Kitab Bughiyah al-Mustarsyidin (3)

Kitab Bughiyah al-Mustarsyidin (3) (مسألة : ش) : إدخال الدوابّ التربة وإيطاؤها القبور مكروه كراهة شديدة أشد من وطء الآدمي بنفسه ، وقد قال غير واحد بح

Kitab Bughiyah al-Mustarsyidin (3)

 Kitab Bughiyah al-Mustarsyidin karya Habib Abdurrahman Al-Masyhur Ba Alawi

الكتاب: بغية المسترشدين في تلخيص فتاوى بعض الأئمة من العلماء المتأخرين مع ضم فوائد جمة من كتب شتى للعلماء المجتهدين
المؤلف: الحبيب عبد الرحمن بن محمد بن حسين بن عمر المشهور با علوي
دار النشر: دار الفكر
عدد الأجزاء: 1 

Daftar Isi 

  1. Kitab Bughiyah al-Mustarsyidin (1)
  2. Kitab Bughiyah al-Mustarsyidin (2)
  3. Kitab Bughiyah al-Mustarsyidin (3)

 (مسألة : ش) : إدخال الدوابّ التربة وإيطاؤها القبور مكروه كراهة شديدة أشد من وطء الآدمي بنفسه ، وقد قال غير واحد بحرمة الجلوس على القبر لحديث مسلم ، لكن حمله الجمهور على الجلوس لقضاء الحاجة ، ولا شك أن من رأى دابة تبول على قبر يجب عليه زجرها وإن كانت غير مكلفة فهو المكلف ، وتشتدّ الكراهة في قبر مشهور بالولاية أو العلم ، فكيف بالمشهور بهما كسيدي إسماعيل الحضرمي ، بل يخاف على فاعل ذلك أن يكون من معاديهم المأذون بالحرب في الحديث القدسي ، لأن الميت يتأذى مما يتأذى منه الحي ، وأما جعل العجور يعني علف المواشي والطعام في المقبرة وشغل شيء منها فحرام مطلقاً إذ هي موقوفة للدفن ، فتجب على فاعل ذلك أجرة المحل الذي شغله من أرضها قياساً على إشغال بقعة من المسجد ، نعم إن كانت ملكاً استأذن مالكها.

(مسألة : ك) : التمسح بالقبور ، قال الإمام أحمد : لا بأس به ، وقال الطبري : يجوز وعليه عمل العلماء والصالحين ، وقال النووي : يكره إلصاق الظهر والبطن بجدار القبر ومسحه باليد وتقبيله ، قال ابن حجر : إلا إن غلبه أدب وحال. وروي أن بلالاً رضي الله عنه لما زار المصطفى جعل يبكي ويمرغ وجهه على القبر الشريف.

98

كتاب الزكاة

(مسألة : ش) : قال الترمذي الحكيم وغيره من الصوفية : لا زكاة على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، إذ لا ملك لهم مع الله تعالى ، لكن الذي نقله الجهابذة عن النص أنهم يملكون كغيرهم ، بل الظاهر أن ملكهم أتمّ وأعظم لتمام كمالاتهم في سائر الأحوال ، ألا ترى أنه يلزم المالك المضطر بذل ماله له ، وأنه يفدي مهجته بمهجته ، فإذا كان أولى بملك كل مالك من مالكه إذ هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فكيف لا يملك ما لا ملك لغيره عليه إذا تقرر ذلك ؟ فحكم الأنبياء في وجوب الزكاة حكم غيرهم ، واستنباط ذلك من قول عيسى عليه السلام كما حكاه الله عنه في قوله تعالى : {وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً} ويؤخذ منه أنه أوان نزوله يصلي الصلوات ويملك الأموال ويزكيها ، وأما عدم ورود كونه أدى الزكاة فلا يلزم منه عدم الوقوع ، فإن فرض أنه لم يقع فلعدم استجماع شرائط الوجوب التي منها مضيّ حول على عين النصاب ، مع أنه ورد أنه كان له عشرون لقحة من النوق ومائة من الغنم فإذا زادت واحدة ذبحها.

98

شروط ما تجب فيه الزكاة

تجب الزكاة في جميع ما يملكه المسلم الحر مما وجبت زكاته ولو مديناً ، وحتى في الدين الذي على غيره على المعتمد إن كان نقداً ذهباً أو فضة لا نحو ماشية وحب ، نعم لو كان له منائح عند غيره عارية وجبت زكاتها بشرطها ، لأنها لم تخرج عن ملكه ، بخلاف ما لو أقرضه إياها ، ثم إن تمكن من الإخراج في الدين بأركان على مليء مقرّ أو له عليه حجة أخرج حالاً ، وإلا فحتى يقبضه فيخرج زكاة ما مضى فقد تستغرق كله أو جله ، ولو أبرأه عن الدين لم يبرأ عن قدر الزكاة ، ولا يصح أن يبرئه عن قدرها كل عام وينوي به الزكاة لعدم القبض.

(مسألة : ب) : له دين على مليء حاضر مقرّ أو عليه بينة أو يعلمه الحاكم لزمه إخراج زكاته حالاً ، كغائب سهل الوصول إليه ومضى زمن يمكنه ذلك ، وإلا فحتى يقبضه أو يحضر.

(مسألة : ج) : أوصى له بنصاب من الدراهم معين أو شائع فتأخر قبوله أحوالاً لم تلزم زكاته ، لا على الموصى له لعدم استقرار ملكه ، ولا الورثة لخروجها عن ملكهم ، وفاقاً لمحمد باسودان وخلافاً للسيد عمر بن عبد الله بن يحيى في المشاع ، فرجح فيه وجوبها على الورثة اهـ. وأطلق في الإيعاب كأبي مخرمة عدم الوجوب في ذلك على كل ، ولم يقيده بالمطلق ولا المعين.

فائدة : قال في الإحياء : لو كان عليه دين مستغرق ماله فلا زكاة عليه لأنه ليس غنياً ، إذ الغني ما يفضل عن الحاجة اهـ.

99

الخلطة

فائدة : صورة مكان الحفظ في الخلطة أن يكون لكل واحد منهما نخيل أو زرع في حائط واحد ، أو دراهم في صندوق ، أو أمتعة تجارة في دكان ، ولا تمييز لأحدهما بشيء مما مرّ اهـ ب ر. ومثل ذلك ما لو أودعه جماعة دراهم لكل واحد منهم دون نصاب ووضع الجميع في صندوق مع تمييز كل ، فإذا بلغ المجموع نصاباً فأكثر ومضى حول وهي كذلك لزمت زكاتها اهـ ع ش. وعبارة الفتح أنها أي الخلطة تجعل ملك الخليطين وخليطيهما كمال ، فلو خالط ببعض ماله واحد أو ببعض آخر ولم يخالط أحد خليطيه الآخر ، كأن كان له أربعون شاة فخلط كل عشرين منها بعشرين لآخر ولا يملكون غيرها لزمه هو نصف شاة ، وعلى كل واحد من الآخرين ربعها إذ الجملة ثمانون اهـ. وفي فتاوى عبد الله بن أحمد مخرمة : لزيد نخل بدوعن يحصل منه نصاب ، وله شرك مع عمرو في نخلة منفردة عن هذا النخل لا يجيء منها نصاب ، ولعمرو أيضاً نخلة بالهجرين مشتركة بينه وبين بكر ، ولبكر نخلة بعمان خالصة ، وجب على عمرو بشركة زيد ، وعلى بكر أيضاً بشركة شريك زيد في نخلته المشتركة مع عمرو ، وكذا الخالصة التي بعمان وإن لم يبلغ نخله نصاباً اهـ.

99

النعم

(مسألة : ش) : سأل عامي آخر عن زكاة الغنم فأفتاه في أربعين شاة بشاتين فأخرجهما ، ثم علم أن الواجب واحدة ، فإن صدقه الآخذ أو توفرت القرائن على صدقه ، كأن علم الآخذ ما أفتى به وكان ممن يخفى عليه وحلف في الثانية استرد أيهما شاء إن بقيتا ، أو إحداهما إن بقيت واحدة ، أو قيمة إحداهما إن تلفتا ، هذا إن كانتا بصفة الإجزاء ، وإلا تعين استرداد غير المجزئة ، ويجري ذلك فيما لو دفع بنت لبون مثلاً عن خمس وعشرين ، لكن يستردّها كلها ويدفع بنت مخاض لعدم إمكان معرفة قدر الواجب.

(مسألة) : له غنم ثلاثون كبار وعشرون صغار ، فإن مضت لأربعين منها سنة لزمه شاة كبيرة ، وإلا ابتدأ الحول من تمام النصاب لا من ملك الكبار ، إذ لا يعطى النتاج حول الأصل إلا بعد انعقاد حوله وهو تمام النصاب ، كأن تكون له مائة شاة فنتجت إحدى وعشرين أخر حولها فيلزمه شاتان.

فائدة : يقال لما طعن في السنة السادسة من الإبل ثنية ، وفي السابعة رباع ، والثامنة سدس وسديس للذكر والأنثى ، والتاسعة بازل لأنه بزل نابه أي طلع ، وفي العاشرة مخلب ، وفيما بعدها بازل عام أو عامين إلى خمس ثم بعده ، يقال للذكر عود وللأنثى عودة ، ثم بعده إذا كبر يقال للذكر فخم وللأنثى فخمة ، ثم بعده يقال ناب وشارف اهـ شوبري.

100

النقدين والتجارة

(مسألة) : يجوز إخراج العدي الفضة عن القروش إذا ساوتها في القيمة ، سواء في ذلك النقد الخالص والمغشوش ، بخلاف ما إذا نفعت قيمة الكسر اهـ ، قاله ابن حجر في الإيعاب والفتاوى.

(مسألة : ي) : لا يجزي إخراج الفلوس المضروبة من النحاس عن زكاة النقد ، كما لا يجزي أحد النقدين عن الآخر ، ولا نوع أردأ أو ناقص القيمة عن أجود ، نعم إن عسر الإخراج من كل أخرج أحد النقدين عن الآخر ، ولا نوع أردأ كمختلفي صفة ، بتعدد الضريبة أو قلة الغش مع استواء القيمة مطلقاً ، ومغشوش عن خالص إن ساوى الغش مؤنة السبك ، أو رضي المستحقون بتحمل المؤنة ، ولا يحسب الغش حينئذ اهـ. قلت : وفي تشييد البنيان لبارجا ، وأفتى البلقيني بجواز إخراج الزكاة فلوساً عند تعذر الفضة أو كانت معاملتهم بالفلوس ، لأنها أنفع للمسلمين وأسهل ، وليس فيها غش كما في الفضة المغشوشة ، فعند ذلك يتضرر المستحق إذا ردت ولا يجد غيرها ولا بدلاً اهـ. وقال ق ل : أما إخراج الفلوس فإني أعتقد جوازه ولكنه مخالف لمذهب الشافعي اهـ.

فائدة : قال أبو مخرمة : والقفلة المعروفة المتعامل بها الآن بعدن وغالب اليمن ستة عشر قيراطاً مصرية ، والأوقية اليمانية عشر فقال اهـ.

(مسألة : ي) : كل ما حرم أو كره من النقد لأدنى سرف أو للخلاف في حله كتحلية آلة الحرب لغير المجاهد ، وتحلية المرأة أو آلة الحرب مطلقاً بدراهم مثقوبة غير معراة ، وكالذي قصد كنزه أو انكسر واحتاج في إصلاحه لصوغ جديد من حلي المرأة وآلة الحرب والخاتم وجبت زكاته وما لا فلا.

فائدة : العرض بفتح العين وإسكان الراء اسم لكل ما قابل النقدين من صنوف المال ، ويطلق أيضاً على ما قابل الطول ، وبضم العين على ما قابل النصل في السهام ، وبكسر العين محل المدح والذم من الإنسان ، وبفتح العين والراء ما قابل الجوهر اهـ ش ق.

فائدة : اشترى للتجارة صبغاً أو دباغاً ليصبغ أو يدبغ به للناس ، أو شحماً ليدهن به الجلود مثلاً ، وبقي عنده حولاً صار مال تجارة تلزمه زكاته ، وإن اشترى لها سمسماً وعصره وباع الشيرج ، أو حنطة فخبزها وباع الخبز لم ينقطع الحول في أظهر الوجهين ، لأن ذلك يقصد به زيادة الربح اهـ إيعاب.

فائدة : لو مات مورثه عن مال تجارة انقطع حوله حتى يتجر فيه بنيتها اهـ (م ر) . وظاهره أنه لا ينعقد الحول إلا فيما تصرف فيه بالفعل فقط لا في الباقي وهو ظاهر اهـ رشيدي.

فائدة : قال ابن الأستاذ : تنبغي المبادرة إلى تقويم المال بعدلين ، ولا يكفي واحد كجزاء الصيد ، ولا يجوز تصرفه قبل ذلك ، إذ قد يحصل نقص فلا يدري ما يخرجه قبل اهـ. لكن قال ابن حجر : ويظهر الاكتفاء بتقويم المالك الثقة العارف ، وللساعي تصديقه نظير عدّ الماشية اهـ ، ثم المعتبر في التقويم النظر إلى ما يرغب في الأخذ به في مثل ذلك العرض حالاً ، فإذا فرض أنه ألف وكان التاجر إذا باعه على ما جرت به عادته مفرقاً في أوقات بلغ ألفين مثلاً اعتبر ما يرغب به في الحال ، اهـ ع ش اهـ جمل.

(مسألة : ب ي) : يفرد الربح عن رأس المال بحول فيما إذا نض مال التجارة أي باعه بالنقد الذي يقوّم به وهو ما اشتراه به ، أو نقد البلد فيما إذا اشتراه بعرض ، فحينئذ يبتدأ حول الربح من حين البيع ، فلو أخرج زكاته مع أصله كان له حكم المعجلة ، أما لو نض بغير النقد الذي يقوّم به أو بعرض فزكاته كأصله ، زاد ب : وتقوّم جميع عروض التجارة ولا يترك للمالك شيء اهـ. قلت : وقوله إن نض الخ قال بج وجمل : أي جميع مال التجارة أصلاً وربحاً ، وإلا فلا يفرد الربح بحول ، كما لا ينقطع حولها فيما إذا نضّ ناقصاً أثناء الحول إلا إن نض جميعه أيضاً اهـ.

101

المعشرات

فائدة : مذهب أبي حنيفة وجوب الزكاة في كل ما يخرج من الأرض إلا الحطب والقصب والحشيش ، ولا يعتبر عنده النصاب ، ومذهب أحمد تجب فيما يكال أو يوزن ويدخر من القوت ولا بد من النصاب ، ومذهب مالك كالشافعي اهـ قلائد.

فائدة : يجوز أكل الفريك أي الجهوش ما لم يتحقق أنه مال زكوي فيحرم حينئذ ، وإن أطال جمع في الاستدلال للجواز بما في خبر الباكورة اهـ فتاوي ابن حجر. وقال ش ق : وقبل الخرص يمتنع على مالكه التصرف ولو بصدقة وأجرة حصاد وأكل فريك أو فول أخضر فيحرم ، بل يعزر العالم لكن ينفذ تصرفه فيما عدا قدر الزكاة ، فما اعتيد من إعطاء شيء عند الحصاد ولو للفقراء حرام ، وإن نوى به الزكاة لأنه أخذ قبل التصفية ، وإن كان خلاف الإجماع الفعلي في الأعصار والأمصار ، وما ورد مما يخالف ما قلنا يحمل على ما لا زكاة فيه ، ولا يمتنع رعيه وقطعه قبل اشتداد حبه ، نعم إن تضرر وزادت المشقة فلا حرج في تقليد أحمد في جواز التصرف بالأكل والإهداء ولا يحسب عليه ، وقال الرحماني : إذا ضبط قدراً وزكاة أو ليخرج زكاته بعد فله ذلك ولا حرمة اهـ ونحوه في التحفة.

فائدة : سئل القاضي القطب سقاف بن محمد الصافي : هل يجوز إخراج زكاة التمر رطباً ؟ فأجاب : المذهب لا يجوز إلا جافاً منقى ، لكن إذا اضطر الفقراء جازت رطباً دفعاً لضررهم ، لأن مدارها على نفع المستحقين والخروج من رذيلة البخل اهـ. وقال في القرطاس في مناقب القطب عمر العطاس : وبلغنا عنه أي صاحب المناقب المذكور أنه أمر بإخراج زكاة الخريف قبل أن يجفّ ، فقيل له : إن أهل العلم يقولون إنه لا يصح حتى يجف ، فقال : هم رجال ونحن رجال ، اسألوا الفقراء أيما أحب إليهم الرطب أم الجاف ؟ فقبل منه وعمل به أهل الجهة الجميع اهـ.

فائدة : حاصل كلامهم في انضمام الزروع بعضها إلى بعض ، أنه إذا زرع صيفاً ثم شتاء وكمل الأول بالثاني وكان حصادهما في عام واحد زكاهما بالاتفاق ، فلو زرع صيفاً آخر وكان حصاده مع الثاني في عام ومجموعهما نصاباً لم يضم الثالث إلى الثاني عند عبد الله بلحاج وابنه أحمد وعبد الله بن عمر مخرمة ، ويضم إليه عند عبد الله بن أحمد مخرمة وصاحب القلائد وعلي بايزيد وهو الصواب ومقتضى كلام الأصحاب ، اهـ منتخب اهـ من خط بعضهم. واشترط في التحفة والفتح في التمر كون القطع في عام واحد أيضاً كالزرع ، وخالفه في الإمداد والنهاية والمغني والإرشاد ، فاشترطوا كون الإطلاع في عام لا القطع.

فائدة : الحمص وهو الصنبرة والباقلاء الفول واللوبيا بالمد والقصر الدجر الأبيض والماش هو الأسود والهرطمان هو الجلبان وهو الحنبص والكمأ هو الأدنون والسماق ورق العثرب اهـ باسودان. وفي الإيعاب : لا يضم جنس لغيره لإكمال النصاب كالحنطة والشعير والحمص والعدس والباقلاء والهرطمان واللوبيا والماش لانفراد كل باسم وطبع كالتمر والزبيب اهـ. وفي التحفة : ومر أن الماش نوع من الجلبان فيضم إليه ، وأن الدخن نوع من الذرة وهو صريح في أنه يضم إليها ، لكنه مشكل لاختلافهما صورة ولوناً وطبعاً وطعماً ، ومع اختلافها تتعذر النوعية اتفاقاً ، فليحمل كلامهم على نوع منها يساويه في أكثر الأوصاف اهـ.

فائدة : نقل ب ر أن حبة البرّ نزلت من الجنة قدر بيضة النعامة ألين من الزبد وأطيب رائحة من المسك ، واستمرت هكذا إلى وجود فرعون فصغرت وصارت كبيضة الدجاجة ، إلى أن ذبح يحيى فصارت كبيضة الحمامة ، ثم صغرت حتى صارت كالبندقة ، ثم كالحمصة ، ثم صغرت حتى صارت على ما هي عليه الآن ، فنسأل الله أن لا تصغر عن ذلك اهـ شوبري. و ش ق. ثم قال : وفي الأرز سبع لغات أفصحها فتح الهمزة وضم الراي وتشديد الزاي ، ويسن الإكثار من الصلاة على النبي عند أكله لأنه خلق من نوره ، قاله البويطي وقرره حف وإن لم يصح حديثاً اهـ.

102

الفطرة

فائدة : لو كان له مال دون مرحلتين وجبت عليه الفطرة ولا يلزمه الاقتراض ، أو مرحلتين لم تجب كما اعتمده (م) وقال ابن حجر : تلزمه إن وجد من يقرضه اهـ كشف النقاب.

(مسألة : ب) : لا يلزم الشخص بيع آلة الحرفة وحلي المرأة اللائق ككتب الفقه والمسكن غير النفيس في الفطرة ابتداء بخلاف ما لو لزمت ذمته فيباع الكل فيها اهـ. قلت : قال ع ش : وليس من الفاضل ما جرت به العادة من تهيئة ما اعتيد للعيد من الكعك والنقل المخلوط من لوز وزبيب وغيرهما ، فوجود ما ذكر لا يقتضي وجوبها عليه اهـ. قال ق ل : ولا يتقيد بيوم فيقدم ذلك على الفطرة اهـ.

(مسألة : ج) : يلغز فيقال : رجل مسلم تلزمه فطرة قريبه لا نفسه وهو المبعض الذي بينه وبين سيده مهايأة ووقع الوجوب في نوبة السيد ، ويقال أيضاً : تلزمه فطرة قريبه الموسر ، أي إن أعسر القريب وقت الوجوب ثم أيسر بعده فتلزم قريبه اهـ. قلت : والمعتمد وجوب فطرة كاملة على المبعض عن ممونه كما قاله ابن حجر و (م ر) : خلافاً للشيخ زكريا والخطيب القائلين بوجوب القسط اهـ زي.

(مسألة) : تجب فطرة كل عبد محكوم بإسلامه وإن أخذ للتجارة أو آجره السيد لآخر ، وتجب أيضاً زكاة التجارة في العبد الذي أخذ لها ، فيقوِّم آخر الحول ويخرج ربع عشر قيمته ، وتجب فطرة خادمة الزوجة ، سواء كانت أمتها أو أجنبية أخدمها إياها بالنفقة بخلاف المؤجرة لخدمتها كما لا تجب نفقتها ، قال في النهاية : قال ع ش : : قوله المؤجرة أي ولو إجارة فاسدة ، ومثلها من استأجره لنحو رعي بشيء معين ، بخلاف ما لو استخدمه بالنفقة فتجب فطرته كخادم الزوج ويحتمل الفرق اهـ.

(مسألة) : لا يجزىء في الزكاة والفطرة التمر المنزوع النوى المسمى بالمقلف ، بخلاف الكبيس أي المرزوم بنواه كما في التحفة ، لكن أفتى أبو زرعة بأنه إن كان غالب قوت البلد أجزأ لأنه أكثر قيمة ، ونقل في تشييد البنيان عن العلامة عبد الرحمن بن شهاب الدين الإجزاء أيضاً إذا لم يتغير طعمه ولونه أو ريحه ، وأفتى به شيخنا ب ، والواجب من ذلك ستة أرطال حضرمية ، اهـ من فتاوى العلامة أحمد بن علي بلفقيه. وفي باعشن : والمدار على الكيل بل الأكثر أن الخمسة الأرطال والثلث لا يجيء منها صاع حب ولا تمر كما جربناه مراراً ، وهو بأرطال دوعن سبعة أرطال أو سبعة ونصف على جودة الحب والتمر وعدمها ، فمن أخرج من التمر المرزوم فليتنبه فإنهم يقولون إنه ستة أرطال وهو لا يجيء منه صاع اهـ.

(

مسألة) : لو كان بين اثنين ثمانية أمداد فنوياها فطرة وفرقاها بلا إفراز كفاهما ، قاله ابن حجر ، ويؤخذ منه أنه لو جمع وليّ فطراً من جنس ونواها عنه وعن ممونه أجزأ أيضاً ، ويجزىء صاع من نوعين عن واحد لا من جنسين ، فلو كانوا يقتاتون البر المخلوط بالشعير لم يجزه إلا إخراج خالص من أحدهما قاله في النهاية ، قال (ع ش) : فلو خالف وأخرج المخلوط وجب دفع ما يكمل البر إن كان هو الغالب وإلا تخير اهـ.

(مسألة) : ليس اختلاف الأنواع في الفطرة كاختلاف الأجناس ، فحينئذ يجزىء نوع عن نوع ، وإن غلب اقتيات أحدهما كالذرة الحمراء عن البيضاء ، وكذا يقال في أنواع التمر ، وخرج بالفطرة المعشر ففيها تفصيل في محله ، ويجزىء هنا نوع أعلى من قوت البلد لا أدون منه ، وإن كان أعلى قيمة ، فلا يجزىء الأرز عن الذرة أو التمر كما في التحفة والفتح ، والمراد بالدخن المسيبلي بلغتنا اهـ. قلت : وقد رمز بعضهم لما تجب فيه زكاة الفطر مرتباً الأعلى فالأعلى فقال :

بالله سل شيخ ذي رمز حكى مثلاً

عن فور ترك زكاة الفطر لو جهلا وهذا الترتيب هو المعتمد ، وإن قدم بعض المتأخر في التحفة ، وما نصوا على أنه خير لا يختلف باختلاف البلدان اهـ كردي وباعشن.

(مسألة : ي) : يجوز التوكيل في إخراج الفطرة له ولممونه بعد دخول رمضان وكذا قبله إن نجز الوكالة ، كوكلتك في إخراجها ، ولا تخرجها إلا في رمضان ، لا إن علقها ، كإذا جاء رمضان فقد وكلتك ، قاله ابن حجر وأبو مخرمة ، ومنع الشيخ زكريا و (م ر) التوكيل قبل رمضان مطلقاً ، لكن لو أخرجها الوكيل فيه أجزأت اتفاقاً علق أو نجز لعموم الإذن ، وظاهر كلام ع ش أنه لا يجب على المؤدي التوكيل قبل وقت الوجوب ، بحيث يصل الخبر إلى الوكيل قبل خروج وقت الفطرة.

(مسألة : ي) : يجوز للمؤدى عنه إخراج فطرته من ماله بغير إذن المؤدي ، وتسقط عن المؤدي لا من مال المؤدي بل يضمنها ، ولا تجزئه إلا بإذنه اهـ ، ونحوه ك وزاد : وكإذنه ظن رضاه ، وليس له مطالبة المؤدي بالإخراج ولو موسراً ، فلو غاب المؤدي جاز اقتراض النفقة للضرورة لا الفطرة ، ولا يجوز إخراجها إلا من غالب قوت البلد المؤدى عنه ، فيدفعها المخرج إلى الحاكم أو لمن يخرجها ، ثم فإن عجز عنهما عذر في التأخير فيخرجها قضاء هناك اهـ. وعبارة ي : لا يجوز إخراج الفطرة إلا من غالب قوت بلد المؤدى عنه ، وعلى مستحقيه مطلقاً كما في التحفة و (م ر) وغيرهما ، لكن ظاهر عبارة الفتح والإمداد أنه يلزم في غير المكلف أن تكون من غالب قوت بلد المؤدي وعلى مستحقيه.

فائدة : ليس للجد إخراج فطرة أولاد ابنه الغائب من غير وكالة ، بل يخرجها القاضي وجوباً من مالهم إن كان وإلا فمال أبيهم ، ولا يجزىء عندنا أخذ القيمة عن واجب الفطرة إن وجد دون مسافة القصر وإلا وجبت من نقد البلد ولا يؤخر لوجوده اهـ فتاوى بامخرمة ووافقه جده عبد الله بن أحمد وعبد الله بلحاج وابن ظهيرة في قيام الحاكم مقام الأب قاله في القلائد.

(مسألة : ش) : قطع الجمهور ونص عليه الشافعي بعدم إجزاء اللحم في الفطرة ، لكن وقع في الأنوار الإجزاء إذا لم يقتت في ذلك المحل سواه ، فعليه يقدر بمعياره الشرعي وهو الوزن ، فيخرج خمسة أرطال وثلث بلا عظم أو مع عظم معتاد أخذاً من تشبيههم له في السلم بنوى التمر.

فائدة : من استهلّ عليه شوّال بمحل خلاء أو بلاد ففطرته لأهل ذلك المحل إن وجد به مستحق ، وإلا نقلها لأقرب محل إليه من البادية أو البلاد لتصرف إلى أربابها ، اهـ ابن سراج ، اهـ من خط ابن قاضي.

104

كيفية أداء الزكاة وحكم تعجيلها ونقله

فائدة : شك في نية الزكاة بعد دفعها لم يضر ، ولا يشكل ذلك بالصلاة لأنها عبادة بدنية ، بخلاف هذه إذ قد اتسع فيها بجواز تقديمها وتفويضها لغير المزكي اهـ شوبري.

(مسألة : ب) : يجب أداء الزكاة عند تمام الحول والتمكن فيضمن بتلف المال بعده ، ويحصل التمكن بحضور المال الغائب أو المغصوب أو الضال ، ووجود قابضها من نحو إمام أو مستحق ، وحلول دين زكويّ ، وفراغ الدافع من مهمّ ديني أو دنيوي ، وله التأخير لطلب الأفضل ، كانتظار قريب وجار وأحوج وأفضل ، لكنه يضمه إن تلف ، وهذا إن لم يتضرر الحاضرون بالتأخير وإلا حرم.

(مسألة) : اجتمع نحو زكاة ودين آدمي في تركة ميت قدمت عليه ، وإن تعلق بالعين قبل الموت كمرهون أو على حي وضاق ماله ، فإن لم يحجر عليه أو تعلقت بالعين قبل الحجر قدمت الزكاة جزماً ، سواء زكاة سنة أو أكثر ، وإن حجر عليه فحال الحوْل في الحجر فكمغصوب ، فإن عاد له المال بإبراء أو نحوه أخرج لما مضى وإلا فلا ، قاله في النهاية ونحوه التحفة.

(مسألة) : صالحه من ألف على نصفه وقد تعلق به زكاة ، فالظاهر أن زكاة المقبوضة لازمة بالقبض لما مضى ، وأما المبرأ منها أعني الخمسمائة فيبرأ المدين من غير قدر الزكاة ، فيلزمه رده للدائن ليؤديه لمستحقيه ، أو يوكله الدائن في نيتها وإخراجها ، كما صرحوا به في الخلع ، فيما إذا أبرأته من صداقها وقد تعلقت به زكاة أنه لا يبرأ من قدرها ، وقال في القلائد : وإذا لزمت الزكاة في الدين فأبرأه منه بقي قدرها بناء على أنها تركة.

فائدة : لا يصح بيع ما وجبت زكاته غير مال التجارة ، سواء باعه كله أو بعضه ، فحينئذ يبطل في قدرها فيرده المشتري ، ويسترد قدره من الثمن ويصح في الباقي ، نعم إن أفرزها ونواه أو قال : بعتكه إلا قدرها صح في الأولى في الجميع ، وفي الثانية فيما عدا قدرها لكن بكل الثمن اهـ بج وجمل.

(مسألة : ب) : ما يعطيه التجار بعض الولاة وأعوانهم الظلمة بقية الزكاة لا يحل ولا يجزيهم عنها ، بل هي باقية بعين أموالهم ، لأن من لا يقدر أن يستولي على أخيه ويردّ ضرره ويمنعه من ظلمه ، بل لا يقدر على مملوكه فضلاً عن غيرهما ، كيف يوصف بكونه ذا شوكة فضلاً عن الإمامة ، مع أن كل واحد من أولئك وعبيدهم وأعوانهم مستقل بنفسه وبظلمه لمن قدر عليه غالباً ، فيجوز دفع حق الفقراء والمساكين والمصالح لمثل هؤلاء.

(

مسألة : ب ج ك) : يجوز دفع الزكاة للسلطان وإن كان جائراً ، أو يصرفها في غير مصارفها إذا أخذها بنية الزكاة ، وقد صحت ولايته ، وقويت شوكته ، وانعقدت إمامته باستخلاف أو بيعة أو تغلب ، لكن التفريق بنفسه أو بوكيله أولى ، ما لم يطلبها الإمام من الأموال الظاهرة وهي النعم والمعشرات والمعدن ، وإلا وجب الدفع إليه فضلاً عن الجواز وإن صرح بصرفها في الفسق ، وأما الذي يلزمه التجار كل سنة من الخرس ، فإن أعطوه إياه عن طيب نفس لا نحو خوف جاز له أخذه ، وإلا فلا يملكه ولا التصرف فيه ولا تبرأ به ذمتهم عن الزكاة وإن نووها به.

فائدة : لا بد من شروط الإجزاء وقت وجوب الزكاة فيما عجل من زكاة المال ، نعم لا تضر غيبة الفقير وقت الوجوب ، فقولهم : تجب الزكاة لفقراء بلد المال محله في غير المعجل ، كما لا تضر غيبة المال عن بلد القابض ، بل ولا يشترط تحقق استحقاق القابض ، قاله في النهاية. قال ع ش : وكالزكاة الفطرة في ذلك اهـ. وقال ابن حجر : تضر غيبة المستحق عن البلد ، وفي القلائد وحيث منعنا نقل الزكاة لم يكف توكيل مستحق غائب من يقبضها له في بلدها على الأرجح وله احتمال بالجواز اهـ. واعتمد الجواز ابن زياد ، والظاهر من كلام أبي مخرمة ورجح عدم الصحة ابن حجر في فتاويه.

(مسألة : ج) : وجدت الأصناف أو بعضهم بمحلّ وجب الدفع إليهم ، كبرت البلدة أو صغرت وحرم النقل ، ولم يجزه عن الزكاة إلا على مذهب أبي حنيفة القائل بجوازه ، واختاره كثيرون من الأصحاب ، خصوصاً إن كان لقريب أو صديق أو ذي فضل وقالوا : يسقط به الفرض ، فإذا نقل مع التقليد جاز وعليه عملنا وغيرنا ولذلك أدلة اهـ. وعبارة ب الراجح في المذهب عدم جواز نقل الزكاة ، واختار جمع الجواز كابن عجيل وابن الصلاح وغيرهما ، قال أبو مخرمة : وهو المختار إذا كان لنحو قريب ، واختاره الروياني ونقله الخطابي عن أكثر العلماء ، وبه قال ابن عتيق ، فيجوز تقليد هؤلاء في عمل النفس.

(مسألة : ي ك) : لا يجوز نقل الزكاة والفطرة على الأظهر من أقوال الشافعي ، نعم استثنى في التحفة والنهاية ما يقرب من الموضع ويعد معه بلداً واحداً وإن خرج عن السور ، زاد ك و ح : فالموضع الذي حال الحول والمال فيه هو محل إخراج زكاته هذا إن كان قارًّا ببلد ، فإن كان سائراً ولم يكن نحو المالك معه جاز تأخيرها حتى يصل إليها ، والموضع الذي غربت الشمس والشخص به هو محل إخراج فطرته.

105

قسم الصدقات

(مسألة : ي) : تجب معرفة أصناف الزكاة الثمانية على كل من له مال وجبت زكاته ، والموجودون الآن في غالب البلاد خمسة. الفقراء : وهم من يحتاج له ولمن وجبت عليه مؤنته لعشرة مثلاً ، ولا يحصل له من ماله أو كسبه اللائق به إلا أربعة فأقل. والمساكين : وهم من يحصل له فوق نصف المحتاج إليه له ولممونه ، ولا يمنع الفقر والمسكنة داره وثيابه ولو للتجمل وأثاثه اللائقات ، وحلي المرأة اللائق أيضاً ، وعبد يخدمه لنحو مرض أو إخلال مروءة بخدمة نفسه ، وكتب عالم أو متعلم يحتاج إلها ولو مرة في السنة ، وماله الغائب مرحلتين والمؤجل إن لم يجد من يقرضه ، وكسب لا يليق به بأن تختلّ به مروءته أو يليق وهو من قوم لا يعتادون الكسب ، أو مشتغل بتعلم القرآن أو العلم أو تعليمهما ، ويصدق مدّعي نحو الفقر وإن جهل ماله لا من عرف له مال أو كسب إلا ببينة بتلف المال أو العجز ولو عدل رواية وقع في القلب صدقه. والغارمون : وهم من استدان لغير معصية أو لها كأجرة بغي أو ضيافة وصدقة وإسراف في النفقة من غير أن يرجو له وفاء ، إن تاب وظن صدقه فيعطى كل الدين بحيث لو قضاه من ماله صار مسكيناً ، وإلا فالفاضل عما لا يخرجه إلى المسكنة ، أو استدان لإصلاح بين اثنين أو قبيلتين في مال أو دم وإن عرف من هو عليه فيعطى مع الغني ، لكن بعد الاستدانة ومع بقاء الدين لا إن قضاه من ماله ، ويصدق الغارم ولو بإخبار الدائن أو عدل رواية لا مطلقاً. والمؤلفة : وهم من أسلم ونيته ضعيفة في الإسلام أو أهله ، ولا يعطى مع الغنى ويصدق بلا يمين. وابن السبيل : العازم على سفر مباح من بلد الزكاة أو المارّ بها ، ويعطى ما يحتاجه من نفقة سفره وممونه ، وإن كان له مال غائب وقدر على الاقتراض ويصدق مطلقاً.

(مسألة : ي ش) : لا خفاء أن مذهب الشافعي وجوب استيعاب الموجودين من الأصناف في الزكاة والفطرة ، ومذهب الثلاثة جواز الاقتصار على صنف واحد ، وأفتى به ابن عجيل والأصبعي ، وذهب إليه أكثر المتأخرين لعسر الأمر ، ويجوز تقليد هؤلاء في نقلها ودفعها إلى شخص واحد ، كما أفتى به ابن عجيل وغيره ، ويجوز دفع الزكاة إلى من تلزمه نفقته من سهم الغارمين ، بل هم أفضل من غيرهم ، لا من سهم الفقراء أو المساكين ، إلا أن لا يكفيهم ما يعطيهم إياه ، ولو دفع نحو الأب لأولاده زكاته أو فطرته بشرطه فردها الولد له عنها بشرطه أيضاً جاز مع الكراهة ، كما لو ردها له بمعاوضة أو هبة وبرىء الجميع.

(

مسألة : ب ك) : يجوز دفع زكاته لولده المكلف بشرطه إذ لا تلزمه نفقته ولإتمامها على الراجح ، وإن كان فقيراً ذا عيلة ، وكان ينفق عليه تبرعاً ، بخلاف من لا يستقل بنفسه كصبي وعاجز عن الكسب بمرض أو زمانة أو عمى لوجوب نفقته على الوالد ، فلا يعطيه المنفق قطعاً ولا غيره على الراجح ، حيث كفته نفقة المنفق ، وإلا كأكول لم يكفه ما يعطاه فيجوز أخذ ما يحتاج إليه ، ومثله في ذلك الزوجة ، وكالزكاة كل واجب كالكفارة ، زاد ب : نعم إن تعذر أخذها من المنفق بمنع أو إعسار أو غيبة ولم يترك منفقاً ولا مالاً يمكن التوصل إليه ، وعجزت الزوجة عن الاقتراض أعطي كفايته أو تمامها ، أما إذا لم تطالبه الزوجة بها مع قدرتها على التوصل منه كأن سامحته بلا موجب فلا تعطى لاستغنائها بها حينئذ ككسوب ترك اللائق به من غير عذر ، وكناشزة لقدرتها عليها حالاً بالطاعة ، وللزوجة إعطاء زوجها من زكاتها وعكسه بشرطه ، ويجوز تخصيص نحو قريب بل يسن ، إذ لا تجب التسوية بين آحاد الصنف بخلافها بين الأصناف.

فائدة : يجوز للزوجة المسكينة التي ليس لها كسب ، أو لا يكفيها الأخذ من الزكاة حيث كان زوجها لا يملك إلا كفاية سنة ، ولا نظر لغناها الآن لأن ملكها لما لا يكفيها العمر الغالب لا يخرجها عن الفقر والمسكنة ، ككسوب عرف بكساد كسبه وانقطاعه أثناء السنة أو بعدها ، فله أخذ تمام كفايته إلى وقت تأتي الكسب ، والمراد بكفاية العمر الغالب أن تكون له غلة أو ربح تجارة أو كسب أو مال لو بذل في تحصيل عقار ونحوه كفاه اهـ فتاوي بامخرمة.

(مسألة : ي) : استأجر شخصاً بالنفقة جاز إعطاؤه من زكاته إن كان من أهلها ، إذ ليس هذا ممن تجب نفقته كالأصول والفروع والزوجة ، نعم إن أعطاه بقصد التودد أو صلته بها لخدمته أحبط ثوابه وإن أجزأت ظاهراً اهـ. قلت : وقال ابن زياد : ولا يجوز إعطاء من يخدمه بالنفقة والكسوة ، وإن لم يجر عقد إجارة لأنهم مكفيون حينئذ ، نعم له إعطاؤه من سهم الغارمين بشرطه اهـ ، فليحمل كلام ي على ذلك.

(مسألة) : قال الإمام النووي : من بلغ تاركاً للصلاة واستمرّ عليه لم يجز عطاؤه الزكاة إذ هو سفيه ، بل يعطى وليه له ، بخلاف ما لو بلغ مصلياً رشيداً ثم طرأ ترك الصلاة ولم يحجر عليه فيصح قبضه بنفسه كما تصح تصرفاته اهـ. وهذا على أصل المذهب من أن الرشد صلاح الدين والمال أما على المختار المرجح كما يأتي في الحجر من أنه صلاح المال فقط فيعطى مطلقاً إذا كان مصلحاً لماله ، وينبغي أن يقال له إن أردت الزكاة تب وصلّ فيكون سبب هدايته ، ويعطى المكاتب وإن كان لهاشمي أو كافر كما في العباب.

(

مسألة) : لا يستحق المسجد شيئاً من الزكاة مطلقاً ، إذ لا يجوز صرفها إلا لحرّ مسلم ، وليست الزكاة كالوصية ، فيما لو أوصى لجيرانه من أنه يعطي المسجد كما نص عليه ابن حجر في فتاويه خلافاً لـ : (بج) ، لأن الوصية تصح لنحو البهيمة كالوقف بخلاف الزكاة.

(مسألة : ب) : اتفق جمهور الشافعية على منع إعطاء أهل البيت النبوي من الزكاة ككل واجب كنذر وكفارة ، وإن منعوا حقهم من خمس الخمس ، وكذا مواليهم على الأصح ، واختار كثيرون متقدمون ومتأخرون الجواز ، حيث انقطع عنهم خمس الخمس ، منهم الاصطخري والهروي وابن يحيى وابن أبي هريرة ، وعمل به وأفتى به الفخر الرازي والقاضي حسين وابن شكيل وابن زياد والناشري وابن مطير ، قال الأشخر : فهؤلاء أئمة كبار وفي كلامهم قوة ، ويجوز تقليدهم تقليداً صحيحاً بشرطه للضرورة وتبرأ به الذمة حينئذ ، لكن في عمل النفس لا الإفتاء والحكم به اهـ. وخالفه ي فقال : لا يجوز إعطاؤهم مطلقاً ، ومن أفتى بجوازها لهم فقد خرج عن المذاهب الأربعة ، فلا يجوز اعتماده لإجماعهم على منعها لهم.

فائدة : قال الكردي : وكالزكاة في عدم صرفها لذوي القربى كل واجب كالنذر والكفارة ودماء النسك والأضحية الواجبة والجزء الواجب في المندوبة اهـ ، وقوله : كالنذر أي المطلق أو المقيد بالفقراء من المسلمين مثلاً ، أما المتعين لشخص أو قبيلة منهم فيصح كما يأتي تفصيله في باب النذر.

107

صدقة التطوع

فائدة : صدقة التطوع سنة مؤكدة للأحاديث الشهيرة وقد تحرم ، كأن ظن آخذها يصرفه في معصية ، وقد تجب كأن وجد مضطراً ومعه ما يطعمه لكن ببدله ، قال في التحفة : والحاصل أنه يجب البذل هنا أي للمحتاجين من غير اضطرار بلا بدل لا مطلقاً بل مما زاد على كفاية سنة ، وثم أي في المضطر يجب البذل هنا ما لم يحتجه حالاً ولو على غير فقير لكن بالبذل اهـ باعشن.

فائدة : ذكر السيوطي في خماسيه أن ثواب الصدقة خمسة أنواع : واحدة بعشرة وهي على صحيح الجسم ، وواحدة بتسعين وهي على الأعمى والمبتلي ، وواحدة بتسعمائة وهي على ذي قرابة محتاج ، وواحدة بمائة ألف وهي على الأبوين ، وواحدة بتسعمائة ألف وهي على عالم أو فقيه اهـ.

فائدة : هل الأفضل كسب المال وصرفه للمستحقين أو الانقطاع للعبادة ؟ فيه خلاف ، وينبغي أن يجتهد ويزن الخير بالشر ، ويفعل ما يدل عليه نور العلم دون طبعه ، وما يجده أخفّ على نفسه ، فهو في الغائب أضر عليه اهـ إيعاب ، ومنه (فرع) الغني الشاكر وهو كما قال الغزالي : الذي نفسه كنفس الفقير ، ولا يصرف لها إلا قدر الضرورة ، والباقي في وجوه الخيرات أو يمسكه ، معتقداً أنه بإمساكه خازن للمجتاحين لينظر حاجة يصرفه فيها لله تعالى أفضل من الفقير الصابر كما عليه الأكثرون ، ورجحه الغزالي في موضع واختاره ابن عبد السلام وتلميذه ابن دقيق العيد وقال : إنه الظاهر القريب من النص ، وأطال الغزالي في الاستدلال له ، ورجح في موضع آخر ما عليه أكثر الصوفية أن الفقير الصابر أفضل اهـ.

107

باب الصيام

فائدة : ورد عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : "رجب شهر الله ، وشعبان شهري ، ورمضان شهر أمتي" ومعناه أن الله تعالى يتجلى على عباده بالعفو والغفران في رجب من غير توسط شفاعة أحد ، وفي شعبان بتوسط شفاعته ، وفي رمضان بواسطة شفاعة الأمة اهـ حف. قال في التحفة : وما قيل إن التبعات لا تتعلق به أي الصوم يرده خبر مسلم أنه يؤخذ مع جملة الأعمال فيها ، وبقي فيه سبعة وأربعون قولاً لا تخلو عن خفاء وتعسف ، نعم قيل : إن التضعيف في الصوم وغيره لا يؤخذ لأنه محض فضل الله تعالى ، وإنما يؤخذ الأصل وهو الحسنة الأولى ، وإنما يتجه إن صح عن الصادق عليه الصلاة والسلام ، وإلا وجب الأخذ بعموم الخبر من أخذ حسنات الظالم ووضع سيئات المظلوم عليه اهـ.

فائدة : ترائي هلال رمضان كغيره من الشهور فرض كفاية لما يترتب عليها من الفوائد الكثيرة اهـ شوبري ، ولا أثر لرؤيته نهاراً ، فلا يكون لليلة الماضية فيفطر ، ولا للمستقبلة فيثبت رمضان ، ومن اعتبر أنه للمستقبلة فصحيح في رؤيته يوم الثلاثين لكن لا أثر له لكمال العدة ، بخلاف اليوم التاسع والعشرين فلا يغني عن رؤيته بعد الغروب للمستقبلة كما توهمه بعضهم اهـ ب ر. وهل يقاس عليه لو رؤي ليلة التاسع والعشرين فلا يثبت عليها حكم أو تثبت الرؤية بذلك ، ويجب قضاء يوم لم أر من تعرض لذلك ، وقال المدابغي : والمعنى في ثبوت رمضان بالواحد الاحتياط للصوم ، ومثله سائر العبادات كالوقوف بالنسبة لهلال ذي الحجة اهـ ، ورجح ابن حجر اختصاص ذلك برمضان فقط قال : ولا بد أن يقول الحاكم : ثبت عندي هلال رمضان أو حكمت بثبوته وإلا لم يجب الصوم اهـ.

(مسألة : ك) : لا يثبت رمضان كغيره من الشهور إلا برؤية الهلال أو إكمال العدة ثلاثين بلا فارق ، إلا في كون دخوله بعدل واحد ، وأما ما يعتمدونه في بعض البلدان من أنهم يجعلون ما عدا رمضان من الشهور بالحساب ، ويبنون على ذلك حل الديون والتعاليق ، ويقولون اعتماد الرؤية خاص برمضان فخطأ ظاهر ، وليس الأمر كما زعموا وما أدري ما مستندهم في ذلك.

(مسألة : ي) : إذا ثبت الهلال ببلد عم الحكم جميع البلدان التي تحت حكم حاكم بلد الرؤية وإن تباعدت إن اتحدت المطالع ، وإلا لم يجب صوم ولا فطر مطلقاً ، وإن اتحد الحاكم ولو اتفق المطلع ولم يكن للحاكم ولاية لم يجب إلا على من وقع في قلبه صدق الحاكم ، ويجب أيضاً ببلوغ الخبر بالرؤية في حق من بلغه متواتراً أو مستفيضاً ، والتواتر ما أخبر به جمع يمتنع تواطؤهم على الكذب عن أمر محسوس ، ولا يشترط إسلامهم ولا عدالتهم ، والمستفيض ما شاع بين الناس مستنداً لأصل.

(

مسألة : ب) : شهد اثنان برؤية الهلال ، فلم ير الليلة القابلة بأن كذبهما قطعاً كما قاله في التحفة فيما لو ذكرا محله فبان الليلة الثانية بخلافه ولم يمكن عادة انتقاله فيجب قضاء ما أفطروه ، فإذا كان هذا في صفة الهلال مع الاتفاق عليه في منزلته ودرجتها فلأن نجزم بكذبه ، ووجوب القضاء إذا لم ير الليلة الثانية أصلاً أولى ، إذ لا يمكن شرعاً ولا عقلاً ولا عادة أن يراه أول ليلة اثنان ، ثم لا يراه جميع أهل الجهة ممن تعرض له في الليلة الثانية ، وفي التحفة كالإمداد ، ووقع تردد فيما لو دل الحساب على كذب الشاهد بالرؤية ، والذي يتجه منه أن الحساب إن اتفق أهله أن مقدماته قطعية وكان المخبرون منهم عدد التواتر ردت الشهادة وإلا فلا اهـ. ومن المعلوم لدى كل أهل هذا الفن اتفاق أهل الحساب قاطبة على أن مقدماته قطعية ، وعلى عدم إمكان الرؤية في مسألتنا ، والمخبرون هم ومن تلقى عنهم بإجماع فضلاً عن عدد التواتر وكتبهم مصرحة بذلك ، ومن أثناء جواب لعبد العزيز الزمزمي إذا أخبر عدد التواتر برؤيته القابلة في الجانب البحري ولم يمكن عادة انتقاله لذلك المحل تبين خطأ من شهد به الليلة الماضية في الجانب النجدي وحكم ببطلان ما بني على شهادتهم ، إذ شرط المشهود به إمكانه شرعاً وعقلاً وعادة ، لكن لا بد من إخبار عدد التواتر من الحساب بعدم إمكان الانتقال ، ومثل ذلك لو حكم برؤيته ليلة الثلاثين بشهادة الشهود ، ثم أخبر برؤيته يوم التاسع والعشرين عدد التواتر ، فيجب على القاضي الرجوع عن حكمه حينئذ لتحقق بطلانه اهـ. فظهر أن معتمد ابن حجر والزمزمي رد الشهادة وما ترتب عليها ، وإن كان الشهود عدولاً فضلاً عن الأماثل ، وفي إيضاح الناشري وتحرير أبي زرعة : إذا أجمع أهل الميقات على عدم الرؤية لم يصح حكم بخلافهم ، وقد أجمعوا على عدم انخساف القمر ليلة ست عشرة ، وكذا مغيب الهلال ليلة الثالثة قبل الشفق الأحمر فيتبين بطلان الشهادة.

(مسألة) : ومن أثناء كلام للعلامة علوي بن أحمد الحداد في رؤية الهلال قال : وأفتى الزمزمي ونقله أحمد مؤذن باجمال عن ابن علان بردّ الشهادة إذا شهد بطلوع الشهر صباحاً قبل الشمس عدد التواتر قالوا : لاستحالة الرؤية حينئذ ، نعم قد تمكن رؤيته في طرفي النهار كما قاله العلامة القريعي ، وذلك في غاية طول النهار ، وهو من نصف الجوزاء إلى نصف السرطان ، يعني من ثاني أيام القلب إلى ثمان في النعائم إلى آخر ما قال.

(مسألة : ش) : إذا لم يستند القاضي في ثبوت رمضان إلى حجة شرعية ، بل بمجرد تهوّر وعدم ضبط ، كان يوم شك وقضاؤه واجب إذا بان من رمضان حتى على من صامه ، إلا إن كان عامياً ظن حكم الحاكم يجوز ، بل يوجب الصوم فيجزيه فيما يظهر اهـ. قلت : وقال ابن حجر في تقريظه على تحرير المقال : وأفتى شيخنا وأئمة عصره تبعاً لجماعة أنه لو ثبت الصوم أو الفطر عند الحاكم لم يلزم الصوم ولم يجز الفطر لمن يشك في صحة الحكم ، لتهوّر القاضي أو لمعرفة ما يقدح في الشهود ، فأداروا الحكم على ما فيه ظنه ولم ينظروا لحكم الحاكم ، إذ المدار إنما هو على الاعتقاد الجازم اهـ.

(

مسألة : ب) : مجرد وصول الكتاب من الحاكم إلى حاكم آخر لا يلزم به ثبوت للشهر إلا على من صدقه فقط ، ثم إن العمل جار على أن الحاكم الذي لا يعرف تهوّره في قبول الفاسق هو الذي انشرح به الصدر بالمصادقة ، فإذا جاء كتاب حاكم إلى حاكم آخر أخبر الناس به وصدقوه مرة واحدة ، أما من عرف تهوّره فلا يجوز لنائب آخر وصل إليه خطه أن يعلم الناس ، لأن المصادقة اختل شرطها شرعاً حينئذ حتى يثبت الشهر بموجبها ، وعند تساهل الحكام يناقش على صحة الثبوت وإظهار عين الشهود ، قاله أحمد مؤذن باجمال.

(مسألة : ب) : مطلع تريم ودوعن واحد بالنسبة للأهلة والقبلة إلا بتفاوت يسير لا بأس به ، وقال أبو مخرمة : إذا كان بين غروبي الشمس بمحلين قدر ثمان درج فأقل فمطلعهما متفق بالنسبة لرؤية الأهلة ، وإن كان أكثر ولو في بعض الفصول فمختلف أو مشكوك فيه فهو كالمختلف ، كما نص عليه النووي ، فعدن وزيلع وبربرة وميط وما قاربها مطلع ، وعدن وتعز وصنعاء وزبيد إلى أبيات حسين وإلى حلى مطلع وزيلع وواسة وهرورة وبر سعد الدين وغالب بر السومال فيما أظن إلى بربرة وما هناك مطلع ، ومكة والمدينة وجدة والطائف وما والاها مطلع ، وصنعاء وتعز وعدن وأحور وحبان وجردان والشحر وحضرموت إلى المشقاص مطلع ، ولا يتوهم من قولنا الشحر وعدن مطلع مع قولنا عدن وزيلع مطلع أن تكون الشحر وزيلع مطلعاً ، بل إن عدن وسط ، فإذا رؤي فيها لزم أهل البلدين ، أو في أحدهما لزم أهل عدن ، وقول السبكي : يلزم من الرؤية في البلدة الشرقية الرؤية في الغربية منتقد لا يوافق عليه اهـ. وواعجباً من تقصير الحكام وتساهلهم وتهوّرهم ، فإنهم يقبلون من لا يقبل بحال ، ويلزمون الناس بشهادته الفطر والصيام مع عدم وجود الهلال بعد الغروب فضلاً عن إمكان رؤيته اهـ. قلت : وذكر العلامة طاهر بن هاشم أن مطلع تريم ومكة واحد ، لأن غاية البعد بينهما في الميل الجنوبي سبع درج الخ اهـ. واعتمد كلام السبكي ابن حجر في الفتاوى ورده في التحفة.

