رضاه لزيارة الصالحين سقطت مؤنها وقسمها ولا إثم ، أو بغيره سقطا وأثمت وعادا للمستقبل بعودها ، ولا سقوط بالعزم على الخروج حتى تخرج وإن أثمت بالتصميم على المعصية.

(مسألة : ش) : خافت في بيت زوجها من سارق أو فاسق ، فخرجت أو خرج بها وليها أو أمها لم يكن نشوزاً ، وتصدق في دعوى الخوف بيمينها ، ويستبد بذلك الولي حيث تعذرت مراجعة الزوج ، وهذا ما لو كان الزوج يقيم عند ضرّتها القديمة أو الحادثة بعد سفره أكثر من ثلاثة أيام فخرجت هي بسبب ذلك فلا يكون نشوزاً ، إذ الراجح حرمة الزيادة على الثلاث ، وإن تفرقن في البلاد ، وقولهم : لو منعها الزوج حقها كقسم لزم القاضي توفيته محله حيث أمكن ، أما إذا كان في بلد أخرى بحيث تحتاج مراجعته إلى مدة فجواز خروجها بسبب ذلك ظاهر.

(

مسألة : ج) : امرأة من أهل المدن تزوّجها رجل من أهل البوادي ، وشرط عليه أن تكون في بلدها ، فسكن معها زماناً ثم طلبها للبادية في محل غير لائق بأمثالها ، لكونه يغشاه الرجال ويختلطون بالنساء ، ولا يمكنها التحرز عنهم ، ويحصل منها الابتذال لم يلزمها إجابته ، لا للشرط المذكور لفساده بل لأن إجابتها والحال ما ذكر مفسدة أي مفسدة ، والشرع مبني على درء المفاسد وجلب المصالح ، فإذا تعارضتا قدمت الأولى ، وحينئذ لا تسقط نفقتها ، فيلزمه مدان لليسار وإدام نحو حرف من الدراهم والكسوة كل سنة شتاء وصيفاً ، ومؤنة الخادمة إن كانت تخدم.

(مسألة : ج) : مزوّجة إذا دخلت على زوجها اعتلاها ضيق وكرب وصياح ، وإذا خرجت عن داره سكن روعها ، لم يلزمها تسليم نفسها للضرر لكن تسقط مؤنها ، ولا يلزم الزوج الخروج من بيته إلى بيت آخر لو فرض أنه لم يعتلها ما ذكر ، فحينئذ يرشدهما الحاكم إلى الخلع ولا كراهة فيه.

(مسألة : ش) : طلبها للسفر معه لزمها مع أمن الطريق والمقصد ولو في البحر الملح حيث غلبت السلامة ولم يخش منه مبيح تيمم ، أو مشقة لا تحتمل لمثلها عادة ، فحيث امتنعت مع الوجوب فناشزة يسقط قسمها ونفقتها ، لكن لا يقوم علمه بامتناعها مقام طلبه لها ، بل لا بد للسقوط من تحقق الامتناع.

(مسألة) : خطب امرأة فأجابت على أن ينفق على بنتها معها إلى أن تتزوّج ، وأن المرأة تجلس في بيتها إلا إن رضيت أن تتبعه إلى مكانه ، فسكن عندها مدة ثم طلبها دون بنتها لزمها أن تتبعه ، ولا عبرة بالمواطأة المذكورة ، نعم إن التزم بالنذر أن لا ينقلها عن بيتها إلا بفرخها لزمه ذلك كما قاله ابن زياد ، وتقدم في ش : كما أن نفقة البنت لا تلزمه أيضاً إلا إن نذرها ، وتلزم نفقة الزوجة بالتسليم التام ليلاً ونهاراً ، ويحرم على وليها المنع من دخول الزوج بيتها وعدم تسليمها ، بل ذلك مسقط لمؤنها.

(مسألة : ي) : طلق امرأته ولم يعلمها به أثم وبرىء عن المؤن ظاهراً وباطناً وإن قصد عدم إعلامها ، نعم إن كانت رجعية أو حاملاً لزمه مؤنها مدة العدّة اهـ. قلت : لكن مر أول الطلاق عن ابن زياد أنه لا بد من يمينه لسقوط المؤن عنه إن لم تصدقه فليحمل ما هنا على ذلك.

(مسألة) : طلق زوجته رجعياً أو بائناً حاملاً لزمه جميع مؤنها غير نحو الطيب وآلة التنطيف ما لم تكن ناشزة حال الطلاق ، وإلا فلا وجوب كالزوجة الناشزة ، فلو مات وهي في العدة استمرت نفقة الحامل لا الرجعية ، بل تنتقل لعدة الوفاة وتنقطع نفقتها وترثه.

(

مسألة : ب ش) : قولهم : تجب الكسوة لكل فصل شتاءً وصيفاً ، مراده حيث كانت العادة جارية بذلك ، فلو جرت عادة محل أن الكسوة لكل سنة أو أكثر عمل بها.

فائدة : نظم بعضهم الحقوق الواجبة للزوجة على زوجها فقال :

حقوق النكاح الواجبات لزوجة

على الزوج بالتمكين سبع لوازم

طعام وأدم ثم سكنى وكسوة

وآلة تنظيف متاع وخادم (مسألة) : أراد سفراً طويلاً ، كلف طلاقها أو توكيل من ينفق عليها من مال حاضر ، قاله في التحفة ، وقال (م ر) في شرح الإيضاح : هذا فيما بينه وبين الله تعالى ، أما الحاكم فلا يجبره.

فائدة : قال محمد بن سراج : ولا تجب القهوة على الزوج مطلقاً وإن اعتادوها ، لكن نقل (ع ش) عن (م ر) وجوبها ، ونحوها من الفواكه المعتادة لأمثالها ، قال : ويؤخذ منه وجوب ما يعتاد من الكعك في عيد الفطر ، واللحم في عيد الأضحى ، ولا يجب عمله عندها إلا إن اعتيد ذلك ، قال : وهل يجب إعلام الزوجة بعدم وجوب خدمته مما جرت به العادة من الطبخ والكنس ونحوهما ؟ الظاهر نعم ، لأنها إذا لم تعلم بعدم وجوب ذلك ظنت وجوبه ، وأنها لا تستحق المؤنة بتركه ، فصارت كأنها مكرهة على الفعل ، وحينئذ هل تجب لها أجرة ؟ يحتمل لا لتقصيرها اهـ.

(مسألة) : امتنع الزوج أو القريب من تسليم المؤن الواجبة عليه أو سافر ولم يخلف منفقاً ، جاز لزوجته وقريبه أخذها من ماله ولو بغير إذن الحاكم ، كما أن للأم وإن علت أن تأخذ للطفل من مال أبيه الممتنع أو الغائب أيضاً ، لكن يتعين الأخذ من جنس الواجب فيهما إن وجد ، فإن لم يكن له مال أنفقت الأم من مالها أو اقترضت ورجعت على الطفل ، أو على من لزمته نفقة إن أذن القاضي لها في ذلك ، أو أشهدت على نية الرجوع عند فقده وإلا فلا رجوع ، وإن تعذر الإشهاد على الأوجه لندرته ، وكالأم فيما ذكر بقيده قريب محتاج وجد لطفل غاب أبوه أو امتنع ، ولأب أو جدّ أخذ ما وجب له من مال فرعه غير المكلف ، وله إيجاره لذلك لما يطيقه ، لا أم من مال فرعها ، ولا ابن من مال أبيه المجنون إلا بالحاكم ، وتستقرّ نفقة القريب بفرض القاضي ، وكذا بإذنه في الاستقراض ، فتصير ديناً في ذمّة القريب حينئذ لا بدون هذين ، بل تسقط بمضي الزمان إلا نفقة خادم القريب حيث وجبت لأنها في مقابلة الخدمة ، كما أن نفقة الزوجة المطيعة ولو زوجة أصل تستقرّ بمضي الزمان دون فرض الحاكم اهـ من فتح الجواد. وأفتى أحمد الرملي فيما إذا فرض الحاكم للزوجة وأولادها دراهم في مقابل مؤنتها ومؤنهم عند غيبة الزوج ، وأذن لها في إنفاق ذلك عليها وعليهم ، وفي الاستدانة عند تعذر الأخذ من ماله مع الرجوع عليه ، بأن ذلك صحيح للحاجة الداعية إليه والمصلحة المقتضية له ، بل يجب عليه ذلك عند طلبها ، كما لو قدّر الزوج لزوجته نظير كسوتها دراهم فتلزم ما داما متراضيين اهـ..

242

فسخ النكاح بالإعسار

(مسألة : ي) : في فسخ النكاح خطر ، وقد أدركنا مشايخنا العلماء وغيرهم من أئمة الدين لا يخوضون فيه ، ولا يفتحون هذا الباب لكثرة نشوز نساء الزمان ، وغلبة الجهل على القضاة وقبولهم الرشا ، ولكن نقول : يجوز فسخ الزوجة النكاح من زوجها حضر أو غاب بتسعة شروط : إعساره بأقل النفقة ، والكسوة ، والمسكن لا الأدم ، بأن لم يكن له كسب أصلاً ، أو لا يفي بذلك ، أو لم يجد من يستعمله ، أو به مرض يمنعه عن الكسب ثلاثاً : أو له كسب غير لائق أبى أن يتكلفه ، أو كان حراماً أو حضر هو وغاب ماله مرحلتين ، أو كان عقار أو عرضاً أو ديناً مؤجلاً أو على معسر أو مغصوباً ، وتعذر تحصيل النفقة من الكل في ثلاثة أيام ، وثبوت ذلك عند الحاكم بشاهدين أو بعلمه ، أو بيمينها المردودة إن ردّ اليمين ، وحلفها مع البينة أنها تستحق النفقة ، وأنه لم يترك مالاً ، وملازمتها للمسكن ، وعدم نشوزها ، ورفع أمرها للحاكم ، وضربه مهلة ثلاثة أيام لعله يأتي بالنفقة ، أو يظهر للغائب مال أو نحو وديعة ، وأن يصدر الفسخ بلفظ صحيح بعد وجود ما تقدم ، إما من الحاكم بعد طلبها ، أو منها بإذنه بعد الطلب بنحو : فسخت نكاح فلان ، وأن تكون المرأة مكلفة ، فلا يفسخ وليّ غيرها ، ولو غاب الزوج وجهل يساره وإعساره لانقطاع خبره ، ولم يكن له مال بمرحلتين فلها الفسخ أيضاً بشرطه ، كما جزم به في النهاية وزكريا والمزجد والسنباطي وابن زياد و (سم) الكردي وكثيرون ، وقال ابن حجر وهو متجه مدركاً لا نقلاً ، بل اختار كثيرون وأفتى به ابن عجيل وابن كبن وابن الصباغ والروياني أنه لو تعذر تحصيل النفقة من الزوج في ثلاثة أيام جاز لها الفسخ حضر الزوج أو غاب ، وقواه ابن الصلاح ، ورجحه ابن زياد والطنبداوي والمزجد وصاحب المهذب والكافي وغيرهم ، فيما إذا غاب وتعذرت النفقة منه ولو بنحو شكاية ، قال (سم) : وهذا أولى من غيبة ماله وحده المجوّز للفسخ ، أما الفسخ بتضررها بطول الغيبة وشهوة الوقاع فلا يجوز اتفاقاً وإن خافت الزنا ، فإن

فقدت الحاكم أو المحكم أو عجزت عن الرفع إليه كأن قال : لا أفسخ إلا بمال وقد علمت إعساره وأنها مستحقة للنفقة استقلت بالفسخ للضرورة ، كما قاله الغزالي وإمامه ، ورجحه في التحفة والنهاية وغيرهما ، كما لو عجزت عن بينة الإعسار وعلمت إعساره ولو بخبر من وقع في قلبها صدقه فلها الفسخ أيضاً ، نقله المليباري عن ابن زياد بشرط إشهادها على الفسخ اهـ. وذكر غالب هذه الشروط في تعذر النفقة بغيبة الزوج في (ج) وفي (ش) أيضاً نحو ما مر وزاد : فحينئذ إذا قضى بالفسخ بتعذر النفقة بالغيبة والامتناع شافعي لترجيحه عنده ، لكونه من أهله أو لكونه رأى تضرر المرأة نفذ ظاهراً وكذا باطناً فلا يجوز نقضه ، ويجوز الإفتاء والعمل به للضرورة ، إذ المشقة تجلب التيسير ، وليس هذا من تتبع الرخص ، نعم لو ادعى الزوج بعد أن له مالاً بالبلد خفي على بينة الإعسار ، وأن الزوجة تعلمه وتقدر عليه وأقام بذلك بينة بان بطلان الفسخ إن تيسر تحصيل النفقة منه لا كعقار وعرض.

(

مسألة : ش) : إذا سلمت الأمة نفسها للزوج ليلاً ونهاراً فلها جميع المؤن ، فإن أعسر فلها بالغة عاقلة الفسخ ، كما أن لسيدها الفسخ بالمهر قبل الوطء وقبض البعض لا بالنفقة.

(مسألة : ي) : ونحوه ج : الطريق في فسخ نكاح أمته من عبده أن يعتقها أو يكاتبها كتابة صحيحة ثم يملكها العبد بنحو نذر وإن فسخت الكتابة بعد ، لأن النكاح ينفسخ بملك أحد الزوجين الآخر ولو جزءاً منه.

243

نفقة الأقارب

(مسألة : ج) : لا يجوز بيع الأولاد لاحتياجهم للنفقة لحرمة بيع الحر ، فلو باعهم الأب أو غيره كان ثمنهم متعلقاً بذمة البائع ، وليس لمشتريهم عليهم يد ، ونفقتهم في بيت المال ثم مياسير المسلمين.

(مسألة : ش) : تجب على الفرع الموسر نفقة الوالد المحتاج وكسوته وغيرهما ، وهي ما يقوم به بدنه وحاله ، ويسن متأكداً أن يشبعه ، بل يكره الاقتصار على القوام بلا عذر ، فإن استوى اثنان فأكثر في درجة وزعت على الرؤوس ذكرهم كأنثاهم ، وحدّ اليسار أن يفضل عن حاجته ، وما لا يستغنى مثله عنه كمسكن وملبس وفرش وماء طهارة ، وعن حاجة حليلته ، وإن تعددت يومه وليلته التي تليه ، ويباع فيها ملكه كالدين ، وتجب أيضاً نفقة حليلة الوالد وأمته لاستمتاع وخدمة إذ يجب إعفافه وخدمته ، وينبغي للولد أن يمون ولد أبيه خروجاً من خلاف من أوجبها.

فائدة : قال ابن حجر : وأفتى بعضهم في أخ أنفق على أخيه الرشيد وعياله سنين وهو ساكت ثم أراد الرجوع عليه بأنه يرجع أخذاً من مسألة النقوط وفيه نظر بل لا وجه له ، لعدم العادة بالرجوع في ذلك ، وعدم الإذن من المنفق عليه اهـ ع ش. وفي باعشن : وللوالد منع ولده من السفر حتى يترك له نفقة أو منفقاً حيث وجبت مؤنته.

244

الرضاع والحضانة

فائدة : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ، ويستثنى من ذلك ست صور وهي : جواز تزوج الشخص جدة ابنه ، وأخت ابن أخيه ، وأمهات أخيه ، وعمه وخاله من الرضاع لا النسب في الكل ، كما تتزوج المرأة أخا ابنها منه أيضاً ، اهـ من خط الشيخ علي بن أبي بكر علوي.

فائدة : مذهبنا أنها لا تحرّم إلا خمس رضعات ، وقال أبو حنيفة ومالك : تحرم رضعة واحدة فليتنبه لذلك والاحتياط لا يخفى.

(مسألة) : أرضعت امرأة طفلة بشرطه ، صارت أمها وصار أولاد المرضعة المتقدمون على الرضاع والمتأخرون عنه إخوان تلك البنت ، فلو أتت البنت المذكورة بولد صارت المرضعة جدته ، وصار أولادها أخواله وخالاته ، ولو أرضعت إحدى زوجات رجل بلبنه طفلاً صارت أمه والرجل أباه ، وأولاده منها ومن غيرها أخواته ، وبقية زوجاته موطوءات أبيه.

(مسألة) : تزوّج شخص بنتاً صغيرة دون الحولين ، فأرضعتها أمه رضاعاً محرماً بشروطه أو أخته ، وكذا زوجة أبيه أو ابنه أو أخيه ، والحال أن اللبن لزوجها المذكور في الثلاث الصور ، انفسخ نكاحها في الجميع وحرمت عليه مؤبداً ، لأنها صارت محرمة ، كما لو أرضعتها زوجته الكبيرة ، فينفسخ نكاحهما ويحرمان عليه مؤبداً أيضاً ، نعم لو لم يدخل بالكبيرة لم تحرم الصغيرة مؤبداً ، فيجوز له نكاحها ثانياً ، إذ لا تحرم الربيبة إلا بالدخول ولو أرضعتها أم زوجته الكبيرة أو بنتها أو أختها ، أو زوجة أبي الكبير أو زوجة ابنها بلبنهما ، انفسخ أيضاً نكاح الصغيرة والكبيرة لأنهما صارتا ممن يحرم الجمع بينهما في عقد شخص ابتداء ، فيفسخ النكاح إذا طرأ عليه انتهاء ، ويفرق بين هذا وما لو نكح أختاً على أختها ، حيث لم ينعقد نكاح الثانية ، بأن هذه لم تجتمع مع الأولى أصلاً ، لوقوع عقدها فاسداً من أصله ، فلم يؤثر في بطلان الأولى ، بخلاف الكبيرة هنا فإنها اجتمعت مع الصغيرة فبطلتا إذ لا مرجح ، وله نكاح من شاء منهما فليتنبه لذلك فإنه مما يغفل عنه ، وطريق الخلاص لمن أراد أن تصير الأجنبية له محرماً أن يعقد على الصغيرة ، ثم بعد أن يطلقها ترضعها أخت زوجته أو زوجة أبيها مثلاً فتحرم المرضعة ، ويحل النظر والخلوة بها بشرطه أنها صارت أم زوجته ، ولو كان الرضا بعد فراقها ، كما نص عليه الأئمة في المختصرات فضلاً عن المبسوطات ، وحيث انفسخ نكاحه فيمن لم يدخل بها ولم يكن بفعلها ، كأن دبت إلى نائمة لزم المرضعة نصف مهر مثل الصغيرة لزوجها ، ولزم للصغيرة نصف المسمى ، أو فيمن دخل بها لزم المرضعة له مهر المثل ، ولزم للمدخول بها المسمى ولغيرها نصفه إن لم يكن بفعلها.

(

مسألة : ك) : أقرت امرأة أنها ارتضعت من فلانة ، أو أن فلاناً أخوها مثلاً من الرضاع ، قبلت إن أمكن حساً وشرعاً ، بالنسبة لحرمة التناكح بينهما في حقها فقط ، وإن لم تذكر شروط الرضاع ، لا في حق أصولها وفروعها إلا من صدقها ، فيحرم تناكحهما ظاهراً وباطناً إن صدقت وإلا فظاهراً ، ولا في ثبوت المحرمية من نظر ومس ، وإن أقرت أنها أرضعت غيرها قبلت شهادتها إن لم تطلب أجرة على الرضاع ، ولا تكفي شهادتها وحدها ، بل لا بد من عدلين أو رجل وامرأتين أو أربع نسوة هي إحداهما أو إحداهنّ ، ولا بد أيضاً من تفصيل الشهادة بذكر الزمان والعدد والسنّ والحياة ووصل اللبن الجوف ، وحيث لم يثبت لنحو فسق الشهود ، ولم تصدق المرضعة ، كره التناكح كراهة شديدة للشبهة.

(مسألة) : محل تقديم الأم وأمهاتها وتخيير المميز في الحضانة ما لم تنكح من لا حضانة له فلا تستحقها المنكوحة ، ولو من أقارب الطفل ممن لا حضانة له ، كأبي الأم والخال على المعتمد ، بخلاف من له حضانة في الجملة وإن لم يستحقها الآن ، قاله في التحفة والفتح والأسنى ، ومحله أيضاً إذا أقام الأب ونحو الأم ببلد واحد ، أما لو أراد أحدهما سفر الحاجة كحج وتجارة ونزهة ، فالمقيم أولى بالمميز وغيره حتى يعود الآخر لخطر السفر مع توقع العود ، نعم بحث الزركشي وغيره أن الأم لو كانت هي المقيمة ، وكان في مقامه معها مفسدة أو ضياع مصلحة ، كتعليم قرآن أو حرفة ، وهو ببلد لا يقوم غيره مقامه ، مكن الأب من السفر به لا سيما إن اختاره الابن ، قاله في الإمداد ، وخرج بالحاجة سفر النقلة ، كما لو كان الأب كغيره من العصبات ببلد آخر غير بلد الزوجة فله السفر به مميزاً أو غيره ولو بحراً ، وتسقط حضانة الأم حينئذ ، ما لم تصحبه بشرط أمن الطريق والمقصد احتياطاً لحفظ النسب ولمصلحة التعليم والصيانة وسهولة الإنفاق ، نعم لو كان هناك أحد العصبات وإن بعد كان أولى به ، فلا ينقله الأقرب حينئذ ، كما رجحه في التحفة والنهاية ، لكن اسثتنى في الإمداد والتحفة والفتح الأب والجد ، فاعتمد أن للأب نقله وإن كان الجد كغيره مقيماً ، وللجد وإن أقام غيره من العصبات ، بل رجح في الإمداد أيضاً أن سائر العصبة مثلهما ، فللأقرب نقله مع وجود الأبعد ببلد الأم.

245

كتاب الجنايات

(مسألة) : قتل زوجته الحامل لزمه القود إن تعمد كغيرها بشروطه الثلاثة وهي أن لا يكون المقتول كافراً ولا عبداً ، والقاتل مسلماً أو حراً ، ولا أصلاً للمقتول ، فإن عفا أحد ورثتها أو كان فيهم فرع للقاتل سقط القصاص ووجبت الدية إن عفي عليها ، ولا عبرة بكون المقتول امرأة أو صغيراً أو دنيء النسب والقاتل بضده ، نعم شرط القاتل أن يكون مكلفاً مختاراً عامداً ملتزماً للأحكام لا كافراً حربياً ، ويجب أيضاً على عاقلة القاتل وهم قرابته من النسب دية الجنين ، وهي غرة عبد أو أمة قيمته خمس من الإبل إن خرج ميتاً ، فإن لم يخرج لم يجب شيء ، ويجب أيضاً على القاتل كفارة عتق رقبة ثم صيام شهرين متتابعين ، ويحرم عليه الامتناع والتعزز عن إقامة الحد ، نعم إن كان لطلب العفو المحمود فينبغي للوارث إسعافه.

(مسألة : ش) : طعن رجل وأخرجت شبكة بطنه فبقي يوماً وليلة ، فجيء له بطبيب يعالجه فقال : لا يمكن إدخال الشبكة لكونها يبست فقطعها فمات بعد أيام ، فإن تعمد مع علمه بأن القطع يقتل غالباً ومات بالفعلين ، أو قطعها بلا إذن من المجروح الكامل وولي الناقص ، فعلى كل من الطاعن ولو سكران تغليظاً عليه ، إذ هو في حكم المكلف ، والطبيب كان ماهراً بأن لا يخطىء إلا نادراً أولا القصاص بشرطه ، ولا عبرة بإذن الوارث ، وإن قطع الماهر على وفق معرفته فموته محال على فعل الطاعن ، فعليه القصاص فقط ، لأن الواقع من الطبيب محض معالجة ، وإن أخطأ الماهر فمات المطعون بالفعلين بقول عدلين خبرين ، فعلى الطاعن هنا وفيما يأتي حيث لا قصاص نصف دية مغلظة في ماله لتعمده ، وليس على الماهر شيء إن أذن له في عين ما فعله ، فإن قال له : داوني وأطلق ، أو قال الماهر : جهلت القطع وحلف ، فعلى عاقلته نصف دية مغلظة مثلثة إن صدقوه وإلا فعليه ، كما لو قطعها غير الماهر ظناً أن ذلك يجدي ، لأنه قصد إنساناً بما لا يقتل غالباً في ظنه ، وكما لو ألقاه على حديدة لا يعلمها ، نعم إن أذن له المجروح في عين القطع فلا ضمان.

(مسألة : ك) : يحرم التسبب في إسقاط الجنين بعد استقراره في الرحم ، بأن صار علقة أو مضغة ولو قبل نفخ الروح كما في التحفة ، وقال (م ر) : لا يحرم إلا بعد النفخ ، واختلف النقل عن الحنفية في الجواز مطلقاً وفي عدمه بعد نفخ الروح ، وهل هو كبيرة ؟ الأحوط أن يقال : إن علم الجاني بوجود الحمل بقرائن الأحوال وتعمد فعل ما يجهض غالباً وقد نفخ فيه الروح ولم يقلد القائل بالحل فكبيرة وإلا فلا.

(

مسألة) : لا قصاص على قاتل تارك الصلاة والزاني المحصن ببينة أو إقراره ، ولم يرجع عنه إلا إن كان مثله ، كما في التحفة والنهاية لكن يأثم ، نعم إن قصد نحو وليه بقتله الحد ودفع العار لعدم الوالي أو تساهله بالحدود كما هو المعهود فيحتمل جوازه ، وعبارة أبي مخرمة قتل تارك الصلاة أو الزاني المحصن عمداً تشهياً ، فإن كان حين إقدامه جاهلاً إهداره أثم إثم المجترىء على المعاصي لا إثم القاتل ، أو عالماً فإثم الافتيات على الإمام لا غير ، وإن قتل تارك الصلاة في مدة الاستتابة أو قبلها أثم إثماً زائداً على الافتيات ويعزر في الكل ، ولا قود إلا إن كان مثله اهـ.

(مسألة : ب) : يجوز الشلي وهو الفصد المعروف عند ظهور الجدري بأن يؤخذ شيء من المدرة ويوضع في محل الفصد في نحو اليد لمن لم يظهر به أثر الجدري ولو بنحو صبي ، لما عرف بالتجربة الصحيحة والاستقراء من حصول التخفيف بذلك جداً ، وقد جوّز العلماء أكثر من ذلك في نظير المسألة ، وقد علمنا بذلك نحن وغالب من عاصرناه من العلماء ومن قبلنا ، وأفتى بجوازه جماعة كابن زيادة والعلامة طاهر بن محمد علوي ، بل صرح هذا بوجوبه.

246

الدية والقسامة

(مسألة : ش) : قال الجاني المستحق القصاص : بعتك هذه العين بما تستحق عليّ ، لم يصح لأن البيع مقابلة مال بمال ، والقصاص أصالة ليس بمال ، نعم هو كناية في العفو ، فإذا قصد به التماس العفو بالعين وقبل المستحق أو ولي المجنون الفقير ولو صبياً سقط القصاص وملك المستحق العين ، كما لو قالت : بعتك هذه العين بطلاقي ، إذ كل منهما بذل مال في مقابلة ما استحق عليه شرعاً وهو القصاص أو سلطة الزوج.

فائدة : لو أشرفت سفينة على الغرق إن لم يطرح متاعها كله أو بعضه وجب طرح ما احتيج إليه ، وإن لم يأذن مالكه لنجاة راكب محترم ، فإن لم يغلب جاز بإذن المالك ، ويجب إلقاء متاع لإبقاء ذي روح ، والدواب لإبقاء آدمي لا قنّ لحر ، ويضمن ما ألقاه بغير إذن مالكه ، وإن قال خوف غرق لا على الملقى فقط : ألق متاعك وأنا ضامن له أو ضامنه لا ضامن فقط ضمن ، أو وأنا وهؤلاء ضامنون ، فحصته أي القائل باعتبار الرؤوس لا هم وإن رضوا ، ولو قال : أنا وهم ضامنون كل منا على الكمال ، أو وأحصله من مالهم أو مالي لزمه الجميع ، كما لو باشر الإلقاء بعد قوله : أنا وهم ضامنون بإذن المالك اهـ فتح. وأفتى الشيخ زكريا بأنه لو كان شخص له خبرة بقطع الظفرة من أعين الدواب فقال له آخر : اقطع ظفرة عين ثوري فقطعها فعميت لم يضمن اهـ.

(مسألة : ش) : أعتق العبد جماعة حملوا عنه كل سنة في ديه نحو الخطأ ما يحمله المعتق الواحد وهو نصف دينار إن كانوا أغنياء ، وربعه إن كانوا متوسطين ، يقسم بينهم على قدر حصصهم ، خلافاً لما توهمه نسخ العباب.

(مسألة : ش) : جنى أحد الإخوة على بعض الآخرين خطأ كان كل الأرش على عاقلة الجاني الذين هم بقية الإخوة غير المجني عليه ، فلا يلزمه شيء من الأرش ، إذ لو لزمه لكان له ، والشخص لا يثبت له في ذمة نفسه شيء ابتداء ولا دواماً ، كما لو زوج السيد أمته بعبده لا يلزم العبد مهر ، إذ لو لزم لكان لسيده ، والسيد لا يثبت له في ذمة عبده دين.

(مسألة : ش) : دعوى البكر أن شخصاً افتضها دعوى جرح ، فاليمين فيه في جانب المدعى عليه ككل دعوى ، سواء كان لوث كأن وجدا في خلوة وصاحت حال الإكراه أم لا ، إذ اليمين لا تكون في جانب المدعي مطلقاً إلا في القسامة في القتل فقط ، مع وجود اللوث المغلب للظن اقتصاراً على الوارد ، فحينئذ إن أوجبت الدعوى قصاصاً ، كأن ادعت امرأة على أخرى أنها أزالت بكارتها عمداً ، فلا بد من شاهدين أو مالاً بأن كانت خطأ أو عمداً من رجل كفى فيها رجل وامرأتان ، أو يمين المدعي ، أو أربع نسوة ، إذ لا يطلع على ذلك إلا النساء غالباً ، وصفة الشهادة أن يقول : أشهد أن فلاناً أزال بكارة فلانة عمداً أو شبهة أو خطأ على وفق الدعوى ، ولا يشترط تعرضه لما أزيلت به البكارة من ذكر أو نحو أصبع ، فإن لم تكن بينة فالقول قول المنكر فيحلف خمسين يميناً ، لأن حلف الجرح كالنفس وإن قل واجبه ، ولم تكن ديته مقدرة ، فإن نكل حلف المدعي المردودة خمسين أيضاً وثبت الواجب قصاصاً أو غيره.

247

أحكام البغاة والإمامة العظمى

(مسألة) : لقاضي الخوارج المتغلب حكم قاضي السنة ، فحيث نفذ قضاء قاضينا بأن لم يخالف نصاً أو إجماعاً أو قياساً جلياً نفذ قضاء قاضيهم ، وحيث لا فلا ، لأن هؤلاء ونحوهم من فرق المبتدعة الذين لا يكفرون ببدعتهم بغاة لوجود الشروط فيهم ، وشهادة البغاة مقبولة ، وقضاء قاضيهم نافذ ، كما ينفذ قضاء الفاسق ونحوه للضرورة.

(مسألة : ك) : تنعقد الإمامة إما ببيعة أهل الحل والعقد من العلماء والرؤساء ووجوه الناس الذين يتيسر اجتماعهم ، أو باستخلاف إمام قبله ، أو باستيلاء ذي الشوكة وإن اختلت فيه الشروط كلها ، فحينئذ من اجتمعت فيه الشروط التي ذكروها في الإمام الأعظم فهو إمام أعظم ، وإلا فهو متولّ بالشوكة ، فله حكم الإمام الأعظم في عدم انعزاله بالفسق ، فيزوّج بناته وإن لم يكن لهنّ وليّ خاص غيره كبنات غيره بالولاية العامة وإذا قلنا لم يؤثر الفسق في حقه فيوكل غيره ، لكن يشترط في وكيله وقاضيه ما يشترط في وكيل غيره ، وإلا لم تصح توليته ، ولا تنفذ أحكامه على الراجح ، نعم إن ولاه مع علمه بفسقه أو فسق بعد وعلمه الإمام نفذت للضرورة ، وأمراء البلدان يسمعون إماماً أعظم لما ذكر في انعقاد الإمامة.

(مسألة : ي) : لا تزول ولاية السلطان الذي انعقدت ولايته ببيعة أو عهد متصل بمن انعقدت ولايته بزوال شوكته ، حتى يخلع نفسه أو يخلع بسبب ، أو يأسره الكفار وييأس من خلاصه ، أما من كانت ولايته بتغلب أو عهد متصل بمتغلب كغالب ولاة الزمان فنفوذ ولايته مدة بقاء شوكته ولو ضعيفة لا بعد زوالها ، فلو بقيت في بعض البلاد نفذت فيما بقيت فيه فقط ، وحيث قلنا بنفوذ ولايته فهو مقدم على أهل الحل والعقد إن كان مسلماً ، بل لا تنفذ توليتهم نحو القضاء من غير إذنه إلا إن تعذر فتنفذ مدة التعذر ، ومعنى ذي الشوكة انقياد الناس وطاعتهم وإذعانهم لأمره ، وإن لم يكن عنده ما عند السلطان من آلة الحرب والجند ونحوهما مما تقع به الرهبة ، كرؤساء البلد ، ورئيس الجماعة ، وصاحب الحوطة المطاع على وجه الاعتقاد والاحتشام ، فسبب الانقياد لهم مقتض لصحة نصب القضاة والنوّاب وإن لم تكن شوكة ، أما ذو الشوكة الكافر ، فإن كان منقاداً لأمر نائب البلد المسلم خوفاً أو وفاء بعهد أو احتشاماً ، فتولية القضاء بإذن ذلك النائب أو الكافر الذي عهد إليه تولية القضاء تصريحاً أو تلويحاً ، وإن لم يكن منقاداً لأمر النائب فتولية القضاء لأهل الحل والعقد ، ولا يتوقف على إذن الكافر إذ هم مأمورون بخلعه ولا تلزمهم طاعته ، بل لا يجوز الانقياد له اختياراً ، ويلزمهم إقامة إمام يخرجه ، نعم لو ولى الكافر قاضياً ولم يمكن إلا طاعته للخوف نفذت توليته للضرورة.

248

الردة

فائدة : صرح الأئمة بتكفير من قال لكافر جاء ليسلم : اذهب فاغتسل ، أي إن كان ممن لا يخفى عليه ، بل يلزمه قطع الصلاة لذلك قياساً على إنقاذ الغريق ، بل هذا أعظم لأن فيه إنقاذاً من الخلود في النار اهـ باجوري.

(مسألة : ش) : حكم عليه حاكم فتبرم فقال استهزاء : ليس هذا الشرع بشيء قط كفر ، كما لو قال لفتوى : أيّ شيء هذا الشرع ، أو قيل له احضر مجلس العلم فقال : ما هذا بشيء ، أو قال : قصعة من ثريد خير من العلم ، فحينئذ تجري عليه أحكام المرتدين من الاستتابة وغيرها ، نعم إن قال : لم أرد الشرع بل أردت الحكم عليّ ظننته غير مستند إلى جهة تقتضيه عزر تعزيراً بليغاً زاجراً لمثله عن إطلاق مثل هذا القول ، ومن تأمل أحوال أهل الزمان لم يشك في استخفافهم بالشرع وحملته وبالفقه وخدمته.

(مسألة : ي) : حاصل ما ذكره العلماء في التزيي بزي الكفار أنه إما أن يتزيا بزيهم ميلاً إلى دينهم وقاصداً التشبه بهم في شعائر الكفر ، أو يمشي معهم إلى متعبداتهم فيكفر بذلك فيهما ، وإما أن لا يقصد كذلك بل يقصد التشبه بهم في شعائر العيد أو التوصل إلى معاملة جائزة معهم فيأثم ، وإما أن يتفق له من غير قصد فيكره كشد الرداء في الصلاة.

(مسألة : ش) : المبتدعة قسمان : قسم يكفر ببدعته كمنكري علم الله بالجزئيات ، ومعتقدي قدم العالم والمجسمة ، وكالإسماعيلية المعتقدين كون الرسالة لعليّ وعدم براءة عائشة ومكفري الصحابة رضي الله عنهم ، فهؤلاء لهم حكم الكفار فلا تحل مناكحتهم ولا ذبيحتهم. وقسم لا يكفرون كالمعتزلة والقدرية والزيدية ، وفرقة من الحنابلة اعتقدوا التجسيم لكن ليس كسائر الأجساد فتكره مناكحتهم خروجاً من خلاف من حرمها.