(مسألة : ي ك) : يجوز للمنجم وهو من يرى أن أوّل الشهر طلوع النجم الفلاني ، والحاسب وهو من يعتمد منازل القمر وتقدير سيره العمل بمقتضى ذلك ، لكن لا يجزيهما عن رمضان لو ثبت كونه منه ، بل يجوز لهما الإقدام فقط ، قاله في التحفة والفتح ، وصحح ابن الرفعة في الكفاية الإجزاء وصوبه الزركشي والسبكي ، واعتمده في الإيعاب والخطيب ، بل اعتمده (م ر) تبعاً لوالده الوجوب عليهما وعلى من اعتقد صدقهما ، وعلى هذا يثبت الهلال بالحساب كالرؤية للحاسب ومن صدقه ، فهذه الآراء قريبة التكافؤ فيجوز تقليد كل منها ، والذي يظهر أوسطها وهو الجواز والإجزاء ، نعم إن عارض الحساب الرؤية فالعمل عليها لا عليه على كل قول.

(

مسألة : ي ش) : يلزم العبد كالمرأة والفاسق العمل برؤية نفسه ، كما يلزم من أخبره برؤيته أو برؤية من رآه ، أو ثبوته في بلد متحد المطلع إن غلب على ظنه صدقه ، وهو المراد بقولهم الاعتقاد الجازم ، فإن ظن صدقه من غير غلبة جاز الصوم ، وإن شك حرم ، وسواء أخبر من ذكر عن دخول رمضان أو خروجه ، زاد ي : أو غيره من الشهور كشعبان فيجب صوم رمضان بتمامه بخبر من ذكر بالقيد المذكور ، وإن كان شعبان كشوال لا يثبت إلا بشاهدين ، لأن هذا من باب الرؤية وهي أوسع من باب الشهادة اهـ. وزاد ش : كما يلزمه اعتماد العلامات بدخول شوّال إذا حصل اعتقاد جازم بصدقها ، ومتى بان أن ذلك من رمضان أجزأهم ولا قضاء ، إذ وجوبه ينافي وجوب الصوم ، وإذا كان من صام يوم الشك لظنه صدق مخبره يجزيه عن رمضان لو بان منه ، ويحكم بأنه كان يوم الشك باعتبار الظاهر فأولى مسألتنا ، وهل يسوغ الإفطار بعد الثلاثين للمعتقد المذكور وإن لم ير الهلال ؟ إن كان ثم ريبة بأن لم ير مع الصحو فلا ، وإلا وجب اهـ. قلت : وقوله وهل يسوغ الإفطار الخ اعتمد في التحفة عدم جواز الفطر احتياطاً ، وخالفه (م ر) فقال : يفطر في أوجه احتمالين.

فائدة : الحاصل أن صوم رمضان يجب بأحد تسعة أمور : إكمال شعبان ، ورؤية الهلال ، والخبر المتواتر برؤيته ولو من كفار ، وثبوته بعدل الشهادة ، وبحكم القاضي المجتهد إن بين مستنده ، وتصديق من رآه ولو صبياً وفاسقاً ، وظن بالاجتهاد لنحو أسير لا مطلقاً ، وإخبار الحاسب والمنجم ، فيجب عليهما وعلى من صدّقهما عند (م ر) : والإمارت الدالة على ثبوته في الأمصار كرؤية القناديل المعلقة بالمناير اهـ كشف النقاب.

فائدة : يجب إمساك يوم الشك إذا تبين كونه من رمضان في الأظهر ، والثاني لا يجب للعذر كمسافر قدم مفطراً ، قاله في المهذب والتنبيه اهـ.

(مسألة : ش) : قول العباب : إذا صمنا بشهادة عدل أو عيدنا بعدلين ولم نر الهلال بعد الثلاثين أفطرنا في الأولى ولم نقض في الثانية ولو مع الصحو ، المراد بعدم رؤية الهلال أي هلال شوال في الأولى والقعدة في الثانية ، كما أن قوله بعد ثلاثين يعني من رمضان من الأولى ومن شوال في الثانية ، وقوله : أفطرنا أي على الأصح لكمال العدد ، ولا نظر لكون شوال لم يثبت حينئذ بعدلين ، إذ الشيء يثبت ضمناً ما لا يثبت أصلاً ، كثبوت النسب والإرث بثبوت الولادة بشهادة النساء ، وقوله : ولم نقض في الثانية أي على المذهب ، وقوله : ولو مع الصحو إشارة إلى وجه قال به ابن الحداد ونقل عن شريح : أنا لا نفطر مع الصحو في الأولى.

(

مسألة : ش) : رأى هلال شوّال وحده لزمه الفطر ، ويسن له إخفاؤه للتهمة ، وتندب له صلاة العيد ، وهل يعدها مع الناس الأقرب ؟ نعم ، ولا يصلي معه ما لم ير الهلال ، بل لا تصح إن علم وتعمد ، وإلا وقعت نفلاً مطلقاً ، وحرم على غيره الفطر وإن وقع في قلبه صدق رائيه ، وأول شوال يكون يوم عيد الناس في جميع الأحكام ، فإن ثبت هلاله قبل الزوال فظاهر أو بعده وجب الفطر وفاتت صلاة العيد ، وندب قضاؤها بقية اليوم حيث أمكن ، وإلا فمن الغد أو بعد الغروب من قابل ثبت كون اليوم الماضي من شوال بالنسبة لغير الصلاة وتوابعها كالفطرة والتكبير فتصلى من الغد أداء اهـ. قلت : وقوله وحرم على غيره الفطر الخ تقدم في مسألة نحو العيد أنه يلزمه ومن صدقه الفطر فضلاً عن الجواز فتأمله.

(فرع) : يسنّ أن يقول عند رؤية الهلال : الله أكبر ، اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان ، والسلامة والإسلام ، والتوفيق لما تحب وترضى ، ربنا وربك الله ، الله أكبر ، ولا حول ولا قوّة إلا بالله ، اللهم إني أسألك خير هذا الشهر ، وأعوذ بك من شر القدر ، ومن شرّ المحشر ، هلال خير ورشد مرتين ، آمنت بالذي خلقك ثلاثاً ، الحمد لله الذي ذهب بشهر كذا وجاء بشهر كذا للاتباع اهـ إمداد. قال في العباب : ويقول عند رؤية القمر : أعوذ بالله من شرّ هذا الغاسق اهـ.

111

شروط الصوم

(مسألة : ش) : لا يكفي في رمضان أن يقول : نويت صوم غد فقط ، بل لا بد من التعرض لرمضان لأنه عبادة مضافة إلى وقت فوجب التعيين ، والمعتمد عدم وجوب نية الفرضية ، لأن صوم رمضان من المكلف لا يكون إلا فرضاً بخلاف الصلاة فإن المعادة نفل.

فائدة : ابتلى بوجع في أذنه لا يحتمل معه السكون إلا بوضع دواء يستعمل في دهن أو قطن وتحقق التخفيف أو زوال الألم به ، بأن عرف من نفسه أو أخبره طبيب جاز ذلك وصح صومه للضرورة ، اهـ فتاوي باحويرث.

(مسألة : ب) : اقتلع سنه الوجعة وهو صائم لم يعف عن الدم ولا الريق المختلط به وإن صفا ، بل لا بد من غسل فمه ، نعم إن عمت البلوى بالدم ولم يمكنه التحرز عنه عفي عنه ، كَدَمِ اللثة الذي يجري دائماً يتسامح بما يشق الاحتراز عنه بأن يبصق حتى يبيض ريقه ، إذ لو كلف غسل فمه في أكثر نهاره لشق ، بل ربما زاد جريانه بذلك ، وكالصوم الصلاة ، نعم يعفى فيها عن القليل في الفم إذا لم يبتلعه كما رجحه ابن حجر اهـ.

قلت : واعتمد (م ر) عدم العفو عن ذلك في الصلاة مطلقاً كبقية دم المنافذ ، أما في الصوم فلا يضر إبقاؤه في الفم مطلقاً اتفاقاً حتى يبتلعه بشرطه ، وفي التحفة ، وباعشن : ولنا وجه بالعفو عنه أي الريق المختلط بدم اللثة مطلقاً إذا كان صافياً ، زاد باعشن : وفي تنجس الريق به إشكال لأنه نجس عم اختلاطه بمائع ، وما كان كذلك لا ينجس ملاقيه ، كما في الدم على اللحم إذا وضع في الماء للطبخ فإن الدم لا ينجس الماء اهـ.

(مسألة : ك) : يعفى عن دم اللثة الذي يجري دائماً أو غالباً ، ولا يكلف غسل فيه للمشقة ، بخلاف ما لو احتاج للقيء بقول طبيب فالذي يظهر الفطر بذلك نظير إخراج الذبابة ، ولو ابتلي بدود في باطنه فأخرجه بنحو أصبعه لم يفطر إن تعين طريقاً قياساً على إدخاله الباسور به.

(مسألة) : حاصل ما ذكره في التحفة في مقعدة المبسور أنه لا يفطر بعودها ، وإن أعادها بنحو أصبعه اضطراراً ، ولا يجب غسل ما عليها من القذر على المعتمد ، وأفتى محمد صاح بأنه لو تغوّط فخرج شيء إلى حد الظاهر ثم عاد من غير اختيار لنحو يبوسة الخارج ولم يمكنه قطعه لم يفطر قياساً على ما ذكر.

فائدة : لا يضر وصول الريح بالشم ، وكذا من الفم كرائحة البخور أو غيره إلى الجوف وإن تعمده لأنه ليس عيناً ، وخرج به ما فيه عين كرائحة النتن ، يعني التنباك لعن الله من أحدثه لأنه من البدع القبيحة فيفطر به ، وقد أفتى به زي بعد أن أفتى أوّلاً بعدم الفطر قبل أن يراه اهـ ش ق. وقال بخ : لو وصل ماء الغسل إلى الصماخين بسبب الانغماس ، فإن كان من عادته المتكررة وصول الماء إلى باطن الأذن بذلك أفطر وإلا فلا ، ولا فرق بين الغسل الواجب والمندوب لاشتراكهما في الطلب بخلافه من غسل تبرد وتنظيف لتولده من غير مأمور به اهـ.

فائدة : قال الشوبري : محل الإفطار بوصول العين إذا كانت من غير ثمار الجنة جعلنا الله من أهلها ، أما هي فلا يفطر بها اهـ. ولو رأى صائماً أراد أن يشرب مثلاً ، فإن كان حاله التقوى وعدم مباشرة المحرمات فالأولى تنبيهه ، وإن كان غالب حاله ضد ذلك وجب نهيه قاله الحباني ، اهـ مجموعة بازرعة اختصار فتاوى ابن حجر.

(مسألة : ج) : شرب شخص بعد أذان المؤذن الصبح ظاناً غلط المؤذن لم يحكم ببطلان صومه ، إذ الأصل بقاء الليل غاية الأمر أن المؤذن المذكور مجتهد ولا يجب الأخذ بقوله ، نعم إن أخبره عدل بطلوعه بمشاهدة لزمه الأخذ بقوله إن لم يعارضه ظن قوي أو أقوى.

(مسألة : ب) : المرض الذي لا يرجى برؤه المبيح لنحو الفطر عام في جميع الأمراض مطلقاً ، نعم قد تفترق أنواع المرض بالنسبة للأحكام كمن به فالج وأمكنه الصوم دون القيام في الصلاة ، أو مرض لا يمكنه معه الصوم ويمكنه الصلاة قائماً فيلزمه الممكن منهما ، ولا يثبت المرض المذكور إلا بقول طبيب ، نعم إن قطعت العادة بأن هذا لا يرجى برؤه بالتواتر والتجربة كالسل والدق والفالج عمل بمقتضاه وإن برىء بعد ، وقد يكون المرض مخوفاً ويرجى برؤه كالحمى المطبقة والغب ، وقد يعكس كالسل ، وقد يجتمعان كالدق فلا تلازم حينئذ ، وإذا وجب المد لم تلزم الفورية في إخراجه ، كما صرح به ابن حجر في الإتحاف ، قال : ولا يستقر بذمة العاجز حالاً ، وقال (م ر) والخطيب : يستقر ولو قدر على الصوم بعد لم يلزمه ، وتجب النية في إخراج المدّ على المخرج ولو عن الميت.

(مسألة) : المرض المبيح للفطر في رمضان نوعان ، ما يرجى برؤه فواجبه القضاء إن تمكن منه كالمسافر ونحو الحامل ، فإن لم يتمكن فلا قضاء ولا فدية ، وما يرجى برؤه وهو كما في النهاية كل عاجز عن صوم واجب ، سواء رمضان وغيره لكبر أو زمانة ، أو مرض لا يرجى برؤه أو مشقة شديدة تلحقه ، قال (ع ش) : ولم يبين هنا المشقة المبيحة للفدية ، وقياس ما مر في المرض أنها المبيحة للتيمم اهـ. فهذا في حقه الفدية واجبة ابتداء لا الصوم ، فلو قدر عليه بعد لم يلزمه بل لا يجزئه كما قاله أبو مخرمة ، نعم لو تكلفه حال أدائه أجزأه ، وفي ع ش عند قول (م ر) : من فاته شيء من رمضان أو غيره فمات قبل التمكن فلا تدارك ولا قضاء ، هذا يخالف ما يأتي من أنه من أفطر لمرض لا يرجى يرؤه ، أو زمانة وجب عليه قدّ ، وقد يجاب بأن ما يأتي فيمن لا يرجو البرء وههنا خلافه ، وفي بج على الإقناع قوله بأن استمر مرضه أي المرجو برؤه حتى مات فلا فدية ، وحينئذ فلا منافاة بين ما هنا وما يأتي أن المريض يفطر ويطعم عن كل يوم مداً إذ ذاك في المريض غير المرجو برؤه ، فهو مخاطب بالفدية ابتداء ، وأما المريض المذكور هنا فهو مخاطب بالصوم ابتداء ، وإنما جاز له الفطر لعجزه ، فإذا مات قبل التمكن فلا تدارك عنه اهـ. إذا تأملت ذلك علمت أنه لو مرض شخص في رمضان مرضاً خفيفاً ثم اشتد به المرض حتى لا يرجى برؤه ثم مات في رمضان أو بعده قبل التمكن من القضاء لزم في تركته الفدية لأيام المرض الذي لا يرجى برؤه لا فيما يرجى برؤه لعدم تمكنه.

(

مسألة) : لا يجوز الفطر لنحو الحصاد وجذاذ النخل والحراث إلا إن اجتمعت فيه الشروط. وحاصلها كما يعلم من كلامهم ستة : أن لا يمكن تأخير العمل إلى شوّال ، وأن يتعذر العمل ليلاً ، أو لم يغنه ذلك فيؤدي إلى تلفه أو نقصه نقصاً لا يتغابن به ، وأن يشق عليه الصوم مشقة لا تحتمل عادة بأن تبيح التيمم أو الجلوس في الفرض خلافاً لابن حجر ، وأن ينوي ليلاً ويصحب صائماً فلا يفطر إلا عند وجود العذر ، وأن ينوي الترخص بالفطر ليمتاز الفطر المباح عن غيره ، كمريض أراد الفطر للمرض فلا بد أن ينوي بفطره الرخصة أيضاً ، وأن لا يقصد ذلك العمل وتكليف نفسه لمحض الترخص بالفطر وإلا امتنع ، كمسافر قصد بسفره مجرد الرخصة ، فحيث وجدت هذه الشروط أبيح الفطر ، سواء كان لنفسه أو لغيره وإن لم يتعين ووجد غيره ، وإن فقد شرط أثم إثماً عظيماً ووجب نهيه وتعزيره لما ورد أن : "من أفطر يوماً من رمضان بغير عذر لم يغنه عنه صوم الدهر" .

فائدة : يسنّ لمن لم يفطر على تمر أن يفطر على الماء ، وكونه ماء زمزم أولى ، وبعده الحلو وهو ما لم تمسه النار كالزبيب والعسل واللبن وهو أفضل من العسل ، واللحم أفضل منهما ، ثم الحلوى المعمولة بالنار ، ولذلك قال بعضهم :

فمن رطب فالبسر فالتمر زمزم

فماء فحلو ثم حلوى لك الفطر

اهـ باجوري. وقال عبد الرحمن الخياري في حديث : "من فطر صائماً فله مثل أجره" هل المراد إن كان له أجر أو مطلقاً حتى لو بطل أجر الصائم لغارض وقع للمفطر بتقدير أن للصائم أجراً ، تردد فيه ابن حجر والظاهر الثاني اهـ.

فائدة : ذكر بعضهم ضابطاً لليلة القدر على القول بأنها تنتقل ، ونظمها عبد المعطي أو ق ل فقال :

يا سائلي عن ليلة القدر التي

في عشر رمضان الأخير حلت

فإنها في مفردات العشر

تعرف من يوم ابتداء الشهر

فبالأحد والأربعا فالتاسعة

وجمعة مع الثلاثا السابعه

وإن بدا الخميس فهي الخامسة

وإن بدا بالسبت فهي الثالثة

وإن بدا الاثنين فهي الحادي

هذا عن الصوفية الزهاد

وظاهر كلام الباجوري على هذا القول أنها تكون ليلة الجمعة الكائنة في أوتار الشهر بعد النصف.

113

صوم التطوّع

(مسألة) : يسن صوم عرفة لغير حاج ومسافر ، نعم إن أخر الوقوف إلى الليل سنّ صومه كما في التحفة ، ومحل ندبه حيث لم يحصل شك في كونه تاسعاً أو عاشراً ، وإلا حرم صومه ولو عن قضاء وكفارة كما اعتمده (م ر) واعتمد الجوجري جواز صومه حينئذ قاله الباجوري ، وفي فتاوى أبي مخرمة مسألة : تحدّث الناس برؤية ذي الحجة أو شهد به من لا يقبل سنّ صوم التاسع ولا نظر لاحتمال أنه عاشراهـ.

(مسألة : ك) : ظاهر حديث : "وأتبعه ستاً من شوّال" وغيره من الأحاديث عدم حصول الست إذا نواها مع قضاء رمضان ، لكن صرح ابن حجر بحصول أصل الثواب لإكماله إذا نواها كغيرها من عرفة وعاشوراء ، بل رجح (م ر) حصول أصل ثواب سائر التطوعات مع الفرض وإن لم ينوها ، ما لم يصرفه عنها صارف ، كأن قضى رمضان في شوّال ، وقصد قضاء الست من ذي القعدة ، ويسنّ صوم الست وإن أفطر رمضان اهـ. قلت : واعتمد أبو مخرمة تبعاً للسمهودي عدم حصول واحد منهما إذا نواهما معاً ، كما لو نوى الظهر وسنتها ، بل رجح أبو مخرمة عدم صحة صوم الست لمن عليه قضاء رمضان مطلقاً.

فائدة : رجح في التحفة كالقلائد وأبي مخرمة ندب قضاء عاشوراء وغيره من الصوم الراتب إذا فاته تبعاً لجماعة وخلافاً لآخرين ، وفي التحفة أيضاً ظاهر كلامهم أنه لو وافق يوماً يسنّ صومه كالاثنين والخميس لمن اعتاد صوم يوم وفطر يوم يكون فطره فيه أفضل ليتم له صوم يوم وفطره الذي هو أفضل من صوم الدهر ، لكن بحث بعضهم أن صومه لهما أفضل اهـ.

(فرع) : لو وافق أيام الزفاف صوم تطوع معتاد ندب الفطر لأنها أيام بطالة كأيام التشريق اهـ سم وب ر.

فائدة : نظم بعضهم ما يطلب يوم عاشوراء فقال :

بعاشورا عليك بالاكتحال

وصوم والصلاة والاغتسال

زيارة صالح وسؤال ربّ

وعد مرضى ووسع للعيال

تصدق واقرأ الإخلاص ألفاً

على رأس اليتيم المسح تالي

وأعظم آية فاقرأ مئينا

ثلاثاً بعد ستين توالي

وإحياء لليلته وشيع

لميت فالتزم فعل الخصال

فائدة : يكره إفراد الجمعة والسبت والأحد بصوم ، وخرج به جمع اثنين منها ولو الجمعة مع الأحد كجمع أحدهما مع آخر اهـ ش ق.

(مسألة) : نذر الاعتكاف وأطلق كفاه زيادة على الطمأنينة ، فلو أطاله كان الكل فرضاً ، يعني يثاب عليه ثواب الفرض ، قاله ع ش فارقاً بينه وبين إطالة نحو الركوع ومسح جميع الرأس ، بأن هذين خوطب فيهما بقدر معلوم وهو الطمأنينة وبعض شعره ، فما زاد عليهما متميز يثاب عليه ثواب المندوب ، وما هنا خوطب فيه بالاعتكاف المطلق ، وهو كما يتحقق في اليسير يتحقق فيما زاد ، ونظر باعشن في ذلك ورجح هو والشبشيري وغيرهما أن الثلاثة المذكورة ونظائرها من كل ما يتجزأ على حد سواء يثاب على الأقل ثواب الواجب ، وما زاد ثواب المندوب ، كما نص عليه في مسح الرأس وغيره ، ولم يستثن إلا بغير الزكاة عن دون خمس وعشرين ، وعلى مرجح ع ش لو خرج من المسجد بنية العود وعاد أثيب بعوده ثواب الواجب أيضاً ، إذ النية الأولى لم تنقطع.

فائدة : نذر اعتكاف يوم لم يجز تفريق ساعاته من أيام ، بل يلزمه الدخول فيه قبل الفجر ، بحيث تقارن نيته أوّل الفجر ويخرج منه بعد الغروب ، فلو دخل الظهر ومكث إلى الظهر ولم يخرج ليلاً لم يجزه كما رجحاه وإن نوزعا فيه اهـ إمداد وتحفة. واعتمد الخطيب و (م ر) : الإجزاء ، ولو نذر يوماً معيناً ففاته أجزأ عنه ليلة ، كما قاله في شرح المنهج والتحفة والنهاية والمغني والإمداد.

114

باب الحج

فائدة : الحج يكفر الصغائر والكبائر حتى التبعات على المعتمد إذا مات فيه أو بعده وقبل تمكنه من أدائه اهـ.

فائدة : قال الخوّاص رحمه الله : من علامات قبول حج العبد وأنه خلع عليه خلعة الرضا عنه أنه يرجع من الحج وهو متخلق بالأخلاق المحمدية ، لا يكاد يقع في ذنب ، ولا يرى نفسه على أحد من خلق الله ، ولا يزاحم على شيء من أمور الدنيا حتى يموت ، وعلامة عدم قبول حجه أن يرجع على ما كان عليه قبل الحج ، كما أن من علامات مقته أن يرجع وهو يرى أن مثل حجه أولى بالقبول من حج غيره ، لما وقع فيه من الكمال في تأديه المناسك وخروجه فيها من خلاف العلماء ، لكن لا يدرك هذا المقت إلا أهل الكشف اهـ من خاتمة الميزان للشعراني.

(مسألة : ج) : ظاهر قوله عليه الصلاة والسلام : "اللهم اغفر للحاج" الخ ، أنه المتلبس بالحج لا من انقضى حجه. لكن ورد أيضاً أنه يغفر له ولمن استغفر له بقية ذي الحجة والمحرم وصفر وعشراً من ربيع الأول ، وفي رواية : يستجاب له من دخول مكة إلى رجوعه إلى أهله وفضل أربعين يوماً ، فالمختار طلب الدعاء منه كما عليه السلف إلى الأربعين ، وأولى منه أن يكون قبل دخول داره ، فلو لم يدخل إلا بعد سنين استمر الحكم ، والسر في ذلك وقوفه في تلك المشاعر العظام ، وما يلقاه من المتاعب والمشاقّ الحاصلة له بسبب هجران الوطن مدة السفر ، وعدم تغير حاله قبل الأربعين غالباً.

فائدة : يختص بحرم مكة اثنا عشر حكماً : تحريم الاصطياد فيه ، وقطع شجره ، ونحر الهدي ، وتفرقة لحمه ، والطعام اللازم في المنسك به إلا في حق المحصر ، ولزوم المشي إليه بنذر ، وكونه لا يدخل إلا بإحرام ولا يتحلل إلا فيه إلا المحصر فيتحلل حيث أحصر ، وتغلظ الدية بالقتل فيه ، ولا تملك لقطته ، ولا يدخله مشرك أي كافر ولو كتابياً ، ولا يدفن فيه ، ولا يحرم فيه بالعمرة وهو عازم على أن لا يخرج إلى أدنى الحل ، ولا يجب على حاضريه دم التمتع والقران اهـ شرح التحرير.

فائدة : نظم بعضهم حد حرم مكة المشرفة فقال :

وللحرم التحديد من أرض طيبة

ثلاثة أميال إذا رمت إتقانه

وسبعة أميال عراق وطائف

وجدة عشر ثم تسع جعرّانه

ومن يمن سبع بتقديم سينه

وقد كملت فاشكر لربك إحسانه وطول المسجد الحرام 400 ذراع ، وعرضه 300 ، ودعائمه أي سواريه 400 ، أبوابه 43 ، ارتفاع الكعبة المشرفة 28 ذراعاً اهـ كما وجدته. وقال الكردي : وبين باب العمرة إلى أدنى الحل اثنا عشر ألفاً وأربعمائة وعشرون ذراعاً.

فائدة : ورد في الحديث : "ينزل ربنا تبارك وتعالى على بيته الحرام كل يوم مائة وعشرين رحمة : ستون للطائفين ، وأربعون للمصلين ، وعشرون للناظرين" . وحكمة التفاضل أن الطائف يجمع بين طواف وصلاة ونظر ، والمصلي فاته الطواف ، والناظر فاته كلاهما اهـ فتاوى البلقيني ، وقال في التحفة : والاشتغال بالعمرة أفضل منه بالطواف على المعتمد إذا استوى زمانهما اهـ.

فائدة : حديث : "من استطاع الحج ولم يحج مات إن شاء يهودياً أو نصرانياً" صحيح عن ابن عمر في حكم المرفوع ، وهو محمول على المستحل ، وعامّ في جميع المسلمين بشرط الاستطاعة اهـ فتاوى ابن حجر.

(مسألة : ب) : يجب الحج على التراخي إن لم يخف العضب أو الموت أو تلف المال ، فمتى أخره مع الاستطاعة حتى عضب أو مات تبين فسقه من وقت خروج قافلة بلده من آخر سني الإمكان ، وتبين بطلان سائر تصرفاته مما تتوقف صحته على العدالة ، كذا أطلقه ابن حجر و (م ر) وقيده ابن زياد بالعالم بالعصيان بالتأخير ، وحينئذ يجب على المعضوب كورّاث الميت الاستنابة فوراً فيأثم بالتأخير.

(مسألة : ك) : من شروط وجوب الحج الاستطاعة ، فمن لم يستطع لم يجب عليه الحج ولا الإحجاج عنه ، نعم يجوز ولو لأجنبي الإحجاج عنه لا من ماله ولو من الثلث إلا بإذن جميع الورثة المطلقي التصرف ما لم يوص به ، ومن شروط الاستطاعة ظن الأمن اللائق بالسفر على نفسه وما يحتاج لاستصحابه ، لا الزائد على ما يحتاجه في طريقه إن أمن عليه في محله ، ولو اختص الخوف به لم يستقر في ذمته كما في التحفة ، فلو خاف من رصدي يرقبه في الطريق أو البلد لأخذ شيء منه وإن قل ظلماً لم يلزمه كما أطلقه الجمهور ، وكل مانع من أداء النسك مجوّز للخروج منه لأن فيه إعانة على الظلم ، ولا يجب احتمال الظلم في أداء النسك ، نعم في المغني أن نحو الدرهمين لا يتحلل لأجلهما ، وأوجب المالكية والحنابلة بذل قليل لا يجحف ، واختلف الحنفية في ذلك ، وهذا أعني عدم لزوم الحج حينئذ حيث لا طريق آخر خال عن المكس ، وإلا وجب سلوكه وإن بعد عن الأول جداً كعشر سنين من مكة مثلاً ، كما لو أمكنه مع المحمل الكبسي أو الشامي فيعرج له ، نعم لو فرض أن جميع الطرق لا تخلو عن المكس أو غلب الهلاك أو استوى الأمران فلا وجوب.

فائدة : من شروط الاستطاعة كون المال فاضلاً عن مؤنة من عليه مؤنتهم ، وشمل ذلك أهل الضرورات من المسلمين ولو من غير أقاربه ، لما ذكروه في السير أن دفع ضرورات المسلمين بإطعام جائع وكسوة عار ونحوهما فرض على من ملك أكثر من كفاية سنة ، وقد أهمل هذا غالب الناس حتى من ينتمي إلى الصلاح ، ويحرم عليه السفر حتى يترك لممونه قوته مدة ذهابه وإيابه ، نعم يخير بين طلاق زوجته وترك مؤنتها ، قاله ابن حجر اهـ باعشن.

(

مسألة : ب) : يلزم الشخص صرف مال تجارته وبيع عقاره في الحج ، إذ يصير بذينك مستطيعاً ، بخلاف كتب الفقيه ، وخيل الجندي ، وثياب التجمل ، وآلة المحترف ، وحلي المرأة اللائق بها المحتاجة للتزين به عادة ، فلا يعدّ صاحبها مستطيعاً ، ولا يلزمه بيعها في الفطرة ابتداء كالكفارة وثمن ما ذكر كهي ، نعم يختلف الحكم في النفيس والمكرر ، فإذا كان يمكنه الإبدال بلائق وإخراج التفاوت لزمه ذلك في الحج والفطرة لا الكفارة ، ومتى صارت المرأة عجوزاً ، لا تحتاج للحلي ، ووجدت شروط الاستطاعة ببيعه لزمها بيعه والإحجاج بنفسها أو الاستنابة على ما فصل ، ولو كان معه ما يكفيه للحج بنفسه لكنه أعمى أو امرأة يحتاج إلى قائد أو محرم ولم يفضل لهما شيء فعضب والمال بحاله لزمه استنابة غيره من الميقات بذلك المال ، كما لو كان مع المعضوب مال يكفي أجيراً من مكة كستة قروش لزمه أن يوكل من يستأجر حاجاً من الميقات أيضاً فوراً ، وإن عضب بعد التمكن وإلا فعلى التراخي ، لأن الاستطاعة بالغير كهي بالنفس.

فائدة : امرأة لا تستطيع الركوب أو المشي في العقاب أو تستطيعه لكن بمشقة شديدة لكبر أو زمانة بأن لا تحتمل عادة جاز لها أن تستأجر من يحج عنها ، كما نقله باسودان عن ابن حجر و (م ر) وقال الكردي : حد المشقة ما لا يذاق الصبر عليه اهـ.

(مسألة : ش) : لا يضر الشك في نية النسك بعد الفراغ منه كالصوم بالأولى ، والفرق بينهما وبين الصلاة والوضوء حيث أثر الشك فيهما على المعتمد ، أن أحكام النية في نحو الصلاة أغلظ منها في النسك والصوم ، وعظم المشقة في هذين ، ورجح السمهودي وغيره عدم تأثير الشك بعد فراغ العبادة مطلقاً.

فائدة : استؤجر للحج عن غيره فقال عند تلفظه بالنية : نويت الحج وأحرمت به عن فلان ، فإن كان قلبه موافقاً للسانه وقع له ، وإلا فالعبرة بما في قلبه ، وأصل الصيغة الصحيحة أن يقول : نويت الحج عن فلان وأحرمت به لله تعالى ، اهـ فتاوى باسودان.

فائدة : أفتى ابن حجر بأنه لو أحرم شخص بالحج عند مجاوزة الميقات وشرط التحلل لكل عذر يعرض له دينياً أو دنيوياً أو شرطه إن وجد من يستأجره قبل التروية صح شرطه ذلك ، ثم إن شرطه بلا هدي كان تحلله بالنية فقط أو بهدي لزمه اهـ.

فائدة : الظاهر في وضع الحجر الموجود الآن أنه على الوضع القديم فتجب مراعاته ، ولا نظر لاحتمال زيادة أو نقص ، نعم في كل من فتحتيه فجوة نحو من ثلاثة أرباع ذراع بالحديد خارجة عن سمت ركن البيت بشاذروانه ، وداخلة في سمت حائط الحجر فهل تغلب الأولى فيجوز الطواف فيها أو الثانية فلا ؟ كل محتمل والاحتياط الثاني ، ويتردد النظر في الرفرف الذي بحائط الحجر هل هو منه أو لا ؟ ثم رأيت ابن جماعة حرر عرض الحجر بما لا يطابق الخارج الآن إلا بدخول ذلك الرفرف ، فلا يصح طواف من جعل أصبعه عليه ، ولا من مس جدار الحجر الذي تحت ذلك الرفرف اهـ تحفة ، ومنها ويسنّ أن يصلي بعده أي الطواف ركعتين خلف المقام الذي أنزل من الجنة ليقوم عليه إبراهيم عليه السلام ، والمراد بخلفه كل ما يصدق عليه ذلك عرفاً ، وحدث الآن في السقف خلفه زينة عظيمة بذهب وغيره فينبغي عدم الصلاة تحتها ، ويليه في الفضل داخل الكعبة فتحة الميزاب فبقية الحجر فالحطيم فوجه الكعبة فبين اليمانيين فبقية المسجد فدار خديجة فمكة فالحرم اهـ.

فائدة : تكره إعادة السعي لحاج ومعتمر ، اختلفوا في القارن فرجح ابن حجر في كتبه ، و (م ر) في شرح الدلجية تبعاً للبلقيني عدم ندبه ، وذهب الخطيب في المغني ، و (م ر) في شرح الإيضاح ، (وسم) وابن علان وغيرهم إلى ندبه له ، ومقتضى كلامهم امتناع موالاة الطوافين والساعين ، فيطوف ويسعى ثم يطوف ويسعى ، وقد تجب إعادة السعي كأن بلغ أو أفاق أو أعتق بعده وأدرك الوقوف كاملاً فيعيده حينئذ قاله الكردي ، قال : وذرع ما بين الصفا والمروة سبعمائة وسبعون ذراعاً بذراع اليد المعتدلة قاله ق ل اهـ.

فائدة : روى البيهقي أنه قال : "ما من مسلم يقف عشية عرفة فيستقبل القبلة بوجهه ثم يقول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، مائة مرة ، ثم يقول : اللهم صلّ على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، مائة مرة ، ثم سورة الإخلاص مائة مرة ، إلا قال الله تعالى : يا ملائكتي ما جزاء عبدي هذا ؟ أشهدكم أني قد غفرت له وشفعته ، ولو سألني لشفعته في أهل الموقف" اهـ. وقال الكردي : قوله عليه الصلاة والسلام : "أفضل الدعاء يوم عرفة ، وأفضل ما قلت لا إله إلا الله وحده" الخ ، أي بعرفة وغيرها كما يدل عليه حذف الظرف ، ويحتمل أنه قيد فيه لأن الأصل تشارك المتعاطفات في القيد ، والأول أقرب اهـ شرح الإيضاح اهـ.

فائدة : يسنّ في رمي جمرة العقبة أن يجعل مكة عن يساره ومنى عن يمينه ويستقبلها حالة الرمي للاتباع ، ويختص هذا بيوم النحر لتميزها فيه ، بخلاف بقية أيام التشريق ، فإن السنة استقباله القبلة في رمي الكل اهـ تحفة.

فائدة : من شروط النفر الأول أن يكون بعد جميع الرمي ، فلا بد لمن رمى جمرة العقبة حينئذ أن يعود إلى منى ليكون نفره منها بعد جميع الرمي لأنها خارج منى وإلا لم يصح نفره الأول ، وأن ينوي النفر مع الخروج من منى ، وأن ينفر في اليوم الثاني وبعد الزوال ، وأن يكون قد بات الليلتين قبله ، وأن ينفر قبل الغروب ، فلو غربت وهو في شغل الارتحال أو عاد بعد الغروب إلى منى لحاجة لزمه المبيت ورمى غده قاله (م ر) . وقال ابن حجر : لا. اهـ. كردي. وقال السيوطي : وسميت جماراً لأن آدم كان يرمي إبليس فيجمر من بين يديه أي يسرع اهـ.

118

محرمات الإحرام وأحكام الدماء

فائدة : محرمات الإحرام على أربعة أقسام أولها ما أبيح للحاجة ولا دم فيه ولا إثم وهو سبعة عشر : لبس السراويل لفقد الإزار ، ونحو الخف المقطوع لفقد النعل ، وعقد الخرقة على ذكر سلس لم يستمسك إلا بذلك ، واستدامة ما لبد به شعره قبل الإحرام حيث كان ساتراً ، أو ما تطيب به قبل الإحرام ، وحمل مسك بيده بقصد نقله إن قصر الزمن ، وتأخير إزالة الطيب بعد تذكر الناسي لحاجة كأن كان لغيره وخاف فوته ، وإزالة الشعر مع جلده ، والنابت في العين والمغطي لها ، والظفر بعضوه أو المؤذي بنحو انكساره ، وقتل صائل ولو على نحو اختصاص ، ووطء جراد عم المسالك ولم يكن بدّ من وطئه ، والتعرض لبيض الصيد وفرخه إذا وضعهما في فرشه ولم يمكن دفعه إلا بالتعرض أو انقلب عليهما نائماً ولم يعلم بهما ، أو خلصه من سبع ليداويه فمات ، أو تطيب ، أو دهن ، أو لبس ، أو جامع سهواً أو جهلاً بشرطه أو مكرهاً ، أو لم يعلم أن مماسه طيب أو أنه يعلق ، أو حلق أو قلم ، أو قتل صيداً صبي أو مجنون أو مغمى عليه ولا تمييز لكل. ثانيها : ما فيه إثم ولا فدية وهو خمسة عشر : عقد النكاح للمحرم ، وإذنه فيه لعبده أو موليه ، وتوكيله فيه ، ولا ينعقد في الكل ، والمباشرة ، والنظر بشهوة ، والإعانة على قتل الصيد والدلالة عليه ، وإعارة آلة الاصطياد ، وأكل ما صيد له أو تسبب فيه ، وتملك الصيد بنحو شراء أو هبة مع القبض ولم يتلف ، واصطياده إذا لم يتلف أيضاً ، وتنفيره إذا لم يمت ، أو مات بآفة سماوية ، وإمساكه صيد المحرم ، وفعل شيء من محرمات الإحرام بميت محرم. ثالثها : ما فيه الفدية ولا إثم وهو عشرة : احتياج الرجل إلى ستر رأسه ، أو لبس المحيط في بدنه لحر أو برد أو مرض أو مداواة ، أو فجأة حرب ولم يجد ما يدفع به العدوّ ونحو ذلك ، واحتياج المرأة إلى ستر وجهها ولو لنظر أجنبي ، أو احتياج إلى إزالة الشعر لنحو قمل وحرّ ومرض ، أو لبد رأسه ولزمه غسل ولم يمكنه بلا حلق ، أو أزال المميز شعره أو ظفره جاهلاً أو ناسياً

للإحرام ، أو نفر صيداً بلا قصد وتلف بلا آفة سماوية قبل أن يرجع إلى محله سالماً ، أو يسكن غيره ويألفه ، أو ركب شخص صيداً وصال على محرم ولم يمكن للمحرم دفعه إلا بقتل الصيد ويرجع المحرم في هذه بما غرمه على الصائل ، أو اضطر المحرم إلى ذبحه لشدّة الجوع ، أو ركب دابة أو قادها أو ساقها فرفست صيداً أو عضته من غير تقصير ، أو بالت في الطريق فزلق ببولها صيد فهلك ، كما اعتمده ابن حجر وغيره ، واعتمد (م ر) عدم الضمان في هذه. والحاصل في هذا القسم أن كل ما فعله للحاجة المبيحة لفعله وهي المشقة الشديدة ، وإن لم تبح التيمم ففيه الفدية ولا إثم. رابعها : سائر المحرمات غير ما مر اهـ كردي.

(

فرع) : الحاصل أن ما كان من الإتلاف من هذه المحرمات كقتل الصيد أو أخذ طرف من الإتلاف وطرف من الترفه كإزالة الشعر والظفر فيضمن مطلقاً ، لا فرق فيه بين الناسي والجاهل وغيرهما ، وما كان من الترفه المحض كالطيب فيعتبر في ضمانه العقل والاختيار والعلم اهـ شرح الروض. واعلم أن قتل الصيد والجماع كبيرة ، وفعل غيرهما من المحرمات صغيرة اهـ باعشن.

(فرع) : مما يغفل عنه كثيراً تلويث الشارب والعنفقة بالدهن عند أكل اللحم فإنه مع العلم والتعمد حرام فيه الفدية اهـ نهاية ، ولا يحرم دخوله في كيس النوم إن لم يستر رأسه إذ لا يستمسك عند قيامه اهـ باعشن. وينبغي أن من أحرم وفي ملكه بيض نعام مذر أو جلدة فرو أنه لا يخرج عن ملكه لأنه جماد ، كما يحل للمحرم لحم صيد لم يصد له ولا دل عليه اهـ كشف الحجاب.

(مسألة) : حلق رأس محرم لم يدخل وقت تحلله بغير اختياره ولم يقدر المحرم على دفعه أثم ولزمته الفدية وللمحرم مطالبته بإخراجها ، فإن أخرجها المحرم بإذن الحالق جازت وإلا فلا ، قاله في التحفة والنهاية. أما من دخل وقت تحالمه فالإثم على الحالق بغير إذنه ولا فدية ، إذ لا تجب الفدية إلا حيث لزمت المحرم لو فعل بنفسه قاله في حاشية الإيضاح ، وهل يجزىء المحلوق حينئذ عن إزالة الشعر الواجب الظاهر لا لعدم الإذن والفعل كما في الوضوء.

فائدة : نظم ابن المقري دماء النسك فقال :

أربعة دماء حج تحصر

فالأول المرتب المقدر

تمنع فوت وحج قرناً

وترك رمي والمبيت بمنى

وتركه الميقات والمزدلفة

أو لم يودع أو كمشي أخلفه

ناذره يصوم إن دماً فقد

ثلاثة فيه وسبعاً في البلد

والثاني ترتيب وتعديل ورد

في محصر ووطء حج إن فسد

إن لم يجد قوّمه ثم اشترى

به طعاماً طعمة للفقرا

ثم لعجز عدل ذاك صوما

أعني به عن كل مدّ يوما

والثالث التخيير والتعديل في

صيد وأشجار بلا تكلف

إن شئت فاذبح أو فعدل مثل ما

عدّلت في صورة ما تقدما

وخيرن وقدرن في الرابع

فاذبحه أو جد بثلاث آضع

لشخص نصف أو فصم ثلاثاً

تجتثّ ما اجتثثته اجتثاثا

في الحلق والقلم ولبس دهن

طيب وتقبيل ووطء ثني

أو بين تحللي ذوي إحرام

هذي دماء الحج بالتمام

وحاصل ما ذكره أن دماء الحج إما على الترتيب أو على التخيير ، وكل منهما إما مقدر أو معدل ، ومعنى المرتب ما لا يجوز العدول عنه إلى غيره مع القدرة عليه ، والمخير ما يجوز ، والمقدر ما قدر الشارع بدله بشيء محدود ، والمعدول ما أمر فيه بالتقدير والعدول إلى غيره ، فالترتيب والتخيير لا يجتمعان ، وكذا التقدير والتعديل اهـ.

(

مسألة : ش) : آفاقي اعتمر في غير أشهر الحج ، ثم اعتمر فيها أيضاً ، ثم حج من عامه لزمه دم التمتع ، سواء كان الإحرام بالعمرة بقرب مكة أم لا ، جاوز الميقات مريداً للنسك أم لا على المعتمد ، إذ شرط عدمه الاستيطان بالفعل لا بالنية حال الإحرام ، ولو أحرم آفاقي بعمرة في أشهره ثم قرن من عامه لزمه دمان خلافاً للسبكي اهـ.

قلت : وهل يتكرر الدم بتكرر العمرة في أشهر الحج أم لا ؟ واعتمد في التحفة وحاشية الإيضاح عدم التكرر ، وقال في النهاية : ولو كرر المتمتع لعمرة في أشهر الحج أفتى الريمي صاحب التفقيه شرح التنبيه بالتكرر ، وأفتى بعض مشايخ الناشري بعدمه ، قال أي الناشري : وهو الظاهر اهـ. قال ع ش : قوله وهو الظاهر هو المعتمد.

(مسألة : ب) يلزم من فاته الوقوف أن يتحلل بأعمال عمرة فيأتي بأركانها مع نية التحلل بها ما عدا السعي إن قدمه بعد طواف القدوم ، ولا ينقلب عمرة بنفس الفوات ، ولا تجزيه عن عمرة الإسلام ، ويلزمه القضاء فوراً مع الهدي ، وإن كان حجه تطوعاً ما لم ينشىء الفوات عن حصر بأن أحصر فسلك طريقاً أخرى ففاته الحج وتحلل بعمرة فلا قضاء حينئذ لأنه بذل وسعه ، ولو ترك ركناً غير الوقوف لم يتحلل إلا بالإتيان به ولو بعد مدة طويلة ، سواء أمكنه فعله أم لا ، كحائض لم يمكنها الطواف ولا تلزم الجاهل الواطىء قبل التحلل كفارة ولا فساد لعذره اهـ. وعبارة التحفة من فاته الوقوف بعذر أو غيره تحلل فوراً وجوباً لئلا يصير محرماً بالحج قبل أشهره ، فلو استمر على إحرامه إلى قابل لم يجزه الإحرام للحج القابل ، ثم إن لم يمكن عمل عمرة تحلل بحلق ثم ذبح كالمحصر ، وإن أمكنه فله تحللان : أولهما بواحد من الحلق أو الطواف المتبوع بالسعي إن لم يقدمه وفات بفوات الوقوف. وثانيهما بطواف وسعي وحلق مع نية التحلل ، وأفهم المتن والأثر أنه لا يلزمه مبيت منى ولا رمي اهـ ومثله النهاية.

فائدة : تعتبر قيمة المثلى والطعام في الزمان بحالة الإخراج على الأصح ، وفي المكان بجميع الحرم لأنه محل الذبح لا بمحل الإتلاف على الذهب ، وغير المثلى تعتبر قيمته في الزمان بحالة الإتلاف لا الإخراج على الأصح ، وفي المكان بمحل الإتلاف لا بالحرم على المذهب أيضاً اهـ إقناع.

فائدة : يجب صرف الدم الواجب إلى مساكين الحرم حتى نحو جلده ، وتجب النية عند التفرقة ، وتجزي قبلها بقيدها السابق في الزكاة ، وظاهر كلامهم أن الذبح لا تجب له نية وهو مشكل بالأضحية ، إلا أن يفرق بأن القصد هنا إعظام الحرم بتفرقة اللحم فيه ، فوجب اقترانها بالمقصود دون وسيلته ، وثم إراقة الدم لكنها فداء عن النفس ، ولا تكون كذلك إلا إن قارنت نية القربة ذبحها فتأمله اهـ تحفة.

120

أحكام التأجير في النسك والوصية به

فائدة : قال في شرح مناسك النووي : قولهم يحرم نقل تراب الحرم وحجره إلى الحل محله لغير التداوي كتراب حمزة للصداع ، وكذا للحاجة كالشجر اهـ.

(مسألة : ب) : استأجر من يحج عن الميت من تركته وليس نحو وصي ولا وارث ، فإن علم الأجير فلا أجرة ، وإن جهل لزمت المؤجر ولا يرجع بها على التركة ، وفي الحالين يقع الحج للميت ويبرأ عن حجة الإسلام.

(مسألة) : استأجر الوصي شخصاً للحج عن الميت زيد بن سالم إجارة ذمية بأجرة معلومة ، فاستأجر الأجير آخر أن يحج عن عمرو بن سالم غلطاً ، فنوى الأجير عند الإحرام عمراً المستأجر عنه لم يقع عن زيد بل يقع للأجير ، إلا إن كان هناك شخص اسمه عمرو بن سالم وقصده الأجير ، والحال أنه ميت عليه حج ، أو معضوب أذن لمن يحج عنه فيقع له ولا أجرة عليه ولا على تركته ، نعم إن قصد الأجير الأول عند استئجار الثاني عن عمرو بن سالم أي الذي استؤجرت منه ، وقصده الأجير الثاني أيضاً عند النية صح ووقع لزيد ، وهذا كما لو نسي اسم المستأجر له فنوى الحج عمن استؤجر عنه ، ولا يضر الغلط في الاسم إذا كان ثم قرينة تصرفه ، كما لو قال : أصلي خلف زيد هذا أو الذي في المحراب عمراً فبان ، وحيث قلنا يقع الحج لزيد فبالمسمى إن صحت الإجارة وإلا فبأجرة المثل ، وحيث لم يقع له فبأجرة المثل على الأجير الأول لتغريره الأجير الثاني ، ولا يلزم الوصي شيء لعدم تقصيره ، بل تبقى الحجة معلقة بذمة الأجير الأول ، فيلزمه الإحجاج ثانية عن الميت بنفسه أو بغيره ، وهذا كما لو وكل شخصاً يستأجر حاجاً عن ميته فاستأجره ، ثم ادعى الموكل فسخ الوكالة قبل الاستئجار وأقام بينة بذلك ، فعليه يعني الموكل أجرة المثل للحاج لتغريره ، فإن لم يقم بينة فبالمسمى ويقع في الصورتين للميت ، كما لو أجر آخر عن حج تطوّع عن ميت لم يوص به فتلزمه أجرة المثل ، وكما لو أجر المعضوب من يحج عنه ثم حضر معه وحج فيقع حج الأجير له ، لكن يلزم المعضوب المسمى لتقصيره بحضوره مع الأجير ، بخلاف ما لو برىء المعضوب بعد حج الأجير فيلزمه الحج بنفسه ، ولا أجرة للأجير لعدم تقصير المعضوب حينئذ ، وما لو أجر الوصي حاجاً عن موصيه الميت فأحرم ولد الموصي مثلاً عن أبيه قبل إحرام الأجير فيقع حج الأجير له ، ولا أجرة له على أحد لعدم التقصير منهم ولا شيء للولد أيضاً اهـ. ذكر جلّ ذلك الكردي في رسالة له في الحج عن الغير عن فتاوى ابن

حجر.

(

مسألة : ب) : أفتى بعض المحققين بأن الأولى للوصي الاستئجار عن الميت دون المجاعلة ، لأن الأول عقد لازم لا يتمكن الأجير من فسخه ، بخلاف الجعالة فالأمر فيها إلى رأي المجاعل ، فقد يختار الترك بعد لزوم العقد ، وأفتى أبو مخرمة بعدم قبول قول المجاعل : حججت إلا ببينة ، إذ لا يستحق الجعل إلا بتمام العمل ، ولا تثبت دعواه التمام إلا بالبينة ، ويقبل قول الأجير : حججت بيمينه ، وأما الزيارة فأعمالها محسوسة ، فلا يقبل قول الأجير ولا المجاعل بل لا بد من البينة ، ولو جوعل على النسكين والزيارة فتركها ولو بعذر انحط قسطها باعتبار المسافة والأعمال ويختلف باختلاف الأماكن ، فبالنسبة لنحو الشجر ينحط نحو الثلث وحضرموت الربع تقريباً.

(مسألة : ب) : لا تجوز الاستنابة لإتمام أركان الحج ولو بعذر كموت ومرض ، بل لا يجوز البناء على فعل نفس الشخص فيما لو أحصر فتحلل ثم زال العذر فلا يبنى على فعله ، فلو استؤجر للنسكين فأحرم من الميقات ومات يوم النحر قبل طواف الإفاضة استحق من المسمى بقدر ما عمله مع حسبان السير ، فيقسط المسمى من ابتداء السير على أعمال الحج والعمرة ، ففي هذه الصورة يستحق غالبه ، لأنه لم يبق إلا طواف الإفاضة والعمرة وقسطهما من المسمى بالنسبة لما قد فعله مع اعتبار قسط السير قليل ، ولعل أن يرشد المؤجر ووارث الأجير على أن يخرجوا قدر حجة من الميقات عن المحجوج عنه ويفوز الأجير بالباقي ، ولو شرط على الأجير أن لا أجرة إلا إن كمل أعمال الحج فسدت الإجارة ولزم أجرة المثل ، فلو مات في الأثناء استحق القسط كما ذكر لعدم تقصيره.

(مسألة : ب) : استطاع ولم يحج حتى مات لزم الإحجاج عنه بأجرة المثل من ميقات بلده إن خلف تركة أوصى بذلك أم لا ؟ فإن أوصى بزائد على أجرة المثل فالزيادة من الثلث كحجة أوصى بها وهو غير مستطيع ، ولا ينفذ تصرف الوارث في شيء من التركة قبل الإحجاج عنه ، كإيفاء جميع الديون المتعلقة بالتركة ، وهذا مما يغفل عنه كثيراً فينبغي التفطن له.

(

تتمة) : تنقسم الإجارة في النسك إلى عين وذمة ويشتركان في شروط ، وينفرد كل بشروط ، وتحصل إجارة العين بنحو : استأجرتك أو اكتريت عينك لتحج عني أو عن مورّثي ، أو فلان بكذا ، ولها شروط منها أن يباشر الأجير عمل النسك المستأجر عليه بنفسه ، وأن يعين السنة الأولى من سني إمكان الحج من بلد الإجارة أو يطلق ويحمل عليها ، وأن يعقدها للحج حال خروجه أو مع أسبابه ، فلو جد في السير فوصل الميقات قبل أشهره بطلت إذ شرط العمل التوالي. أما العمرة فسائر السنة ، وأن لا يشترط تأخير العمل ، وأن يقدر الأجير على الشروع في العمل عقب الإجارة بأن لا يقوم به مانع ، وأن تتسع المدة لإدراك الحج بعد ، فلو ظن اتساعه فبان خلافه لم تصح ، وأن يكون الأجير قد حج عن نفسه ، وأن لا يخالف في كيفية أداء ما استؤجر عليه ، فلو أبدل بقران أو تمتع إفراداً أو بإفراد تمتعاً انفسخت في العمرة ، أو بقران تمتعاً انفسخت في الحج ، أو بإفراد قراناً انفسخت فيهما ، وأن لا يفسد الأجير نسكه ، ولا يؤخر الإحرام عن أوّل سني الإمكان ، ولا يموت قبل إكمال الأركان ، ولا يقع عليه حصر يتحلل منه ، ولا يفوته الحج ، ولا ينذر النسك قبل الوقوف أو قبل الطواف في العمرة ، وتحصل إجارة الذمة بنحو : ألزمت ذمتك تحصيل حجة لي أو لفلان بكذا ، وتختص بشرطين فقط : حلول الأجرة وتسليمها في مجلس العقد ، فلا تنفسخ بإفساده النسك وإحصاره وغيرهما مما مرّ ، وله الاستنابة ولو بشيء قليل وأخذ الزائد ، نعم لا تصح الاستنابة إلا من عدل ، وأما وكلاء الأوصياء في الاستئجار فيلزمهم الاستئجار بكل المال المدفوع إليهم وإلا فسقوا وعزروا ، وكذا الوصي إن علم بحالهم كالفقيه العاقد بينهما ، ويشترط لكل منهما علم المتعاقدين أعمال النسك عند العقد أركاناً وواجبات وسنناً على تردد ، فيما المراد بالسنن وقصد النسك عمن استؤجر له ، فلا بد من نوع تعيين له عند العقد والإحرام ، وكون الأجرة معلومة كالثمن واستجماع العاقدين ما شرط في البائع

والمشتري من التكليف والرشد الاختيار إلا ما استثني ، وفي الأجير لفرض النسك خاصة البلوغ والحرية لا الذكورة ، وكون المحجوج عنه ميتاً أو معضوباً بإذنه ، وبيان أنه إفراد أو غيره إن استؤجر لهما أو لمطلق النسك فإن أبهم بطل ، لكن يقع للمستأجر بأجرة المثل ، وأن لا يشترط على الأجير مجاوزة الميقات بلا إحرام ، وأن يكون الأجير ظاهر العدالة ما لم يعينه الموصي أو المعضوب مع العلم بحاله ، وأن يكون المستأجر له مما يطلب فعله من المحجوج عنه ، وأن يكون بين المعضوب ومكة مسافة القصر ، وأن يوصي الميت بالنسك إن كان تطوّعاً ، وأن لا يتكلف المعضوب الحج ويحضر مع أجيره ، وإلا انفسخت ووقع للأجير واستحق الأجرة ، وأن لا يشفى المعضوب من عضبه وإلا بان للأجير ولا أجرة ، فتحصل أن شروط العينية ثمانية وعشرون ، والذمية ستة عشر ، وأما الجعالة للنسك فتجامع الإجارة في أكثر الأحكام ، وتفارقها في جوازها على عمل مجهول ومع غير معين ، وكونها جائزة من الطرفين ، وعدم استحقاق العامل الجعل إلا بتمام العمل ، فلو مات أثناء النسك لم يستحق شيئاً ، ولا يقبل قوله إلا ببينة ، وإلا حلف المجاعل إنه لا يعلمه حج ، وهي عينية كجاعلتك لتحج ، وذمية كألزمت ذمتك تحصيل حجة ، ففي الأولى لا بد أن يعين أوّل سني الإمكان أو يطلق وإلا لم يصح إلى آخر ما مر ، ولا تصح الإجارة على زيارة قبر النبي ما لم تنضبط كأن كتب له بورقة ، نعم تصح على تبليغ السلام عليه ، وتصح الجعالة على الدعاء لا الوقوف عند القبر اهـ. قلت : وقوله في شروط الإجارة وببيان أنه إفراد الخ ، نعم نقل الكردي عن المجموع والعباب أنه لو قال : أجرتك إفراداً ، وإن قرنت أو تمتعت فقد أحسنت جاز وتخير الأجير ، وحينئذ ففيه فسحة للمستأجرين في التخيير ، وقوله : وأن يكون بين المعضوب ومكة مسافة القصر ، نعم إن تعذر حجه وعجز عنه بالكلية جازت الاستنابة ولو بمكة ، قاله في الفتح ومختصر الإيضاح و (م ر) وعبد الرؤوف خلافاً للتحفة. وقوله في

الجعالة الذمية : ألزمت ذمتك الخ تقدم في إجارة الذمة أن هذه صيغتها ، فليحرر.

(

مسألة : ك) : أوصى بحجة الإسلام ثم حج لم تبطل وصيته ، بخلاف ما لو أوصى بحجة ولو لمعين فحج عنه غيره تطوّعاً ، أو استأجره الوصي بمال نفسه أو بغير جنس الموصى به أو صفته فتبطل الوصية ، وعلى الوصي في الثانية بأقسامها أجرة الأجير من ماله ، كما في التحفة والنهاية. والفرق أنه في الثانية لما مات قبل الحج انصرفت الوصية لحجة الإسلام ، فلما تبرع عنه سقطت وتعذر تنفيذ الوصية ، وأما الأولى فإنما تعتبر الوصية عند الموت وليس عليه حجة الإسلام فانصرفت إلى غيرها وتعتبر من الثلث حينئذ.

(مسألة : ش) : أوصى بحجتين لغير وارث وعينهما في قطعة أرض تعينت إن وسعها الثلث زادت على أجرة المثل ووجبت الحجتان أم لا ، نعم الزائد على أجرة المثل وصية تحتاج إلى قبول ، ثم إن قال : تباع ويصرف ثمنها باعها الوارث ، ثم الحاكم إن لم يكن وصي ، وإن قال : تكون لمن حج في مقابل عمله دفعت له ، بل للموصى له الاستبداد بقبضها بعد الحجتين إن كانت معينة معلومة ، وإن لم تخرج القطعة من الثلث اعتبرت من رأس المال إن وجبت الحجتان ولم تزد على أجرة المثل ، وإلا اعتبر الزائد وما قابل المندوبة من الثلث فيما لو كانت إحداها واجبة.

(مسألة : ش) : قول الشخص : العقار الفلاني لك يا فلان صريح إقرار إن اقتصر عليه ، فإن زاد من مالي فكناية وصية إذ يحتملها والهبة الناجزة ، فإن لم تعلم له نية لم تثبت ، وإن زاد وصية أو بعد موتي متصلاً باللفظ كان صريح وصية ، ثم لو زاد على ما ذكر وتسلم أجرة حجتين منك لي ولابن عمي نظر ، فإن قال : أردت أن الوصية في مقابلة الحجتين ، أو ادعى الوارث إرادة الميت ذلك وصدقه الموصى له ، أو اطرد العرف باستعمالهم صيغة الإخبار وهي وتسلم الخ بمعنى على أن تسلم ونحوها من الأدوات الإلزامية استحق العقار كله بالقبول بعد الموت وتسليم أجرة حجتين إن خرج من الثلث مطلقاً ، وكذا إن زاد وكان أجرة المثل وقد لزمته الحجتان ، أما تصوير وجوب حجته فواضح ، وأما حجة ابن عمه كأن لزمته باستئجارها أو بإرثه له وقد خلف تركة وعليه حج ، فإن كانتا مندوبتين حسبتا من الثلث ، فلو لم يسلمهما الموصى له ولو بعذر كأن بادر آخر ولو أجنبياً بأدائهما بطلت الوصية لفوات شرطها ، وإن أتى بإحداهما استحق قسطها من العقار فقط ، وإن ترك الآخر بعذر بأن لم يصح الإيصاء كأن كان ابن العم قد حج ولم يوص بالتطوّع ، وإن شك في قوله وتسلم الخ ولا عرف حمل على الوصية فيستحقها وإن لم يسلم الأجرة ، نعم إن قال الموصي : هو لك في مقابلة ما تؤديه من أجرة الحجتين لم يستحق إلا بذلك.

(

مسألة : ب ك) : أوصى بحجة ألف درهم ، فإن زادت على أجرة المثل وخرجت من الثلث وجب الاستئجار بجميعها ، ولا يجوز نقص الأجير عنها ، سواء عينه الموصي أو عين القدر فقط ، بل لو استأجر بدون المعين وجب دفع الزائد ، هذا إن لم يكن الأجير وارثاً ، وإلا توقف الزائد على أجرة المثل على الإجازة ، وإن كانت الألف أجرة المثل فما دونها جاز الاستئجار ببعضها إذا استجمع الأجير شروط الحج عن الغير ويكون الباقي تركة. زاد ب : ثم إن وجد عدل أو أمثل فيما إذا عم الفسق كما هو الغالب يحج من بلد المحجوج عنه بتلك الأجرة تعين رعاية لمصلحة الميت ، إذ ثواب السير من البلد محسوب للمحجوج عنه بدليل توزيع الأجرة عليه وعلى الأعمال ، وإن لم يجد نحو الوصي حاجاً بتلك الصفة إلا من اليمن أو الميقات بل أو نحو مكة ، الظاهر جواز الاستئجار بل وجوبه نظراً لمصلحة الميت.

123

كتاب البيع

فائدة : تنقسم العقود ثلاثة أقسام : جائزة من الطرفين ، ولازمة منهما ، وجائزة من طرف لازمة من الآخر. وقد نظم الكل بعضهم فقال :

من العقود جائز ثمانيه

وكالة وديعة وعاريه

وهبة من قبل قبض وكذا

ك شركة جمالة قراضيه

ثم السباق ختمها ولازم

من العقود مثلها وهاهيه

إجارة خلع مساقاة كذا

وصية بيع نكاح الغانيه

والصلح أيضاً والحوالة التي

تنقل ما في ذمة لثانيه

وخمسة لازمة من جهة

وهي ضمان جزية أمانيه

كتابة وهي الختام يا فتى

فاسمع بأذن للصواب واعيه

وذكر ذلك أحمد الرملي في شرح الزبد ، وزاد على الأوّل الوصاية والقضاء ، وعلى الثاني الهبة بعد القبض لغير الفرع والمزارعة والسلم والمأخوذ بالشفعة والوقف والصداق والعتق على العوض ، وعلى الثالث هبة الأصل لفرعه والهدنة والإمامة اهـ.

فائدة : قال في القلائد : نقل أبو فضل في شرح القواعد عن الجوري الإجماع على جواز إرسال الصبي لقضاء الحوائج الحقيرة وشرائها ، وعليه عمل الناس بغير نكير ، ونقل في المجموع صحة بيعه وشرائه الشيء اليسير عن أحمد وإسحاق بغير إذن وليه وبإذنه حتى في الكثير عنهما ، وعن الثوري وأبي حنيفة ، وعنه رواية ولو بغير إذنه ، ويوقف على إجازته ، وذاكرت بذلك بعض المفتين فقال : إنما هو في أحكام الدنيا ، أما الآخرة إذا اتصل بقدر حقه بلا غبن فلا مطالبة اهـ.

(مسألة : ج) : اشترى طعاماً كثيراً وأمتعة من غير صيغة بيع لا صريح ولا كناية جاز ذلك عند من جوّز بيع المعاطاة ولا إثم ، وعلى المذهب يحرم ويطالب به في الدنيا لا في الآخرة على الأصح.

فائدة : الاستجرار وهو أخذ الشيء شيئاً فشيئاً في أوقات ، إن كان مع تقدير الثمن كل مرة ففيه خلاف المعاطاة ، وإلا فباطل قطعاً على ما قاله النووي ، اهـ إتحاف شرح المنهاج.

(مسألة : ك) : قال البائع : بعتك لموكلك ، فقال : اشتريت لنفسي لم يصح ، كما لو قال : بعتك أو وهبتك ، وأراد البيع أو الهبة لنفسه فقال : قبلت لموكلي لعدم المطابقة خلافاً لشرح الروض ، بخلاف ما لو قال : بعتك ونوى الموكل ، فقال : قبلت لموكلي أو لفلان فلا يضر إن كان وكيلاً عنه وإلا لم يصح وإن أجازه فلان لأنه عقد فضولي.

(مسألة : ي) : لا يصح بيع نحو الكتب والثياب والأواني المكتوب فيها قرآن أو اسم معظم أو علم شرعي ولو معلقاً في تميمة لكافر ، وإن تحقق احترامه له اتفاقاً ، وكالبيع نحو النذر والهبة من كل تملك اختياراً ، نعم تجوز معاملته بالدراهم المكتوب عليها ذلك ، وكذا بيع البيوت المكتوب على سقفها شيء من ذلك ، قال في الإمداد و (م ر) خلافاً للتحفة : أما بيعها للمسلم فيحل مطلقاً ، نعم إن ظن أنه لا يصونها عن النجاسة حرم لإعانته على معصية أو لا يحترمها كإدخالها الخلاء كره.

فائدة : يستثنى من شرط الرؤية في المبيع فقاع الكوز فيصح بيعه وإن لم يره لأنه من مصالحه كما في التحفة ، قال بج هو بضم الفاء يباع في قناني القزاز ويسد فمها خوفاً من حموضته ، وسمي بذلك لأن الرغوة التي تخرج من فم الكوز تسمى فقاعاً ، وفي القاموس : الفقاع كرمان هو الذي يشرب وهو ما يتخذ من الزبيب ، فيكون من تسمية الكل باسم جزئه ، وذلك الزبيب يسمى بالفقاع اهـ ع ش.

(مسألة : ب) : لا يصح بيع غائب لم يره المتعاقدان أو أحدهما كبيع حصته في مشترك لم يعلم كم هو ، فطريقه أن يبيعه الكل ، أي إن كان معلوماً بكل الثمن فيصح في حصته بحصتها من الثمن ، وطريق تمليك المجهول المناذرة ونحوها ، وفي قول يصح بيع المجهول ، وبه قال الأئمة الثلاثة ، وحيث قلنا بالبطلان فالمقبوض به كالمغصوب ، ولا يخفى ما يترتب عليه من التفريع والحرج ، فالأولى بالعالم إذا أتاه العوام في مثل ذلك أن يشدّ النكير فيما أقبل ويرشدهم إلى التقليد في الماضي ، إذ العاميّ لا مذهب له ، بل إذا وافق قولاً صحيحاً صحت عبادته ومعاملته ، وإن لم يعلم عين قائله كما مر في المقدّمة ، بل هو المتعين في هذا الزمان كما لا يخفى اهـ. قلت : وقوله فطريقه أن يبيعه الخ اعتمد صحة ذلك في الإمداد و (م ر) وابن زياد تبعاً للقفال والروياني ، وخالفهم في التحفة وابن مخرمة قالا لعدم العلم بالحصة حينئذ.

فائدة : باع أرضاً بحقها من السقي جاز ، وكذا لو باع بعضها بحقه فيصح أيضاً ، كما لو باعها معه لاثنين ويملك المشتريان كله كما لو كان للبائع ، ومثله الممرّ ونحوه ، ويغتفر الجهل بالحقوق حالة البيع ، قاله الردّاد عن الرافعي اهـ قلائد. وصيغة دخول الأنموذج في المبيع أن يقول : بعتك البر الذي عندي مع الأنموذج اهـ بج. وقال زي : وقولهم وفي السفينة رؤية جميعها أي حتى ما في الماء منها كما شمله كلامهم ، لأن بقاءها فيه ليس من مصلحتها ، وهذا ما تعم به البلوى ، فتباع السفينة وبعضها مستور بالمياه اهـ.

(مسألة : ب ك) : لا يصح بيع الماء وحده من نحو بئر ونهر ، فإن وقع البيع على قراره أو بعضه شائعاً صحّ ، ولا تشترط رؤية ما تحت الأرض من المنبع والقرار لتعذره كأساس الدار ، لكن لا بد من اشتراط دخول الماء الموجود حال العقد ، إذ لا يدخل في مطلق البيع مع اختلاطه بالحادث فيؤدي إلى الجهالة والنزاع ، وحكم ما إذا باعه ساعة أو ساعتين مثلاً من قرار العين أنهما إن أرادا مدلوله الحقيقي مع تقدير ما بطل أو جزءاً معيناً في محل البيع أو المجرى المملوك صح ، كما لو لم يريدا شيئاً ، واطرد في عرفهما التعبير بالساعة في مثل هذا التركيب عن الجزء المعين من القرار المملوك ، وكذا إن لم يطرد على الراجح كما قاله ابن حجر قال : والحاصل أنه لا يصح بيع الماء من نحو بئر أو نهر وحده مطلقاً للجهل به ، وأن محل نبع الماء إن ملك ووقع البيع على قراره أو بعض منه معين صحّ ودخل كل الماء أو ما يخص ذلك المعين ، وإن لم يملك المحل بل ما يصل إليه لم يصح بيع الماء لأنه غير مملوك لصاحب الأرض ، ولهذا إذا خرج من أرضه كان على إباحته ، وإذا باع القرار لم يدخل الماء الذي هو مملوك له ، وإنما يدخل استحقاق الأرض المسمى بالشرب.

(

مسألة : ش) : اشترى أثواباً وأجل ثمنها إلى جزير الحوير ثم خلطها بما لا يتميز ، فإن جرى ذكر الأجل في صلب العقد أبطله ، وحينئذ يلزم المشتري أقصى قيم الأثواب من القبض إلى الخلط إذ المقبوض ببيع فاسد كمغصوب ، وإن لم يجر في صلبه لم يؤثر ولزمه الثمن المعقود عليه أي حالاً.

(مسألة : ك) : حيث كانت الفلوس رائجة مضبوطة لم يشترط إلا ذكر العدد لا غير ، فلو قال : بعتك هذه الدراهم بعشرين غازية محمدية صح ، ولا فرق بين أن تكون ثمناً أو مثمناً ، فإن كانت الغوازي فضة تعينت أن تكون هي الثمن هنا لدخول الباء عليها ، كما لو قلنا بالمعنى المجازي وهو دخول الفلوس في مطلق النقد.

(مسألة : ش) : اشترى بفلوس ثم قبل قبضها زاد السلطان في حسابها أو نقص لم يلزمه إلا عدد الفلوس المعقود عليها ولا عبرة بما حدث ، بل وإن نقصت قيمتها إلى الغاية ما لم تصر إلى حدّ لا تعدّ عرفاً أنها من تلك الفلوس التي كان يتعامل بها فلا يجب قبولها حينئذ ، ولو فقدت الفلوس فقيمتها يوم الطلب إن كان لها قيمة حينئذ أيضاً وإلا فقبله ، والقول قول الغارم حيث لا بينة أو تعارضتا وكالبيع نحو القرض.

(مسألة : ي) : باع ماله ومال أولاد أخيه ، فإن أقام هو أو وارثه أو المشتري بينة برشادة البائع عليهم واحتياجهم لبيع المال وأنه بثمن مثله يوم البيع صح في الكل ، وإلا حلف كل من أولاد الأخ على نفي العلم بذلك ، وردت الحصة إليهم ورجع المشتري على بائعه بالثمن.

(مسألة) : باع المشترك بينه وبين أخيه المحجور ، ثم تناذر هو والمشتري في حصة البائع فقط بحصته من الثمن المنذور به ، وإن حضر المحجور وأجاز لإلغاء عبارته ، بل لو كان كاملاً وحضر ولم يصدر منه رضا لم يصح في حصته إذ لا ينسب لساكت كلام ، نعم إن كان له ولاية على المحجور وباعه لحاجته بثمن المثل صح في الكل.

(مسألة) : باع حصناً مشتركاً بينه وبين ابنه المتوفي ، فإن كان وارثاً حائزاً لتركة ابنه صح في الكل بكل الثمن ، سواء قال : بعتك كل الحصن أو أطلق ، وإن لم يكن حائزاً صح في حصته مع ما ورثه بحصة ذلك من الثمن ، نعم لو كان على الابن دين ولم يملك المشتري الحصة المذكورة من الوصي أو الوارث ثم الحاكم لم يصح إلا في حصة الأب فقط ، فإن ملكها كذلك صح في الجميع إن بيعت لقضاء الدين.

(مسألة : ي) : عامل غيره بنحو بيع بشرط أن لا تتوجه عليه دعوى بمعنى أنه إن ثبت لأحد حق فيما عامله به لا يرجع عليه فيما أخذ منه بطلت المعاملة إن وقع الشرط في صلب العقد أو زمن الخيار ، لا إن وقع خارجها عنهما فتصحّ ويلغى الشرط فللمشتري الرجوع إذا بان مستحقاً.

126

ما يحرم من المعاملات وما يكره

(مسألة : ي) : كل معاملة كبيع وهبة ونذر وصدقة لشيء يستعمل في مباح وغيره ، فإن علم أو ظنّ أن آخذه يستعمله في مباح كأخذ الحرير لمن يحل له ، والعنب للأكل ، والعبد للخدمة ، والسلاح للجهاد والذب عن النفس ، والأفيون والحشيشة للدواء والرفق حلت هذه المعاملة بلا كراهة ، وإن ظن أنه يستعمله في حرام كالحرير للبالغ ، ونحو العنب للسكر ، والرقيق للفاحشة ، والسلاح لقطع الطريق والظلم ، والأفيون والحشيشة وجوزة الطيب لاستعمال المخذِّر حرمت هذه المعاملة ، وإن شكّ ولا قرينة كرهت ، وتصحّ المعاملة في الثلاث ، لكن المأخوذ في مسألة الحرمة شبهته قوية ، وفي مسألة الكراهة أخف.

(مسألة : ب) : يحرم بيع التنباك ممن يشربه أو يسقيه غيره ، ويصح لأنه مال كبيع السيف ، ونحو الرصاص والبارود من قاطع الطريق ، والأمرد لمن عرف بالفجور ، والعنب ممن يتخذه خمراً ولو ظناً ، فينبغي لكل متدين أن يجتنب الاتجار في ذلك ، ويكره ثمنه كراهة شديدة. أما بيع آلة الحرب من الحربي فباطل ، ويجوز خلط الطعام الرديء بالطعام الجيد إن كان ظاهراً يعلمه المشتري ، وليس ذلك من الغشّ المحرم ، وإن كان الأولى اجتنابه ، إذ ضابط الغشّ أن يعلم ذو السلعة فيها شيئاً لو اطلع عليه مريدها لم يأخذها بذلك المقابل فيجب إعلامه حينئذ.

(مسألة) : ظاهر كلام ابن حجر و (م ر) حرمة التفريق بين الجارية وولدها قبل التمييز بغير العتق والوصية من كل تصرف مع البطلان ، وقال أبو مخرمة : يحرم النذر كالوقف بولد الجارية ويصحان ، فعلى الأوّل لو نذرت له امرأة ببنت جارية قبل التمييز فوطئها أثم وعزر إن علم الحال ولزمه مهرها وضمنها ضمان غصب ولا يرجع بنفقتها وإن جهل الحكم لأنه المورّط لنفسه ، وعلى الثاني لا يلزمه شيء ، نعم لو ادعى النذر وادعت الإعطاء ولا بينة صدقت ولزمه ما ذكر على كلا القولين والأَولى في مثل هذه الصلح.

(مسألة : ش) : لا يحرم التفريق بين الجارية وولدها بعد التمييز بل يكره ، أما قبله فلا يصح البيع ، ويأثم كل من البائع والمشتري إن علما الحال.

(مسألة : ب ك) : مذهب الشافعي كالجمهور جواز معاملة من أكثر ماله حرام كالمتعاملين بالربا ، ومن لا يورّث البنات من المسلمين مع الكراهة ، وتشتدّ مع كثرة الحرام ، وتركها من الورع المهم ، زاد ب : قال ابن مطيران : من لم يعرف له مال وإن عهد بالظلم إذا وجد تحت يده مال لا يقال إنه من الحرام غايته أن يكون أكثر ماله حراماً ومعاملته جائزة ما لم يتيقن أنه من الحرام ، ومثل ذلك شراء نحو المطعومات من الأسواق التي الغالب فيها الحرام بسبب فساد المعاملات وإهمال شروطها ، وكثرة الربا والنهب والظلم ، ولا حرمة في ذلك ، وقد حقق ذلك الإمام السمهودي في شفاء الأشواق وغيره من الأئمة ، وحكموا على مقالة الحجة الغزالي بالشذوذ ، حيث رجح عدم جواز معاملة من أكثر ماله حرام اهـ. وزاد ك : وفي اجتناب الشبهة أثر عظيم في تنوير القلب وصلاحه ، كما أن تناولها يكسب إظلامه وإليه يشير قوله : "ألا وإن في الجسد مضغة" : الخ ، ولهذا كان الأرجح أن لمن بيده مال في بعضه شبهة أن يصرف لقوته ما لا شبهة فيه ، ويجعل الآخر لنحو كسوة إن لم يف الأول بالجميع ، وقد نقل الإمام الشعراني عن الدقاق أنه قال : عطشت يوماً في البادية فاستقبلني جندي بشربة فعادت قساوتها علي ثلاثين سنة اهـ.

قلت : ووافق الإمام الغزالي في حرمة معاملة من أكثر ماله حرام الإمام النووي في شرح مسلم ، والقطب عبد الله الحداد ، نقل ذلك جعيدة علوي بن أحمد عنهما ، ومن أثناء جواب للعلامة أحمد حسن الحداد بعد كلام طويل قال : وظهر من هذه الأصول والدلائل أن ما يأتي به أهل البوادي من سمن وغنم وغير ذلك يحل شراؤه منهم ، ولا يتطرق إليه احتمال الحرمة ، لأن اليد دلالة ظاهرة على الملك ، والذي يختلط بأموالهم من النهب ونحوه ليس هو الأكثر بالنسبة إلى بقية أموالهم وطريق الفتوى غير الورع اهـ.

فائدة : يصح بيع المصادرة من جهة ظالم ، أي كأن يترهبه سلطان لأخذ ماله فيبيع ماله لأجله لدفع الأذى الذي ناله إذ لا إكراه فيه ، ومقصود من صادره حصول المال من أي جهة كان اهـ أسنى وقيده في العباب بما إذا كان له طريق سواه.

127

الربا

(مسألة : ب) : هل يختص إثم الربا بالمقرض الجارّ لنفسه نفعاً أو يعم المقترض ، فيه خلاف في فتح المعين ، وأما قرض السلطان دراهم إلى أجل ثم يردها للمقرض مع زيادة ، فإن كان رده للزيادة بلا شرط أو بتمليكه إياها بنحو نذر أو هبة ، أو كان الآخذ له حق في بيت المال فأخذها ظفراً ونحوه فحلال وإلا فلا.

(مسألة : ك) : لا تجوز معاملة الكفار بالربا ، ولا تعاطيه منهم مطلقاً كالمسلمين لأنه كما قيل : لم يحلّ في شريعة قط ، وتعاطي الكسب الأدنى أهون من الريا ، لأنه كسب محرّم لا يليق تعاطيه بأحد أبداً.

(مسألة) : التمر كله جنس وإن اختلف أنواعه وبلاده ، والبر مثله ، والذرة كذلك ، ولا عبرة باختلاف الألوان ، فحينئذ لو باع خمسة مكاييل ذرة حمراء بخمسة بيضاء إلى أجل لم يصح ، إذ الشرط فيما إذا اتفق الجنس الحلول والتقابض والمماثلة كما هو معلوم.

فائدة : من المطعوم ما يؤكل مع غيره كالفلفل والقرفة وسائر التوابل أي الأبازير ، أو للتداوي كالزعفران أو المصطكي واللبان والأهليلج والزنجبيل وبزر الفجل والبصل ، وأدهان البنفسج والورد واللبان والخروع وهو الجار عندنا ، والطين الأرمني لا الخراساني ولا المالح ، والخروع نفسه والورد وماؤه والصمغ ، وأطراف قضبان العنب وإن أكلت رطبة ، ولا مسك وعنبر وعود ، ولا مسوس حب ذهب لبه ، ولا قشر لا يؤكل بهيئته كقشر البن ، كما أفتى به ابن حجر الثاني ولا نخالة اهـ قلائد.

(مسألة : ك) : الفرق بين الصحيح والمكسر أن الصحيح هو المضروب ، والمكسر قطعة نقر مضروب قطعت بالقراض أجزاء معلومة ، أما نحو الأرباع فهي نقود صحيحة ، وأما نحو المقاصيص والذهب المشعور والمكسر فالعقد بها باطل للجهل بقيمتها.

(مسألة : ك) : يشترط في بيع الذهب بالذهب والفضة كذلك الحلول والتقابض والمماثلة ، فلو باع صابوناً بنقد لم يشترط شيء من ذلك ، وإن باع مائة قرش ورطل صابون مثلاً بمائة وعشرين قرشاً مؤجلة كان من الربا المحرم الباطل شرعاً لفقد الشرط ، وإن باعه الصابون وحده بدراهم مؤجلة وأقرضه الدراهم إلى أجل وليس فيه جرّ منفعة للمقرض ولا وقع شرط عقد في عقد صح الكل ، لكن إن تواطآ عليه قبل العقد كره كسائر الحيل المخرجة عن الربا ، وقيل يفسد ، كما لو تواطآ على أن يقرضه دراهم وينذر له بزيادة من نوع المستقرض أو غيره ، أو يستأجر منه قطعة بمال يسير يستحق عينها مدة بقاء الدين المقرض بذمته ، أو يردها على المستقرض بأجرة تقابل تلك الزيادة ، وكذا لو اشترى منه بضاعة بثمن غال ثم باعها بثمن رخيص وهو المسمى ببيع العينة فيصح الكل ، حيث توفرت الشروط مع الكراهة خروجاً من خلاف من منعه ، والكراهة عندنا تنزيهية ، وعند الحنفية تحريمية ، وللمالكية والحنابلة تفصيل في ذلك اهـ. وفي ي بعد نحو ما تقدم : وهذا في حكم الظاهر ، أما حكم من طلب المعاملة للدار الآخرة فمبني على المقاصد ، فإذا قصد معطي نحو الدراهم أو الطعام بالنذر التوصل إلى الزيادة المحرمة بقوله عليه الصلاة والسلام : "كل قرض جر نفعاً فهو ربا" فقصد فاسد ووقع في الشبهات ، فليس كل حكم يحكم الحاكم بصحته لا مؤاخذة بمباشرته إلا إن وافق الظاهر الباطن ، وأما لو خالفه فإنما هو قطعة نار يقطعها الحاكم لذلك الفاجر ، وقد حذر العلماء من هذه المعاملات وجميع الحيل الربويات ، كما في النصائح والدعوة التامة للقطب الحداد.

(

مسألة : ب) : أعطاه شخص مائة قرش وشرط عليه أن يعطيه في كل عشرة قروش مائة رطل تمراً عين كل سنة ، وأخذ منه نخلاً صورة عهده واستمر على ذلك ولم يجر بينهما عقد بيع في النخل لم يصح جميع ذلك ، ولا يستحق التمر المذكور والحال ما ذكر ، بل يرجع لصاحبه وليس لمعطي الدراهم إلا دراهمه فقط ، ويجب على من له ولاية من ذي شوكة زجر متعاطي هذه المعاملة قبح الله فاعلها ، فكم دنس الدين طغام الناس ودنس في كثير من الأحكام.

(مسألة : ب) : أعطى نحو الحراث طعاماً وتمراً إلى الجذاذ ، فعجز المدين عن الوفاء ، فاتفق هو والدائن على أن قيمته كذا وكتباه في الذمة لم يصح لأنه بيع دين بدين وهو باطل ، كما أفتى بذلك أحمد مؤذن باجمال ، والحيلة في ذلك أن يبرىء الدائن المدين براءة صحيحة ، ثم ينذر له نذراً صحيحاً بقدر ما تراضيا عليه ، فما يجعله أهل الكيل عند تعذره بفضة باطل ، بل وجميع صور الكيل مع أهل الربا مبنية على جرف هار ، خصوصاً في بيع نخل لا يثمر فالحذر منها ، وأما الاستبدال عما في الذمة بعوض حاضر فصحيح بشروطه المعروفة.

فائدة : الأردب مكيال معروف بمصر وهو أربعة وستون مناً ، وذلك أربعة وعشرون صاعاً نبوية اهـ توقيف. والمن رطلان اهـ صحاح.

128

الخيار

فائدة : إذا انعقد البيع لم يتطرق إليه الفسخ إلا بأحد سبعة أسباب : خيار المجلس ، أو الشرط ، أو العيب ، أو خلف الشرط كأن شرطه كاتباً فأخلف ، والإقالة ، والتحالف ، وتلف العين قبل القبض اهـ مجموعة الحبيب طه ابن عمر.

(مسألة : ش) : ضابط خيار العيب هو ما نقص العين أو القيمة نقصاً يفوت به غرض صحيح ، والغالب في جنس ذلك المبيع عدمه ، وهو عام في الحيوان وغيره ، فمن عيوب الحيوان عدم أكله علفاً ، الغالب في جنس ذلك الحيوان أكله له ، وإن كان ذلك الحيوان من بلد لا يوجد فيها ذلك العلف فيما يظهر لشمول الضابط المذكور ، ومن عيوب غير الحيوان اختصاص الدار بنزول الجند ومجاورة القصارين أو على سطحها مجرى ماء لغيره ، أو بقرب الأرض قرود تأكل زرعها وتنجس ما ينقصه الغسل أو له مؤنة ، وظهور رمل تحت أرض تراد للبناء ، أو أحجار تضر الغرس والزرع وحموضة بطيخ.

(مسألة) : اشترى دابة لم تجرب للسناوة ، فلما علمها لم تحسنها بل بركت في المقود فلا خيار ، إذ العيب المثبت للرد هو ما وجد عند البائع ، وكون الدابة تحسن عمل كذا أو لا تحسنه لا يقتضيه العقد عند الإطلاق ، وهذا بخلاف ما لو علم ثوراً لسناً فلم يحسنها فباعه لجاهل بذلك فله الخيار إن كانت السناوة أظهرالمقاصد منه في تلك الناحية. قاله أبو مخرمة.

(مسألة : ش) : اشترى بذراً فادعى قبل بذره أنه لا ينبت ، فإن علم عدم إنباته بقول خبيرين خير بين الفسخ والإجازة بلا أرش ، ولا نقول يبذر قليلاً ليعلم الإنبات وعدمه ، إذ بذلك يتلف بعض المبيع الموجب عدم الرد ، فإن عدم الخبيران أو اختلفا صدق المشتري بيمينه ، كما لو رأى عيناً فاشتراها بعد مدة وادعى تغيرها ، وإن بذره فلم ينبت مع صلاحية الأرض للإنبات وتعذر إخراجه ، أو صار لا قيمة له ، أو حدث به عيب وادعى عدم إنباته فله أرشه فقط ، وهو ما بين قيمته نابتاً وغير نابت ، كمن اشترى شاة على أنها لبون فماتت قبل العلم بذلك وحلف المشتري على أنها غير لبون وإطلاق ابن الزنبور غرم البائع جميع ما خسره المشتري ، والناشري غرم أجرة الباذر في غاية البعد ، ومحل ما ذكر إن وقع الشرط في صلب العقد فلا أثر للمواطأة قبله ، كما أن محله أيضاً إن اتفقا على صلاحية الأرض للإنبات أو ثبت ببينة ، وإلا فلو أقام البائع بينة بصلاحية البذر للإنبات وعدم صلاحية الأرض والمشتري عكسه تعارضتا وصدّق المشتري.

(

مسألة : ش) : اشترى جارية فقيل له إنها تصرع ، فقال للبائع : هل بها صرع ؟ فقال لا ولا شيء من العيوب ، وإن حدث بها شيء فدركي ، فحدث بها الصرع فالقول قول البائع بيمينه على وفق جوابه من أنه أقبضها المشتري سالمة من الصرع ، أو أنه أقبضه إياها و ما بها عيب ، ولا يكفي الحلف على نفي العلم بل لا بد من القطع ، ويجوز له اعتماداً على ظاهر السلامة ما لم يغلب على ظنه خلافه ، وحينئذ يثبت بحلفه عدم الرد فقط لا حدوث العيب عند المشتري ، فلو تقابلا فطلب البائع أرش الصرع حلف المشتري أن الصرع لم يحدث عنده ، وأما تدارك البائع للمشتري بالعيب الحادث بمعنى أنه يرد به فشرط فاسد ، بل لو وجد ذلك قبل لزوم العقد أفسده ، فلو اتفقا على شرطه وادعاه أحدهما قبل اللزوم والآخر بعده صدّق مدعي الصحة أي وهو الثاني.

(مسألة : ي) : اشترى جارية ثم ادعى أنها حرة ، فإن أثبتها بعدلين ، أو أقر له البائع ، أو نكل فحلف هو المردودة بأن بطلان البيع وإلا فلا.

(مسألة : ب) : اشترى جارية فاستبرأها ثم زوجها عبده فظهر بها مخايل الحمل فأعلم البائع به فأنكر قدمه ، ثم بعد ستة أشهر ونصف من الشراء وخمسة ونصف من التزويج ولدت تاماً فترافعا إلى الحاكم صدق البائع بيمينه على البت كما لو ادعى سرقتها ، وما قاله بعض أهل العصر من أن البائع يصدق في هذه بلا يمين لأن أقل الحمل ستة أشهر ، فإذا زاد لحق المشتري قطعاً. أخذاً مما قالوه في العدة فلا وجه له بل تهوّر منه ، إذ من المعلوم أن العيوب إما أن لا يمكن حدوثها كشجة مندملة والبيع أمس فيصدق المشتري بلا يمين ، أو عكسه كجرح طري والبيع والقبض منذ سنة فيصدق البائع بلا يمين إذ يقطع بما ادعاه ، أو يمكن الحدوث والقدم فيصدق بيمينه ، إذا تأملت ذلك علمت قطعاً أن الحمل هنا مما يمكن قدمه كالبرص والسرقة بل أولى ، لأنا إذا نظرنا لغالب الحمل وندور الولادة في الأقل ظهر لنا قوة صدق دعوى المشتري قدمه ، وما استدل به البعض من لحوق الحمل بالفراش واستحقاق الوصية في مثل هذه الصورة وقاس عليهما هذه فليس بناهض لاختلاف البابين ، إذ لا بد من القطع هنا بخلافه هناك فتأمله.

(مسألة : ش) : اشترى حماراً فوجد به ظلعاً فقال البائع كان به فبرىء ، فإن اتفقا على وقوع البيع بعد مدة يغلب على الظن زواله فيها بالكلية بقول عدلين خبيرين كسنة ، فما ظهر عند المشتري عيب حادث لا ردّ به ، وإن ادعى البائع عوده بعد مضي المدة المذكورة والمشتري قبلها قضى لذي البينة ، فإن أقاما بينتين فالأظهر تقديم بينة البائع كما أفتى به العمراني ، فيما لو شهدت بينة أن فلانة ولدت سنة ثلاث عشرة ، وأخرى سنة ثنتي عشرة ، أنها تقدم الثانية لأن معها زيادة علم بإثباتها الولادة في وقت تنفيه الأولى ، هذا إن لم يكن الاختلاف في وقت عود الظلع ، وإلا كأن شهدت بينة المشتري في رمضان قبل مضي المدة من برئه ، وبينة البائع في ذي القعدة بعدها قدمت الأولى لأنها ناقلة ، والأخرى مستصحبة بقاء البرء إلى ذي القعدة ، كما لو لم تكن بينة لأحد ، فإن لم يوجد الخبيران صدق المشتري ، إذ البائع موافق على وجود العيب ومدّع براءته في وقت ينفيه المشتري والأصل عدمها ، نعم إن اتفقا على برئه في وقت كذا واختلفا في عوده صدق البائع بيمينه ، ولو اختلف أهل الخبرة في المدة عمل بالأخير ثم الأكثر ثم بمن أثبت العود في المدة.

فائدة : اشترى شاة وضرعها حافل باللبن ، ثم بان نقصه صدق البائع بيمينه أنه ما ترك حلبها لأجل الغرر بكثرة اجتماعه ، ولا مضت مدة من عادة حلبها فلم تحلب ليدخل سهوه إذ التصرية تثبت مع السهو أيضاً ، ولو اشترى شيئاً فوجده معيباً فله حبسه إلى استرداد ثمنه ، نقله الرافعي عن المتولي وأقره خلافاً لما يوهمه كلام الغربي اهـ أحمد مؤذن اهـ مجموعة الحبيب طه.

فائدة : نظم بعضهم عيوب الرقيق فقال :

ثمانية يعتادها العبد لو يتب

بواحدة منها يردّ لبائع

زنا وإباق سرقة ولواطة

وتمكينه من نفسه للمضاجع

وردته إتيانه لبهيمة

جنايته عمداً فجانب لها وع

اهـ بج. (مسألة : ش) : اشترى أثواباً فاطلع على عيب فيها بعد بيع بعضها ، فإن كان العيب في الباقية فله الأرش على ما رجحه ابن حجر ، خلافاً للعباب ومن تبعه أو في التي باعها ، فليس له الأرش حتى ييأس من الرد أو فيهما فلكل حكمه ، وليس له رد بعض المبيع مطلقاً ، وإن تعذر رد الباقي إلا برضا البائع ، نعم إن باع البعض من البائع ثم اطلع على عيب في الباقي فله رده على ما قاله القاضي والأسنوي ، ويحصل اليأس من الرد الموجب للأرش بتلف المبيع كله وكذا بعضه ، فيما ينقص بالتبعيض ولم يرض البائع برد الباقي حساً كموته أو شرعاً كعتقه ، ولو وفى بالشرط من البائع أو كان ممن يعتق على المشتري ووقفه وتزويجه وإيلاد الأمة ، وبحدوث عيب عند المشتري ولو بفعل البائع وإن رجى زواله ، أو المشتري منه إن أيس من زواله ولو ظناً كبلّ الثوب ، وإنما لم نفصل في العيب الحادث عند المشتري الأول لأن الرد فوري ، فإذا تعذر حالاً استحق أرش القديم ، ومن ثم لو حدث عنده عيب وزال ثم اطلع على العيب فله الرد.

131

قبض المبيع والاستبدال

(مسألة) : المبيع قبل قبضه من ضمان البائع أي المالك ، وإنما عقد وكيله أو وليه فينفسخ العقد بتلفه أو إتلاف البائع له ، ويثبت الخيار بتعيينه أو تعييب غير المشتري ، وإن قال للبائع : أودعتك إياه ، أو عرضه البائع على المشتري فامتنع من قبوله ما لم يضعه بين يديه ويعلم به ولا مانع له منه ، قاله في التحفة والنهاية ، وقال أبو مخرمة : ولو امتنع المشتري من القبض ولا حاكم فلا سبيل لإسقاط الضمان.

(مسألة : ج) : اشترى حماراً بشرط الخيار لهما أو لأحدهما فمات في مدة الخيار ، فإن كان بعد قبض المشتري فمن ضمانه وإلا فمن ضمان البائع.

(مسألة : ش) : اشترى جارية فافتضها قبل قبضها صار قابضاً منها بنسبة ما نقص الافتضاض من قيمتها ، وامتنع بذلك الرد القهري لو وجد بها عيباً قديماً ، فلو تلفت قبل القبض لزمه من الثمن ما نقص من قيمتها وله من أرش العيب القديم مثله ، فلو نقص بافتضاضه ربع قيمتها لزمه ربع الثمن وله ربع أرش القديم ، والحكم فيما إذا بقيت وقبضها كالحكم فيما إذا اطلع المشتري على عيب بعد القبض وقد حدث عنده عيب آخر اتفاقاً واختلافاً وإجابة طالب الإمساك.

(مسألة : ب) : التخلية هي أن يمكن البائع المشتري من العقار المبيع ، من نحو أرض وشجر ودار مع تسليم مفتاحه وفراغه من جميع أمتعة غير المشتري ، كأن يقول : خليت بينك وبينه ، ويشترط في الغالب مع الإذن في القبض مضيّ زمن يمكن الوصول إليه عادة ، ومعلوم أن قبض المنقول يحصل بنقله والتخلية كما ذكر في القطع والعهدة بالسوية لا يفترق الحكم.

(مسألة : ش) : اشترى ماء صهريج من ناظر المسجد فباع بعضه وبقي الباقي فحدث سيل ملأ الصهريج ، فإن لم يصح البيع لفقده شرطه فما قبضه من الماء كالمغصوب فيرده باقياً ومثله تالفاً ويسترد الثمن ، وإن صح بأن وجدت شروطه ، ومنها أن يعلم العاقدان عمق الصهريج لتوقف علم الماء عليه ، فإما أن يقبض كل الماء بالنقل ثم يرده إلى الصهريج فيصير حينئذ شريكاً بالباقي ولا خيار ، وإما أن لا يقبض إلا ما باعه فله الخيار فيما لم يقبضه في الأظهر ، فإن أجاز صار شريكاً وإلا لزمه من الثمن قسط ما قبض من الماء.

(مسألة : ك) : لا يصح بيع الدين المؤجل بأنقص منه حالاً من جنسه من المدين أو غيره ربوياً أو غيره ، كما لو صالح من عشرة مؤجلة على خمسة حالة لأنه جعل النقص في مقابلة الحلول وهو لا يحل ، نعم يجوز شراء الدين بشروط الاستبدال ولو عجل المؤجل صح الأداء.

(

مسألة : ي ك) : الفرق بين الثمن والمثمن هو أنه حيث كان في أحد الطرفين نقد فهو الثمن والآخر المثمن ، وإن كانا نقدين أو عرضين فالثمن ما دخلته الباء ، وفائدة ذلك أن الثمن يجوز الاستبدال وهو الاعتياض عنه بخلاف المثمن ، زاد ي : وشروط الاستبدال عشرة ، كونه عن الثمن وأن لا يكون مسلماً فيه ولا ربوياً بيع بمثله ، وأن يكون بعد لزوم العقد لا في مدة اختيار المجلس أو الشرط ، وأن لا يكون البدل حالاً وبصيغة إيجاب وقبول صريحة كأبدلتك وعوّضتك ، إو كناية كخذه ، وأن يعين البدل في المجلس ، وأن يقبضه إن اتفق هو والدين في علة الربا لا إن اختلفا كذهب بأرز ، وأن تتحقق المماثلة في ربوي بجنسه كذهب بمثله ، قاله (م ر) وهو الأحوط. وقال ابن حجر : لا يشترط وأن لا يزيد البدل على قيمة الدين يوم المطالبة ببلده إن وجب إتلاف أو قرض ، فلو أخذ ربية فضة بمائة وستين دويداً مؤجلة ، فإن كان بصيغة البيع صح وجاز الاستبدال عنه بهذه الشروط أو بصيغة القرض فلا.

132

بيع الأصول والثمار

فائدة : يدخل في بيع الأرض البناء والشجر ، فلو كانت أرض مشتركة بين اثنين ولأحدهما فيها نخل خاص أو حصته في النخل أكثر منها في الأرض فباع الأرض مطلقاً دخل قدر حصة الأرض من النخل لا كل النخل خلافاً لبعضهم ، اهـ تحفة وسم وع ش. ووافقهم أبو مخرمة قال : ولا يدخل شرب الأرض في بيعها إلا إن نص عليه كالوصية بها ، وفي التحفة : ويلحق بالبيع كل ما ينقل الملك كالهبة والوقف ، لا نحو الرهن والإجارة والتوكيل اهـ. وقال ع ش عن سم : إذا باع الوكيل مطلقاً أو ولي اليتيم دخل ما يدخل لو باع المالك اهـ جمل.

132

معاملة الرقيق

(مسألة : ش) : لا يلزم العبد المأذون له في التجارة الاكتساب لوفاء الدين كالمفلس خلافاً لابن الرفعة ، نعم إن عصى بسببه لزمه ليخرج عن المعصية ، وبفرض وجوبه متى باعه السيد لم يتأتّ الاكتساب ، لأن كسبه بعد الحجر لا يتعلق به دين المعاملة.

(مسألة) : ما فوته العبد على غير سيده له ثلاثة أحوال ، لأنه إما أن يتعلق برقبته فقط بمعنى أنه يباع فيه إن لم يفده سيده بالأقل من قيمته والمال وذلك فيما إذا جنى على غيره ، أو فوت مالاً بغير رضاه أو برضاه وهو غير رشيد أو بذمته فقط ، بمعنى أنه لا يطالب به حتى يعتق وهو ما فوّته بإذن مالكه الرشيد من نحو مبيع وقرض وأجرة مقبوضة ، كمهر ومؤن وضمان بلا إذن من السيد في الكل ، نعم إن بقي المال أو بعضه رد على مالكه أو بما في يده من تجارة مأذون له فيها وكسبه ثم ما زاد بذمته ، وذلك فيما كان من غير الجناية بإذن السيد والمالك الرشيد.

132

اختلاف المتعاقدين

(مسألة : ي) : تبايعا أرضاً ثم ادعى أحدهما عدم معرفة حدودها وأنكره الآخر صدق لأن الأصل صحة البيع ، كما لو ادعى أحدهما عدم رؤية البيع وإن اتفقا على معرفتها ، لكن ادعى المشتري أن المبيع أكثر مما حدد له البائع حلف كل يميناً تجمع نفي قول صاحبه وإثبات قوله ، ثم يفسخ العقد أحدهما أو الحاكم ، وإن نكل أحدهما عن اليمين كما ذكر قضى للآخر بما ادعاه.

(مسألة : ش) : ونحوه ب : تبايعا أرضاً ثم ادعى أحدهما أنه لا يعرفها منذ ميز إلى الآن وأقام شاهدين بذلك ، فإن أراد معرفة قدرها من نحو ذرع فلا التفات لدعواه ، إذ معرفة قدر المعقود عليه المعين لا يشترط ، وإن أراد عدم رؤيتها الرؤية المعتبرة ، فإن صدقه الآخر فواضح ، وإن كذبه فاختلاف في صحة العقد وفساده ، والأصح المفتى به تصديق مدعي الصحة وهو مثبت الرؤية ، سواء البائع أو المشتري ما لو أقاما بينتين ، وأما الشهادة المذكورة فهي شهادة على نفي غير محصور فلا التفات إليها ، نعم إن شهدا بأنه غائب بمحل كذا ، أي ويبعد كونه ببلد الأرض المبيعة من بلوغه خمس سنين إلى الآن ، كانت شهادة على نفي محصور فيترتب عليها أثرها.

(مسألة : ش) : اشترى نخلات معينة بتمر مقدر في الذمة ، فإن وصفه بصفات السلم حتى كونه جديداً جف على الشجرة سقي بماء المطر وضدها صح وإلا فلا ، فإن اتفقا على الوصف أو ضده فذاك ، وإن ادعاه أحدهما ولا بينة أو تعارضتا صدق مدعي الصحة بيمينه ، نعم لو طلب أحدهما الإقالة كان إقراراً بصحة البيع ، فلا تقبل دعواه عدم الوصف بعد إلا إن ظن أنه لا يشترط الوصف المذكور وعذر به.

مسألة : ب) : عهد أرضاً ثم غرسها أو زرعها بغير إذن من المتعهد صار غاصباً فيلزمه القلع وإعادة الأرض كما كانت ، وأرش نقصها إن نقصت ، وأجرتها نقداً مدة بقاء نحو الغرس ولزمه قلعه ، فإن تفاوتت الأجرة في المدة ضمن كل مدة بما يقابلها ، فإن بقي الغراس إلى فك المعهد والحال ما ذكر فالأجرة جميعها من حين شغل الأرض إلى الفكاك للمتعهد لأنها نماء ملكه ، وإن استغرقت أضاف قيمة الخلع ، إذ المتعهد بالعهدة ملك الأرض ملكاً تاماً ، ولم يبق للمعهد إلا حق الوفاء بالوعد وهو حق مجرد لا يقابل بالأعواض.

(مسألة : ب) : تعهد بيتاً فانهدم بعضه لم تلزمه عمارته ، بل لو أعاده كالأول أو دونه أو زائداً عليه كان ما أنفقه عليه مضموماً إلى الثمن الذي وقع عليه البيع ، هذا إن كانت العمارة مما يدوم وبقيت إلى الفك لا نحو تطيين.

(مسألة) : غرس المتعهد الأرض المعهدة ثم فكت ، فهو كما لو فسخت بعيب أو إقالة ، فإن كان الودي من نفس المبيع ولم يكن حادثاً بين الفسخ وأصل البيع تبع الأرض في الفسخ ، وإلا فهو ملك للمتعهد فيبقى وعليه أجرة المثل مدة بقائه في الأرض ، شيخنا ، والأجرة في حضرموت هي الطعام المعتاد ، وإذا شرط أن لا يفك المعهد إلا بعد مدة معينة اعتبر للزوم الفكاك ، وقد عمل به بعض وكلاء شيخنا ، قال إمام الوجود عبد الله بلحاج في شراء عهدة له فقرره مع علمه بذلك ، ومثل ذلك لو شرط أن لا يفكه إلا بعد أن يستغله المتعهد خريفاً أو موسم غيث في الزرع أو أكثر الخ اهـ قلائد. وقوله : والأجرة في حضرموت الطعام مرّ في ب أنها دراهم ، وسيأتي في الإجارة في ش أيضاً أنها دراهم مطلقاً ، وأفتى أبو قضام كأحمد بلحاج بأن ما تلف من المال المعهد يسقط بقسطه من الثمن ، فإذا سلم المعهد قسط الباقي أجبر الآخر على الفسخ اهـ.

(مسألة) : إذا فسخت العهدة فإن كان بعد التأبير فالثمر كله للمتعهد أو قبله فللمعهد ، كما نقله أبو مخرمة عن علي بايزيد وسكت عليه ، والمراد بالتأبير تشقيق طلع النخل ولو واحدة في الحائط كما قال في الإرشاد والصلاح والتأبير والتناثر لا الظهور في بعض ككل إن اتحد باغ أي بستان وجنس وعقد.

فائدة : مات مدين وليس له إلا أموال معهدة عنده انقطع حق المعهدين وبيعت لوفاء دينه حتى لو أرادوا الفك قبل بيعها قيل لهم قد تعلق بها حق الغرماء وصارت مرهونة بحقوقهم اهـ فتاوى بامخرمة. وفيها تعهد مالاً ثم أجره سنين معلومة ثم طولب بالفسخ لزمه حالاً وفاز بالأجرة المسماة مطلقاً ، سواء كان المستأجر البائع أو غيره ، وسواء كانت الأجرة حالة أو منجمة ، ولا يلزمه أجرة المثل لما بقي من مدة الإجارة ، وكذا في الإقالة المحضة وفسخ الفلس.

(

مسألة : ب) : يجوز لقيم المسجد شراء دار له عهدة بنظر الغبطة والمصلحة ، ثم يكريه بعد قبضه من البائع أو غيره وعند إرادة الفك يفسخ القيم.

(مسألة) : اشترى عقاراً على سبيل العهدة ، ثم بعد لزوم العقد استزاد البائع شيئاً من المشتري دراهم أو غيرها على أن يلحق ذلك بالثمن لم يلحق مطلقاً ، ثم إن ملكه ذلك بنحو قرض وشرط عليه أنه مقدم على فكاك العهدة ، أي أنه لا يكون للمعهد فكاك إلا بعد تسليم ما ذكر كان كذلك ، قاله ابن مزروع ، وقال عبد الله بلحاج : لا يجب الوفاء بجميع الشروط المختلفة باختلاف الأغراض واتفاقهما على تقديم الدين قبل فسخ العهدة لا أثر له ، وحينئذ تجب الزكاة في هذه الدراهم المشروط تقدمها على الفكاك بشرطها على كلا القولين إذ هي كسائر الديون ، ثم إن كانت على مليء باذل وجبت حالاً وإلا فعند قبضها ، نعم إن فسخ عقد العهدة وملكه المتعهد ثانياً بالجميع لزم الفكاك بالكل اتفاقاً ولم تجب فيه زكاة حينئذ.