(مسألة : ك) : رجل ألزم الأمة متابعته ، وادعى الاجتهاد المطلق وكفر من خالفه ، واستحل دمه وعرضه ، فهذا المدعي قد تعرض لخطر عظيم بتكفيره للمسلمين ، فقد صح عنه عليه الصلاة والسلام : "إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما" . وقال الشيخان وغيرهما : "إذا قال لمسلم يا كافر بلا تأويل كفر" لأنه سمى الإسلام كفراً ، بل قضية كلام الغزالي وأبي إسحاق وابن دقيق العيد وغيرهم أنه لا فرق بين أن يؤول أم لا ، واستحلاله الدم والعرض أقبح لما صح أنه قال : "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله" الحديث ، فكيف ساغ لهذا الرجل استحلال ما لم يحل له عليه الصلاة والسلام وقد قال : "ما أمرت أن أشق على القلوب" . ومن أثبت الشرك والكفر في المدينة المنوّرة بل أو في جزيرة العرب عامة فإثمه ظاهر وأمره مخطر ، بل يخشى عليه الكفر كما قدمناه فيمن كفر مسلماً ، وإجماع المسلمين حجة ، قال الله تعالى : {ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى} الآية ، فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب القاصية من الغنم ، ومن شذ فهو في النار.

(

مسألة : ك) : جعل الوسائط بين العبد وبين ربه ، فإن صار يدعوهم كما يدعو الله في الأمور ويعتقد تأثيرهم في شيء من دون الله تعالى فهو كفر ، وإن كان نيته التوسل بهم إليه تعالى في قضاء مهماته ، مع اعتقاد أن الله هو النافع الضارّ المؤثر في الأمور دون غيره ، فالظاهر عدم كفره وإن كان فعله قبيحاً.

(مسألة : ش) : انهمك الحاكم في المعاصي وأكل الرشا فسق وانعزل ولا يكفر إلا إن استحل مجمعاً على تحريمه معلوماً من الدين بالضرورة ، فحينئذ ينفسخ نكاحه ويوقف على انقضاء العدة إن كانت ، والقول بتكفير أهل الكبائر رأي الخوارج وكثير من الظاهرية وليس من شأن أهل السنة ، وأما قوله تعالى : {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} فمحمول على كفر النعمة أو المستحل ، وينبغي للمفتي أن يحتاط في التكفير ما أمكنه ، لأن الإيمان محقق فلا يرتفع إلا بيقين.

249

الحدود والتعزير

(مسألة : ك) : لا تتوقف توبة الزاني أو القاتل على تسليم نفسه للحد وإن تحتم بثبوته عند الحاكم ، بل لا تتوقف حتى في حق الآدمي الواجب تسليم نفسه ، فإذا ندم صحت توبته في حق الله تعالى ، وبقيت معصية حق الآدمي ، وهي لا تقدح في التوبة بل تقتضي الخروج منها ، وينبغي لمن أتى معصية الستر حيث لم يعلم القاضي وإلا ندب له تسليم نفسه للحد.

(مسألة) : ملخصة مع زيادة من الإكسير العزيز للشريف محمد بن أحمد بن عنقاء في حديث : الولد للفراش الخ ، إذا كانت المرأة فراشاً لزوجها أو سيدها فأتت بولد من الزنا كان الولد منسوباً لصاحب الفراش لا إلى الزاني ، فلا يلحقه الولد ولا ينسب إليه ظاهراً ولا باطناً وإن استلحقه ، ومن هنا يعلم شدة ما اشتهر أنه إذا زنى شخص بامرأة وأحبلها تزوّجها واستلحق الولد فورثه وورّثه زاعماً سترها ، وهذا من أشد المنكرات الشنيعة التي لا يسع أحداً السكوت عنها ، فإنه خرق للشريعة ومنابذة لأحكامها ، ومن لم يزله مع قدرته بنفسه وماله فهو شيطان فاسق ومداهن منافق ، وأما فاعله فكاد يخلع ربقة الإسلام لأنه قد أعظم العناد لسيد الأنام ، مع ما ترتب على فعله من المنكرات والمفاسد ، منها حرمان الورثة وتوريث من لا شيء له مع تخليد ذلك في البطون بعده ، ومنها أنه صير ولد الزنا باستلحاقه كابنه في دخوله على محارم الزاني ، وعدم نقض الوضوء بمسهنّ أبداً ، ومنها ولايته وتزويجه نساء الزاني كبناته وأخواته ومن له عليها ولاية من غير مسوغ فيصير نكاحاً بلا وليّ ، فهذه أعظم وأشنع ، إذ يخلد ذلك فيه وفي ذريته ، ويله فما كفاه أن ارتكب أفحش الكبائر حيث زنى حتى ضم إلى ذلك ما هو أشد حرمة منه وأفحش شناعة ، وأيّ ستر وقد جاء شيئاً فرياً ، وأحرم الورثة وأبقاه على كرور الملوين ، وكل من استحل هذا فهو كافر مرتدّ خارج عن دين الإسلام ، فيقتل وتحرق جيفته أو تلقى للكلاب ، وهو صائر إلى لعنة الله وعذابه الكبير ، فيجب مؤكداً على ولاة الأمور زجر فاعلي ذلك وتنكيلهم أشد التنكيل وعقابهم بما يروعهم ، وقد علم بذلك شدة خطر الزنا وأنه من أكبر الكبائر.

(مسألة : ي) : حملت امرأة وولدت ولم تقرّ بالزنا لم يلزمها الحد ، إذ لا يلزم الحد إلا ببينة أو إقرار أو لعان زوج ، أو علم السيد بالنسبة إلى قنة ، إذ قد توطأ المرأة بشبهة أو وهي نائمة أو سكرانة بعذر أو مجنونة أو مكرهة ، أو تستدخل منياً من غير إيلاج ، ونحو ذلك فتحبل منه ولا يوجب حداً للشبهة ، فعلم أن كل امرأة حملت وأتت بولد إن أمكن لحوقه بزوجها لحقه ولم ينتف عنه إلا باللعان ، وإن لم يمكن كأن طالت غيبة الزوج بمحل لا يمكن اجتماعهما عادة ، كان حكم الحمل كالزنا بالنسبة لعدم وجوب العدة وجواز إنكاحها ووطئها ، وكالشبهة بالنسبة لدرء الحد والقذف واجتناب سوء الظن ، نعم إن كانت قليلة الحياء والتقوى ، كثيرة الخلوة بالأجانب والتزين لهم وتحدث الناس بقذفها ، عزرها الإمام بما يزجر أمثالها عن هذا الفعل.

فائدة : زنى كافر ثم أسلم حد على المعتمد عند (م ر) خلافاً لابن حجر والخطيب حيث قال بسقوطه اهـ بج.

فائدة : يحرم على الشخص سرقة مال غيره على وجه المزج لأن فيه ترويعاً لقلبه اهـ ح ل.

(مسألة : ي) : من سبّ أحداً من أهل البيت النبوي بنحو يا بانصت فسق واستحق التعزير الشديد ، بل إن أراد بذلك سبّ جميع قبيلته الشامل لجميع بني هاشم كفر وقتل بكفره ، فإن رجع للإسلام تحتم تعزيره ، بل قال أبو حنيفة وأحمد : يتحتم قتله مطلقاً وإن تاب ، وذلك لأنه سبّ النبي واجترأ على منصبه الشريف وهو كفر بالإجماع.

(مسألة : ب) : لطم رقيق آخر كان التعزير على العبد اللاطم لا سيده بما يراه الحاكم أو المحكم من حبس أو ضرب أو إركابه حماراً معكوساً ونحوه ، ولا يتولاه المظلوم ، ولا يجوز التعزير بأخذ المال عندنا ، هذا إن ثبت ببينة ، وإلا فعلى العبد لا سيده أيضاً يمين الإنكار حيث لم يقرّ.

(مسألة : ك) : ليس إتيان الحليلة في دبرها بزنا ولا لواط ، بل هو صغيرة لا يفسق مرتكبه إلا إن تكرر منه ، ولم تغلب طاعته معاصيه ، ولا يعزر عليه إلا إن نهاه الإمام.

فائدة : قال في النهاية : لو استقل المقذوف بالاستيفاء للحد ولو بإذن الإمام لم يقع الموقع ، نعم لو تعذر عليه الرفع إلى السلطان استوفاه إن أمكن مع رعاية المشروع ولو بالبلد كما قاله الأذرعي اهـ. وقوله السلطان أي أو من يقوم مقامه ، وخرج بالحد التعزير فلا يستوفيه مستحقه مطلقاً لاختلافه باختلاف الناس إذ ربما يتجاوز الحد اهـ ع ش.

250

الصيال وإتلاف البهائم

فائدة : قال المحب الطبري في كتابه التفقيه : يجوز قتل عمال الدولة المستولين على ظلم العباد إلحاقاً لهم بالفواسق الخمس ، إذ ضررهم أعظم منها ، ونقل الأسنوي عن ابن عبد السلام أنه يجوز للقادر على قتل الظالم كالمكاس ونحوه من الولاة الظلمة أن يقتله بنحو سمّ ليستريح الناس من ظلمه ، لأنه إذا جاز دفع الصائل ولو على درهم حتى بالقتل بشرطه فأولى الظالم المتعدي اهـ.

(مسألة : ش) : يجرم ترويع المسلم وغيره ولو على وجه المزاح لما ورد من النهي عنه اهـ. وفي الحديث الحسن : "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يروّعن مسلماً" اهـ بج.

(مسألة) : عضت يده خلصها بفك لحي فبضرب فم فسلّ يد فعض ففقء عين فقلع لحي فعصر خصية فشق بطن ، فمتى انتقل لمرتبة مع إمكان أخف منها ضمن نظير ما مر ، نعم إن ظن أنه لو رتب أفسدها العاضّ قبل تخليصها من فيه فبادر فسلها فندرت أسنانه فهدر لما في الصحيحين أنه قضى في ذلك بعدم الدية ، والعاضّ المظلوم في هدر أسنانه كالظالم لأن العض لا يجوز بحال ، ولو تنازعا في أنه أمكنه الدفع بشيء فعدل لأغلظ منه صدق المعضوض كما جزم به في البحر ، قال الأذرعي : وليكن الحكم كذلك في كل صائل ، نعم لو اختلفا في أصل الصيال لم يقبل قول نحو القائل إلا ببينة أو قرينة ظاهرة ، كدخوله عليه بالسيف مسلولاً ، وإشرافه على حرمه ، قاله في التحفة والنهاية.

(مسألة : ش) : صالت بهيمة على زرعه ، فأمر آخر بربطها مع أخرى ، فكسرتها الأخرى بسبب الربط ، لزم رابطها أرشها ما بين قيمتها صحيحة ومكسورة لا الآمر ، إلا إن أكره المأمور ، أو أمر غير مميز ، أو أعجمياً يرى وجوب طاعة آمره فعليه فقط ، وعلى مالك البهيمة لصاحب الزرع قيمة ما أتلفته إن سرحها ليلاً والزرع في الصحراء ، ولم يقصر مالكه بفتح محوط إن كان ، وكذا نهاراً وهو معها مع غيبة صاحب الزرع ، وإلا فلا ضمان للعادة الغالبة ، فلو انعكست بأن حفظ الزرع ليلاً والدابة نهاراً انعكس الحكم ، كما لو جرت العادة بحفظها فيها ضمن فيهما ، وقياسه لو جرت بعدم حفظها فيهما لم يضمن ، ويضمن بإرسال الدابة في البلد مطلقاً.

فائدة : قال في الفتح في مبحث متلف البهيمة : وخرج بسرحها ما لو سرحت بنفسها بلا تقصير ، بأن انهدم الجدار ، أو فتح لص الباب ، أو قطعت الحبل المحكم فلا يضمن متلفها مطلقاً.

251

الجهاد وفروض الكفاية

(مسألة : ي) : اختلف العلماء في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فقال أحمد : إنه كفر ، وقال بعض أئمتنا : إنه كبيرة ، وفصل بعضهم فقال : إن كان ترك المعروف وفعل المنكر كبيرة فالترك حينئذ كبيرة وإلا فصغيرة ، فعليه من رأى تارك صلاة فلم يأمره ، أو زانياً فلم ينهه ، فقد ارتكب كبيرة اتفاقاً ، ومن رأى مستعمل الحرير والنقدين استعمالاً محرماً فلم ينهه فقد ارتكب كبيرة عند من يرى أنه كبيرة وهو ابن حجر في الزواجر و ع ش ، وصغيرة عند من يراه كذلك وهو المعتمد في التحفة في باب الردة ، ورجحه المناوي ولم يقيد حرمة لبس الحرير بالمداومة على كلا القولين ، لكن إذا قلنا إنه صغيرة فإنما يفسق مستعمله ، وتارك النهي إن داوم عليه مداومة زادت بنفسها ، أو مع صغائر أخرى على نوافل طاعاته ، وليس لعامي يجهل حكم ما رآه أن ينكره حتى يعلم من فاعله أنه حال ارتكابه حتى يعلم أنه مجمع عليه أو في اعتقاد الفاعل ، ولا لعالم أن ينكر مختلفاً فيه حتى يعلم من فاعله أنه حال ارتكابه معتقد تحريمه لاحتمال أنه قلد من يرى حله أو جهل حرمته.

(مسألة : ج) : ونحوه ي : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قطب الدين ، فمن قام به من أيّ المسلمين وجب على غيره إعانته ونصرته ، ولا يجوز لأحد التقاعد عن ذلك والتغافل عنه وإن علم أنه لا يفيد ، وله أركان : الأوّل المحتسب وشرطه الإسلام والتمييز ، ويشترط لوجوبه التكليف ، فيشمل الحر والعبد ، والغني والفقير ، والقوي والضعيف ، والدنيء والشريف ، والكبير والصغير ، ولم ينقل عن أحد أن الصغير لا ينكر على الكبير وأنه إساءة أدب معه ، بل ذلك عادة أهل الكتاب ، نعم شرط قوم كونه عدلاً ، ورده آخرون ، وفصل بعضهم بين أن يعلم قبول كلامه أو تكون الحسبة باليد فيلزمه وإلا فلا وهو الحق ، ولا يشترط إذن السلطان. الثاني : ما فيه الحسبة وهو كل منكر ولو صغيرة مشاهد في الحال الحاضر ، ظاهر للمحتسب بغير تجسس معلوم ، كونه منكراً عند فاعله ، فلا حسبة للآحاد في معصية انقضت ، نعم يجوز لمن علم بقرينة الحال أنه عازم على المعصية وعظه ، ولا يجوز التجسس إلا إن ظهرت المعصية ، كأصوات المزامير من وراء الحيطان ، ولا لشافعي على حنفي في شربه النبيذ ، ولا لحنفي على شافعي في أكل الضب مثلاً. الثالث : المحتسب عليه ويكفي في ذلك كونه إنساناً ولو صبياً ومجنوناً.

الرابع : نفس الاحتساب وله درجات : التعريف ، ثم الوعظ بالكلام اللطيف ، ثم السب والتعنيف ، ثم المنع بالقهر ، والأولان يعمان سائر المسلمين ، والأخيران مخصوصان بولاة الأمور ، زاد ج : وينبغي كون المرشد عالماً ورعاً وحسن الخلق ، إذ بها تندفع المنكرات وتصير الحسبة من القربات ، وإلا لم يقبل منه ، بل ربما تكون الحسبة منكرة لمجاوزة حدّ الشرع ، وليكن المحتسب صالح النية ، قاصداً بذلك إعلاء كلمة الله تعالى ، وليوطن نفسه على الصبر ، ويثق بالثواب من الله تعالى. إذا علمت ذلك فتقول : حكم أهل الحرف والصناع والسوقة في اختلاطهم الرجال بالنساء مع حرفهم ، وفي الأسواق والطرق مع كشف الوجوه وبعض الأبدان من النساء ، من المنكرات المألوفة في العادة على المعتمد عند النووي ، وغيره ، فحينئذ يجب على الوالي أو منصوبه إنكارها بحسب المراتب المتقدمة ، فيعرّف أولاً بأن ذلك حرام لا يجوز فعله بكلام لطيف إن أجدى ، ثم بالسب والتعنيف نحو : يا جاهل يا فاسق ، وليتوعده بالعقوبة ثم يعاقبه بالضرب ، ولا يبلغ به جداً ، فلا يبلغ الحرّ أربعين سوطاً والأولى عشرة ، وإن أراد التعزير بالحبس وذلك حيث كانت المعاقبة لترك واجب كترك التعلم يحبس حتى يتعلم ، وإلا فلا يزيد على ستة أشهر ، والأوسط شهر ، والأقل ثلاثة أيام ، ويجتهد ما بين ذلك حسب المنكر ، ويعاقب كلاً بما يليق به ، فيكفي التهديد لذوي الهيئة ، ويغتفر له المرة والمرتان لحديث : "أقيلوا ذوي الهيئات" الخ ، المراد بهم في هذا الزمان من غلبت طاعاته سيئاته ، فإن لم يجد عزر في مكان لائق به بحيث لا يعير به ، فإن أصر عزر بالإشهار ، وأما غير ذوي الهيئة فيعزر بالضرب غير المبرح أو الحبس ، والأول أولى بجنس المنهيات ، والثاني لترك المأمورات ، ويقطع مادة ذلك أن يأمر الوالي النساء بستر جميع بدنهن ، ولا يكلفن المنع من الخروج إذ يؤدي إلى إضرار ، ويعزم على الرجال بترك الاختلاط بهنّ لا سيما في الخلوة ، وعلى الوالي وجوباً حمل الناس على إقامة

الجمعة والجماعة في المكتوبات ، إذ هما من أعظم شعائر الدين ، ولا يأثم من تخلف عن الجماعة إن قام الشعار بغيره إلا من حيث مخالفة أمر الوالي ، فيعاقب بحسب ما يقتضيه حاله ، وعليه أيضاً حمل أهل الحرف ونحوهم على تعلم ما لا بد من فروض الصلاة ، إذ أكثرهم لا يحسنونها ولا يعرفون ما تصح به وما لا ، ويلزمهم بذلك بأجرة منهم لمن يعلمهم إن لم يوجد متبرع ، إذ هي أهم أركان الإسلام ، ولا فرق بين من يصلي ولا يحسن ومن يتركها ، ولا يكلفون حضور مجالس الذكر والتذكير إذا عرفوا الواجب ، من كل مأمور به أو منهي عنه من أركان الإسلام وغيرها ، فكم من واجب تاركيه ، وحرام مرتكبيه ، كالسرقة والربا الذي فشا ، وتسلط به المعاملون على الضعفاء والمساكين ، وهل أقبح من هذا الذنب وأشدّ منه ؟ وكالتحاكم إلى الطاغوت في الأمور التي تنوبهم وتعرض لهم من غير إنكار ولا حياء من الله تعالى ولا من عباده ، وهذا أمر معلوم ، ولا يقدر أحد على إنكاره ، ولا شك أن هذا كفر بالله تعالى وبشريعته ، وكقطع بعض الورثة عن إرثه ، وأكل الأوقاف ووضعها في غير موضعها ، فيجب على الوالي خاصة وكل قادر عامة منابذتهم حتى يرجعوا إلى حكم الله تعالى ، ومعلوم أن من جرد نفسه لجهاد هؤلاء ، واستعان بالله ، وأخلص له النية ، فهو منصور وله العاقبة ، كما في غير آية من الكتاب العزيز ، فإن ترك من هو قادر على ذلك جهادهم تعرض لنزول العقوبة به وبهم ، كما هو مشاهد من تسلط الكفر على أهل الإسلام ، وتسلط الظلمة ، بسبب عدم التناهي بينهم ، وعلى الوالي أيضاً تفقد العامة وكل من لا يشتغل بالعلم ، حكمه حكم العامة في دينه ، بل هو واحد منهم ، وإن كان له نسب شريف وبيت رفيع ، وربما يظن هذا بنفسه أنه داخل في الخاصة ، متعلق بشيء من الولايات ، وهو يخبط خبط عشواء ، ويظلم العباد والبلاد جهلاً أو تجاهلاً ، وجزاؤه على الله تعالى ، فالواجب على الولي افتقاد هؤلاء ، والبحث عن مباشرتهم وكيفية معاملتهم ، ومن يتولون عليه ، بل لو كان

المتولي على ذلك من أهل العلم فلا بد من تفقده والنظر فيما هو مسؤول عليه ، إذ ليس معصوماً ، لا سيما إذا خالفه غيره من أهل العلم فالحق مع أحدهما ، فليرجع إلى سؤال العلماء الظاهرين بالولاية الشائع عنهم ترك الدنيا.

فائدة : قال ابن حجر في الجوهر المنظم في زيارة القبر المعظم : تنبيه يتعين على من كان بمسجد رسول الله ومن ببلده الشريف أن يزيل ما أمكنه من منكر يراه لا سيما ما فيه ترك الأدب معه مما يؤدي إلى محذور ، فإن من علامات المحبة غيرة المحب ، وأقوى الناس ديانة أعظمهم غيرة ، وما خلا عن الغيرة أحد إلا لخلوّه عن المحبة وامتلائه بالمخالفة ، فيخشى عليه الحرمان والقطيعة والخسران ، أعاذنا الله من ذلك بمنه وكرمه آمين اهـ.

(مسألة : ك) : من الحقوق الواجبة شرعاً على كل غني وحده من ملك زيادة على كفاية سنة له ولممونه ستر عورة العاري وما يقي بدنه من مبيح تيمم ، وإطعام الجائع ، وفك أسير مسلم ، وكذا ذمي بتفصيله ، وعمارة سور بلد ، وكفاية القائمين بحفظها ، والقيام بشأن نازلة نزلت بالمسلمين وغير ذلك ، إن لم تندفع بنحو زكاة ونذر وكفارة ووقف ووصية وسهم المصالح من بيت المال لعدم شيء فيه أو منع متوليه ولو ظلماً ، فإذا قصر الأغنياء عن تلك الحقوق بهذه القيود جازه للسلطان الأخذ منهم عند وجود المقتضى وصرفه في مصارفه.

فائدة : نظم زين الدين العراقي مسقطات رد السلام فقال :

سلامك مكروه على من ستسمع

وفي غير ما أبدى يسنّ ويشرع

مصلّ وتال ذاكر ومحدّث

خطيب ومن يصغي إليهم ويسمع

مكرر فقه جالس لقضائه

ولاعب شطرنج عسى هو يرجع

ودع كافراً أيضاً ومكشوف عورة

ومن هو في حال التغوط أشنع

ودع آكلاً إلا إذا كنت جائعاً

وتعلم منه أنه ليس يمنعوقال آخر في الأحوال المكروه فيها السلام :

ردّ السلام واجب إلا على

من في صلاة أو بأكل شغلا

أو شرب أو قراءة أو أدعية

أو ذكر أو في خطبة أو تلبية

أو في قضاء حاجة الإنسان

أو في إقامة أو الأذان

أو سلم الطفل أو السكران

أو شابة يخشى بها افتتان

أو فاسق أو ناعس أو نائم

أو حالة الجماع أو محاكم

أو كان في الحمام أو مجنوناً

فهي اثنتان قبلها عشرونا فائدة : أفتى الشيخ زكريا بندب السلام على المشتغل بالوضوء ووجوب الرد عليه في مختصر الأنوار ، ويصح السلام بالأعجمية إن فهمها المخاطب وإن قدر على العربية ، ويجب الجواب ، ومن لا يستقيم نطقه يسلم كيف أمكنه ، ويحرم على أهل الذمة ويندب عند المفارقة ويجب به الرد.

(مسألة : ب) : لا يندب السلام على نحو المصلي ، ولا على نائم انتبه بين حاضرين ، ولا منه عليهم أيضاً.

فائدة : يسن إرسال السلام إلى الغائب ، ويجب به الرد فوراً باللفظ في الرسول ، وبالكتابة بالكتاب ، ويسن الرد على المبلغ فيقول : وعليه وعليك السلام ، والظاهر أنه لو قدم وعليك لم يكف ويحتمل خلافه اهـ إمداد. وفي التحفة فيقول : وعليك وعليه السلام ، وقوله بالكتابة في الكتاب ظاهر عبارة التحفة الاكتفاء باللفظ أو الكتابة في ذلك اهـ.

فرع : إذا أرسل السلام مع غيره إلى آخر ، فإن قال : سلم لي على فلان ، فقال الرسول : فلان يقول : السلام عليك أو السلام عليك من فلان وجب الرد ، وحاصل ذلك أنه لا بد في الاعتداد به لوجوب الرد من صيغة من المرسل أو الرسول ، فلو قال المرسل : سلم لي على فلان ، فقال الرسول لفلان : زيد يسلم عليك ، فلا اعتداد به ولا يجب به الرد ، نقله (م ر) عن والده ، وهل يجب استفصاله أم لا ؟ ونقل المحشي عن (م ر) أنه يجب الرد على من قال : فلان يسلم عليك حملاً له على إتيانه بصيغة سلام شرعية ، ومحل عدم الوجوب إذا علم أنه لم يأت بها ، ويلزم الرسول الإبلاغ وله رد المتحمل بحضرة المرسل لا غيبته إذ لا يعقل حينئذ ، نعم لو جاءه في كتاب : سلم لي على فلان ، فله رده فوراً لأنه لم يحصل منه تحمل اهـ سم اهـ جمل.

(مسألة : ش) : لا يجب قتال الكفار حيث لم يتعين بدخول بلد الإسلام إلا بشرط أن لا يكون له عذر ، وأن يحضر الصف ، وأن لا يزيد العدوّ على الضعف زيادة مؤثرة كمائة شجاع بضعفها وواحد بخلافها بضد الشجعان ، فلا أثر لزيادة الواحد والاثنين من العدو حينئذ ، ومن العذر فقد آلة الحرب ، فلا يلزمه الثبات في الصف فضلاً عن غيره ، ويعتبر في الآلة بحيث تحصل بها مقاومة العدوّ عرفاً ، فلا أثر للحجر مع من يرمي بالبندق ، ويجوز الهرب قبل التصافّ مطلقاً ، ولو فرض قهر الكفار لمن لا يملك من أمره شيئاً فمعذور ، فإن أمكنه الدفع حرم الاستسلام ، إلا إن توقع من الأسر السلامة ولو بالفداء ، ولم يخف نحو زنا به فهو أولى من القتال بلا فائدة ، وأولى منه الهرب وإن فرض أن معه سلاحاً.

(مسألة : ش) : أسلم الأسير الكافر عصم دمه ، وإن اختار الإمام قتله قبل الإسلام إجماعاً ، كما أن رجوع الزاني عن إقراره بعد حكم الحاكم برجمه يسقطه لما في الأحاديث الصحيحة المتواترة ، إذ هي نص في أن قتال الكافر وقتله ملغيان بوجود إسلامه حربياً أو مرتداً ، ولو بقذف نبيّ على المعتمد ، على أن اختيار الإمام قتله إنما هو بإيجاده ، فمن ثم لا يحتاج إلى لفظ كالمنّ ، بخلاف الاسترقاق والفداء ، فتحصل أن إسلام الأسير لا أثر له في اختيار منّ أو رقّ أو فداء قبله ، بل يتعين ذلك المختار ، وأن إسلامه يلغي اختيار قتله فقط.

254

الأمان والهدنة والجزية

(مسألة : ي) : كل محل قدر مسلم ساكن به على الامتناع من الحربيين في زمن من الأزمان يصير دار إسلام ، تجري عليه أحكامه في ذلك الزمان وما بعده ، وإن انقطع امتناع المسلمين باستيلاء الكفار عليهم ومنعهم من دخوله وإخراجهم منه ، وحينئذ فتسميته دار حرب صورة لا حكماً ، فعلم أن أرض بتاوي بل وغالب أرض جاوة دار إسلام لاستيلاء المسلمين عليها سابقاً قبل الكفار.

(مسألة : ك) : إقامة المسلمين بدار الكفر على أربعة أقسام : إما لازمة بأن قدروا على الامتناع من الكفر والاعتزال عنهم ولم يرجوا نصرة المسلمين ، لأن موضعهم دار إسلام ، فإذا هاجروا صارت دار حرب ، أو مندوبة بأن أمكنهم إظهار دينهم ورجي ظهور الإسلام هناك ، أو مكروهة بأن أمكنهم ولم يرجوا ذلك ، أو حرام بأن لم يمكنهم إظهار دينهم ، فحينئذ إذا كان في إظهار الدين وأحكام المسلمين من حدود وغيرها هلاك البلاد وقتل المسلمين بسبب أنه يتعاطاه الوالي الكافر ولا يفوضه إلى حكم الإسلام ، حرمت الإقامة عندهم ووجبت الهجرة إلا لعاجز لا يقدر عليها فيعذر ، بل لو لم يأمن منهم في حاله وماله إلا بإعطائهم شيئاً كل سنة كالجزية عكس القضية جاز الإعطاء للضرورة ، بل وجب إن خيف ضرر على المسلمين ، ومن ظلمه كافر بأخذ شيء منه قهراً جاز له أخذ قدر ظلامته من ماله على التفصيل في مسألة الظفر.

(مسألة : ج ك) : استدان من أهل الحرب بعد أن دخل بلادهم بأمانهم استقرّ بذمته ولزمه رده ولو بأجرة ، كما تحرم حينئذ سرقتهم واغتيالهم ، كأسير أطلقوه بشرط أمنه على نفسه ، بل أولى بخلاف ما لو أقرّ بغير أمان أو دخل مختفياً ، فما يأخذه بأي نوع سرقة أو اختلاساً أو غيرهما يكون غنيمة مخمسة ، زاد ج : ومثل دين الكافر المبتدع كرافضي بل هذا مسلم لا يشترط فيه الأمان ، بل لا يجوز أخذ مال هذا بالحيلة والاغتيال والسرقة ، لأن الصحيح أن أهل البدع كالمجسمة مسلمون ، وقبلتنا من أمّها لا يكفر.

(مسألة : ك) : أطلق السلطان عقد الأمان حمل على أربعة أشهر ، فلو زاد عليها فإن كان مع امرأة وخنثى صح مطلقاً ، أو مع ذكر صح فيها وبطل في الزائد ، نعم إن كان بنا ضعف جازت الزيادة بنظر الإمام إلى عشر سنين لا فوقها ، وإن دعت إليه حاجة وحيث انتفى العقد بلغ المأمن ، ولم يجز اغتيالهم وإرقاقهم قبل ذلك ، إذ حكم فاسد العقود كصحيحها ، ولو دخل الكفار بلادنا لتجارة وأقاموا سنين وعلم السلطان وسكت فلم ينههم ولا أمرهم لكنه نهى عن ظلمهم وقتلهم ، فالذي يظهر أنه حيث دخلوا معتمدين على العادة المطردة من منع السلطان من أخذ أموالهم وقتل نفوسهم وظنوا أن ذلك عقد مأمن صحيح لم يجز اغتيالهم ولو بسبب دين عليهم ، بل يجب تبليغهم المأمن ، وإن انتفى شرط من ذلك جاز الاغتيال والإرقاق مطلقاً.

(

مسألة : ك) : يجوز عقد الجزية مع اليهود والنصارى والمجوس ، ومن تمسك بدينهم قبل نسخه ، ومن أحد أبويه كتابي ، ومن زعم أنه ممن تعقد له الجزية ، لا الوثني والفلسفي والمعطل ونحوهم فلا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف ، فلو عقدها الإمام لهم فعقد فاسد يلزم به كل سنة دينار ، إذ هو أقلها على كل ذكر بالغ كعقد الجزية الفاسد ، بخلاف ما لو بطل كأن عقدها الآحاد فلا يلزم به شيء ، وحكم هؤلاء الكفار حكم المؤمنين لا يجوز التعرض لهم حتى يبلغوا المأمن ، وما أخذ منهم فله حكم الفيء ، فلمن أعطي منه شيئاً قبوله إن كان ممن يستحق من الفيء وإلا فلا ، ومذهب الحنفية تعقد لكل مشرك كالوثني بشرط كونه عجمياً ، وقال مالك : مطلقاً إلا من قريش خاصة فلا تعقد لهم فليقلدهما الإمام لكن يصرفها على مذهبهما.

255

الصيد والذبائح

(مسألة : ب) : القنيص المعروف بحضرموت من أكبر البدع المنكرات والدواهي المخزيات لكونه خارجاً عن مطلوبات الشرع ، ولم يكن في زمن سيد المرسلين والصحابة والتابعين صلى الله عليه وعليهم أجمعين ومن بعدهم من الأئمة ، ولم يرجع إلى أساس ولم يبن على قياس ، بل من تسويلات الرجيم وتهويسات ذي الفعل الذميم ، والعقل الغير المستقيم ، لأن من عاداتهم أنه إذا امتنع عليهم قتل الصيد قالوا بكم ذيم ، فيذبحون رأس غنم على الطوع يعني العود الذي تمسك به الشبكة تطهيراً للقنيص من كل شك ووسواس ، فالذبح على هذه الصفة لا يعجل قتل ما لم يحضر أجله ، إذ الأجل كالرزق والسعادة والشقاوة له حدّ ووقت مقدر كما قال تعالى : {لكل أجل كتاب} وفي الحديث : "فرغ الله من أربع من الخلق والأجل والرزق والخلق" ثم الذبح على مثل هذه الحالة يتنوّع إلى ثلاثة أمور : إما أن يقصد به التقرب إلى ربه ولم يشرك معه أحداً من الخلق طامعاً في رضاه وقربه وهذا حسن لا بأس به. وإما أن يقصد به التقرب لغير الله تعالى كما يتقرب إليه معظماً له كتعظيم الله كالذبح المذكور بتقدير كونه شيئاً يتقرب إليه ويعوّل في زوال الذيم عليه فهذا كفر والذبيحة ميتة. وإما أن لا يقصد ذا ولا ذا بل يذبحه على نحو الطوع معتقداً أن ذلك الذبح على تلك الكيفية مزيل للمانع المذكور من غير اعتقاد أمر آخر ، فهذا ليس بكفر ولكنه حرام ، والمذبوح ميتة أيضاً ، وهذا هو الذي يظهر من حال العوامّ ، كما عرف بالاستقراء من أفعالهم ، كما حقق هذه الصور الثلاث أبو مخرمة فيمن يذبح للجن ، هذا بخلاف ما يذبح للكعبة أو للرسل لكونها بيت الله أو لكونهم رسل الله ، وكذا للعالم أو للسلطان أو للعروس استبشاراً بقدومهم أو رضا غضبان فهو جائز من هذا الوجه.

خاتمة : اعلم أن هذا القنيص قد صار في قطرنا وسيلة لقبائح كثيرة وفضائح شهيرة ، ولو لم يكن في ذلك إلا ما ذكر من الذبح لكان كافياً في الإضلال ، فكيف مع ما ينضم إليه من التفاحش في الأقوال والأفعال ، وتضييع الفرائض والأموال ، واختلاط النساء بالرجال ، فهل يرضى بمثل هذه المخازي عاقل ؟ ومع هذا يرون هذه الأفعال من الحسنات لا من الأمور المحرمات ، ولكن كما في الحديث : "بدأ الدين غريباً" الخ ، وما ذاك إلا من موت الدين واستيلاء الظلمة الفاسقين ، حتى لا يرى من ينكر على ذي فعل فعله لخوف من البيات أو جهل أو مداهنة في الإيمان نسأل الله العافية.

(

مسألة) : يحرم رمي الصيد بالبندق المعروف الآن ، نعم إن علم حاذق أنه يصيب نحو جناح كبير فيثبته فقط احتمل الحل اهـ تحفة ، ولو أبان عضواً من حيوان نادّ لم يحل إلا إن كان بجرح مذفف أي مهلك بسرعة ، فإن كلاً من البعض المبان والباقي حلال ، كما لو رمى صيداً فأبان منه بالجراحة المذففة عضواً أو قدّه نصفين اهـ إسعاد وتحفة ونهاية ، قالا : ولو أبانه بغير مذفف ولم يقدر على الصيد حتى مات حل دون العضو وقيل حلاّ اهـ.

فائدة : اعتمد في التحفة حل الذبيحة ، فيما إذا رفع يده لنحو اضطرابها أو انفلتت شفرته فردها فوراً فيهما ، وكذا لو ذبح بشفرة كالة فقطع بعض الواجب ثم أدركه آخر فأتمه بسكين أخرى قبل رفع الأوّل ، سواء أوجدت الحياة المستقرة عند شروع الثاني أم لا اهـ. ومثله ع ش. ولو جرح ذئب شاة فقطع بعض حلقومها وبقيت حياة مستقرة فذبحت في موضع الجرح وأتمها حلت ، قاله أبو مخرمة اهـ قلائد.

(مسألة : ك) : تعرف الحياة المستقرة بأمارة كحركة شديدة بعد القطع ، أو الجرح ، أو تفجر الدم أو تدفقه ، أو صوت الحلق ، أو بقاء الدم على قوامه وطبيعته ، وتكفي الأولى وحدها ، وما يغلب على الظن إبقاؤها من الأخيرات فإن شك فكعدمها قاله في التحفة.