134

السلم والقرض

فائدة : نظم بعضهم شروط السلم بقوله :

شروط السلم يا صاحبي هي سبعة

فخذها لتعرفها بأكمل معرفه

مكاناً وتقديراً ونوعاً مؤجلاً

وتعيين رأس المال والقدر والصفه

(مسألة : ش) : عليه دين لآخر فطالبه به فقال له : لك به عليّ كذا طعاماً ، ثم طالبه الدائن بالطعام فقال : لا يلزم مني. فأحضره إلى الحاكم وادعى عليه الطعام وأتى بخط فيه : صدر إليك كذا من الطعام وبقي كذا ، فقال القاضي للمدين : هذا إقرار منك وحكم عليه به ، فحكمه هذا حكم بغير ما أنزل الله تعالى يفسق به وينعزل ، إذ السلم لا يثبت بذلك لعدم شروطه ، ومنها تسليم رأس المال في المجلس ، ولأنه لا يثبت بالخط إقرار ، وإن فرض أنه خطه أو خط قاض موثوق به على الراجح.

(مسألة : ج) : اقترض دراهم من آخر ، ثم بعد مدة ردّ درهمين زائفين وادعى أنهما من الدراهم المقترضة صدق بيمينه فيما يظهر لأنه غارم والأصل براءة ذمته ، هذا إن لم يخلطهما بماله وإلا صدق المقرض.

(مسألة : ب) : استؤجر لحمل شيء يوصله في مركبه إلى مكان كذا ، وشرط صاحب الحمل أن يقرضه دراهم إلى أن يبيع حمله ، فالظاهر أنه ليس من القرض المحرم إن وقع في صلب العقد ، لأن النفع حينئذ إنما هو للمقترض لأنه الذي شرطه وإن تضمن نفعاً للمقرض ، إذ القرض الفاسد المحرم هو القرض المشروط فيه النفع للمقرض ، هذا إن وقع في صلب العقد ، فإت تواطآ عليه قبله ولم يذكر في صلبه أو لم يكن عقد جاز مع الكراهة كسائر حيل الربا الواقعة لغير غرض شرعي.

(مسألة : ي) : أخذ ربية فضة بمائة وستين دويداً مؤجلة ، فإن كان بصيغة القرض أو بلا عقد حرم ولم يصح فكان ربا ، إذ لا يجوز في القرض شرط ردّ زائد على المقرض أو بصيغة البيع صح.

135

الرهن

(مسألة : ش) : ليس لولي الرشيدة أن يرتهن بصداقها بغير إذنها ، إذ لا يتمكن الشخص من إنشاء عقد لغيره بغير إذنه مطلقاً في الجديد ، وقياسه على جواز اشتراط الوكيل الإشهاد والخيار بغير إذن الموكل فاسد إذ هما لمجرد الاحتياط.

(مسألة : ي) : ونحوه ب : استعار مصاغاً ليرهنه في معين بإذن مالكه جاز بشرط تعيين قدر الدين وجنسه ونوعه وأجله ، والمرتهن مع بقية شروط الرهن من الصيغة وغيرها ، فحينئذ يصير المعير ضامناً للدين وجنسه ونوعه وأجله ، والمرتهن مع بقية شروط الرهن من الصيغة وغيرها ، فحينئذ يصير المعير ضامناً للدين في المصاغ بعد قبض المرتهن له فيتعلق الدين به ، فإذا حل ولم يوفه الراهن بيع المرهون إن لم يوفه مالكه بعد مراجعته ، ولو تلف لم يلزم مالكه شيء لأنه لم يضمن الدين في ذمته ، أما لو نقص من شروط الرهن شيء ، أو لم يعلم المعير المرتهن أو قدر الدين ، أو زاد الراهن على ما عينه ، لم يصح الرهن ولم يتعلق به الدين ، نعم إن أنكر المرتهن العارية أو قال : لا أعلم أنه ملك مدعيه مع إقرار الراهن به أو بنحو غصبه ، حلف المرتهن كذلك وأقر في يده إن صح الرهن وإلا أخذه مدعيه ، وإن أقر المرتهن لمالك المصاغ وادعى إذنه في الارتهان وأنكره المالك حلف وأخذه ، زاد ي : وإن ادعى الراهن أن المصاغ ملكه وأنكر العارية ولا بينة فهو لمن صدقه المرتهن ، ويحلف للآخر يمين الإنكار ، وللمكذب تحليفه أيضاً إنه لا يلزمه تسليمه ، فإن نكل حلف المردودة وغرم له المرتهن قيمته ، ولو شرط المرتهن أن الرهن مبيع أو منذور له إن لم يوف الدين وقت حلوله ووافقه الراهن ومالك المصاغ ، فإن كان في نفس العقد فسد الرهن وإلا فالشرط ، وحيث فسد الرهن فقيد المرتهن غاصبة فيضمنه ومنافعه بأقصى قيمته.

(مسألة : ش) : رهن عيناً بإيجاب وقبول ولم يقبضها أو قبضها بغير صيغة بناء على عدم صحة العقود بالمعاطاة جاز له التصرف فيها بنحو بيع ، ولو وهب لطفله عيناً وقبضها له ثم رهنها من آخر وأجره إياها بأقل من أجرتها ، فإن رجع عن الهبة باللفظ قبل التصرف المذكور صح وإلا فلا لانتفاء شرطه ، فلو ادعى الرجوع لم يصدق إلا ببينة ، فإن لم تكن حلف الولد بعد كماله على نفي العلم ، وله الرجوع على المرتهن بأقصى الأجرة ، وله مطالبة الوالد أيضاً ، أو ادعى الرهن لنفقة الطفل صدق بيمينه ، بخلاف وصي ادعى التصرف على وفق المصلحة فلا يصدق إلا ببينة.

(

مسألة : ش) : ارتهن أرضاً فوضع يده عليها يستغلها من غير نذر ولا إباحة من المالك لزمه أقصى أجر منافع ما وضع يده عليه منها ، فإن تلفت الأرض حينئذ لزمه أقصى القيم ، لأن فائدة الرهن إنما هو التوثق بالدين ليستوفيه من المرهون عند تعذر الإيفاء والتقدم به على غيره فقط.

(مسألة : ش) : رهن عيناً وأقبضها ثم وهبها أو نذر بها لآخر منجزاً أو معلقاً بصفة وجدت قبل فكها لم يصح ، إذ هو ممنوع من التصرف في الرهن قبل فكه ، ثم إن تلفت في يد نحو المتهب طالب المرتهن ببدلها من مثل أو قيمة من شاء ، والقرار على نحو المتهب إن علم الحال وإلا فعلى الراهن كما لو تلفت في يده ، وإذا انفك عاد البدل لمن غرمه.

(مسألة : ب) : رهن مصاغاً فتلف بيد المرتهن ، فإن كان بلا تقصير بأن وضعه في حرزه المغلق ولم يدخل غيره ممن يستريب فيه لم يضمن ، وإلا ضمنه بقيمته يوم التلف ، ولا عبرة بقول الراهن قيمته كذا ، ولا يسقط بتلفه شيء من الدين مطلقاً.

(مسألة : ي) : يد المرتهن يد أمانة فلو أحضر عيناً فقال الراهن : ليست هذه المرهونة صدق المرتهن بيمينه أنها التي أقبضه الراهن إياها عن جهة الرهن ولم يقبضه سواها كالوديع وبرىء ظاهراً وتكون ملكه ، إذ من أقر بعين لآخر فكذبه تركت في يد المقر يتصرف فيها تصرف الملاك.

(مسألة : ش) : أمين كمرتهن ووديع أراد سفراً لزمه إعلام المالك أو وكيله ليعمل بإذنه في السفر به أو تركه ، فإن لم يفعل ضمن حيث تيسر إعلامه ولم يسبق منه إذن في تركه عند إرادة السفر ، فإن تعسر دفعه للقاضي الثقة ، وعليه إما قبوله والإشهاد به أو أمره بدفعه لثقة وهو أولى ، فإن عدم الحاكم المذكور دفعه لثقة ولو امرأة ، أو أعلمه بمحله المحرز فيه وأشهد عليه إن كان بحيث يتمكن من أخذه ، وحينئذ لو سرق من الحرز كما ذكر لم يضمن ، فإن تعذر الكل أو خاف من الحاكم الجائر لو دفعه للثقة لزمه السفر به إن كان آمناً أو خوفه أقل من الحضر.

(مسألة : ش) : مات عن ورثة وفيهم محجور وغائب وخلف بيتاً مرهوناً بدين ، فإن قضاه الورثة وإلا باعه الحاكم بإذن الحاضر الكامل إن لم يصرّ على امتناع بثمن المثل أو بأنقص منه مما يتغابن به حالاً من نقد البلد ولو من المرتهن ، فإن ثبت أن البيع بدون ثمن المثل ولو باعتراف المشتري بطل البيع ، نعم لو شهدت بينة بأنه ثمن مثله قدمت على الأخرى إلا إن قطع بكذبها ، ولو عجز الراهن عن استئذان المرتهن والحاكم فله الاستقلال بالبيع على الأصح اهـ. قلت : زاد في التحفة ، لكن يحجر عليه في الثمن إلى الأداء.

(

مسألة : ش) : ليس للمرتهن طلب دينه من غير الرهن لرضاه بتعلق الدين به كما نقل عن الإمام ، نعم إن بيع في الدين ولم يف به فله كوارثه طلب الزائد من الراهن أو تركته ، فإن ادعى ورثة الراهن أنه لم يخلف سوى العين المرهونة فله تحليفهم حينئذ على نفي العلم ، فلو باع المرتهن الرهن بإذن بعض الورثة صح في حصته فقط فلغيره الكامل ، وولي المحجور طلب رفع يد المشتري عن حصته وتسليم ما عليه للمرتهن اهـ. قلت : وعبارة التحفة وقضية هذا أنه لا يلزم الراهن التوفية من غير الرهن وإن طلبه المرتهن وقدر عليه ، وبه صرّح الإمام ، واستشكله ابن عبد السلام بوجوب الأداء فوراً ، ويحمل كلام الإمام على تأخير يسير ، واختار السبكي وجوب الوفاء فوراً من الرهن أو غيره ، فلو كان غيره أسرع وطلبه المرتهن وجب وهو متجه اهـ.

137

تعلق الدين بالتركة

فائدة : يندب أن يبادر بقضاء دين الميت مسارعة فك نفسه من حبسها عن مقامها الكريم كما ورد ، فإن لم يكن بالتركة جنس الدين أو لم يسهل قضاؤه سأل الولي وكذا الأجنبي الغرماء أن يحتالوا به عليه ، وحينئذ فتبرأ ذمة الميت بمجرد رضاهم بمصيره في ذمة نحو الولي ، وينبغي أن يحللوا الميت تحليلاً صحيحاً ليبرأ بيقين ، وخروجاً من خلاف من زعم أن التحمل المذكور لا يصح كأن يقول للغريم : أسقط حقك منه أو أبرئه وعليّ عوضه ، فإذا فعل ذلك برىء الميت ولزم الملتزم ما التزمه ، ولا ينقطع بذلك تعلق الغرماء بتركه الميت ، بل يدوم رهنها إلى الوفاء ، لأن في ذلك مصلحة للميت ، إذ قد لا يوفي الملتزم بذلك ، ولا ينافيه ما مر من البراءة لأن ذلك ظني اهـ تحفة.

(مسألة : ش) : مات وله حق شفعة فشفع وارثه كان الشقص المشفوع تركة حتى يتعلق به الدين ، لأنه يتعلق بالمال عيناً وديناً ومنفعة بالحقوق وإن لم تكن مالاً ، ويؤدي الوارث الثمن من ماله أو من التركة بإذن الغرماء لا بدونه ، وليس على الوارث مراعاة الغريم في الأخذ ، بل متى أخذ حصل التعلق بالشقص ، كوارث موصى له مات قبل القبول فإن حق الموصى له بالموصي به لا يحصل ما لم يقبل وارثه ولا يلزمه القبول.

(مسألة : ش) : ونحوه ي ك : مات وعليه ديون وله أعيان حيوان وغيره كانت التركة جميعها مرهونة رهناً شرعياً بالديون ، فيبطل تصرف الوارث فيها بغير العتق والاستيلاد من موسر بقدر يساره إلا بإذن أهل الدين ، فإن غاب بعضهم أو حجر عليه أو امتنع ناب عنه الحاكم في الإذن ، ولو عجز الوارث عن استئذان رب الدين والحاكم فله الاستبداد بالبيع في الأصح ، ولا بد من اتفاق جميع الورثة على البيع أو بعضهم برضا المتأهل من البقية وولي المحجور والغائب ، ثم الحاكم عند امتناعهم أو عدم تأهلهم ولم يكن لهم أولياء ، وتباع من أجنبي أو من بعضهم بعضاً ، بشرط أن يكون الثمن حالاً والمشتري ملياً ، ويحجر عليهم الحاكم في الثمن حتى يقبض أهل الدين مالهم ، فلو غاب بعضهم أو امتنع قبض له الحاكم ووضعه في بيت المال إن وجد وإلا فعند أمين ، ولا يبقيه بيده دفعاً للتهمة ، فإن رأى إبقاء الثمن بذمة المشتري حتى يراجع أهل الدين فلا بأس.

(

مسألة : ب) : لا يصح تصرف الوارث في شيء من التركة ولا قسمتها قبل أداء الديون ، ومنها حجة الإسلام إن استطاع أوصى بها أولاً وسائر الوصايا ، فلو نذر بعض الورثة بما يخصه قبل ذلك لم يصح النذر ، وهذه المسألة ونظائرها مما يغفل عنها وهي كثيرة الوقوع ، وقد غلط فيها كثير ممن يدعي العلم كقضاة السوء ، ولا يكفي إفراز قدر أجرة الحاج من التركة ، بل لا يصح التصرف حتى يكمل الأجير الحج على المعتمد اهـ. قلت : وهذا ما اعتمده ابن حجر و (م ر) لكن قال في القلائد : وإذا بذل الورثة قدر الدين من التركة أو غيرها لمن إليه قضاؤه من وصي وحاكم فالظاهر أن لهم التصرف في باقيها كما أفتى به أبو مخرمة ، وكذا إذا سلموا قدر الوصايا المطلقة إليه ومن له دين ومات وورثه واحد بعد واحد فهو في الآخرة للأوّل ، فلو قبضه وارث ولو الأخير برىء المدين إلا من المماطلة اهـ. ومن سفينة الحبيب أحمد الحداد : من مات وعليه فرض الحج وأراد وارثه التصرف في التركة فالحيلة في ذلك أن تقرر الأجرة ويقبضها الأجير بعد الاستئجار ، أو يقبضها الوصي أو الحاكم عند عدمه ، أفتى بذلك عبد الله بن مخرمة تبعاً لجده وابن كبن ورأيته للشيخ علي با يزيد اهـ. وفي ج كلام عن أبي مخرمة مذكور في باب القسمة ، وعبارة ي حيث تصرف الوارث قبل أداء الدين والوصايا بطل وضمنه كل من دخل تحت يده ، فلو أوصى بشراء عقار تقسم غلته لوصايا عينها لم تنفك التركة حتى يشتري ذلك العقار ، فلا يكفي إفراز المال فقط ، كما لا تنفك بتأجير الوصي الحاج ، وإن سلم له الأجرة على المعتمد ولو قاسمهم الوصي فتلف بعض ما في يده قبل إيصاله مستحقه لزم الورثة توفيته مما بأيديهم ، وليس قبض الوصي مبرئاً لهم بل لا بد من قبض المستحق ، كما لو اقتسم الورثة فظهر دين وقد أعسر بعضهم فيؤخذ كل الدين من الموسر ثم يرجع هو على الآخر بعد يساره ، نعم لو أوصى بعين معينة امتنع التصرف فيها فقط.

(مسألة : ك) : مات وعليه دين زائد على تركته ولم ترهن به في الحياة لم تكن رهناً إلا بقدرها منه فقط ، فإذا وفى الوارث ما خصه أوكل الورثة قدرها انفك نصيبه في الأولى وكلها في الثانية عن الرهنية ، ويفرق بين هذا وبين الرهن الجعلي ، حيث لا ينفك إلا بالإبراء عن جميعه بأنه أقوى ، فلو رهن عيناً ثم مات لم ينفك منها شيء إلا بوفاء جميع المرهونة به اهـ. قلت : فلو طلب الدائن أخذ التركة بجميع الدين وأراد الوارث الفك كما ذكر أجيب الدائن لتحقق مصلحة الميت وهو سقوط الدين عن ذمته وخلاص نفسه من حبسها ، قاله في التحفة وأبو مخرمة.

(

مسألة) : مات وعليه ديون كثيرة أضعاف تركته وخلف صوغة مرهونة عند آخر ببعض الدين قدم المرتهن بدينه ، فإن زاد منها شيء أضيف إلى التركة وقسط الكل على بقية الديون ، فلو كانت الصوغة المذكورة مستعارة من آخر لترهن بشرطها كما مر في الرهن روجع مالكها ، إما أن يقضي الدين ويأخذها ، أو يأذن في بيعها فيه ، ويأخذ الزائد من قيمتها إن كان ، ثم يرجع على التركة بما أخذه المرتهن في الصورتين يضارب به كسائر الغرماء.

138

التفليس

فائدة : نظم بعضهم أقسام الحجر فقال :

ثمانية لم يشمل الحجر غيرهم

تضمنهم بيت وفيه محاسن

صبي ومجنون سفيه ومفلس

رقيق ومرتدّ مريض وراهن

(مسألة : ش) : لا يكلف من عليه ديون بيع أعيانه بدون ثمن مثلها مرهونة كانت أم لا ، كأن كانت قيمتها مائة ووجد راغب بثمانين بل يكلف الدائن الصبر.

(مسألة) : إذا كان للمدين عرض فإن وجد راغب فيه بثمن مثله وهو ما انتهت إليه الرغبات في ذلك الزمان والمكان لا ما قوّمه المقوّمون كما قاله ابن زياد وغيره أو أراده الدائن بذلك وجب بيعه وقضاء الدين وإلا صبر الدائن وجوباً حتى يوجد راغب ، ولا يجوز حبس المدين ولا الترسيم عليه إذا لم يعهد له مال.

(مسألة : ش) : أقرّ المفلس لآخر بعين أو دين سابق على الحجر قبل في حقه وحق الغرماء ، قال ابن الصباغ : ولهم تحليف المقر له ، ولا يظهر لليمين فائدة إلا إنّ هيبتها ربما تدعوه إلى تكذيب المقر فلا يزاحمهم حينئذ ، إذ لو نكل عنها لم يمكنهم أن يحلفوا المردودة إلا إن ادعوا أنه واطأه على ذلك ليبطل حقهم ، فيحلفوا عند نكوله على ذلك وحينئذ تكون يمينهم كإقراره.

(مسألة : ش) : مدين ادعى الإعسار ، فإن لم يعهد له مال ولم يلزمه الدين بنحو شراء أو قرض صدق بيمينه ، ولا يكلف حينئذ بينة ولا يحبس ، وإن عهد له أو لزمه بنحو شراء وقبض حبس حتى يثبت إعساره برجلين فقط فيشهدان بأنه معسر لا بأنه لا يملك شيئاً لكن لا يضر على المعتمد.

139

الحجر

(مسألة : ي) : المولود أعمى أصم حكمه كالمجنون ، فيحكم بإسلامه دنيا وأخرى تبعاً لأحد أصوله المسلم وإن كان بالغاً وليس هو من أهل الفترة ولا يلحقه بالعقلاء ميله إلى نحو الدراهم والملابس ، نعم إن كان له أدنى تمييز ألحق بالصبي المميز في صحة العبادة وعدم المؤاخذة بتركها وإيصال نحو الهدية وإذن في دخول وردّ سلام ، ومثل من ذكر أخرس ليس له فهم أصلاً ، لكن إن بلغ كذلك وإلا فوليه الحاكم كما في التحفة.

(مسألة) : مريض يغمى عليه مرة ويفيق أخرى وصدرت منه تبرعات وطلاق ، فما علم كونه حال إفاقته نفذ أو إغمائه فلا وما شك فيه ، فإن أقر هو وكذا وارثه في غير الطلاق أنه حال الإفاقة نفذ أيضاً ، وما ادعى هو أو وارثه أنه حال الإغماء صدق بيمينه للقرينة الظاهرة.

(مسألة : ك) : لا يثبت البلوغ إلا باستكمال خمس عشرة سنة بشهادة عدلين ، نعم إن شهدت أربع نسوة بولادته يوم كذا قبلن وثبت بهن السن تبعاً قاله في التحفة ، ومنه يعلم قبول شهادة الأبوين ، ويقبل قول الصبية : حضت ، من غير تحليف وإن اتهمت ، فلو أطلقت الإقرار بالبلوغ قبل في أصح الوجهين.

فائدة : لا يحلف ولي أنكر الرشد بل القول قوله في دوام الحجر ، ولا يقتضي إقرار الولي به فك الحجر بل يقتضي انعزاله ، وحيث علمه لزمه تمكينه من ماله وإن لم يثبت ، لكن صحة تصرفه ظاهراً متوقفة على بينة برشده أي أو ظهوره اهـ تحفة.

(مسألة : ج) : أسند أمر أطفاله إلى أخيه فبلغ اثنان وطلبا المال سلم إليهما حصتهما فقط لا حصة البقية ، بل يضمن بتسليمها إليهما ، هذا إن شهد خبيران بأحوالهما بأنهما مصلحان لمالهما ، أو آنس الوصي منهما الرشد ، وهو في هذا الزمان صلاح المال فقط ، وأما صلاح الدين فقد تودّع منه اهـ ، وعبارة ش مذهب الشافعي أن الرشد صلاح المال والدين بأن لا يرتكب محرماً مبطلاً للعدالة ، ومنه أن تغلب طاعاته صغائره ، ولا يشترط جميع شروط العدالة من ترك خارم المروءة أو فعل صغيرة ، ولا فرق في استدعاء فك الحجر بالصلاح المذكور بين المتصل بالبلوغ وغيره ، نعم لا بد من صحة التوبة حتى لو كان في قطع الصلاة مثلاً توقف فكه على قضاء جميع ما فوّته بعد بلوغه لأنه أحد أركان التوبة ، فحينئذ لا عبرة بأمر من لا خبرة له من يريد فك الحجر بصلاة يوم أو يومين ظاناً فك الحجر بذلك ، غير ناظر إلى أن ارتفاع الوجوب وتوقف فك الحجر بقضاء جميع الفائت ، ومذهب الأئمة الثلاثة أن الرشد صلاح المال فقط ، وهو وجه في التتمة مال إليه ابن عبد السلام وأفتى به العمراني وابن عجيل والحضرمي والأزرق ، بل نقل السبكي عن البويطي وابن شريح والماوردي وابن علي أنه يصح تصرف من بلغ سفيهاً ولو بالتبذير إذا لم يحجر عليه وهو شاذ.

139

وليّ المحجور

(مسألة : ي) : ولي المجنون ما ألحق به مما مر ، وإن كان له نوع تمييز أب فأبوه فوصيهما أو أحدهما ، ثم الحاكم أو صلحاء المسلمين عند فقده أو جوره ، فيتصرف من ذكر في ماله بتربيتهم ، ويزوّجه غير الوصي ممن ذكر بظهور الحاجة كتوقان أو خدمة ، ويتعين التسري إن خفت مؤنته عن النكاح.

(مسألة : ج) : إذا لم يكن للمحجور أب أو جد ولا وصي فوليه الحاكم أو من أنابه وللولي أن يأخذ له شركة بيت للمصلحة ويصدق في الانفاق اللائق ودعوى التلف.

(مسألة : ش) : ونحوه ب : إذا فقد الولي الخاص وهو الأب أو الجد أو وصيهما ، والعام وهو القاضي أو الإمام أو منصوبهما ، وقام به مانع من نحو فسق أو خيانة ، لزم صلحاء البلد كنحو العم أن يقوموا بالمحجور فرض كفاية إن تعددوا وإلا فعين ، ثم إن اتفقوا على واحد فذاك وإلا أقرع ليتحد المتولي ، إذ تعدده يؤدي إلى النزاع ، ولا تلي الأم في الأصح ، خلافاً لابن عجيل والحضرمي القائلين بتقديمها على الوصي ، وليس لعصبته كأمه منازعة المتعين وجعل المال تحت أيديهم إذا كان هو الصالح أو الأصلح ، كأن لم يمكن دفع نحو الظالم عن المال إلا منه.

(مسألة : ش) : مات عن أطفال وله أخوان فقال أحدهما للآخر : تصرف في مال الأطفال وعليك مؤنتهم وزكاتهم وما فضل من ربح لك ، فإن لم تثبت لهما ولاية بنحو وصاية فتصرفهما مضمون عليهما ، نعم لهما كنحو العم تأديب الطفل وتعليمه والإنفاق عليه من ماله عند تعذر مراجعة نحو القاضي كعبده لئلا تضيع مصلحة الطفل ، وإن ثبتت ولايتهما بنحو وصاية أو لم يوجد قاض أو خيف منه على المال فلهما بل عليهما كصلحاء البلد التصرف في المال بالغبطة ، فإن اتفقا على صالح فذاك ، وإلا تصرفا بحسب المصلحة حيث اتفقا وإلا روجع ثقة ، وقول أحدهما للآخر تصرف في المال الخ. لا يترتب عليه أثر إلا فسق القائل إن مكنه منه جراءة بلا ظن مصلحة للمحجور ، وتصرف الآخر صحيح لثبوت ولايته فحينئذ نعم يفسق إن أخذ زائد الربح عن المؤن ، ولا يعذر بجهله إلا إن قرب عهده بالإسلام.

(مسألة : ش) : ليس للحاكم الكشف عن الآباء والأجداد في ولايتهم على أطفالهم وتصرفاتهم ما لم تثبت عنده الخيانة أو الفسق فيعزله ، وليس على نحو الأب إقامة بينة للبيع ولا يمين إذ لا يقبل رجوعه ، ويجوز له استخدام المحجور بنحو صبا وسفه كعبده فيما لا يقابل بأجرة ، وإعارته لمصلحته كتعليم ونفقة ، وكذا لسائر قراباته ، وإن لم تكن لهم ولاية عليه حيث لا قاضي ثقة أمين لما لهم من الشفقة عليه ، لما في قصة أنس رضي الله عنه ففيه جواز استخدام اليتيم ووجوب خدمة الإمام والعالم على المسلمين ، أما خدمة عبد المحجور فيما يقابل بأجرة ، فإن كان في مصالح المحجور فلا إشكال فيه أو في غيرها فلا ، نعم إن تعينت طريقاً في منعه من نحو إباق بقرينة جاز بل وجب كركوب الوديع لدابة.

(

مسألة : ش) : يجوز للولي اقتناء الحيوان للمحجور للمصلحة ، بل يجب إلقاؤه إذا كان فيه غبطة ظاهرة كالنحل ، وقولهم : إن الولي لا يشتري الحيوان ولا يتركه بملك المحجور محمول على الغالب من عدم المصلحة ، وحينئذ لو كان العرف أن من يخدمه يأخذ الربع من غسله مثلاً فيقدر الحاكم الربع المذكور في أغلب أحوال القيم مدة معلومة ويعرف قيمته ، ثم يستأجر بها أو بأقل منها مراعياً المصلحة فيستحق المسمى ، فيعطيه من مال المحجور أو يعوضه من العسل إن كان إجارة عين ، فإن لم يعرف العاقدان ما يحتاجه النحل من الأعمال أنابا من يعرفه وينزل على عادة الناس في ذلك.

فائدة : يجوز للولي خلط طعامه بطعام موليه حيث كانت المصلحة للمولى ، ويظهر ضبطها بأن تكون كلفته مع الاجتماع أقل منها مع الانفراد ، ويكون المالان متساويين حلاً أو شبهة ، أو مال الولي أحل ، وله الضيافة والإطعام حيث حصل للمولى قدر حقه ، وكذا خلط طعام أيتام إن كانت فيه مصلحة لكل منهم اهـ تحفة. وفي الإمداد : وإن تبرم الولي بحفظ مال موليه أي سئم من ذلك وتضجر استأجر من يتولاه بأجرة المثل وله الرفع إلى القاضي لينصب قيماً ، وكذا ليفرض له أجرة إن لم يكن ثم متبرع ، وليس لولي أخذ شيء من مال موليه في مقابلة تصرفه اهـ. لكن عبارة التحفة تقتضي الجواز إن خاف من إعلام القاضي الجائر بشرط إخبار عدلين بقدر أجرة المثل ، قال : لتعذر الرفع حينئذ اهـ.

141

الصلح

فائدة : لا يصح الصلح إلا مع الإقرار عندنا ، وقال الأئمة الثلاثة : يجوز مع السكوت بل ومع الإنكار اهـ تحفة وينابيع الأحكام. وقال ابن حجر في أسنى المطالب في صلة الأرحام والأقارب : ولا بأس أن يندب القاضي الخصمين إلى الصلح ما لم يتبين له الحق لأحدهما ، لقول سيدنا عمر لأبي موسى رضي الله عنهما : واحرص على الصلح ما لم يتبين لك فصل القضاء ، ولا بأس به أيضاً بعد التبين إن كان فيه رفق بالضعيف ، وقد عرفه حقه وتبين صدقه ، فلم يبق حينئذ إلا سؤال فضله ، ولا يلح عليهم في الصلح إلحاحاً يوهم الإلزام ، أو كان ذلك خوفاً أو حياء من غير رضا بالباطن وإلا فلا بأس ، إذ العادة جرت بالإلحاح في الظاهر مع الرضا باطناً ، وحكم الحاكم لا يحل حراماً ولا يحرم حلالاً في الباطن ، كما أن الصلح كذلك ، سواء المال والأبضاع عندنا ، وخصه أبو حنيفة وكثير من المالكية بالأموال حتى لو شهدا بطلاق كذباً وحكم به الحاكم جاز له نكاحها بشرطه وهذا فاسد فليحذر منه اهـ.

(مسألة : ش) : صالح بعض الورثة بعضاً عن حصته ، فإن علم كل المصالح به والمصالح عنه من كل الوجوه كالبيع حتى ما حدث من الزوائد صح الصلح ، وإن علم البعض صح فيه فقط ، وإن جهل أحدهم المصالح به أو عنه بطل ، لأن الصلح إما حطيطة أو معاوضة ، وكلاهما يؤثر فيه الجهل ، ومحل الصحة أيضاً إن صدر عن جميع بقية الورثة ، ثم إن كانت التركة أعياناً وصالح على غيرها فبيع أو على بعضها فهبة لباقي النصيب وإن كانت ديوناً ، فإن كانت عليهم وصالحوه على غيرها فبيع دين لمن هو عليه فيشترط أن لا يكون دين سلم ، وأن يعين العوض في المجلس مع قبضه إن اتفقا في علة الربا ، أو على غيرهم فبيع دين لغير من هو عليه فيصح في الأظهر بشرطه ، ومنها كونه على مليء مقرّ ، وإن صالح بعض الورثة عن دين عليه أو على التركة صح مطلقاً ، إذ يجوز قضاء دين الغير بغير إذنه ، أو عن عين صح إن صالح لنفسه ، وكأنه اشتراها بالمصالح به لا لبقية الورثة ، إلا إن أذنوا فيه أولهم صح في حقه فقط إذ هو تصرف فضولي.

(مسألة : ب) : صالح على مال مجهول عن بعضه معلوماً ثم بان بأنه مغبون ، فإن استوفى شروط الصلح شرعاً من سبق الخصومة ثم الإقرار به من المدعى عليه اختياراً وهو أهل للتصرف بصيغة معتبرة صح وعمل بمقتضاه ولا عبرة بالندم بعد ، وإن انتفى شرط بطل ، وإن أكده بقوله : رضيت أو نذرت به لأنه إنما فعله ظاناً صحة الصلح ، فإذا بطل بطل ما ترتب عليه كغيره من العقود اهـ. قلت : وقوله عن مال مجهول هو مخالف لما تقدم عن ش فتنبه له ، وفي الميزان : ويصح الصلح على المجهول عند الثلاثة خلافاً للشافعي.

141

الحقوق المشتركة

(مسألة) : أفتى ابن حجر بحرمة نقل الطريق العامة عن محلها إلى محل آخر وإن قرب ، بل عده في الزواجر من الكبائر للحديث الصحيح : "ملعون من غيَّر منار الأرض" أما الخاصة كأن استأجر جمع محصورون المرور في أرض فلهم بتوافق المؤجر نقله إلى محل آخر ، ونقل في القلائد جواز النقل عن بعضهم إذا لم يضر ولم ينقص من الأول.

(مسألة : ب) : أحدث في ملكه حفرة يصب فيها ماء ميزاب من داره لم يمنع منه وإن تضرر جاره برائحة الماء ما لم يتولد منه مبيح تيمم ، إذ للمالك أن يتصرف في ملكه بما شاء وإن أضر بالغير بقيده المذكور ، وكذا إن أضر بملك الغير ، بشرط أن لا يخالف العادة في تصرفه ، كأن وسع الحفرة أو حبس ماءها وانتشرت النداوة إلى جدار جاره ، وإلا منع وضمن ما تولد منه بسبب ذلك ، ولو انتشرت أغصان شجرة أو عروقها إلى هواء ملك الجار أجبر صاحبها على تحويلها ، فإن لم يفعل فللجار تحويلها ثم قطعها ولو بلا إذن حاكم كما في التحفة ، وإن كانت قديمة بل لو كانت لهما مع الأرض فاقتسما وخرجت لأحدهما كان للآخر إزالة ما كان منتشراً منها في ملكه ، نقله في القلائد عن البغوي ، ولو فسد بأغصان الشجرة أو ظلها زرع غيره لزم مالكها وإن لم يطلب منه إزالتها كميازيب الطرق ، بخلاف ما إذا لم تنتشر الأغصان ، وإنما منعت نحو الضوء والريح أو تضرر الجار بنحو هوامّ ، فلا يلزم صاحبها قطع ولا تلوية ، كما لا يمنع من وضع جذوعه على جدار نفسه وإن منعت الضوء عن الجار.

فائدة : لا يمنع من فتح كوّة تشرف على جاره في الأصح ، لكن يمنع من الإشراف ، ومنع بعضهم من القريبة دون البعيدة ، واستحسنه ابن النحوي ، ويجوز للجار أن يبني جداراً في ملكه وإن سد كوى جاره ، بخلاف من له كوات على موات ليس لأحد البناء فيه بما يمنعه الضوء والهواء مما يتم به الانتفاع اهـ قلائد. وفي التحفة : لا يمنع الجار من وضع خشب بملكه وإن تضرر به جاره ومنعه الضوء والهواء ، كما أن له إخراج جناح فوق جناح جاره بالطريق إن لم يضر بالمار عليه وإن أظلمه وعطل هواءه ما لم يبطل انتفاعه اهـ ، ونحوه الفتح والنهاية. وفي الميزاب : قال الشافعي وأبو حنيفة : له أن يتصرف بملكه بما يضر جاره لقوة الملك وضعف حق الجار الخ اهـ. وأفتى النووي بجواز الصلاة في أرض مملوكة للغير لا زرع فيها لعدم التضرر بذلك ، كالتيمم بترابها إذا علم بقرينة حال أو عرف مطرد أن مالكها لا يكره ذلك ، قال السمهودي : واطراد العرف بعدم الكراهة كاف في الجواز وإن كانت الأرض لنحو صبي اهـ مجموعة الحبيب طه.

(

مسألة : ب) : دار بين اثنين لأحدهما السفل والآخر العلو ، فخرب العلو ولم تمكن إعادته على السفل إلا بتجديده ، لم يلزم صاحب السفل هدمه وتجديده ليبني عليه الآخر ، ولا يمكن صاحب العلو من البناء عليه إذا لم يحتمله كما في القلائد ، بل لو أراد هدم السفل وبناءه ثم البناء عليه فالأقرب ، كما أفتى به أحمد مؤذن أنه لا يجاب لما في ذلك من إعدام موجود غير مستحق الإزالة ، ولأنه قد لا يفي بما وعد ، أو بمقصود صاحب السفل ، فيؤول إلى النزاع ، وليس له منع الجار من إزالة جداره الذي لم يثبت له فيه حق ، نعم لو وجدت جذوع موضوعة على جدار ولم يعلم أصلها فالظاهر وضعها بحق ، فيقضي لصاحبها باستحقاق وضعها دائماً ، وله المنع من إزالة ما تحتها من الجدار ، حتى لو سقط الجدار وأعيد جاز إعادتها بلا خلاف ما لم تقم بينة بخلاف ذلك ، ولو وجدت دكة في شارع ولم يعرف أصلها كان محلها مستحقاً لأهلها ، فليس لأحد التعرض لها بهدم وغيره ما لم تقم بينة بأنها وضعت تعدياً كما صرح به ابن حجر ، ولا يجوز إحداثها كغيرها ، أي من نحو بناء وشجرة في الشارع وإن لم تضرّ بأن كانت في منعطف على المعتمد عند الشيخين والجمهور ، واعتمد جمع متقدمون ومتأخرون الجواز حيث لا ضرر وانتصر له السبكي.

فائدة : اقتسما داراً فخرج لأحدهما علوه وللآخر سفله ، فالسقف مشترك بينهما ينتفعان به كالعادة ، والدرج الذي يصعد عليه صاحب العلو له إلا إن كان تحته بيت فمشترك كالسقف اهـ فتاوى بامخرمة. ولو خرب المشترك من نحو دار وأرض لم يجبر الشريك على العمارة على الجديد والقديم إجباره ، واختاره ابن الصباغ والشاشي وابن الصلاح وصاحب الذخائر وابن أبي عصرون والفارقي ، ونقل في المجموع اختياره عن بعضهم وأن به الفتوى والعمل ، وقال الإمام والغزالي : يختص بما يختل به الملك ، واختار عبد الله بلحاج إجباره إذا كان له مال غير ذلك اهـ قلائد.

(مسألة : ج) : لشخص أرض ولآخر فيها نخل وبقربها بئر ، فزعم صاحب الأرض أنها أمهما وأراد السقي منها فمنعه الآخر وأقام بينة أنها ليست أمهما بل خالصة له وأن أمهما غيرها حكم له بها ، وليس لأحدهما السقي إلا من أمها وإن بعدت إن عرفت ، ويستحق صاحب النخل إجراء الماء في الأرض من الأم الأصلية لا من هذه التي أثبت أنها خالصة له.

143

الحوالة

(مسألة) : أحال على دين به رهن أو ضمان انفك الرهن وبرىء الضامن ما لم ينص على نقل الضمان ، وإلا فللمحيل مطالبتهما ، وتصح الحوالة على الميت على المعتمد ، ولا تنفك التركة بها بخلاف الرهن الشرعي ، قاله في التحفة.

فائدة : هل تجوز الإقالة في الحوالة وجهان جزم الرافعي بالمنع اهـ بامخرمة.

(مسألة : ش) : باع شيئاً وأحال بثمنه على المشتري ثم أفلس قبل قبض المشتري المبيع صح البيع والحوالة ، وبرىء المحيل من دين المحتال ، والمحتال عليه من دين المحيل ، وطالب المشتري المحيل وهو البائع بالمبيع ، هذا إن صح البيع والحوالة بشرطهما ، إذ من شروط الحوالة رضا المحيل والمحتال لا المحال عليه ، وثبوت الدينين والعلم بهما قدراً وصفة.

(مسألة : ش) : أحال زيد عمراً على خالد بمائة ثم قال : أردت بالحوالة الوكالة ، وادعى عمرو الحوالة بدين له سابق ، فإن لم توجد شروط الحوالة كأن لم يكن على المحيل أو المحال عليه دين لغت دعوى عمرو الحوالة ، بل الدراهم المقبوضة باقية على ملك خالد فيردها باقية وبدلها تالفة ، فإذا ادعى زيد توكيل عمرو في اقتراض المائة وثبتت الوكالة ولو بتصديق خالد ملكها زيد بقبض وكيله ولخالد استردادها كما هو حكم القرض ، وإن وجدت شروط الحوالة واختلف في التوكيل والحوالة صدق زيد ، سواء قال : وكلتك أو أحلتك ومقصودي الوكالة ، إذ لفظ الحوالة كناية في الوكالة وهو أعرف بقصده ، وإذا وقع الاختلاف بعد قبض عمرو فقد برئت ذمة خالد ، لأن عمراً إما وكيل أو محتال ، وعليه رد المائة لزيد إن بقيت ومطالبته بدينه ، وله جحده إن كان مماطلاً أو جاحداً ، فلو تلفت المائة في يد عمرو ، فإن كان بتقصير فلزيد مطالبته ببدلها ، ولا يطالب هو زيداً لزعمه أن المائة المقبوضة ملكه أولاً بتقصير فلا مطالبة لأحد ، لأن زيداً يزعم أن عمراً وكيل وهو لا يضمن ، وعمراً يزعم أنه استوفى حقه بالحوالة.

143

الضمان والإبراء

(مسألة : ي) : قال المضمون عنه للضامن : ضمنت مالي على فلان ، فأجابه بضمنت أو أنا ضامن أو زعيم كان صريح ضمان أو بغريم مسلم ولم يقل أنا فكناية ، وإن قال : نذرت أو استنذرت بما في ذمته لم يصح لأنه نذر بما لم يملكه ، نعم إن قصد النذر بمثل ذلك لزمه ويصدق في عدم قصده فيهما.

(مسألة) : قال في التحفة : ولو قال أقرض هذا مائة وأنا لها ضامن ففعل ضمنها على الأوجه ، نظير ما يأتي في ألق متاعك في البحر وعليّ ضمانه بجامع أن كلاً يحتاج إليه ، فليس المراد بالضمان ما في هذا الباب اهـ. قال ابن قاسم : قوله ضمنها على الأوجه عبارة العباب ، فلا يصح ضمان ما لم يثبت كأقرضه ألفاً وعليّ ضمانه اهـ. ولم يخالفه في شرحه بل صرح بأن قول أبي شريح بالصحة ضعيف ، وعبارة شرح (م ر) ولو قال : أقرض هذا مائة وأنا ضامنها ففعل ضمنها على القديم أيضاً.

(مسألة) : أبرأت زوجها بعد موته عن المهر أو أبرأت ورثته صح بشروطه ، ومنها علم المبرأ منه جنساً وقدراً وصفة ونوعاً وإلا فلا يصح ، وهذا كما لو أبرأ أحد ورثتها فيصح في حصته فقط بالشرط المذكور ، ثم لو ادعت أنها لا تعلم قدره صدقت بيمينها إن أمكن جهلها ولو كبيرة وبطل الإبراء ، ولا يصح الإبراء عن الإرث إذ ليس ديناً على الزوج ، وإنما تملكه بمجرد موته ، سواء أبرأت الميت أو وارثه ، لأن الأعيان لا يبرأ منها ، بل لو قالت : تركته لباقي الورثة كان لغواً إلا إن نوت تمليكهم بذلك بالنسبة للعين وإبراءهم بالنسبة للدين ، وألفاظ الإبراء : أبرأت وعفوت وأسقطت ووضعت وتركت وحللت وملَّكت ووهبت.

فائدة : قال في التحفة : وطريق الإبراء من المجهول أن يبرئه مما يعلم أنه لا ينقص عن الدين كألف شك هل يبلغها أم لا ؟ وإذا لم تبلغ الغيبة المغتاب كفى فيها الندم والاستغفار له ، فإن بلغته لم يصح الإبراء منها إلا بعد تعيينها بالشخص ، بل وتعيين حاضرها فيما يظهر إن اختلف به الغرض ، ولو أبرأه من معين معتقداً أنه لا يستحقه فبان أنه يستحقه برىء ، ولو أبرأه في الدنيا دون الآخرة برىء فيهما ، لأن أحكام الآخرة مبنية على الدنيا ، ويؤخذ منه أن مثله عكسه اهـ.

(مسألة) : شرط الإبراء كونه من معلوم وغير معلق ولا مؤقت كالضمان ، نعم يصح تعليقه بالموت كالوقف فيكون لهما حينئذ حكم الوصية ، فلو قالت له زوجته : إن مت قبلك فأنت بريء من كذا ، كان وصية لوارث ، فلا بد من الإجازة واعتباره من الثلث ، ولو قال لها في مرضها : أنا بريء من المهر ؟ فقالت : نعم ، ثم برئت من ذلك المرض نفذ الإبراء من رأس المال ، نعم لو ادعت هي أو وارثها أنها غائبة الحس حينئذ ، فإن عرف ذلك منها صدقت بيمينها كوارثها ، وإلا صدق الزوج فيحلف على نفي العلم.

144

الشركة

(مسألة) : أركان الشركة خمسة : الشريكان وشرطهما إطلاق التصرف والبصر إن تصرفا معاً ، فإن تصرف أحدهما لم يشترط إبصار الآخر ، وتصح من ولي بشرط المصلحة وسلامة مال الشريك عن شبهة ، خلا عنها مال المحجور وأمانة الشريك إن تصرف والمال وشرطه خلط لا يتميز إن اتحد نوعه ، فإن اختلف باع بعض ماله ببعض مال الآخر أو وهب أو نذر هذا في غير المحجور ، أما هو فإن علم قدر حصته باع كما ذكر ، وإن جهلت ولم تمكن معرفتها صالح وليه الشركاء بحصة لا تنقص عن نصيبه ، فإذا كانوا ثلاثة مات أحدهم عن محاجير صالح وليهم بحصة لا تنقص عن ثلث المال حال الموت ثم خلطها ، وكون الربح بينهما على قدر المالين بالجزئية ، وإن تصرف أحدهما فقط ، والصيغة بأن يأذن كل منهما للآخر في التصرف إذناً دالاً على الاتجار والعمل ، وشرطه أن يكون بالمصلحة والاحتياط عند الإطلاق كالوكيل وبما قيد عند التقييد ، هذا في الموجود عند العقد ، ويزيد الحادث أن يكون تبعاً للموجود لا استقلالاً كأن يقول : أذنت لك أن تبيع وتشتري في حصتي في هذا وما سيحدث لي من المال ، فعلم أنه لو اكتسب ثلاثة مالاً ثم خلطوا واتجروا فيه ، ثم اتفقوا على أن جميع ما بأيديهم ناصفته لأحدهم ، وناصفته الأخرى لاثنين وأبقوه مخلوطاً ، فإن كان مال من جعل له النصف مثلي مال الآخرين أو أقل ، وحصل ما ذكر ببيع مع علم الحصص أو هبة مع العلم أيضاً ، أو عدم إمكان المعرفة ، أو نذر مطلقاً صحت الشركة بشرط التقابض في البيع والهبة ، وأما تصرفهم قبل الاتفاق وبعده بنحو البيع والقراض والإجارة والعمارة وإخراج الحقوق ودفع الظلمة والقرض والإنفاق والتزوّج والتسري والعتق والضيافة ، فإن كان بإذن من مطلق التصرف سواء الشريك أو نائبه ، وراعى المتصرف ما يلزمه كالوكيل نفذ وإن فسدت الشركة ، وإن لم يكن كذلك فلا ، وإن صحت سواء في ذلك ما فيه تنمية المال وحفظه كالبيع والقراض والعمارة ودفع الظلمة وإخراج الزكاة ، أو ثواب مجرد كالصدقة والعتق

والضيافة ، لأن الإذن فيهما وكالة ، وكذا ما فيه غرض لفاعله كالإنفاق والتسري والمهر والكفارة ، لأنه من باب الأخذ بعلم الرضا الدالّ عليه الإذن ، فإن ظن أن شريكه لا يرضى إلا بالبدل كان المأخوذ من نصيبه قرضاً ضمنياً أو بلا بدل فهبة ، نعم إن طلب الشريك ضمن مطلقاً ضمان غصب إن نفى الرضا وإلا فضمان يد ، وإن كان الإذن المذكور من ولي المحجور ، أو كان الولي هو المتصرف صح بشرطه المارّ فيما فيه تنمية المال وحفظه فقط لا فيما عداهما ، نعم إن قصد التصرف أن ذلك من حصته كان عليه ولا إثم ، وإن لم يقصد أثم وصح إن بقي قدر حصة المحجور وإلا ضمن ضمان غصب ، كما لو كان المتصرف غير مأذون له ، أو لم يستوف الشروط المارّة ، نعم إخراج الشريك زكاة الكل جائز ، وإن لم يأذن شريكه بلا ضمان ، والعتق نافذ في حصة الشريك من موسر ، وطريق إخراج الشريك من مظالم شريكه أن حسب الأعيان التي تصرف فيها ويقوّمها بأقصى القيم مع الاحتياط حتى تتيقن براءة ذمته ، فإن جهل القدر لطول الزمان لزمه ما غلب على ظنه أنه بذمته ، وينبغي له إعطاء زيادة على ذلك كما لو اشترى بذمته ، وحكمنا بوقوع الشراء له لعدم الإذن أو الولاية أو المخالفة ، ونقد الثمن من المشترك فالربح كله له ، لكن فيه شبهة قوية تقرب من الحرام ، فالورع إعطاء الشريك حصته اهـ. وفي ب نحو هذا وزاد : أما ما أخذه بعضهم من أموال الناس قراضاً أو غيره فحكمه مختص بآخذه ربحاً وخسراً ، فلو بنى أحدهم بيتاً من ماله المختص به استحقه ، نعم ما صرفه من المشترك من نحو تمر فيه تفصيل.

(

مسألة : ج) : الشركة الواقعة بحضرموت وهي أن يموت شخص ويخلف تركة فتستمر الورثة وفيهم المحجور والمرأة على إبقاء المال ، ويتصرف الأرشد في ذلك ويأكل الجميع ويضيفون وقد يكون بعضهم أثقل من بعض ، وقد ينمو المال وقد يضمحل ، ويقع النزاع والتشاجر بينهم بعد باطلة على المذهب ، والمخلص من ذلك أن يتفق الورثة مع بلوغ كل ورشده وعلمه بماله من غير غرر على أمر ، ويحصل الرضا وطيب النفس من الجميع فيجري عليهم حكمه ، وإذا لم يحصل رضا فادعى الأرشد أن هذا من كسبه وأقام بينة اختص به ، وإن ادعى بقية الورثة بأن التلف صار بسبب تصرفه الواقع بلا إذن شرعي ولم يقم بينة بالإذن والمشاهدة تقتضي تصرّفه وأقرّ بالتلف ضمن ، وإن حصل للحاكم اشتباه بظهور قرائن قوية تفيد غلبة الظن بظلم أحدهم لآخر واستحقاقه عنده شيئاً معلوماً أو مجهولاً فله الحكم بالقرائن التي هي كالبينة وإلا فيلجئهم إلى الصلح والتصادق ، ولو ادعى أحدهم ديناً على الجميع لم يثبت إلا ببينة.

(مسألة : ج) : مات شخص وترك عقاراً ومال تجارة ، فحصل بين ورثته تقرير الحصص لكل وارث من العقار من غير إقرار ، وأبقوا مال التجارة عند أحد البنين ، وأنفق الكل من الوسط ، ثم حسب مال التجارة بعد فوجد فيه نقص ، فالتركة مشاعة وتصرف الابن صحيح للإذن ، ما نقص إن كان بتفريط منه بتصرف غير مأذون فيه أو إنفاق زائد أو صدقة فعلى الابن فقط وإلا فعلى التركة ، وما أنفقوه في مصروف الدار فعلى كل بقدر ما يأكله وممونه لا بقدر نصيبه من التركة ، إذ لا يحل مال مسلم إلا بطيبة نفس.

(

مسألة : ب) : اشترك رجل وامرأة في مال ورثاه مدة ، والرجل يتجر فيه على القانون الشرعي ، وله مال مختص به غير المشترك يتجر فيه على حدته ومتأمن أيضاً لأناس يتجر لهم ، ثم إن تلك المرأة طلبت قسمة المال المشترك بينهما فأجابها ، وأحضر جماعة من العدول وما معه وتحاسبا في ذلك وتقارّا وتصادقا بحضرة العدول بأنه لم يبق بينهما شيء من المال ، وأن المرأة قبضت جميع مالها من الشركة أصلاً وربحاً من مال ومتموّل ، ولم يبق لها عند الرجل شيء ، وكتبوا بذلك صكاً بحضور المرأة بأنه وقع الانقطاع والانفصال بين فلان وفلانة فيما بينهما على سبيل الشركة المنجزة إليهم بالإرث من مورثهما فلان ، وما كان من مال وعين ودين وأصل وثمر ، وبذلك انقطعت كل دعوى بينهما ، وكل دعوى تدعيها فلانة على فلان باطلة ولاغية ، جرى ذلك حال الصحة والاختيار ، ثم بعد أن تصرف كل فيما خرج له ادعت تلك المرأة على الرجل المذكور بأنه أخفى عليها من المال المشترك ، أو ادعت أنه ظهرت له أموال وديون لم تقسم ، وأنها من ربح المال المشترك وغلته ، صدق بيمينه في أنه لم يخف شيئاً من الربح ، وفي أن ذلك المال الذي ظهر مختص به ليس من ربح المال المشترك إجماعاً في الأولى ، وكما هو مصرح به في المتون في الثانية ، كما لو ادعت فساد الشركة بإخلال ركن أو شرط ، وادعى هو صحتها فيصدق بيمينه أيضاً كما في التحفة وغيرها ، فيما إذا ادعى أحد العاقدين صحة البيع أو غيره من العقود ، وادعى الآخر فساده بإخلال شرط أو ركن على المعتمد ، فالأصح تصديق مدعي الصحة غالباً لأن الظاهر في العقود الصحة ، وأصل عدم العقد الصحيح يعارضه أصل عدم الفساد في الجملة ، نعم إن أقامت بينة بفساد الشركة المذكورة وأن يده يد عدوان لا يد شركة بل غاصب لها ، قبلت لقول القلائد وغيرها ، إن من أقرّ بعقد كبيع ونكاح ثم ادعى صفة توجب بطلانه قبلت بيِّنته فيحكم بفساد الشركة ، فحينئذ كل ما اشتراه هذا الرجل لنفسه أو في الذمة كما هو العادة يكون

الربح الحاصل منهما له كما هو ظاهر ، وإن نقد ثمنه من مال الشركة ، نعم هو آثم بذلك له حكم الغصب ، وفي ع ش : وأما ما جرت به العادة بين المتعاقدين من أنه يقول : اشتريت هذا بكذا ولم يذكر عيناً ولا ذمة فليس شراء بالعين بل في الذمة فيقع العقد فيه للوكيل ، ثم إن دفع مال الموكل عما في الذمة لزمه بدله من مثل أو قيمة من وقت الدفع إلى تلفه اهـ. وإذا أمرت المرأة المذكورة الشهود أن يشهدوا عليها بما تضمنه الصك المذكور بعد أن قرىء عليها وأقرته كان إقراراً منها به ، كما مال إليه في التحفة تبعاً للغزالي وهو الراجح عند (م ر) في اشهدوا ويغني عن ذلك كله إقرارها الآن بجميع ما تضمنه المسطور منطوقاً ومفهوماً ، فما بقي إلا وجه التعنت الذي جرى الخلاف في أن الدعوى هل تسمع معه أم لا ؟ وإلا فهل يبقى كلام بعد تصرف الشريك على القانون الشرعي ، ثم القسمة الصحيحة بحضور العدول والمصادقة من الشريكين برضاهما بأنه لم يبق إلى آخر ما مر.

(

مسألة : ي) : ادعى بعض ورثة الشريكين أن الدار التي ملكها مورثهم ليست للشركة صدقوا بأيمانهم على نفي العلم حيث لا بينة كما يصدق مورثهم ، إذ ما ثبت للمورث ثبت لورّاثه ، لكن يحلف المورث على البت إذ هو أعرف بقصده ، فلو أقروا بأن الثمن من مال الشركة لزمهم حصة الشريك منه مطلقاً ، سواء ثبتت الدار للشركة أو لهم مؤاخذة لهم بإقرارهم بأخذ مورثهم المال من الشركة وصرفه لنفسه وإلغاء كونه ثمن الدار لزعمهم أنهم مظلومون بأخذ الدار بالبينة فيما لو ثبتت بينة بذلك.

147

الوكالة

فائدة : يشترط تعيين الوكيل فلا يصح : وكلت أحدكما ، نعم إن قال : وكلتك في كذا وكل مسلم صح عند (م ر) والخطيب تبعاً لزكريا خلافاً للتحفة وتعيين ما وكل فيه أيضاً ، فلو قال في كل قليل وكثير بطل إلاَّ إن كان تبعاً لمعين ، قاله في الفتح خلافاً للتحفة والنهاية والإقناع ، نعم إن كان القصد الربح كفى قوله : اشتر بهذا ما شئت من العروض أو ما رأيت فيه المصلحة اهـ فتح وتحفة.

(مسألة) : يجوز التوكيل في قبض الزكاة كما نقله ابن زياد عن النووي واعتمده ، وظاهر كلام أبي مخرمة ترجيحه ، واعتمد ابن حجر في فتاويه عدم الصحة قال : إلا إن انحصر المستحقون بمحل فلمن سافر منهم التوكيل حينئذ لأنهم ملكوها حقيقة.

(مسألة : ي) : الفرق بين الوكالة الصحيحة والفاسدة أن الوكيل يستحق المسمى في الصحيحة وأجرة المثل في الفاسدة ، ولا يأثم كما في التحفة والنهاية ، وقال كثيرون : يأثم بل لا يصح تصرفه في قول ، ويجوز لنحو الوصي والقيم والولي التوكيل فيما لا تليق به مباشرته أو يعجز عنه اتفاقاً ، وكذا فيما يقدر عليه كما رجحه في التحفة ، لكن شرط الوكيل أن يكون أميناً.

(مسألة : ب) : قال (بع) هذا على الخدمة أو على نصف الخدمة ، واطرد عرفهم أن الخدمة أن يعطيه في المائة خمسة قروش مثلاً لزم الشرط المذكور واستحق ما شرط لاطراد العادة بذلك تقديماً للعرف الطارىء على الوضع ، نعم إن فسدت الوكالة استحق أجرة المثل ، فإن كانت هي الخمسة استحقها.

(مسألة : ج) : ابن وبنتان اقتسموا مال مورّثهم وكتبوا بينهم سجلاً وفيه وعليهم ما حدث بعد المخارجة من طلب الدولة في دفعه وفرقه بقدر الحصص ، لم يكن هذا اللفظ توكيلاً في التسليم ، بل لا يجوز لنحو الأخ كزوج إحداهما تسليم ذلك من مالهما لو كان تحت يده إلا بإذن خاص في شيء معين عند مطالبة الدولة ، فلو سلم من ماله فإن كان باقتراض منهما ثبت له وإلا لم يلزم وإن أذنتا في التسليم ، نعم إن كان غبياً جاهلاً رجع حينئذ لجهله ، أما لو سلم من غير إذن اعتماداً على ما سطر فليس له الرجوع مطلقاً ، ولا تسمع دعواه التسليم حينئذ ، بل هي مجرد لجاج يجب زجره عنها اهـ. قلت : صرح في التحفة بأن من قال لآخر : أدّ ديني أو اعلف دابتي ، أو قال أسير : فادِني ففعل المأمور به لا بقصد التبرع رجع على الآمر وإن لم يشرط ، وإن قال له : أنفق على زوجتي أو أعمر داري ونحوهما مما للآمر غرض بذلك وشرط الرجوع رجع وإلا فلا اهـ فليتأمل.

(

مسألة) : قال في التحفة : لو قال لغيره اشتر لي كذا بكذا ولم يعطه شيئاً فاشتراه له به وقع للموكل وكان الثمن قرضاً له فيرد بدله ، وقياسه أنه يكفي : ضحّ عني ويكون ذلك متضمناً لاقتراضه منه ما يجزي أضحية ، أي أقل مجزىء لأنه المحقق ، ولإذنه له في ذبحها عنه بالنية منه.

(مسألة : ب) : وكل آخر في شراء شيء وقال له : أدّ الثمن قرضاً عليّ ، أو أعطاه إياه فتصرف فيه بإذن الموكل أو علم رضاه ، ثم اشترى ما وكل فيه في ذمته بنية الموكل ، فالذي يظهر أنه يقع للموكل في الصورتين وإن لم يسمه في صلب العقد ، إذ التسمية غير شرط للصحة كما في التحفة ، والفرق بين هاتين وما ذكروه في مبحث بيع الفضولي من وقوعه للمباشر ، فيما لو اشترى بمال نفسه أو في ذمته لغيره بلا إذن وإن سماه أو به ولم يسمعه بل نواه أنه ثمّ لم يكن له عليه شيء ولم يلتمس اقتراض الثمن ، فإذا لم يسمه وقع للمباشر والنية لا تؤثر في مثل ذلك.

(مسألة : ش) : وكله في شراء بضاعة ، وأن يؤدي الثمن من ماله صح ، وصار الثمن قرضاً على الموكل يرجع به عليه لو تلفت البضاعة بلا تقصير ببينة أو حلف الوكيل لم يضمنها والثمن بحاله ، ولو وكله في فداء عين من يد ظالم ودفع له مالاً فسلمه للظالم قبل رد العين ضمن ما لم يقبض منه العين ويردها للموكل ، نعم إن قال له الموكل : لا تسلم المال حتى يرد العين ضمن مطلقاً لمخالفته ، فكان دفعه لا عن جهة الوكالة.

(مسألة) : أذن لآخر في الإنفاق على أولاده أو زوجته أو عمارة ماله ونحو ذلك صدق المنفق في الإنفاق وفي قدره بيمينه ، وإن أنكر المنفق عليه أي في القدر اللائق ما لم يقدر له شيئاً معلوماً وإلا صدق في القدر فقط ، ومثله مأذون الحاكم في الإنفاق على نحو محجور أو مال غائب اهـ ، نقله العلامة علوي الحداد عن جمع.

(مسألة : ش) : وكله في شراء مسكة وأعطاه دراهم وقال له : أوف باقي الثمن من مالك وأرسل بها مع من كان ، فإن لم يبين جنسها ولا اطرد عرف بشراء مسكة الفضة مثلاً لم يصح التوكيل ، فإذا اشتراها بعين مال الموكل أو أضافه إلى ذمته لم يصح الشراء ، فيلزم رد الدراهم إلى مالكها والمسكة باقية على ملك بائعها ، فلو تلفت في الطريق مع شخص أرسلها معه الوكيل رجع البائع على ما شاء والقرار على الذي تلفت تحت يده ، وإن بين الموكل أو اطرد العرف كما ذكر صح شراؤها للموكل ورجع الوكيل بما سلمه من ماله ، وإن لم يقل له لترجع عليّ ، ولا يضمنها إن أرسلها مع أمين في رفقة يأمن معهم ، فلو قصر أرجع الموكل على من شاء منهما إن تلفت والقرار على الرسول ، وإن قصر أحدهما اختص الضمان به ، وليس قول الموكل لوكيله : أرسلها مع من كان إذن في الإرسال مع غير الأمين ، كما لو قال : وكل من شئت.

(

مسألة : ب) : لا يخفى أن مرسل الدراهم من جاوة لنحو أرحامه لا يطلق غالباً على الرسول إلا بضاعة أو نقداً لا يروج في بلد المرسل إليهم ، ثم يأذن له في بيع البضاعة وصرف النقد ، ويكتب إليهم صدر صحبة فلان كذا قرشاً باعتبار ما يؤول إليه الحال ، وقد يكتب المرسل معه لوكيله : أطلق على فلان كذا من الفرانصة إرسالاً له صحبتنا من فلان ، ويفعل الوكيل ما أمر به ، وقد يكون ذلك قبل بيع البضاعة وصرف النقد ، ثم قد لا تحصل مع الوكيل دراهم فيستقرضها من آخر ويسلمها للمرسل إليهم ، وجرت العادة بهذه المعاملة من غير نكير ممن بجاوة ، وما غرضه إلا أن يصل إلى المرسل إليه ما عينه له مع تحققه أنه غير المال الذي أرسله وإنما هو بدله ، فإذا عرفت هذا ظهر لك أنه لو أرسلت إلى شخص دراهم ليفرقها على غيره بحضرموت فبقيت في أحد البنادر ولم يتيسر خروجها إلا إن حوَّل بها غيره ففعل ذلك واستلم من المحتال دراهم حاضرة أن له تفريقها حينئذ ، وإن لم يستلم معطي الدراهم بدلها لإذنه في التصرف فيها فتقع على حسب ما فرقها صاحب جاوة ، ويبرأ الكل بذلك باطناً فغلبة ظن برضا في ذلك ، ولا ينبغي البحث على ما يقتضيه الظاهر لما يترتب عليه من الضرر المفضي إلى ترك المواصلات والزهد عن حمل هذه المكرمات ، لا سيما مع فساد المعاملات وعلم الرضا مع الاستيفاء من جملة المجوّزات ، وقد اغتفر الشرع أشياء كثيرة من المحظورات لمسّ الضرورات.

فائدة : أفتى محمد صالح الريس فيمن أرسل مع غيره دراهم أمانة يوصلها إلى محل آخر ، وأذن له في التصرف فيها بأخذ بضاعة ، وما ظهر فيها من ربح يكون للأمين في مقابلة حمله الدراهم وإعطائها المرسل إليه كالأجرة ، بأنه إن كانت الدراهم المذكورة ملكاً للمرسل وأذن كذلك جاز ، وكان الرسول ضامناً وحكمه حكم القرض حتى تصل إلى المرسل إليه ، وإن لم تكن ملكه ولم يأذن مالكها في التصرف لم يجزه ذلك ، بل يضمنها الحامل ضمان غصب والمرسل طريق في الضمان لو تلفت.

(مسألة : ش) : وكل شخصاً في بيع أمة وآخر في تزويجها فوقع العقدان معاً صح البيع دون النكاح ، كما أفتى به القاضي حسين ورجحه في العباب ، وإن بحث في التحفة أن التبادر بطلانهما.

فائدة : وكل اثنين في عتق عبد فقال أحدهما : هذا ، وقال الآخر : حر في عتق بناء على الأصح أن الكلام لا يشترط صدوره من ناطق واحد ، وقول بعضهم يشترط مردود بأن هذا لم يحفظ عن نحوي بل عن بعض الأصوليين ، هذا ما أشار إليه الأسنوي وهو أصوب ، لأن اللفظ حيث أمكن تصحيحه لم يجز إلغاؤه اهـ تحفة.

(

مسألة) : وكل شخصاً في بيع نخلة فباعها الوكيل من زيد والموكل من عمرو ، فإن تصادق المشتريان على تقدم أحد الشراءين أو قامت بينة بذلك فالصحيح الأوّل ، وأن يعلم السابق فالقول قول من هي بيده ، فيحلف على نفي العلم بتقديم شراء الآخر ، فإن لم تكن بيد أحد لم يصدقا بل يتركان حتى يقرأ أحدهما للآخر.

(مسألة : ش) : أذنت لوليها في تزويجها بعد كل طلاق وعدة ، أو وكل الولي آخر في تزويجها كذلك بعد إذنها له صح الكل ، واستفاد به تكرير العقد مرة بعد أخرى ، لأنه توكيل فيما سيملكه تبعاً لمملوك ، كما لو وكله في بيع عبده وأن يشتري بثمنه كذا ، أو وكله في كذا وكل مسلم أو في طلاق من سينكحها تبعاً لمنكوحه ، أو أذن لعبده أن يتزوّج الآن ، وكلما طلق يجدد هذا إن كانت حال إذنها أو توكيله خالية عن موانع النكاح ، وكذا لو أذنت وهي منكوحة أو معتدة على المعتمد لا إن وكل الولي حينئذ خلافاً للقماط ، لكن لو زوّج الوكيل هنا صح النكاح لعموم الإذن ، كما لو قال له : إذا جاء رأس الشهر بع هذا العبد فينزل على التعليق ولا يضر حذف الفاء.

(مسألة : ش) : وكل عبد ، أن يشتري نفسه من سيده صح ، لكن لا بد أن يقول : اشتريت نفسي لموكلي ، فإن لم يقل ذلك انعقد العقد لنفسه وعتق ، ويصح توكيله أيضاً ، في شراء شيء من سيده ، ولا يشترط ذكر الموكل عند العقد ، ويقبضه الموكل بنفسه أو يوكل آخر لا العبد المذكور ، لأن يد العبد كيد سيده فكأنه اتحد القابض والمقبض.

(مسألة : ك) : وكله في شراء شيء لم يكن له أن يشتري من نفسه أو نحو طفله كما لا يبيع منهما ، وإن أذن له الموكل وقدر له الثمن ونهاه عن الزيادة لتضادّ غرض الاسترباح لهم والاستقصاء للموكل ولاتحاد الموجب والقابل ، ولا أن يوكل من يقبل لموكله لعدم جواز التوكيل فيما يتأتى منه فعله.

(مسألة) : أودعه جماعة درهم يشتري بها طعاماً من محل كذا ، لم يجز له خلطها إلا بإذنهم وإلا ضمنها ، ثم لو اشترى لأحدهم بدراهم الآخر ، فإن كان بعين المال بأن قال : اشتريت هذا الطعام بهذه الدراهم لم يصح الشراء فيرد الطعام لبائعه والدراهم للوكيل ، فإن تعذر حصلت المقاصة بأن يبيع الوكيل الطعام ويأخذ ما سلمه من ثمنه ولا ينعزل بذلك ، وإن اشترى في الذمة وسلم دراهم الآخر وقع الشراء لمن قصده به ولزمه مثل الثمن للبائع ورد الثمن منه وهو مضمون عليه في الصورتين ، وإذا اشترى الطعام ونقد الثمن برىء من ضمانه.

(مسألة) : أَعطى آخر لباناً يبيعه في الهند ويعطي فلاناً من ثمنه أنفاً له على الموكل ، فبلغ الوكيل وخرج ولم يعط الدائن شيئاً ثم غرقا هو والمال في البحر ، فإن ثبت ولو بشاهد ويمين بيعه اللبان وتسلمه من الثمن ولو الألف وخروجه بها وقد تمكن من الأداء ، وحلف الدائن يمين الإنكار ضمن الوكيل الألف في تركته لتقصيره بالمخالفة بسفره بالمال ، وإن لم يثبت ذلك كله فلا ضمان لأنه أمين ، وربما تلف اللبان قبل بيعه أو لم يتسلم الثمن أو تسلمه ولم يتمكن من إعطاء الألف ، وأما الزائد على الألف ففيه تفصيل يأتي الآن.

(

مسألة : ش) : وكيل يقبض دين من غرماء مرض مرضاً مخوفاً لزمه ردّ ما قبضه لمالكه وهو الأولى ، أو الإيصاء به مع تمييز صفاته إلى قاض أو عدل ، فإن لم يفعل ضمن إلا إن مات فجأة ، فلو أوصى للموكل بشيء وادعى أنه لم يقبض سواه وصدقه الموكل فلا اعتراض له على وارثه ، بل له الدعوى بالباقي على الغرماء ، فإن أثبتوا الدفع إلى الوكيل انصرفت عنهم الدعوى ، ولا يثبت ذلك في تركة الوكيل لاحتمال تلفه بلا تقصير ، وإن ادعى على ورثة الوكيل أن مورثهما قبض الدين وهو كذا وهو باق في التركة يلزمهم تسليمه إليه ، فإن أقام بينة بذلك غرموا في التركة وإلا فعليهم يمين بنفي العلم ، وإن ردوا اليمين عليه حلف على البت وغرموا أيضاً.

(مسألة : ك) : وكل آخر يستأجر له باليمن من يحمل صناعته التي فيه في مركب إلى جدة ، فخالف الوكيل واستأجر مركباً من جدة يحمل البضاعة ضمن الوكيل لمخالفته ما عينه الموكل ، نعم إن قدر له الأجرة ولم ينهه عن الاستئجار بغير اليمن جاز له الاستئجار من غيرها ، وهل يضمن ظاهر كلامهم في التوكيل في البيع الضمان ، ولكن الفرق ظاهر ، إذ في مسألة البيع نقل المبيع إلى غير البلد بخلاف ما هنا.

(مسألة : ي) : لا يصح توكيل غيره فيما وكل فيه ، إلا أن يأذن له الموكل ، أو لا تليق به مباشرته ، أو لا يحسنه ، أو يشق عليه مشقة لا تحتمل أو يعجز عنه ، وعلمه الموكل في الكل ، ويجب على الوكيل موافقة ما عين له الموكل من زمان ومكان وجنس ثمن ، وقدره كالأجل والحلول وغيرها ، أو دلت عليه قرينة قوية من كلام الموكل أو عرف أهل ناحيته ، فإن لم يكن شيء من ذلك لزمه العمل بالأحوط ، نعم لو عين الموكل سوقاً أو قدراً أو مشترياً ، ودلت القرائن على ذلك لغير غرض أو لم تدل وكانت المصلحة في خلافه ، جاز للوكيل مخالفته ولا يلزمه فعل ما وكل فيه ، وإن سافر بالمال إلى بلدة بعيدة وله عزل نفسه فيرده للموكل أو وكيله ، وإلا فقاضٍ أمين ثم عدل ويشهد بذلك إذا عرفت ذلك ، فإذا أعطى جماعة أميناً دراهم يشتري بها طعاماً من بلد كذا ، وأمره بعضهم بالإتيان به في ساعيته ، وبعضهم بالإتيان به معه ، وبعضهم لم يشترط شيئاً ، فما اشتراه وأطلعه معه في تلك الساعية صح شراؤه للموكلين ، وحكمه أمانة لامتثاله ما أمر به ، وما دفعه لغيره أثم به ، وصار ضامناً للمدفوع لتوكيله غيره مع القدرة ، ومخالفته ما عينه الموكل ، أو دلت القرينة في حالة الإطلاق ، ثم إن اشترى المدفوع إليه بعين مال الموكلين كاشتريت هذا الطعام بهذه الدراهم فالشراء باطل ، والطعام باق على ملك بائعه مضمون على مشتريه أو في الذمة كما هو الغالب ، ثم نقد تلك الدراهم فالشراء له ، ويرجع الموكلون في الصورتين على من شاءوا من الوكيل والمشتري والبائع ، والقرار على المشتري إن تلف الطعام في يده ، فإن قبضها من الوكيل تخير بين الرجوع على المشتري والبائع ، وإن قبض هو أو هم من المشتري رد الطعام على مالكه ورجع بدراهمه إن بطل البيع ، ولا رد ولا رجوع إن صح ، وإن قبضوا من البائع رجع على المشتري بطعامه في الأولى وبثمنه في الثانية ، هذا حيث صادق المشتري والبائع الوكيل في أن الدراهم لموكليه ، أو ثبت ببينة أو اليمين المردودة ، فإن

كذباه وحلفا على عدم علمهما بوكالته لم يطالبا بل يغرم هو ، وإن صدقه أحدهما رجع عليه ، ولا يطالب الوكيل بالطعام أبداً إذ لا يلزمه امتثال ما وكل فيه كما مر ، وإذا أطلع المشتري المذكور الطعام في سفينته ضمنه لبائعه إن بطل شراؤه فيرده سالماً ، ومثل ما تلف بنحو رمي ، ولا أجرة له على حمله مطلقاً لأنه إما غاصب أو مالك ، نعم إن قال له الوكيل : اشتر بهذه الدراهم طعاماً لي أو أطلق فلم يقل لي ولا لموكلي فاشتراه في الذمة قاصداً الوكيل وقع للوكيل فيكون كالمشتري فيما ذكر ، وعليه نول ما سلم من الطعام وهو أجرة المثل لا ما رمي في البحر ، بل يضمنه الرامي للوكيل ، ولو دفع الوكيل بعض الدراهم الموكل فيها إلى شخص يسلمها لآخر فسرقت أو غصبت ضمناها ، والقرار على المدفوع له إن علم عدم الإذن في تسليمها ، واللازم على الوكيل عند سفره دفع المال إلى قاض أمين ثم عدل غني ، ويشهد ويخبر أهلها بذلك. واعلم أنه متى حكم الشرع برجوع أحد المطالبين على الآخر كما في هذه المسائل فطالبه صاحب الحق لزمه التسليم حالاً ، وإن كان من يرجع عليه غالباً أو مفلساً أو ظالماً أو ميتاً لا تركة له ونحوه ، ولا يكون ذلك عذراً كما لا يعذر بجهله بالحكم.

(

مسألة : ش) : الوكيل بالبيع مطلقاً ، يجوز له البيع بالفلوس الرائجة والعرض المتعامل به ، إذ المراد بنقد البلد المتعامل به غالباً نقداً كان أو عرضاً ، فلو أعطاه مناقير فلوساً وقال له : اصرفها وأعطني حرفاً ، فإن قصد توكيله في صرفها أي بيعها بحرف فللموكل صرفها ، كذلك فلو أتلفها لزمه مثلها عدداً لا وزناً ، وإن فرض أن لا قيمة لها الآن ، فإن فقد المثل فأقصى قيمها ، وإن قصد صرفها في حوائجه كان قرضاً صحيحاً يجب رد مثله ثم قيمته وقت المطالبة إن أراد بإعطاء الحرف الفلوس أو اطرد التعبير به عنها ، وإن أراد بإعطاء الحرف الرهن فقرض فاسد ، فإنه شرط جر نفعاً للمقرض فترد باقية وبدلها تالفه ، وأقصى قيمها مفقودة.

(مسألة : ش) : ليس الإذن في التصرف بنحو البيع في المال الزكوي إذناً في إخراج زكاته مطلقاً ، سواء جاز التصرف في كله كالتجارة والمعشر بعد الحرص أم لا ، لأنه إذا كان التوكيل في إخراجها ليس توكيلاً في النية من غير تصريح به ، مع أن النية من الماهية لكونها ركناً فأولى ذلك ، فلو أخرجها حينئذ لم تقع زكاة فترد باقية وإلا فبدلها ، والدافع طريق في الضمان ، والزكاة باقية بذمة المالك.

(مسألة) : قال لآخر : بع هذا بمكان كذا ولك من ربحه الربع مثلاً ، فسدت الوكالة لفساد الصيغة بجهالة الجعل ، ونفذ تصرفه لعموم الإذن ، واستحق أجرة المثل ، ربح أم لا ، ولو وكله أن يبيع بمكان كذا ويشتري بثمنه كذا صح ، واستحق الجعل كاملاً بإتيانه بجميع ما أمر به من البيع والشراء ، فإن باع ولم يشتر ما أمر به فهل يستحق قسطه كالأجير إذا تعذر عليه بعض العمل أم لا ؟ كالجعل لا يستحق إلا بتمام العمل محل نظر ، نعم قد يؤيد الأوّل ما حكاه ابن حجر في فتأويه عن العمراني أنه لو استأجر أجيراً لحمل كتاب إلى آخر وردّ جوابه فأوصله ولم يرد جوابه فله من الأجرة بقدر ذهابه ، بل قال القاضي : لو وجد المكتوب إليه غائباً استحق القسط ولا عبرة بعرف يخالفه اهـ. ولا يلزم الوكيل فعل ما وكل فيه ، ولو بجعل ما لم تكن بلفظ الإجارة بشرطها ، ويجوز له عزل نفسه قبله وبعده وبعد الشراء ، وحينئذ يودعه أميناً ، ولا يجوز رد الثمن دراهم حيث لا قرينة ظاهرة تدل عليه لعدم الإذن ، بل يضمنها حتى يقبضها مالكها ، نعم إن علم أنه لو عزل نفسه في غيبة المالك استولى على المال جائر حرم العزل كالوصي بل لا ينفذ حينئذ.

(مسألة : ش) : دفع لوكيله مالاً ليشتري له عيناً ثمنها عشرون باتفاقهما فاشتراها وسلمها للموكل ، ثم ادعى عليه أنه لم يقبضه إلا خمسة عشر ، وقال للموكل : بل جميع الثمن ، فإن طالب البائع الموكل بالزائد فسلمه ثم طلبه من الوكيل لزعمه تسليم الكل إليه فأنكره الوكيل صدق بيمينه ، وإن دفع الوكيل إلى البائع الجميع ابتداء أو بعد مطالبته له ثم أراد الرجوع على المالك بالزائد ، فإن كذبه بالدفع من مال نفسه كأن قال : كل المدفوع مالي الذي دفعته إليك ، فالوكيل حينئذ يدعي أنه أدى دينه بإذنه الذي تضمنه التوكيل في الشراء بالعشرين مع عدم إقباضه إلا خمسة عشر ، والموكل ينكر الإذن في الأداء ، بل وينكر الأداء عنه ، فيصدق بيمينه في أن الوكيل لم يدفع عنه الخمسة من ماله ، وإن صدقه في ذلك مع اعترافه بمقتضى الرجوع لنحو غيبة الزائد حال العقد ، فللوكيل الرجوع عليه بها لاعترافه بمقتضاه ، نعم للموكل تحليف الوكيل أنه لم يقبض سوى الخمسة عشر.

(

مسألة : ش) : ادعى الوكيل أو الضامن أنه أشهد على الأداء ومات الشهود أو غابوا ، وأقام بينة على مجرد الإشهاد من غير ذكر متعلقه وهو الأداء لم تسمع ، كالشهادة بمجرد رؤية الهلال من غير تقييدها بليلة ، وإن شهدت أنه أشهد بالأداء إلى الدائن تضمن ذلك الشهادة بالأداء نفسه وثبت الأداء ، وما يترتب عليه ضمناً ، كما لو شهدت البينة أن زيداً وكل عمرو بن خالد فتتضمن الشهادة بنسب عمرو لخالد.

(مسألة : ج) : الوكيل بالتصرف في المال لا يزوّج العبد إلا بإذن في ذلك له أو للعبد ، ولو تصرف الوكيل جاهلاً بعزل الموكل له بطل تصرفه على الصحيح وضمن ما باعه على الأوجه ، لأن الجهل لا يؤثر في الضمان ، وقيل لا ينعزل حتى يبلغه الخبر.

(مسألة : ج) : وكيل غائب على عقار ادعى عليه آخر أنه اشتراه فصدقه من غير بينة وسلم العقار وثمن غلاته ، ثم أتاه مكتوب من الغائب بحفظ المال لم يمكن من انتزاع العقار بعد تصديقه لمشتريه ، وأما الدراهم ثمن الغلة فيرجع بها على الآخذ إذ لا تدخل في البيع.

(مسألة : ي) : ادعى الوكالة على أمين فصدقه ودفع إليه المال ، فلما طلب منه الحساب كذبه في وكالته ، لم يقبل تكذيبه ولم يجز ردّ المال إليه ، لأنه بتكذيبه للوكالة بعد الدفع ناقض تصديقه له فلا تسمع دعواه ، ولأنه بدعواه عدم الوكالة صار فاسقاً معزولاً لدفعه المال إلى من ليس بوكيل في زعمه.

152

الإقرار

(مسألة : ش) : أقر بحرية نصف عبد ثم اشترى نصفه ، فإن قصد أحد النصفين عمل بقصده ، وإلا نزل البيع على النصف الذي لم يقر بحريته ، إذ لو نزل على النصف الآخر لم يكن قوله اشتريت مفيداً ترتب الأثر ، ويصان كلام المكلف عن الإلغاء ما أمكن ، ويحتمل تنزيله على النصف الآخر.

(مسألة : ش) : طولب بدين عليه وله مال فأقر ببيعه لابنه الطفل في مقابلة ما أخذه من أمواله صح إقراره بذلك وإن كان مديناً بل أو محجوراً عليه بفلس ، كما لو أقر له بدين أسنده لما قبل الحجر ، لأن نحو الأب المتصف بصفة الولاية ولي طفله فإقراره له وعليه صحيح ظاهراً وباطناً إن صدق وإلا فظاهراً فقط ، نعم للدائن تحليف المقر له بعد كماله أنّ باطن الأمر كظاهره ، كما أن للمقر ثم وارثه تحليف المقر له ثم وارثه ، إنّ إقراره عن حقيقة ، سواء ذكر لإقراره تأويلاً أم لا ، أقر بمجلس القضاء بعد الدعوى عليه أم لا ، أقر بعد أنّ إقراره عن حقيقة أم لا ، لاحتمال ما يدعيه وإمكانه.

(مسألة : ج) : أقرت بأنها باعت من أخيها جميع ما خصها في أبيها وقبضت الثمن والحال أنها رشيدة وأشهدت على ذلك صح إقرارها ، ثم إن اتهم الأخ أو كان وارثاً فعليه يمين بأن الإقرار عن حق.

(مسألة : ك) : أقر بأن البيت وما فيه ملك زوجته نفذ إقراره ولو في مرض الموت ويصدق الوارث بيمينه ، فيما إذا ادعى أن بعض المتاع لم يكن موجوداً عند الإقرار ، فيحلف على نفي العلم ما لم تقم ببينة بوجوده.

فائدة : يصح إقرار المريض مرض الموت لأجنبي ، وكذا الوارث على المذهب وإن كذبه بقية الورثة ، لأنه انتهى إلى حالة يصدق فيها الكذوب ويتوب فيها الفاجر ، فالظاهر صدقه ، واختار جمع عدم قبوله إن اتهم لفساد الزمان ، بل قد تقطع القرائن بكذبه ، فلا ينبغي لمن يخشى الله تعالى أن يقضي أو يفتي بالصحة ، ولا شك فيه إذا علم قصده الحرمان ، وقد صرح جمع بالحرمة حينئذ ، وأنه لا يحل للمقر له أخذه ، ولبقية الورثة تحليفه أنه أقر له بحق لازم يلزمه الإقرار به ، فإن نكل حلفوا وقاسموه ، ولا تسقط اليمين بإسقاطهم فلهم طلبها بعد ذلك اهـ تحفة.

(مسألة : ي) : أقر مكلف بعين أو دين لأبيه ولم يكذبه المقر له صح وصار المقرّ به للمقر له سمع الإقرار وقبله أم لا ، وحكم له بذلك حتى لو مات قبل علمه ملكه وارثه ، فلو قال بعد إقراره : إن بعض ما ذكر أخذ غصباً ، فإن صرح في الإقرار بأن المقر به دين لم يلتفت لقوله ، أو بأنه وديعة ونحوها من الأمانات قبل قوله كوارثه بيمينه ، وإن أتى فيه بما يحتمل الدين والأمانة ، فيما فسر به لفظه هو أو وارثه ، فلو كان المقر له غائباً وادعى غرماؤه عليه ديناً وثبت عند الحاكم بشرطه لزمه إيفاؤهم من مال الغائب ، ومنه هذا المقر به إن علمه القاضي أو أثبته الغائب أو نائبه ، وإذا أوفاهم الحاكم من المقر به لم يلزمهم إعطاء كفيل خشية تكذيب المقر له المقر فيبطل الإقرار ، كما لو أقر لنحو محجور لا يلزم الولي كفيل خشية تكذيب المحجور بعد رشده كما في التحفة ، فإن لم يعلمه القاضي ولم يثبت عنده كما ذكر لم يمكن الغرماء الإثبات للوفاء منه ، لأن غريم الغريم لا يدعي لغريمه شيئاً ، هذا إن لم ينحصر إرث الابن المقر في أبيه المقر له ، وإلا فلا فائدة في دعوى الغصب وإثبات الإقرار ، إذ ما خلفه المقر المذكور ملك أبيه.

(

مسألة : ش) : لما أقر بأن عليه لزيد درهماً أو صاعاً كل سنة أو شهر أو يوم صح الإقرار ، واحتمل كونه بذمته بطريق النذر وحمل على مدة حياته ، ويبعد القول ببطلانه أو بحمله على الأول منها فقط ، وتحمل السنة والشهر على الهلالية ما لم يطرد عرفهم على غيره كالرومية وعلى آخرهما إن أطلق ، وكذا إن قال : أردته وحلف أو صدقه المقر له ، ولا تسمع دعواه إرادة سنين معينة إلا بتحليف المقر له ، فإن صدر الإقرار المذكور في مرضه المخوف ولم يسنده إلى نذر سابق كان من الثلث.

(مسألة : ش) : يصح إقرار المريض بالطلاق مطلقاً أسنده إلى الصحة أم لا كإنشائه ، ثم إن كان الطلاق الذي أقر به أو أنشأ بائناً أو انقضت عدة الرجعية لم ترثه على الجديد المفتى به وعلى القديم ، وذهب إليه الأئمة الثلاثة : ترثه ، بل وإن انقضت عدتها وتزوجت عند مالك.

(مسألة : ش) : أقر بدين الآخر لدى الحاكم وكتب به سجلاً فطالبه المقر له فادعى الإكراه ، فإن أقام ببينة مفصلة للإكراه حكم بعدم صحته ، سواء الحاكم الأول وغيره ، وليس هذا نقضاً لحكمه ولا لصحة الإقرار ، لأنه بناء على أمر ظاهر فبان خلافه ، فإن أقاما بينتين قدمت بينة الإكراه لأن معها زيادة علم ما لم تقل بينة الاختيار كان مكرهاً فزال الإكراه ثم أقر فتقدم حينئذ وحيث لا بينة صدق المقر له ووارثه فيحلف على نفي العلم ، نعم إن دلت قرينة على الإكراه صادق بها المقر له أو أثبتها المقر كحبس وقيد وتوكيل به صدق المقر.

(مسألة : ش) : قال : هذه العين كانت لأبي ولم يزد إلى أن مات وخلفها تركة مثلاً لم يكن إقراراً على الأوجه ، نظير ما لو قال : كان لك عليّ كذا أمس ، نعم إن كان ذلك في جواب دعوى من الورثة فإقرار ، والفرق أن الكلام ابتداء قد يكون مبنياً على التجوز وعدم التحرر ، بخلاف الواقع في المحاورات ، لأن المتكلم حينئذ يحرص على التحرز خوفاً من لزوم المدعى به فيبعد صدوره عن العبث.

(مسألة : ب) : وجد في نظير شخص عندي لفلان كذا ولفلان كذا ، لم يكن مجرد ما في النظير إقراراً ، بل لو قال : اكتبوا لزيد عليّ ألفاً لم يكن إقراراً ، لأنه إنما أمره بالكتابة فقط ، لأن أصل ما ينبغي عليه الإقرار اليقين وطرح الشك ، ولا يقين مع مجرد الكتابة ، فلا يترتب على جميع ما في النظير من الإقرار وغيره حكم وإن تحقق أنه قلمه اهـ. وعبارة ش : سئل مريض عن ديونه فقال : لفلان كذا وفلان كذا ، فقيل : وأولاد أخيك ؟ فقال : ذمتي ناشبة بحقهم ، فقيل : كم حقهم ؟ فقال : هو محفوظ في تنزيلي فوجد فيه قدر معلوم مكتوب باسمهم ، فقوله : ذمتي ناشبة بحقهم إقرار بمبهم يجب بيانه ويقبل ولو برد سلام ، وليس قوله في تنزيلي تفسيراً مقنعاً فيطالب هو ووارثه بتفسيره ، نعم إن قال في هذا التنزيل مشيراً إلى كتاب كان تفسيراً صحيحاً معوّلاً على ما فيه ، كما لو قال : ما وجد في دفتري فهو صحيح ، وحينئذ فما تيقن كونه مكتوباً حال إقراره وتفسيره استحقه المقر له وما شك فيه لم يستحقه اهـ. قلت : ونقله في التحفة عن السبكي وأقره.

(

مسألة : ش) : قال إمامنا الشافعي رحمه الله تعالى : أصل ما أبني عليه الإقرار أن ألزم اليقين أي أو القريب منه وأطرح الشك ، ولا أستعمل الغلبة أي حيث لم تطرد بحيث لا يفهم من اللافظ بها غير الإقرار ، وحينئذ فلو قيل لشخص : عليك دين لفلان ؟ فقال : نعم ، فقيل : عشرون ذهباً ؟ فقال : أكثر ، قيل : ثلاثون ؟ قال : على هذا القياس ، فقوله نعم كمرادفها إقرار بمبهم ، ولا يقتضي قوله أكثر تفسيره بأكثر من عشرين بل ولا بالعشرين ، إلا إن أراد بأكثر أنه أكثر من العشرين ، وكذا إن أطلق على الأوجه فيكون حينئذ مفسراً من حيث العدد مبهماً من حيث الجنس ، فلو فسره بإحدى وعشرين حبة مثلاً قبلاً ، نعم إن اطرد عرفهم بإطلاق الذهب على دينار والذهبين على دينارين كان قوله عليك ذهب لزيد كقوله دينار ذهب ، فيكون من باب حذف المضاف ، وحينئذ فجوابه بأكثر يلزمه من الذهب أكثر من دينار ، وقوله على هذا القياس مبهم أيضاً إلا إن قال : أردت هذا العدد اهـ. قلت : وقوله إحدى وعشرين حبة هل مراده حبة ذهب كما هو ظاهر اللفظ أو أيّ حبة كانت ؟ راجع. وفي المسألة إشكال يتأمل.

154

الإقرار بالنسب

(مسألة : ك) : مات شخص فادعى آخر أنه ابن عمه صدق في استلحاقه ، بشرط أن يكون المقر مكلفاً أو سكران متعدياً ، وأن لا يكذبه الحس بأن يكون في سنّ يمكن أن يكون ابن عمه ، فلو مات عمه منذ عشرين سنة وكان الميت صغير السنّ بحيث لا يمكن أن يكون ابن عمه لغا إقراره ، وأن لا يكذبه الشرع بأن يكون معروف النسب من غيره أو ولد على فراش نكاح صحيح غير فراش عمه ، وإن نفاه صاحب الفراش إذ قد يستلحقه ، وأن يكون الملحق به أي وهو العم هنا ميتاً ، فلو كان حياً لم يصح إقرار ابن العم لاستحالة ثبوت نسبه من العم مع حياته بإقرار غيره ، وأن لا يكون المستلحق قناً أو عتيقاً للغير ، وإلا لم يصح محافظة على حق السيد ، بل لا بد من بينة ، وأن يكون المقر وارثاً حائزاً لتركة الملحق به حال الإقرار ، بخلاف غير الوارث كرقيق وقاتل ، لأنه إذا لم يرث الميت الملحق به لم يكن خليفته في إلحاق النسب به ، فلو كان للملحق به وارث غير المقر المذكور ولو زوجة اشترط موافقته المقر على إقراره.

(مسألة : ش) : يشترط في الإقرار بالنسب كالشهادة والقضاء به بيان سبب الإرث ، فلو أقر أو شهدت بينة أو حكم قاض بأن فلاناً ابن عم فلان لا وارث له سواه لم يثبت بذلك نسب ولا إرث حتى يفصله ويذكر الوسائط بينهما على المعتمد ، نعم إن كان المقر كالشاهد والحاكم ثقة أميناً عارفاً بلحوق النسب صح وإن أجمله ، ولا يثبت النسب إلا بالبينة الكاملة وهي رجلان فقط ، لا بما يثبت به المال مطلقاً ، خلافاً للغزالي والأصبحي في ثبوته بذلك لنحو الإرث والمهر ، نعم الانتساب إلى الذكور يثبت بالاستلحاق ، بخلاف المرأة لسهولة إقامة البينة على الولادة ، أما مجرد الاستفاضة بأن فلاناً ابن فلان أو شقيقه دون الأخ الآخر من غير بلوغ حد التواتر المفيد للعلم فلا يثبت بها ، لكنها تصلح مستنداً للشاهد بشرطه ، بل استوجه في التحفة أنه لا بد مع البينة في نسب ذوي القربى من الاستفاضة ، وأما مجرد وجوب كتاب أو كتب أن فلاناً ابن عم لأبوين مثلاً فليس بحجة يترتب عليها استحقاقه الإرث دون ابن العم الآخر ، ولا مرجحاً من جانبه حتى تكون اليمين في جهته إذ يحتمل تزويره ، نعم لو فرض ذلك في مصنف اعتنى فيه صاحبه بحفظ النسب ، واشتهر بكونه ذا علم بذلك وديانة وورع عن التكلم بلا علم ، ولم يقع فيه طعن من معتبر ، أفاد الحاكم إما علماً ضرورياً أو نظرياً أو ظناً غالباً ، يجوز له الاستناد إليه والحكم بعلمه بناء على الأصح من جوازه في غير الحدود ، وحينئذ لا حاجة إلى يمين المدعي اهـ. وفي ي في مبحث القرابة والرحم في الوقف والوصية لهم : وطريق العلم بذلك إما شهادة رجلين أو كتب النسب الصحيحة كشجرات السادة بني علوي.

(

مسألة : ي) : أحيا مواتاً فادعى شخص أنه ورثه من زيد بالولاء ، لم يحكم له به إلا إن أثبت أن هذا الموات ملك زيد توفي وهو في ملكه ، وأنه وارثه بالنسب أو الولاء ، وذكرت البينة آباء المورث والوارث واحداً واحداً ينسبانهما إلى الجد الجامع لهما ، أو الذي تلقى الولاء عنه مع انحصار الإرث فيه لكونه أرفع درجة أو لم يبق من العصبة غيره.

(مسألة : ج) : مات شخص وله مال معهد عند آخر وله قرابة فادعى كل أنه الأقرب إلى الميت ، فلا بد من بينة بأنه الأقرب لا وارث له سواه ، وإن استندت إلى الاستفاضة لكن جزمت الشهادة ، فإن لم يعرف قارئه لذوي الأرحام فلهم فسخ العهدة وغيره.

(مسألة : ك) : أقرت امرأة أن فلاناً ابن عمها لم يصح الإقرار لعدم استجماع شروطه ، ومنها كون المقر وارثاً حائزاً ، ومعلوم أن المقرة المذكورة ليست كذلك بل غير وارثة أصلاً إذ هي من ذوات الأرحام ، نعم إن شهدت بينة بذلك ، وإن كان مستندها السماع من جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب وحصل الظن القوي بصدقهم ثبت النسب بشرطه ، ولو قال شخص : هذا زوجي فسكت الآخر ومات المقرّ ورثه الساكت ولا عكس ، نعم إن أنكرت المرأة الزوجية صدقت بيمينها ولها الرجوع ولو بعد موته كما في التحفة.

155

العارية

(مسألة : ش) : استعارت رحى لتطحن عليها فانكسرت ، فإن تلفت بالطحن المعتاد لم تضمن ، وإن خالفت العادة بأن دقتها دقاً عنيفاً ضمنت ، فلو اختلفا في أن التلف وقع بالاستعمال المأذون أم لا صدق المالك ، إذ الأصل في وضع اليد الضمان حتى يثبت مسقطه.

(مسألة : ش) : أعار أرضاً مشتركة للبناء بلا إذن بقيمة لشركاء صحت في حصته فقط وتبطل بموته فيستحق وارثه الأجرة من حينئذ ، كما أن حصة البقية لها حكم الغصب فتلزم المستعير أجرتها بالغة ما بلغت ، ويعتبر كل زمان بحالته ، ويرجع بها المستعير على المعير أو ورّاثه بعد التسليم إن لم يستوف المنفعة ، ولهم مطالبة الشريك بالأجرة إن وضع يده على الأرض قبل إعارتها ، ثم يرجع بها على المستعير المستوفي للمنفعة وإلا فلا رجوع.

فائدة : استعار كتاباً فوجد فيه غلطاً هل يصلحه ؟ قال في التحفة : الذي يتجه أن المملوك غير المصحف لا يصلح فيه شيئاً مطلقاً إلا إن ظن رضا مالكه ، وأنه يجب إصلاح المصحف ، لكن إن لم ينقصه خطه لرداءته ، وأن الوقف يجب إصلاحه إن تيقن الخطأ فيه وكان خطه لا يعيبه سواء المصحف وغيره ، وأنه متى تردد في عين لفظ أو في الحكم لا يصلح شيئاً ، وما اعتيد من كتابة لعله كذا إنما يجوز في ملك الكاتب اهـ.

(مسألة : ش) : الأنماط المعروفة باليمن التي يتخذ منها الدراق الذي سمعنا من أهل الخبرة أنها من الحيوان غير المأكول فهي نجسة ، فإذا اختلف المالك والمستعير في أنها عارية أو هبة فحلف المالك على العارية ثم قال المدعى عليه : تلف النمط لم يضمنه إذ لا يضمن النجس ، فلو ادعى المالك طهارته كلف بينة ، ولو فرض أنه أخذ المدعى عليه دابة في مقابلة قيمته كان غاصباً آثماً بذلك.

156

الغصب

(مسألة) : حكم مال المسلم والذمي والمستأمن ، سواء في حرمة الاستيلاء عليه بغير حق بخلاف حربي لم يدخل بأمان مسلم ، فحاله وماله مباح لمن ظفر به ، كما لو دخل مسلم بلادهم بغير أمان منهم فلهم اغتياله.

(مسألة : ش) : مال مشترك بين ثلاثة ، أخذ متغلب ثلثه أو ثلث غلته بالمقاسمة بقصد أنه حصة أحدهم كان الباقي مشتركاً بين الكل ، ولا أثر لقصد المتغلب المذكور ولا للمقاسمة لعدم صحتها ، كما لو أخذ ظالم مال زيد ظاناً أنه مال عمرو لا رجوع لزيد على عمرو ، إذ القاعدة أن المظلوم لا يرجع على غير ظالمه ، بخلاف ما لو اشتركا في عبد فباعه أحد الشريكين مع المتغلب وقبض الشريك حصته ، فلا يشاركه الآخر لأن حصته باقية لم تبع.

(مسألة : ش) : أعطاه جماعة أموالاً يشتري لهم بناً من بلد كذا فنهيت في الطريق لم يضمنها إلا إن خلطها بلا إذن أو كان الطريق غير آمن ثم لو ردّ عليه بعضها ، فإن اختص به بعض كان له فقط ، وإن خلط الجميع ولم يتميز كان كالتالف ، فإذا رد بعضه فقد ظفر أرباب الأموال بذلك فيكون على حسب الحصص ، كما هو شأن المغصوب المخلوط ، فلو أمر الوكيل بعض رؤساء الناهبين أن يقر عند الحاكم بقبض الجميع ويضمن له الباقي فأقر كذلك أوخذ بإقراره ظاهراً وطولب بالمال ، إلا إن أثبت بينة بإكراهه أو دلت قرينة ظاهرة عليه كحبس ، وله تحليف أرباب المال أنهم لا يعلمون صدّق دعواه ، فإن نكلوا حلف المردودة وبرىء ، بل إن قطع بصدقه كبدوي جلف فينبغي تصديقه مطلقاً.

(مسألة : ش) : عقار مشترك وقعت يد أحد الشركاء على جميعه ، فما تحقق كونه غاصباً بالاستيلاء المعروف من غير إذن شريكه تلزمه أجرته بأقصى الأجر إن اختلفت انتفع بالعقار أم لا ، طلب شريكه الانتفاع بحصته أم لا ، إذ ليس لأحد الشريكين الانتفاع بالمشاع بلا إذن شريكه ، فلو بنى أو غرس فيه بلا إذن كلف القلع ، وإن كان يقلع ملكه عن ملكه ، إذ لا يتوصل إلى أداء حق الغير إلا بذلك ، نعم إن كانت حصته متميزة فمانعه الانتفاع غاصب ، وكذا كما لو ترشد أحد الإخوة على أخوته المحاجير من غير وصاية أو إذن قاض واستغلّ أرضهم وأنفق عليهم فيلزمه أقصى الأجر مدة بسطه ، وما أنفقه عليهم بلا إذن فمتبرع به.

(مسألة : ي) : مرض شخص عنده أمانات ، فأوصى بها إلى غير أمين فباعها بأقل أثمانها وتصرف في الثمن ، حكم ببطلان تصرفات هذا الوصي ، لأنه لفسقه وقلة أمانته وعدم الإذن له في التصرف شرعاً فضولي ، فما بدله المشترون من الأثمان يطالبون به ذلك البائع ، وما قبضوه فهو تحت أيديهم كالمغصوب يجب رده لوارث الميت أو وصيه المتصفين بالعدالة.

(

مسألة : ج) : لصاحب العين المغصوبة الدعوى على من هي تحت يده من غاصب وآخذ منه حضر الغاصب أو غاب ويلزم المدعى عليه ردها ، وصورة الدعوى أن يقول : أدعي أن هذه العين غصبها مني فلان واستولى عليها ظلماً وعدواناً ويلزمه ردها ويقيم بذلك شاهدين.

فائدة : غصب بذراً فزرعه وصار حباً فللمالك أخذه مع حبه ، أو ودياً فغرسه فكبر فيكون للمالك ، ولا شيء للغاصب قبل تربيته وغرسه في أرضه اهـ فتاوى أبي مخرمة. ولو كانت الأرض لم تؤجر قط لزم غاصبها أجرة أقرب الأراضي إليها ، ولو نجس ثوب آخر لم يلزمه تطهيره ، بل لا يجوز بلا إذن صاحبه ، سواء كان لغسله مؤنة أم لا ، ويلزمه أجرة الغسل وأرش نقصه اهـ فتاوى ابن حجر. ومنها : وأفتى بعضهم فيما لو أتلف ولد بهيمة فنقص لبنها أنه يلزمه أرشه اهـ. وفي التحفة : وأخذ مال غيره بالحياء له حكم الغصب ، وقد قال الإمام الغزالي : من طلب من غيره مالاً في الملأ فدفعه إليه لباعث الحياء فقط لم يملكه ولا يحل له التصرف فيه ، ولو حمل نحو سيل بذراً إلى ملك غيره فنبت فهو لصاحب البذر ، ويجبره صاحب الأرض على قلعه ، ولا أجرة عليه مدة بقائه لعدم الفعل ، بخلاف ما لو بذره بظن أنها ملكه فتلزمه حينئذ ، ولو نقل سيل تراباً أو حجارة أرض عليا إلى سفلى أجبر صاحب العليا على إزالته اهـ ملخصاً.

(مسألة : ش) : اشترى أو اتهب نخلة صغيرة ونقلها إلى محل بعيد فبانت كلها أو بعضها وقفاً على نحو مسجد وجب ردها إلى محلها ، إن قال أهل الخبرة ولو واحداً : إن ذلك لا يضرها ضرراً بيناً ويأثم العالم بذلك ، فإذا ردّت ولم يحدث عليها تلف أو نقص فلا ضمان ، وإلا لزمه قيمتها أو أرشها ، ويشتري الحاكم إن لم يكن لها ناظر خاص مثلها وإلا فشقصاً ويوقفه ، هذا إن أمكن شراء ذلك ، وإلا كانت ملكاً للموقوف عليه ، كما جزم به في التحفة من ثلاثة أوجه ، وإن ضر نقلها أو نقص ثمرها تركت هناك وعلى ناقلها إيصال ثمرها لمستلحقه ، نعم رأى نحو الناظر نقلها أصلح خوف اندراس الوقف أو عدم إيصال الثمر ، فله تكليفه النقل مطلقاً وحيث بقيت ، فإن نقصت قيمتها باختلاف المحالّ لزمه الأرش اهـ. قلت : وقوله إن لم يكن لها ناظر خاص سيأتي في (ك) في الوقف أن المعتمد أن المتولي شراء بدل الوقف الحاكم مطلقاً وهو كذلك في التحفة.

فائدة : اشترى نخلاً فاستثمره ثم بانت وقفيته ضمن مثل ثمره ، ولا يفيده غلبة ظن استحقاقه له ، ولا يلزم بائعه غير الإثم ، أي وردّ الثمن كما هو مقرر في محله اهـ فتاوى محمد باسودان.

(

مسألة : ش) : المكس والعشور المعروف من أقبح المنكرات بل من الكبائر إجماعاً ، حتى يحكم بكفر من قال بحله ، وليس على المسلم في ماله شيء ، فلو أن رجلاً من أهل الصلاح لم يؤخذ من ماله وسفينته عشور لجاهه وبقي بعده ، أن من فعل سفينة من ذريته لا يؤخذ منه ذلك لم يستحق بقية الورثة عليه شيئاً ، وإن كان إنما ترك لجاه جدّه وهذا ظاهر.

(مسألة : ك) : عين السلطان على بعض الرعية شيئاً كل سنة من نحو دراهم يصرفها في المصالح إن أدّوه عن طيب نفس لا خوفاً وحياء من السلطان أو غيره جاز أخذه ، وإلا فهو من أكل أموال الناس بالباطل ، لا يحل له التصرف فيه بوجه من الوجوه ، وإرادة صرفه في المصالح لا تصيره حلالاً.

(مسألة : ك) : سعى بشخص عند ظالم فأخذ منه مالاً ظلماً بسبب سعايته ، إن عرف ذلك الظالم بأخذ المال ممن سعي به إليه وكان السعي ظلماً كان له الرجوع بما أخذ منه على الساعي فيما يظهر ، كما أفتى به ابن زياد تبعاً لابن عبد السلام والطنبداوي ، وخالفاه في التحفة والنهاية قبيل الدعوى ونسبا ذلك إلى الشذوذ اهـ. وعبارة (ش) السعاية بمظلوم إلى ظالم كبيرة يفسق ويعزر مرتكبها ويكفر مستحلها ، وإذا أخذ الظالم من مال المسعي به شيئاً لم يرجع به على الساعي لقطع المباشرة أثر السبب ، كما لو أكره شخصاً ودابته فسعى به إلى السلطان فأخذ ماله فالضمان على السلطان ، ولا يكون المكره طريقاً في الضمان على المعتمد من أن المباشرة أقوى من السبب ، خلافاً لابن عبد السلام ومن تبعه ، نعم إن أزال الساعي يد صاحب الدابة صار غاصباً لها ، فيكون طريقاً في الضمان قطعاً اهـ. وفي ج : طلبت الدولة مالاً منه ومن إخوته فسلمه من غير توكيل لم يرجع عليهم بشيء ، فلو سعى بهم إلى الدولة فلزمهم بسبب سعايته غرامات ، فللمسعي به مطالبة الساعي بها عند الحاكم فيجتهد في ذلك إذ قد تختلف فيه الأنظار.