فائدة : لا يسنّ قطع ما وراء الودجين لكن لو قطع الرأس كفى وإن حرم للتعذيب ، والمعتمد عند (م ر) و (ع ش) الكراهة ، قال : ولو شك هل مات الجنين بذكاة أمه أو لا ؟ فالظاهر عدم حله ، وقال الشوبري : يحل لأنها السبب في حله والأصل عدم المانع اهـ.

فرع : يحرم ذبح الحيوان غير المأكول ولو لإراحته كالحمار الزمن مثلاً ، ولو اضطر شخص لأكل ما لا يحل أكله فهل يجب ذبحه لأنه يزيل العفونات الأقرب لا لأنه لا يزيد على قتله ؟ نعم هو أولى لأنه أسهل لخروج الروح اهـ ع ش.

(مسألة : ش) : الزرع النابت في الأرض لا يخلو أن تكون سنابله مما يعرض عنه غالباً كسنابل الحصادين ، والمعرض مطلق التصرف وهو المكلف الحر الرشيد ، فهذا يزول الملك عنه بالإعراض على الأصح في الروضة ، فتكون غلته حينئذ ملك صاحب الأرض ، أي من له اليد عليها من مالك أو مستأجر أو مستعير أو غيرهم ، كموقوف عليه وموصى له بالمنفعة ومنذور له بها ، أو مما لا يعرض عنه غالباً لكثرته أو لعدم شيوعه في تلك الجهة ، فهو باق على ملك صاحب البذر قطعاً ، كما لو كان المحجور عليه مطلقاً ، فلو ادعى صاحب الأرض الإعراض فأنكر مالك البذر صدق بيمينه ، ثم إن لم تكن لصاحب البذر يد على الأرض فلصاحبها قطعه مجاناً لأنه لم يأذن فيه ، كما لو انتشرت أغصان شجرة في هواء ملكه فيجبر على إزالتها وتسوية الأرض بلا أجرة مدة التسوية لعدم تعديه ، فإن رضي صاحب الأرض ببقائه فالغلة لمالك البذر ، وإن كانت اليد حال نباته بإجارة ولو فاسدة أو إعارة أو مخابرة ولو باستصحاب ما كان عليه قبل فالبذر والحادث منه له ، ولو علم حدوث الزرع مما يزول عنه الملك بالإعراض ومما لا ولم يتميز كان مشتركاً بين مالكي البذر والأرض ، فلا يستقل أحدهما بالتصرف بلا إذن الآخر لعدم تحقق ملكه ، وهذا كما لو اختلط حمامهما أو انصبّ طعام أو مائع على مثله ، فيبيع أحدهما من صاحبه بشرط القطع ، أو يبيعا من ثالث بشرطه المعروف ، ولو اختلفا في أن البذر يسير يزول عنه الملك بالإعراض أم كثير راجعا عدلين خبيرين من كم يأتي هذا الزرع من الحب ، وليس هذا من الخرص الغير المتأتي في الزرع ، بل أمر مشاهد لمن له أدنى خبرة.

257

الأضحية والعقيقة والعتيرة

فائدة : عن ابن عباس رضي الله عنهما : "أنه يكفي في الأضحية إراقة الدم ولو من دجاجة وأوز" كما قاله الميداني ، وكان شيخنا يأمر الفقير بتقليده ويقيس على الأضحية العقيقة ، ويقول لمن ولد له مولود : عق بالديكة على مذهب ابن عباس اهـ باجوري.

(مسألة) : مذهب الشافعي ولا نعلم له مخالفاً عدم جواز التضحية بالشاة عن أكثر من واحد ، لكنها سنة كفاية عندنا ، بمعنى سقوط الطلب عن أهل البيت بفعل واحد لا حصول الثواب ، بل هي سنة لكل أحد ، والمراد بأهل البيت من تلزمه نفقته كما في النهاية ، نعم قال الخطيب و (م ر) وغيرهما : لو أشرك غيره في ثواب أضحيته كأن قال : عني وعن فلان أو عن أهل بيتي جاز وحصل الثواب للجميع ، قال ع ش : ولو بعد التضحية بها عن نفسه ، لكن قيد في التحفة جواز الإشراك في الثواب بالميت قياساً على التصدق عنه ، قال بخلاف الحيّ ولو ذبح شاة ونوى بها الأضحية والعقيقة أجزأه عنهما قاله (م ر) وقال ابن حجر : لا تتداخلان.

فائدة : يكفي إخبار البائع بسن الأضحية إن ولدت عنده ، وإلا فيرجع لظنون أهل الخبرة ولو اشترى سبع بدنة للأضحية ، ثم إن مالك الباقي وقفه فلا سبيل إلى ذبحها ، بل لو لم يقفه لم يجبر على الذبح ولا على البيع للناذر اهـ فتاوى بامخرمة.

(مسألة : ب) : ظاهر كلامهم أن من قال : هذه أضحية أو هي أضحية أو هدي تعينت وزال ملكه عنها ، ولا يتصرف إلا بذبحها في الوقت وتفرقتها ، ولا عبرة بنيته خلاف ذلك لأنه صريح ، قال الأذرعي : كلامهم ظاهر في أنه إنشاء وهو بالإقرار أشبه ، واستحسنه في القلائد قال : ومنه يؤخذ أنه إن أراد أني أريد التضحية بها تطوعاً كما هو عرف الناس المطرد فيما يأخذونه لذلك حمل على ما أراد ، وقد أفتى البلقيني والمراغي بأنها لا تصير منذورة بقوله : هذه أضحيتي بإضافتها إليه ، ومثله : هذه عقيقة فلان ، واستشكل ذلك في التحفة ثم ردّه ، والقلب إلى ما قاله الأذرعي أميل.

(مسألة : ب) : اعتمد ابن حجر في الفتح عدم جواز التضحية بالحامل وإن زاد به اللحم لأنه عيب ، واعتمد أبو مخرمة جوازه إن لم يؤثر الحمل نقصاً في لحمها ، ومال إليه في القلائد قال : والظاهر المنع بظهور النقص وإن لم يفش ، وبه أخذ السمهودي وهو وجيه.

(مسألة) : قال أبو حنيفة : تجوز التضحية بالمقطوعة الأذن إن قطع أقل من الثلث ، بل قال أبو يوسف : أقل من النصف ، قال البغوي : وكان القاضي حسين يفتي به لتعذر وجود صحيحة الأذن ، قال الأذرعي في شرح المنهاج : نعم يتنبه لدقيقة وهي أن أبا حنيفة قائل بعدم جواز التضحية آخر يوم في أيام التشريق ، فمن أراد تقليده في المقطوعة الأذن فليلتزم مذهبه في هذا كسائر شروط التقليد المتقدمة.

(

مسألة) : يجب التصدق في الأضحية المتطوّع بها بما ينطلق عليه الاسم من اللحم ، فلا يجزي نحو شحم وكبد وكرش وجلد ، وللفقير التصرف في المأخوذ ولو بنحو بيع المسلم لملكه ما يعطاه ، بخلاف الغني فليس له نحو البيع بل له التصرف في المهدي له بنحو أكل وتصدق وضيافة ولو لغني ، لأن غايته أنه كالمضحي نفسه ، قاله في التحفة والنهاية ، وجوّز (م ر) أن يكون المراد بالغني من تحرم عليه الزكاة ، قال باعشن : والقول بأنهم أي الأغنياء يتصرفون فيه بما شاءوا ضعيف وإن أطالوا في الاستدلال له.

فائدة : قال في التحفة في مبحث العقيقة : نعم ما يهدى هنا لغني يملكه ملكاً تاماً ويتصرف فيه بما شاء وبحث فيها كالفتح حصول سنة العقيقة قبل انفصال الولد لكن بعد نفخ الروح اهـ حاشية الكردي. وسن طبخ العقيقة ولو منذورة بحلو ، نعم رجلها اليمنى من أصل الفخذ تعطاها القابلة نيئة اهـ تحفة وشوبري. وبحث الزركشي كالأذرعي أنه يتصدق بلحم المنذورة نيئاً ، ونظر فيه في شرح الروض ، وبحث بعض علمائنا من الأولياء عدم كراهة تكسير عظام العقيقة تفاؤلاً بأن المولود يكسر عظام أهل الشرك والبدعة.

فائدة : قال ابن حجر ومثله ش ق : لا تستحب العقيقة كالتسمية عن السقط إلا إن نفخت فيه الروح ، إذ من لم تنفخ فيه لا يبعث ولا ينتفع به في الآخرة اهـ.

فائدة : قال في التحفة : العتيرة بفتح المهملة وكسر الفوقية وهي ما يذبح في العشر الأول من رجب ، والفرع بفتح الفاء المهملة والراي وبالعين وهو ما يذبح أوّل نتاج البهيمة رجاء بركتها مندوبتان لأن القصد التقرب إلى الله تعالى بالتصدق بلحمهما ، فلا يثبت لهما أحكام الأضحية كما هو ظاهر اهـ. وأفتى أحمد الشهيد بأفضل بأن الذبح أوّل رجب سنة مأثورة ، ونص على ندبها الشافعي وغيره ، ووقت ذبحها العشر الأول وتسمى الرجبية والعتيرة اهـ.

258

الأطعمة

(مسألة : ك) : قال في التحفة : حيوان البحر ما يعيش فيه بأن يكون عيشه خارجه عيش مذبوح أو عيش حي لا يدوم اهـ. والذي يظهر أن مراده بعدم دوام حياته ، إما لأن تكون حياته في البر كحياته في البحر بحيث لو زادت في البحر على حياته في البر يصدق عليه أنه لم تدم حياته في البر.

فائدة : روي عن سيدنا عمر رضي الله عنه أن جرادة وقعت بين يديه فإذا مكتوب على جناحها بالعبرانية : "نحن جند الله الأكبر ولنا تسع وتسعون بيضة ولو تمت المائة لأكلنا الدنيا وما فيها" اهـ حياة الحيوان. وأفتى ابن حجر بجواز إحراق الجراد لأكله كأكله حياً اهـ.

(مسألة : ش) : ركز أعواداً في جانب البحر و ترك منها قدر الباب ليدخل الصيد ، وجعل عليه شبكة ملك الصيد الداخل ذلك الموضع بشرط أن لا يكون لأحد على المكان يد بنحو سده ، وأن يكون ضيقاً بحيث يسهل أخذ الحوت منه وإلا فمتحجر يكون أحق به من غيره ، وهذا كما يملك الصيد ببطلان عدوه أو طيرانه أو إلجائه لمضيق لا ينفلت منه ولو مغصوباً ، وكذا واسع إن كان ملكه ولم يكن محرماً.

(مسألة : ك) : روى أبو داود "أنه نهى عن قتل أربع من الدواب : النملة والنحلة والهدهد والصرد" والمعروف حمل النهي على النمل الكبير السليماني الطويل الذي يكون في الخراب فيحرم قتله على المعتمد ، إذ الأصل في النهي التحريم ، وخروجه عنه في بعض المواضع إنما هو بدليل يقتضيه ، أما النمل الصغير المسمى بالذر فيجوز بل يندب قتله بغير الإحراق لأنه مؤذ ، فلو فرض أن الكبير دخل البيوت وآذى جاز قتله اهـ. قلت : ونقل العمودي في حسن النجوى عن شيخه ابن حجر أنه إذا كثر المؤذي من الحشرات ولم يندفع إلا بإحراقه جاز اهـ.

فائدة : نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما أن في كل رمانة حبة من رمان الجنة ، ونقل الدميري أنه إذا عدت الشرفات التي على حلق الرمانة ، فإن كانت زوجاً فعدد حب الرمانة زوج وعدد رمان الشجرة كذلك ، وإن كان فرداً فهما فرد اهـ ق ل. وورد في حديث إسناده قوي أن الباذنجان لما أكل له. وقال الإمام محمد الباقر : الباذنجان شجرتنا أهل البيت ، أي موافق لطبائعنا ومزاجنا ، اهـ من الغرر في مناقب بني علوي. ورد عنه عليه الصلاة والسلام : "تفكهوا بالبطيخ وعضوه فإن ماءه رحمة وحلاوته حلاوة الجنة ، فمن أكل لقمة منه كتب الله له سبعين ألف حسنة ومحا عنه سبعين ألف سيئة ورفع له سبعين ألف درجة" اهـ من كتاب البركة للحبيشي.

فائدة : قال في التحفة : وينبغي للإنسان أن يتحرى في مؤنة نفسه وممونه ما أمكنه ، فإن عجز ففي مؤنة نفسه ، ولا تحرم معاملة من أكثر ماله حرام ولا الأكل منه ، وتردد البغوي في شاة غذيت بحرام ، ورجح ابن عبد السلام والغزالي عدم الحرمة وإن غذيت عشر سنين لحل ذاتها وإنما حرم لحق الغير اهـ. ولو مسخ آدمي بقرة. قال الطحاوي : حلّ أكله ، وقضية مذهبنا خلافه ، ونقل عن المزجد حرمته عملاً بالأصل اهـ شوبري.

(مسألة) : شجرة تقطع في بعض الجهات ، فيطلى عليها أبوال الإبل وأرواثها ثم تغلى في طشت حتى تنضج ثم يزال ما عليها من أثر النجاسة وتؤكل ، فإن غسلت حتى لم يبق على ظاهرها شيء من وصف النجاسة ولم تضر بعقل ولا بدن حل أكلها ، وإن تشربت النجاسة كما لو نقع حب أو أغلي لحم في بول فيكفي غسل ظاهرهما فقط.

(مسألة : ش) : يحرم تناول البنج القيبي وهو نبت يوجد بجبال مكة قليله وكثيره لأن جنس ذلك يخدر ، أما الأفيون والحشيشة والعنبر والزعفران وجوزة الطيب فيحرم الكثير من ذلك بحيث يخدر غالب الناس منه غالباً ، وإن فرض أن هذا الشخص لا يخدره ذلك القدر بخلاف القليل من ذلك ، ومن قال إن الجوزة لا تخدر فهو جاهل أو متجاهل ، وأما الجوز المذكور في باب الربا مقروناً باللوز فهو القعقع يكسر فيوجد وسطه أربع زوايا فيها لبّ يشبه في طعمه اللوز له دهن كاللوز.

(مسألة : ك) : قال : لم يرد في التنباك حديث عنه ولا أثر عن أحد من السلف ، وكل ما يروى فيه من ذلك لا أصل له ، بل مكذوب لحدوثه بعد الألف ، واختلف العلماء فيه حلاً وحرمة ، وألفت فيه التآليف ، وأطال كل في الاستدلال لمدعاه ، والخلاف فيه واقع بين متأخري الأئمة الأربعة ، والذي يظهر أنه إن عرض له ما يحرمه بالنسبة لمن يضره في عقله أو بدنه فحرام ، كما يحرم العسل على المحرور والطين لمن يضره ، وقد يعرض له ما يبيحه بل يصيره مسنوناً ، كما إذا استعمل للتداوي بقول ثقة أو تجربة نفسه بأنه دواء للعلة التي شرب لها ، كالتداوي بالنجاسة غير صرف الخمر ، وحيث خلا عن تلك العوارض فهو مكروه ، إذ الخلاف القوي في الحرمة يفيد الكراهة.

(

مسألة) : التنباك معروف من أقبح الحلال إذ فيه إذهاب الحال والمال ، ولا يختار استعماله أكلاً أو سعوطاً أو شرباً لدخانه ذو مروءة من الرجال ، وقد أفتى بتحريمه أئمة من أهل الكمال كالقطب سيدنا عبد الله الحداد والعلامة أحمد الهدوان ، كما ذكره القطب أحمد بن عمر بن سميط عنهما وغيرهم من أمثالهم ، بل أطال في الزجر عنه الحبيب الإمام الحسين ابن الشيخ أبي بكر بن سالم وقال : أخشى على من لم يتب عنه قبل موته أن يموت على سوء الخاتمة والعياذ بالله تعالى. وقد أشبع الفصل فيه بالنقل العلامة عبد الله باسودان في فيض الأسرار وشرح الخطبة وذكر من ألف في تحريمه كالقليوبي وابن علان وأورد فيه حديثاً ، وقال الحساوي في تثبيت الفؤاد من كلام القطب الحداد أقول : ورأيت معزواً لتفسير المقنع الكبير قال النبي : "يا أبا هريرة يأتي أقوام في آخر الزمان يداومون هذا الدخان وهم يقولون نحن من أمة محمد وليسوا من أمتي ولا أقول لهم أمة لكنهم من السوام" قال أبو هريرة : وسألته : كيف نبت ؟ قال : "إنه نبت من بول إبليس ، فهل يستوي الإيمان في قلب من يشرب بول الشيطان ؟ ولعن من غرسها ونقلها وباعها" . قال عليه الصلاة والسلام : "يدخلهم الله النار وإنها شجرة خبيثة" اهـ ملخصاً اهـ. ورأيت بخط العلامة أحمد بن حسن الحداد على تثبيت الفؤاد : سمعت بعض المحبين قال : إن والدي يشرب النتن خفية وكان متعلقاً ببعض أكابر آل أبي علوي ، فلما مات رأيته فسألته : ما فعل الله بك ؟ قال : شفع فيَّ فلان المتقدم إلا في التنباك فهو يؤذيني وأراني في قبره ثقباً يجيء منه الدخان يؤذيه وقال له : إن شفاعة الأولياء ممنوعة في شرب التنباك. وقال لي بعضهم : رأيت والدي وكان صالحاً لكنه كان ينشق التنباك ، فرأيته بعد موته قال : إن الناشق للتنباك عليه نصف إثم الشارب فالحذر منه اهـ. وقال الولي المكاشف للشريف عبد العزيز الدباغ : أجمع أهل الديوان من الأولياء على حرمة هذا النتن الخ.

فائدة : قال السيوطي في الأشباه والنظائر : قال بعضهم مراتب الأكل خمس : ضرورة ، وحاجة ، ومنفعة ، وزينة ، وفضول. فالضرورة بلوغه إلى حدّ إذا لم يتناول الممنوع هلك أو قارب وهذا يبيح تناول الحرام. والحاجة كالجائع الذي لو لم يجد ما يأكله لم يهلك غير أنه يكون في جهد ومشقة وهذا لا يبيح الحرام. والزينة والمنفعة كالمشتهي الحلوى والسكر والثوب المنسوج بالحرير والكتان. والفضول كالتوسع بأكل الحرام والشبهات.

260

الأيمان

(مسألة : ك) : الحلف بغير الله تعالى لا يكون كفراً إلا إن قصد الحالف تعظيم ذلك الغير كتعظيم الله تعالى ، وعليه حمل خبر : "من حلف بغير الله تعالى فقد أشرك" وحيث لم يقصد ذلك فالمعتمد الكراهة.

(مسألة : ك) حلف لا يسكن أرض فلان فزال ملكه عنها أو بعضها لم يحنث بسكناها حينئذ ، إلا أن يريد أيّ أرض جرى عليه ملكه أو أشار إليها في الحلف فيحنث بالإشارة ما لم يرد ما دام ملكه فلا يحنث بعد زواله أيضاً.

(مسألة : ك) : حلف لا يدخل مكان كذا وقد قصد منع نفسه فدخله ناسياً فظن أنه حنث بذلك فدخله عامداً ثانياً وثالثاً لم يحنث بدخوله المذكور اعتماداً على الحنث بدخوله الأوّل ناسياً مطلقاً عند (م ر) وقال ابن حجر : لا بد من وجود قرينة ، وهذا كما لا يحنث لو فعله جاهلاً أنه المعلق عليه أو مكرهاً ولو بحق لكن لا تنحل اليمين على المعتمد ، نعم إن قصد التعليق بمجرد الفعل وكذا إن أطلق خلافاً لـ (م ر) حنث بالدخول مطلقاً.

(مسألة : ش) : حلف لا يكلم أباه أو غيره ، فإن كان القصد ردعه عن نحو المعصية وارتكاب مفسق جاز ، بل قال القرطبي : إن الهجر لأجل المعصية والبدعة واجب أي متأكد استصحابه حتى يتوب ، وإذا جاز مكافحة نحو الأب بكسر العود المحرم ، وإراقة المسكر ، وردّ المغصوب ، فترك مكالمته أولى ، وإن كان لغير ذلك فيحرم فوق ثلاث لا دونها مطلقاً ، نعم نقل عن ابن العماد حرمة هجر الوالد ولو دون ثلاث ووجهه ظاهر ، وإذا حرم الهجر لزمه الحنث بالتكليم ويكفر ، فلو أكرهه قاض على التكليم لم يحنث بما به الإكراه ، كما لو أكره على كلام غيره الذي ليس بواجب فلا حنث أيضاً لأنه إكراه بباطل لكن اليمين بحالها ، فلو زاد على ما أكره عليه حنث ، ولا يجوز التحكيم في ذلك خلافاً لما توهمه عبارة التحفة.

فائدة : حلف لا يلبس شيئاً حنث بلبس الخاتم لأنه يسمى لبساً في العرف اهـ ع ش. وقال الفشني : وجعل صاحب الكافي من لغو اليمين ما إذا دخل على صاحبه فأراد أن يقوم له فقال : لا والله وهو مما عمت به البلوى اهـ.

فائدة : حلف لا يخرج إلا بإذنه ، فأذن له بحيث لا يسمعه لم يحنث بخروجه وإن ظن عدمه اعتباراً بما في نفس الأمر اهـ فتح ، وفيه تتمة الغداء والعشاء أن يأكل فوق نصف الشبع ، ووقت الأوّل من الفجر إلى الزوال ، والثاني من الزوال إلى نصف الليل ، ثم منه إلى الفجر سحوراً ، والغدوة من الفجر إلى الاستواء ، والضحوة من زوال وقت الكراهة بعد الطلوع إلى الاستواء ، والصباح من طلوعها إلى الارتفاع.

261

النذر

فائدة : قال في النهاية : والأصح أنه يعني النذر في اللجج مكروه وعليه يحمل إطلاق المجموع ، وغيره قال : لصحة النهي عنه ، وفي التبرر عدم الكراهة لأنه قربة سواء المعلق وغيره إذ هو وسيلة لطاعة اهـ ، ومثلها التحفة قال : ومن ثم أثيب عليه ثواب الواجب اهـ.

261

شروط النذر وما ألحق بها

(مسألة) : شرط النذر الإسلام والاختيار وإطلاق التصرف إن كان بمال معين ، فيصح نذر سفيه عبادة ، وكذا بمال في الذمة كما في النهاية.

(مسألة : ب) نذرت امرأة لولديها بجميع ما تملكه وتحملا لها بنفقتها مدة حياتها ، فإن كانت حال النذر مكتسبة قوية على الكسب أو تصبر على الإضاقة جائزة التصرف صح نذرها ، وإلا لم يصح بالجميع ، وإن تحمل الولدان بالنفقة وإذ صح النذر بشرطه ، فلو مات أحد الإبنين لم يلزم وارثه شيء لأنه لم يلتزم شيئاً في عين ماله وقد خربت ذمته بالموت.

(مسألة) : خطبت فعضلها وليها إلا أن تنذر له بكذا فنذرت فالنذر باطل اهـ بامخرمة.

(مسألة : ب) تواطأ هو وزوجته على أن تنذر له بجميع ما انجرّ لها من الإرث في أبيها وينذر لها في قبل ذلك بثلاثمائة قرش ، فإن صدر النذران منهما حالة الاختيار ونفوذ التصرف والعلم بمعنى النذر ولو من وجه كأن يعلما أنه نوع عطية صحا ، وإن كان المنذور به مجهولاً وغائباً وغيره مقدور عليه ويلزم كلاّ ما التزمه لتنجيزه ، وليس لأحدهما الرجوع عنه ولا إبطاله.

(مسألة) : ادعت أنه نذر لها بناقتين فأنكر صدق بيمينه ، نعم إن أقامت بينة ولو شاهداً ويميناً ثبت ، كما لو نكل عن اليمين فحلفت المردودة ولا تمكن إقامة البينة من الناذر بعدم النذر لأن ذلك نفي غير محصور كما هو ظاهر ، فحينئذ يجيء التعارض هنا.

فائدة : نذر أن لا يقرأ إلا متطهراً لم ينعقد نذره ، إذ معناه عدم القراءة إذا كان محدثاً وليس ذلك قربة ، وبتقدير انعقاده هو لم يلتزم القراءة إذا كان متطهراً ، فقراءته مع الحدث لم تفوّت شيئاً التزم فعله حتى يستقر في ذمته ، فحينئذ يشرع له سجود التلاوة ولمن سمعه اهـ ع ش.

(مسألة : ش) : نذر صوم سنة مطلقة ، كلله عليّ صوم سنة سنّ له الشروع في صومها عقب النذر وتتابعها ، وتكفيه هلالية حيث تابعها أو فرقها بالأشهر ، وإلا كمل كل منكسر بأن ابتدأ أثناءه ثلاثين كشوّال والحجة وإن ابتدأ من أوّلهما ، ويقضي رمضان بشهر هلاليّ أو ثلاثين يوماً ، وخمسة أيام عن العيدين وأيام التشريق ، أو معينة كسنة خمس وتسعين ، أو سنة من أوّل شهر كذا أو من الغد لم يجب قضاء رمضان والأيام الخمسة ، فإن نذر التتابع فيهما وكذا إن نواه على ما في الإرشاد والعباب لزمه وانقطع بما ينقطع به صوم الكفارة ، لكن لا يلزمها قضاء أيام الحيض مطلقاً في الأظهر أو هذه السنة أو السنة كفاه باقيها إلى المحرم ، أو السنة التي يقدم فيها زيد فقدم قبل فجر أوّل يوم من المحرم أو بعده وقد بيت النيَّة بظن قدومه صامها أو أثناءها أو آخرها ، لزمه قضاء يوم القدوم وصوم ما بعده إلى آخرها ، وفي قضاء ما سبق منها الخلاف المشهور.

(

مسألة : ب) : رأت أن أخواتها غرقوا فقالت : إن سلم أخواتي فلله عليّ صوم سنة كاملة لزمها صوم ثلاثمائة وستين يوماً ولو متفرقة في سنين ، ولا يجزئها الإطعام ما دامت قادرة على الصوم ، ولا يمنعها الزوج حينئذ اهـ. قلت وقوله : ولا يمنعها الزوج في الإرشاد وله منعها من صوم نذر مضيق أو موسع تأمل.

(مسألة : ب) : نذر أن يبني مسجداً بمحل كذا صح نذره ، ولا يجزئه البناء في غير ما عينه لاختلاف الأغراض باختلاف المحالّ كما أفتى به ابن حجر وغيره.

(مسألة) : وكله جماعة يشتري لهم طعاماً من بلدة فلقي بها آخر معه طعام ، فتوافقا على أن ينذر له بمائة جزلة من الطعام ، وينذر له الوكيل بمائة قرش بذمته ثم تناذرا ، كذلك صح النذران ولزم الوكيل تسليم المائة من ماله وكان الطعام ملكه ، نعم لو نذر له بمائة معينة من دراهم موكليه لم يصح نذره إذا لم يأمروه بالنذر ، بل وإن أمروه بذلك لعدم صحة التوكيل فيه ، كما لا يصح شرط المعاوضة ، كنذرت لك بشرط أن تنذر ، أو على أن تنذر لي بكذا ، أو في مقابلة نذرك بكذا ، إذ النذر لا يقبل العوض إلا من الله تعالى ، كما قاله ابن حجر وأبو مخرمة ، ولو قال : نذرت لك بهذا البعير في قبيل الناقة وقصد المعاوضة لم يصح أيضاً.

(مسألة : ب) : تواطأ اثنان على أن يشتري أحدهما من الآخر طعاماً بدراهم مؤجلة وينذر له بخنجر ، فإذا أدى ثمن الطعام تحمل له الآخر بعهد الله أن يردّ له الخنجر بنذر ، ثم حصل منهما ذلك يصيغة صحيحة وقع من الشراء والنذر المذكورين صحيح يلزم العمل بمقتضاه ، فمتى حل الأجل لزم المشتري تسليم الثمن ، ويملك البائع الخنجر ملكاً تاماً ، وينبغي له الوفاء بالعهد الذي تحمله للناذر ، وهو ردّ الخنجر بعد تسليم الثمن ، فيرده بتجديد ملك بنذر أو هبة ونحوهما ، ثم لو ادعى ثالث أن الخنجر المذكور قد نذر له به صاحبه قبل هذا النذر بلغة مهرية حاصلها : نذرت لك بالخنجر قبيل خمسة قروش إلى أن يجيء السنبوق وتصادقوا على ذلك ، فهذا النذر باطل من وجهين : أحدهما أن الصيغة صيغة معاوضة أو شبهها وهي تنافي مقتضى النذر ، إذ هو يصان عن ذلك لأنه التزام قربة ، فاقترانه بصيغة المعاوضة يخرجه عن مقتضاه فيلغى. ثانيهما : أن قوله قبيل خمسة قروش الخ يقتضي توفيت النذر إلى مجيء السنبوق ، وهذا أيضاً ينافي النذر بالعين لأنها متى زالت عن ملك الناذر لم تعد إليه إلا بتمليك جديد.

(

مسألة : ب) : تواطأ هو ومقرضه على أن يقترض منه دراهم وينذر له بكذا في ذمته عن كل سنة ما دام الدين ، فأفتى جماعة بالصحة وخالفهم آخرون قالوا : لأن النذر حينئذ شبيه بالمعاوضة ، والطائفتان متكافئتان والاحتياط لا يخفى ، واستوجه ابن حجر في الفتاوى بأنه إن أتى بهذا النذر على قصد الوفاء بما تواطآ عليه لم يصح نذره ، لأن كل ما لو صرّح به أبطل إذا أضمر كره ، وحينئذ لا فرق بين كون الدائن فقيراً والداين حالاً وأن لا ، وإن قصد القربة والإهداء إلى المقرض كل سنة من غير أن يجعله في مقابلة مواطأة ولا غيرها صح النذر وإن أطلق ، فالذي يفهمه كلامهم الصحة اهـ. وعبارة ش : اشترى نخلاً ونذر بعد لزوم البيع للبائع بكذا وكذا تمراً كل سنة ما دام المبيع لم ينفسخ صح النذر ، ولم يبطل بموت الناذر ولا المنذور وله على المعتمد كما لو نذر المقترض بمنفعة أرضه مدة بقاء الدين ، نعم إن قصد بنذره التوصل إلى الربا بطل كما قاله شيخنا ابن حجر ، لا إن جعله في مقابلة ربح القرض أو اندفاع المطالبة بل أو أطلق على الأوجه اهـ. قلت وقال أبو مخرمة : نذر له بدينار كل شهر ما دام دينه بذمته ، فمات أحدهما انقطع بالنسبة لغير شهرموته لأن النذر يلزم بأوّله ، نعم لو نذر له بثمر بستانه عشر سنين لم ينقطع بموته. لو قال : مالي صدقة إن لم يكن الأمر كذا فبان خلاف قوله خير بين التصدق بماله وبين كفارة يمين اهـ.

(مسألة : ش) : باعه أرضاً ونذر له بعد لزوم البيع بكذا إن خرج المبيع مستحقاً لم يصح النذر ، كما أفتى به الغزالي وأقرّه في الروضة ، ثم إن خرج بعض المبيع مستحقاً رجع به من الثمن على بائعه وخير في الباقي إن جهل ، ولزمه أجرة المثل نقداً إن زرع الأرض لمستحقها ، إذ المنافع متقومة وقيم المتلفات النقد ، وإن كانت العادة أنهم لا يؤجرون الأرض إلا مشاركة ، كما أفتى به ابن عجيل وإن خالف بعضهم ، فإن تناذرا صح النذر ، وإن قال البادىء : إن نذرت لي بمتاعك نذرت لك بمتاعي ، ولو خرج بعض المنذور به أو كله مستحقاً بطل فيه وصح في الباقي ، ولا خيار ولا رجوع لأحدهما على الآخر.

(مسألة : ي) : باع أرضاً ثم نذر بها للمشتري ، فإن صح البيع بأن عرفا حدودها الأربعة ، فإن كان في زمن الخيار انفسخ البيع وصح النذر فيلزمه رد الثمن ، أو بعد زمن الخيار لغي النذر ، وإن لم يصح البيع صح النذر مطلقاً لصحته بالمجهول علم الناذر بطلان البيع أم لا.

(مسألة : ش) : ونحوه ك : اشترى داراً ونذر لبائعه أن يفسخ للبيع أو يقبله إن أتاه بمثل عوضه ، فإن وقع ذلك في صلب العقد أو زمن الخيار بطلا يعني البيع والنذر للنهي عن بيع وشرط ، ولأن الواقع في زمن الخيار كالواقع في صلبه أو بعده صحا ولزمه إما الإقالة أو الفسخ وإن لم يقيد الناذر مجيء البائع بكونه نادماً تغليباً للأصل وهو الندم ، هذا إن ندم البائع وكان المشتري يحب إحضار عوضه لأن ذلك نذر تبرر ، فإن لم يحب ذلك كان نذر لجاج ، وينبغي الاكتفاء بنذر الإقالة ، وإن استوت رغبة البائع في إحضار الثمن وعدمه ، فلو تصرف المشتري فيه طلب الإقالة مطلقاً أو بعدها ولم يندم البائع باعترافه أو بقرينة كحقارة المبيع في جنب الثمن ، أو كان النذر لجاجاً صح تصرفه وبطل النذر ما لم يعد إلى ملك المشتري ، ويصير بالتصرف في نذر اللجاج مختاراً للكفارة ، وهذا كما لو قال : إن شفى الله مريضي فعلي عتق هذا العبد ثم باعه قبل الشفاء ، وإن تصرف بعد طلب الإقالة المندوبة لم يصح تصرفه لأنه بالطلب المذكور تعين عليه الوفاء بها.

فائدة : اشترى سلعة ونذر لبائعها بالإقالة متى جاءه نادماً ، ثم مات البائع قبل طلب الإقالة فليس لوارثه طلبها حينئذ لتعليق الإقالة بمجيء البائع نادماً لا وارثه ، اهـ فتاوى أحمد الحبيشي.

(مسألة : ي) : قال لدائنه : نذرت لك بعبدي وانقطعت عن جميع الدعاوى التي لي عليك إن لم أوفك الدين ، فإن قيده بمدة كشهر أو حلول أجل أو نواه لزمه عند انقضاء الشهر أو الحلول ، وإن أطلق لم يلزمه إلا باليأس من الوفاء وهو بقاء الدين قبل موت أحدهما بزمن لا يسع الوفاء ، ثم إذا لزم النذر في الصورتين فهو نذر لجاج يخير بين الوفاء به وكفارة يمين إن قصد حث نفسه على الوفاء ومنعها من تركه ، فإن قال رغبة في تركه وبقاء الدين بذمته فنذر تبرر يلزمه عند وجود المعلق عليه ، ولا يسقط عنه شيء من الدين ، وقوله : وانقطعت الخ كلام لغو فله الدعوى بما فيه دعوى.

(مسألة) : تناذرا بعيراً بعشرة رؤوس غنم ثم قال صاحبها : نذرت بمائة إن تخبث البعير يعني استحق للغير ، فقال : نذرت صح الكل ، وكان الأخير نذر لجاج فيما يظهر ، كما أفتى به عبد الله بلحاج ، وهو ظاهر كلام النهاية حيث قال في مبحث نذر اللجاج : والحال أن الفرق بين نذر اللجاج والتبرر أن الأوّل فيه تعليق بمرغوب عنه ، والثاني بمرغوب فيه ، ومن ثم ضبط بأن يعلق بما يقصد حصوله اهـ. نعم نقل الشيخان عن الغزالي فيما إذا نذر للمشتري بكذا إن خرج المبيع مستحقاً بأن ذلك لغو ، قاله في فتاوى ابن حجر ، وأفتى ابن مزروع بلزوم ما التزمه ، لأن ذلك نذر معلق على شرط ، فتحصل أن في المسألة ثلاثة آراء ، وإذا قلنا إنه نذر لجاج فيلزمه عند وجود الصفة وهو تخبث البعير ، إما كفارة يمين أو الوفاء بما التزمه وهو المائة ويفسرها بما أراد ، فإن ادعى المنذور له أنه أراد معيناً كالدراهم حلف أنه لم يردها ، وإذا التزم المعسر نذراً بقي بذمته.

(فائدة) : نذر أنه إن رزقه الله تعالى ولداً سماه بكذا هل ينعقد نذره ؟ والظاهر أنه إن نذر بما تستحب التسمية به كمحمد وأحمد أو عبد الله انعقد نذره ، وأنه حيث سماه بما عينه برّ وإن لم يشتهر ذلك الاسم وهجر اهـ ع ش .

(مسألة : ش) : ادعى الناذر أو وارثه اشتمال النذر على مبطل سمعت دعواه ، وإن كان بعد قبول وقبض المنذور له وثبوته لدى الحاكم ، فإن أقاما بينة أو أقر المدعي عليه أو نكل فحلف المردودة بعد نكوله حكم ببطلانه ، وإن حلف المدعى عليه نفي العلم بالمبطل أو نكل ولم يحلف المدعي المردودة فالنذر باق بحاله.