158

أحكام الأموال الضائعة والمشتبهة

(مسألة : ش) : انكسر مركب وفيه بضائع لأناس ، فغرق بعضها وسلم البعض ولم يعلم لمن هو ، فإن علم انحصار المتداعين فيه ولو بانتفاء دعوى غيرهم وقف الأمر إلى البيان أو الصلح ولو بتفاوت من كاملين ، ولا يشترط التواهب حينئذ كما قاله في الروضة خلافاً للعباب ، ولا يجوز الصلح على أن يأخذه بعضهم ويعطي الآخر من غيره ، لأن هذا بيع ومن شروطه تحقق ملك العوضين ، وشرط الصيمري لصحة الصلح أن يقول كل للآخر هو له ويسأله حط شيء منه ، ومتى وقع الصلح لم ينقطع حق كل لما أخذه ، فلو ظهر أن ما بيد أحدهم للآخر أخذه ما لم يوجد تواهب ولو ضمناً كأن قسماه برضاهما اهـ. قلت : وذكر في التحفة كلام الصيمري لكن أطال في رده قال : لما يترتب على ذلك من الغرر العظيم ، ومن أخرج متاعاً غرق ملكه عند الحسن البصري وردّ بالإجماع على خلافه اهـ.

(مسألة : ب ش) : وقعت في يده أموال حرام ومظالم وأراد التوبة منها ، فطريقة أن يرد جميع ذلك على أربابه على الفور ، فإن لم يعرف مالكه ولم ييأس من معرفته وجب عليه أن يتعرفه ويجتهد في ذلك ، ويعرفه ندباً ، ويقصد رده عليه مهما وجده أو وارثه ، ولم يأثم بإمساكه إذا لم يجد قاضياً أميناً كما هو الغالب في هذه الأزمنة اهـ. إذ القاضي غير الأمين من جملة ولاة الجور ، وإن أيس من معرفة مالكه بأن يبعد عادة وجوده صار من جملة أموال بيت المال ، كوديعة ومغصوب أيس من معرفة أربابهما ، وتركة من لا يعرف له وارث ، وحينئذ يصرف الكل لمصالح المسلمين الأهم فالأهم ، كبناء مسجد حيث لم يكن أعم منه ، فإن كان من هو تحت يده فقيراً أخذ قدر حاجته لنفسه وعياله الفقراء كما في التحفة وغيرها ، زاد ش : نعم قال الغزالي إن أنفق على نفسه ضيق أو الفقراء وسع أو عياله توسط حيث جاز الصرف للكل ، ولا يطعم غنياً إلا إن كان ببرية ولم يجد شيئاً ، ولا يكتري منه مركوباً إلا إن خاف الانقطاع في سفره اهـ. وذكر نحو هذا في ك وزاد : ولمستحقه أخذه ممن هو تحت يده ظفراً ، ولغيره أخذه ليعطيه به للمستحق ، ويجب على من أخذ الحرام من نحو المكاسين والظلمة التصريح بأنه إنما أخذه للرد على ملاكه ، لئلا يسوء اعتقاد الناس فيه ، خصوصاً إن كان عالماً أو قاضياً أو شاهداً.

(مسألة : ك) : اختلط حال الزوجين ولم يعلم لأيهما أكثر ، ولا قرينة تميز أحدهما ، وحصلت بينهما فرقة أو موت ، لم يصح لأحدهما ولا وارثه تصرف في شيء منه قبل التمييز أو الصلح إلا مع صاحبه ، إذ لا مرجح كما قالوا فيما لو اختلط حمامهما ، وحينئذ فإن أمكن معرفتهما وإلا وقف الأمر حتى يصطلح الزوجان أو ورثتهما بلفظ صلح أو تواهب بتساو أو تفاوت إن كانوا كاملين ، ويجب أن لا ينقص عن النصف في المحجور ، نعم إن جرت العادة المطردة بأن أحدهما يكسب أكثر من الآخر كان الصلح والتواهب على نحو ذلك ، فإن لم يتفقوا على شيء من ذلك فمن بيده شيء من المال فالقول قوله بيمينه أنه ملكه ، فإن كان بيدهما فلكل تحليف الآخر ثم يقسم نصفين.

(

مسألة : ج) : استردّ مالاً من غاصب وأيس من معرفة مالكه كان لبيت المال ثم لمصالح المسلمين العامة وأمان الطرق ونحوها.

(مسألة) : حكم ما يلقيه البحر من الأموال والأخشاب ونحو الآلات من كل ما دخل تحت يد مالك حكم المال الضائع ، إن توقع معرفة ملاكه عادة حفظ وجوباً عند أمين ، ولا يستحق آخذه جعلاً ، وإن تكرر له من بعد أو أطلعه في سفينته ، فإن أيس من معرفة مالكه صرف مصرف بيت المال.

(مسألة : ي) : مرض رجل وعنده أموال ، عروض بعضها أمانة وبعضها قراض وبعضها له أخذهما بذمته ، فأوصى بالجميع إلى آخر يقبضها إلى أن يجيء فلان ومات ، فباعها الوصي بأقل أثمانها وفوّت الثمن ، حكم ببطلان تصرفات هذا الوصي الفاسق ، ووجب رد المال إلى أهله ، ويطالب البائع بالثمن ، ويضمن الميت ذلك أيضاً ، ككل أمين لتقصيرات أربع كل واحدة منها توجب الضمان وهي : تركة الإيصاء إلى عدل ، وتركة الإشهاد على ذلك ، وتركة تمييز ما لكل واحد بما يرفع الاشتباه عنه وتسليطه هذا الفاسق على أمانته ، وإن كان إنما أعطاه بظن أنه أمين فبان خلافه لتقصيره بترك البحث ، ويحكم ظاهراً بأن تك الأموال تركة ما لم يثبت في عين أنها لغيره ، وحينئذ فالواجب لهم على الميت رؤوس أموالهم فقط ، نعم إن تحقق أن أموالهم بضائع ولم يدر أهي هذه أم لا فلهم قيمة بضائعهم في التركة ، ثم إن علم أعيان أهل الدين والبضائع وقدر ما لكل منهم صرف من بيده المال إن لم يكن وارث ولا وصي ثم قاض أمين أثمان البضائع إلى أربابها بحسب مالهم ، وثمن مال الميت إلى مداينيه ، وأهل البضائع إن لم تف أثمانها بحقوقهم ، نعم ما علم أنه أخذه لموكله أو مقارضه معيناً أو مجهولاً فلمن له البضاعة فقط ، ثم إن اتفق الغرماء وأهل البضائع على شيء ، وإلا نصب القاضي مخاصماً عن الميت ، فإن فقد الحاكم أو لم يتأهل حكم من بيده المال والمدّعون عالماً ، فمن أثبت ببينة ولو شاهداً ويميناً مع يمين الاستظهار قدراً معيناً ضارب مع الغرماء ، ومن ادعى ديناً أو رأس مال ولم يعينه أو عينه بلا بينة لم تسمع دعواه ولم يعط شيئاً ، نعم يلزم الوارث هنا وفيما يأتي إعطاء ما تيقن أنه على الميت ، ولو علم أن عليه ديوناً وعنده أموال قراض وأمانة علم قدرها وجهل أربابها ، فإن توقعت معرفتها حفظت وإلا فلبيت المال ككل مال أيس من معرفة مالكه ، وإن جهلت الحقوق وأربابها أو الحقوق فقط حكم على المال بأنه تركة ، نعم إن علم أنها اشتريت للموكلين

والمقارضين ، ولم يعلم عين ما لكل تركت أثمانها بيد عدل حتى يصطلحوا ولو بتفاوت إن لم يكن فيهم محجور ، وإلا لم يجز نقصه عن سهمه ، فإن تعذر الصلح والتداعي بين أهل الحقوق والميت اجتهد متولي المال في تعيين المستحقين من أهل الدين والقراض والوكالة والوديعة ، وقدر الاستحقاق وقسمة الأثمان عليهم بغلبة الظن والقرائن كخط موثوق به ، وإخبار من يقع في القلب صدقه ولو عبداً أو امرأة ، فلو دلت قرينة في تعيين بعض الحقوق كلزيد ألف ولبقية الحقوق خمسة آلاف ، أعطي زيد سدس الأثمان ، وقسم الباقي على عدد الرؤوس كما لو لم يعلم شيء.

160

الشفعة

(مسألة : ش) : لا تثبت الشفعة إلا في جزء شائع من أرض ، وما ثبت فيها من بناء وشجر إن أجبر على قسمته شرعاً ، فإذا طلب الشريك الشفعة بعد علمه ولو بعد زمن طويل استحقها بشرط مبادرته بعد العلم ويصدق بيمينه في الفورية ، ولو بيع البناء أو الشجر دون الأرض فلا شفعة ، كما لو كانت الأرض موقوفة أو ملك الغير.

(مسألة : ج) : استأجر أرضاً متصلة بأملاكه بنصف غلتها مثلاً ثم باعها مالكها لآخر لم يستحق الشفعة ، إذ هي ثابتة في مشترك لم يقسم ، نعم إن كان له بها عناء زادت به لم يصح بيعها حتى يرضى صاحب العناء لأنها حينئذ كالمرهون.

(مسألة : ش) : شفع الشفيع والمشتري غائب جاز ، بل وجب على القاضي الأمين قبض الثمن ، لأن ملك الشفيع متوقف إما على قبض المشتري الثمن أو رضاه بذمة الشفيع ، أو حكم الحاكم بها ، ومع ملكه في غير الأولى ليس له تسلم الشقص حتى يؤدي الثمن إلى نحو المالك ، ثم الحاكم عند امتناعه أو غيبته.

فائدة : قال في التحفة : والأظهر أن الشفعة على الفور ، وقد لا تجب في صور كالبيع بمؤجل ، أو وأحد الشريكين غائب وكان أخبر بنحو زيادة فترك ثم بان خلافه ، وكالتأخير لانتظار إدراك زرع وحصاده ، أو ليعلم قدر الثمن ، أو لتخليص نصيبه أو لجهله بأن له الشفعة ، أو بأنها على الفور وهو ممن يخفى عليه ذلك ، وكمدة خيار شرط لغير مشتر أو عفا وليه فلا يسقط حقه اهـ.

160

القراض

(مسألة : ي) : شروط القراض اثنا عشر ، كون العاقدين جائزي التصرف ، والعامل بصير والمقارض له على المال ولاية ، وكونه بإيجاب وقبول كقارضتك على كذا والربح بيننا نصفين مثلاً فيقول : قبلت ، أو خذ هذه الدراهم بع واشتر فيها ولك ثلث الربح مثلاً ، وكون رأس المال نقداً مضروباً ولو مغشوشاً راج لا عرضاً ، ومعلوم القدر ، وفي يد العامل لا في يد غيره ، ولا أن لا يشتري إلا برأي ، وكون العمل تجارة لا حرفة ، كاشتر حنطة واخبزها وبعها والربح مشترك بينهما بالجزئية لا لأحدهما فقط ولا لغيرهما منه شيء ، ولا كخمسة في المائة للعامل ، وأن لا يضيق التجارة على العامل كلا تبع إلا لزيد ، أو لا تأخذ إلا ياقوتاً أحمر ، وأن لا يؤقت القراض بمدة كسنة ، ولا التصرف كقارضتك ، ولا تتصرف إلا بعد شهر ، وأن يعين رأس المال لا على إحدى الصرتين ولا على دين كالثمن قبل قبضه ، نعم لو قارضه على ألف نقداً بذمة العامل ثم عينها في المجلس وقبضها المالك ثم أقبضها للعامل صح بهذه القيود ، وطريق تصحيح القراض في المال الغائب ، ونحو البز أن يقول له المالك : وكل عني من يقبض منك أو من زيد المائة ويقارضك عليها ويسلمها لك ، أو بع لي هذا البز ووكل عني من يقارضك على ثمنه بعد قبضه نقداً ، وإذا تم القراض وجب على العامل حفظ المال ، وأن لا يبيع أو يشتري من نفسه أو موكله ، ولا يبيع نسيئة ، ولا يسافر به بلا إذن فيها ، ولا يشتري إلا ما يتوقع فيه الرّبح ، ولا ينفق على نفسه أي إلا بإذنه كما في التحفة ، وليس على المالك إلا أجرة حمل البضاعة الثقيلة والكيل والوزن إن لم يباشرها العامل بنفسه ، وله أن يوكل غيره بإذن ، والأجرة عليه لا على المالك ولا الرّبح ، بل لو شرطت منه فسد إلا إن كانت الوكالة في معين بأجرة معلومة.

(مسألة : ك) : أعطاه شيئاً وقال : بعه ولك نصف الرّبح ، كان حكمه حكم القراض الفاسد يستحق أجرة المثل لأنه عمل طامعاً ، إذ شرط القراض على نقد ناضّ بإيجاب وقبول ولم يوجد ، كما لو أعطاه دراهم وقال له : اتجر في الكتان ولك في الربح الرّبع مثلاً ، فله أجرة المثل أيضاً لعدم القبول وعزة الكتان.

(مسألة : ش) : قارضه على مائة والربح بينهما على أن لا يسافر بها ، ثم لما ظهر الربح سافر بها ضمن الكل أصلاً ، وربحاً ، إذ لا يملك العامل حصته إلا بالقسمة ، نعم إن تعذر رده للمالك أو وكيله ثم القاضي فأمين فسافر به فلا ضمان ، ولا ينفسخ القراض بسفره مطلقاً ، فله التصرف إن لم تنقص قيمته هناك عن تلك البلد ، ثم لو تلف المال بنحو نهب ، فإن قلنا بارتفاع القراض حينئذ طولب بالبدل ، واستقرت حصته إن كان بدل الربح من جنس رأس المال ، وإلا لم تستقر إلا بالقسمة أو بعدمه ، فالعقد باق في البدل ، نعم لو عاد العامل إلى بلد القراض واعتاض عن المال المضمون بيده ارتفع الضمان ، كالوكيل المتعدي يرتفع ببيعه ضمان الثمن.

(

مسألة : ش) : قارضه على ألف فتصرف في بعضها ثم تلف الباقي كان تلفه من أصل رأس المال ، فيعود حينئذ إلى الباقي ، حتى لو حصل ربح استحق فيه المشروط ولا يجبر به التالف ، بخلاف ما لو تلف أو نقص شيء مما تصرف فيه فيجبر ، إذ لا يأخد العامل شيئاً من الربح حتى يرد للمالك مثل ما تصرف فيه.

(مسألة : ش) : باع المالك مال القراض صح بيعه ولو بعد ظهور الربح أو وجود راغب يدفع أكثر من رأس المال ، كما لو كان رأس المال عبداً فأعتقه المالك أو وهبه ، إذ لا يملك العامل حصته إلا بالقسمة ، وحينئذ يلزمه للعامل حصته من الربح ، ولا ينفسخ القراض فيتعلق بالقيمة.

فائدة : لا يعامل عامل القراض المالك بمال القراض ، أي لا يبيعه إياه لأدائه إلى بيع ماله بماله ، ولا يشتري منه بعين أو دين بشرط بقاء القراض بخلافه بلا شرط لتضمنه الفسخ ، ولو كان له عاملان فليس لأحدهما معاملة الآخر إلا إن أثبت لكل الاستقلال لا إن شرط الاجتماع ، قاله في التحفة. وقال (م ر) : لا يعامل الآخر مطلقاً كالوصيين ، قال (سم : ) إن كان المراد بمعاملة الآخر أن الآخر يشتري من مال القراض لنفسه فالجواز قريب لا يتجه غيره ، كما في الوصيين المستقلين فإن لأحدهما أن يشتري لنفسه من الآخر كما يأتي ، وإن كان المراد أن الآخر يشتري للقراض من صاحبه بمال القراض فلا ينبغي إلا القطع بامتناع ذلك ، فضلاً عن إجراء خلاف فيه مع ترجيح الجواز ، لأن فيه مقابلة مال المالك بمال المالك ، فكما امتنع بيعه من المالك فيمتنع بيع أحد العاملين من الآخر للقراض ، إذ المال للمالك ، فيلزم مقابلة ماله بماله ، هذا إذا كان المال واحداً وكل منهما عامل فيه على الاستقلال ، وكذا لو قارض أحدهما وحده على مال وقارض الآخر كذلك ، ففيه التفصيل المذكور على الأوجه اهـ ملخصاً ، وعبارة بج على الإقناع ، ولا يعامل أحدهما الآخر إذا شرط عليهما الاشتراك ، فإن انفرد كل منهما بمال وثبت له الاستقلال جاز له الشراء من الآخر ، وهذا التفصيل هو المعتمد اهـ زي اهـ.

(مسألة : ب) : قارض آخر مدة ثم طالبه بردّ المال فأقرّ به وماطله مدة أشهر حتى مات العامل ضمن المال باقياً وبدله تالفاً ، ويصدّق العامل كوارثه في دعوى التلف لئلا يخلد في الحبس ، إذ القراض والوكالة والوديعة من واد واحد ، فيضمن في الكل حيث قصر ، ومنه أن يطلبها المالك فيتراخى عن التخلية بلا عذر ، من نحو صلاة أو أكل أو إشهاد على نحو وكيل طلبها من الأمين.

فائدة : ادعى المالك بعد تلف المال أنه قرض والعامل أنه قراض حلف العامل ، كما أفتى به ابن الصلاح كالبغوي ، لأن الأصل عدم الضمان ، وخالفهما الزركشي ومن تبعه فرجحوا تصديق المالك ، وجمع بعضهم بحمل الأوّل على ما إذا كان قبل التصرف ، والثاني على ما بعده ، أما قبل التلف فيصدق المالك ، لأن العامل مدع عليه الإذن في التصرف وحصته من الربح والأصل عدمهما اهـ تحفة. واعتمد (م ر) كلام الزركشي قال : وكذا لو أقاما بينتين فتقدم بينة المالك أيضاً ولو كان المال باقياً وربح ، وقال المالك قراض والعامل قرض صدق العامل اهـ زي ، ولو استعمل العامل دواب القراض وجب عليه الأجرة من ماله للمالك أو المالك بلا إذن العامل لم يلزمه غير الإثم اهـ بج.

(

مسألة : ش) : مات عامل القراض وخلف عروضاً ، فإن ثبت أنها من مال القراض أو من غيره ببينة أو تصادق فذاك ، وإن اختلف المالك ووارث العامل حلف الوارث على نفي العلم ، ثم إن وجد رأس المال في التركة أعطيه المالك فقط وإن لم يوجد ، فإن نسب العامل إلى تقصير بأن مات بمرض ولم يوص به إلى قاض ثقة ثم إلى أمين ولم يميزه بإشارة إليه أو بيان جنسه وصفته ضمنه ، فيباع له من العرض بقدره مع الربح إن تصادقا عليه ، وإلا صدق الوارث في قدره بل وفي نفيه أصلاً ، وإن لم ينسب إلى تقصير فلا لاحتمال تلفه قبل الموت وهو أمين ، فلو ادعى على الوارث تفريط مورثه حلف على نفي العلم ، أو أن مال القراض بيدك حلف على البت ، وإن وجد في التركة أعيان يصلح كونها مال قراض.

فائدة : قال في فتح الجواد : يستقر ملك عامل القراض بأحذ ثلاثة أمور : إما بفسخ مع القسمة والمال وناض لأنها وحدها لبقاء العقد قبل الفسخ مع عدم تنضيض رأس المال حتى لو حصل بعدها ربح جبر بالربح المقسوم ، أو بالفسخ مع النضوض والمراد به مصير مال القراض من جنس رأس المال ، أو بإتلاف المالك بنحو إعتاق وألحق به التلف بآفة ، وعلم مما تقرر أنه لا يستقرّ ملكه بقسمة العرض ولو مع الفسخ اهـ.

162

المساقاة والمغارسة والمخابرة والمناشرة

(مسألة : ب) : اعلم أن المغارسة المعروفة بحضرموت جارية على خلاف المعتمد من المذهب ، والعمل مستمر عليها في الجهات ، وللعاملين بها على القول بها أحوال اصطلاحية جرت بها عادتهم واستمر عليها فعلهم من غير نكير ولا تقريع عليها ، فعلى المعتمد إذا ساقى آخر على سقي خلعه إلى العتيق وله ثلث النخل مثلاً لا يستحق المساقي الجزء المشروط له ، سواء قبل التعتيق وبعده ، بل له أجرة المثل نقداً ، كما لا يستحق مالك الأرض إلا أجرة مثل أرضه نقداً أيضاً ، ويكون الخلع كله لمالك الوديّ أي النقيل ، ولا يجوز لحاكم ولا مفت أن يحكم أو يفتي بخلاف المعتمد من مذهب إمامه هذا ، ولما كان المشي بهذه المعاملة على جادة المذهب يترتب عليه أنواع من الضرر لوقوع الخاص والعام فيها ، اختاروا العمل فيها بأوجه مرجوحة وأحوال اصطلاحية بينهم معلومة ، إذ لا يمكن العمل في الجهة بغيرها ، قال في القلائد : قال شيخنا عبد الله بلحاج : وجوازها أي المغارسة وجه مرجوح ، وعمل أهل جهتنا عليه ، وقد اصطلحوا على ذلك بحيث لا يرجعون لقول مفت إذا تنازعوا وشاع وذاع اهـ. ونقل عن أحمد مؤذن أنه يقسط الجزء المشروط للعامل على حسب ما عمل ، حيث وقع نزاع واختلال شروط المساقاة أو فسخت أو ثبت تقصير ، وأفتى بعض الفقهاء بأن العامل لا يستحق المشروط إلا بالفراغ وهو بلوغ الغرس التعتيق المعتاد قياساً على الجعالة ، وأما بيع المساقي الجزء المشروط له قبل التعتيق فلا يصح للجهل بما يستحقه على القول بالتقسيط ، أو لعدم استحقاقه له الآن على القول الثاني ، وأما على المذهب فلا يستحق في الخلع شيئاً أصلاً كما تقدم.

(

مسألة : ج) : ما حكم المزارعة والمغارسة والمخابرة والمناشرة ؟ ومن جوّزها من العلماء ؟ أما المزارعة وهي العمل في الأرض ببعض ما يخرج منها ، والبذر من المالك والمخابرة كذلك ، إلا أن البذر من العامل ، وصيغتهما أن يقول : زارعتك على هذه الأرض على أن لك نصف زرعها أو ثلثه مثلاً ، فقد ذهب كثير من العلماء إلى جوازهما ، روي ذلك عن سيدنا عليّ وابن مسعود وعمار وسعد بن أبي وقاص ومعاذ رضي الله عنهم ، وهو مذهب ابن أبي ليلى وأبي يوسف ومحمد بن الحسن وطاوس والحسن والأوزاعي ، وإحدى الروايتين عن أحمد لما روى عن نافع أن ابن عمر كان يكري مزارعه على عهد رسول الله وأبي بكر وعمر وعثمان وصدراً من إمارة معاوية رضي الله عنهم بالثلث والربع. وفي صحيح البخاري : عامل عمر الناس على أنه إن جاء عمر بالبذر من عنده فله الشرط ، وإن جاءوا بالبذر فلهم كذا. قال البخاري : وزارع عليّ وسعد وابن مسعود وعمر بن عبد العزيز والقاسم وعروة وآل عمر وآل علي وابن سيرين ، ونقل النووي عن الخطابي أن المزارعة جائزة ، وهي عمل المسلمين في جميع الأمصار ، ولا يبطل العمل فيها أحد ، وجوّزها أيضاً ابن خزيمة وصنف فيها جزءاً وابن المنذر ، وقال الحبيشي : قال النووي المختار جوازهما ، وبصحتهما قال أبو عبيد القاسم بن سلام ، والقول بجوازهما حسن ينبغي المصير إليه لصحة الأحاديث الواردة في ذلك ، ولأن اختلاف العلماء رحمة وللضرورة الداعية إلى ذلك اهـ. واختارهما السبكي أيضاً ، وقال في الهداية للحنفية ، ومنع أبو حنيفة المزارعة وجوّزها صاحباه "لأنه عامل أهل خيبر على نصف ما يخرج من ثمر وزرع" والفتوى على قولهما لحاجة الناس ، ولظهور تعامل الأمة بهما ، والقول يترك بالتعامل اهـ. وأما المغارسة ويقال لها المناصبة والمفاخذة والمخالعة ، وهي أن يدفع صاحب الأرض أرضه لمن يغرسها من عنده ويكون الشجر بينهما أو بينهما وثالث ويعمل ما يحتاجه الغرس ، فقد قال السبكي : لا شك أن من منع المخابرة يمنعها ،

ومن جوّزها يحتمل أن يجوّزها ويحتمل المنع ، وأوسع المذاهب في ذلك مذهب ابن أبي ليلى وطاوس والحسن والأوزاعي ، فمقتضى مذهبهم تجويز المغارسة أيضاً ، والفرق بينهما عسير اهـ. وقال السمهودي : المشهور من مذهبنا أنه لو ساقى المالك العامل على ودي ليغرسه ويكون الشجر بينهما لم يجز ، وعللوه بأنه كتسليم البذر من المالك في المزارعة التي تفرد عن المساقاة. وعن صاحب التقريب وجه أنه يصح كما قيل به في المزارعة ، وإلحاق ذلك بالمزارعة يقتضي أن من جوّز المزارعة و المخابرة جوّزها اهـ ، أي لأنه إن كان الفسيل من المالك فكالمزارعة ، أو من العامل فكالمخابرة ، بل الحاجة إلى المغارسة أكثر كما لا يخفى ، قال علي بايزيد وهو الأصلح للناس : ولهذا درج عليه علماء جهة الشحر وحضرموت وغيرهم من غير نكير اهـ. وقد قضى بذلك الحنابلة ، وقال ابن السبكي : ما أحسن التمذهب واستعمال الأوجه في درء المفاسد الواقعة في مصادمة الشرع. وفي التحفة قال السبكي : يجوز الإفتاء بغير المذاهب الأربعة لمصلحة دينية أي مع تبيينه للمستفتي قائل ذلك اهـ. وفي فتاوى باصهي : أن المغارسة بجهة حضرموت عمل بها من لا يشك في علمه وعمله ، وهو عمل أهل المدينة ، وهو المفتى به والأصلح للناس ، بحسب ما شرطوه وتراضوا به مما لا يخالف المذاهب اهـ. وإذا جوّزنا المغارسة المذكورة على قياس المزارعة ، فيشترط أن يبين المدة إلى التعتيق على خلاف فيه ، وأن يبين نوع النخل الذي يغرسه على إشكال فيه ، إذ العمل الآن على خلافه ، وأن لا يشرط الثمر لأحدهما قبل القسمة وبعدها ، وأن لا يشرط الولاء وهو منافع الأرض للعامل ، أو أن لا يزرعها غير الغارس إلا بإذنه ، أو يشرط القصب أو الحمط لأحدهما ، وإن علم أن الشرط المؤثر هو الواقع في صلب العقد أو في مجلس الخيار لا قبله وبعده ، كما أن من شروط المزارعة بيان المدة خلافاً للسبكي ، وبيان جنس البذر ، وأنه على من وكم للعامل. وأما المناشرة ويقال لها المفاخذة وهي أن يدفع

الأرض الدامرة لمن يعمرها ويقوّم أسوامها ويرد مكاسرها ويحرسها ، بحيث تستعد للزراعة بجزء منها ، قال أبو صهي وأبو حويرث وأبو يزيد : إن عمل أهل حضرموت على ذلك قياساً على اختيار المخابرة ، ويقررهم علماؤهم على ذلك وفيها ما فيها ، والأوفق بالصحة أن يؤجر المالك العامل على العمارة بجزء من الأرض لكن مع تعيين العمل ، ويزارعه على بعض الغلة بالشرط المتقدم في التحفة.

فرع : أذن لغيره في زرع أرضه فحرثها أو هيأها للزراعة فزادت قيمتها بذلك ، فأراد المالك نحو بيعها أو رهنها لم يجز بغير إذن العامل لتعذر الانتفاع بها بدون العناء المحترم فيها اهـ ملخصاً من نبذة في ذلك للعلامة علي بن عبد الرحيم بن قاضي.

(مسألة : ج) : ساقاه على غرس نخل بينهما فمات المساقي ، فتراضى مالك الغرس وبعض ورثة المساقي من غير إذن بقيتهم على شرائه وسلم له بعض الثمن ، ثم باع المشتري الغراس من آخر ، فادعى بقية ورثة الميت أن حصتهم باقية ، لم يوكلوا أخاهم في ذلك وأقاموا بينة قبلت ، ولو استأجر أرضاً للغراس فحفر فيها بئراً وغرس نخلاً ، فإن جوزنا الإجارة على عمل الجهة فلصاحب الأرض من عين البئر مثل ما شرط له من الخلع من ثلث أو غيره ، وللعلماء في ذلك كلام العمل على خلافه.

(مسألة : ش) : خابره على أرض كعادة البلد على الربع مثلاً ، فرجعا إلى الأجرة لبطلان المخابرة ، ولم تكن بالبلد أجرة معلومة إلا هذا القدر من الطعام ، فأجرة المثل قيمة ذلك القدر المعتاد نقداً ، وغلط من قال : يلزمه ذلك الشيء المقدر من الطعام.

فرع : لو قال شخص لآخر : سمن هذه الشاة ولك نصفها ، أو هاتين على أن لك إحداهما لم يصح ذلك ، واستحق أجرة المثل للنصف الذي يسمنه للمالك ، وهذه الحالة مما عمت بها البلوى في الفراريج ، يدفع كاشف البرية أو متلزم البلد لبعض أهل البيوت المائة أو الأكثر أو الأقل ويقول لهم : ربوها ولكم نصفها ، فيجب على ولي الأمر ومن له قدرة على منع ذلك أن يمنع من يفعل هكذا ، لأن فيه ضرراً عظيماً على الناس اهـ بج على الإقناع.

165

الإجارة

فائدة : استأجر عيناً مدة لا تبقى إليها غالباً بطلت في الزائد فقط تفريقاً للصفقة كما صرح به في العباب اهـ ع ش.

(مسألة) : لا تتصوّر إجارة العقار في الذمة ، وألحق به في النهاية السفينة ، خلافاً للتحفة بخلاف المنقول كالشخص والدابة فيصح تأجيرهما معينين ، أو في الذمة كأن يلزم ذمته خياطة أو بناء أو يستأجر دابة موصوفة.

(مسألة : ي) : استأجر بستاناً لأخذ ثمره لم يصح لورود الإجارة على غير مقصود ، إذ الأعيان لا تملك قصداً بعقد الإجارة ، فحينئذ يكون الثمر مضموناً على صاحبه بأقصى القيم وأسهل الطرق إلى تصحيح هذه المعاملة ، أن يؤجره أرض البستان بأجرة معلومة ، وينذر له بالثمر تلك المدة ، إذ يصح النذر بالمجهول والمعدوم ، ولا يتوقف على قبض اهـ. وعبارة ك : لا تصح إجارة النخل لأخذ ثمره ، فإن أجره الأرض لأجل الغراس أو الزرع صح حيث استجمعت الشروط ، ولا فرق بين الأرض المملوكة والموقوفة على معين أو جهة ، وحينئذ تجب الزكاة على المستأجر ولو في الموقوفة على غير معين ، إذ ليس للموقوف عليه إلا الأجرة ، خلافاً لمن توهم عدم الوجوب هنا ، قياساً على عدم الوجوب في ثمر وزرع الموقوف على غير المعين ، بل إن كانت الأرض خراجية وجبت زكاتها مع الخراج أيضاً.

(مسألة : ي) : يصح الاستئجار لكل ما لا تجب له نية عبادة كان ، كأذان وتعليم قرآن وإن تعين ، وتجهيز ميت أولا كغيره من العلوم تدريساً وإعادة ، بشرط تعيين المتعلم والقدر المتعلم من العلم ، وكالاصطياد ونحوه لا القضاء والإمامة ولو في نفل ، فما يعطاه الإمام على ذلك فمن باب الأرزاق والمسامحة ، فلو امتنع المعطي من إعطاء ما قرره لم تجز له المطالبة به ولا لعقد نكاح كالجعالة عليه ، ويحرم اشتراط الأجرة عليه من غير عقد ، بل هو من أكل أموال الناس بالباطل ، نعم إن أهدى نحو الزوج للملفظ شيئاً جاز قبوله إن لم يشترطه ، وعلم الدافع عدم وجوبه عليه.

(مسألة : ش) : يصح الاستئجار لتملك المباحات كالاصطياد والغوص للآلىء وغيرهما ، كما يجوز التوكيل فيها ، فحينئذ لو استأجره للغوص إجارة عين أو ذمة ، فإن قدرت بالعمل اشترط معرفة المستأجر عمق الماء ووجود الصدف في المحل ، واتصالها بالعقد في العينية أو تأجيلها في الذمة إلى زمن يغلب فيه وجوده ، وإن قدرت بالزمان كشهر فلا بد من بيان محل الغياضة ومعرفتها مع عدلين خبيرين ليرجع إليهما عند التنازع قدر السير إليه وعمق الماء وغلبة وجود الصدف فيه ، وأن الآلة على أيهما إذا لم يطرد عرف وتعين الشهر وكونه هلالياً ، ويحمل على العادة الغالبة مع اتصاله بالعقد في العينية وإلا فسدت ، ويلزم في الصحيحة المسمى وفي الفاسدة إن جهل الأجير الفساد أجرة المثل ، وما أخرج من اللؤلؤ يملكه المستأجر مطلقاً ويحرم الاستئجار ، ويفسد مع هيجان البحر أو كثرة القرش بمحل الغياضة لأنه غير مقدور عليه شرعاً.

(

مسألة : ش) : استؤجر للعمل مدة معلومة فسلم نفسه ، استحق كل الأجرة بمضي مدة الإجارة وإن لم يعمل لتلف المنافع تحت يد المستأجر ، فلو شرط ذلك في صلب العقد لم يفسدها ، إلا إن شرط فيه استحقاق الأجير قبل تمام المدة ، أو شرط على الأجير أنه متى عجز عن العمل أثناءه فليس له شيء ، فحينئذ له أجرة المثل ما لم يعلم بفساد العقد وأن لا أجرة.

(مسألة : ش) : يستثنى من مدة الإجارة زمن المكتوبة ولو جمعة والرواتب والطهارة ، فلو فقد الطهورين فصلى لحرمة الوقت ثم أعادها بأحدهما نقص قدرها من الأجرة ، كما لو أعادها لنحو حدث ، لأن منفعة الأجير مستغرقة للمستأجر إلا ما استثني شرعاً.

فائدة : استأجره لحمل حطب إلى داره وأطلق لم يلزمه إطلاعه السقف ، وهل يلزمه إدخاله الدار والباب ضيق أو تفسد الإجارة ؟ قولان أصحهما الأول ، ولو ذهب مستأجر الدابة بها والطريق أمن فحدث خوف ، فإن رجع بها ضمن أو مكث ينتظر الأمن لم تحسب عليه مدته ، وله حينئذ حكم الوديع في حفظها ، وإن قارن الخوف العقد فرجع فيه لم يضمن إن عرفه المؤجر ، فإن ظن الأمن فوجهان أصحهما عدم تضمينه اهـ نهاية.

(مسألة : ب) : دفع له مالاً ليبيعه ولم يجر بينهما ذكر أجرة ولا ما يدل عليها لم يستحق شيئاً ، كمن دفع ثوبه لخياط أو قصار ولم يذكر أجرة ولا ما يدل عليها اهـ. وذكر نحوه في (ش) وزاد : وقيل تلزم أجرة المثل مطلقاً ، وقيل : إن جرت العادة بأخذها أخذ وإلا فلا ، واستحسنه الغزالي وغيره وأفتى وقضى به جمع.

(مسألة) : خدم أخاه ورعى له إبلاً ولم يشرط له أجرة لم يستحق شيئاً ، وإن قال له الأخ : اخدمني هذا ، والأولى أن لا يخليه من شيء خروجاً من الخلاف ، نعم إن كان الخادم محجوراً عليه لزمت له أجرة المثل مطلقاً.

فائدة : استأجر محلاً لدوابه فوقفه المؤجر مسجداً ، امتنع عليه تنجيسه وتقذيره من حينئذ ويتخير ، فإن اختار البقاء انتفع به إلى مضي المدة إن كانت المنفعة المستأجر لها تجوز فيه ، وإلا كالاستئجار لوضع نجس به تعين إبداله بمثله من الطاهر ، وامتنع على الواقف وغيره الصلاة ونحوها فيه بغير إذن المستأجر ، وحينئذ يقال لنا مسجد منفعته مملوكة ، ويمتنع نحو صلاة واعتكاف به بغير إذن مالك منفعته اهـ تحفة.

فائدة : المعنى في عدم انفساخ الإجارة في بيع العين المستأجرة من مكتريها كون الإجارة واردة على المنفعة ، والملك وارداً على الرقبة ، فلا تنافي بينهما ، ولهذا لو استأجر ملكه من المستأجر صح ، وبه فارق انفساخ نكاح من اشترى زوجته ، والفائدة في عدم الانفساخ أنه لو ردّ المبيع بعيب استوفى بقية المدّة ، أو فسخ الإجارة بعيب أو تلف العين رجع بأجرة باقي المدة اهـ فتاوى الحبيشي.

(

مسألة : ش) : دفع له ثوباً ليخيطه أو فضة ليصوغها بأجرة ، وشرط عليه أن لا يعمل لغيره حتى يفرغه أو يعمله في يومين ، كانت إجارة فاسدة ، فلا يضمنه لو تلف بلا تقصير في المدة وبعدها ، إذ فاسد العقود كصحيحها غالباً ، نعم إن طلبه مالكه فلم يخل بينه وبينه ضمن.

(مسألة : ش) : حكم العين المستأجرة حكم الوديعة ، فتضمن بما تضمن بها ، وتفارقها في أنه لا يصدق في الرد بيمينه ، فلو استأجر جملاً إلى محل بعيد فأعيا في الطريق وعجز عن إيداعه أميناً وخاف على نفسه أو ماله فتركه لم يضمنه ، إذ لا يلزمه التغرير بنفسه ، كما لو وقع حريق وعنده ودائع فنقل متاعه أولاً وتلفت هي.

(مسألة : ش) : لا خلاف أن المستعير والوديع لا يخاصمان ، وكذا المرتهن والمستأجر على المنصوص ، وقيل يخاصمان ، ونقله الإمام عن المحققين وقطع به ، وجزم به الغزالي في بسيطه ووسيطه ، والبغوي والقفال ، وعلى الأول لو غاب المالك أقام الحاكم من يدعي له ، نعم لهما حضور محل الخصومة لتعلق حقهما بالمأخوذ ، هذا إن لم يكن المتلف أو الغاصب الراهن أو المؤجر ، وإلا فلهما مطالبته لئلا يفوت حقهما.

(مسألة : ش) : يصح الاستئجار على القراءة عن الميت ولو كافراً على الأوجه عند رأس القبر أو مطلقاً ويحمل عليه ، وكذا عن الحي بحضوره لانتفاعه بسماعه الذكر ، ولا يصح عن ميت غائب ، لا بشرط الدعاء له بمثل ما حصل له من الأجر ، لا بنية ثوابها له فقط خلافاً للسبكي ، ولا بإهدائه له بعدها على المعتمد ، خلافاً للأزرق والأئمة الثلاثة القائلين بحصول نفس الثواب للميت ، فعليه يصح الاستئجار كذلك.

(مسألة : ك) : استؤجر لقراءة شيء معين من القرآن لشخص ، واستؤجر لقراءة ذلك المعين أيضاً لآخر ، فاقتصر المستأجر على قراءة المعين ، ثم أهدى ثوابه للشخصين ، فالذي يظهر وهو الأحوط أنه لا يكفي على المعتمد الذي رجحه ابن حجر من حصول نفس الثواب ، أما على ما اعتمده السيوطي من أن الجعل على الدعاء فيكفي ، وينبغي أن يحافظ الأجير على قراءة البسملة أوّل كل سورة غير براءة ، إذ أكثر العلماء يقول إنها آية ، فإذا قرأها كان متيقناً قراءة الختمة أو السورة ، خصوصاً من استؤجر أو جوعل على قراءة الأجزاء والأسباع فيبرأ بيقين ، وإلا فلا يستحق الأجرة لما أخل به عند من يقول إنها آية ، ولو أخل ذو وظيفة كقراءة بها في بعض الأيام لم ينقطع استحقاقه لغير مدة الإخلال.

(مسألة : ب) : أخلّ الأجير بشيء مما استؤجر عليه ، فإن كان لعذر ولم تمكنه استنابة من يقوم مقامه فينبغي أن لا يأثم ، لكنه لا يستحق شيئاً مدة الإخلال ولو في النادر ، إلا إن كان من المستثنيات شرعاً ، أو استثنى عند العقد أو لغير عذر وأمكنه الاستنابة حيث جوّزناها بأن وردت الإجارة على الذمة فلم يستنب أثم.

(

مسألة : ك) : لا تكفي قراءة قل هو الله أحد ثلاثاً لمن استؤجر على قراءة ختمة كاملة ، بل لا بد من قراءة جميعها لأنه مستأجر على الجميع ، فلا يخرج من العهدة إلا بالإتيان بجميع العمل ، وإن قلنا إن ثواب قراءتها كثواب من قرأ ثلث القرآن.

(مسألة : ب) : قال في الأحياء : وفي أخذ الأجرة على نحو إمامة الصلاة والأذان والتدريس وقراءة القرآن خلاف ، وكره السلف أخذ الأجرة على كل ما هو من قبيل العبادات وفروض الكفايات ، كغسل الأموات والأذان والتراويح ، وإن حكم بصحة التأجير عليه ، وكذا تعليم القرآن والعلم ، فإن هذه الأعمال حقها أن يتجر فيها للآخرة ، ومن صيغ إجارة العين : استأجرتك أو اكتريتك لتؤذن وتقيم الصلوات الخمس في مسجد كذا ، أو تقرأ فيه جزءاً مثلاً سنة بأجرة كذا ، وفي إجارة الذمة : ألزمت ذمتك ، أو أسلمت إليك هذه الدراهم في الأذان للصلوات الخمس ، فيقبل الأجير من غير أن يتخلل فصل مضر ، ويشترط في إجارة الذمة تسليم الأجرة في مجلس العقد.

167

إحياء الموات

(مسألة : ش) : الأرض الإسلامية التي لم يعلم لها سبق إحياء ، وكذا لو علم ولم يدرأ جاهلية أم إسلاماً على الراجح ، إذ الأصل الإباحة يجوز إحياؤها ولو بلا إذن ذي الولاية ، نعم يسن استئذانه خروجاً من الخلاف ، بل لو خاف الفتنة وجب اهـ. وعبارة ج : أرض موات في سفح جبل على أصلها من اشتباك الحصى بعضه ببعض لم تعمر الحرث قطعاً وبغيره ظناً ، فأحياها شخص ملكها ما لم تثبت عمارتها بالإحياء قبل بشرطه.

(مسألة : ي) : كل أرض حكم بأنها إسلامية لاستيلاء المسلمين عليها أولاً ، وإن استولى عليها الكفار بعد ومنعوا المسلمين منها كغالب أرض جاور حكمها حكم الموات ، فإذا أحياها المسلم لا غيره ولو ذمياً أذن له الإمام ملكها ، سواء علم أنها لم تعمر قط أو شك ، وليس بها أثر عمارة ، وكذا لو عمرها كافر قبل استيلاء المسلمين أو بعده ، ولم تدخل تحت يد مسلم قبل العمارة أو بعدها ، كما لو شك في العمارة هل هي إسلامية أو جاهلية ولم تكن تحت يد أحد وإلا فلذي اليد ولو كافراً ، وإن حكمنا بعدم صحة إحيائه لها لكونها دار إسلام ، لأن اليد دليل الملك ، والأصل وضعها بحق إلى أن يثبت نقيضه ، ويتصوّر دخولها في يده بنحو شراء ونذر ، لأن الأصل في الأموال التي الأيدي حلها لمن هي في يده ، وقبولها تصرفاتهم وجواز التراضي عليها ، وإن علم أن العمارة إسلامية ولم تكن تحت يد أحد فمال ضائع يحفظ إن رجي مالكه وإلا فلبيت المال.

(مسألة : ش) : لا يجوز إحياء حريم القرية كالقضاء الذي خلل البيوت والخارج عنها المحوط بما يملكه به من أراد السكنى ، وحريمه لا حريم محجر عليه بنحو حطب وقصب فيجوز إحياؤه ، وكذا المحجر عليه نفسه لكنه يأثم اهـ. قلت : قال في التحفة : منفعة الشارع المرور فيه ، ويجوز الجلوس فيه لاستراحة ومعاملة إن لم يضيق على المارة ، ولا يجوز لأحد أخذ عوض ممن يجلس به مطلقاً ، ومن ثم قال ابن الرفعة فيما يفعله وكلاء بيت المال من بيع بعضه زاعمين أنه فاضل عن حاجة الناس : لا أدري بأي وجه يلقى الله تعالى فاعل ذلك ، وشنع الأذرعي أيضاً على بيعهم حافات الأنهار ، وعلى من يشهد أو يحكم بأنها لبيت المال ، قال : ، أعني الأذرعي ، وكالشارع فيما ذكر الرحاب الواسعة بين الدور ، فإنها من المرافق العامة كما في البحر ، وقد أجمعوا على منع إقطاع المرافق العامة كما في الشامل اهـ.

(

مسألة : ك) : اعتاد بعض السلاطين حجر الموات لنفسه فيقول : هذه البقعة ملكي فمن زرع فيها فعليه كذا ، لم يصر بذلك محيياً للأرض ، بل من أحياها الإحياء المعروف ملكها إذ الأرض لا تملك إلا بالإحياء أو بإقطاع الإمام أقطاع تمليك ، نعم له أن يحمي مواتاً لنعم من يضعف عن الإبعاد ورعي خيل جهاد ونعم نحو جزية ، فلو رعاه غير أهله لم يضمن ، لكنه يأثم ويعزر ، ولا يحمي الإمام لنفسه بل لا يدخل نعمه فيما حماه للمسلمين ، ويحرم عليه أخذ العوض ممن يرعى في حمى أو موات أو يجلس في الشارع.

(مسألة : ك) : حجر السلطان بعض المعادن كالماس والذهب من غير إحياء تلك البقع ، بل أمر أناساً باستخراجه ، فإذا استخرجوه ترك لهم الصغير وأخذ القطع الكبار بثمن قليل ، ونهاهم عن بيعها لغيره ، بل لو علم بيعهم لغيره عذبهم بأنواع العذاب ، أثم بذلك إثماً عظيماً ، إذ المعادن الظاهرة لا تملك بإحياء ولا إقطاع بقعة ونيل ولا يثبت فيها تحجر ، كما أن المعادن الباطنة كالنقدين والحديد والياقوت لا تملك بالحفر والعمل أيضاً ، ولا بالإحياء في موات ، ولا يثبت فيها اختصاص بحجر ، نعم يجوز للإمام إقطاعها إقطاع إرفاق لا تمليك ، فإن أحيا معدناً مع العلم به لم يملكه ولا بقعته أو مع الجهل ملكه ، فحينئذ قول السلطان هو ملكي لا أثر له ، ولا يملك ما يأخذه منهم بل هو من جملة أكل أموال الناس بالباطل ، ومن أخذ من معدن شيئاً لم يحزه غيره ملكه ما لم ينو به غيره وله بيعه ممن أراد ، ولا يجب عليه امتثال أمره باطناً ، بل ولا ظاهراً ، والفرق بينه وبين التسعير ظاهر.

(مسألة : ج) : الماء الخارج من الوادي المباح يتبع فيه العادة المطردة من تقديم وتأخير ، ويردّ كل شيء إلى عادته الأصلية بنظر أهل الخبرة والأمانة.

(مسألة : ش) : أرض عليا مستحقة السقي قبل غيرها ، أراد صاحب السفلى أن يسقي قبله أثم ولزمه إرساله للعليا ، كما لو أذن له الأول في السقي قبله ثم أراد الرجوع فيمكن منه وجوباً إذ هو أباحه ، وليس للثاني إرساله لمن هو أسفل منه مطلقاً ، ولا لأحد منازعة المتقدم ، نظير ما لو أدبر نحو ما على اليمين ، فقدم المستحق غيره ممن هو عن يمينه ، فلا يكون ما بعده أحق من المقدم ، وإن لزم رجوعه يسار الشارب تنزيلاً لهما منزلة الشارب الواحد.

168

الجعالة

(مسألة : ك) : انكسر مركب في البحر فأمر صاحبه أن كل من أخرج من المتاع شيئاً فله ربعه مثلاً ، فإن كان المجعول عليه معلوماً عند الجعيل بأن شاهده قبل الغرق أو وصفه له صح العقد واستحق ، وإلا فسد واستحق أجرة المثل.

فائدة : تجوز الجعالة على الرقية بالجائز كالقرآن ، والدواء كتمريض مريض وعلاج دابة ، ثم إن عين لها حداً فذاك ، وإن لم يعين ما جوعل فيه بضبط فله أجرة مثله ، فإن قيد بالشفاء استحق ما ذكر به لا قبله اهـ قلائد.

168

الوقف

(مسألة : ش) : باع أرضاً ثم ادعى أنها موقوفة وأنه باعها مكرهاً ، فإن صدقه المشتري حكم بالوقف ، وإلا فإن شهدت بينة حسبة فيما إذا كان الوقف على جهة أو أقامها المدعي مطلقاً ولم يصرح حال البيع بأن الأرض ملكه ، أو حلف المردودة بعد نكول المشتري عنها حكم به أيضاً ، ولزم المشتري أجرة الأرض في الصورتين ، معتبرة بكل وقت زيادة ونقصاناً ، ولا أثر لدعوى المشتري نسيان الوقف إلا في سقوط الإثم فقط ، ثم إن لم يفسق البائع لعذر الإكراه فنظره إن كان ناظراً باق ، وإلا لم يعد حتى تصح توبته.

169

الصيغة والموقوف

(مسألة : ب) : قال : وقفت هذا لله تعالى ولم يبين المصرف ، اعتمد ابن حجر عدم صحة الوقف ، وفرق بينه وبين وقفته لسبيل الله بأن لسبيل الله مصرفاً معلوماً يحمل الوقف عليه ، قال : وإنما صح أوصيت به لأن الغالب صرفها للفقراء ، واعتمد أبو مخرمة صحة الوقف المذكور كالوصية ، وجعل مصرفه وجوه القرب وإليه أميل ، ولو قال : تصدقت بكذا على مسجد كذا ، ولم يقل بعده صدقة محبوسة أو مسبلة أو موقوفة أو لا تباع أو محرمة ونحوها كان كناية في الوقف ، فإن علمت نيته ، وإلا فتمليك محض للمسجد فيجوز بيعه والمبادلة به بشرطه ، بل قد يجب نحو البيع إن خيف استيلاء ظالم عليه ، ويصرف ما اشتراه أو استبدله مصرف الأوّل.

(مسألة : ج) : وقف على معين اشترط قبوله على ما في الروضة لكن الراجح ما في المنهاج من عدم الاشتراط.

(مسألة : ي) : لا يصح تعليق الوقف ، فلو قال : وقفت داري قبل مرض موتي بثلاثة أيام أو قبل موتي بلحظة مثلاً لم يصح ، نعم يستثنى من عدم صحة التعليق مسألتان : الأولى كل ما يضاهي التحرير وهو ما اتفق على أن الملك فيه لله تعالى ، كالمساجد والمدارس والمقابر والربط فيصح تعليق وقفها مطلقاً. الثانية تعليقه بالموت كوقفت داري بعد موتي ، أو إذا مت فهي وقف على كذا فيصح أيضاً ، ويقع الوقف بعد الموت ، ويسلك به مسلك الوصية من كونه يقبل الرجوع اتفاقاً ، وكونه من الثلث ، ومن أنه لا بد فيه من الإجازة إن كان لوارث ، ثم يصير حكمه حكم الوقف.

(مسألة) : لو نجز الوقف وعلق الإعطاء للموقوف عليه بالموت جاز ، كما نقله الزركشي عن القاضي حسين ، قاله في الإقناع والمغني ، ومثلهما التحفة والنهاية قالا : وعليه فهو كالوصية اهـ. أي فيسلك به مسلكها في أحكامها كالمعلق بالموت. وقال (بج) : واستشكل هذا بأن منافع الموقوف للواقف في هذه الحالة ، فما الفائدة للفقراء في الوقف ؟ وأجيب بأن الفائدة فيه لهم انتقال الوقف إليهم بعد موته ، وهذا يشبه الحيلة في الوقف على النفس ، لأن الفائدة في هذه تكون له مدة حياته ، وإن لم يكن موقوفاً عليه مدة حياته فهو يشبهه.

(مسألة) : الحيلة المباحة لمن أراد وقف شيء من عقار أو منقول ، وأن تبقى غلته ومنافعه له مدة حياته ، ولا يستحقها الموقوف عليه إلا بعد موته أن ينذره بمنافع وغلة ما يريد وقفه لشخص معين مدة معلومة كمائة سنة مثلاً ، ثم يقف ذلك على من أراد فيصح الوقف ويكون مسلوب المنفعة تلك المدة ، ثم بعد نفوذ الوقف ينذر المنذور له للناذر بما نذر به له ، فتعود العلة أو المنفعة في تلك المدة للواقف ولوارثه بعده ، فإذا أراد الواقف إعطاءها أي المنافع والغلة للموقوف عليه بعد موته أي الواقف وقبل مضي تلك المدة فلينذر بها له نذراً معلقاً بموته أو يوصي له بها ، فحينئذ تكون الغلة أو المنفعة المذكورة بعد موت الواقف للموقوف عليه لا قبله ، وصار ذلك كأنه وقف معلق بالموت ، لكنه يخالفه في أنه لا يحسب من الثلث بل يكون من أصل التركة ، وفي أنه لا يشترط إجازة بقية الورثة فيما لو كان لوارث ، نعم تحسب من الثلث بقية المدة من الغلة المنذورة أو الموصى بها للموقوف عليه كما هو معلوم ، فإذا بقي بعد موت الواقف عشرون سنة من المائة المذكورة مثلاً ، فتقوّم العين الموقوفة حينئذ بمنافعها ، ثم تقوم ثانياً مسلوبة المنفعة تلك المدة الباقية بعد الموت ، فما نقص من قيمتها حينئذ حسب من الثلث ، وهذا كله حيث كان الوقف في حال الصحة ، فإن كان في مرض الموت كان حكمه حكم الوصية اهـ.

فائدة : تشترك الجمل والمفردات المعطوف بعضها على بعض بواو ، أو لم يعطف في وصف تقدم أو تأخر ، واستثناء أو شرط ، أو ضمير صلح للجميع ، سواء نوى عوده للجميع أو أطلق أو لم تعلم نيته ، هذا إن لم يتخلل بين المتعاطفين كلام طويل ، وإلا فلا اشتراك حينئذ ، وأفهم قوله بواو أن العطف بالفاء ، وثم لا ترجع معه الصفة والاستثناء إلى الكل وهو المعتمد اهـ فتح ومثله التحفة ، واعتمد الخطيب و (م ر) وأبو مخرمة أن الثلاثة الأحرف سواء بخلاف بل ولكن.

(مسألة) : يجوز للمتعهد وقف النخل المعهد ، وإذا فك اشترى الحاكم بدله ووقفه ، قاله أبو مخرمة ، وقال غيره : لا ينفك بل يستمر عليه حكم الوقف ويعطى المعهد زائد القيمة بين العهدة والقطع ، قال : وهو الأحوط.

(مسألة : ش) : وقف أرضاً على أبيه على ثلاثة قراء مجهولين يقرأون كل يوم ثلاثة أجزاء لم يصح وقفه ، لأنا إن جعلناه على جهة عامة نافاه الحصر في قوله على ثلاثة قرّاء ، وإن جعلناه على معين فلا تعيين ، نعم لو قال : وقفت هذا على من يقرأ كل يوم كذا على قبر أبي وقد عرف قبره ، أو في مسجد كذا صح وكان وقفاً على جهة ، أو على زيد مثلاً على أن يقرأ كما مر صح وكان وقفاً على معين ، لكن شرط صحته في سورة القراءة على القبر إمكانها بأن علم القبر وإلا لم يصح الوقف أصلاً.

(مسألة : ك) : وقف جميع ما يملكه على ذريته ، وله عقار ونخيل ومواش ، نفذ في الجميع إن كان مكلفاً رشيداً غير محجور عليه بمرض أو فلس عالماً بما وقفه ولو مديناً ولا يدفع منه شيء لغير الموقوف عليهم ، فإن كان في حال المرض لم ينفذ إلا بإجازة جميع الورثة بعد الموت ، فإن أجاز بعضهم نفذ فيما أجازه ، نعم تنفذ إجازتهم في قدر الدين الذي على الواقف حيث لم يبرأ منه اهـ. قلت : وقوله عالماً بما وقفه قال في التحفة والنهاية : شرط الموقوف كونه عيناً معيناً مملوكة ملكاً يقبل النقل ، ولكن لا تشترط الرؤية للموقوف فيصح وقف الأعمى ، وقال في الفتح : يصح وقف ما لم يره اهـ.

(مسألة : ك) : يصح وقف الإمام أراضي بيت المال على جهة ومعين على المنقول المعمول به بشرط ظهور المصلحة في ذلك ، إذ تصرفه منوط بها كوليّ اليتيم ، ومن ثم لو رأى المصلحة في تمليك ذلك لهم جاز ، قاله في النهاية ومثلها التحفة وزاد فيها بشرط أن يكون الإمام رقيقاً لبيت المال ، وأعتقه ناظره قال : فالأتراك لا يعمل بشيء من شروطهم في أوقافهم كما قاله أجلاء المتأخرين ، لأنهم أرقاء بيت المال وعتق رقيق بيت المال غير صحيح.

(

مسألة : ك) : وقف عشر نخلات على آخر وشرط أنهن محررات ، ومعنى محرر عندهم أنه يسقى ويحفظ من مال الواقف وليس على الموقوف عليه خسر ، فإن عين الواقف جهة للخسارة المذكورة صرفت منها ، وإلا فأجرته منه لا على الواقف ولا ورثته كما أفهمه كلامهم.

(مسألة : ك) : وقف نخلة فقلعت بقيت الأرض وقفاً ، ثم إن غرسها الموقوف عليه وإلا أجرت بما يعمرها كما قاله في التحفة والنهاية ، فيما إذا وقف داراً على معلم الصبيان أو على أن له أجرتها فخربت ولم يعمرها الموقوف عليه أنها تؤجر بما يعمرها للضرورة ، هذا إن كانت الأرض موقوفة مع النخلة ، وإلا فهي ملك للواقف ووارثه ، إذ لا يدخل المغرس في وقف النخلة كما لا يدخل في بيعها.

فائدة : تنجس فمه وأراد الشرب من المال المسبل للشرب ، فإن كان بحيث يطهر بمجرّد جري الماء فله الشرب لحصول زوال النجاسة من الحكم بطهارة الغسالة وإلا حرم غسل فمه منه ، فإن شرب حينئذ من غير أن يضطر حرام من حيث شرب النجس فقط ، نعم إن اطرد عرف عمل به اهـ بامخرمة.

(مسألة : ش) : حكم الشجر النابت في أرض موقوفة لسكنى المسلمين أو المقبرة المسبلة أو الموقوفة الإباحة تبعاً لها ، لكن قال الحناطي : الأولى صرف ثمرها لمصالح الوقف ، أما الموقوفة على طائفة مخصوصة فتختص بهم ، فمن أخذ منهم شيئاً ملكه ، وإن أخذه غيرهم ضمنه ويبرأ بدفعه لواحد منهم ، والأولى دفعه للحاكم ليصرفه في مصالحها ، كحفر بئر بها وتسويتها ، كما لو استوفى شخص منفعة الأرض بنحو زرع وغرس.

(مسألة : ي) : الموقوف على ذرّية شخص كوقف الشيخ عبد الله بن يس ، لا يصح بيعه ولا بيع الحصص قطعاً ولا هده ولا رهنه اتفاقاً ، لأن شرط الرهن كونه عيناً يصح بيعها ، ومن شروط البيع العلم بالمبيع ورؤيته وملكه ، وبفقد واحد منها يبطل فكيف بفقد كلها ؟ إذ رقبة المال موقوفة لا يصح بيعها ، والغلة مجهول قدرها وغير مملوكة للعاقد ، فحينئذ ما قبضه المعطي من الغلة والآخذ من مقابلها مضمون عليها ضمان غصب ، نعم إن نذر غير المحجور بغلة السهم الذي يخصه فقط لا مما يخص موكله ومحجوره بصيغة صحيحة منجزاً أو معلقاً صح ، ولا يضمن المنذور له في مقابله شيئاً في حكم الظاهر ويبطل بموت الناذر.

171

الموقوف عليه

(مسألة) : شرط الموقوف عيه معيناً كان زيد وذرية فلان ، أو جهة كالفقراء والمساجد ونحوهما كونه أهلاً للتملك ، فخرج به من سيولد لي أو ولدي ولا ولد له والحمل ، ونحو المرتد والعبد لنفسه ، فإن أطلق فلمالكه ، وكبهيمة غير موقوفة إلا إن قصد مالكها فهو وقف عليه ، نعم يصح الوقف على حمام مكة وكبئر وساقية ودار لعمارتها ، لا إن قال لطارقها فيصح إذ هم الموقوف عليهم حينئذ ، نعم إن كانت موقوفة صح الوقف كنحو رباط وبئر موقوفين أو مسبلين ، لأن حفظ العمارة حينئذ قربة ، قاله في الإمداد والنهاية وغيرهما ، ويؤخذ منه أن المصلي كذلك أي إن وقف للصلاة فيه أو نص الواقف على أنه لمن يصلي فيه صح وإلا فلا فليتنبه لذلك.

(مسألة : ي) : المراد بالقرابة والرحم ، فيما إذا وقف شخص أو أوصى لأقاربه أو رحمه أو أقارب أو رحم غيره كل قريب من الجهتين ، والعبرة فيه بأقرب جدّ ينسب إليه ذلك الشخص أو أمه ، ويعدون قبيلة إذا علمت ذلك ، فعدّ من أبي الواقف وأبي أمه إلى أن تنتهي إلى أقرب جدّ يعدّون أولاده قبيلة واحدة ، فجميع ذرّية هذين الجدين أعلاهم ، وذكرهم وغنيهم وأضدادهم من تلك القبيلة وغيرها كأولاد البنات أرحام الواقف تجب التسوية بينهم واستيعابهم وإن شق الاستيعاب ، نعم لا يدخل ورثة الواقف فيما إذا وقف على قرابة نفسه أو رحمه ، فإن تعذر حصرهم وجب الاقتصار على ثلاثة فأكثر ، لكن يلزم الوصي تقديم الأحوج فالأحوج ، فإن استووا قدم الأقرب ، وطريق العلم بذلك إما معرفة الناظر أو شهادة رجلين بأن هذا من ذرّية إحدى القبيلتين ، أو كتب النسب الصحيحة كشجرات السادة بني علوي ، ومن مات من المستحقين رجعت حصته لبقية الأرحام جميعهم لا لخصوص ورثة الميت ، ومثل الوقف في جميع ما ذكر الوصية ، لكن يفارقها في أنه يدخل في الوقف من كان موجوداً ومن حدث بعده إلى الأبد إلا الحمل فلا يستحق شيئاً من غلة وجدت قبل انفصاله.

(مسألة : ش) : وقف بيتاً على ذرّيته وذريتهم ما تناسلوا ، فمات عن بنتين اشتركتا ثم من حدث من أولادهما شارك بالسوية عملاً بقضية الواو ، ولا شيء لعصبتهم إذا لم يكونوا من الذرية.

(مسألة : ب) : وقف على ذريته ، دخل أولاد البنات وإن قصد من ينسب إليه فقط ، أو لم يعرف في لغة جهته أن أولاد البنات يدخلون في الوقف على الذرية ما لم يخصصهم لفظ حال إنشاء الوقف عملاً بعموم اللفظ في دلالته على الحقائق الثلاث ، يعني الشرعية واللغوية والعرفية ، ولأن المراعى في الأوقاف والوصايا والنذور ونحوها إنما هو دلالة الألفاظ لا المقصود إلا إن علمت واحتملها اللفظ.

(

مسألة : ب) : وقف على ولديه ثم أولادهما الذكور المنسوبين إليه أبداً ما تناسلوا ، ومن مات وله عقب فنصيبه لعقبه الذكور ، ثم أولادهم المنسوبين إليه ما تناسلوا ، فمات أحد الابنين في حياة الواقف بلا عقب ، ثم الآخر عن ثلاثة بنين فقسم أثلاثاً ، ثم مات أحدهم عن ابن فأخذ نصيبه ، ثم الثاني عقيماً كان نصيبه لأخيه ، ثم مات هذا الأخ الثالث عن ثلاثة قسم جميع الوقف بين الكل بالسوية على المعتمد الذي رجحه ابن حجر وغيره ، وهكذا كل درجة بعد انقراض ما قبلها يصيرون شركاء على حسب الرؤوس ، إذ كل طبقة إنما يتلقون من الوقف لا من الذين قبلهم ، ومعنى تلقيهم منه أن الاستحقاق لجميعهم بحسب ما نص عليه الواقف.

(مسألة) : وقف على أولاده دخل الذكر والأنثى والخنثى لا الحمل والمنفي ولا أولاد الأولاد ، نعم إن لم يكن له إلا الأحفاد دخلوا كما في الإرشاد ، قال (ع ش) : ولو بوسائط فيدخل الجميع ويشتركون اهـ. ونقل في التحفة عن الرافعي أنه لا تدخل الأخوات في الوقف على الإخوة بخلاف الأولاد ، لأن هذا اللفظ لا مقابل له يميزه بخلاف الأوّل ، قال : ولو وقف على زوجته أو أم ولده ما لم تتزوّج بطل حقها بتزوّجها ولم يعد بتعزبها ، بخلاف نظيره في بنته الأرملة لأنه أناط استحقاقها بصفة وبالتعزب وجدت بخلاف نظيره في الزوجة اهـ. وأفتى الماوردي والسمهودي باستحقاق الزوجة كالبنت.

فائدة : أفتى محمد باسودان بأن من استعار من طلبة العلم كتاب وقف من طالب آخر لا يلزمه ردّه إليه إذا طلبه الأول ، إذ هو مستحق الانتفاع به مثله ، قال : ثم رأيت في القلائد ما يقتضي أنه إن شرط عليه ردّه لزم وإلا فلا اهـ.

فائدة : وأفتى علي بن قاضي في وقف على مصرفين معينين وأحدهما يحتاج إلى أضعاف ما يحتاجه الآخر ، ولم يعلم في ذلك تفصيل ولا عادة نظارمعتبرين بأنه يتعين الرجوع إلى اعتبار النظر إلى المصارف وإعطاء كل ما يقتضيه العرف بالنسبة إلى زيادة كلفته ووجود حاجته على الآخر ، فإذا قضى العرف في موقوف على مسجد وسقاية مثلاً بأن المسجد يحتاج إلى ثلاثة أرباعه لكثرة مصارفه ونحو السقاية يحتاج إلى ربع جعل الوقف بينهما كذلك ، واستدل بعبارات من الإمداد والعباب اهـ.

فائدة : ومن أثناء جواب لمحمد باسودان في الوقف المنقطع الآخر قال : فتقدم البنوّة الأقرب فالأقرب فابن بنت مقدم على ابن ابن ثم الأبوان ثم الأخوة ثم الجدودة وهكذا على عدد رؤوسهم. قال : ثم ليعلم السائل أن قولهم : يصرف إلى أقرب الناس رحماً لا إرثاً أنه إذا كان الأقرب وارثاً استحق إذ الإرث غير مانع ولا مرجح ، نعم ينبغي لمن رفعت إليه مثل هذه الواقعة وظهر له فيها قرينة الحرمان أن يرشدهم إلى تقليد القائلين ببطلان الوقف ، وهو ما ذكره ابن حجر في التحفة عن غير واحد من الأئمة ، وإن رجح هو كالخطيب و (م ر) الصحة ، إذ العمل بالقول الضعيف لمن أراد التقليد صحيح ، كما قرره الكردي في الفوائد المدنية اهـ.

(

مسألة : ش) : الذي يظهر في الوقف المنقطع الآخر أنه لا يعتبر فيه شرط الواقف من تفضيل الذكر واستحقاقه على الأنثى ، بل ينتقل لأقرب الناس إلى الواقف حين انقطاعه بالسوية ، فلو حدث آخر في درجتهم شارك ، كما لو مات الأقرب وخلف أولاداً وكان في درجتهم آخرون فيقسم الجميع بالسوية أيضاً وهكذا كل درجة ، بل لو حدث من هو أقرب إلى الواقف من الموجودين انتقل الاستحقاق إليه.

173

حكم النظر وتلف الوقف

فائدة : ذكر الدميري حديث : "إذا أحب الله عبداً جعله قيم مسجد ، وإذا أبغضه جعله قيم حمام" .

(مسألة : ي) : يتبع في النظر ما شرطه الواقف بترتيبه ، فمن كانت النوبة له وتأهل للنظر فله الولاية ، فإن لم يتأهل لصغر أو جنون أو عدم كفاية انتقلت إلى الحاكم إلى كماله ، فعلم أنه لا ولاية لوصي الوصي ولا لمتأخر مع وجود متقدم ناقص ، فلو استولى شخص بلا تولية ولا نظر حرم ولزم الحاكم نزعه منه ، فإن ادعى شرط الواقف وأن يده بحق قال أبو مخرمة وجماعة من السادة العلويين وغيرهم : لا يصدق إلا ببينة. وقال ابن سراج والسيد طه بن عمر : يصدق ذو اليد والقلب إلى الأوّل أميل ، نعم إن كان المتولي ومن قبله من صلحاء البلد وقصد حفظه لعدم الحاكم أو جوره كان محسناً ، لأن المراد بالحاكم حيث أطلق العدل الأمين كامل النظر فغيره كالعدم ، فحينئذ يلزم صلحاء أهل بلد الوقف تولية أهل لذلك وإلا أثموا ، ولزم من تحت يده الوقف التصرف فيه إن كان أهلاً وإلا دفعه إلى أهل اهـ. قلت : ووافق ابن سراج والسيد طه الطنبداوي والعلامة أبو بكر بن شهاب الدين وابن زياد وأبو حويرث وأبو بحير ، ونقله في الدشنة عن فتاوى ابن عمر ، وعبارة (ب) : لا ولاية شرعية في أموال نحو المساجد للآحاد مع وجود قاض أمين بل مع عدمه أصلاً ، أو كونه غير أمين بحيث لو سلم إليه المال مثلاً خيف ضياعه ، فحينئذ يسوغ لمن بيده المال أن يصرفه في مصارفه ويقوم مقام الإمام العادل ، فلو مات قيم نحو المسجد حينئذ فقامت بنته مقامه ، فإن استوفت شروط النظر فهي قائمة مقام القيم ، فتصرفها الجاري على الوجه الشرعي جائز للضرورة ويلزمها أن لا تتعدى المصلحة ، فلو وجدت من يقوم بالمصلحة بأجرة ناقصة فأجرت بأكثر أو تركت عقد الإجارة أثمت.

فائدة : وقف على كذا وجعل النظر للأكبر الأصلح من أولاده ثم أولادهم ما تناسلوا ، فاتفق أن الأكبر صالح والأصغر أصلح مع استواء الدرجة ، فالظاهر أن النظر للأول ، لأن مفهوم الأكبر أخرج الأصغر مطلقاً ، ولو انفرد صاحب الطبقة العليا وكان صالحاً استحق النظر كما في التحفة اهـ علي بن قاضي.

(مسألة : ب) : وظيفة الولي فيما تولى فيه حفظه وتعهده والتصرف فيه بالغبطة والمصلحة وصرفه في مصارفه هذا من حيث الإجمال ، وأما من حيث التفصيل فقد يختلف الحكم في بعض فروع مسائل الأولياء ، وحينئذ فإذا أعطى جندي مثلاً وليّ المسجد مالاً للمسجد ملكه إياه فرده ، فإن عد مقصراً برد المال بأن لم يكن ثم موجب لرده أثم ولزمه طلبه ، فإن أنكره الجندي لزمه طلب يمين الإنكار إن لم يلحقه ضرر بطلبها لعله يقرّ ويرد ما أخذه أو بعضه ، وتجوز بل تجب عليه المعاوضة في ملك المسجد إن رأى المصلحة ، كأن كانت أرض المسجد لا تحرث أو تحرث نادراً ، فرغب فيها شخص بأرض تحرث دائماً ، ويكون بصيغة المعاوضة أولى فيكتب في الصيغة : أما بعد فقد صار الزبر الفلاني المحدد بكذا لمسجد كذا من فلان بالمعاوضة الشرعية المستكملة للشروط والأركان ، فصار الزبر المذكور ملكاً من أملاك المسجد قطعاً قلاطاً ، وتعوض فلان المذكور في مقابلة ذلك ما هو ملك المسجد المذكور وهو الزبر الفلاني بحدوده الأربعة على لسان القيم والوالي شرعاً على المسجد المذكور فلان بن فلان وذلك بعد ظهور الغبطة والمصلحة ، وله أن يقاسم عن المسجد كسائر التصرفات.

فائدة : يجوز للقيم الجري على سنن النظار الأولين المعتبرين ، فيضيق بحسب العادة منهم كما أفتى به النووي ، وإن كانوا عامية لا يعلم فسقهم كما يرجع إلى الدفاتر المتقدمة من النظار ويتبع ما فيها لأن الظاهر استنادهم إلى أصل قاله ابن زياد ، وقال أبو مخرمة : يتبع العرف المطرد القديم من غير نكير في مصرف الوقف ، كما لو كان الوقف مشهور بوقف الجامع ، ويصرف منه النظار المتقدمون على مساجد أخر فيتبع عملهم ، إذ العادة المرضية القديمة كشرط الواقف اهـ.

فرع : أفتى القفال بأن ناظر الوقف لو أجره سنين وأخذ الأجرة لم يعط البطن الأول منها إلا بقدر ما مضى من الزمان ، وإلا ضمن الزيادة للبطن الثاني إذا مات الآخذ ، وأخذ منه الزركشي أنه لو أجره الموقوف عليه لم يتصرف في جميع الأجرة لتوقع ظهور كونه لغيره بموته ، لكن صرح ابن الرفعة بأن له ذلك لأنه ملكه في الحال ، وفصل السبكي بين طول المدّة وقصرها قال : فإن طالت بحيث يبعد احتمال بقاء الموجود من أهل الوقف منع من التصرف وإن قصرت فلا ، وأما صرفها في العمارة فلا مانع منه بحال اهـ ، إمداد.

(مسألة : ب) : ليس لناظر الوقف وولي المحجور الاقتراض له لنحو نفقة وعمارة كإقراض ماله إلا بإذن الواقف أو الحاكم ولو بقوله في خط النيابة : وأذنت له أن يقرضه ويقرض ماله ، فيرجع به حينئذ في ماله بخلافه بلا إذن فلا رجوع ، وإن كان المنفق الحاكم نفسه ، نعم يصدق الأب والجد في الإنفاق بنية الرجوع ويرجعان بذلك.

(مسألة : ش) : ليس للناظر غرس الأرض الموقوفة لنفسه بالأجرة بلا إذن الحاكم لتولي الطرفين ، فإن فعل قلع مجاناً ولزمه أقصى الأجر يصرفها في مصالح الوقف ، نعم إن أذن الواقف في صلب الوقف لناظرها أن يغرسها أو يزرعها لنفسه أو اطرد العرف بذلك جاز ، لأن العادة المطردة المقارنة للوقف كشرط الواقف.

(مسألة : ش) : عمر أحد الموقوف عليهم الوقف فلا شيء له إن كانت العمارة أثراً ، فإن كانت عيناً أجنبية كأخشاب وآجرّ فهي على ملك واضعها ، ثم إن كان ناظراً أو أذن له الناظر في ذلك كان عارية له الرجوع فيها ، ويخير الناظر بين الإبقاء بالأجرة من غلة الوقف والقلع بالأرش ، وإن لم يكن كذلك فلا قلع ولا أجرة لتعديه ، بل إن قلعه هو أثم ويلزمه أرش النقص ، كما لو أدخل ديناراً محبرة غيره.

(مسألة : ش) : ناظر الوقف على القراءة إذا عمل بنفسه ، فإن نص الواقف على استحقاقه في صلب الوقف كأن قال : فإن قرأت بنفسك فلك المشروط ، أو اطرد عرف بذلك حال الوقف استحق ما شرط وإلا فلا ، ومثله الوصي بالإحجاج ، وهذا نظير ما لو قال فرق ثلثي فإنه لا يأخذ لنفسه مطلقاً ، وكذا لأصله وفرعه ما لم ينص عليهم ، فإن استأجره الحاكم للقراءة ، قال الأصبحي وفقهاء زبيد : استحق ، وقال غيرهم : إذ لا يتولى مع الناظر نظر الوقف.

(

مسألة ج) : يجوز للناظر ولو من جهة الواقف عزل نفسه كالوكيل والولي ، فيتولاه غيره ممن شرط ثم الحاكم ثم أهل الحل والعقد من صلحاء البلد ، نعم إن لم يوجد صالح غير الناظر حرم عزله بل لا ينفذ كالوصي.

(مسألة : ي) : ليس للناظر العام وهو القاضي أو الوليّ النظر في أمر الأوقاف وأموال المساجد مع وجود الناظر الخاص المتأهل ، وليس للحاكم ولا غيره عزل الناظر من جهة الوقف ، بل لا ينفذ إلا إن فقدت أهليته ، فينتقل النظر للحاكم مدة فقدها ، ثم يعود بعودها من غير تولية ، وكذا لا يجوز عزله لو كان من جهة الحاكم على الراجح ، نعم لو زالت أهلية هذا ثم عادت لم يعد له النظر إلا بتولية جديدة.

فائدة : وقع بين رجل من أهل الوظائف بالظاء المشالة وبين الناظر تنازع ، فعزله عن وظيفته من غير مسوّغ شرعي لم يجز عزله ، بل لا ينفذ العزل لمن كان قائماً بوظيفته بشروطها من غير سبب شرعي ، بل ذلك قادح في نظره ، كما أفتى به الطنبداوي وابن زياد ، نعم إن كان الناظر موثوقاً بعلمه وديانته لم يلزمه بيان سبب العزل ، قاله في الفتح اهـ فتاوى عبد العزيز الحبيشي.

(مسألة : ك) : أتلف العين الموقوفة شخص ضمنها واشترى الحاكم لا الناظر على المعتمد بدلها وأنشأ وقفها بأحد ألفاظه المعتبرة ، أما ما اشتراه الناظر من ريع الوقف أو عمره منها ، أو أخذه لجهة الوقف فالمنشىء هو الناظر ، كما أن ما بناه من ماله أو من ريع الوقف من الجدران الموقوفة يصير وقفاً بالبناء لجهته فلا يحتاج حينئذ إلى لفظ.

فائدة : يد طالب العلم على الكتب الموقوفة يد أمانة يضمن بما يضمن به الوديع ، فحينئذ لو أراد السفر لزمه التخلية بين الناظر أو وكيله وبين الكتاب ، فإن فقد فالحاكم الأمين ثم الأمين ، فإن لم يفعل عصى بسفره ، وإن تركه في حرزه وليس له إيداعه ولو لولده كما ليس له إعارته لطالب آخر بغير إذن الناظر ، ويصدق بيمينه في دعوى التلف بغير تقصير على تفصيل الوديعة ، هذا إن بقي على أمانته ، فإن تعدى أو جحد ثم ادعى التلف قبله ضمن كالغصب وصدق في التلف وقدر القيمة ، واشترى الحاكم بالقيمة مثل التالف وإلا فبعضه ويقفه بدله ، ولا يصدق في الرد على من لم يأمنه من وكيل الناظر أو ناظر آخر ، فإن ادعى الرد من ائتمنه فقضية القاعدة الكلية وهي قولهم : كل أمين مصدق في دعوى الردّ على من ائتمنه إلا المرتهن والمستأجر أنه يصدق كسائر الأمناء ، ويحتمل عدم تصديقه أخذاً من قولهم : من أخذ يميناً بإذن صاحبها لمصلحة نفسه لا يصدق في دعوى الرد ، ويجوز للناظر طلب الكتاب عند وجود المصلحة في أخذه ، كتفقده ودفعه لأحوج من الأول ، وخشية مفسدة في إبقائه عند الطالب من نحو جحود واشتهار ملكه له لطول مدته عنده ونحو ذلك ، ويلزم الطالب التسليم حينئذ وإلا ضمن ، ولو طلب منه الكتاب فادعى الرد ثم أقرّ به وادعى التلف لم يصدق ، وإن ادعى ثم غلطاً أو نسياناً لتناقض كلامه ، نعم إن أقام بينة شهدت بتلفه قبل دعواه الرد قبلت وحملت دعواه الرد على الغلط ، وحيث لم تقم بينة صدق في التلف وغرم القيمة ، ولو شرط الواقف في صيغة الوقف أن لا يسلم الكتاب إلا برهن وجب اتباع شرطه ، فلا يسلم إلا برهن يفي بقيمته وهو رهن لغوي ، إذ المقصود منه مجرد الحمل على تذكره ورده سريعاً عند عدم الحاجة ، فلا يتعلق به ضمان ، ولا يباع لو تلف الكتاب عنده ولو بتفريط ، بل يرده الناظر ويطلب القيمة ، ولا يقدر الناظر المدة للطالب إلا إن شرطها الواقف أو اطردت عادة في زمن الواقف وعلمها فيعمل به ، فإن لم يكن شيء من

ذلك فعل الناظر ما فيه المصلحة من غير تقييد بمدة ، ويحرم عليه أخذه من الطالب ومنعه منه من غير مصلحة مما تقدم ، ومثل الناظر الحاكم إن كان له النظر في الأوقاف ، وإلا فليس له ولاية مع الناظر الخاص إلا إن فعل ما لا يليق فيجب نهيه حينئذ ، أما لو أمر بتقدير المدة ذوو الشوكة أو الحاكم الذي له الولاية العامة وجب على الكل امتثال أمره ، إذ تجب طاعته فيما لا معصية فيه ظاهراً وباطناً إن كان ثم مصلحة وإلا فظاهراً فقط ، فيجوز تأخير الرد حينئذ خفية ولا ضمان اهـ فتاوى السيد عمر بن عبد الله بن يحيى.

(

مسألة : ب) : بيوت موقوفة على معينين أشرفت على الخراب بأن تعطل الانتفاع بها من الوجه الذي قصده الواقف كالسكنى ولم يرغب فيها الموقوف عليهم ، جاز للناظر الخامس ثم العام أو نائبه ثم صلحاء البلد إجارة الأرض والبيوت مدة معلومة وإن طالت كمائة سنة مثلاً ، بحيث تفي تلك المدة بعمارة الوقف ورده على حالته الأولى أو الممكن ، ويتسامح بذلك للضرورة ، مراعياً في الإجارة مصلحة الوقف لا الموقوف عليهم ، فتؤجر بأجرة مثلها معجلة كل سنة على حدتها ويحتاط لذلك ، ولا يدفع للمستحقين شيء من الأجرة ما دام الاحتياج إليها لعمارة عين الوقف ، بل لو لم يرغب أحد في الوقف المذكور إلا بشراء بعضه جاز بيعه في الأصح ، قياساً على بيع حصر المسجد البالية وجذعه المنكسر كما جرى عليه الشيخان ، فتحصيل يسير من ثمنها يعود على الوقف أولى من ضياعها ، ويعمر بالثمن الباقي احتياطاً لغرض الواقف وبقية البطون ، فإن تعذر انتفاع الوقف بالثمن في عمارة عينه أو بدله بشرطه لقلته فلا يبعد انقطاع الوقف حينئذ ، ويملكه الموقوف عليهم على المعتمد نظير قيمة العبد التالف ، وجافّ الشجر إذا لم يكن شراء بدله ولو شقصاً أو الانتفاع إلا باستهلاكه.

176

الهبة والإباحة

فائدة : شرط الهبة بإيجاب وقبول متصل موافق كالبيع ، فلو وهب له ألف فقبل نصفه لم يصح ، كما لو قبل أحد اثنين نصف ما وهب لهما اهـ فتح ومثله التحفة والنهاية ، واعتمد في المغني الصحة فيهما تبعاً لشيخه زكريا.

(مسألة : ش) : قال له : هب لي هذه الجارية ، فقال : هي لك فليس بصيغة هبة ، بل لو قلنا في أنها صيغة هبة فيشترط القبول فوراً وقبضها بإقباض الواهب اهـ. قلت : وقوله يشترط القبول هلا كان قوله : هب لي إيجاباً ، وقول الآخر : هي لك كناية كالبيع فتأمل ، إذ يشترط فيها ما يشترط فيه حتى كون العاقدين بصيرين ورؤية الموهوب كما في ع ش.

(مسألة : ي) : صريح العقود لا يحتاج إلى نية ، بل إلى قصد معنى اللفظ بحروفه في الجملة ، فخرج به جريانه من نائم ومجنون وأعجمي لا يعرف معناه جملة وتفصيلاً فلا يقع ما لفظوا به ، ودخل من يعرف معنى اللفظ إجمالاً لا تفصيلاً فيقع ، فمن قال لآخر : وهبتك أو منحتك أو ملكتك أو أعمرتك أو أرقبتك هذا ، وهو لا يميز معنى ما لفظ به حقيقة ، لكن عرف أن هذا اللفظ يؤتى به لنقل الملك من المخاطب إلى المخاطب مجاناً وقع منه ما لفظ به لمعرفته ذلك إجمالاً ، كما لو لفظ بصريح ببيع أو طلاق ، ولا يعرف خصوص ما لفظ به ، لكن يعرف أنه يؤتى به لنقل الملك بعوض ولقطع عصمة النكاح ، ولو وهبت امرأة أرضاً لأخرى وكتبت لها : بأني أهديت لك أرضي صح ، وإن كان لفظ الهدية مغايراً للفظ الهبة لاتحادهما معنى وهو نقل الملك بلا عوض وإن اختلفا تفصيلاً واصطلاحاً ، فلو ادعت جهلها بما تلفظت به ، فإن دلت قرينة حالها على الجهل ولم تكن مخالطة لمن يعرف ذلك صدقت بيمينها وإلا فلا تسمع دعواها.

فرع : أعطى آخر دراهم ليشتري بها عمامة مثلاً ، ولم تدل قرينة حاله على أن قصده مجرد التبسط المعتاد لزمه شراء ما ذكر وإن ملكه لأنه ملك مقيد يصرفه فيما عينه المعطي ، ولو مات قبل صرفه في ذلك انتقل لورثته ملكاً مطلقاً كما هو ظاهر لزوال التقييد بموته ، كما لو ماتت الدابة الموصى بعلفها قبل التصرف فيه ، فإنه يتصرف فيه مالكها كيف شاء ولا يعد لورثة الموصي ، أو بشرط أن يشتري بها ذلك بطل الإعطاء من أصله ، لأن الشرط صريح في المناقضة لا يقبل تأويلاً بخلاف غيره اهـ تحفة.

(مسألة : ي) : لا يصح تعليق الهبة كوهبته قبل موتي بساعة ، كما لا يصح توقيتها إلا في مسائل العمرى والرقبى فيصح وتتأبد ، ولا مع شرط كأن لا يزيله عن ملكه.

(

مسألة : ب) : لا تجب التسوية في عطية الأولاد ، سواء كانت هبة أو صدقة أو هدية أو وقفاً أو تبرعاً آخر ، نعم يسن العدل كما يسن في عطية الأصول ، بل يكره التفضيل ، وقال جمع : يحرم سواء الذكر وغيره ولو في الأحفاد مع وجود الأولاد إلا لتفاوت حاجة أو فضل فلا كراهة ، فإن كان ذلك وصية فلا بد من إجازة بقيتهم.

(مسألة : ج) : أعطى بناته عطايا على سبيل البتول والنحلة وهنّ تحت حجره وكل يعرف عطيته ، ثم مات المعطي فأنكر بقية الورثة العطية ، فإن أقامت البنات بينة بالإعطاء حال الصحة وأنها باقية تحت يده على اسمهن استحقين ذلك ، وإلا فعلى الورثة يمين بأنهم لا يعلمون لهن شيئاً من ذلك كله ولا بعضه.

فائدة : أفتى العلامة عبد الرحمن الأهدل ووافقوه فيما لو ألبس الزوج امرأته حلياً وحريراً للتجمل ولم يصدر منه تمليك ولا قصده بأنه يكون باقياً على ملك الزوج ووارثه بعده ، ولا تملكه بمجرد ذلك كما في التحفة والقلائد ، كما لو ألبس الصبي حلياً أو حريراً بلا قصد اهـ.

(مسألة : ك) : ادعى الأب بعد موت ابنته أن له بعض ما معها من الحلي فالقول قول وارثها ما لم يقم الأب بينة ، ويحلف يمين الاستظهار إن طلبها الوارث الخاص ، وليس هذا من باب اختلاف الزوجين أو ورثتهما الذي يجري فيه التحالف ، نعم إن كانت البنت تحت حجره وصاغ لها من ماله ولم يسبق منه تمليك لها ولا إقرار بأن ذلك ملكها صدق بيمينه ، كما لو كان في يد الولد عين مقر بأنها لوالده ثم ادعى أن المقر به هبة وقد رجع فيه فإنه يصدق أيضاً اهـ. وعبارة (ي) : جهز بنته الكبيرة وكذا الصغيرة على المعتمد ، أو زين زوجته بنحو حلي أو سريته وأعتقها ثم تزوجها وبقي بيدها كان ذلك الحلي ونحوه ملكه في الثلاث الصور ، فيصدق هو ووارثه بيمينه ، على أنه لم يحصل منه تمليك بنذر وهبة وغيرهما ، لكن الوارث يحلف على نفي العلم ، لأن الأصل بقاء ملك الباذل إلا بنقل صحيح ولم يوجد ، نعم إن نقل نحو الأمتعة إلى بيت زوج ابنته وأقر بأنها ملكها أو جهازها أوخذ بإقراره وملكته ، وما نقله في فتح المعين عن ابن زياد عن الخياط ضعيف مخالف لكلامهم ، فلو أثبتت العتيقة بينة ولو شاهداً ويميناً أو امرأتين بأن السيد ملكها ذلك بعد العتق بنحو هبة مع إقباض أو نذر ، أو أثبت إقراره بذلك ثبت وحلفت يمين الاستظهار إن كان السيد قد مات.

(مسألة : ج) : نحل ابنه نخلات في جربة وبقيت في يده ثم باع جميع نخل الجربة المذكورة ، فإن كانت النحلة بلفظ الهبة فلا يملكها الابن إلا بالقبض ، فإذا لم تقبض صح تصرف الأب فيها ، وإن كانت بلفظ النذر ملكها الابن من غير قبض فتصرفه بعده باطل إلا إن كان لحاجة الطفل.

(

مسألة : ج) : جرت عادة أهل اليمن أنه إذا أتى بائع الورس طلب منه المشتري لمن عنده من الصبيان شيئاً منها فيطرحه البائع ، فإن تم البيع وإلا أخذه ، فالذي يظهر أنه يملكه الصبي لكن بعد قبض وليه ، ولا يملكه المشتري إذ لا دلالة لذلك لا لفظاً ولا عقلاً ، وقد خرج من ملك البائع ببذله حال الرضا.

(مسألة : ك) : قوله : "العائد في هبته" وفي رواية : "في عطيته" الخ حمل الشافعي ومالك النهي على التحريم في هبة الأجنبي ، وعلى التنزيه في هبة الوالد لولده ، لما جاء في أحاديث أخر ما يقتضي تخصيصه بغير الوالد لولده وإن سفل ، وحمله أبو حنيفة على الكراهة مطلقاً ، والمراد بالتشبيه القبح مروءة وخلقاً.

فائدة : شروط رجوع الوالد في هبته لولده وإن سفل أن لا يتعلق به حق لازم ، وأن لا يكون الفرع قناً فإنه يكون لسيده ، وأن يكون الموهوب عيناً لا ديناً ، وأن لا يزول ملك الفرع وإن عاد إليه اهـ ش ق. وخرج بالهبة النذر فلا رجوع فيه على المعتمد. ونظم بعضهم حكم ما عوده بعد زواله كعدم عوده وعكسه :

وعائد كزائل لم يعد

في فلس مع هبة للولد

في البيع والقرض مع الصداق

بعكس ذاك الحكم باتفاق

اهـ بج.

(مسألة : ش) : رهن أرضاً وأباح للمرتهن أو غيره منافعها مدة بقاء الدين ، انتهت الإباحة بموت المبيح فيغرم المنافع من حينئذ ، وإن جهل موته على خلاف فيه ، كما لو باعها المالك أو وهبها مع القبض من آخر أو رجع عن الإباحة ، لكن لا يغرم هنا إلا بعد علمه بالحال ويأثم حينئذ.

178

اللقطة واللقيط وحكم الأرقاء المجلو بين

فائدة : من اللقطة أن تبدل نعله بغيرها فيأخذها ، فلا يحل له استعمالها إلا بعد تعريفها بشرطه أو تحقق إعراض المالك عنها ، فإن علم أن صاحبها تعمد أخذ نعله جاز له بيعها ظفراً بشرطه ، وأجمعوا على جواز أخذ اللقطة في الجملة لأحاديث فيها اهـ تحفة. ومنها : ولو أعيا بعيره مثلاً فتركه فقام به غيره حتى عاد لحاله ملكه عند أحمد والليث ، ورجع بما صرفه عند مالك ، ومذهبنا لا يملك ولا يرجع بشيء إلا إن استأذن الحاكم في الإنفاق أو أشهد عند فقده أنه ينفق بنية الرجوع لا بالنية فقط ، وإن فقد الشهود لندرته ، ومن أخرج متاعاً غرق ملكه عند الحسن البصري وردّ بالإجماع على خلافه.

(مسألة : ش) : مكلف مختار أقر بالرق لغيره ولم يكذبه المقر له صح إقراره ما لم يسبق منه إقرار بحرية أو برقّ لآخر ويكذبه فيصير حر الأصل ، وإذا حكم برقه فادعى أنه حر الأصل لم يقبل للتناقض ، نعم إن شهدت بها بينة حسبة ثبتت ، وحينئذ لا أثر لتصادق الرقيق ومالكه بالرق ، وصدق ذو يد غير ملتقط في دعوى رق غير مكلف عملاً باليد ولا تقبل دعواه الحرية بعد تكليفه إلا ببينة ، نعم له تحليف السيد ، فإن نكل حلف العبد وثبتت حريته ، بخلاف مكلف ادعي رقه فأنكر فيصدق هو ما لم يقم السيد بينة ولو شاهداً ويميناً ذكرت سبب الملك كوراثة أو اشتراه ، وهذا كملتقط ادعى رق لقيط ، وكمدع رق صبيّ ليس في يده ، فلا بد من بينة تذكر السبب أيضاً كولدته أمته ، ويكفي هنا أربع نسوة يشهدن بالولادة ، ولا يشترط التعرّض للملك على المعتمد ، ولا يسوغ للشاهد في الشهادة بالرقّ الاستناد إلى ظاهر اليد مع التصرّف الطويل حتى يسمع منه أي العبد ومن غيره بالملك ، إذ الاستخدام في الأحرار يقع كثيراً بخلاف مال الغير مع الاحتياط للحرية ، وينبغي لمن أراد شراء عبد أن يشهد على إقراره بالرق لبائعه لئلا يدعي الحرية بعد.

(مسألة : ش) : يحكم بإسلام الصبي بتبعية أحد أصوله أو سابيه ، وتتصوّر حريته بعتق سابيه حيث لم يكن غنيمة ، كأن أخذه سرًّا ثم هرب ، أو جحد مالكه فيختص به فيهما ، أو وقع في سهمه في غنيمة فأعتقه ، فحينئذ يقتص به من الحرّ المسلم لا إن بلغ وسكت.

(

مسألة : ك) : حاصل المعتمد في الأرقاء المجلوبين أنه إذا كان السابي له مسلماً تبعه المسبي في الإسلام ، ما لم يكن أحد أبويه في الجيش وإلا فهو على دينه أو حربياً كتابياً أو غيره ، فعلى دينه أو ذمياً وكان سبيه له في جيش فكذلك على الأصح ، وقيل هو مسلم وحينئذ فحيث حكم بإسلام الأمة حلّ وطؤها ، فتلخص من ذلك حلّ هؤلاء السراري المجلوبة الآن ما لم يتحقق أن الغانم لهنّ المسلمون ، ولم تخمس ، ولم يسبق من أميرهم قبل الاغتنام أن من أخذ شيئاً فهو له لجوازه عند الأئمة الثلاثة وفي قول عندنا فحينئذ يمتنع التسرّي ، ولكن أنى لك بوجود معرفة هذه الشروط المانعة وحكم السارق والمختلس كالغانم في وجوب التخميس ، وقال الإمام والغزالي : يختصان بما أخذه وهو مذهب أبي حنيفة اهـ. وعبارة (ب) حاصل ما ذكره العلماء في الإماء المجلوبة هو أن ما جهل حالها بأن لم يعلم كونها من غنيمة لم تخمس ، فالرجوع فيه إلى ظاهر اليد في الصغيرة واليها مع الإقرار في الكبيرة إذ اليد حجة ، فيحل شراؤها كسائر التصرفات ، وما علم فإما أن يتحقق إسلامها وأنه لم يجر عليها رقّ قبل ذلك فهذه لا تحل بوجه من الوجوه إلا بزواج بشرطه ككافرة ممن لهم عهد وذمة ، أو تكون كافرة من أهل الحرب مملوكة لحربي أو غيره ، ولو بأخذها قهراً من سيدها الحربي فحلال لمشتريها ، أو كافرة من أهل الحرب لم يجز عليها رق وأخذها مسلم فهذه قسمان : أحدهما أن ينجلي عنها الكفار بغير إيجاف من المسلمين ، أو يموت عنها من لا وارث له من أهل الذمة وما أشبه ذلك ، فهذه فيء يصرف خمسه لأهله والباقي لأهله. ثانيهما أن يأخذها جيش من جيوش المسلمين بإيجاف خيل وركاب فهي غنيمة خمسها لأهله وأربعة أخماسها لمن حضرها ، وهذا كما لو غزا واحد أو اثنان أو أكثر بإذن الإمام أم لا ، أو كانوا متلصصين لا على صورة الغزاة على المعتمد من اضطراب وخلاف في ذلك ، وطريق من وقع بيده غنيمة لم تخمس ردها لمستحق علم ، فإن غاب فالقاضي ما لم ييأس من

معرفته فتكون لبيت المال ، وحينئذ فلمن له فيه حق الظفر به والورع لمريد الشراء أن يشتري ثانياً من وكيل بيت المال ، لأن الغالب عدم التخميس واليأس من معرفة ملاكه ، وأما شراء صبيان الكفار من نحو أصولهم فلا ينعقد بيعاً وإنما هو استيلاء ، ثم إن كان المشتري مسلماً تبعه في الإسلام وعليه تخميسه ، أو كافراً ولو ذمياً على الأصح فباق على كفره ويملكه خالصاً ، وحينئذ لا يحلّ لمشتريها منه وطؤها قبل البلوغ والإسلام كما هو ظاهر كلامهم ، واختار البلقيني صحته واعتمده السيوطي ومال إليه السبكي ، ولا يصح مع ولد المعاهد بحال ، ونقل عن الماوردي صحته وعليه يكون كولد الحربي ويتولى بيعه المتبوع ، ولا يجوز أخذ أولاد المستأمنين اختلاساً كنهب.

180

الوديعة

(مسألة : ك) : خلط دراهم وديعة بدراهم أخر له أو لغيره ولو للمودع ضمنها إن لم تتميز بنحو سكة وعتق ، ولم يأذن صاحبها في الخلط ولا ظن رضاه أو أذن ونقصت بالخلط ، وهذا كما لو أودعه دراهم لنحو حجة أو هدية فصرفها بسكة أخرى بغير إذنه أو علم رضاه فيضمن أيضاً ، فحيث سلمت سلمت لأربابها ، وحيث تلفت ضمن الخالط والصارف إن لم يبرئه بعد التلف.

فائدة : قال في التحفة : فعلم أنه لو وقع بخزانة حريق فبادر بنقل أمتعته فاحترقت الوديعة لم يضمنها مطلقاً لأنه مأمور بالابتداء بنفسه ، نعم لو أمكنه إخراج الكل دفعة من غير مشقة ضمن ، كما لو كانت فوق فنحاها وأخرج ماله الذي تحتها ، ولو رأى نحو وديع وراع مأكولاً تحت يده وقع في مهلكة جاز ذبحه ، ولا يضمن بتركه إن لم يكن ثم من يشهده على الذبح وإلا ضمن اهـ.

(مسألة : ش) : أودعه طوقاً وأذن له أن يجعله تحت الفراش الذي ينام عليه فوضعه ثم فقد بعد ساعة وأناس حاضرون ، فإن قال الوديع سرق وصدقه المودع ، أو حلف الوديع أو ردها فلم يحلف المودع المردودة لم يضمن الوديع ، وإن حلف ضمن الوديع كما لو قال : لا أدري كيف ضاع لتقصيره ، وللمودع الدعوى على من اتهمه من الحاضرين بأن يعينه أو يدعي على الكل بأنهم سرقوه لصحة الدعوى حينئذ ، بخلاف ما لو قال : أدعي على أحد هؤلاء فلا تصح لعدم تعيين المدعى عليه.

(مسألة : ش) : أودعه دابة يوصلها إلى محل كذا فأعيت في الطريق فتركها لم يضمنها إن خرج بها مع رفقة يأمن معهم ، ولم يمكنه أن يودعها في الطريق عند قاض أو ثقة ، نعم إن ظن أنها تعيى ولم يقل له المالك سر بها وإن أعيت ، أو سر بها الآن مع علمه بكونها تعيى ضمن ، إذ يحمل إذنه على السفر بها بعد الإطاقة عملاً بالظاهر.

(مسألة : ي) : كل أمين كوديع ووكيل ومقارض يصدق هو ووارثه بيمينه في دعوى التلف والرد على المالك لا على وارثه ووكيله ، ولا يضمن إلا بالتعدي ، ومنه أن يطلبها المالك بنفسه أو نحو وكيله ، فيؤخر الأمين الرد بنفسه أو بوكيله مع إمكانه بلا عذر ، كاشتغال بطهر وصلاة حضر وقتهما ، فحينئذ لا يصدق في دعوى التلف إلا ببينة تشهد بالتلف قبل مضي الإمكان ، فإن عجز صدق في التلف لضمان البدل كالغاصب.

(مسألة : ي) : الواجب على كل أمين إذا مرض ردّ ما بيده لمالكه أو وكيله ثم الحاكم الأمين ، فإن فقده لزمه الإيصاء به إلى عدل بأن يعين له ذلك وهو يحرزه بقوله : هذا لفلان وهذا لفلان ، أو يصف له كل عين بما يميزها ويأمره بردها لأربابها ويشهد عدلين فأكثر ، فإن ترك الترتيب المذكور أو الإشهاد في الرد لغير المالك أو قصر في الوصف ضمن ، ولو أوصى بشيء إيصاء مميزاً إلى عدل فلم يوجد في تركته فلا ضمان إذ لا تقصير حينئذ.

(

مسألة : ش) : ادعى على وديع أو مدين أن المالك باعه العين أو أحاله بالدين فصدقه لزمه الدفع إليه ، وليس له طلب بينة لاعترافه بانتقال الحق إليه ، نعم له التأخير للإشهاد على الدفع ، ثم لو أنكر المالك ذلك صدق بيمينه ، إلا إن أقام المدعي بينة بما ادعاه ولو شاهداً ويميناً ، أو حلف المردودة بعد نكول المالك ، فحينئذ تسلم العين أو الدين إليه إن لم يقبض ذلك ، فلو ادعى الوديع أو المدين إقباضه فأنكر ولا بينة وهي شاهدان لا غير في العين ، وشاهدان أو شاهد ويمين في الدين حلف على عدم القبض ، ثم يطالب المحال عليه بالدين وانفصلت الخصومة ، وينفسخ البيع ظاهراً في العين فيسترد الثمن من البائع إن كان قد ثبت قبضه له ، فلو عثر بالعين بيد الوديع أو مدعي الشراء تبينا عدم الانفساخ وحيث حكم بالانفساخ ، فإن استمر المودع على الإنكار أو رجع عنه ولم يذكر عذراً فلا مطالبة له على أحد ، وإن ذكر عذراً كنسيان وصدق الوديع في الدفع لمدعي الشراء مع الإشهاد أو في الدفع فقط وكان حاضراً وقته فلا شيء له على الوديع أيضاً وإلا رجع عليه ببدل العين ، فإن غاب مدعي البيع أو الحوالة وأقام الوديع أو المدين شاهدين بالحوالة أو البيع مع الإقباض دفعت عنه الخصومة ولا يثبت الحق للمدعي.

181

كتاب القرائض

(مسألة) : يقدم في تركة الميت حق تعلق بعين التركة ، كمبيع مات مشتريه مفلساً بثمنه ، فيأخذ الموجود ويضارب بالتالف ، حجر على الميت في حياته أم لا ، ثم ديون الله تعالى كحج استطاعه في حياته وزكاة وكفارة على ديون الآدمي المتعلقة بالذمة ، ومنها ما يلزم الزوج مما يعتادونه من الجهاز ، وتستوي هذه الديون ، فإن وقت بها التركة وإلا قسط بحسب مقاديرها اهـ. قلت : وقوله ومنها ما يلزم الخ سيأتي في الصداق عن أبي مخرمة خلافه.

181

أسباب الإرث وموانعه وما ألحق بهما

(مسألة : ك) : مات وله وارث كابن عم ولو بوسائط كثيرة علمت ، فماله له بالعصوبة إن كان من جهة الأب ، وبالرحم إن كان من جهة الأم ولم يكن سواه ، فإن غاب حفظه القاضي الأمين أو نائبه ، فإن لم يكن وارث خاص فتركته لبيت المال ، فإن لم ينتظم بأن فقدت بعض الشروط كأن جار متوليه ، فعلى من بيده صرفه لقاضي البلد الأهل ليصرفه في المصالح إن شملتها ولايته ، وإلا صرفه العدل الأمين بنفسه أو فوضه لأمين ، وأما لو أعطى السلطان أهل الرباط مثلاً فرماناً أن كل من مات فيه ولا وارث له يكون لهم خاصة أو لشخص مخصوص ، ولا يدخل تحت بيت المال لم يصح ذلك ، ولا يوافق مذهب الشافعي إذ قد يكون الآخذ المذكور لا يستحق شيئاً في بيت المال ، أو كان ما هو أهم في الدفع إليه منه.

فائدة : ماتت امرأة ولا وارث لها وكانت تنتسب إلى فخذ من قبيلتها وتقول : هم ورثتي ، ويزوّجها كبير الفخذ فلا يثبت الإرث بمجرد ذلك ، بل لا بد من بينة تشهد بالتدريج منها ومنه إلى أب معروف ، فإن لم يثبت ذلك فإن استفاض أنهما أعني الرجل والمرأة من الفخذ الفلاني ، وكان الرجل المذكور أرفع درجة من غيره حكم بالإرث ونحوه له ، وإن لم يعلم الأرفع وقف الإرث بينهم إلى أن يثبت الأرفع أو يصطلحوا ، وهذا إذا لم ينتشر الفخذ المذكور انتشاراً لا ينضبط ، وإلا صرفت التركة لبيت المال فيهما اهـ فتاوي بامخرمة ، ووافقه الأشخر قال : وقول العراني لا يتعلق حكم النسب ونحوه إلا بمن علم اتصاله محله إذا لم ينحصر أهل ذلك النسب ، ثم رأيت أحمد الخلي أفتى بما يوافق ذلك.

(مسألة) : تزوّج امرأة فامتنعت عن تمكينه حتى مات أحدهما ورثه الآخر ، لأن أحكام الزوجية غير نحو النفقة ، والقسم تثبت غالباً بالعقد وإن لم يدخل بها ، هذا إن صح النكاح بأن تزوّجها برضاها أو بإجبار الأب والجد بشرطه مع بقية شروط النكاح ، وإلا فلا نكاح ولا إرث.

(مسألة) : ولدت امرأة ابناً وماتت ومات الابن فادعى أبوه موته بعد أمه وأنكره ورثة الأم فالقول قولهم بأيمانهم إنهم لا يعلمون حياته ، لأن شرط الإرث تحقق حياة الوارث بعد موت المورث ، ولأن الأصل عدمها هنا ، فإن أقام الأب بينة ولو شاهداً ويميناً أو امرأتين ببقاء حياة الابن بعد موت أمه قبلت وورث الابن الأم ، وحجب من يحجب به كأخت الميتة ثم يرثه وارثه.