264

الصيغة

(مسألة : ش) : قوله : ألزمت ذمتي ، أو يلزمني ، أو لازم لي ، أو ألزمت نفسي ، أو أوجبت عليها ، صيغ نذر كما قاله القاضي مجلي وأقره في العباب وغيره ، كما أن نذرت لك صريح نذر خلافاً للرداد فيهما ، وفي التحفة أن أنذرت من العامي صريح.

(مسألة) : المعتمد أن نذر من صرائح النذر ، ولا فرق بين نذر لك أو عليك ، والأولى لمن أراد أن ينذر لغيره بمال أن يقول : لله علي أن أعطيك كذا ، أو هذا ، أو أتصدق عليك به ، قاله ابن حجر في فتاويه.

(مسألة : ش) : تساوما في بيع غائب ثم قال كل منهما لصاحبه : ألقني في مكان كذا ، فإن لم ألقك سلمت لك أجرة سيرك لذلك المحل لم يلزمه شيء لأنه وعد ، نعم إن التزم ذلك بنذر صحيح نحو : إن جئت إلى محل كذا فلم تلقني فلله عليّ أن أتصدّق عليك بكذا صح لأنه قربة ، إذ الجائي إلى ذلك المحل إذا لم يجد صاحبه تلحقه مشقة وخسارة ، فالتصدّق عليه حينئذ مندوب.

(مسألة : ي) : قال : إن شفاني الله من مرضي فأنا أريد أن أتصدّق أو تصدّقت بدراهم ، وإن قدمت من سفري أو زرت فلاناً الولي فأنا أذبح أو ذبحت شاة ، فإن نوى بجميع ذلك النذر صح ولزمه ما التزمه لأن ذلك كناية فيه ، لكن لا بد في الذبح من ذكر مصرف مباح فيه قربة أو نية ذلك وإلا لم ينعقد ، أما ما نذره من التصدّق فيصرف للفقراء والمساكين عند الإطلاق.

(مسألة) : تواطأ اثنان على أن ينذر أحدهما لأخيه بناقته ، وينذر له الآخر بناقته وعشرة قروش ، ثم قال الأوّل للثاني : نذرت لي الناقة والعشرة القروش ؟ فقال : نذرت ، وقال هو : وأنا نذرت ، لزم الأوّل ما نذر به وتواطأ عليه ، وكذا الثاني إلا إن ادّعى أني لم أرد بذلك شيئاً فيصدق بيمينه.

فائدة : سئل الشيخ زكريا عما يفعله بعضهم من قوله : إن حصل لي الشيء الفلاني فلك يا سيدي كذا فهل يلزمه ؟ فأجاب : بأنه لا يلزمه شيء بذلك إذ ليس فيه صيغة نذر اهـ.

(مسألة : ش) : تلفظ عامي بنحو نذر أو وقف أو طلاق ، ثم ادّعى أنه لا يعرف معناه أصلاً ، فهذا مدّع أنه لم يقصد لفظ نحو النذر بحروفه ، فينظر أيمكن ذلك لكونه أعجمياً أو بغير لغته وليس مخالطاً للعلماء ، فيصدق حينئذ بيمينه ويلغى أثر لفظه أم لا ، بأن عرف له معنى ولو حكماً من أحكامه حتى يصح قصد لفظه وإن جهل بقية معانيه ولا يصدق ، لأن اللفظ إذا صح استتبع آثاره وإن جهلها المتلفظ ، وعلى الأوّل يحمل كلام ابن عبد السلام ، وعلى الثاني كلام الزركشي اهـ. قلت : وافقه في التحفة.

265

المنذور له

(مسألة : ش) : النذر للنبيّ إن قصد به تمليكه لغي لكونه لميت إجراء على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أحكام الموتى في الدنيا ، وإن كانوا أحياء يصلون ويصومون ويحجون وتجري عليهم أعمال البرّ ، وإن أراد الصرف في مصالح الحجرة الشريفة أو تمليك الخدام صح وعمل بقصده ، وإن لم يقصد شيئاً عمل بالعرف والعادة المطردة حال النظر ، لأن ذلك منزلة الشرط فيه كالوقف ، فإذا كان عادة أهل بلدة أن رجلاً من أهل البيت يأتيهم لقبض نذور النبي فكأن الناذر نذر لذلك الرجل ، وإن جهل مراد الناذر ، ولا هناك عرف مطرد ، فالقياس صرفه لمصالح المسلمين ، فيدفعه للوالي العدل إن كان ، وإلا صرفه من هو تحت يده للمصالح الأهمّ فالأهمّ ، حتى في بناء مسجد إن لم يكن أهم منه اهـ. وعبارة (ك) النذر للولي إن كان بقصد تمليكه لغي ، وإلا اتبع فيه العادة الجارية في ذلك المحل إن انتفع به حيّ أو ميت من الصرف في عمارته ، وإعطاء القاطنين عنده ، والصرف في مصالحه ، ولا يتقيد بورثته وأقاربه ، ومن المعلوم أن الناذرين للمشايخ والأولياء لا يقصدون تمليكهم لعلمهم بوفاتهم ، وإنما يتصدقون عنهم أو يعطون خدامهم ، فهو حينئذ قربة ، لأن النذر عندنا لا ينعقد إلا في القرب والمندوبات التي ليست بواجبة.

(

مسألة) : أفتى بصحة النذر المقيد بالأشراف محمد بن زياد ، وفرق بينه وبين النذر المطلق ، ووافقه إبراهيم باغريب المكي وجماعة من العلماء المتقدّمين والمتأخرين. وعبارة (ي) النذر للأشراف أهل البيت النبوي صحيح بلا خلاف ، وأما ما يوجد في بعض المصنفات من أن النذر لا يصح لهم فليس على إطلاقه لأن النذر ثلاثة أقسام : الأوّل المطلق وهو كل نذر لم يقيده الناذر بصفة ولا بمعين كقوله : لله عليّ أن أتصدّق بألف. الثاني : المقيد بصفة الفقر أو المسكنة كلله عليّ ألف للفقراء أو أتصدّق بها على مساكين بلد كذا ، فهذان القسمان لا يصح صرفهما لبني هاشم والمطلب على المعتمد عند ابن حجر والخطيب و (م ر) وغيرهم ، وهما المراد بقولهم كالزكاة كل واجب كنذر وكفارة ودماء نسك ، وقال كثيرون بجواز صرف هذين القسمين لفقرائهم. الثالث : المقيد ببني هاشم والمطلب فهذا يصح لهم بلا خلاف عندنا ، فمتى قيد الناذر بأهل البيت بلفظه أو قصده أو اطرد العرف بالصرف لهم صح النذر ، سواء كان القيد خاصاً ذاتياً كفلان وبني فلان ، أو صفاتياً كعلماء بلد كذا وهم منهم ، ودليل صحة النذر المذكور على هذا التفصيل من عشرة وجوه : كون صلتهم قربة غير فرض عيني ، وكل قربة كذلك تجب بالنذر بلا خلاف ، وأن من المعلوم لمن له أدنى مسكة أن كل ما خص الشارع صرفه بأهل الزكاة كالنذر المطلق والمقيد بالفقراء حرام على أهل البيت كغيرهم ممن لا تحل له الزكاة كغني وذمي ، ومن تلزم الناذر نفقته ونحو المسجد ومالاً كالمقيد بغير الفقراء جائز لمن قيد به ما لم يكن معصية ، فحينئذ يحلّ لأهل البيت ومن بعدهم ما قيد بهم منه ، فقولهم كالزكاة كل واجب أي خصه الشارع بأهل الزكاة ، لا كالنذر المخصوص بهم فلا بد من هذا القيد ، وإنما تركوه لفهمه من كلامهم وعلمه بما فعلوه هنا من كون المقيد بوصف يجب أن يؤتى به بذلك الوصف ، إذ يلزم من ترك ذلك القيد فساد كبير ، وأن كلامهم هذا ليس في حكم انعقاد النذر ، بل في حكم نذر قد

انعقد وصح ، وفي النذر المطلق فهم من كلامهم التعميم حتى في المقيد مطلقاً كـ (ع ش) وغيره فهو فهم فاسد ، وانتقال من عدم جواز الصرف لأهل البيت من نذر قد انعقد إلى أن النذر لا ينعقد لهم ، وشتان ما بينهما ، وأن النذر المقيد بوصف غير مطلوب يصح الإتيان به بذلك الوصف ، وإن خالف حكم واجب الشرع كالنذر للغني والذمي كما مر ، وكنذر التضحية أو التصدّق بمعيب ، وكشرط الناذر خروجه من صلاة وصوم واعتكاف لحاجة ، وصرفه ما نذر التصدّق به لحاجته إن احتاجه ، وأن المقيد بوصف مطلوب يجب الإتيان به بذلك الوصف اتفاقاً ، وإن خالف واجب الشرع كنذر التصدّق على العلماء والأرحام ونحوهما ، فتقييد النذر بأهل البيت إن لم يكن من المطلوبات فليكن من الجائزات ، فكيف يعود التقييد بهم الذي هو في معنى الصلة التي حثّ عليها الحقّ جلّ وعلا ورسوله على النذر بالإبطال ؟ ما هذا إلا هوس وخبط ، وما في الإيعاب : لو نذر التصدق وأطلق لم يجز صرفه لغني وكافر ، وإن نذر لأهل المذمة لزمه على الأوجه ، ولا ينافيه عدم جواز وضع المنذور فيهم لأن ذلك في مطلق النذر اهـ. وما في حاشية المعجم للشيخ قش في حديث الصدقة على الآل قال : وأما النذر فإن كان على معين فيجوز ، كأن نذر لشريف فقد استحقه بموجب القربة ، وأما إذا نذر على الإطلاق كأن نذر أن يتصدق فإنه يجري به مجرى الواجب فلا يعطى الآل منه كما يؤخذ من كلام (م ر) اهـ ، فتأمل ذلك تعلم يقيناً أن القاعدة المذكورة صريحة في حرمة النذر المطلق فقط ، وأن كل عبارة صرحت بتحريم النذر عليهم مرادهم به النذر المطلق ، وما في فتاوى ابن حجر وأبي مخرمة وابن زياد وغيرهم من المسائل الكثيرة في صحة النذر للنبي عليه الصلاة والسلام والشيخ الفلاني الشريف ، وما في القاعدة المشهورة أن إعمال كلام المكلف ما وجد له محمل صحيح أولى من إعماله ، وأنها قد وقعت نذور لا تحصى لأهل البيت ورفعت إلى الحكام الورعين فحكموا بصحتها كما هو مشهور في سيرهم.

(

مسألة : ب) : نذر أو أوصى لأولاده الموجودين ومن سيوجد ، فالمعتمد الذي يُفهم من كلام التحفة في الوصية الصحة للمعدوم تبعاً للموجود ، وحكم النذر حكم الوصية ، واعتمد أبو مخرمة أنا نتوقف فيهما ، فإن حدث له أولاد تبين الصحة في قسط الموجودين فقط ، وإلا كان النذر والوصية باطلين ، وعليه لا يمتنع تصرف الناذر وورثة الموصي في المعين المنذورة أو الوصي بها ، لأنا لم نتحقق الاستحقاق ، ثم إن تبين الاستحقاق بطل التصرف في القدر الذي تبين استحقاقه اهـ. قلت : وأفتى عبد الله بن أحمد مخرمة وابن الطيب الناشري وأبو زرعة بالبطلان مطلقاً ، وأفتى ابن جمعان ومحمد بلعفيف بالصحة في نصفه قال : وهذا الذي ينبغي اعتماده والفتوى عليه ، لا سيما وقد مال إلى ترجيحه ابن حجر في فتاويه ووافقه (م ر) جازماً به وعبد الله بلحاج فضل اهـ فتاوى محمد باسودان.

(مسألة : ب) : اختلفوا فيمن نذر لبعض أولاده دون بعض ، فقال الفتى والرداد وابن زياد والقماط لا يصح إذ شرط النذر القربة وهذا مكروه ، كما صوبه النووي في تنقيح الوسيط ، نعم إن خصص لفضيلة زائدة يقتضيها التفضيل كذي حاجة وفضل صح ، ورجح ابن حجر وأبو مخرمة ويوسف المقري الصحة مطلقاً قالوا : إذ الكراهة لأمر خارج كصوم الدهر اهـ. قلت : وهذا كما ترى فيمن خص بعض أولاده ، أما لو نذر لبعض الورثة دون بعض مع اختلاف الجهة كمن نذر لأولاده دون أبويه أو زوجه فيصح باتفاق الجماعة ولو بقصد الحرمان خلافاً للقماط ، نعم لا يخلو عن كراهة خصوصاً إذ ظهر منه قصد الحرمان بل الحرمة باطناً فتنبه ، وعبارة (ش) نذرت لإخوتها بجميع ما جره الإرث إليها من أبيها من صامت وناطق صح النذر ، وإن صرحت بأن ذلك بقصد حرمان وارثها ، لكن فصل في (ي) فقال : نذر أو أوصى لبعض أولاده الصغار وزوجته في مقابل ما أعطى بقية الأولاد وما سقط عنده للزوجة فللمنذور لهم في أربع حالات : درجة الورعين الذين غلب عليهم الخوف وهو التنزه عنه بالكلية وعدم أخذه وإن طابت به الصدور. ودرجة العدول الأخيار التاركين للعار ، وهو أن يجمعوا الورثة ويعلموهم بأن الناذر فعل هذا في مقابلة ما معكم من العطايا وما انتفع به من مال الزوجة ، فإن طابت نفوسهم وإلا قسموه تركة ودرجة من غلب عليهم حب الفانية وقصرت هممهم ، لكن بقيت معهم مروءة وهو الصلح على البعض وإبطال البعض. ودرجة السفلة الحمقاء الأراذل المحبين جمع الحطام ولو بخرم المروءة والخصام ، وهو أن يطلبوا حكم الظاهر ويعرضوا على السرائر والضمائر ، نعم إن علمت الزوجة تحقيقاً أن لها عند الزوج شيئاً فلها الدعوى به.

فائدة : يعرف قصد الحرمان كما قاله ابن زياد في النذر القرائن الدالة على قصد الحرمان ، أو إقرار المدعى عليه أو نكوله وحلف المدّعي ، وحينئذ يأتي خلاف العلماء ، والوجه تخيير المفتي والقاضي اعتماد أيّ القولين كما قاله البصري ، وعندنا أننا نفتي بالتخيير ونقضي بما رأيناه راجحاً بالمصلحة والتوسط بالإصلاح فيما يجاذبه الاختلاف أصوب اهـ فتاوى الشيخ عبد الله بن أبي بكر الخطيب.

268

المنذور به

(مسألة) : يصح النذر بالمجهول والمعدوم والغائب ، فلو نذر بجارية بذمته فإن ثبت ولو بشاهد ويمين أنه وصفها بصفة وجبت بتلك الصفة ، وإلا حلف أنه لم يصفها ولزمه جارية ما ، كما أن وارثه يحلف على نفي العلم بذلك.

(مسألة : ب) : يصح النذر بالدين ولو لمسجد فيملكه المنذور له ، ما عدا قدر الزكاة على تعدد السنين الماضية إن وجبت فيه ولم يزكه الدائن ، فحينئذ متى قبض الناذر شيئاً منه لزمه إعطاؤه المنذور له بعد إخراج قدر زكاته ، ويبرأ المدين بتسليمه للمنذور له كنائب المسجد ، هذا إن كان نذر تبرر كنذر لجاج لم يختر الناذر كفارة اليمين ويأثم المدين بالمماطلة حيث لا عذر بنحو إعسار.

(مسألة : ش) : باع ربع نصيبه من أبيه ثم نذر بنصف ما ورثه من الأب ، فهذه من ذوات الحصر والإشاعة ، والأصح فيها وفي نظائرها الحصر فيما يملكه ، فيحصر النصف المنذور به في الثلاثة الأرباع الباقية ، فحينئذ يكون المنذور به ثلثي الباقي بعد الربع المبيع وهو نصف الجميع ، كما لو ملك نصف عبد فقال لآخر : بعتك نصف هذا العبد فينصرف إلى نصفه المملوك بكل الثمن ، ورجح البغوي الإشاعة ومحل الخلاف حيث لم يقصد أحدهما وإلا عمل بقصده اتفاقاً اهـ. قلت : وظاهره أنه يصدق بيمينه فيما قصده لو تنازعا ، ووافقه في التحفة قال : وألحقوا به الهبة والإقرار والوصية ، ورجح ابن زياد الإشاعة.

(مسألة : ش) : يصح النذر بالمرهون إن علق بصفة وجدت بعد انفكاكه أو معه وإلا فلا.

(مسألة) : ليس للوالد الرجوع في المنذور به المنجز لولده على المعتمد ولو طفلاً تحت حجره وإن لم يقبضه الولد ، بخلاف الهبة والعطية فيجوز الرجوع فيهما مطلقاً ، ما لم يزل ملك الولد عنهما وإن عاد إليه ، وبخلاف النذر المعلق ففيه الخلاف الآتي.

(مسألة : ي) : نذر لبعض بناته بالحلي الذي عنده ، ولبقية الأولاد بما معه من النقد نذراً معلقاً بقبل مرض موته بثلاثة أيام إن مات بمرض ، وبساعة إن مات فجأة ، صح النذران وتناول ما كان من النقد بملك الناذر يوم النذر لا ما حدث بعده ، إلا إن أراد دخول الموجود والحادث ، فإن لم يرده أو جهل قصده لم يدخل وفارق الوصية في أن اعتبار المال فيها بحال الموت لأنه وقت اللزوم فيهما اهـ. قلت : وقوله يوم النذر أي حال التعليق لا حال وجود الصفة المعلق عليها ، يعني الثلاثة الأيام واللحظة قبل الموت فليعلم.

(

مسألة : ب) : له أخوان لأبيه وابن أخ ، فنذر لابن الأخ بمثل نصيب أحد عميه نذراً معلقاً بقبل مرض موته بثلاثة أيام إن مات من مرض ، وبساعة إن مات فجأة ، فمات أحد العمين قبل الناذر ، ثم مات الناذر عن زوجة وأخ ، فأفتى بعضهم بأن المنذور له يستحق نصف الباقي بعد فرض الزوجة ، فتكون المسألة حينئذ من ثمانية : اثنان للزوجة ، وثلاثة للأخ الموجود ، وثلاثة لابن الأخ وأفتى آخر بأن العبرة بحال الموت ، فيأخذ المنذور له مثل الحي ، فتكون مسألتهم من سبعة : للزوجة واحد ، وللأخ ثلاثة ، ولابن الأخ ثلاثة. وأفتى ثالث بأنه يستحق مثل نصف أحد الأخوين الحي والميت بتقدير حياته ، إذ العبرة بحال النذر لا حال الموت ، فتكون المسألة من ستة عشر ، ووجه رجوعها لما ذكر أن أصلها من أربعة : للزوجة سهم وللعمين ثلاثة ، وللمنذور له سهم ونصف إذ هو مثل نصيب أحد العمين ، فإذا أخرجته بقي من التركة سهمان ونصف فحصل الكسر على جميع الرؤوس ، فتضرب في أصل المسألة تبلغ ستة عشر : للزوجة أربعة ، ولكل واحد من العمين والمنذور له أربعة ، فيأخذ المنذور له أربعة من رأس المال ، تبقى اثنا عشر تركة ، للزوجة ثلاثة والباقي للعم الموجود ، والذي يظهر لنا أن المعتمد بل الصواب هو هذا الأخير كما لا يخفى على الفقيه ، وفارقت هذه المسألة نظيرها من الوصية في بعض الأحكام لما فرقوا به بين النذر والوصية في جمل منها الالتزام في النذر حالاً بخلافها فإنه نيط الالتزام فيها بالموت ، ومنها توقفها على الإجازة فيما إذا كانت لوارث أو زاد على الثلث مطلقاً ولا كذلك ، وهو منها صحتها بالموجود والمعدوم والطاهر والنجس ، ولا كذلك هو في بعض الصور. ومنها أن الاعتبار بالمال بيوم الموت في الوصية على الراجح حتى يعرف قدر الثلث ، فيشمل كل ما حدث بين الوصية والموت ، ولا كذلك النذر فإنه إنما يعتبر ما كان موجوداً حال النذر فحسب ، ولو في النذر المعلق بما قبل مرض الموت فلا يتناول ما حدث بعده ، وإذ قد فرقوا في البابين

فيما هو المقصود فيهما وهو المال ففي التوابع أولى ، ولا فرق بين أن يأتي الناذر كالموصي بلفظ مثل كما هنا ، أو بحذفها فيقول بنصيب الخ ، ولا يشترط إرث العمين ولا أحدهما بالفعل ، بل الشرط عدم المانع من نحو كفر ورقّ ، نعم لو ادعى المنذور له أن الناذر أراد بنصيب أحد العمين حال الموت لا النذر سمعت دعواه لتحليف العم على نفي العلم اهـ ، وخالفه (ي ج) فقالا : لا شك في هذا النذر أنه نصيب معدوم مجهول لا تعلم جزئيته ولا كميته إلا بموت الناذر ، بصريح كلام التحفة والقلائد وفتاوى أبي مخرمة لأنه شبهه بمعدوم ، إذ لا نصيب للوارث ما دام مورثه حياً ، وإذا كان معدوماً حال النذر فالمنذور به معدوم ، كما لو نذر لزيد بمثل ما تأخذه الدولة ، فلا تمكن معرفة الملتزم إلا بعد أخذته الدولة منه شيئاً ، فإذا أخذه لزمه مثله للمنذور له ، فمتى مات الناذر أو أخذ الدولة وجب المنذور به لوجود الصفة ، زاد ي : وإذ قد تبين أن هذا النذر من النذر بالمعدوم المجهول الذي لا يوجد ولا يعلم إلا بموت الناذر واستحقاق أحد أخويه نصيباً من تركته ، وأنهم قاسوه على الوصية قياساً أولوياً ، تحققت أن القسمة واعتبار العدد هنا كما في الوصية ، فحينئذ تكون المسألة من سبعة : للزوجة سهم ، وللأخ ثلاثة ، ولابن الأخ ثلاثة ، إذ بموت الناذر وجد حق ورثته وهما زوجة وأخ ومسألتهما من أربعة ، ويزاد مثل ما للأخ للمنذور له ، فمن جعل المسألة من ثمانية مع عدم اعتبار الأخ الميت وجعل للزوجة الربع فقد أخطأ في عدم إدخال النقص عليها ، لما صرح به الفقهاء أنه إذا كان النذر أو الوصية بنصيب وارث فصحح مسألة الوارث ثم انظر ما خرج للوارث المشبه بنصيبه فيزاد مثل سهامه للموصى أو المنذور له ، فيلزم من ذلك إدخال النقص على جميع الورثة ، كما أن من اعتبر الأخ الميت وجعل المسألة من ستة عشر فقد أخطأ أيضاً من وجهين : اعتباره الأخ المذكور لما حققناه من عدم الاعتبار ، وجعله القسمة من ستة عشر إذا لحق فيها لو

قدرنا حياة الميت أنها تكون من أحد عشر أصلها أربعة ، واحد للزوجة وثلاثة للآخرين منكسرة عليهما ، تضرب اثنان في أصلها بثمانية ، اثنان للزوج وستة حصة الآخرين للأخ الموجود ، ويزاد ثلاثة كحصة أحدهما للمنذور له ، ولا خلاف في أن النذر يخرج من رأس المال ولا يحتاج إلى إجازة إذ هو منجز ، غير أن المقدار غير معلوم ، وأنه إنما يتناول ما كان من المال حال النذر لا حال الموت عكس الوصية.

(

مسألة : ب ك) : اختلف العلماء في جواز التصرف في النذر المعلق بصفة قبل وجودها ، فجوّزه الشيخ زكريا وتبعه (م ر) وأبو مخرمة ، ووافقهم ابن حجر في الإيعاب ، وموضعين من التحفة ، وموضع من الفتح ، وفي أحد جوابيه وأبو يزيد ، وقال في القلائد وهو الظاهر : وأفتى به ابن عجيل وعبد الله بلحاج والفتى والردّاد ، ويقوي ذلك بطلانه بموت الناذر قبل وجودها ، وممن أفتى بمنع التصرف عبد الله بن أحمد مخرمة وابن عبسين وابن زياد وابن حجر في بعض الفتاوى ، وعبد الله بن أبي بكر الخطيب ونقله عن التحفة اهـ. قلت : وعبارة التحفة : ولو علق النذر بصفة كإشفاء فهل يصح نحو بيعه قبل وجودها ؟ اختلف فيه المتأخرون ، والأوجه كما علم مما مر أوائل الباب عدم الصحة ، نعم إن بان عدم الشفاء كأن مات تبين صحة البيع ، وبهذا يجمع بين كلامهم اهـ ملخصاً.

(مسألة : ب) : ويبطل النذر المعلق بموت المنذور له قبل وجود الصفة ، فلو قال لولده : إن ختمت القرآن نذرت لك بكذا لشيء معلوم أو في الذمة ، اشترط أن يختم الولد في حياة الأب.

(مسألة ش) : نذر بمنفعة نفسه لكافر لم يصح مطلقاً وكذا لفاسق ، بما تحصل به مخالطة وإيناس لعدم القربة فيهما بخلافه بما لا تحصل بها ، كما يصح لغيرهما مطلقاً لترغيب الشارح في قضاء حاجات المسلم ، بل إن اتصف المنذور له بالمنفعة المذكورة بنحو علم مع الصيانة ، أو زهد أو شرف ، كان نفعه بنحو الخدمة من أعظم القرب ، وقد كان جرير البجلي يخدم أنساً في الصغر مع كونه أصغر سناً منه رضي الله عنهما ، نعم إن نذر الفاضل كذي علم وزهادة خدمة ذي دنيا لم يصح صيانة للعلم كما لا يخفى ، وحيث صح النذر فإن قيده بزمن معلوم تقيد به ، وإن أطلق بأن قال : نذرت بخدمتي أو بمنفعتي تأبد ، ويتناول كل خدمة تكون قربة بحيث لو نذرها بعينها صح نذره ، نعم يستثنى كل وقت لا يجب على الأجير العمل فيه.

(مسألة : ش) : نذر أو أوصى بمنفعة عين لشخص مدة حياته ، كان ذلك مجرد إباحة لزمت بالنذر أو الموت مع القبول لا تمليكاً ، فليس له إجارتها وإعارتها ، كما لو نذر له أن يسكن الدار أو يخدمه العبد ، وكذا باستخدامه على المعتمد ، فإذا مات المنذور له عادت للناذر ، فوارثه كالوصية بذلك ، بخلاف النذر بالمنفعة والخدمة والسكنى والركوب مع الإطلاق أو التقييد بمدة معلومة ، فيملكه المنذور له ويؤجر ويعير ويوصي به ويورث عنه ، وأما النذر والوصية بعين الشخص مدة معلومة كسنة فلغو ، لأن تأقيت الأعيان فاسد ومفسد ، بخلاف تأقيتها بمدة حياته فتصح ويملكها المنذور له أبداً كالمعمرى والرقبى للحديث الصحيح فيهما اهـ. وعبارة ب : نذر له بشيء أو وهبه مع الإقباض ، على أنه إن مات قبله رجع له صح بشرطه وملك المنذور له أو المتهب مؤبداً ولُغي الشرط كما في العمرى والرقبى ، فيصح عقدهما لا شرطهما ، كما أفتى به ابن حجر فيما لو أوصى لآخر بشيء وقال : إن مات قبل البلوغ عاد لوارثي ، وكما لو نذر له بكذا مدة حياته فيتأبد كما في التحفة.

فائدة : نذر بقطعة أرض محفوفة بأملاكه صح على الأوجه ، وللمنذور له المرور في أي جانب ما لم يتصل بملكه أو شاع ، فليس له المرور في ملك الناذر حينئذ فيما يظهر ، اهـ فتاوى ابن حجر.

(مسألة : ش) : نذر له ببطن سيل سابغ ينتفع به في أرضه ، فالمتبادر من ذلك أنه ما يزرع أو يغرس على السيل فينبت وينمو نموّ مثله ويجفّ بسبب جفاف رطوبته فينزل عليه ذلك حيث لم يرد غيره ، لأن نموّه بسبب سيل آخر ، ولولاه لكان قد جفّ ، لم يشمله النذر بل مدة النذر المجهولة انتهت بالجفاف المقدور ويعرف بالعادة ، فلو اعتاد نحو العطب بقاءه على ذلك السيل أربع سنين مثلاً بالنسبة إلى تلك الأرض فما بعدها لم يشمله النذر لكنه مغروس بحق ، إذ ليس فيه تقصير من المنذور له ، فحينئذ لا يكلف مالكه القلع ، بل يتخير مالك الأرض بين القلع بالأرش والإبقاء بالأجرة والتمليك بالقيمة ، وأما الزرع كالذرة فيتعين إبقاؤه إلى الحصاد أو القطع بلا أجرة.

271

باب القضاء

فائدة : حكم العرف والعادة حكم منكر ومعارضة لأحكام الله ورسوله ، وهو من بقايا الجاهلية في كفرهم بما جاء به نبينا محمد عليه الصلاة والسلام بإبطاله ، فمن استحله من المسلمين مع العلم بتحريمه حكم بكفره وارتداده ، واستحق الخلود في النار نعوذ بالله من ذلك اهـ فتاوى بامخرمة. ومنها يجب أن تكون الأحكام كلها بوجه الشرع الشريف ، وأما أحكام السياسة فما هي إلا ظنون وأوهام ، فكم فيها من مأخوذ بغير جناية وذلك حرام ، وأما أحكام العادة والعرف فقد مرّ كفر مستحله ، ولو كان في موضع من يعرف الشرع لم يجز له أن يحكم أو يفتي بغير مقتضاه ، فلو طلب أن يحضر عند حاكم يحكم بغير الشرع لم يجز له الحضور هناك بل يأثم بحضوره اهـ.

(مسألة : ب) : تولية القضاء أي الحكم بين الناس فرض كفاية ، يعني قبوله من متعددين صالحين من الإمام أو مأذونه أو من أهل الحل والعقد أو بعضهم برضا الباقين عند فقد الإمام بإيجاب ، كوليتك أو قلدتك القضاء ، وقبول لفظاً فوراً في الحاضر ، وعند بلوغ الخبر في غيره ، نعم اكتفى بعضهم بعدم الردّ ، ولا يجوز إخلاء مسافة العدوى عن قاض اهـ. وعبارة ي : إذا لم يكن للبلد سلطان ولا ذو شوكة نافذ التصرف ، لزم أهل الحل والعقد أن يولوا القضاء صالحاً له حسب الزمان والمكان ، ويلزمهم الاجتماع على من يولونه ، فلو خالف بعضهم فإن انحاز المولون بجانب نفذت توليتهم في جانبهم فقط تفريقاً للصفة إلا نفذت في الكل ، إذ المراد بأهل الحل والعقد من يتيسر اجتماعهم ، فالممتنع حينئذ لم يتيسر اجتماعه فلا يقدح في التولية ، ولا يشترط كون المولين المذكورين نافذي التصرف ، بل ولا بصفات العدالة حيث لم يمكن ذلك ، بخلاف ما لو صدرت التولية من سلطان أو ذي شوكة ، فلا بد أن يكون نافذ التصرف ومن اجتماع أرباب الشوكة فيما لو تعددت ، وإلا لم تصح إلا إن استقل بعضهم بجانب فتصح في جانبه فقط ، والفرق أن من شأن ذوي الشوكة قلتهم فيسهل اجتماعهم بخلاف غيرهم ، ويشترط الإيجاب في التولية لا القبول على الراجح ويستفيد ما خص به ، نعم إن قال : وليتك قضاء بلد كذا استفاد جميع ما يصلح للقاضي فيها ، ووليتك كعادة من قبلك استفاد جميع ما صحت التولية فيه لمن قبله ، ولا يكفي قول المولي هذا القاضي أو فلان القاضي وإن نوى به التولية اهـ. قلت : وقوله لا القبول خلاف ما مر عن ب ، وقوله : وإلا نفذت في الكل الخ خالفه أيضاً ب ش وعبارتهما نصب نفسه للحكم بين الناس من غير تولية ، أو ولاء أهل البلد من غير إذن الإمام مع وجوده ، أو قال له ذو الشوكة : توسط بين الناس مجرداً عن نية التولية أو بها ولم يقبل بناء على اشتراط القبول لم يصح كونه قاضياً ، كما لو قلده بعض أهل البلد بغير رضا الباقين ، نعم إن قلده أحد

جانبي البلد صح في حقهم فقط ، وإن توسط برضا الخصمين كان محكماً وحكمه معروف ، أو بغير رضاهما فحكمه باطل ، وقال الروياني : يفسق.

(

مسألة : ش) : محل ولاية الحاكم ما عين له ونهي عن الحكم خارجه ، فيحكم بمحل لا يقصر فيه المسافر ، فإن أطلق التولية كاقض بموضع أو في موضع أو محل أو جهة كذا دخل المعين ، وما دلت القرينة العرفية على إرادته من بساتين ومزارع وقرى حول ذلك المحل دون ما تدل عليه القرينة.

(مسألة : ي) : الذي يظهر أن الإيصاء بالقضاء من قاض لآخر لا ينفذ ولا تنعقد به ولاية القضاء ، لما صرحوا به من أن جهات تولية القضاء إنما نصب الإمام الأعظم أو ذي الشوكة أو أهل الحل والعقد فقط ، بل إن لم يأذن له من ولاه في الإيصاء لم يصح جزماً ، إذ لم يعهد في الشريعة أن من ولي أمراً بتولية غيره أن يولي غيره بإذن موليه إلا الإمام الأعظم ، فما في الأنوار والعباب من قياس القاضي عليه ضعيف ، إذ منصب الإمامة أعلى وأقوى من منصبه لاستقلاله ، ولهذا لا ينعزل بالفسق ، وتنفذ أحكامه ولو متغلباً ، ويجوز له الاستخلاف مطلقاً ، ولا ينعزل نوابه بموته بخلاف القاضي في الكل اهـ. قلت : وقوله بخلاف القاضي الخ نعم في عزل نوابه تفصيل يعلم من كلام التحفة وهو أنه إن قال : استخلف عني لم ينعزل بعزله وإن قال عنك أو أطلق انعزل اهـ.

(مسألة : ب) : ونحوه ي : شرط القاضي كونه أهلاً للشهادة مجتهداً عارفاً بأحكام الكتاب والسنة والقياس ، ولسان العرب لغة ونحواً وصرفاً وبلاغة ، وأقوال العلماء ، نعم قال ابن الصلاح : اجتماع ذلك كله إنما هو شرط للمجتهد المطلق الذي يفتي في جميع أبواب الفقه ، أما مقلد لا يعدو مذهب إمام خاص فليس عليه غير معرفة قواعد إمامه ، وليراع فيها ما يراعي المطلق ، ولا يجوز له العدول عن نص إمامه ، فإن ولى السلطان ولو كافراً أو ذو الشوكة شخصاً غير أهل للقضاء كمقلد جاهل وعبد وامرأة وفاسق لكن مع علمه بفسقه فيما يظهر ، قاله ابن حجر وجزم بعدم الفرق نفذت توليته للضرورة إن وافق الصواب ، وإن كان ثم مجتهد عدل على المعتمد لئلا تتعطل مصالح العباد ، أما لو لم يكن ثم صالح بأن تعذر أو تعسر نفذت تولية المقلد والفاسق قطعاً ولو من غير ذي الشوكة ، لكن يتعين تقديم الأمثل فالأمثل ، ولا ينعزلان حينئذ بزوال الشوكة اهـ. زاد ب : ويلزم قاضي الضرورة وهو من فقد فيه بعض الشروط بيان مستنده في سائر أحكامه إن لم يمنع موليه من بيانه ، ومثله المحكم بالأولى فلا ينفذ قولهما ، حكمنا بكذا من غير بيان لضعف ولا يتهما.

(مسألة ؛ ش) : القضاة المنصوبون من ولاة الشوكة إن تأهلوا للقضاء فذاك وإلا نفذ حكمهم للضرورة ولو فسقة ، نعم يجب على ذي الشوكة مراعاة الأقل فسقاً عند عمومه كنظيره من الشهود ، وحينئذ فإن حكم بموجب الكتاب والسنة والإجماع فهو عاص من حيث فقد بعض الشروط وهو العدالة ، وإنما لم ينظروا إليه من حيث تنفيذ الأحكام للضرورة وهو تعطيل الأحكام ، وإن حكم بما ينقض فيه قضاء القاضي فلا شك في عدم نفوذه وزيادة فسقه ، لا سيما إن أكل الرشوة وانهمك في المظالم ، ولا يكفر إلا إن استحل مجمعاً على تحريمه معلوماً من الدين بالضرورة.

(

مسألة : ي ش) : تعارض في القضاء فقيه فاسق وعامي دين ، فإن كان فسق الفقيه لحق الله تعالى اتجه تقديمه ، أو بنحو الظلم والرشا فالدين أولى ويراجع العلماء.

(مسألة : ك) : تشترط العدالة في نائب الحاكم كما تشترط فيه وفي نحو الوصي وينعزلون بالفسق ، وإن لم يعزلوا لزوال الأهلية لكن محله عند تيسر غيرهم ، فلو عدمت العدالة تعين تقديم أقلهم فسقاً ، إذ لا سبيل لجعل الناس فوضى ، وبحث في التحفة في قاض فاسق ولاه ذو شوكة مع علمه بفسقه أنه لا يؤثر إلا طروّ مفسق أقبح لأن موليه قد لا يرضى به.

(مسألة : ي) : إذا صحت ولاية الحاكم لم يجز عزله إلا لظهور خلل ، ككثرة الشكوى منه ، أو ظن ضعفه ، أو زوال هيبته من القلوب ، أو لمصلحة كوجود أفضل منه ، وكذا مساويه ودونه ، وفي توليته تسكين فتنة أو جمع كلمة ، فيجوز حينئذ للإمام كذي الشوكة وأهل الحلّ والعقد عزله ، فإن لم يكن خلل ولا مصلحة حرم ونفذ من الإمام وذي الشوكة لا من أهل الحلّ والعقد ، لأن ما أبيح لضرورة يقدّر بقدرها ، ولا يجوز الاعتراض على القاضي بحكم أو فتوى إن حكم بالمعتمد أو بما رجحوا القضاء به ، بل يجب منع المعترض الجاهل غير المتأهل للقضاء ، والفتوى عن الخوض في مسائل العلم ، وتعزيره إن لم يمتنع ، وإشهار أمره ، فإن صدر الاعتراض عن متأهل لم يعزر لأنه لم يقل ذلك إلا لشبهة قامت عنده ، نعم إن عرف الوالي عناده ولدده وأنه لا مطلب له إلا إبطال الأحكام الشرعية بلا شبهة زجره عن ذلك بعد مراجعة العلماء الورعين ، لأن كلام هذا العالم كقيام بينتين ، فالحكم بتجهيله من غير شهادة بذلك غلط.

(مسألة : ك) : طلب للحكم بينه وبين آخر فامتنع أثم ولم يكفر لكن يعزره الحاكم ، ونقل في التحفة أنه لا يجب الحضور إلا بطلب الحاكم لا الخصم إلا إن قال : لي عليك كذا فاحضر ، لا إن قال : بيني وبينك خصومة ، قال : وله وجه ولا إن وكل غيره فلا يجب الحضورحينئذ.

(مسألة : ش) : امتنع القاضي من سماع دعوى ثابتة أو سمع ، ولم يطلب من المدعى عليه الخروج منها من غير عذر أثم ، ولا يحكم بفسق لاحتمال أن له عذراً وإن لم يبينه ، وإذا امتنع عن الحكم بعد وجود مقتضيه بلا عذر دخل في حيز كاتم العلم الموعود بالإلجام إذ هو من كتم الفتوى.

فائدة : يحرم على القاضي تلقين المدّعي الدعوى والمدعى عليه الإقرار والإنكار ، وتجريه على اليمين ، والشاهد على الشهادة ، ومنعه منها وتشكيكه فيها ، وتعليمه كيفية الشهادة لقوّة التهمة ، فإن فعل اعتد بذلك ، قاله في النهاية ، وبحث في التحفة أن محله في شاهد مشهور بالورع والديانة وإلا لم يعتد بشهادته حينئذ.

(

مسألة : ش) : اشترى حانوتاً وأقام حجة بين يدي القاضي وسجل له بها ، ثم ادعى آخر أنه ملكه وأن البائع باع ما لا يملكه ، وأتى بالمشتري إلى القاضي المذكور ، فأظهر للقاضي السجل الذي بخطه فمزقه وقال : هذا باطل ، فإقدام القاضي على تمزيق الخط حرام ، ويلزمه غرم قيمته إن كان له قيمة ، وإن رأى ما يوجب التعزير على المشتري ، إذ لا يجوز عندنا بإتلاف المال على المعتمد ، ولو أخذه القاضي منه وأعطاه المدعي من غير حجة ، فإن أقرّ بأنه انتزعه ظلماً فهو آثم بذلك ، ويخشى عليه سوء الخاتمة ، ولا يحل لمدعيه أخذه ، وإن قال : أنا أعلم أنه له وقد حكمت بعلمي فليس لمشتريه اعتراض عليه ، ولا يرجع بثمنه على البائع لدعواه أن القاضي ظلمه ، والمظلوم لا يرجع على غير ظالمه ، بخلاف ما لو أخذه المدعي منه ببينة فيرجع ، ولا تقبل دعوى الجور ومتابعة الهوى على القاضي لأنه نائب الشرع ، نعم له بعد عزله إقامة بينة عليه تشهد أنه حكم بصحة البيع المذكور عند قاض آخر أو محكم بشرط رضاهما بحكم المحكم إلى فراغه.

(مسألة : ي) : أرزاق القضاة كغيرهم من القائمين بالمصالح العامة من بيت المال ، يعطى كل منهم قدر كفايته اللائقة من غير تبذير ، فإن لم يكن أو استولت عليه يد عادية ألزم بذلك مياسير المسلمين ، وهم من عنده زيادة على كفاية سنة ، ولا يجوز أخذ شيء من المتداعيين ، أو ممن يحلفه أو يعقد له النكاح ، قال السبكي : فما وقع لبعضهم من الأخذ شاذ مردود متأوّل بصورة نادرة بشروط تسعة ، ومعلوم أنه لا يجوز العمل بالشاذ.

274

وجوب الحكم بالراجح ونقض الحكم وانعزال الحاكم وحكم الخطوط

(مسألة : ب) : ليس للقاضي أو المفتي العدول عن نص إمامه ، فينقض حكم كل من خالف إمامه ، وألحق به في التحفة حكم غير متبحر ، بخلاف المعتمد عند أهل مذهبه ، ونقل ابن الصلاح الإجماع على أنه لا يجوز الحكم بخلاف الراجح في المذهب ، واعتمده المتأخرون كابن حجر و (م ر) وابن زياد والخطيب والمزجد وأبي مخرمة وأبي قشير والأشخر وغيرهم ، وصرّح به السبكي بل جعله من الحكم بغير ما أنزل الله تعالى ، لأنه أوجب على المجتهدين أن يأخذوا بالراجح ، وأوجب على غيرهم تقليدهم فيما يجب عليهم العمل به ، نص على ذلك في التحفة والنهاية والمغني ، ومعلوم أن المذهب نقل يجب أن يتطوّق به أعناق المقلدين حتى لا يخرجوا عنه ، وإن اتضحت مدارك المخالفين ، وحينئذ لا يجوز لحاكم ولا مفت العدول عن مرجح الشيخين النووي والرافعي ما لم يجمع من بعدهم على أنه سهو وأتى به ، بل لا يجوز العدول عن مرجح ابن حجر و (م ر) بل عن التحفة والنهاية ، وإن خالف بقية كتبهما ، كما نقل الكردي عن نص شيخه الشيخ سعيد سنبل ، ونقل أيضاً عن السيد العلامة عبد الرحمن بلفقيه ، أنه إذا اختلف ابن حجر و (م ر) وغيرهما من أمثالهما فالقادر على النظر والترجيح يلزمه ذلك ، وأما غيره فيأخذ بالكثرة ، إلا إن كانوا يرجعون إلى أصل واحد ويتخير بين المتقاربين ، قال : فتأمل قوله وغيرهما الخ ، وكيف لا يجوز الإفتاء بكلام الشيخ زكريا والخطيب اهـ. وذكر نحوه في (ي) وزاد : فالحق أن غير المتأهل كقضاة الزمان يتخير بين هؤلاء وكابن زياد وأبي مخرمة والمزجد وأضرابهم بشرط مجانبة الهوى والطمع ، والأولى بالمفتي أن ينظر ، فإن كان السائل من الأقوياء الآخذين بالعزائم أفتاه بالأشد ، وإن كان من الضعفاء فبالعكس ، ويقال مثله في القاضي ما لم يشرط عليه لفظاً أو عرفاً القضاء بقول معين منهم ، وتعارضهم في البحوث كتعارضهم في النقول ، نعم الغالب أن أهل مصر يعتمدون كلام (م ر) وغيرهم من سائر البلاد كلام ابن حجر ، وحينئذ إن كان حكم

الحاكم وقع بالمعتمد واجتمعت فيه الشروط ارتفع الخلاف ظاهراً إجماعاً وباطناً على المعتمد كما في التحفة والنهاية ، وكذا بالمرجوح الذي رجح المتأخرون القضاء به للضرورة ، كولاية الفاسق ، وكون الرشد صلاح الدنيا فقط ، وقبول شهادة الأمثل فالأمثل لعموم الفسق في الثلاث ، فلا ينقض قضاؤه بشرطه ، ويرتفع فيها الخلاف أيضاً كما قاله أبو مخرمة والأشخر وغيرهما.

(

مسألة : ي) : حكم حاكم من أهل المذاهب الأربعة بحكم مذهبه ، والحال أنه مخالف لمذهبه المحكوم له أو عليه نفذ ظاهراً ، وكذا باطناً إن كان ظاهر الأمر كباطنه ، ولو في محل اختلاف المجتهدين على المعتمد ، ولزم العمل بمقتضاه مطلقاً ، وصار الأمر متفقاً عليه ، ومن ثم حل للشافعي طلب الحكم من الحنفي بشفعة الجوار وإن لم يقلد أبا حنيفة ، لأن من عقيدة الشافعي أن النفوذ باطناً يستلزم الحل ، وجاز لقاض شافعي إمضاء ما أنهي إليه من أحكام مخالفيه.

(مسألة : ج) : صيغة بيع كتبها الحاكم وصورتها : باعت فلانة كذا حال كونها رشيدة على أولادها بعد صحة رشادتها شرعاً ، فاستمرت يد المشتري على البيع ، وشهد شاهدان بأن القاضي ثبت عنده ذلك ، فعلى الحاكم الثاني المشهود عنده بذلك الحكم به ، وإن لم يسم الحاكم الأوّل شهود رشادة الأم ، ولم يقل ثبت لديّ رشادتها ، هذا إن كان عدلاً عارفاً بشروط الحكم والثبوت لا غالب قضاة الزمان ، وإذا لزم الحكم بذلك لم تثبت دعوى الأولاد عدم رشادة الأم ، بل ولا إقرارها بذلك لحكم الحاكم بها ، والقاضي في هذا الزمان ليس عليه إلا الحكم بظواهر الأمور ، وخصوصاً إذا انضم إلى ذلك قرائن الأحوال ، كعدالة المشتري وتحرجه عن الحرام ، وشرائه بحضرة القاضي ، والحكم بصحة الرشادة ، وشهادة الشهود بذلك فلا ريبة حينئذ.

(مسألة : ش) : حكم الحاكم في مسألة ذات عول بعدمه نقض حكمه ، أي أظهر هو وغيره وجوباً إبطاله ، إذ ليس بصحيح حتى ينقض ، لما صرح أئمتنا أنه لا يجوز العمل أي فضلاً عن القضاء والإفتاء ، بخلاف ما رجحه الأئمة الأربعة ، بل نقل ابن الصلاح الإجماع على ذلك ، وقد اتفق الأربعة وغيرهم على ثبوت العول ، وحكي منعه عن ابن عباس ، وفي غير الأكدرية عن زيد رضي الله عنهم ، مع أن الذي استقر عليه رأي جمهور المتأخرين أن القاضي المقلد لو حكم بمرجوح مذهبه فضلاً عن الخارج عنه نقض ، كما قاله صاحب العباب والسبكي ، بل جعله من الحكم بغير ما أنزل الله تعالى يستحق فاعله أن يكون أحد القاضيين الهالكين المتوعدين بالنار في الحديث الصحيح ، ولو حكم بصحة الوصية للوارث من غير إجارة ، فإن كان يرى ذلك كزيدي ولاه ذو شوكة نفذ وإلا فلا ، نعم لو فرض أن نحو القاضي له أهلية الترجيح ورأى ترجيح غير الراجح في مذهبه بدليل جيد جاز ونفذ حكمه به لا بالشاذ منه مطلقاً وإن ترجح عنده ، وقال ابن الصلاح : لا يجوز لأحد في هذا الزمان أن يحكم بغير مذهبه وإن لم يخرج عن المذاهب الأربعة ، فإن فعل نقض لفقد الاجتهاد في أهل هذا الزمان ، وهذا في زمنه ، فما ظنك بهذا الزمان الذي لم يقم أهله بحق التقليد فضلاً عن الاجتهاد.

(

مسألة : ج) : أعتق عبداً ووعده بجارية أو ثمنها ، فلما دخل بعض البنادر طلب العتيق الجارية ، فاشترى المعتق جارية وأعطاه إياها ، فبقيت بيد العتيق يتصرف فيها حتى مات السيد عن ابن ، ومات الابن عن ورثة ، ثم مات العتيق ، فادعى ورثة الابن على وارث العتيق أن الجارية تركة السيد ، وادعى وارث العتيق أنها تركة مورثه ، وأقام شاهدين عند الحاكم بما ذكر ، فقال الحاكم للشاهدين : أتشهدان بأن السيد تلفظ بصيغة نذر أو هبة حال الإعطاء ؟ فقالا ، لا. فقال : هي تركة السيد ، فحكمه بذلك باطل من ثلاثة أوجه : أوّلها أن الحكم لم تتقدمه دعوى صحيحة ، إذ شرطها ذكر الانتقال إليهم ، فلا بد هنا من التصريح في الدعوى بأن السيد مات وخلفها تركة ومات ابنه وخلفها تركة أيضاً وإلا صارت الدعوى لغيرهم فلا تسمع. ثانيها : الظاهر أن مستند القاضي قول الشاهدين : لا نشهد أن السيد تلفظ بصيغة نذر ونحوه ، وهو شهادة على نفي غير محصور وهي غير مقبولة. ثالثها : أن القاضي عكس قالب الحكم ، فجعل البينة على صاحب اليد وهو الداخل ، والأصل في حقه اليمين ، فلا يعدل عنها ما دامت كافية ، وإنما البينة على المدعي وهو الخارج ، بل لو تعارضت البينتان لم تسمع بينة الداخل إلا بعد بينة الخارج ، والظاهر في هذه الجارية أنها ملك العتيق ووارثه ، ودعوى ورثة السيد عدم انتقال ملك مورثهم خلاف الظاهر فلا تسمع ، نعم لو ادعوا أن العتيق غصب الجارية مثلاً وأن مورثهم مات وهي تركة سمعت.

فائدة : قال الشيخ محمد باسودان : وقفت على حكم صدر من بعض القضاة في مال مشترك بين أخوين شائع ذائع حكم به لأحدهما فأبطلته ونقضته لأمور : الأوّل إجماله الحكم من غير شروطه المعتبرة ، وقد نص في التحفة والنهاية على صحة إجمال الحاكم إلا إن كان ثقة وأتى به الآن. الثاني : حكمه بأن المدعي لا يستحق ما ادعى به ، فهذا من الغلط الفاحش الذي لا يتعقل ، فحقه أن يقول لم يثبت ما ادعى به. الثالث : أن اليمين التي حلفها المدعى عليه لم تكن بطلب الخصم فلا يعتدّ بها حينئذ ، لأن شرطها طلب الخصم وتحليف القاضي والموالاة ومطابقة الإنكار. الرابع : تهوره في تعليله في رد شهادة المرقيين بقرب المسافة مع أن المدعي حاضر لديه ، فمن حقه أن يحلفه يمين التكملة بعد شهادة شاهده الأصيل الحاضر لديه ، وتعليله رد شهادة الأصيل بكونه لا يعرف المشهود به وهو لا يشترط معرفته للمشهود به كما صرحوا به. الخامس : صدور الحكم بغير حضور الخصم ، وهذا مما يخل بالحكم ويبطله ، لأنه من شروط الحكم كما صرح به في التحفة اهـ.

(

مسألة : ب) : ادعى قطعة أرض من بئر ملك للمدعى عليه مرتبة يده عليها من القطعة المذكورة فأنكره ، ثم اتفقا بحضرة رجل يدعي المعرفة أنه متى أتى المدعي بعدلين أن يقبلهما ، ثم أتى المدعي بخط من رجل ذكر فيه أن القطعة ليست من البئر المذكورة ولا أعلم لمن هي ، فتنازعا ثم حضر الرجل المتوسط وقال : قد شهد عندي فلان لحراث فاسق بترك الصلاة وغيرها وهذا الخط مقبول ، وفصل بينهما بإعطاء القطعة لمدعيها ففعله هذا قبيح بطل من أربعة أوجه وهي : أنه لا يصح حكم فضولي من غير تحكيم لفظاً وقبول ، وأن الشهادة بالخط من غير حضور الشاهد باطلة ، بل لو شهد هنا بما ذكره في خطه لم يكف ، لأنه لم يثبت للمدعي حقاً في الأرض ، وأن شهادة الفاسق غير مقبولة ، وإن قلنا بالمختار من قبول شهادة الأمثل فالأمثل عند عموم الفسق ، إذ ليس هذا من الأماثل ، وأنه لا بد لصحتها وصحة الحكم بها من حضور الخصم الغير المتعزز والمتواري.

(مسألة : ش) : لا يثبت بالخط إقرار ولو فرض أنه خط المقر ، أو قاض موثوق به على المرجح في المذهب ، فلو حكم قاض بالخط في نحو دين نقض حكمه ، لأن جواز اعتماد الخط قول شاذ ، فحينئذ للمدين الرجوع على المدعي وكذا على القاضي ، وإن كان المدعي موسراً حاضراً بالبلد.

(

مسألة : ك) لا يحتج بقوائم القسامة الممهورة بمهر القاضي حيث لم تشهد بما فيها بينة ، بل لا يجوز العمل بها لنفس كاتبها أو شاهد أو قاض إذا لم يتذكر الواقعة بتفصيلها ، وبه يعلم أن فائدة كتابة نحو الحجج والقوائم والتمسكات إنما هو لتكون سبباً لتذكر ما فيها بالتفصيل ، حتى يجوز الحكم والشهادة عليه لا غير اهـ. وعبارة س : ليس للقاضي أن يقبل الشهادة أو يحكم بمجرد خط من غير بينة مطلقاً عن التفصيل ، بكونه خطه أو خط موثوق به أم لا ، احتياطاً للحكم الذي فيه إلزام الخصم مع احتمال التزوير ، هذا مذهب الشافعي الذي عليه جمهور أصحابه ، ولنا وجه أنه يجوز للحاكم إذا رأى خطه بشيء أن يعتمده إذا وثق بخطه ولم تداخله ريبة ، وأشار الإصطخري إلى قبول الخط من حاكم إلى حاكم آخر من غير بينة ، وقال ابن أبي ليلى وأبو يوسف : يجوز أن يحكم بخطه إذا عرف صحته وإن لم يتذكر ، قال الماوردي وهو عرف القضاة عندنا : ولا بأس بترجيح الوجه القائل باعتماد خطه إذا كان محفوظاً عنده ولم تداخله ريبة ، ومثل خطه على هذا الوجه خط غيره ، لأن المدار على كونه ظن ذلك ظناً قوياً مؤكداً ، فمتى وجد أنيط الحكم به من غير فرق بين خطه وخط غيره ، ومذهب الحنابلة جواز الشهادة بخطه إذا وثق به وإن لم يتذكر الواقعة. وحكي عن الحسن وسوار القاضي وعبد الله العنبري أن للقاضي إذاكان يعرف خط الكاتب وختمه له أن يقبله ، وحكاه في المهذب عن أبي ثور والإصطخري وأبي يوسف ، وإحدى الروايتين عن مالك ، وقال في الخادم : وقد عمت البلوى بالحكم بصحة الخط من غير ذكر تفاصيله ، فإن كان عن تقليد المذهب الشافعي فممنوع اهـ ، وسبيل الاحتياط لا يخفى اهـ ، وعبارة ي : لا يجوز لحاكم أن يحكم بمجرد الخط وإن جوّزنا الحلف عليه بشرطه ، كما عليه الشيخان ورجحه المتأخرون ، إذ ليس ذلك بحجة شرعية إذ القاضي لا يحكم إلا حيث يشهد ، والأصل في الشهادة اعتماد اليقين أو الظن القوي القريب من العلم المشار إليه بالظن المؤكد ،

بخلاف الحلف يكتفى فيه بمجرد الظن على المعتمد ، والفرق أن بابهما أضيق من باب الحلف وخطرهما أعظم ، مع قوله عليه الصلاة والسلام : "على مثلها" يعني الشمس/ "فاشهد" ، فعلم بذلك أن القاضي أو الشاهد لو رأى خطه وفيه حكمه أو شهادته لا يجوز له أن يحكم أو يشهد معتمداً عليه ، وإن كان محفوظاً عنده حفظاً تاماً مقطوعاً أنه لا يمكن تزويره أو شيء منه ، بل وإن قطع بذلك حتى يتذكر الواقعة لضعف دلالته ، ومثل خطه خط غيره المجرّد عن القرائن المفيدة للعلم أو الظن القريب ، وما نقل عن الإمام مالك من جواز الشهادة والحكم بالخط فشاذ ، بل قد ثبت رجوعه عنه ، نعم مرّ في الصوم عن باجمال جواز اعتماد خط الحاكم الثقة الذي لا يعرف تهوّره في قبول شهادة الفاسق ، قال : وهو الذي انشرح به الصدر بالمصادقة وعليه العمل لانتفاء التهمة.

277

الحكم بالصحة والحكم بالموجب

(مسألة : ب ش) : الفرق بين الحكم بالصحة والحكم بالموجب ، احتياج الأوّل إلى ثبوت الملك واليد إلا في الإقرار فثبوت اليد فقط ، ولا يحتاج إليهما الثاني ، فحينئذ الأوّل يتضمن الثاني ولا عكس ، فالحاصل أن الحكم إما أن يرد على نفس المسألة المختلف فيها مطابقة ، فليس لحاكم يرى خلافه نقضه إجماعاً ، كما لو حكم شافعي لمن تزوّج امرأة بعد أن قال لها : إن نكحتك فأنت طالق ثلاثاً ببطلان التعليق ، فليس لحنفي الحكم بصحته ، ووقوع الطلاق بوجود الصفة ، وإما أن يرد عليها تضمناً كحكمة بعد نكاح ذلك المعلق بموجبه ، فكذلك أيضاً على المعتمد ، بناء على أن الحكم بالموجب كالحكم بالصحة في تناول الآثار المختلف فيها ، إذ الحكم بالموجب صحيح ، ومعناه الصحة مصوناً عن النقض ، كالحكم بالصحة لكنه دونه في الرتبة ، فظهر أن الحكم بالصحة التي هي المطلوبة بالذات حكم بالمطلوب مطابقة ، وأن الحكم بالموجب حكم بها التزاماً والمطابقة أقوى ، فحينئذ إذا لم يوجد الشرط المعتبر في الصحة وهو ثبوت الملك واليد امتنع الحكم بالصحة وجاز بالموجب ، وإن وجد أوجب الحكم بها لكونه أحوط ، زاد (ب) : والحاصل أن الحكم بالصحة يتضمن الحكم بالموجب ولا عكس ، وذلك لأن الحكم بالموجب يستدعي أهلية المتصرف ، وصحة صيغته أي من حيث ذاتها لا خصوص هذه الصيغة ، وكل منهما رافع للخلاف ، ويزيد الحكم بالصحة على ذلك كون التصرف صادراً في محله : أي يكون حكماً بصحة هذه الصيغة بخصوصها ، مثل من وقف على نفسه وحكم بموجبه حنفي كان حكماً منه ، بأن الواقف أهل للتصرف وأن صيغة وقفه صحيحة ، فلا يحكم بإبطالها من يرى الإبطال كشافعي ، وليس حكماً بصحة وقفه على نفسه أي بصحة هذه الصيغة بخصوصها ، والحكم بالصحة حكم بذلك ، فلمن يرى الإبطال نقضه فتأمل. وقال القليوبي : الحكم بالموجب يستلزم الصحة ، ويتناول الآثار الموجودة والتابعة ، والحكم بالصحة يتناول الموجودة فقط ، لكنه أقوى من حيث استلزامه الملك ، وأما الآثار المترتبة ، فإن

اتفق عليها فواضح وإلا فشرط صحة الحكم بها ، ومنع المخالف من نقضها أن يكون قد دخل وقتها ، كما لو حكم حنفي بموجب التدبير ، ومن موجبه منع بيعه عنده ، فليس لشافعي رفع إليه الإذن في بيعه ، فإن لم يدخل وقتها حين الحكم فهو إفتاء لا حكم منه ، كما لو علق طلاق أجنبية على نكاحه لها وحكم حنفي بموجبه ، فإذا عقد بها ذلك المعلق كان للشافعي الحكم باستمرار النكاح ، لأن وقوع الطلاق على سبب لم يوجد حال النكاح ، قاله العراقي ، وفي شرح شيخنا خلافه ، وقد يستوي الحكم بالصحة والموجب ، كما لو حكم حنفي بالنكاح بلا ولي أو بشفعة الجوار ، أو الوقف على النفس ، أو شافعي بإجارة الجزء الشائع من نحو دار ، وقد يفترقان كمسألة التدبير ، فللشافعي الحكم بصحة بيعه إن حكم الحنفي بالصحة لا بالموجب ، وكما لو حكم شافعي ببيع دار لها جاز ، فللحنفي الحكم بالموجب لأنه للاستمرار والدوام ، وما لو حكم مالكي في القرض فيمتنع على الشافعي أن يحكم بالرجوع في عينه إن حكم بالموجب لا بالصحة اهـ ، وإذا أراد القاضي أن لا ينسب إليه في الواقعة شيئاً قال : حكمت بما تقتضيه البينة ، فيه ، إن صحيحاً فصحيح ، وإن فاسداً ففاسد.

278

القضاء على الغائب ونحوه وحكم أمواله

(مسألة) : لا تسمع دعوى ولا بينة ، ولا ينفذ حكم على غائب بالبلد ولو بعد الدعوى بحضور الغائب وهو ممن يتأتى حضوره كمن بمسافة عدوى فما دونها ، وهي التي يرجع الخارج إليها بعد الفجر إلى موضعه أوّل الليل ، يعني ما ينتهي إليه سفر الناس غالباً ، بل لا بدّ من إحضاره لئلا يشتبه على الشهود أو ليدفع عن نفسه إن شاء ، ولأنه ربما يقرّ فيغني عن البينة والنظر فيها ، أو يمتنع الشهود إن كانوا كذبة حياء أو خوفاً ، نعم إن اضطرّ الشهود إلى السفر فوراً ولم يتيسر إحضار المدعى عليه جاز سماع البينة في غيبته للضرورة ، وإن أمكن أن يشهد على شهادته ، كما لو قام بالشاهد عذر منعه من الأداء فيرسل الحاكم من يشهد على شهادته أو يسمعها هو محل عدم سماع البينة كما ذكر ، إن لم يتغلب أو يتوار المدعى عليه ولو لزعمه جور الحاكم ، وإلا فتسمع ويحكم بعد ثبوت ذلك ، وإن لم يحلفه يمين الاستظهار على المعتمد تغليظاً عليه وإلا لامتنع الناس كلهم ، فإن لم يكن للمدعي بينة جعل الآخر في حكم الناكل ، فيحلف المدعي يمين الرد ثم يحكم له ، لكن لا بدّ من تقديم النداء بأنه إن لم يحضر جعل ناكلاً ، قاله في التحفة.

(مسألة : ش) : حكم حنفي على غائب لم ينفذ ، وإذا ورد على حنفي أبطله ، إذ لا ينفذ القضاء على الغائب عندهم ما لم يكن القاضي له أهلية الترجيح ، ولم يشرط عليه التزام مذهبه فلا ينقض حينئذ ، وإن ورد على شافعي دعاهما إلى الصلح ، فإن لم يتيسر فإلى الدعوى ليسمع البينة فيحكم ، فإن لم يتمكن أخبر المدعي بأن حكم الحنفي هذا غير صحيح لأنه خلاف معتقده ، وقياس المذهب إمضاؤه من الحنفي ، لأن حكم الحاكم في مسائل الخلاف يرفعه ويصير مجمعاً عليه.

(مسألة : ك) : إذا غاب المدين إلى مسافة العدوى ، وهي التي لا يرجع منها الخارج إليها بعد طلوع الفجر إلى أوائل الليل ، سمعت الدعوى عليه كما لو كان حاضراً ولو بالبلد وتوارى أو تغلب فلم يحضر مجلس الحكم فيحكم عليهم بعد ثوبت ذلك بعلمه إن كان يعلم ذلك ، وإلا فبينته ولو شاهداً ويميناً مع يمين الاستظهار مطلقاً عند (م ر) واستثنى في التحفة المتواري والمتعزز تغليظاً عليهما ، ثم يقضيه من ماله إن كان له ثم مال ، وإلا فإن كان سأله الإنهاء إلى قاضي بلد الغائب وجب ، فينهي إليه سماع البينة ليحكم له بها ، ثم يستوفي له الحق ، أو ينهي حكمه إن حكم ليستوفي الحق.

(

مسألة : ش) : مات وعليه دين وله مال بمحمل ولاية القاضي ووارثه فوق مسافة العدوى ، فلذي الدين الدعوى عند الحاكم بأن مورث فلان الغائب مات ولي عليه كذا ، ويقيم البينة بذلك ، فيسمعها الحاكم سواء نصب مسحراً ينكر علم الوارث أم لا ، إذ ليس نصبه شرطاً ، ثم يحلفه يمين الاستظهار وجوباً بأنه لم يستوف دينه ولا أبرأه منه ثم يوفيه من التركة ، ولوارث على حجته يوم يحضر ، فإن كان الوارث حاضراً أو بمسافة عدوى بمحل ولاية الحاكم فالدعوى حقيقة ، إنما هي على الميت ، لكن لا تسمع لا في وجه الوارث الكامل وولي غيره فيزيد لصحة الدعوى مع ما مر ، وأنه يعني الوارث حصل في يده من التركة ما يفي بديني أو بعضه ويبينه ، وأنه يعلم الدين ويقيم بينة المال ، ويحلفه الحاكم يمين الاستظهار إن طلبها الوارث ، فإن جهلها عرفه الحاكم بأن له اليمين ، فإن سكت حكم بالبينة ، ولا أثر لطلبها بعد الحكم حتى لو غاب المدعي حينئذ ووكل بقضاء الدين ، فليس للوارث الامتناع لطلب اليمين لسقوطها ، بخلاف ما لو غاب قبل أن يصرح الوارث بالإسقاط ، فله الامتناع حتى يحلف ، وليس هذا كغائب ، وكّل حاضراً إذا لم تتوجه إليه اليمين ، بخلاف هذا فإن اليمين توجهت إليه قبل غيبته.

(مسألة : ش) : أرادت إثبات طلاق زوجها الغائب لم تسمع دعواها ولا بينتها ، لأن من شرط الدعوى كونها ملزمة ، ودعواها على غائب لا يريد معاشرتها ، والخلوة بها لا إلزام فيها ، بل وإن صرحت بأنها تخاف أن يتعرض لها على الأصح كدعوى الإبراء من غائب ، نعم الحيلة في إثبات طلاقها من زوجها الغائب أن تواطىء رجلاً على أن يتزوّجها ، وتطلب من القاضي أن يزوّجها منه ، وتدعي طلاق زوجها الأوّل وتثبته ، فيحكم لها بأنها مطلقة منه بعد تحليفها يمين الاستظهار فيثبت الطلاق ، وإن بدا للمواطىء أن لا يتزوّجها بعد ، لانبناء ذلك الحكم على دعوى وشهادة صحيحتين.

(مسألة : ش) : أقرّ شخص عند موته بأن جميع ما بيد رقيقه في السفر ملكه أي الرقيق ، وليس له فيه حق وأشهد على ذلك ، فأراد المقرّ له إثبات ذلك لدى الحاكم ليسجل له به لم تسمع دعواه في الأصح ، إذ لا إلزام فيها ، كدعوى الإبراء أو الطلاق أو الإكراه في الإقرار على غائب ، نعم له أن يحتال فينصب مسخراً يدعي ديناً الميت ، وأن له على فلان أي المقرّ له كذا ، أو في يده أعيان ، ويطلب من القاضي خلاص دينه مما في يد المقرّ له ، فيدعي أن ما بيده ملكه ، وأن لا دين للميت عليه ، وأنه أقرّ قبيل موته بما ذكره ويقيم البينة ، فيحكم له بصحة الإقرار ، ثم للوارث تحليفه إن أقرّ الميت عن حقيقة ، كما أن لمدّعي الإبراء والإكراه نصب مسخر بالحوالة عليه من المبرىء أو المقر له ، فيثبت الإبراء والإكراه ويحكم له به.

(

مسألة : ش) : إذا ثبت على الغائب أو المفلس دين ، فإن كان في ماله جنسه أوفاه الحاكم منه ، وإلا باع ماله بنظر المصلحة كالوكيل ، وله البيع من أهل الدين ومعاوضتهم حيث جازت بأن لم يكن دين سلم.

(مسألة : ش) : يجوز للحاكم بيع مال الغائب إذا طالت غيبته ولم تمكن مراجعته ، هذا إن كان حيواناً خيف نقصه أو كثرت نفقته ، وتعين البيع طريقاً لذلك ، وإلا فإجارته أولى ، كغير حيوان خيف تلفه أو تلف معظمه بشرط أن يبيعه حالاً من نقد البلد إن أمكن ، وإلا فنسيئة من موسر أمين ، ويرتهن ما يفي بالثمن إن لم يخف تلف الرهن وإلا تركه ، إذ قد يرفعه لحنفي يرى سقوط الدين بتلف الرهن ، وأن يقصر الأجل ما أمكن ، قال بعضهم : وأن يشهد.

(مسألة : ش) : الحاصل في قبض الحاكم دين الغائب ، أن المدين إن كان له غرض سوى براءة ذمته ، كمكاتب يريد العتق ، وراهن يريد فك المرهون ، ووارث يريد فك التركة ، وضامن يريد فك ضمانه ، وشفيع يريد تسلم الشقص ، وجب على الحاكم قبض الدين وإلا لم يجز له قبضه ، لأن الأصلح للغائب الذي صيرته الغيبة كالمحجور في مراعاة مصلحته ترك الدين في ذمة المقرّ المليء ، إذ هو خير من صورته أمانة بيد الحاكم ، وخرج بهما الجاحد والمعسر ، فيلزمه الأخذ منهما قطعاً ، وحيث جوز قبض الحاكم فليودعه عند ثقة يرتضيه ولا يتركه عنده للتهمة ، وهذا في القاضي الثقة. أما غيره فلا يجوز إقباضه ، ولا يبرأ بذلك المدين ، ولا يحصل مقصوده من فك رهن ونحوه.

(مسألة : ش) : غاب شخص غيبة طويلة ولم يعلم موته ولم يحكم به ، وخيف الاستيلاء على نحو أرضه من ظالم لم يكن لوارثه بفرض موته الدعوى على الظالم ، إذ ليس مالكاً ولا نائباً عنه وإن احتمل موته ، لأن الأصل بقاء الحياة ، ولا يقاس بمخاصمة المستأجر والمرتهن إذ لهما حق المنفعة ، فإذا ثبت موته طالب وارثه الغاصب بالعين وأقصى أجره ، ويكفي قول البينة كانت ملك مورثه ولا نعلم له مزيلاً ، نعم إن علم قاضي ذاك المحل ملك الغائب منع المستولي عليها ، وله تأجيرها مع مراعاة مصلحة الغائب كيلا تضيع المنافع ، لأنا نعلم أنه يرضى بحفظ ماله ، فإن لم يعلمه جاز له على المعتمد أن ينصب من يدعي له على الغاصب ويسمع البينة.

280

القسمة

(مسألة : ي) : قسمة المشترك إما إفراز وهو ما كان مستوي الأجزاء صورة وقيمة مثلياً كان أو متقوماً ، أو تعديل وهو مختلفهما صورة أو قيمة أو هما معاً ، أو ردّ وهو ما احتاج مع الاختلاف إلى رد مال أجنبي ، ويجبر في الأوليين إن وجد النفع المقصود من المقسوم لطالبها فقط لا عكسه ، كما لا يجبر في الأخيرة مطلقاً ، وحينئذ لو اقتسما أرضاً نصفين ثم بان الغلط بزيادة أحد النصيبين بنحو الرّبع في الذرع ، فإن كان القسمة إفرازاً بأن جعل في مقابلة القطعة أخرى تساويها صورة وقيمة ، ثم ظهر خلاف ذلك ، أجبرهم الحاكم أم لا. أو تعديلاً مجبراً عليها بشرطه وامتنع أحدهما فحكم عليه الحاكم بالإجابة فعدلت بما يساويها في القيمة ، ثم بان أنها تزيد على عديلتها عند القسمة ، بان بطلان القسمة في الصورتين ، لكن في تينك القطعتين فقط لا في كل المال ، سواء ذكر ذرعها عند القسمة أم لا ، وإن كانت تعديلاً ولم يلزمهم بها الحاكم ، بل اتفقا اختياراً على القسمة أو رداً مطلقاً فصحيحة ، ثم إن ذكر ذرعها عند القسمة ثبت الخيار لمن حصل عليه النقص منهما ، وإن لم يذكر الذرع عندها فلا خيار ، وإن كثر التفاوت إذ هما بيع ، ولا يؤثر فيه الغلط على الأصح ، وثبوت النقص إما بإقرارهما أو بعدلين أو علم القاضي أو اليمين المردودة.

(فائدة) : الأظهر أن قسمة المشتبهات إفراز لا مدخل للرّبا فيها لا بيع ، ويدل له أنه قرر قسمة اللحم رطباً ، ومن ذلك قسمة الرطب والعنب على الشجر أو في الأرض كيلاً ، ولا يضر تعلق الزكاة بها فيزكي كل حصته ، وكذا في الحبوب ، ولا يتوقف جلّ حقه وتصرفه فيه على إخراج الآخر ما عليه ، اهـ فتاوى بامخرمة ، ووافقه البكري في جواز قسمة اللحم ، وخالفه ابن حجر فقال : لا تجوز قسمته إلا وزناً بعد نزع ما يمنع معرفة الأنصباء وإن اعتيد قسمته جزافاً ، واتفق الأخيران على عدم صحة قسمة المشويّ مطلقاً ، اهـ اختصار المرعى الأخضر لابن قاضي.

(مسألة) : لا تجوز قسمة الوقف من الملك إلا إن كانت إفرازاً ، وإن كان فيها رد من أرباب الوقف ، بخلاف ما لو كان بيعاً فتمتنع مطلقاً ، كما لو كان فيها رد من المالك ، كما في التحفة والنهاية ، نعم نقل في القلائد اختيار الجواز مطلقاً عن البحر قال : لتداعي بقاء الشيوع إلى الخراب ، واختاره في الحلية وابن الصلاح والروضة للضرورة ، وقال في العباب : وحيث جازت أي القسمة أجبر صاحب الوقف بطلب المالك ولا عكس ، وتلزم في حق المتقاسمين لا باقي البطون ، وتمتنع قسمة الوقف بين أهله وإن كانت إفرازاً ، فإن جرت وحكم بها من يراه لم ينقض اهـ.

(

مسألة : ج) : اقتسم الورثة وحجة الإسلام باقية بذمة الميت بأن استطاع في حياته ، فإن كانت القسمة إفرازاً صحت ، ثم تباع الأنصباء وتصرف في الحجة إن لم يوف الورثة من غيرها ، وإن كانت تعديلاً أو رداً فهي بيع ، فيفرق بين أن يعلموا وجوب الحجة فتبطل أو لا فتصح إن أخرجوها وإلا نقضت ، وهذا كدين ظهر بعدها ، كما أفتى به أبو مخرمة.

(مسألة : ك) : عين بئر بين شخصين ، طلب أحدهما قسمتها أجبر الآخر إن أمكن بأن وسعت وأمكن أن يبني فيها فتجعل بئرين ، لكل واحدة بياض يقف فيه المستقي ويلقي فيه ما يخرج منها ، كما تثبت الشفعة في ذلك وإلا فلا.

(مسألة : ش) : المشترك على جهة الشيوع كل جزء منه مشترك بين أهله بحسب الاستحقاق ، لا يمكن اختصاص أحد الشركاء منه بشيء حتى تقع قسمة صحيحة تمتاز بها الأنصباء بأن يقاسم الشريك أو يغيب فيقاسم الحاكم بعد طلبها ، نعم أفتى القفال بأنه لو امتنع من قسمة المتماثل فللشريك أخذ حصته بلا قاض ، وقيل يجوز الانفراد بالقسمة في المتشابهات مطلقاً ، فعليه يجوز لبقية الشركاء إذا خافوا أخذ متغلب حصة شريكهم قبل القسمة تقليد هذا القول لئلا يتبعهما الشريك بحصته ، لكن لو رفعهما إلى قاض شافعي لزمه الحكم بالراجح من بطلان تلك القسمة ، ولو طلب أحد الشريكين القسمة لزم الآخر إجابته بشروطها المعروفة ، فإن لم يجتمع لم يلزمه وينتفعان مهايأة أو يؤجران العقار ويقتسمان أجرته.

(مسألة) : طلب أحد الشريكين قسمة الأرض المشتركة ، وأن تكون حصته بجانب أرضه الخاصة أخبر الآخر ، كما قاله ابن حجر و (م ر) والخطيب تبعاً للبكري ، وقال أبو مخرمة : لم يجبر الشريك على إعطاء الحصة المناسبة لشريكه ، وفرق بينها وبين أسّ الجدار المشترك.

(مسألة : ي) : القسمة إن وقعت على وفق الشرع ، كما لو اختلف في مال الزوجين فقسم على التفصيل الآتي في الدعوى من تقديم البينة ثم اليد ثم من حلف ثم جعله أنصافاً عند عدم ما ذكر فصحيحة ، وإن وقعت على خلاف الشرع بغير تراض بل بقهر أو حكم حاكم فباطلة إفرازاً أو تعديلاً أو رداً ، لأنها مقهور عليها فلا رضا ، والقهر الشرعي كالحسي ، وهذا كما لو وقعت بتراض منهما مع جهلهما أو أحدهما بالحق الذي له ، لأنها إن كانت إفرازاً فشرطها الرضا بالتفاوت ، وإذا كان أحدهما يعتقد أن حقه الثلث لا غير وله أكثر شرعاً فهو لم يرض بالتفاوت ، إذ رضاه بأخذ الآخر شيئاً من حقه ما يكون إلا بعد علمه بأنه يستحقه ، وإن كانت تعديلاً أو رداً فكذلك أيضاً لأنهما بيع وشرطه العلم بقدر المبيع ، وقد أفتى أبو مخرمة بعدم صحة البيع فيما لو باع الورثة أو بعضهم التركة قبل معرفة ما يخص كلاًّ حال البيع وإن أمكنهم معرفتها بعد ، وإن وقعت بتراضيهم ولم يكن فيهما محجور مع علمهما بالحكم لكن اختارا خلافه صحت في غير الربوي مطلقاً ، وفيه إن كانت القسمة إفرازاً ، لأن الربا إنما يتصوّر جريانه في العقود دون غيرها كما في التحفة ، وإن كان ثم محجور ، فإن حصل له جميع حقه صحت وإلا فلا.

282

الشهادات

(مسألة : ش) : لا خفاء أن كتمان الشهادة بلا عذر كبيرة ووعيدها شديد وهي قسمان : إما شهادة حسبة فيجب على متحملها أداؤها فوراً إذا ترتب على تأخيرها مفسدة ، بل إن تأخر بلا عذر فسق وخرج عن أهلية الشهادة ، إذ من رأى رجلاً وامرأة مجتمعين على ظاهر الزوجية وعلم طلاق ذلك الرجل لها ، أو رأى تصرفات مشتري أرض وعلم وقفيتها وما بها من البائع لها قبل البيع ولو بإقرار الزوج والبائع بذلك فلم يبادر بالشهادة فقد فسق بكتمان الشهادة ، وترك إزالة المنكر بلسانه الذي هو مقدوره ، وردت شهادته لاعترافه بالفسق على نفسه ، والشاهد متى اعترف بالجرح قبل الحكم ردت شهادته وإن لم يفسر ما هو مجروح به ، نعم يعذر في التأخير بنحو نسيان وجهل ، وينبغي للحاكم أن يستفصل عاصياً مشهوراً بالعدالة ، إذ ربما ظن ما ليس بمفسق مفسقاً ، فإن لم يقر لم يحكم بفسقه بمجرد التأخير ، لاحتمال أن له عذراً كنسيان أو جهل ، بل لا يسأل عن سبب التأخير حيث لم يرتب الحاكم فيه ، وأما شهادة غير حسبة فإن كان من له الشهادة بتحمل الشاهد فلا حرج في التأخير إلى طلب ذي الحق بل في المبادرة بها ، وهذا محمل ذمه في الحديث الصحيح ، وإن لم يكن عالماً فعلى المتحمل إعلامه ليتمكن من طلبه للشهادة في وقتها ، وهو أو شهادة الحسبة محمل حديث : "خير الشهود من أدى شهادته قبل أن يسألها" عملاً بالروايتين.

282

شروط الشاهد

(مسألة) : من شروط الشاهد التيقظ وضبط ألفاظ المشهود عليه بحروفها من غير زيادة ولا نقص ، ولا تجوز الشهادة بالمعنى ، ولا تقاس بالرواية لضيقها ، ولأن المدار هنا على عقيدة الحاكم لا الشاهد ، فقد يحذف أو يغير ما لا يؤثر عند نفسه ويؤثر عند الحاكم ، نعم يجوز التعبير بأحد الرديفين عن الآخر حيث لا إبهام ، قاله في التحفة والنهاية. قال ع ش : قوله بالمعنى أي فلو كانت صيغة البيع مثلاً من البائع بعت ، ومن المشتري اشتريت فلا يعتد بالشهادة إلا إذا قال : أشهد أن البائع قال : بعت ، والمشتري قال : اشتريت ، بخلاف ما لو قال : أشهد أن هذا المشتري هذا من هذا فلا يكفي فتنبه له فإنه يغلط فيه كثيراً اهـ.

(مسألة : ي) : يشترط في الشاهد برؤية الهلال وغيرها لدى الحاكم الإسلام ، والتكليف والحرية والرشد والنطق والبصر والعدالة والذكورة والمروءة وهي ترك ما يزري بفاعله عرفاً ، يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال والأماكن والأفعال ، فمن المخلّ بها إدامة ترك تسبيحات الصلاة وترك الوتر والرواتب ، وإدامة تأخير الصلاة عن أول وقتها ، ونتف إبط وأنف ، ومد رجل بحضرة الناس ، وتكرر نتف لحية عبثاً وغيرها ، والعدالة ترك جميع الكبائر وغلبة الطاعات للصغائر ، فمن ارتكب كبيرة وهي كل جريمة تؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين وقلة الديانة فهو فاسق غلبت طاعاته معاصيه أم لا ، ومن أصر على صغيرة أو صغائر داوم عليها أم لا ، أو أكثر من الصغائر ولو من غير إصرار ، فإن غلبت طاعاته معاصيه بالنسبة لتعدد صور الطاعات والمعاصي فعدل ، وإن غلبت المعاصي أو استويا ففاسق اهـ. وعبارة ب : وبالجملة فقد تعذرت العدالة في زماننا ، لأن الفسق قد عم العباد والبلاد ، كما قاله الإمام الغزالي والغزي ، فلينظر المنصف في نفسه وبلده بل في قطره ، هل يجد أحداً من أهل عصره لم يرتكب كبيرة أصلاً ولم يصر على صغيرة ؟ فلو لم يكن من الكبائر إلا الوقيعة في العلماء بنحو غيبة أو نميمة أو سعاية عند ظالم أو الاستماع إليها والرضا بها التي صارت كالفاكهة في مجالس الخاصة والعامة من غير أن يروا به بأساً لكفى بها مفسقاً ، وإن غلبت طاعاته للإجماع على أنها كبيرة ، وكالكبر والحسد والرياء والعجب ، وأما الصغائر فلا تدخل تحت الحصر ، ولو لم يكن منها إلا الإصرار على نظر الأجنبيات ومصافحتهن والخلوة بهن ، ومجالسة الفساق إيناساً لهم المألوف لكفى.

(

مسألة : ك) : كل من ارتكب كبيرة فهو فاسق لا يصح منه ما تتوقف صحته على العدالة ، كولاية عقد النكاح والقضاء والشهادة ، ومن الكبائر ترك تعلم ما تتوقف عليه صحة ما هو فرض عليه من المسائل الظاهرة لا الخفية ، إذ العوام لا يكلفون بمعرفتها وإلا تساوى العلماء والجهال ، فإن أتى بسائر ما تتوقف عليه صحة العبادة ، رجح ابن حجر أنه غير كبيرة لصحة عبادته مع ترك تعلمه ، وما أفتى به الشيخ زكريا من عدم قبول شهادة من لم يعرف نحو الأركان والشروط يحمل على ما إذا لم يعلم ذلك ويخلّ به اهـ. وعبارة ب ي ش : إذا حكمنا بفسق الشخص ردت شهادته في النكاح وغيره ، نعم أفتى بعضهم بقبول شهادة الفاسق عند عموم الفسق ، واختاره الإمام الغزالي والأذرعي وابن عطيف دفعاً للحرج الشديد في تعطيل الأحكام ، لكن يلزم القاضي تقديم الأمثل فالأمثل ، والبحث عن حال الشهادة ، وتقديم من فسقه أخف أو أقل على غيره ، زاد ش : ويجوز تقليد هؤلاء في ذلك للمشقة بالشرط المذكور ، على أن أبا حنيفة قال : ينفذ حكم الحاكم بشهادة الفاسق إذا لم يجرّب عليه الكذب ، فيجوز تقليده أيضاً عند شدة الضرورة ، بل جوّز النكاح برجل وامرأتين ، كما جوّزه هو وأبو ثور بشهادة الفاسقين ، وهو رواية عن أحمد ، ولو اطلع الحاكم على فسق الشاهد باطناً لم يعمل به ، إذ هو مأمور بالحكم بالظاهر ، لأن الإلهام ليس بحجة عند الجمهور ، وزاد ب : ويجوز تقليد المذكورين ، بل هو المتعين في هذا الزمان لفقد العدالة لكن بالنسبة للضروريات كالأنكحة ، بخلاف نحو الأهلة فلا ضرورة فيها ، وقضاة الزمان لا يراعون هذا الشرط ، بل يقبلون شهادة الفاسق مطلقاً ، فحينئذ لا يترتب عليها حكم اتفاقاً ، ومن هنا تعلم تحتم معرفة فن الفلك على أهله لا بالنظر إلى أصله ، بل لما يترتب على شرب نهله وعلله ، وزاد ي : ومحل وجوب تحري الأمثل فالأمثل في الشهادة الاختيارية كالنكاح ، ومع هذا فلنا قول أنه لا تشترط العدالة فيه مطلقاً ، وإذا تأملت عقود أكثر أهل

الزمان وجدتها لا تصح إلا على هذا القول ، أما الاضطرارية كالغصب والسرقة فالشرط فيه أن يكون معروفاً بالصدق غير مشهور بالكذب ، فيجب على الحاكم كمال البحث ، فإذا غلب على قلبه صدقه قبله ، ولو لم نقل بهذا لتعطلت الحقوق.

فائدة : لا يأثم من شهد لبعضه أو على عدوّه أو مع فسقه بما يعلمه ولا المشهود له أيضاً ، كما اختاره ابن عبد السلام ، لأنه لم يحمل الحاكم على باطل بل على إيصال حق إلى مستحقه اهـ إمداد. وتردد في الفتح المجمع عليه ثم اختار الجواز إن كان لإنقاذ نحو بضع أو عضو.

(

مسألة) : تقبل شهادة أحد الزوجين للآخر ، وعليه كغيرها من القرابة غير الأصول والفروع وإن بعدوا ، فلا تقبل شهادتهم للمشهود عليه في غير النكاح ، وتجوز منهم على الأصل والفرع.

(مسألة : ي) : ضابط التشبه المحرم من تشبه الرجال بالنساء وعكسه ما ذكروه في الفتح والتحفة والإمداد وشن الغارة ، وتبعه الرملي في النهاية هو أن يتزيا أحدهما بما يختص بالآخر ، أو يغلب اختصاصه به في ذلك المحل الذي هما فيه.

(مسألة : ك) : التصفيق باليد وضرب الدف والرقص وضرب الصنج في حال الذكر ليس بمطلوب لا سيما حال القراءة ، إلا إن غلبه الحال وخرج عن الاختيار فلا لوم عليه ، ونقل ابن حجر عن الطرطوشي ما حاصله : أن مذهب السادة الصوفية أن الرقص وضرب الدف والشبابة بطالة وضلالة ، وما الإسلام إلا كتاب الله تعالى وسنة رسوله ، وأما الرقص والتواجد فأوّل من أحدثه أصحاب السامري حين اتخذ لهم العجل فقاموا يرقصون ويتواجدون ، وإنما كان مجلس رسول الله مع أصحابه كأن على رؤوسهم الطير من الوقار ، فينبغي للسلطان ونوابه أن يمنعوهم من الحضور في المساجد وغيرها ، ولا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحضر معهم أو يعينهم على باطلهم ، هذا مذهب الشافعي ومالك وأبي حنيفة وغيرهم من أئمة المسلمين اهـ. وما ذكره من التصفيق ما بعده فقد اختلف في تحريمه ، أما التصفيق باليد خارج الصلاة من الرجل فقال (م ر) بحرمته حيث كان للهو أو قصد به التشبه بالنساء ، ومال ابن حجر إلى كراهته ولو بقصد اللعب ، وأما الضرب بالدف فصرح ابن حجر بأن المعتمد حله بلا كراهة في عرس وختان وغيرهما وتركه أفضل ، وأما الرقص بلا تكسر وتثنّ فالذي اعتمده ابن حجر أنه مكروه ونقل عن بعض أصحابنا حرمته إن أكثر منه أما ما هو بتكسر وتثنّ فحرام مطلقاً حتى على النساء ، كما صرح به في كف الرعاع ، وأما ضرب الخشب بعضه على بعض فقد نقل سم حرمته كالضرب بالصفافتين وهما قطعتا صفر تضرب إحداهما على الأخرى ويسمى الصنج ، وأفتى ابن حجر بحرمة ضرب الأقلام على الصيني وضرب قطعة منه على الأخرى ، وبالجملة فكل ذلك إما حرام أو مكروه أو خلاف الأولى.

(مسألة : ش) : ساومه رجل في بضاعة وهو يعلم مماطلته فقال له : قد بعتها ولم يبق عندي شيء ، فليس من الكذب المحرم كجحد نحو الوديع الأمانة خوفاً عليها من ظالم ، بل قد يجب وينبغي أن يورّي بأن يقصد بما عندي شيء أي حضرني إذ في المعاريض مندوحة كما في الحديث ، ولا إثم عليه في هذا الكذب الصوري ، ولا يستحق إثم الخيانة الواردة في الحديث.

(

مسألة : ك) : للتوبة ثلاثة شروط : الندم على الفعل ، والإقلاع في الحال ، والعزم على عدم العود ، ويزيد حق العباد برد المظالم إليهم ، فيلزمه تمكين المستحق من العقوبة أو استحلاله إلا أن لا يمكن ذكره لأدائه إلى مفاسد لا يمكن تداركها ، كزناه بحليلته فتبقى المظلمة بعنقه فيجبرها بالحسنات ، كما يجبر مظلمة الميت والغائب بذلك ، وأما حقوق الله تعالى كالزنا وشرب الخمر فالأولى في ذلك التوبة والستر على نفسه ، بل وإنكار فعل ذلك بالشروط المذكورة اهـ. وعبارة ي : زنى بامرأة مزوجة أو اغتابها أو لاط بشخص اشترط في توبته إعلام الزوج بالزنا واللواط وبما اغتابها به وإحلاله ، واستحلال أقارب المزني بها أو الملوط به ، إذ لا شك في أن الزنا وللواط إلحاق عار وأيّ عار بالأقارب ، وتلطيخ لفراش الزوج ، فوجب استحلال الجميع ، نعم إن خشي فتنة كما هو الغالب تضرع إلى الله تعالى في أن يرضيهم وأكثر لهم من الدعاء ، ولا وجه للاستحلال حينئذ ، ولا يكفي الاستحلال من غير تبيين ، وقيل يبرأ مع الإبهام ، ورجحه في الروضة ، ووافقه الحليمي وغيره ، ويتعين ذلك عند خشية الضرر كما قاله في الإحياء.

284

شروط الشهادة وشهادة الحسبة

(مسألة : ب) : ونحوه ك : ليس للشاهد تحمل الشهادة بالخط وإن اعترف به المشهود عليه حتى يقرأ عليه الكتاب أو يقول : أنا عالم بما فيه ولا يكفي هذا خطي وما فيه وصيتي مثلاً. زاد ك : وقال المروزي : يكفي الإشهاد عليه مبهماً اهـ. وفي ش : ولنا وجه أنه يجوز للشاهد إذا رأى خطه بشيء أن يعتمده إذا وثق به ولم تدخله ريبة ، وهو مذهب الحنابلة قالوا : وإن لم يتذكر الواقعة ، قال الماوردي : ولا بأس بترجيحه إذا كان الخط محفوظاً عنده ومثله خط غيره ، إذ المدار على كونه ظناً مؤكداً.

(مسألة : ش) : أقام المدعي بينة بأن العين التي اشتراها المدعى عليه من فلان ملكه ، ولم يذكر الشاهد أن مستنده تصرفه فيها ولا علمه القاضي قبلت ، بخلاف ما لو صرح الشاهد باستناد شهادته لما ذكر أو علمه القاضي ، وأولى منه بطلانها بأن مورث المدعي كما يشركه إياها أي يعامله عليها بالمخابرة أو يأذن له في عمارتها لعدم تصريحه بالملك ، إذ المخابر والمعير يحتمل أن يكونا مالكي المنفعة فقط.

(مسألة : ك) يكفي في الشهادة قول الشاهد : أشهد أن هذا مال فلان الآن ، وإن كان مستنداً في شهادته لحالة سابقة كما هو مقرر ، نعم لو شهد بملك أمس ولم يتعرض للحال لم يكف حتى يقول : ولم يزل ملكه ، أو لا أعلم له مزيلاً ، وقد تسمع الشهادة مع استناد الملك إلى زمن سابق ، وإن لم يتعرّض للملك حالاً ، كأن شهدت بينة بإقرار المدعى عليه أمس بالملك للمدعي فيستدام حكم الإقرار وإن لم تضر بالملك حالاً ، إذ لولاه لبطلت فائدة الأقارير ، أو أنها أرضه زرعها ، أو دابته نتجت في ملكه ، أو هذا الغزل من قطنه ، أو الطير من بيضه أمس ، أو بأن هذا ملكه أمس اشتراه من المدعى عليه ، أو أقرّ له به ، أو ورثه أمس ، إلى آخر ما أطال به في التحفة.

فائدة : بجب على شهود النكاح ضبط التاريخ بالساعات واللحظات ، ولا يكفي بيوم الجمعة مثلاً ، بل لا بد أن يزيد عليه بعد طلوع الشمس بلحظة مثلاً ، لأن النكاح يتعلق به إلحاق الولد بستة أشهر ولحظتين من حين العقد ، فعليهم ضبط التاريخ لذلك اهـ سم.

(مسألة : ش) : ادعى على آخر أنه وقعت يده على قدر معلوم من الذهب المسبوك ، وأقام شاهدين شهدا أن المدعى عليه وقعت يده على دارهم قدر هذا المبلغ ، لم تقبل الشهادة لمباينتها الدعوى ، نعم إن رجعا فشهدا على وفق الدعوى قبلت ، كما أفتى به القفال فيما لو شهد أحد الشاهدين بالبيع والآخر بالإقرار به لم تلفق ، فإن رجع أحدهما وشهد بما شهد به الآخر قبل ، إذ يجوز أن يحضر الأمرين سواء كان رجوعه في ذلك لمجلس أو في مجلس آخر.

(

مسألة : ج) إذا شهد العدلان على من عرفا نسبها واسمها وهي منتقبة قبلت شهادتهما وصحت وجاز التحمل ، بل لا يجوز لهما كشف نقابها حينئذ ، ومحل عدم جواز التحمل على المنتقبة حيث كان الاعتماد على صوتها فقط ، وله الاعتماد على قول عدل : إن هذه فلانة وإن لم يعرف نسبها ، والفتوى والعمل على ذلك.

(مسألة : ي) : شرط شهادة الاستفاضة في نحو النسب جزم الشاهد لا نحو أسمع الثقات أو استفاض عند الناس إلا إن ذكره لقوّة الخبر ، فلو كانت امرأة تنسب إلى رجل يقال له عقيل ، ورجل ينسب إلى أخيه أحمد ، فإن شهد اثنان بأن أحمد شقيق عقيل شقيق له غيره من ذكور أخوته المعقبين ذكراً ودرجاً ، نسب المرأة إلى عقيل والذكر إلى أحمد وجزما بالشهادة كما ذكر ، كان وليها الأقرب من ذرية أحمد المذكور ، ويجوز للشاهد الجزم بالشهادة ، وإن كان مستنده السماع والاستفاضة ، لكن إن سمع من جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب وحصل الظن القوي بصدقهم ولم يعارض المشهود به ما هو أقوى كإنكار المنسوب إليه ولم يسمع طعن أحد فيما شهد به ، نعم إن دلت قرينة على كذب الطاعن لم يؤثر طعنه ، وإذا جزم الشاهد بما تجوز به الشهادة بالتسامع لم يلجئه الحاكم إلى بيان مستنده إلا إن كان عامياً فيلزمه سؤاله لجهله بشروطها اهـ. وفي ش عن العمراني : أنه لا عبرة ببينة النسب ما لم تذكر كيفية الإدلاء إلى المنتسب إليه ، فلا يكتفي بكونه قريبه فقط.

(مسألة : ي) : ضابط شهادة الحسبة كل حق لله تعالى ، أو كل حق مؤكد لا يتأثر برضا الآدمي ، كما قاله في التحفة والنهاية.

(مسألة : ش) : باعا أرضاً ثم شهدت بينة حسبة بإقرار البائعين بوقفيتها منذ أزمنة حكم ببطلان البيع ، وإن لم يبادر الشهود بعد علمهما بالبيع ، إذ ربما كان تأخيرهما لعذر ، فحينئذ يرجع المشتري بثمنه على البائع ثم تركته ، ويلزمه أجرة المثل مدة بسطه على الأرض ، بخلاف ما لو اعترف الشهود بالتأخير بلا عذر ، فلا ينفذ حكم الحاكم بالبطلان بل ينقض ، إذ هم حينئذ فسقة ما لم ير هو جواز شهادة الفاسق ، كما أن محل قبول هذه الشهادة أيضاً إن شهدا بإقرار البائعين المذكورين بأنها وقف فقط ، وكذا وقف فلان ولم تستند للاستفاضة ، إذ لا بد في هذه من سماع لفظ الواقف ورؤيته ، لا بأنها وقف علينا أو على آل بالحاف مثلاً وهم هم ، فلا يثبت بهاتين الوقف ، ولو اتفق أن شهود الوقف وجدوا شهوداً أيضاً في بعض مساطير الملك بتلك الأرض لم يقدح في شهادتهما بالوقفية حتى يقرّا بما هو مناقض للشهادة فيقدح حينئذ ، ما لم يرجعا فيشهدا بالوقف معتذرين في شهادتهما بالبيع بنحو نسيان ، كما أن من اشترى شيئاً من ذلك المال لا تقبل شهادته بالوقف ما لم يعتذر بذلك أيضاً لاعترافه بالملك فيه لبائعه ، لأن إقدامه على العقد متضمن للاعتراف باجتماع شرائطه ، وكما أن من أمه من الموقوف عليهم لا تقبل شهادته بذلك أيضاً للتهمة ، بخلاف نحو أخته لضعف التهمة ، كمن شهد بمال لمورثه ولو مريضاً.

(

مسألة : ش) : شهادة الحسبة نوعان : متمحض حق لله تعالى كالزنا حيث لم تسغ الدعوى به ، فالشهادة به لا تكون إلا حسبة لأنها غير مسبوقة بدعوى وطلب من مدّع ، بل شهادة الشاهد احتساباً ، إي طلباً للثواب وحمية لدين الله تعالى ، فلا يؤثر فيها رضا أحد ، وغير متمحض كالزنا حيث ادعاه القاذف والطلاق ، فإن سبقت الشهادة الدعوى كان حسبة ، وإن تأخرت وطلبها المدعي فغير حسبة ، فمن ثم لو شهدت أمّ برضاع بين بنتها ومن تزوّجت به أو ابنان بأن أمهما أرضعت زوجها ، أو شهد على امرأة بأنها زوجة ابنه قبلت الشهادة حيث سبقت الدعوى لكونها حينئذ حسبة ، فإن سبقتها الدعوى والطلب من البنت في الأولى والأم في الثانية والابن في الثالثة لم تسمع لخروجها عن الحسبة حينئذ.

286

الشهادة على الشهادة ورجوع الشاهد

(مسألة : ش) : شهادة الفرعين عن الأصل الذي استرعاهما محكوم بصحتها حتى يظهر قادح ، لكن إن كان معهما شاهد آخر أصل فلا بد من تأخر شهادتهما عن استشهاده ، كمن وجد ماء لا يكفيه فلا يتيمم حتى يستعمله ، وشرط قبول شهادة الفرع الذي تحمل شهادة غيره عدم حضور الشاهد الأصل ، سواء من تحمل عنه وغيره ، لأن شهادة الأصل أقوى من شهادة الفرع من حيث ثبوث الحق وقلة الخلل ، وهذا بخلاف الرواية لأن بابها أوسع ، والوكالة حيث يتصرف الوكيل لحضور الموكل ، لأنه ربما يعجز عن تحصيل مقصوده ، ولا ترجيح بشهادة الأصل عند تعارض البينتين وإن صدق عليها بأنها أقوى ، إذ كل ثبت بحجة شرعية نظير ما لو كان متوضىء ومتيمم لا يلزمه القضاء يصح الاقتداء اهـ بكل منهما مع أن طهارة المتوضىء أقوى.

(مسألة : ش) : شهد الشاهد بخلاف الدعوى لم تسمع ، فإن شهد بعد ذلك على وقفها سمعت ، ولا يكون ما صدر منه قادحاً فيه ، ويحصل رجوع الشاهد عن شهادته برجعت عن شهادتي أو صرفت نفسي عنها أو شهادتي باطلة لا أبطلتها أو فسختها أو رددتها ، إلا إن أراد بأبطلتها مثلاً أنها باطلة في نفسها ، وقضية كلامهم أن إنكار أصل الشهادة كقوله لا أشهد بذلك أو لا أعلمه ليس برجوع ، كإنكار البيع والزوجية والطلاق وهبة الفرع ، إذ يحمل على نسيان أو عذر أو محض كذب.

286

الدعوى والبينات

فائدة : نظم بعضهم شروط الدعوى فقال :

لكل دعوى شروط ستة جمعت

تفصيلها مع إلزام وتعيين

إن لا تناقضها دعوى تغايرها

تكليف كل ونفي الحرب للدين اهـ باجوري.

(مسألة) : حاصل مسألة الظفر أن يكون لشخص عند غيره عين أو دين ، فإن استحق عيناً بملك أو بنحو إجارة أو وقف أو وصية بمنفعة أو بولاية ، كأن غصبت عين لموليه وقدر على أخذها فله في هذه الصور أخذها مستقلاً به إن لم يخف ضرراً ولو على غيره ، وإن لم تكن يد من هي عنده عادية كأن اشترى مغصوباً لا يعلمه ، وفي نحو الإجارة المتعلقة بالعين يأخذ العين ليستوفي المنفعة منها ، والمتعلقة بالذمة يأخذ قيمة المنفعة ، ويقتصر على ما يتيقن أنه قيمة تلك المنفعة ، فإن خاف من الأخذ المذكور مفسدة وجب الرفع إلى القاضي وإن استحق عند غيره ديناً ، فإن كان المدين مقراً باذلاً طالبه به ، ولا يحل له أخذ شيء ، بل يلزمه رده ويضمنه إن تلف ، ما لم يوجد شرط التقاص أو مقراً ممتنعاً أو منكراً ولا بينة للظافر ، وكذا إن كان له بينة في الأصح أخذ جنس حقه من ماله ظفراً ، وكذا غير جنس حقه ولو أمة إن فقد الجنس للضرورة ، نعم يتعين أخذ النقد إن أمكن ، ولو كان المدين محجوراً عليه بفلس أو ميتاً عليه دين لم يأخذ إلا قدر حقه بالمضاربة إن علمها وإلا احتاط ، ومحل أخذ المال المذكور إن كان الغريم مصدقاً أنه ملكه وإلا لم يجز أخذه ، ولو ادعى المأخوذ منه على الظافر أنه أخذ من ماله كذا جاز جحده والحلف عليه ، وينوي أنه لم يأخذ من ماله الذي لا يستحق الأخذ منه ، وإذا جوزنا الأخذ ظفراً فله بنفسه لا بوكيله ، إلا لعجز كسر باب ونقب جدار للمدين ليتوصل للأخذ ولا ضمان كالصائل ، نعم يمتنع الكسر في غير متعد لنحو صغر وفي غائب معذور وإن جاز الأخذ ، ثم إن كان المأخوذ من جنس حقه وصفته ملكه بنفس الأخذ ، أو من غير جنسه أو أرفع منه صفة باعه ولو بمأذونه لا لنفسه ومحجوره بإذن الحاكم إن تيسر ، بأن علمه الحاكم أو أمكنه إقامة بينة بلا مشقة ومؤنة فيهما ، واشترى جنس حقه وملكه وهو أعني المأخوذ من الجنس أو غيره ، مضمون على الآخذ بمجرد أخذه بأقصى قيمة ، ولا يأخذ فوق حقه إن أمكن الاقتصار على قدر

حقه ، فإن لم يمكن جاز ولا يضمن الزائد ، ويقتصر على بيع قدر حقه إن أمكن أيضاً ، ويرد الزائد لمالكه ، ولو لم يمكنه أخذ مال الغريم جاز له أخذ مال غريم بالشرط المذكور وهو جحده أو امتناعه أو مماطلته ، لكن يلزمه إعلام غريمه بالأخذ حتى لا يأخذ ثانياً ، ولا يلزمه إعلام غريم الغريم ، إذ لا فائدة فيه إلا إن خشي أن الغريم يأخذ منه ظلماً ، وله إقامة شهود بدين قدر برىء منه ولم يعلموه على دين آخر ، كما يجوز جحد من جحده إذا كان على الجاحد مثل ما له عليه أو أكثر فيحصل التقاصّ ، وإن لم توجد شروطه للضرورة ، فإن نقص ماله جحد بقدر حقه ، اهـ ملخصاً من التحفة والنهاية.

(

مسألة : ش) : شرط الدعوى كونها ملزمة ، فلو ادعى بيتاً بيد آخر أنه كان لمورثه وأنه وارثه وأقام بينة كذلك لم تصح ، إذ لا يلزم من كونه لمورثه بقاء ملكه إلى الموت حتى يورث عنه ، فلا بد لصحتها أن يقول : إن هذا البيت ملكي ورثته من فلان ، وخصمي يمنعني منه ، ويقيم البينة على وفق مقاله ، فيحكم له به ما لم يقم ذو اليد بينة بالملك وإلا رجحت ، فلو قال المدعي : كان لمورثي إلى أن مات وتركه ميراثاً ولا وارث له سواي وأقام بينة بذلك صرحت بأنها من أهل الخبرة الباطنة حكم به على النص ، فإن لم يقل ذلك ولم يعلم الحاكم انحصار الإرث في المدعي لم يحكم به حتى يثبته فينزع من ذي اليد ، ولا يلزم البينة ذكر اليد وسببها.

(مسألة : ش) : شرط الدعوى كونها معلومة إلا في مسائل معروفة ، فلو ادعى حصة مجهولة في بيت لم تسمع ، فإن عينها كربع سمعت على من بيده البيت وهو مشتريه الأخير فيما إذا تعددت ملاكه ، ولا يقدح في الدعوى إقرار المدعي بأن الحصة مرهونة عند غير المشتري ، وإن كانت اليد فيه للمرتهن لو فرض ثبوته فهو مخير بين أن يقول : ويلزمك تسليمها إليّ ، وبين قوله : إن لي في هذا البيت كذا ، كأن رهنها مورثي من فلان ، ويدك عليها عادية فيلزمك ردها إليّ ، فتسمع دعواه لأن يد المرتهن كيده ، فإذا شهدت بينة بما ادعاه حكم له بها وبأنها مرهونة ممن أقر له إن لم يكذبه ، وحينئذ يرجع المشتري على البائع بما خص تلك الحصة من الثمن إن أجاز ، وبكله إن فسخ لتفريق الصفقة ، فإن ادعى الحصة المذكورة على البائع ، فإن كذبه وحلف فذاك ، وإن صدقه أو نكل فحلف المدعي المردودة ، فإن كان قبل لزوم البيع بطل فيها وسقط مقابله من الثمن وخير المشتري أو بعده غرم للمدعي قيمة الحصة ، وإن لم يقبض الثمن من المشتري على المعتمد ، ولا يقبل إقراره في حق المشتري ، لأن إقرار الشخص غير مقبول فيما يضر غيره في تصرف سابق ، وإن أقر البائع المذكور برهنها يعني الحصة لغير المدعي ، فإن قال : كانت مرهونة ففكت فلغو ، أو عند فلان بمائة لُغي إقراره بالرهن إن لم يصدقه المرتهن ، ولزمته المائة للمقر له إن لم يكذبه ما لم يثبت أداءها ببينة أو باعتراف المقر له أو نكوله عن اليمين البت ، ونكول وارثه من نفي العلم ، وحلف هو المردودة أو بشيء لزمه تفسيره بما يمكن أن يرهن فيه وإن قل ، ولا يقدح إقرار البائع بالرهن كما تقرر في صحة بيع البيت ما لم يدع أن له ديناً ، وأن تلك الحصة مرهونة عنده بالدين رهناً سابقاً على البيع ويثبت بذلك ، أو يقر له المشتري أو ينكل فيحلف هو المردودة ، ولا رجوع للمشتري حينئذ لانفساخ البيع أثر إقراره ، فلا يوجب له حقاً على غيره ، فلو ادعى المشتري إذن المرتهن في البيع حينئذ ، فإن ثبت بحجة

وإلا حلف أنه لم يأذن.

(

مسألة : ش) : اشترى بيتاً من آخر وقبضه ، فادعى ثالث على المشتري أنه ملكه أو ملك مورثه إلى أن مات ولا يعلم له مزيلاً ، وأقام بينة كذلك حكم له به ، ورجع المشتري على بائعه بثمنه ، كما لو أقر له المشتري أو نكل فحلف المدعي المردودة ، لكن لا رجوع للمشتري على البائع حينئذ لإقراره الصريح أو المنزل منزلته وهو يمين الرد ، نعم إن أقر البائع بتعديه بالبيع رجع عليه.

(مسألة : ش) : دعوى ملك العين المبيعة بعد قبضها لا يكون إلا على مشتريها لا بائعها ، ولا تسمع دعوى العين على البائع ، نعم لو أقر بها للمدعي حينئذ غرم قيمتها وإن لم يقبضه ، فلو صالح البائع على بعضها مع الإنكار لم يصح ولو بحضرة قاض ، بل أو مع الإقرار لما مر أنه لا أثر لإقراره بالنسبة لها ، فلو استولى المدعي على شيء منها بمحض الصلح وجب ردعه ، فإن عاند عزر ، وكذا القاضي ، قال الإمام مالك : القاضي أحق من أدب ، قال ذلك في قضاة زمانه في صدر الإسلام فما ظنك الآن.

(مسألة ش) : لا يشترط في دعوى النقد المغشوش ذكر قيمته بناء على الأصح من جواز المعاملة به ، بل لو ادعى مائة كبير من البقش الزبيدية مثلاً قبلت دعواه وبينته ، ثم إن كانت موجودة فليس له سواها ، وإلا فله قيمتها وقت الطلب ، فإن اتفقا عليها وإلا حلف الغارم.

(مسألة : ش) : ادعى أرضاً غائبة لم تميز إلا بالحدود ، فلا بد من ذكر حدودها الأربعة ، نعم إن تميزت ببعضها كفى ذكره فقط ، إذ شرط الدعوى كونها معلومة ملزمة غير مناقضة ، فلو تردّد في حد مما لا تتميز إلا به في دعوى واحدة كقوله : يحدها من جهة كذا إما زيد وإما عمرو لم يصح ، بخلاف ما إذا تميزت بغيره فلا يضر التردد فيه ، إذ لو لم يذكره لم يضر للعلم بها دونه ، ولو غلط فيه بما لا تتميز إلا به أيضاً كقوله : يحدها من جهة كذا زيد ، وهي من تلك الجهة لا يحدها إلا عمرو ، فلا نقول الدعوى غير صحيحة ، لكن لو قال المدعى عليه : لا يلزمني تسليم هذه الأرض كان صادقاً وبحلفه بارّاً ، ثم لو رجع المدعي وادعى تلك الأرض وحدها على الصواب سمعت دعواه لأنها غير الأولى ، كما لو ادعى على زيد بعشرة مكسرة فأنكر وحلف ، ثم ادعى عشرة صحيحة ، فإن رجع قبل انقضاء الأولى ويمين المدعى عليه كقوله : يحدها قبلياً زيد ، ثم قال : يحدها قبلياً عمرو لم يضر أيضاً ، وإن كانت قبل مضي زمن يمكن انتقال الملك فيه ، أو ذكره منفصلاً في مجلسين فيما يظهر لاحتمال سبق لسانه ، ولأن ذكر الحدود ليس مقصوداً ، بل لو كانت مشهورة كفي عن تحديدها.

(

مسألة : ش) : ادعى شخص في أرض معلومة بالاسم والحدود أنه ابتاع من مورث المدعى عليه عشرة معاود مشاعاً منها بخمس عشرة أوقية ، وأقرض مالكها خمس عشرة أوقية ، وارتهن بها في الأرض خمسة عشر معاود مشاعاً أيضاً ، سمعت دعواه لصحة بيع المشاع ورهنه الدالّ على كونه معلوماً ، ولا يلزمه تعيين محل البيع والرهن لعدم تصوره مع دعواه الإشاعة ، بل يكفي تعيين الأرض ، وحينئذ إن أقام بينة أو أقر له الوارث أو نكل فحلف المردودة ثبت ، وإن حلف الوارث على نفي العلم فلا ، ومن باب أولى لو حلف على البتّ.

فائدة : ادعى على من ذبح بعيره أنه دبحه حال حياته ، وادعى الذابح موته ، صدق مدعي الحياة كما أفتى به ابن حجر وأبو مخرمة ، خلافاً لبايزيد اهـ من خط باوزير.

(مسألة : ش) : سئل عن أرض فقال : كان مورثي باسطاً عليها ولا أعلم ترتيب يده بملك أو غيره ، ثم ادّعى أنها ملك مورثه إلى أن مات وخلفها له سمعت دعواه بشرطها ، ولا يقدح فيها قوله السابق ، إذ يحتمل نسيانه أو جهله ، بخلاف ما لو قال قبل : لم تكن ملك مورثي أو هي ملك فلان ثم ادعاها لمورثه ، فلا تسمع دعواه إذ من أقرّ قبل الدعوى بشيء ووخذ بإقراره في المستقبل استصحاباً حتى يقول : هي ملكي انتقلت إليّ من المدعى عليه بنحو شراء كهبة ، بخلاف ما لو انتزعت منه عين بحكم ثم ادعى بها على المنتزع ، فتسمع دعواه وتقدّم بينته على بينته ، لأنها بينة داخل لكون اليد كانت له.

(مسألة : ب ش) : أحيا قطعة من أرض وترتبت يده عليها سنين ، ثم ادعى آخر جميع الأرض ، وأن المحيي بسط على بعضها من غير مسوّغ ، فإن أقام بينة مؤرخة الإحياء بأن الأرض ومنها المدعي ملكه ورثها من آبائه مثلاً وليست مواتاً ، بل لها آثار عمارة وأن يده مترتبة عليها بلا منازع ، أو أقر له المدعى عليه أو رد اليمين فحلف هو المردودة ، تبين أن يد المحيي عادية لكن لا إثم عليه لعذره ، ويلزمه قلع ما فيها أو تبقيته بأجرة إن رضي المدعي ، ولزمه إيضاً أقصى الأجر مدة بسطه ، نعم إن أثبت المدعي بينة مطلقة لم يستحق أجرة على المحيي ، لأن حكم الحاكم بالبينة المطلقة لا ينعطف على ما مضى ، بل إن كان للمحيي فيها عمل كزبر وحرث زادت به قيمتها شاركه فيها بنسبة ما زادت به القيمة على الأصح ، ولو ثبت أنها موات ملكها المحيي لترتب يده عليها.

(مسألة : ج) : أرض موات في سفح جبل على أصلها من اشتباك الحصى بعضه بعضاً لم تعمر بالحرث قطعاً وبغيره ظناً ، وأسفل منها أرض معمورة وقف على مسجد ، فأحيا ذلك الموات شخص ، ثم بعد مدّة ادعى قيم المسجد المذكور أنها من أرض الوقف المحددة بالجبل المكتوبة بخطوط النظار المعتبرين ، سمعت دعواه بشرط أن لا يذكر مستنده وهو الخطوط المذكورة ، وعمل الحاكم بما يقتضيه اجتهاده من الحكم بالشهادة أو القرائن القوية المعوّل عليها ، ويجوز العمل على خط الوقفة في الحدود إذا اعتضد بمرجحات كاليد وعمل النظار ، ما لم تعارض ذلك قرينة أقوى منها بضده ، كأن توجد سقاية أو بئر حادثة في ذلك السفح موقوفة أيضاً فيتساقطان ويبقى الموات على أصل الإباحة ، لا يقال إن نحو السقاية وضعت تعدياً لأنه خلاف الظاهر ، أو أنه استؤجر لها الأرض لأن الوقف لا يوقف ثانياً ، ولعل ما ذكر من التحديد بالجبل أنه لدخول بعض البقاع المعمورة إلى الجبل في غير هذا الموضع المحيا ، إذ قد يتساهل في كتابة الصيغ ، فإذا لم يتيقن عمارة الأرض حكم بأنها موات.

(

مسألة : ب) : لا يحكم للمدعي بما ادعاه إلا بعد ثبوت البينة وتعديلها ، فلو ادعى غيبتها بعث الحاكم إلى قاضي تلك الجهة يستشهد الشهود وينهي شهادتهم بشرط ، أو بعث هو أو المدعي من يشهد على شهادتهم ، فيشهد بها عنده أخذاً من قولهم : إذا قام بالشاهد عذر مانع من الأداء جاز للحاكم أن يرسل من يشهد على شهادته ، ولو طلب المدعى عليه الإمهال بعد الحكم ليأتي بدافع أمهل ثلاثاً ، لكن بكفيل ثم بالترسيم من جهة الدولة إن خيف هربه ومكن من السفر ليحضر الدافع إن لم تزد المدة على الثلاث.

289

الحلف

(مسألة) : طلب المدعي من المدّعى عليه يمين الإنكار مكن منها وإن كانت بينته حاضرة ، إذ المقصود من تلك اليمين الرجاء ممن طلبت منه أن يقر بالمدعى فيسلم المدعي من إقامة البينة ، وإلا فهي لا تحل حراماً ولا عكسه ، بل العبرة بما في نفس الأمر ، وللمدعي إقامة البينة بعد حلف خصمه فتسمع حينئذ ، وإن قال قبل : لا بينة لي ، وهذا بخلاف اليمين المردودة ، وهي التي يحلفها المدعي بعد عرضها على الخصم ونكوله عنها فإنها كالإقرار ، فلا تنفع بعدها إقامة البينة من المدعى عليه بأداء أو إبراء أو غيرهما لأن في جانبه اليمين ، فإذا ردها على المدّعي فكأنه أقر له بما ادعاه فافهم.

فائدة : اشترى مائعاً وأحضر ظرفه فصب فيه المائع فوجد فيه فأرة فادعى كل أنها كانت في ظرف الآخر صدق البائع ، سواء قال المشتري : كانت فيه عند البيع أم أطلق اهـ عماد الرضا.

(مسألة) : قال لزوجته المريضة : أنا بريء من المهر ، فقالت : نعم صح الإبراء ، نعم إن ادعت هي أو وارثها أن الإبراء وقع وهي غائبة الحس ، فإن ثبتت بينة بذلك لُغي ، وإلا فإن عرف لها غيبة قبل صدقت بيمينها وإلا حلف هو وبرىء ، لكن إن ماتت من ذلك المرض كان حكمه حكم الوصية للوارث إن ورثها.

فائدة : لزيد دراهم بذمة عمرو فتسلمها بحضرة أناس ، ثم جاء بعد مدة ببعضها زيوفاً ، فقال عمرو : ليست من دراهمي ولم يشهد الحاضرون بشيء صدق زيد بيمينه ، فإن نكل حلف عمرو وبرىء اهـ فتاوى بامخرمة ، وقد مرّ مثله في ج في القرض.

فائدة : من خط السيد العلامة قاضي تريم علوي بن سميعا : إذ ادعى ناظر وقف على آخر عيناً وقعت تحت يده من الوقف ، فأنكر المدعى عليه وتوجهت عليه يمين الإنكار فردها على الناظر فهل يحلف الناظر أم لا ؟ الجواب صرح العلماء في باب الدعوى بأن الناظر لا يحلف ، بل يحبس المدعى عليه حتى يحلف أو يقر اهـ.

(مسألة : ج) : مات عن أم وبنين ثم ماتت الأم ، فادعى البنون أنها أوصت لهم بنصيبها في أبيهم ، فإن أقاموا بينة وإلا حلف وارثه على نفي العلم.

(مسألة : ش) : قال لورثته : اعتمدوا ما وجدتموه بخطي في دفتري فيما لي وعليّ ، فما وجده الوارث بخط مورثه مما له ، ولم يحتمل أنه قد أوفاه فله المطالبة به ، والحلف مع شاهد أو اليمين المردودة اعتماداً على الخط الذي غلب على ظنه عدم تزويره ، وما وجده مما عليه وجب عليه اعتماد ما لا يحتمل أنه أوفاه بعد ذلك ، سواء كان مجموعاً بمحل أو متفرقاً ، إذ المدار إنما هو على غلبة الظن أنه خط مورثه.

(

مسألة : ك) : كل من أخذ عيناً بإذن صاحبها لمصلحته يصدّق في دعوى التلف ، والردّ على مالكها كلاً وبعضاً بيمينه ، وذلك كوديع ووكيل ومقارض ولو فاسداً ، وكذا مرتهن ومستأجر في التلف لا الردّ ، إذ هما أخذا لغرض أنفسهما كالمستعير والغاصب ، وخرج بالمالك دعوى الرد على وارثه ، فلا يصدّق إلا ببينة كدعوى وارث الأمين الرد على المالك لأنهما لم يأتمناه على ذلك.

(مسألة : ب) : ادعى على زوجة الميت أن الصوغة التي بيدها ملك مورثه ، فأقرت بالبعض وأنه ملكها إياه بنحو نذر وسكت عن الباقي ، فإن أقامت بينة بالنذر بما يثبت به المنال وإلا صدق الوارث بيمينه بنفي العلم وكان تركة ، كما تصدق هي فيما لم تقر به بيمينها على البت أنه ملكها ، إذ اليد دليل الملك ما لم يقم الوارث بينة أنه عارية أو أمانة لمورثه ، ولو استعار مصاغاً فباعه ، فإن أثبت صاحبه أنه ملكه أو أقر له المشتري ، وحلف المدعي أنه لم يأذن في بيعه سلم ورجع المشتري على البائع ، ولا عبرة بإقرار البائع بالعارية أو الغصب ، إذ لا يؤخذ الشخص بإقرار غيره ، ولأنه ربما كان حيلة ومكراً.

(مسألة : ي) : ونحوه ك : وضعت الزوجة يدها على شيء من أموال الميت وادعت أنه لها ، وادعى الوارث أنه تركة ، أو اختلف الزوجان قبل الفرقة أو بعدها في الذي بيدهما ، فإن أقر له صاحبه بما ادعاه ، أو أقام هو بينة بمقتضى ما ادعاه حكم له بها ، فإن لم تكن أو تعارضتا صدق ذو اليد بيمينه ، فإن نكل حلف الآخر المردودة وأخذه ، فإن نكل ترك لذي اليد ، فإن لم تكن يد أو كانت لهما حلف كل منهما للآخر وقسم بينهما نصفين ، إذ لا مرجح كما لو نكلا معاً ، وإن حلف أحدهما فقط قضي له ، ثم إن حلف البادىء على نفي استحقاق صاحبه النصف فعليه اليمين المردودة بعد نكول الآخر ، وإن امتنع المبدوء وحلف الثاني كفته يمين واحدة ، تجمع نفياً وإثباتاً ، ووارث كل كهو ، زاد ك : وإن صلح لأحدهما فقط قضى له به حيث لا بينة ، ومجرد وضع الزوجة يدها بعد الموت لا يؤثر إذا لم تكن لها يد سابقة اهـ. قلت : وافقه ابن حجر في التحفة وخالفه في فتاويه.

290

تعارض البينات

(مسألة : ش) : اشترى بيتاً فادعى آخر أنه ملكه وأقام بينة حكم له به ، نعم إن أقام المشتري بينة بأنه اشتراه من البائع وهو مالك له حالة البيع قدمت ما لم تقل بينة المدعي : نشهد بأن البيت كان ملكه واليد له وإنما غصبه البائع مثلاً ، وإلا قدمت لأنه ثبت بشهادتها أنه صاحب اليد ، وأن يد الآخرين عادية ، وهذا إن شهدت بينة المدعي بالملك ، فإن شهدت باليد فلا أثر لها إذ قد تكون باستحقاق وقد لا ، بل لو أقر المدعي عليه بأنه كان في يد المدعي لم يؤاخذ.

(مسألة : ش) : ادعى دابة في يد شخص أنها ملكه ضاعت عليه يوم كذا ، فادعى ذو اليد بأن الدابة التي ضاعت على المدعي ماتت ، فإن كانت دعوى الخارج أن هذه دابتي فقط وأقام بينة حكم له بها ما لم يقم الداخل وهو ذو اليد بينة بالملك فتقدم لاعتضادها باليد ، نعم إن شهدت بينة الخارج بالملك وأن يد الداخل غصب قدمت أيضاً ، ولا تعارضهما بينة المدعى عليه بموت الدابة ، إذ المدعاة معينة ، وإن كانت دعواه وبينته أن هذه دابتي التي ضاعت عليّ يوم كذا ولم تضع لي دابة غيرها ، فلذي اليد دعوى علمه بموتها وتحليفه على نفي العلم ، فإن أقرّ أو نكل فحلف المردودة سقطت الدعوى ، كما لو أقام بينة بموتها ، لو رجع الخارج فادعى أنها ملكه فقط سمعت على التفصيل المتقدّم لأنها لم تناقض الأولى.

(مسألة : ش) : ادعى دابة بيد آخر أنها ملكه ضاعت عليه منذ سنة وأقام بينة ، فأقام ذو اليد بينة بأنها في يده منذ سنتين ، قدمت الأولى إذ الشهادة باليد لا أثر لها ، لأنها قد تكون بالملك وبغيره ، نعم يثبت بها كونه ذا يد حتى إذا شهدت له بالملك تلك البينة أو غيرها قدمت على الشهادة بمجرد الملك ، وعارضت الشهادة بالملك واليد حيث لم تشهد إحدى البينتين بأن يد الخصم يد غصب.

(مسألة : ش) : متى أثبت الداخل بينة بالملك وأن يده ثابتة عليها بحق ، فأثبت الخارج فانتقالها إليه بنحو شراء من الداخل أو مورثه ، أو ممن انتقلت إليه من الداخل أو بأنها ملكه ، وأن الداخل غصبها أو استعارها أو استأجرها أو استودعها قدمت بينته على الأصح ، لأن معها زيادة علم وإن لم تشهد للخارج بالملك ، بل تكون يد الداخل يد غصب فقط قدمت بينة الداخل.

(مسألة : ش) : ادعى على آخر أن له عيناً مرهونة عنده بدين ، فإن قال : هذه ملكي رهنتها في كذا عليّ أو على مورثي فمدّع للعين ومقرّ على نفسه بالدين ، فإن أجابه الآخر بأن العين ملكي وليس لي عليك شيء بطل الإقرار للتكذيب ، وإن قال : لي عليك هذا الدين أو سكت صحَّ الإقرار ، وإن لم يقل عليّ أو على مورثي ، فليس صريح إقرار لجواز ملك المرهون لغير الراهن كالمعار ، وأما العين فمن أقام بينة فالملك له ، ولا يثبت رهنها لتكذيب المدعى عليه ، فإن أقام بينتين قدمت بينة ذي اليد لاعترافهما بأن اليد له ، لكن لا تسمع بينته إلا بعد بينة مدعي الملك لقوة جانبه باليد واليمين ، ومدعي الملك خارج والبينة في جانبه.

(

مسألة : ش) : ادعى كل من اثنين أنه أقرب إلى الميت قضي لمن أقام البينة ، فإن أقاما بينتين فللبينة كيفية القرب ، بل أفتى العمراني وغيره أنه لا عبرة ببينة النسب ما لم تذكر كيفية الإدلاء ، فإن بينتا معاً أو أطلقتا فكما لو لم يقيما بينة ، لكل الدعوى على الآخر أنه يعلم كونه أقرب ، فإن حلف كل على نفي العلم أو نكلا ولم يحلفا المردودة أو حلفاها فكتعارض البينتين فيتساقطان إذ لا مرجح ، وإن نكل أحدهما فحلف الآخر المردودة ثبت كونه أقرب ، وعند عدم المرجح يقسم بينهما نصفين ، ولا عبرة بيد أحدهما الباسطة بعد الموت للعلم بأن مستندها دعواه الأقربية.

(مسألة : ش) : ادّعت امرأة على ميت النكاح ، فإن كانت لأجل الصداق كفاها أن تقول : تزوّجني وصداقي إلى الآن عليه أو لأجل الإرث ، فلا بد أن تزيد : ومات وأنا زوجته مثلاً ، فإذا شهدت لها بينة على وفق الدعوى ثبتت الزوجية والإرث ، فإن أثبت الوارث طلاقها منجزاً أو مغلقاً بصفة وجدت قبل الموت قدمت على بينة النكاح ، ولا يكون تأخير الشهود الشهادة مفسقاً إذ قد يكون لعذر ، أو أن الصفة المعلق عليها وجدت قبيل الموت ، فإن أقر قبل الحكم بعدم العذر ردّت شهادتهما ، نعم لها الدعوى على الوارث تعلمه بفسق الشهود بتأخير الشهادة بلا عذر ، فإن حلف على نفي العلم وإلا حلفت بتاً واستحقت.

(مسألة) : إذا تعارضت البينتان رجح من تميز منهما بقوة جانبه ، ومنه أن تكون شهادة أحدهما بنقل الملك والأخرى باستصحابه ، فتقدم الناقلة لزيادة علمها ، وإنما يعتقد بنقل معين لسببه من شراء أو هبة ، فإن لم يتعين كأن قالت : انتقل إليه بسبب صحيح لم يكف على خلاف فيه في الأصل ، فالنقل كقتل ادّعاه وارث ميت وأقام به بينة فتقدم على بينة موت بفراش ، وكبينة شراء على بينة ملك مطلق ، وبينة مرض أو جرح أو جنون أو سفه أو إكراه أو إقراء أو يسار أو رقّ أو عتق ، كل هذه على ضدها ، ثم بيده ويد مقره وإن زالت بينة خارج ، ثم شاهدان على واحد ويمين ، ثم بسبق تاريخ وبنتاج ، ثم بإضافة ، ثم سقطتا كمطلقة ومؤرخة اهـ فتح.

291

العتق والتدبير

(مسألة) : إذا أعتق السيد عبده ، أو مات سيد أم الولد أو المدبر ، أو جددت الصفة في المعلق عتقه بها ، أو أدى المكاتب النجوم صار كل ممن ذكر حرًّا تجري عليه أحكام الأحرار ، ويتولى ما يتولاه الأحرار من الولايات والشهادات وغيرهما ، وولاؤه لمن حصل منه نحو العتق ، كما لو كانت أمة حرة أصلية أو عتيقة أو غرّ حر أو عبد بحرية أمة فتزوّجها ، فينعقد الولد حراً في الثلاث لكن لا ولاء على الأخيرين.

(مسألة : ب) : أعتق عبده الآبق ليأسه من رجوعه أو لتسقط عنه فطرته ، أثيب عليه لكن دون ثواب غيره.

(مسألة : ب) : قال لأمته وبناتها : أنتنّ حرائر وعليكن خدمة البيت حتى يتزوّجن بناتي نفذ العتق مطلقاً ، وأما الخدمة فإن أراد بذلك إلزامهن بها بمعنى أعتقكن على خدمة البيت وصدقنه أو بعضهن في قصده رجع هو ووارثه بقيمة المصدقة منهن عليها لاقتران عتقه بعوض فاسد وهو الخدمة للجهل بمدتها فيرجع للقيمة اهـ. وفي أخرى له : لو قال عبدي معتوق وعليه قوت ولدي حتى يبلغ ، فإن قبل العبد فوراً عتق ولزمه قيمته لأنه علقه بعوض مجهول ، كما لو أعتقه على أن يخدمه أو يخدم ولده.

(مسألة) : مرضت امرأة ولها عبيد فقالت : مرادي عتق العبد ثم برئت ، وإذا سئلت عن العبيد تقول : بغيت أعتقهم بعد مغوية عيني ، وربما قالت : قد هم معتقون ، فهذه الألفاظ تقتضي عتقهم بعد الموت ، فيكون كناية كما قاله أبو مخرمة فيمن قال : آبى لفلان كذا أنه كناية وصية ، فإن علمت نيتها وإلا صدق الوارث بيمينه أنه لا يعلمه ، نعم قولها قد هم معتقون إقرار ، فيحتمل أنها نجزت عتقهم ، وأنها أرادت التدبير فتصدق فيما أرادته ، ويظهر تصديق وارثها أيضاً للقرينة وهو جهلها بالمعنى ، وإذا ثبت المنجز كان من رأس المال وإلا فمن الثلث.

(مسألة : ب) : وهبت امرأة لبنتها أمة ، ثم ماتت البنت فصارت الأمة المذكورة بالقسمة لابنها ، ثم ماتت الجدة فأظهرت الأمة كتاب عتق من الجدة عند موتها وعليه شاب القاضي ، فقال رجل للابن : ما قولك إن جدتك أعتقت هذه الأمة ؟ فأجابه بقوله : لا أغير ما فعلته جدتي ، فعتق الجدة المذكورة لا يدل إذ هي فضولية ، وقول الابن لا أغير ما فعلته جدتي ليس إقرار بعتق الأمة ، فلا تصير به عتيقة بل ولا كناية فيه لبعده عنها ، إذ الكناية كل لفظ يصلح لتخلية الرقيق بنية المعتق ، كألفاظ الطلاق والإبراء وكياسيدي ، وغاية هذا أن ينوي بلا أغير الخ أي من العتق إن صح شرعاً وقد علمت عدم صحته ، بل لو تلفظ بصريح العتق على ظن صحة عتق الجدة لم يؤاخذ به.

(

مسألة : ب) : مريض قال لعبده : إن بلغن بناتي وتزوّجن فأنت حرّ بعد ذلك ، والحال أن العبد رأس ماله ، فإن علم له لفظ أو نية بإرادة تعليق العتق ببلوغ البنات وتزويجهنّ ، سواء وجدا في حياة المعتق أم لا كان تعليقاً بصفة معلقة ، والذي أفتى به أو قضام آخراً ونقل عن الإمام بحرق صحة الوصية عملاً بإرادته ، وعليه فينفذ العتق بعد بلوغ البنات وتزويجهن في ثلث العبد إن لم تجز الورثة بشرطه ، وإن لم يعلم لفظ ولا نية بذلك فاستقرب أبو قضام الصحة أيضاً ، ويؤيده قاعدة إعمال كلام المكلف أولى من إهماله ، ولتشوّف الشارع للعتق ، وكلام التحفة كالمضطرب وبتأمله يميل إلى الصحة ، وأما إذا علم له لفظ أو نية بإرادة تعليق العتق بموته بشرط بلوغ البنات وتزويجهن ، أي إذا بلغن بناتي وتزوّجن فأنت حر بعد موتي فلا يعتق إلا إن وجد ما ذكر قبل الموت ، كما لو قال لعبده : إذا قرأت القرآن ومت فأنت حرّ ، فلا بد من قراءة كل القرآن قبل موت السيد وإلا فلا عتق.

(مسألة : ك) : قال : عبدي مخير إن أراد العتق أو أراد الرق ، فأراد العبد العتق ، فالذي يظهر أنه يعتق بإرادته ذلك من الثلث ، لأن الراجح صحة تعليق الوصية بشرط في الحياة أو بعد الموت ، كأوصيت له بكذا إن تزوّج بنتي ، أو إن رجع من سفره ، أو إن شاء زيد.

(مسألة) : أعتق شريك حصته في مشترك سرى إلى باقيه وعتق كله إن أيسر به ولو مديناً ، كما لو أعتق جزء عبده فيسري إلى باقيه ، نعم لو وكل بإعتاق العبد كله فأعتق الوكيل جزءاً شائعاً لا معيناً عتق ذلك الجزء فقط اهـ شرح المنهج. قال بج : ولضعف تصرف الوكيل لكونه غير مالك لم يقو على السراية ، وهذا إذا كان الوكيل أجنبياً ، فإن كان شريكاً عتق ما أعتقه عن موكله وسرى عليه الباقي اهـ ومثله التحفة.

(مسألة) : دبر بعض عبده أو ما يملكه من المشترك عتق بموته ولم يسر إلى الباقي وإن خلف تركة لأنه الآن معسر ، وقد انتقلت التركة إلى الورثة ، ثم إن كان الجزء المدبّر معيناً كنصفه عتق ، أو مبهماً كبعضه عينه الوارث ، وإن دبر نحو يده لم يصح ، نعم لو قال : إن مت فيدك حرة ، فمات عتق كله ، لأن هذا شبه العتق المنجز من حيث لزومه بالموت.

(مسألة) : قال لعبده : إذا مت أو إذا دخلت الدار أو مت فأنت حر ، صار مدبراً في الصورتين ، يعتق بعد موته من الثلث بشرط أن يدخل قبل الموت ، وإن قال : إذا مت ثم دخلت الدار أو مضى شهر فأنت حر ، أو علقه بصفة أخرى فليس بتدبير ، بل تعليق عتق بصفة فقط ، فحينئذ يعتق من رأس المال إن جمل التعليق في الصحة ، ولو قالا لعبدهما : إذا متنا فأنت حر فلا يعتق إلا بموتهما ، ثم إن ماتا معاً فهو مدبر ، وإن تربى فنصيب المتقدم معلق بصفة ، ونصيب المتأخر مدبر للقاعدة ، أن من علق عتقه بموت سيده أو به وبصفة قبله له حكم المدبر ، ومتى علق به وبصفة بعده له حكم المعلق عتقه بصفة ، وللوارث كسب العبد بعد الموت ، وقبل وجود الصفة من الدخول ومضي أشهر وموت الشريك لكن ليس له التصرف فيه ، وكذا الوصي على المعتمد ، قاله في الإقناع وحواشيه ونحوه في التحفة.

(

مسألة) : أعتقت امرأة جارية وأولادها ، كان ولاؤهم وإن سفلوا للمعتقة ثم عصبتها الذكور ، فيقدم الابن ثم ابنه ثم الأب إلى آخر العصبات ، نعم يؤخر الجد هنا عن الأخ وابن الأخ ، فإن فقدوا فمعتق أبي الجارية فعصبته ثم معتق جدها ثم أمها كذلك.

(مسألة : ي) : لا ولاء للسيد على أولاد عبده المحكوم بحريتهم ، ثم إن كانوا من حرة الأصل فلا ولاء عليهم لأحد ، أو من عتيقة فولاؤهم من إرث ونكاح لموالي الأم بشرط أن يمس أباهم الرق وأن لا يمسهم الرق ، هذا إن لم يعتق الأب بعد ، وإلا انجرّ الولاء أي انتقل لمعتقه ولم يعد لموالي الأم أبداً.

293

أمهات الأولاد

(مسألة : ك) : مات السيد فادعت أمته أنها حامل منه ، فإن كانت فراشاً بأن ثبت وطؤه لها أو دخول مائه المحترم بإقراره أو بينتة ، وولدت لدون أربع سنين من وطئه تبين عتقها بموته ، فتملك أكسابها من حينئذ وخرج بذلك مجرد ملكه لها ، فلا يلحق به ولد إجماعاً وإن خلا بها وأمكن كونه منه.

(مسألة) : من وطىء أمته ولو حراماً لكونها مزوجة مثلاً ، فأتت بولد ولو متخططاً صارت أم ولد وعتقت بموته كأولادها الحادثين بعد الاستيلاد من غير السيد ، وإن كان أبوهم رقيقاً ، ولا ينقطع نكاح الأمة بوطء سيدها ، نعم يحرم على الزوج وطؤها ما دامت حاملاً ، ويأثم السيد بوطئه الأمة المزوّجة بل يعزر كهي إن لم تعذر ، وطريق خلاص الأمة من زوجها الرقيق أن يعتقها السيد ثم تفسخ النكاح حالاً بعد علمها.

(مسألة : ج) : وطىء أمته ثم زوجها فولدت بنتاً وزعمت أنها من السيد ، لم تتوجه عليه دعوى إلا إن ولدت لدون ستة أشهر من إمكان الاجتماع بالزوج ، وحينئذ فإن أقر بالوطء وعدم الاستبراء لحقته وثبتت أمية الولد ، وإن أنكر الوطء أو ادعى الاستبراء بعده صدق بيمينه وصار الولد رقيقاً مجهول النسب ، أما لو ولدته لأكثر من ستة أشهر ودون أربع سنين من إمكان الاجتماع بعد العقد فيلحق الزوج مطلقاً ، ولم يحل نفيه بعد أن وطئها إلا إن علم زناها فيجوز بطريق اللعان بشرطه ، وأما إقرارها بالولد من السيد فلا يترتب عليه حكم لتهمتها في دعواها أمية الولد اهـ. وعبارة ي : وطىء أمته المزوجة أثم إثماً عظيماً وعزر ، ثم لو ولدت بعد وطئها فإن أمكن كونه من السيد وحده لحقه ، أو من الزوج وحده فكذلك ، كما لو أمكن كونه منهما ، نعم إن ثبت وطء السيد لها ببينة ، أو بتصديق الولد بعد تكليفه ، أو بتصادق السيد والزوجين عرض على القائف ولحق بمن ألحقه به ، وحيث لحق السيد فهو نسيب والأمة أم ولد ، أو لم يلحقه عتق الولد وصارت أمه أم ولد أيضاً مؤاخذة له بإقراره.

(مسألة : ي) : وطء الأمة المشتركة من الكبائر ، لكن لا حد به في الأظهر ، بل يعزر ويثبت به الاستيلاد في نصيب الواطىء ، كنسب الولد وحريته وحصول السراية فيه ، حتى في نصيب الشريك فيلزمه قيمته حال العلوق ، وإن كان موسراً وإلا ثبتت الثلاثة في نصيبه فقط ، نعم يلزمه حصة شريكه من المهر مطلقاً ، فلو وطىء مشتركة أخرى أخت هذه الأمة قبل خروج الأولى عن ملكه ثبت ما ذكر ، غير أنه زاد معصية أخرى بجمعه بين أختين في الوطء اهـ. قلت : يتأمل هذا الكلام لعل فيه نقصاً أو غلطاً من الناسخ ، فإن فيه بعض مخالفة لكلامهم الذي نص عليه في المنهاج والإرشاد وشروحهما والعباب وغيرها ، أن من أولد أمة له فيها شرك وإن قل سرى إيلاده إلى نصيب شريكه إن كان موسراً ، ويغرم حصة الشريك من القيمة ومهر المثل لا قيمة الولد ، فإن كان موسراً فعكسه أي فتلزمه حصة الشريك من قيمة الولد والمهر ، وتصير مستولدة في حصته فقط ، وينعقد الولد حراً في الصورتين كما في العباد ، والفرق بين الإيلاد حيث يسري في الولد ولو من المعسر ، وبين عتق الشريك حيث لا يسري إلا إن أيسر بحصة شريكه قوة الشبهة.

فائدة : قال في النهاية : ولو أجر السيد أم الولد مدة ثم مات في أثناء المدة عتقت وانفسخت الإجارة كالمعلق عتقه والمدبر ، بخلاف ما لو أجر عبده ثم أعتقه ، فإن الأصح عدم الانفساخ ، والفرق تقدم سبب العتق بالموت أو الصفة على الإجارة بخلاف الإعتاق ، ولهذا لو سبق نحو الاستئجار الاستيلاد ثم مات السيد لم ينفسخ لتقدم سبب استحقاق المنفعة على سبب العتق اهـ حاشية الجمل.

294

خاتمة الكتاب في فوائد شتى وفضائل القرآن العظيم

(مسألة : ك) : شخص أمكنه حفظ القرأن العظيم ، وخاف هو ومعلمه تضييعه ونسيانه المنهي عنه ، فالذي يظهر أن الأولى التعلم والتعليم ، والاستعانة بالله تعالى على التوفيق للمنهج المستقيم ، وليس هذا من قاعدة درء المفاسد ، إذ المفسدة هنا غير محققة بل متوهمة ، وثواب حفظ القرآن محقق ، والخير المحقق لا يترك لمفسدة متوهمة.

فائدة : مما ابتدعه الحجاج نقط المصحف وشكله لكنهما سنة. واعلم أن الذي ابتدعه الحجاج بالنسبة لأسماء السور إنما هو الإثبات فقط أي إثباتها في المصحف ، وأما أسماء السور فهو بتوقيف من النبي ، وترتيبها وترتيب الآيات كل من هذه الثلاثة بتوقيف منه عليه السلام ، أخبره جبريل عليه السلام بأنها هكذا في اللوح المحفوظ. وأما عدد الآيات فليس بتوقيف ولهذا اختلفوا فيه اهـ بج على الإقناع.

فائدة : قال الإمام الشعراني في زبد العلوم : وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول : ما أنزل الله تعالى كتاباً إلا بالعربية إذ هي أوسع اللغات ، ولكن جبريل عليه السلام يترجم لكل نبي بلسانه ، وليس في القرآن إلا لغة العرب ، وربما وافقت اللغة منه غير لغة العرب ، والأصل عربي لا يخالطه شيء ، ثم اعلم أنه لم يبلغنا عن الرسول ولا عن الصحابة ما يتعاطاه الفراء الآن من قراءة كل آية بجميع ما فيها من اللغات ثم ينتقل منها إلى الأخرى ، لأن المقصود الأعظم من إنزال الكتب الإلهية الاتعاظ والعمل بها وإلا فأي ثمرة لمن يقرأ بالمد والإمالة والتفخيم والترقيق وغيرها وهو غافل القلب عن الله تعالى اهـ.

فائدة : قال إبراهيم الخوّاص : دواء القلوب خمسة أشياء : قراءة القرآن بالتدبر ، وإخلاء البطن ، وقيام الليل ، والتضرّع عند السحر ، ومجالسة الصالحين اهـ أذكار النووي. وسويداء القلب هي نقطة سوداء منيرة كسواد باطن العين اهـ شرح دعاء أبي حربة.

فائدة : يكره الاحتباء حال قراءة القرآن ومجالس العلم ، إذ العلة إما جلب النوم أو أنه هيئة تنافي الخشوع وهما موجودان هنا كمستمع الخطبة بل أولى ، نعم إن علم من نفسه أن الاحتباء يزيد في نشاطه فلا بأس به حينئذ اهـ فتاوى ابن زياد. وقال الشوبري ، فرع : يطلق القرآن على أربعة أمور : على النقوش وهو المراد بقولهم : يحرم على المحدث حمل المصحف. وعلى اللفظ وهو المراد بقولهم في الغسل : وتحل أذكاره لا بقصد قرآن. وعلى المعنى القائم بالنفس وهو المراد بقولهم في الجماعة : ويقدم الأفقه على الأقرأ. وعلى القائم بذات الحق سبحانه وتعالى ، وكل الإطلاقات صحيحة اهـ.

فائدة : شخص يقرأ القرآن من غير إحسان بل يخل به إعراباً وأحكاماً لم يسم قرآناً ، فلا يحرم على الجنب قراءته كذلك ، ولو حلف بنحو الطلاق بأنه لم يقرأ لم يحنث ، بل قال شيخنا اليمني بذلك فيمن لم يتغن بالقرآن اهـ فتاوى محمد خليل ملخصاً.

فائدة : قال الثعلبي في تفسيره : جميع آيات القرآن ستة آلاف وستمائة وستون آية ، ألف آية أمر ، وألف نهي ، وألف وعد ، وألف وعيد ، وألف قصص ، وألف أمثال ، وخمسمائة تحل وتحرم ، ومائة تسبيح وتهليل ، وستون ناسخ ومنسوخ. وعدد حروفه ألف ألف وأربعة وعشرون ألفاً ، للقارىء بكل حرف حريرة في الجنة ، ويجب على القارىء أن يشرك في القراءة اللسان بتصحيح الحروف بنحو الترتيل ، والعقل بتفسير المعاني ، والقلب بالاتعاظ والانزجار اهـ.

(مسألة : ب) : اختلف العلماء في سنّ البسملة لمن قرأ من أثناء سورة ، وعمل سلفنا ومن أدركناه من الفقهاء لا يبسلمون إلا أوّل السورة فقط وهو الأوفق.

فائدة : قال الحبيشي في كتاب البركة : من قرأ يس أربع مرات لا يفرق بينها بكلام في موضع نظيف خال ، ثم قال ثلاثاً : سبحان المنفس عن كل مديون ، سبحان المفرّج عن كل محزون ، سبحان من أمره بين الكاف والنون ، سبحان من إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون ، يا مفرّج الهموم ، يا حيّ يا قيوم ، صلّ على سيدنا محمد وآله وافعل لي كذا وكذا ، قضيت حاجته مجرب اهـ.

(مسألة : ك) : إذا أطلقت المعوّذات كالواردة عند النوم فهي سورة الإخلاص ، وقل أعوذ برب الفلق ، وقل أعوذ برب الناس ، كما صرّح به الأئمة.

(مسألة : ك) : قول ابن عطاء الله : من قرأ قل هو الله أحد مائة مرة كان له من الأجر كلما قال قل هو الله أحد ثواب سنة ، يحتمل أنه ثواب سنة صيامها وقيامها لورود التصريح به في بعض الأشياء ، فيكون من باب حمل المطلق في كلام ابن عطاء على المقيد ، ويحتمل أن مراده غير ذلك ، لكن مثل هذا يتوقف القول به على التوقيف من الشارع صلوات الله وسلامه عليه ولو بسند ضعيف ، إذ لا مجال للرأي فيه ، والكشف لا يحتج به لا سيما في مثل هذا الشأن ، وأما خبر الصحيحين وغيرهما أن قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن ، وعدّه السيوطي من الأحاديث المتواترة ، فقد اختلف العلماء في معناه ، فحمله بعضهم على أن الثلث باعتبار معاني القرآن ، إذ هي أحكام وأخبار وتوحيد ، والإخلاص مشتملة على الأخير فتكون ثلثاً بهذا الاعتبار ، وقيل : من عمل بما تضمنته من الإخلاص والتوحيد كان كمن قرأ ثلث القرآن ، ومنهم من حمله على ثواب قراءتها مثل ثواب من قرأ ثلثاً ، ويؤيده حديث من قرأ قل هو الله أحد فكأنما قرأ ثلث القرآن ، وقيل : تعدل ثلثه من غير مضاعفة ، ونقله في التحفة عن الأئمة.

295

فوائد تتعلق بالحديث والسيرة النبوية والصحابة رضوان ا لله عليهم أجمعين

تنبيه : الأثر يطلق على المروي ، سواء كان عن رسول الله أو عن الصحابة ، قال النووي : هذا هو المذهب المختار الذي قاله المحدثون وغيرهم ، واصطلح عليه السلف وجماهير الخلف ، وقال الفقهاء الخراسانيون : الأثر ما يضاف إلى الصحابي موقوفاً عليه اهـ بج على الإقناع. ومن منظومة الحريري في علم الحديث قوله :

واختصروا أخبرنا خطا أنا

واختصروا حدثنا ثنا ونا

وتكتب الحاء لتحويل السند

مهملة والأكثر الإعجام رد

وبعد ما يسوق الإسناد إلى

مصنف يعود عاطفاً عل ى

ذلك الإسناد يقول وبه

أتى الإسناد على دانيه فائدة : قال ابن حجر في شرح الأربعين : إذا قال المصنف حدثنا فهو لما سمع من الشيخ ، أو أخبرنا فهو لما قرأه عليه ، أو أنبأنا فلما أجازه فيه اهـ. وقال ابن الصلاح : خمسة من غريب الحديث وهي "إن السماء بحر ، وإن بحرنا هذا من بزقة حوت ، وإنه في نقرة إبهام ملك ، وإن شعيباً عليه السلام عاش ثلاثة آلاف سنة ، وإن في غنمه اثني عشر ألف كلب ، وإن الله أحيا أبوي النبي" .

(مسألة : ش) : أطبق المصنفون على عدم مبايعة سعد بن عبادة الأنصاري الصحابي سيد الخزرج ساداتنا لأبي بكر وعمر رضوان الله عن الجميع ، وأنه سار إلى الشام ومات سنة 15 أو سنة 16 أو سنة 11 ، ولا خلاف أنه وجد مقتولاً ، ولا شك أن سعداً لا يقول إن أحداً أولى بالإمارة من الصديق ، بل شاهد بيعته له قوله له : أنتم الأمراء ونحن الوزراء ، فتبرأ حينئذ من دعوى الإمارة ، أقرّ بأنها وقعت في محلها فليحمل كلامهم على عدم بيعته بخصوص أخذ اليد لا بعموم الإقرار ، وهذا هو الذي يليق بمثل سعد ولا يظنّ به سواه.

فائدة : خمسة من الصحابة رضوان الله عليهم لهم شبه به صلوات الله وسلامه عليه نظمهم بعضهم بقوله :

لخمسة شبه المختار من مضر

يا حسن ماخوّلوا من شبهه الحسن

لجعفر وابن عم المصطفى قثم

وسائب وأبي سفيان والحسناهـ. شرح لامية العجم.

فائدة : قال العلماء : ينبغي لكل مؤمن أن يعرف أولاده ، وقد نظم ذلك بعضهم فقال :

أولاد طه قاسم فزينب

رقية ذات الجمال الباسمه

فأم كلثوم ففاطمه فعبد

الله إبراهيم وهو الخاتمهولبعضهم فيمن حفظ أكثر من ألف حديث من أصحابه عليه الصلاة والسلام :

سبعة من الصحب فوق الألف قد نقلوا

عن النبي رسول الله خير مضر

أبو هريرة سعد جابر أنس

صديقه وابن عباس كذا ابن عمر فائدة : ولد سيدنا عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه ليلة عشر في رجب الحرام وثلاثون سنة من عام الفيل. من كتب ذلك دخل الجنة ، قاله العلامة أحمد بن زيد الحبيشي اهـ.

296

فضائل أهل البيت النبوي نفع الله بهم

فائدة : قيد المناوي بضم الميم في شرح الجامع حديث : "آلي كل مؤمن تقي بمن هو من بني هاشم وبني المطلب" وهو معنى صحيح ، وله وجه وشواهد من الأخبار المشهورة المأثورة في حث أهل البيت على تحقيق نسب التقوى اهـ.

فائدة : نقل السيوطي عن شيخه العراقي أن المهدي ولد سنة 255 ، قال : ووافقه الشيخ علي الخوّاص ، فيكون عمره في وقتنا سنة 358703 سنوات اهـ. وذكر أحمد الرملي أن المهدي موجود ، وكذلك الشعراني اهـ من خط الحبيب علوي بن أحمد الحداد ، وعلى هذا يكون عمره في سنة 13011046 سنة.

(مسألة : ي) : صلة أهل البيت النبوي المحرمة عليهم الصدقة قربة مستحبة بالإجماع كمودتهم ومحبتهم لقوله تعالى : {قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى} وقوله عليه الصلاة والسلام : "أذكركم الله في أهل بيتي ثلاثاً" وقوله : "من أراد التوسل إليّ وأن يكون له عندي يد أشفع له بها يوم القيامة فليصل أهل بيتي ويدخل السرور عليهم" . وقول الصديق رضي الله عنه على المنبر : ارقبوا محمداً في أهل بيته ، وقوله لهم : لأن أصلكم أحبّ إليّ من أن أصل قرابتي.

(مسألة : ب) : عمل سلفنا وساداتنا الأشراف آل أبي علوي حجة ، وكفى بهم لمن اقتدى بهم واقتص آثارهم قدوة ، وكيف لا وقد طبق الأرض ذكرهم وملئت الدنيا من تراجمهم وجميل صبرهم ، قال الإمام أحمد بن عبد الله بلحاج فضل : فحصت عن الأشراف في الآفاق وسألت عنهم الواردين إلى الحرمين فوصفوا لي وعرفوني أخبارهم ، فلم أجد على الاستقامة وطرق الكتاب والسنة كبني علوي الحسنيين الحضرميين. ونقل العلامة محمد بحرق عن شيخه العارف بالله محمد باجرفيل أن أهل البيت أفضل الناس ، وآل أبي علوي أفضل أهل البيت لاتباعهم السنة ، ولما اشتهر عنهم من العلم والعبادة وحسن الأخلاق والكرم والتقوى بالاتفاق ، وقد قال قطب الإرشاد السيد عبد الله الحداد : ما أحسن في هذا الزمان من طريقة آل أبي علوي ، وقد أقر لهم بذلك أهل اليمن مع بدعتهم ، وأهل الحرمين مع شرفهم ، وهي طريقة نبوية ، ولا يستمد بعضهم إلا من بعض ، فإن حصل لهم مدد من غيرهم فهو بواسطة أحد منهم ، وهم الآن وفي كل زمان لا يحصون كثرة ، قال السيد الإمام زين العابدين العيدروس : أحصوا قبائل بني علوي فبلغوا مائة وخمساً وعشرين قبيلة وغالبهم بحضرموت ، وقد عد من فيها منهم سنة 1203 فبلغوا نحو عشرة آلاف اهـ. قلت : وعنى بآل أبي علوي ذرية سيدنا علوي بن عبيد الله بن أحمد بن عيسى ، لأن هذا العرف الخاص اشتهر بهم لا كلّ ذرية أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه فافهم.

(

مسألة) : هل تقبيل أيدي السادة الأشراف سنة أو مباح أو مكروه ؟ وقال في فتح العين : وافق النووي بكراهة الانحناء وتقبيل نحو يد أو رجل لا سيما لنحو غني لحديث : "من تواضع لغني ذهب ثلثا دينه" . ويندب ذلك لنحو صلاح أو علم أو شرف ، لأن أبا عبيدة قبل يد عمر رضي الله عنهما اهـ ، ونحوه في فتاوى ابن حجر. وقال في المشرع المرويّ في مناقب بني علوي : يسن عند الشافعي تقبيل نحو يد الزاهد والشريف والعالم والكبير في السنّ والطفل الذي لا يشتهي ولو لغير شفقة ورحمة ، ووجه صاحب قدم من سفر لما روى الترمذي أن يهوديين قبلا يد النبي ورجله ولم ينكر عليهما. وروى ابن حبان أن كعباً قبل يديه وركبتيه عليه الصلاة والسلام لما نزلت توبته. وفي حديث وفد عبد القيس أنهم قبلوا يده ، والأعرابي الذي أمره أن يدعو الشجرة ، وغير ذلك من الطرق وأن زيد بن ثابت قبل يد ابن عباس وقال : هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا. وقال الحافظ العراقي : وتقبيل الأماكن الشريفة على قصد التبرك وأيدي الصالحين وأرجلهم حسن محمود باعتبار القصد والنية اهـ. فعلم بذلك أن ما اندرج عليه السلف الصالح من المشايخ العلماء الجامعين بين علمي الظاهر والباطن والأولياء والصلحاء قاطبة من تقبيلهم أيدي الأشراف بني علوي ، خصوصاً من بين سائر الناس ولو لجاهل وطفل ومتزيّ بغير سلفه هو الحق الواضح والطريق المستقيم لما في كل واحد من ذرية سيدتنا فاطمة الزهراء رضي الله عنها جزء من بضعة النبي ، وإن كثرت الوسائط كما نص عليه العلماء ، ولما قيل : إن شم عرفهم يذهَب بالجذام :

297

التوسل بأهل الفضل والردّ على أهل البدع وحكم خوارق العادة

(مسألة : ج) : التوسل بالأنبياء والأولياء في حياتهم وبعد وفاتهم مباح شرعاً ، كما وردت به السنة الصحيحة ، كحديث آدم عليه السلام حين عصى ، وحديث من اشتكى عينيه ، وأحاديث الشفاعة ، والذي تلقيناه عن مشايخنا وهم عن مشايخهم وهلم جرا ، أن ذلك جائز ثابت في أقطار البلاد وكفى بهم أسوة ، وهم الناقلون لنا الشريعة ، وما عرفنا إلا بتعليمهم لنا ، فلو قدّرنا أن المتقدمين كفروا كما يزعمه هؤلاء الأغبياء لبطلت الشريعة المحمدية ، وقول الشخص المؤمن يا فلان عند وقوعه في شدة داخل في التوسل بالمدعوّ إلى الله تعالى وصرف النداء إليه مجاز لا حقيقة ، والمعنى يا فلان أتوسل بك إلى ربي أن يقيل عثرتي أو يردّ غائبي مثلاً ، فالمسؤول في الحقيقة هو الله تعالى ، وإنما أطلق الاستعانة بالنبي أو الولي مجازاً ، والعلاقة بينهما أن قصد الشخص التوسل بنحو النبي صار كالسبب ، وإطلاقه على المسبب جائز شرعاً وعرفاً وارد في القرآن والسنة ، كما هو مقرّر في علم المعاني والبيان ، نعم ينبغي تنبيه العوام على ألفاظ تصدر منهم تدل على القدح في توحيدهم ، فيجب إرشادهم وإعلامهم بأن لا نافع ولا ضارّ إلا الله تعالى ، لا يملك غيره لنفسه ضرّاً ولا نفعاً إلا بإرادة الله تعالى ، قال تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام : {قل إني لا أملك لكم ضرّاً ولا رشداً} اهـ. قلت : وقال بعض المحققين : ولا يظهر لي أن حكمة توسل عمر بالعباس رضي الله عنهما دون النبي هي مشروعية جواز التوسل بغيره عليه السلام ، وذلك لأن التوسل به أمر معلوم محقق عندهم ، فلو توسل بالنبي عليه السلام لأخذ منه عدم جواز التوسل بغيره لله تعالى. وعبارة ك : وأما التوسل بالأنبياء والصالحين فهو أمر محبوب ثابت في الأحاديث الصحيحة وقد أطبقوا على طلبه ، بل ثبت التوسل بالأعمال الصالحة وهي أعراض فبالذوات أولى ، أما جعل الوسائط بين العبد وبين ربه ، فإن كان يدعوهم كما يدعو الله تعالى في الأمور ويعتقد تأثيرهم في شيء من دون الله فهو

كفر ، وإن كان مراده التوسل بهم إلى الله تعالى في قضاء مهماته مع اعتقاده أن الله هو النافع الضارّ المؤثر في الأمور فالظاهر عدم كفره وإن كان فعله قبيحاً.

فائدة : سئل السيد عمر البصري عن قول الشخص : شيء لله يا فلان الخ ، فأجاب : قول العامة يا فلان شيء لله غير عربية لكنها من مولدات أهل العرف ، ولم يحفظ لأحد من الأئمة نصّ في النهي عنها ، وليس المراد بها في إطلاقهم شيئاً يستدعي مفسدة الحرام أو المكروه ، لأنهم إنما يذكرونها استمداداً أو تعظيماً لمن يحسنون فيه الظن اهـ.

(

مسألة : ي) : من القواعد المجمع عليها عند أهل السنة أن من نطق بالشهادتين حكم بإسلامه وعصم دمه وماله ، ولم يكشف حاله ، ولا يسأل عن معنى ما تلفظ به. ومنها أن الإيمان المنجي من الخلود في النار التصديق بالوحدانية والرسالة ، فمن مات معتقداً ذلك ولم يدر غيره من تفاصيل الدين فناج من الخلود في النار ، وإن شعر بشيء من المجمع عليه وبلغه بالتواتر لزمه باعتقاده إن قدر على تعقله. ومنها من حكم بإيمانه لا يكفر إلا إذا تكلم أو اعتقد أو فعل ما فيه تكذيب للنبي في شيء مجمع عليه ضرورة ، وقدر على تعقله ، أو نفي الاستسلام لله ورسوله ، كالاستخفاف به أو بالقرآن. ومنها أن الجاهل والمخطىء من هذه الأمة لا يكفر بعد دخوله في الإسلام بما صدر منه من المكفرات حتى تتبين له الحجة التي يكفر جاحدها وهي التي لا تبقى له شبهة يعذر بها. ومنها أن المسلم إذا صدر منه مكفر لا يعرف معناه أو يعرفه ، ودلت القرائن على عدم إرادته أوشك لا يكفر. ومنها لا ينكر إلا ما أجمع عليه أو اعتقده الفاعل وعلم منه أنه معتقد حرمته حال فعله ، فمن عرف هذا القواعد كف لسانه عن تكفير المسلمين ، وأحسن الظن بهم ، وحمل أقوالهم وأفعالهم المحتملة على الفعل الحسن. خصوصاً الفعل الذي ثبت أن أهل العلم والصلاح والولاية كالقطب الحداد فعلوه وقالوه ، وفي كتبهم وأشعارهم دوّنوه ، فليعتقد أنه صواب لا شك فيه ولا ارتياب ، وإن جهله بدليله لقصوره وجهله ، لا لغلبة الحال على الولي وغيبه عقله ، وليسع العوام ما وسع ذلك العالم ، فمن علم ما ذكرنا وفهم ما أشرنا وأراد الله حفظه عن سبيل الابتداع ، كف لسانه وقلمه عن كل من نطق بالشهادتين ، ولم يكفر أحداً من أهل القبلة ، ومن أراد الله غوايته أطلقها بذلك وطالع كتب من أهواه هواه نعوذ بالله من ذلك.

(

مسألة : ي) : العمل بيا حسين في جهة الهند وجاوه المفعول يوم عاشوراء أو قبله أو بعده بدعة مذمومة شديدة التحريم ، وفاعلوه فساق وضلال ، متشبهون بالرافضة والناصبة ، إذ الفاعلون لذلك قسمان : قسم ينوحوون ويندبون ويظهرون الحزن والجزع بتغيير لباس أو ترك لبس معتاد ، فهم عصاة بذلك لحرمة هذه الأشياء ، بل بعضها من الكبائر وفاعلها فاسق ، وورد إن الميت ليعذب ببكاء أهله ، وأنه يتأذى من ذلك ، فانظر لهؤلاء الجهال الحمقى يريدون تعظيم الحسين سبط رسول الله بما يتأذى به ، ويكون خصمهم به عند الله تعالى ، بل الذي ينبغي لمن ذكر مصاب الحسين رضي الله عنه ذلك اليوم أن يشتغل بالاسترجاع ، امتثالاً للأمر ، وإحرازاً للأجر ، وما أصيب به السبط يوم عاشوراء إنما هو الشهادة الدالة على مزيد حظوته ورفعة درجته عند ربه ، وقسم يلعبون ويفرحون ويتخذونه عيداً وقصدهم إظهار الفرح والسرور بمقتل الحسين ، فهم بذلك أشدّ عصياناً وإثماً ، بل فعلهم هذا من أكبر الكبائر بعد الشرك ، إذ قتل النفس أكبر الكبائر بعد الشرك ، فكيف بقتل سيد المؤمنين ريحانة سيد الكونين ؟ والفرح بالمعصية وإظهار السرور بها شديد التحريم ، ومرتبته كالمعصية في الإثم ، بل جاء عن الإمام أحمد أنه كفر ، وقد اتفق أهل السنة أن بغض الحسين والفرح بمصابه كبيرة يخشى منها سوء الخاتمة ، ولأن الفرج بذلك يؤذي جدّه عليه الصلاة والسلام وعلياً والحسنين والزهراء رضوان الله عليهم ، وقد قال تعالى : {إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله} الآية. وورد : "اشتدّ غضب الله لمن آذاني في عترتي" . وورد أيضاً : "من أحب أن ينسأ له في أجله وأن يمتع بما خوّله الله تعالى فليخلفني في أهلي خلافة حسنة ، فمن لم يخلفني فيهم بتر عمره وورد عليَّ يوم القيامة مسودّاً وجهه" ، فعلم أن إنفاق المال على العاملين لهذه المخازي شديد التحريم وأخذه من أكل أموال الناس بالباطل.

(مسألة) : قال العلامة المجتهد الشيخ علي بن أبي بكر بن السقاف علوي نفع الله به في كتابه معارج الهداية. فصل : واحذر يا أخي من البدع وأهلها ، وانبذها واهجر أهلها ، وأعرض عن مجالسة أربابها ، واعلم أن أصول البدع في الأصول كما ذكره العلماء يرجع إلى سبعة ، الأوّل : المعتزلة القائلون بأن العباد خالقو أعمالهم ، وينفون الرؤية ويوجبون الثواب والعقاب وهم عشرون فرقة. والثاني : الشيعة المفرطة في حب سيدنا عليّ كرم الله وجهه ، وهم اثنان وعشرون فرقة. والثالث : الخوارج المفرطة في بغض عليّ رضي الله عنه المكفرة له ولمن أذنب ذنباً كبيراً ، وهم عشرون فرقة. والرابع : المرجئة القائلة بأنه لا يضر مع الإيمان معصية ولا ينفع مع الكفر طاعة ، وهم خمس فرق. والخامس : النجارية الموافقة لأهل السنة في خلق الأفعال ، وللمعتزلة في نفي الصفات وحدوث الكلام ، وهم ثلاث فرق. السادس : الجبرية القائلة بسلب الاختيار عن العباد ، وهم فرقة واحدة. السابع : المشبهة الذين يشبهون الحق بالخلق في الجسمية والحلول ، وهم فرقة واحدة أيضاً. فتلك اثنان وسبعون كلهم في النار ، والفرقة الناجية هم أهل السنة البيضاء المحمدية والطريقة النقية ، ولها ظاهر يسمى بالشريعة ، شرعة للعامة ، وباطن رسم بالطريقة منهاجاً للخاصة ، وخلاصة خصت بالحقيقة معراجاً لأخص الخاصة ، فالأوّل نصيب الأبدان للخدمة ، والثاني نصيب القلوب من العلم والمعرفة والحكمة ، والثالث نصيب الأرواح من المشاهدة والرؤية اهـ.

(

مسألة : ي) : خوارق العادة على أربعة أقسام : المعجزة المقرونة بدعوى النبوة المعجوز عن معارضتها ، الحاصلة بغير اكتساب وتعلم ، والكرامة وهي ما تظهر على يد كامل المتابعة لنبيه من غير تعلم ومباشرة أعمال مخصوصة ، وتنقسم إلى ما هو إرهاص وهو ما يظهر على يد النبي قبل دعوى النبوّة ، وما هو معونة وهو ما يظهر على يد المؤمن الذي لم يفسق ولم يغتر به ، والاستدراج وهو ما يظهر على يد الفاسق المغترّ ، والسحر وهو ما يحصل بتعلم ومباشرة سبب على يد فاسق أو كافر كالشعوذة ، وهي خفة اليد بالأعمال ، وحمل الحيات ولدغها له ، واللعب بالنار من غير تأثير ، والطلاسم والتعزيمات المحرمة واستخدام الجان وغير ذلك ، إذا عرفت ذلك علمت أن ما يتعاطاه الذين يضربون صدورهم بدبوس أو سكين ، أو يطعنون أعينهم ، أو يحملون النار أو يأكلونها ، وينتمون إلى سيدي أحمد الرفاعي ، أو سيدي أحمد بن علوان أو غيرهما من الأولياء ، أنهم إن كانوا مستقيمين على الشريعة ، فائمين بالأوامر ، تاركين للمناهي ، عالمين بالفرض العيني من العلم عاملين به ، لم يتعلموا السبب المحصل لهذا العمل ، فهو من حيز الكرامة وإلا فهو من حيز السحر ، إذ الإجماع منعقد على أن الكرامة لا تظهر على يد فاسق ، وأنها لا تحصل بتعلم أقوال وأعمال ، وأن ما يظهر على يد الفاسق من الخوارق من السحر المحرّم تعلمه وتعليمه وفعله ، ويجب زجر فاعله ومدعيه ، ومتى حكمنا بأنه سحر وضلال حرم التفرج عليه ، إذ القاعدة أن التفرج على الحرام حرام ، كدخول محل الصور المحرمة ، وحرم المال المأخوذ عليه ، والفرق بين معجزة الأنبياء وكرامة الأولياء ، وبين نحو السحر ، أن السحر والطلسمات والسيمياء وجميع هذه الأمور ليس فيها شيء من خوارق العادة ، بل جرت بترتيب مسببات على أسباب ، غير أن تلك الأسباب لم تحصل لكثير من الناس ، بخلاف المعجزة والكرامة فليس لهما سبيل في العادة ، وإن السحر مختص بمن عمل له ، حتى إن أهل هذه الحرف إذا طلب منهم الملوك مثلاً

صنعتها طلبوا منهم أن يكتب لهم أسماء من يحضر ذلك المجلس فيصنعون ذلك إن سمي لهم ، فلو حضر آخر لم ير شيئاً ، وأن قرائن الأحوال المفيدة للعلم القطعي المحتفة بالأنبياء والأولياء من الفضل والشرف وحسن الخلق والصدق والحياء والزهد والفتوّة وترك الرذائل وكمال العلم وصلاح العمل وغيرهما ، والساحر على الضد من ذلك.

299

مسائل منثورة في الفلك وغيره

(مسألة : ك) : إرم ذات العماد وما يذكر فيها من الأخبار والزخارف غير ثابتة عند المحققين والمفسرين ، بل هي منقولة عن بني إسرائيل ، ولا بد فيها من توقيف عن معصوم ، نعم نقل السيوطي في الدر المنثور عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الإرم الهالك وذات العماد أي طولهم ، ويقال : إرم قبيلة من عاد ، وروي : أن النبي ذكر إرم ذات العماد فقال : "كان الرجل يأتي بالصخرة فيحملها على كاهله فيلقيها على أي حيّ أراد فيهلكه" .

(مسألة : ب) : حضرموت مخلاف من مخاليف اليمن الأسفل ، والمخلاف القطعة من الإقليم ، مشتملة على بلدان ومدن وقرى كثيرة مشهورة بالخير والصلاح ، وأعظم مدنها تريم وشبام ، وحدّها من جهة الساحل عين بامعبد وبروم والشحر ونواحيها إلى حد أرض المهرة الفاصل بينه وبين أرض الظني التميمي على مقابلة المكان المسمى بديعوت وهو الذي يحمل المشقاص عليه ، ومن جردان ونواحيها إلى تريم وقبر هود عليه السلام وما وراء ذلك إلى أرض مهرة ، فلا تدخل ظفار وكذا مهرة إلا ما حاذى أرض الظني غربي أرض مهرة. واختلف في تسميتها بحضرموت فقيل : إن صالحاً عليه السلام لما هلك قومه سافر بمن معه من المؤمنين ، فلما انتهى إليه مات فقيل حضرموت. وقال المبرد : إن حضرموت لقب عامر جد اليمانية ، كان لا يحضر حرباً إلا كثر فيه القتل. وذكر الغساني أن حضرموت بن سبأ الأصغر ، فمن ولده الحارث وفوه وسيبان وربيعة وتريم وشبام وسبأ ، وأكثر قبائل حضرموت حمير من ولد سبأ الأصغر إلى قحطان. وقال الإمام عبد الرحمن شراحيل : حضرموت بضم الميم تجمع أودية كثيرة ، وقد اختص بهذا الاسم وادي ابن راشد ، طوله نحو ثلاث مراحل من العقاد إلى قبر النبي هود عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام.

(مسألة : ب) : طول مدينة تريم التي هي أعظم بلدة وأشهرها بحضرموت حرسها الله تعالى أحد وسبعون درجة وخمس دقائق أو ثلاثون دقيقة من البحر المحيط الغربي أو من الجزائر الخالدات فيه ، وبينهما عشر درج ، وعرضها خمس عشرة درجة وثلاثون دقيقة ، ومطلعها ومطلع دوعن واحد بالنسبة للأهلة والقبلة إلا بتفاوت يسير لا بأس به ، ويجب تعلم علم الفلك بل تتحتم معرفته ، لما يترتب عليه من معرفة القبلة ، وما يتعلق بالأهلة كالصوم ، سيما في هذا الزمان لجهل الحكام وتساهلهم وتهوّرهم ، فإنهم يقبلون شهادة من لا يقبل بحال.

فائدة : إذا نزل القمر ليلة رابع عشرة أو خامس عشرة إحدى هذه المنازل الست خسف ، وإذا نزلتها الشمس الثامن والعشرين أو التاسع والعشرين كسفت ، وهي هذه المنظومة في قوله :

نجوم السما عدة ستة

على النيرين جميعاً سطين

مقدّم جبهة مع بلدة

وسعد بلع والزبانا بطين

وإذا أردت معرفة القمر في أي منزلة هو فاحسب ما مضى من الشهر وزد عليه ستة عشر ، واحسب من غالب الفجر ، وهو المنزلة التي أنت فيها من الثمان والعشرين المعروفة ، فحيث انتهى بك العدد فالقمر في تلك المنزلة ، وإن شئت زدت يومين فقط وعددت من طالع الفجر وهو رقيب الغارب. وإذا أردت أن تعرف الشمس في أي منزلة هي فردّ على ما مضى من منزلة الشبامي التي أنت فيها ثمانية أيام ، فما اجتمع فالشمس في رقيب تلك المنزلة ولها فيه مثل تلك الأيام. مثاله : إذا كنت في الحادي عشر من العواء مثلاً وزدت عليه ثمانية أيام صار تسعة عشر يوماً ، فانتهى بك إلى ستة في السماك ، ورقيب السماك الحوت فتقول : الشمس اليوم في الحوت ولها فيه ستة أيام ، وإن شئت قلت ست درج اهـ نصب الشرك للعمودي مع زيادة.

(مسألة : ب) : إذا أردت أن تعرف أول يوم من المنازل الشبامية يدخل في كم يوم في أحد البروج الشمسية الاثني عشر على مقتضى تحرير العلامة طاهر بن محمد علوي ، فاستخرجه من هذين البيتين ، فالرمز أوّله بعد ذكر المنزلة صريحاً لعدّ الأيام التي مضت من البروج ، وآخر حرف من الكلمة علامة البرج

فائدة : من تقرير سيدي العلامة عبد الله بن أبي بكر عيديد قال : ولنحو ثلاثة أيام في الصرفة يعتدل الليل والنهار في جميع الجهات يعني الحضرمية وما قاربها ، ثم يأخذ النهار في الزيادة والليل في النقص إلى خمسة أيام في الشولة ، فينتهي طول النهار إلى نحو ثلاث عشرة ساعة إلا أربع دقائق ، وينتهي قصر الليل إلى إحدى عشرة ساعة وأربع دقائق ، ثم يأخذ الليل في الزيادة والنهار في النقص إلى ثمانية أيام في الفرغ المقدم فيعتدل الليل والنهار ، ثم يأخذ الليل في الزيادة والنهار في النقص إلى ستة أيام في الهقعة ، فينتهي طول الليل إلى ثلاث عشرة ساعة إلا أربع دقائق ، وقصر النهار إلى إحدى عشرة ساعة وأربع دقائق ، ثم يبتدىء النهار في الزيادة والليل في النقص إلى ثلاثة أيام في الصرفة ، فيعتدل الليل والنهار ، وهكذا إلى أن تقوم الساعة اهـ.

(مسألة : ب) : قاعدة الكبس في حساب الشبامي يكون في كل أربع سنين يزيد يوم في نجم الهقعة ، كما أن أيامها دائماً 14 فتكون في الكبيسة 15 ، لكن بعد سبع كبائس يتخلف الكبس سنة فيكون حينئذ بعد خمس سنين للتفاوت بين الشمسية والقمرية ، إذ كل 32 سنة شمسية 33 سنة قمرية. وقد ذكر العلامة طاهر بن محمد علوي بيتاً يجمع السنين ، وكل حرف معجم كبيسة ، وكل مهمل بسيطة ، وإذا كمل عاد لما قبله وهو :

لي واهب حكم شكور قدوس

باسط قادر قاهر فعالوابتداؤه من حرف اللام أوّله سنة 1259 فتكون سنة 1260 كبيسة لكونها على الياء بعده وهكذا اهـ. قلت : ويكون في سنتنا هذه سنة 1251 سنة تصنيف هذا المجموع على الشين من شكور وهي كبيسة اهـ والله أعلم وأحكم.

وقد تمّ بحمد الله ما يسر الله تعالى جمعه في هذه العجالة ، من صافي رحيق تلك الفتاويات ، والفوائد المستجادات المارّ ذكرها أوّله ، والحمد لله أوّلاً وآخراً وله المنة دائماً ، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ، واجمع لنا بين الصواب والثواب ، وصل الله وسلم على خير خلقه سيدنا محمد وآله وصحبه وتابعيه وتابعيهم إلى يوم الدين ، عدد ذكر الذاكرين وسهو الغافلين ، صلاة وسلاماً تعمّ بركتهما سائر العباد المؤمنين آمين.
الصفحة
 

 

LihatTutupKomentar