(

مسألة : ش) : إذا حبل الخنثى تبين أنه أنثى ، وإن كان قد حكم بذكورته وتزوّج امرأة وأولدها فيبين بطلان نكاحه الأوّل ، وأن الولد ليس منه لاستحالة إحبال المرأة ، فحينئذ يرثه أولاد بطنه لأنه المتيقن ، ولا يحكم له بولد من صلبه سواء قبل حبله أو بعده ، بخلاف ما لو مال طبعه إلى الرجال فحكم بأنوثته ثم وطىء امرأة بشبهة فولدت له ثبت النسب احتياطاً ولم يحكم بذكورته ، وما حكي أن امرأة خرج لها ذكر فوق فرجها بعد أن ولدت فتزوّجت امرأة وأولدتها لم يصح ، ولو فرض صحته فلا تنافي الخنثى إذ فيها نسخ ظاهر بالانقلاب من الأنوثة إلى الذكورة بأمر محسوس وهو نبات الذكر المذكور فلا تغير القواعد ، نعم يقال إن الضبع والأرنب سنة ذكراً وسنة أنثى ويولد له من فرجيه.

فائدة : سأل أبو يوسف إمامنا الشافعي بمجلس الرشيد رحمهم الله عن قول القائل :

ولي عمة وأنا عمها

ولي خالة وأنا خالها

فأما التي أنا عمّ لها

فإن أبي أمه أمها

أبوها أخي وأخوها أبي

ولي خالة وكذا حكمها

الخ فأجابه : إن التي هي عمتي وأنا عمها صورتها أن أخي لأمي تزوّج جدتي أم أبي فولدت له بنتاً فأنا عم هذه البنت لأني أخو أبيها لأمه وهي أي هذه البنت عمتي لأن أم أبي أمها هي أخت أبي لأمه ، وأما التي هي خالتي وأنا خالها فإن أبا أمي تزوّج بأختي لأبي فأولدها بنتاً فصارت هذه البنت أخت أمي لأبيها فهي خالتي وهي بنت أختي لأبي فأنا خالها اهـ.

(مسألة) : ماتت امرأة عن زوج وبنت وأم ، للزوج الربع ، وللبنت النصف ، وللأم السدس ، والباقي سهم من اثني عشر سهماً للعصبة إن كانت ، وإلا ردّ على الأم والبنت أرباعاً بحسب فرضيهما ولا شيء للزوج ، إذ الرد مخصوص بغير الزوجين من الورثة ، ولو مات عن بنت وأولاد بنت أخرى ولا عصبة كان الجميع للبنت ، ولا شيء لأولاد البنت لأنهم من ذوي الأرحام والرد مقدم عليهم.

(مسألة : ب) : مات شخص ولا وارث له ، وخلف أولاد بناته وبنات أخيه شقيقاً أو لأب وأولاد أخته كذلك ، وأولاد أخيه لأمه ، فحيث قلنا بتوريث ذوي الأرحام وهو المختار المعتمد ففيه مذهبان ، أرجحهما مذهب أهل التنزيل ، وهو أنه ينزل كل منزلة من يدلي به فيأخذ نصيبه ، وحينئذ يقدر كأنه ترك بنتين فأكثر فلهما الثلثان ، وأخاً وأختاً شقيقين أو لأب لهما الباقي وهو الثلث أثلاثاً ، ولا شيء لولد الأخ للأم لأن أباه المنزل هو منزلته محجوب بالبنات المنزل أولادهن منزلتهن في الإرث والحجب ، فتقسم مسألتهم من تسعة : ستة لأولاد البنات لكل أولاد بنت ما يخص أمهم للذكر منهم مثل حظ الأنثيين ، وواحد لأولاد الأخت كذلك ، واثنان لبنات الأخ.

(

مسألة) : مات شخص ولم يخلف وارثاً من المجمع على توريثهم ، ولم ينتظم بيت المال كما هو المعهود ، فماله يكون لأرحامه من جهة أبيه وأمه ، كأجداده وجداته غير الوارثين ، وأخواله وخالاته وأعمامه لأنه وعماته مطلقاً ، وأولاد أخواته ، وأولاد أخواته من الأم ، وبنات أخواته مطلقاً ، وأولاد بناته ، وبنات أعمامه ومن أدلى بهم ، فمن انفرد من هؤلاء أخذ تركة ، وإن اجتمع صنفان فأكثر فالأرجح مذهب أهل التنزيل ، وهو أن ينزل كل منزلة أصله إلا الأعمام والعمات فكالأب ، وإلا الأخوال والخالات فكالأم ، ويقدم الأسبق إلى الوارث على غيره وإن قرب الغير من الميت ، ويتحاجبون كمن يدلون به ، فبنت البنت تحجب ولد الأخ للأم ، لأن من أدلت به وهو البنت يحجب الأخ للأم ، ويحجب الخال الشقيق الخال من الأب ، ويحجبهما الجد للأم ، ويفرض للذكر مثل حظ الأنثيين ، كإرثهم ممن يدلون به ، نعم يستثنى أولاد الإخوة للأم فيقتسمون ما خصهم بالسوية ، مع أنه لو مات من يدلون به اقتسموه للذكر مثل حظ الأنثيين ، والأخوال والخالات من الأم يقتسمون ما يخصهم للذكر مثل حظ الأنثيين ، مع أنه لو ماتت الأم اقتسموه بالسوية لأنهم إخوة للأم فافهم ، فإن لم يكن أحد من ذوي الأرحام فالمال لمصالح المسلمين ، يعني ما فيه مصلحة عامة ، كإحياء معالم الدين ، وأرزاق القضاة والمعلمين ، وبناء المساجد ، وإطعام الجائع ونحوها.

(مسألة) : مات عن زوجة وعمة وخالة ولا عصبة : للزوجة الربع ، وللعمة النصف ، وللخالة الربع ، لتنزيل كل منهما منزلة من يدي به وهما الأبوان ، فكأنه خلف زوجة وأبوين ، فتعطى حصة الأب للعمة ، والأم للخالة ، ولا يردّ على الزوجة إذ الرد مخصوص بغير الزوجين من سائر الورثة.

(مسألة) : لا يرث القاتل من مقتوله ، والمراد من له دخل في قتل مورثه بمباشرة أو تسبب أو شرط ، والفرق بين الثلاثة أن المباشرة ما يؤثر في الهلاك ويحصله ، والسبب ما يؤثر فيه ولا يحصله ، كالإكراه وشهادة الزور وتقديم الطعام للضيف ، والشرط ما لا يؤثر فيه ولا يحصله بل يحصل التلف بغيره ، ويتوقف تأثير ذلك عليه كالحفر مع التردي ، فالمؤثر هو التخطي صوب البئر ، والمحصل هو التردي فيها المتوقف على الحفر ، فحينئذ يتردد النظر في شلى الأم ولدها من الجدري هل ترثه لو مات بسببه ؟ وإذا وقع التردد في إرث الزوج من زوجته إذا ماتت بسبب الولادة فهذه أولى اهـ فتاوى عبد الرحمن بن سليمان الأهدل ، وجزم السيد زين جمل الليل بعدم إرث الأم المذكورة ، لكن رجح محمد صالح الريس أنه إن كانت الأم المذكورة قيمة على ولدها وأخبر الطبيب العدل أن هذا العلاج نافع فلا ضمان عليها وترثه وإلا فلا اهـ من خط باسودان.

(

مسألة : ب) : حفر بئراً سقاية للخير فوقع مورثه فيها ورثه عند الثلاثة ، وفي القتل تفصيل ، واختلف في ذلك عندنا ، فأطلق بعضهم عدم الإرث حسماً للباب ، وقيده آخرون بالعدوان وفي منعه من الميراث ، والحال ما ذكره ما لا يخفى ، بل توريثه هو الأليق بمحاسن الشريعة ، وما أحسن التراضي والتصالح بينه وبين بقية الورثة.

(مسألة) : لا ترث أم الولد من سيدها مطلقاً وكذا غيره كأولادها وزوجها مدة حياة السيد لنقصها ، إذ هي حينئذ قنة في غالب الأحكام ، حتى لو قتلها حر لم يقتل بها وكانت قيمتها لسيدها ، فإذا مات السيد صارحكمها حكم الأحرار ، كما لو عتقت هي كغيرها من الأرقاء بأي صورة من صور العتق فترث وتورث حينئذ.

(مسألة : ش) : من أسر أو فقد أو انكسرت به سفينة وانقطع خبره لم يحكم بموته حتى تقوم بينة بموته ، ولا يحتاج معها إلى حكم حاكم ، أو تمضي مدة لا يعيش فوقها ظناً ، فيجتهد الحاكم أو المحكم بشرطه الآتي في التحكيم ، ويحكم بموته بغلبة الظن ، ولا تقدر المدة على الصحيح ، بل وإن قلت حيث حصل عندها غلبة الظن فحينئذ يعطى حكم الأموات في سائر الأحكام زاد ب : هذا مذهب الشافعي ، ونقل السبكي عن الحنابلة أنه يعني المفقود نوعان : أحدهما من الغالب سلامته كمسافر لم يعلم خبره فهو مردود إلى اجتهاد الحاكم ، والثاني من الغالب هلاكه كمن فقد في معركة أو انكسرت به سفينة أو خرج يصلي العشاء ففقد ، فينظر أربع سنين ثم يقسم ماله وتتزوج نساؤه ، فإن أرشد الفقيه ورثة المفقود إلى تقليد الحنابلة إن كان مفقودهم من هذا النوع لم يكن به بأس ، إذ العامي لا مذهب له ، بل له أن يأخذ بفتوى من أفتاه من أرباب المذاهب لكن بشروط التقليد المارة.

184

أحكام الإرث بالفرض والتعصيب والحجب

(مسألة) : مات شخص عن أم وأخ من الأم وأخ شقيق ، كان للأم السدس ولابنها السدس والباقي للشقيق ، فلو كان معهم زوجة فلها الربع ، والباقي بعد الفروض المذكورة للشقيق.

(مسألة : ش) : مات عن بني أخوين لأحدهما ثلاثة وللآخر واحد ، كان الجميع أو الفاضل بعد الفروض بينهم أرباعاً إذ لا مزية لأحدهم ، ولا يرث من أولاد الإخوة إلا الذكور ولا يعصبون الإناث ، كما لا يعصبنهنّ الأعمام ، إذ التعصيب مختص بالأولاد وأولادهم وبالإخوة أشقاء أو لأب .

(مسألة) : ماتت عن زوج وأم وجد وأخت شقيقة أصلها من ستة وتعول لتسعة وهي الأكدرية ، للزوج ثلاثة ، وللأم اثنان ، وللجد والأخت أربعة بينهما أثلاثاً للذكر مثل حظ الأنثيين وهي منكسرة عليهما ، وتصح من سبعة وعشرين ، ولو كان بدل الزوج زوجة كانت من اثني عشر للزوجة ربع ثلاثة ، وللأم ثلث أربعة ، وللأخت والجدّ الباقي خمسة.

(مسألة) : خلف إخوة أشقاء أو لأب وجداً ، فإن كان معهم ذو فرض غيرهم أخذ فرضه ، ثم يأخذ الجد الأكثر من ثلث ما يبقى بعد الفروض وسدس جميع المال ومقاسمة الإخوة كأخ ، وإن لم يكن معهم ذو فرض خير بين ثلث جميع المال والمقاسمة ، ولو خلف جداً وأخوات فإن كنّ أشقاء أو لأب خير الجد بين المقاسمة للذكر مثل حظ الأنثيين وثلث المال ، ومعنى التخيير أنه يلزم إعطاؤه الأحظ له ، فإن كانت الأخوات من الأم فلا شيء لهنّ معه إذ هنّ محجوبات به.

(مسألة : ش) : مات عن جدّ وأخ وأختين أشقاء وأخت لأب ، كان الثلث للجد خيراً من المقاسمة ، خلافاً لبعض نسخ الدميري ، إذ تصح مسألة الثلث من ستة له منها اثنان ، ومسألة المقاسمة أصلها من سبعة له اثنان أيضاً ، وتصح من ثمانية وعشرين.

(مسألة) : مات عن ثلاث بنات وأخت شقيقة وابن أخ شقيق ، للبنات الثلثان ، والباقي للأخت ، أو عن بنت وعم وأخوة لأم ، فللبنت النصف ، والباقي للعم ، ولا شيء للإخوة لحجبهم بالبنت.

(مسألة : ش) : لا تحجب أم أبي أب أم أم أب ، وإن كانت الأولى أقرب لأنها بمثابة أم الأب ، والأخرى بمثابة أم أم الأب والقربى من جهة الأب لا تحجب البعدى من جهة الأم.

184

المناسخات

(مسألة : ش) : مات عن زوجة وابنين وبنتين ، ثم مات أحد الابنين عن أمه وأخيه وأخته الشقيقين ، ثم ماتت الأم عن ابنها وبنتها المذكورين ، ثم مات الابن عن أخته الشقيقة وأخته لأبيه وعصبة ، فحاصل المناسخات من أربعمائة واثنين وثلاثين سهماً ، ترجع بالاختصار إلى نصفها 216 سهماً ، للشقيقة مائة وثلاثة وعشرون ، وللأخت للأب اثنان وخمسون ، وللعصبة إحدى وأربعون.

(مسألة) : مات عن زوجة وثلاثة بنين وبنت ، فماتت البنت عن زوج وابن وأم هي الزوجة ، ثم مات أحد البنين عن أمه المذكورة وأخويه وبنت وزوجة ، فتصح مسألة الأوّل من ثمانية وحصة الثاني منها واحد يباين مسألته التي هي من اثني عشر ، فتضرب مسألته في الأوّل تبلغ 96 ، وحصة الثالث من ذلك 24 ، إذ القاعدة أن من له شيء من الأولى أخذه مضروباً في كل الثانية إذا لم يكن توافق في وفقها إن كان ، ومسألته التي تصح من 96 توافق سهامه المذكورة بربع السدس ، فيضرب اثنان في 96 يبلغ حاصل مسائلهم الثلاثمائة واثنين وتسعين للزوجة الأولى التي هي أم في الأخيرتين ستة وثلاثون ، ولكل من الابنين في الأولى اللذين هما أخوان في الأخيرتين ثلاثة وخمسون ، ولزوج البنت ستة ، ولابنها أربعة عشر ، ولزوجة الابن الميت آخراً ستة ، ولابنته أربعة وعشرون.

(مسألة : ش) : مات عن زوجتين وابنين وبنتين ، فمات أحد الابنين عن أم وأخت شقيقة وأخ وأخت لأب وأخ لأم ، ثم ماتت أحدى البنتين التي هي شقيقة الابن الميت عن الأم المذكورة وزوج وابنين وبنت وأخ لأم ، فلا شيء لهذا الأخ الأخير لحجبه بالأولاد ، ومسألة الأول تصح من ثمانية وأربعين ، وحصة الثاني منها أربعة عشر توافق مسألته التي تصح من ثمانية عشر بالنصف فتصح المسألتان من أربعمائة واثنين وثلاثين ، وحصة الثالث منهما مائة وستة وعشرون ، توافق مسألته التي تصح من ستين بالسدس ، فيصح مجموع الثلاث من أربعة آلاف وثلاثمائة وعشرين ، فحصة المرأة التي هي زوجة في الأولى ، وأم في الأخيرتين ستمائة وتسعون ، وللزوجة الثانية مائتان وسبعون ، وللابن الذي هو أخ في الثانية ألف وأربعمائة ، ولأخته سبعمائة ، وللأخ للأم في الثانية مائتان وعشرون ، وللزوج في الأخيرة ثلاثمائة وخمسة عشر ، وللبنت فيها مائة وسبعة وأربعون ، ولكل ابن فيها مائتان واثنان وتسعون.

185

الوصية

فائدة : قال الدميري : رأيت بخط ابن الصلاح أن من مات بغير وصية لا يتكلم في البرزخ ، وأن الأموات يتزاورون سواه ، فيقول بعضهم لبعض : ما بال هذا ؟ فيقال : مات على غير وصية ، ويحمل ذلك على ما إذا كانت الوصية واجبة أو خرّج مخرج الزجر اهـ ع ش.

(مسألة : ب) : أوصى بأن يقبر داخل السور بقرب الشيخ الفلاني ، وجب قبره هناك لندب الوصية بذلك ، وقد استثنوا من حرمة نقل الميت من بلد إلى أخرى مكة والمدينة وبيت المقدس وجوار الصالحين.

(مسألة : ب) : كل تبرع صدر من المريض مرض الموت من نحو : نذر ووقف وهبة وإبراء وصدقة وعارية وعتق وتدبير يكون من الثلث ، كما أن من الثلث أيضاً كل معلق بالموت ولو في حال الصحة من نحو : وصية ونذر ووقف ، فإن كان ذلك لوارث فلا بد فيه من إجارزة بقية الورثة الكاملين ، فحينئذ لو قال مريض : نذرت قبل موتي بثلاثة أيام بجميع ما هو بجهة كذا من كساء لابني فلان ، وبجميع ما هو بتلك الجهة من أوان وفرش وحلي لأولادي وأمهم ، وبجميع عبيدي بجهة كذا لأولادي ، صح الكل بإجازة الورثة المطلقي التصرف لأولي محجور وغائب مع شرط مضي الثلاثة الأيام قبل موته في الكل ، وإن قيد بها في الأولى فقط ، إذ الصفة والشرط والاستثناء والحال في الجمل والمفردات المعطوفة بالواو تعتبر في الكل حيث لم يتخلل كلام طويل اهـ. قلت : وأفهم قوله المعطوفة بالواو أن العطف بالفاء وثم لا ترجع معه الصفة والاستثناء إلى الكل وهو المعتمد ، قاله ابن حجر في الفتح والتحفة ، واعتمد (م ر) والخطيب وأبو مخرمة أن الثلاثة الأحرف سواء بخلاف بل ولكن.

(مسألة : ب) : حدّ المرض المخوف هو ما يكثر الموت عنه عاجلاً ، ولا تتطاول معه الحياة ، ولا تشترط غلبة حصول الموت به بل عدم ندرته ، فحينئذ لا ينفذ تبرعه فيما زاد على الثلث أو للوارث مطلقاً ، إلا إن أجاز الوارث الأهل بعد الموت ، ومثله غير المخوف إن اتصل بالموت ولم يحمل موته على الفجأة ، كما لو كان يتولد منه الموت كثيراً ، فلو ادعى الوارث موته من مرض تبرعه والمتبرع عليه شفاء وموته من آخر أو فجأة ، فإن كان مخوفاً صدق الوارث وإلا فالآخر ، ولو اختلفا في وقوع التصرف في الصحة أو المرض صدق المتبرع عليه ، فإن أقاما بينتين قدمت بينة المرض لأنها ناقلة.

(مسألة : ش) : أبرأت زوجها في مرض موتها ، فإن لم يرثها لمانع كان حكمه حكم الوصية ، وإلا توقف على الإجارة من بقيتهم ، فإن لم يجيزوا برىء من حصته فقط ، نعم إن كان في مقابلة طلاق برىء من جميعه وإن لم تكن لها تركة سواه ، ولو تزوّج مريض بمحاباة لا تحتمل فهي وصية لوارث ، فلو ماتت قبله دارت المسألة لأنه يرثها فيزيد ماله ، فيزيد ما ينفذ فيه التبرع ، فيزيد ما يرثه ، فلو أصدقها مائة هي ماله ومهر مثلها أربعون فلها اثنان وسبعون ، أربعون مهر مثلها والباقي محاباة ، ويبقى معه ثمانية وعشرون ، ويرجع له بإرثه ستة وثلاثون ، فيجتمع لورثته أربعة وستون وهي ضعف المحاباة ، ولا يبطل هذا التبرع بموته قبلها ، لأن هذه المحاباة في ضمن عقد ، وهذا بخلاف الوصية فإنها تبطل بموت الموصي له قبل الوصي.

(

مسألة : ش) : ونحوه ب : الأظهر صحة الوصية لبعض الورثة بإجازة بقيتهم الكاملين بنحو : أقررت الوصية أو أجزتها أو أمضيتها ، وقد لا تصح مطلقاً ، كما إذا لم يكن له وارث سوى الموصى له لتعذر إجازته لنفسه وقد تصح مطلقاً ، كما لو وقف المريض عيناً تخرج من الثلث على وارثه المتحد أو المعتمد بنسبة إرثهم فلا يبطلها الوارث ، ولا تصح إجازة وليّ المحجور ، لكن لا يضمن إلا بتسليم المال وينتظر كماله ، كقدوم الغائب فلا يتصرف واليهما في الموصى به إذ لا تبطل في حقهما ، خلافاً للأذرعي في الأول.

186

الصيغة

(مسألة : ب) : مذهب الشافعي أن مجرد الكتابة في سائر العقود والإخبارات والإنشاءات ليس بحجة شرعية ، فقد ذكر الأئمة أن الكتابة كناية فتنعقد بها ، نحو الوصية مع النية ولو من ناطق ، ولا بد من الاعتراف بها ، يعني النية منه أو من وارثه ، وحينئذ فمجرد خط الميت بنحو نذر وطلاق ووصية لا يترتب عليه حكم ، وإن تحقق الورثة أنه قلم الموصي ، بل وإن قال : هذا خطي وما فيه وصيتي ، ولا يلزم الورثة الجري عليه قطعاً لأنه في حكم المعدوم ، وليس بحجة شرعاً ، وحينئذ لو فعل الوارث الحاضر يوم الموت وبعده ما يعتاد فعله من التركة بناء على خط الميت ، فإن أجازه الغائب الكامل فذاك ، وإلا فما عدا الواجب من التجهيز يختص به الفاعل.

(مسألة : ب) : لا تثبت الوصية بقوله : مالي مثلث ، إذ ليس ذلك من صيغها ولا قريبآ منها فيحمل عليها ، نعم إن اطرد عرف جهة الموصي باستعمال هذا اللفظ وصية كان كناية ، فإن علمت نيته صحت وصرفت للفقراء والمساكين وإلا بطلت ، ومن اعتقل لسانه أو خرس فأوصى بالإشارة صح ، ثم إن فهمها كل أحد فصريحة وإلا فكناية ، ولو أوصى بوصايا على يد شخص ثم أوصى بوصايا أخرى على يد آخر ، فإن لم يثبت رجوعه عن الأولى صحتا و عمل بمقتضاهما.

(مسألة) : قال عند موته : جعلت أو بغيت ثلث مالي في وجوه أخي ، فإن أراد بذلك مصرفاً من مصارف الخير مما ليس بحرام ولا مكروه كقراءة وضيافة أو شيئاً من المباحات بأن صرح بذلك ، أو دلت قرينة أو عرف محلهم على ذلك صح ، كما لو استعجم عن الكلام فقيل له : تريد أو مرادك ثلث مالك ؟ فأشار برأسه أي نعم ، وإن لم يعرف له مصرف بطلت ، بخلاف ما لو قال : أوصيت بثلثي على يد فلان أو ثلثي وصية ولم يذكر مصرفاً فيصرف للفقراء.

(

مسألة : ي) : أوصى بلغة الملايو بأن أوصياءه يجمعون ثلثه ويبيعون العروض منه بدراهم ، ثم يخرجون ما عينه منه للوصايا ، والزائد يحفظونه ويمشونه ويجرونه بما يحصل المصلحة الدائمة لتكون صدقة باقية صحت الوصية واشترى بالزائد المذكور عقاراً وصرفت غلته لأقارب الموصى الفقراء غير الوارثين والأوصياء ، ويلزم الوصي المبادرة بذلك ، ولا عبرة بما لو كان عرف بلد الموصي أن هذا اللفظ إنما يراد به الاتجار في الدراهم الموصى بها وهو لا يصح ، فاجتهاد الوصي ، فالحاكم ، ولا يعدل عن مرتبة حتى تفقد ما قبلها ، فزعم البطلان في هذه للعرف المذكور باطل من ثلاثة أوجه ، مخالفته لعرف الشرع فيها ، إذ الصدقة الجارية الواردة في الحديث محمولة على كل ما ينتفع به مع بقاء عينه ، كالوقف والوصية بالمنافع ومخالفته للعرف العام لو قدرنا أن الشارع لا عرف له هنا ، لأن الصدقة للمصلحة الدائمة هي الصدقة الجارية ومخالفته للغة ، إذ معنى ترجمة كلامه أن التمشية والإجراء هو الشراء ، أي يشترون بها ما يحصل مصلحة دائمة أي متكررة فيقتضي شراء عقار ، إذ التجارة لا يتكرر الربح فيها إلا بتكررها ، فعلم أن اللغة مخالفة لعرف بلده ، وقد مر أنها كسابقيها مقدمات على العرف الخاص ، نعم يقدم عرف البلد على اللغة فيما إذا صار عاماً واتفق على عمومه ولم يكن ثم مخصص ، ولم يكن له في اللغة معنى يحمل اللفظ عليه ، وكل هذه القيود منتفية في مسألتنا أيضاً ، إذ ليس العرف المذكور متفقاً على عمومه عند أهل تلك اللغة كما أسمعنا الثقات منهم ، ولأن في اللفظ مخصصاً يخرجه عن دائرة العموم لو قلنا به وهو قوله الدائمة ، لأن ذلك مخصص لقوله : ويجرونه بما يحصل المصلحة العامة في الشراء للتجارة وللأعيان ، فخص ذلك بشراء الأعيان فقط ، بل ولو قدرنا عدم المخصص فلا يستدل به على البطلان إلا لو لم يكن له في اللغة معنى يصح حمل الوصية عليه ، إذ يصان كلام المكلف عن الإلغاء ما أمكن ، ومعناه أنه إذا نطق بكلام له

معنيان : أحدهما يترتب عليه حكم والثاني لا فتحمله على الأوّل ، ولا يمتري عاقل في شمول لفظ الموصي لشراء الأعيان المنتفع بها مع بقاء عينها شمولاً أظهر من الإتجار ، وليس هذا ، كمن نطق بكلام لا يعرف معناه ، لأن الشرط معرفة ذلك إجمالاً ، أي بأن ذلك مزيل لملكه مجاناً ، إذ مدار الأحكام على معاني الألفاظ لا القرائن والمقاصد كما قالوه ، فيما لو أوصى أو وقف لأولاد زيد وأولاد أولاده ومقصوده وعرف بلده إطلاقه على الذكور فقط أنه يعم الذكور والإناث وأولادهنّ الأجانب ، وفيما لو كان العرف أن الواقف يأكل من الموقوف ، وأن الموصى به يصرف للنائحات أنهما يصحان ويلغى العرف المذكور ، بل يصرف الوقف في مصارفه الشرعية ، والموصى به للفقراء إن لم يذكر له مصرفاً مباحاً.

(

مسألة : ج) : أوصى عند موته بأنه على حكم الله تعالى ورسوله وأوصى بدراهم تفرق ، فإن أراد بحكم الله التوبة من الربا وله ديون عند الناس على حكم الربا فالتوبة مقبولة ، وليس لوارثه إلا رأس المال فقط ، بل لا يجوز أخذ شيء من الزائد بعمل الربا مطلقاً أوصى بذلك أم لا ، والوصية بالدراهم تنفذ حالاً للفقراء والمساكين وهي على حسب نية الميت ، فإن نواها زكاة وقعت وإلا فنافلة ولا يضيع أجره.

188

الموصى له

(مسألة : ش) : أوصى للأشراف أو لأشرف الناس أو أشرف الأشراف حمل على ذرية رسول الله ، وهم الآن المنسوبون إلى الحسنين ريحانتيه عليه وعليهما أفضل الصلاة والسلام ، باطراد العرف بذلك منذ أزمنة ، لا يوصف بهذا الاسم غيرهم ، فإن أوصى لأشرف ذرية الحسن والحسين اعتبر زيادة وصف معنوي من نحو علم وتقوى فيما يظهر.

(مسألة : ج) : حد طلب العلم كما هو المتعارف بحضرموت فيما لو أوصى شخص لطلبة العلم من له ملكة يقتدر بها على استخراج المسائل المنصوصة والمفهومة ، أو هو من يقتدر على تصوير المسألة ويستدل لها ، ولا تكفي معرفته باباً أو بابين من الفقه ، بل لا بد أن يكون طالباً وناظراً لجميع أبواب الفقه ، وبهذا يظهر أن من ليس له إلا قراءة مختصر لا سيما المشتملة على فروض الأعيان لا يعد من طلبة العلم ، وأما أهل العلم فالمراد بهم حيث أطلقوا الفقهاء والمفسرون والمحدثون ، فمن هو طالب لواحد من هذه الثلاثة أعطي لا غيرها من العلوم على الأصح ، فمن أخذ شيئاً من غير أهله فقد أكل السحت الحرام ، ولا يجب استيعاب الطلبة ولا يختص بأهل بلد المال.

(

مسألة : ب ي) : أوصى لقرابته أو أرحامه دخل كل قريب من جهة الأب والأم غير الوارث ، وضابطه كل جد ينسب إليه الموصي أو أمه ، ويعد قبيلة واحدة سواء قال : أوصيت بها لأرحامي أو للأرحام ، أو لقرابتي أو للقرابة ، فيصرف لجميع ذرية جد الموصي وجد أمه الملقبين بذلك الاسم وإن بعد وارثاً وغيره ولو من غير قبيلته ، كأولاد البنات والعمات والخالات وإن سفلوا ، ويستوى الغني والمسلم وضدهما ، فيجب استيعابهم والتسوية بينهم وإن كثروا وشق ذلك ، نعم إن تعذر حصرهم أو كان قليلاً لا يقع موقعاً جاز الاقتصار على البعض ولو على ثلاثة منهم ، ويجب الاستيعاب المذكور بقيده ، وإن دلت القرائن أو قال قائل : إن الموصي أراد بذلك أناساً مخصوصين يعرفهم ويواسيهم لا كل القرابة المذكورين ، لأن هذا أمر لا يعرفه ولا يخطر بباله فلا يلتفت إلى ذلك ولا يجوز التخصيص ، إلا إن صرح هو ولو بعد الوصية بذلك فيعتمد قوله ، كما لو أوصى لجيرانه وقال : أردت الملاصقين فقط ، وقد أطلق الأصحاب اعتبار المعاني الشرعية في نحو الوقف على الأرحام والعشيرة والقرابة والموالي ونحوها ، ولم يلتفتوا إلى اصطلاحات العوام في ذلك ، ولا إلى ما يظنونه من تعميم الألفاظ وتخصيصها اكتفاء بمعرفتهم لأصل المعنى وإن لم يحيطوا بحقيقته ، لأن المدار عند الشافعي على مدلولات اللفظ ما أمكن ، وليس هذا كمن نطق بكلام وهو لا يعرف معناه ، لأن الموصي يعلم أن هذا اللفظ يزيل الملك ، وإنما يجهل أمراً آخر مثل هذا الجهل لا أثر له في صحة التصرف وكيفيته إذ هو جهل بالتفصيل ، وقد صرح في التحفة بأن ماله معنى في الشرع مقدم على اللغة والعرف ، ولو أعرضنا عن عرف أهل العلم واتبعنا عرف العوام لبدلنا الأحكام وغيرنا دين الإسلام ، بل يلزم كل إنسان العمل بما حكم الشرع ، وإن سخط الناس ورأى هو وغيره أن المصلحة في مخالفته ، زاد (ي) : وكذا الحكم فيما أوصى شخص لقرابته أو رحمه آل فلان ، أو قال : أوصيت لآل فلان أي فيشمل جميع ذرية ذلك

الشخص الملقب بذلك الاسم على ما مر تفصيله ، ولا يدخل في الوصية لنحو الأرحام إلا من كان موجوداً عند الوصية وبقي إلى موت الموصي ، فلو مات قبله أو شك بطلت في حصته ورجعت لورثة الموصي لا لبقية الأرحام ، ولا يستحق الحمل الموجود عند الوصية وإن انفصل قبل الموصي ، إذ لا يسمى ولداً ورحماً وقريناً وآلاً ، ولو قيد الموصي الأرحام بالمتوطنين ببلد كذا ، صرف ذلك لمن توطن بنفسه ، وإن خرج عنه بنية العود وطال زمن خروجه ، ويصدق في نية العود بلا يمين ، إذ لا يعرف ذلك إلا منه ، وخرج به من ولد بغيرها من أولاد القاطنين ولم يأت إليها إلى الآن ، وإن كان عازماً هو أو وليه على النقلة إليها ، ومن لم ينو العود وإن قرب خروجه فلا يستحقان شيئاً ، وزاد (ب) : ثم المراد بالقبيلة في اصطلاح أهل النسب ما تحت الشعب وبعدها العمارة ثم البطن ثم الأفخاذ ثم الفصائل آخرها ، مثاله خزيمة شعب كنانة قبيلة قريش عمارة بكسر العين ، قصي بطن هاشم فخذ العباس فصيلة ، فحينئذ لو كان الموصي المذكور من السادة آل جنيد باهرون جمل الليل ، وكانت أمه من السادة آل شهاب الدين بن عبد الرحمن بن شهاب الدين بن عبد الرحمن ابن الشيخ علي كانت القبيلة من جهة أبي الموصي هو الشيخ محمد جمل الليل بأحسن من جهة أمه هو الشيخ علي بن أبي بكر السكران ، إذ هما اللذان يعدّ أولادهما قبيلة شرعاً وعرفاً ولغة ، فلو قيل : عدوا قبائل السادة إلى أبي علوي لأخذ العادة يقول : آل جمل الليل ، آل العيدروس ، آل الشيخ علي ، آل عبد الله باعلوي ، آل عم الفقيه وهكذا ، ولا يقول : آل باهرون ، آل ابن سهل ، آل شهاب الدين ، آل منفر ، لأن مثل هؤلاء بطون أفخاذ لا قبائل كما علم مما مر ، نعم في تمثيل بعضهم كالإمام النووي في بعض كتبه للقبيلة ببني هاشم يفهم منه أن تكون القبيلة في مسألتنا آل باهرون لا آل جمل الليل الشامل لهم ولغيرهم ، وآل شهاب الدين الأكبر لا آل الشيخ علي كذلك وهو محل تردد ، إذ هما اللذان يعرف بهما الموصي

وأمه ، ويتميزان بهما عن غيرهما من أولاد أجدادهم الأقدمين ، وما دون هذين من أجداد الموصي وأمه ، فلا يعتبر في الضابط المذكور مطلقاً لأنه إما فخذ أو فصيلة اهـ. وفي (ي) : الذي يظهر من نصوص العلماء أن من أوصى لأقارب شخص من آل أبي علوي أو لأقارب نفسه وهو منهم أنها تصرف وصيته لجميع آل أبي علوي لا لخصوص قبيلة ذلك الشخص المنسوب هو إليهم فقط ، نعم قرابة الشخص المذكور أولى من غيرهم عند تعذر التعميم ، ولو اقتضى لفظ الوصية الصرف للأقارب ولم يصرح به الموصي كان الصرف لهم أولى ، بل قال الشيخان وابن حجر بلزوم الصرف إليهم حينئذ ، وهذا إن لم يحكم حاكم الصرف لهم وإلا لزم قطعاً ، لأن حكم الحاكم يرفع الخلاف المذهبي وغيره ، ويحنئذ فإذا أوصى شخص من السادة آل عيديد مثلاً بغلة مال تقسم في وقت معين بعضها على الفقراء عند قبره ، وبعضها لقرابته بحضرموت ، وبعضها لمن حضر منهم بجاوه ، وبعضها على عمارة المال قدمت عمارة المال مطلقاً ولو من بقية الأسهم ، كما يرد الفاضل من العمارة على الأسهم ، ويرسل ما لأهل حضرموت إلى الثقات المأمونين يفرقونه على الفقراء من جميع آل أبي علوي هناك ، ويخص طلبة العلم بزائد ، ويفرق ما للسادة ببلد الموصي على من حضر منهم سواء الساكنين بها والمارين ، ولكن لا يعطى غني الزكاة ، ووارث الموصي والوصي نفسه ، ولا من تلزمه نفقته ، نعم إن انعزل أخذ له ولممونه ، وما للفقراء يفرق كل ما حصل أو يبقى لوقت الاجتماع كيوم مولد الموصي.

(

مسألة) : أوصى لأرحامه بجهة العرب المنتسبين لوالده فلان ، فالظاهر الذي تفهمه عبارة الفقهاء في نظير هذه المسألة أنهم ذرية والده الذين من قبيلته فقط ، لا أولاد البنات ولا ذرية أجداد الموصي ، لقول العلماء : لو وقف على ذريته المنسوبين إليه لم تدخل أولاد البنات والوصية كالوقف ، فإذا لم يدخلوا في الذرية فالأرحام من باب أولى لقوله تعالى : {ادعوهم لآبائهم} وأما قوله عليه الصلاة والسلام في الحسن رضوان الله تعالى عليه : "ابني هذا سيد" الخ ، فمن خصوصياته أن أولاد بناته ينسبون إليه نسبة شرعية كما هو مقرر في محله ، وبقيد المنتسبين لوالده أعني الموصي خرج من فوقه من قبيلته من ذرية آبائه كهو أي الأب ، إذ لا ينسبون إلى الوالد المذكور بل لأجداده ، ثم رأيته في العباب قال : (فرع) : أوصى لمناسب شخص فلمن ينسب إليه من أولاده الخ. وقال في القلائد : ويدخل أولاد الأولاد وإن سفلوا في الذرية والعقب إلا أن يقول : من ينسب إليّ فلا يدخل أولاد البنات ، قال الماوردي والروياني ومثله مناسبي ولا يدخل فيه من ينتسب هو إليه اهـ ، وهو كالصريح فيما ذكرته ، وحيث دخل ذرية والد الموصي كما ذكرنا لم يدخل فيهم أولاد الموصي ذكوراً وإناثاً كأبويه ، إذ لا يسمون رحماً عرفاً. ويدخل أولادهم بالقيد المذكور ، ولا يدخل أيضاً من ليس بجهة العرب من الموصى لهم مطلقاً.

(مسألة) : أوصى لأختانه صرف لأزواج بناته فقط لا أزواج حوافده إلا إن انفردن عن البنات ، فيدخل أزواجهن حينئذ فقط ، نظير ما لو أوصى لأولاده ولم يكن له إلا أحفاد فيصرف لهم ، والمعتبر في كونهم أزواجهنّ حال الموت لا حال الوصية ولا حال القبول ، نعم المعتدة الرجعية حال الموت كالزوجة في إعطاء زوجها ، قاله في شرح الروض ونحوه العباب ، ويؤخذ منه أنه لو أوصى لزوجات أولاده اعتبر ذلك بحالة الموت أيضاً فليراجع.

(مسألة : ي) : أوصى بدراهم تفرق بمحل كذا على المحتاجين أقارب أو غيرهم وجب تفريقها هناك ، لكن لا يجب استيعاب الأقارب وإن انحصروا لأن أو تقتضي التخيير ، وينبغي مراعاة ما فيه فضل للميت أكثر.

فائدة : تصح الوصية لعبده المدبر والمعلق عتقه بالموت لأنه يصير حراً بموت السيد ، ذكره في الروض وشرحه اهـ.

(مسألة : ي) : أوصى لمستولدته صح وكان لها لأنها تعتق بالموت من رأس المال ، نعم إن علق الوصية كأن قال : إن خدمت أولادي استحقتها بالخدمة ، كما لو قال : إن لم تتزوّج فتعطي الموصى به فإن تزوّجت رد منها.

(

مسألة : ش) : أوصى لمن نصفه حر ونصفه لوارثه ولا مهايأة ولم تحز بقية الورثة بطل في الجميع ، قاله في العباب وهو قضية كلام الروضة ونقل عن الأكثرين ، ووجهه عدم تمييز ما للوارث فسرى الرد إلى الكل ، وقال الإمام : كالروض وشرحه يبطل في حصة الوارث فقط.

(مسألة : ش) : أوصى لزيد بعين قيمتها مائة ولعمرو بثلثه والثلث مائة ، فإن لم تحز الورثة قسط الثلث على كليهما فللموصى له بالثلث خمسون وبالعين نصفها ، هذا إن خص الثلث بغير العين الموصى له بها ، وإلا فالثلث شائع في كل المال ، فكأنه أوصى لزيد بكل العين ، ولعمرو بثلثها مع ثلث بقية المال ، فإن أجاز الورثة قسمت العين أرباعاً على المعتمد ، لزيد ثلاثة أرباعها ولعمرو ربعها مع تمام المائة من بقية المال ، وإن لم تجز قسط الثلث بنسبة الوصيتين ، فنسبة ما للموصى له بالعين ثلاثة أسباع ، فيستحق من العين ما يساوي اثنين وأربعين وستة أسباع ، ونسبة ما للثاني أربعة أسباع ، سبع في العين وهو يساوي أربعة عشر وسبعين ، وثلاثة أسباع في بقية المال وهو اثنان وأربعون وستة أسباع ، فجملة ماله سبعة وخمسون وسبع ، اجمعها إلى اثنين وأربعين وستة أسباع التي لصاحب العين تصير مائة وهو ثلث المال.

191

الموصى به

(مسألة : ش) : مات عن ابن وبنتين وزوجة ، وأوصى لأولاد بنته الثلاثة بمثل نصيب ابنه الميت لو كان حياً ، فيقدر حياة الابن الميت وكأنه خلف ابنين وبنتين ، ويزاد للموصى لهم مثل نصيب ابن فأصلها ثمانية ، للزوجة واحد ولهم سبعة منكسرة على ثمانية تضرب في أصلها تبلغ أربعة وستين ، للموصى لهم ربع بعد الثمن 14 ، وللأولاد الباقي 42 وهو منكسر على الصنفين مع المباينة في الأوّل والموافقة في الثاني ، فتضرب رؤوس الموصى لهم ثلاثة في أصل المسألة تبلغ 192 ، ووفق الأولاد اثنان في هذا المصحح تبلغ الجملة 384 ، للزوجة ثمن لكل 48 سهماً ، وللموصى لهم 84 سهماً ، وللأولاد 252 سهماً اهـ. قلت : وقوله للزوجة : ثمن الكل الخ يتأمل كلامه ، إذ من المعلوم أن الموصى به ينقص على الجميع ، فصواب العبارة والله أعلم أن تقول : أصل المسألة ثمانية ، للزوجة ثمن واحد ، تبقى سبعة منكسرة على ستة : الابن الحي والميت المقدر إرثه والبنتين ، تضرب الرؤوس 6 في أصلها 8 تبلغ 48 لكل ابن 14 ، فيزاد للموصى لهم 14 تصير الجملة 62 وهي منكسرة عليهم أيضاً ، تضرب رؤوسهم 3 في المصحح 62 تبلغ 186 ، للموصى له 42 ، وللزوجة ثمن الباقي 18 ، وما فضل للأولاد وهو منكسر عليهم أيضاً مع الموافقة ، تضرب وفقهم 2 في المصحح 186 يبلغ الكل 372 ، للموصى لهم 84 ، وللزوجة 36 ، وللابن 126 ، وللبنت 63 ، فهذا وجه تصحيح القسمة في مثل هذه.

(مسألة : ش) : خلف ابناً وزوجة وأوصى لها بمنفعة أرض مدة حياتها فباعها الابن ، فإن كان قبل الإجازة صح في الكل إن أذنت الزوجة ، وإلا ففيما عدا الثمن ، وبطلت الوصية لدلالته على الإعراض كبيع الموصي قبل موته ، بل أولى أو بعدها بطل مطلقاً لجهالة المستثنى من المنافع لتأقيتها بمدة الحياة ، ومتى صح البيع كما مر ثم باعها ثانياً بعد موت أمه المذكورة بطل ، ولا أثر لدعواه حينئذ الوصية لها من أبيه وإجازته ذلك قبل بيعه الأوّل لتكذيبه ذلك بالبيع الأوّل ، نعم إن أقرّ المشتري الأوّل ببطلان البيع أو جحد فأقام الثاني بينة سلمت للثاني ورد الابن الثمن أو بدله إن تلف ، أما تصادق الابن والمشتري الثاني على الإجازة قبل البيع الأوّل فلا أثر له ، إلا أنه يغرم له القيمة للحيلولة ، فإذا رجعت إليه الأرض سلمها للثاني واسترد القيمة.

(مسألة : ب) : أوصى لعمتيه بمنافع نخلات مدة حياتهما فقبلتا ثم ماتت إحداهما رجع نصيبها لورثة الموصي ، وبقي نصيب الأخرى على المعتمد الذي أفتى به أحمد بحير وأبو حويرث ، كما لو قبلت إحداها وردت الأخرى ، وأفتى أبو زرعة برجوع الكل للورثة بموت إحداهما ، ولو أوصى لآخر بشيء وقال : إن مات قبل البلوغ عاد لوارثي ، فأفتى ابن حجر بأنها تكون مؤبدة مطلقاً ولا ترجع للورثة نظير العمرى والرقبى.

(

مسألة) : أوصت امرأة لابن ابنها بمثل نصيب أو بنصيب أبيه الميت أو بحصة إرثه منها ، أو قالت : جعلته على ميراث أبيه صح في الكل ، وإن لم تقل لو كان حياً وكان كناية في الأخيرتين إلا إن قيدته ببعد الموت ، ثم إذا صح فلو ماتت عن زوج وابن وبنتين كان للموصى له خمس التركة لا ربعها ، كما حققه العلامة ابن حجر في القول الواضح المقر ورد على من خالفه ، وذلك لأنا في المشبه به المقدر وجوده كابن الابن هنا نقدر وجوده وسهمه ، ثم يزاد مثل سهمه على المسألة وفي الموجود ، كما لو أوصت بمثل نصيب الابن الحي هنا يزاد مثل سهمه على المسألة فيكون له ربع ، وحاصل مسألتنا أن تقول أصلها من أربعة : للزوج ربع سهم ، وللابن الحي سهم ، وللبنتين سهم ، وللابن الميت المقدر وجوده سهم ، ويزاد خامس للموصى له فيأخذ الخمس ثم تقسم التركة بين الكل بحسب إرثهم. قال ابن حجر : ولا عبرة بعرف البلد في تنزيله منزلة أبيه من غير زيادة ، وما نقل عن ابن عبسين وابن مزدوع ومن سبقهما أو تبعهما مما يخالف ما ذكرنا فغلط لا يعوّل عليه ، لأن ذلك لا يوافق إلا مذهب مالك ، وليس من مذهب الشافعي في شيء ، ولو أوصى له بنصيب ابنه بالإضافة وليس له ابن وارث بطلت أو بنصيب ابن بالتنوين صحت اهـ.

(مسألة : ب) : أوصى بثلث ماله يخرج منه تجهيزه ووصايا معينة ، ويؤخذ بالزائد مال يخرج منه وصايا وتهاليل ، وما زاد يقسم أثلاثاً : ثلث للسادة المحتاجين حسبما يراه الوصي ، وثلثان للأرحام ، فقوله : يؤخذ مال الخ. يجب اتباع شرطه ، ولا تجوز تفرقته دراهم وإن خيف ضياعه في المستقبل ، بل الذي يظهر أنه يجب فوراً شراء ذلك وصرف غلاته في مصارفها التي عينها ، نعم إن غلب على ظنه الضياع واستيلاء الظلمة عليه بعد الشراء جاز دفع بعضه لسلامة الباقي ، فإن تحقق الضياع أو الاسيتلاء قبل شراء المشروط في الوصية وأراد تفرقته نقداً فربما يجد مندوحة ويبرأ ظاهراً وباطناً ، هذا والمسلك الأولى والأوفق بشرط الموصي ، وأحرى بالزمان هو أن يشتري الموصي من كل أحد من الموصى لهم من أموالهم بقدر ما يخصه في الوصية باعتبار النقد ، ثم يأذن له في استقلاله على مقتضى الوصية ، ويكون النظر في ذلك للوصي ولمن يستنيبه فيما يعجز عنه ، إذ هي جائزة حينئذ للضرورة.

(مسألة : ك) : أوصى لزوجته بعقار من ضمان لها عليه لم يكن ذلك وصية إلا بالنسبة لتعيين دفع ذلك العقار في الدين ، إذ الوصية تبرع بحق مضاف ولو تقديراً لما بعد الموت ، وبكونه ضماناً خرج عن كونه تبرعاً فهو إقرار لا تبرع ، وهو صحيح حتى للوارث في مرض الموت ، ثم إن صح الإقرار والضمان بشروطهما من التكليف والرشد ، ومن معرفة صاحب الدين ولزوم المضمون والعلم به وثبوته في غير ضمان الدرك دفع ذلك العقار للزوجة إذا قبلته بعد الموت عن دينها ، ولا يتوقف ملكها على القبض ، ولا فرق في وجوب صرف العين الموصى بها للدين ، بين أن تكون لوارث أو غيره ولا تبرع هنا ، نعم إن زادت العين على قدر الدين فقدره يحسب من رأس المال ، وما زاد من الثلث فلا بد حينئذ ، فيما إذا كانت وارثة من إجازة بقية الورثة المطلق التصرف في الزائد ، وقدم غرض الموصي في صرف العين لما ذكر ، إذ ربما تكون أحل أمواله مثلاً ومنها لو باع المريض ما له لوارثه بثمن المثل أو بما يتسامح به نفذ قطعاً ، فلو خالف الوارث فقضى الدين من غير المعين الموصى به نفذ تصرفه وإن أثم بإمساكها لرضا المستحق بما بذله الوارث ووصوله إلى حقه.

(

مسألة ك) : أوصى لزوجته بالبيت وما فيه دخل جميع ما في البيت من دراهم ونحاس وسلاح ودوابّ وغيرها ، لكن لا بد من إجازة بقية الورثة الكاملين بعد موت الموصي ، فإن أجاز بعضهم نفذت في نصيبه فقط ولا رجوع لهم بعد الإجازة ، نعم إن ادعوا الجهل بقدر التركة بأن قالوا : نظن قلتها فبان كثرتها صدقوا بأيمانهم حيث لم تقم بينة بعلمهم ولم تكن الوصية شيئاً معيناً اهـ. قلت : وقوله دخل ما في البيت الخ. أي عند الموت وإن حدث بعد كما في فتاوى ابن حجر لا عند الوصية كما هو معلوم.

(مسألة : ك) أوصى بعتق عبيده ثم اشترى بعد الوصية عبيداً أخر ومات عتق الجميع ، حيث لم يقيد بالموجودين حال الوصية وخرجوا من الثلث إذ العبرة في الوصية بالمال والعتق وغيرهما بحالة الموت دون الوصية على المعتمد ، حتى لو أوصى له بعبد من عبيده ولا عبد عنده ، ثم حدث له عبيد جاز إعطاؤه واحداً من الحادثين ، وما نقل عن شيخنا سعيد سنبل مما يخالف ذلك فغير ظاهر.

فائدة : أوصى بماعون الدار دخل فيه صناديق وفراطل وجفان وأصحان صين وأباريق وطشوت نحاس ولو كباراً وحناجير وقعايد وسرر وميازين إلا نحو قبان ومراطبين كباراً تراد للتجارة كفؤوس وقداوم تراد للحرث فلا تدخل ، بخلاف ما يراد لتكسير حطب وإصلاح سقوف اهـ فتاوى بامخرمة.

(مسألة : ي) : أوصى بدراهم يؤخذ بها مال ويوقف على الأرحام ، فروجع فرد الأمر إلى أبيه فقال الأب : مرادنا تفرقتها دراهم ، فرده الأمر لأبيه توكيل في كيفية الصرف ، وتقرير الأب الصرف دراهم وإبطاله الوصية بالوقف صحيح ، فتفرق حينئذ دراهم.

(مسألة : ك) : أوصى بثلاثين ديناراً يشتري بها نخل ويوقف على مسجد معين وأشهد على ذلك ، ثم اشترى مالاً بأربعة وثلاثين ووقفه في حياته على ذلك المسجد ، لم يكن شراؤه المذكور رجوعاً عن الوصية إلا إن عين الدنانير الموصى بها ثم اشترى بها ، أو علم رجوعه عن الوصية ، وحيث لم يكن شيء من ذلك ، فيشتري النخل ويوقف كذلك إن وسعه الثلث ، أو أجاز جميع الورثة المطلقي التصرف.

(مسألة : ب) : أوصى بأنواع من القربات على يد شخص ، ثم أوصى بأخرى على يد آخر ، فإن ثبت رجوعه عن الأولى وإلا حكم بصحتهما فيخرجان من الثلث إن وسعه وإلا قسط.

فائدة : أوصى بكتبه دخلت الأجزاء والمصاحف أو بمصاحفه لم تدخل الكتب اهـ بامخرمة. ولو أوصى له بثلث ماله إلا كتبه ، ثم أوصى له بالثلث وأطلق لم تدخل الكتب ، قاله ابن حجر وأبو مخرمة خلافاً لبعض الأشراف ، ولو أوصى له بمائة ثم أوصى له بخمسين فله خمسون لأن الثانية قاطعة للأولى اهـ تحفة. وقال في الروض وشرحه : ولو عكس بأن أوصى له بخمسين ثم بمائة فله مائة.

(

مسألة : ش) : أوصى أو أقرّ بمنافع نخلة أو دابة ، فإن أراد به الثمرة والولد أو اطرد بهما العرف ملكهما الموصى له كما دلت قرينة ، لكن بالنسبة للوصية لا الإقرار ، لأن مبناه على اليقين ، وإذا لم يدخل حملت المنافع في النخلة على ما يصح الاستئجار عليه من منافعها ، كربط دابة ونشر ثياب عليها ، وفي الدابة على ركوبها أو الحمل عليها ، ودياسة نحو الحب وولدها حينئذ كهي ، فلو قال بفوائدها أو غلتها حمل على الثمرة واللبن والصوف.

(مسألة) : قال في الإمداد ونحوه التحفة : وكاعتبار الوصية بالمنافع مدة معلمة ما لو أوصى لزيد بدينار كل سنة من أجرة داره ، ثم من بعده للفقراء مثلاً ، والأجرة عشرة دنانير ، فيعتبر من الثلث قدر التفاوت بين قيمة الدار مع إخراج الدينار منها وقيمتها سالمة عن ذلك ، ثم إن خرجت من الثلث امتنع على الوارث بيعها وإن ترك ما يحصل منه دينار ، لأن الأجرة قد تنقص عنه ، وإن لم تخرج فالزائد على الثلث رقبة وأجرة تركة اهـ ، ومثله فتاوى بامخرمة ، وحينئذ فلو أوصى بعقار يخرج من غلته للقراءة كذا وما بقي لابنه فلان ، فإن لم تجز الورثة للابن كان الزائد على أجرة القراءة تركة ، وكذا إن أجازت ومات الابن كما اقتضته فتاوى ابن حجر ، ولو أوصى أن يعطى فلان كل شهر كذا أعطيه إن عين الإعطاء من ريع ملكه ، ولا أعطيه الشهر الأوّل فقط ، كما لو أوصى لوصيه كل سنة بمائة دينار ما دام وصياً فيصح بالمائة الأولى فقط خلافاً لمن غلط فيه ، قاله في التحفة.

(مسألة : ي) : أوصى بثلث الجروب التي أحياها أن يصرف ريعه في تحصيل ماء للشرب بمحل كذا ، لزم الوصي فعله في ذلك المحل ، فلو تعذر فعله في بعض الأحيان حفظت الغلة إلى زوال العذر ، فإن أيس من زواله في العادة أو خيف على الغلة قبل زواله ، صرف للشرب بمحل آخر بقرب ذلك المحل ، ولا يجوز صرفه لجهة أخرى كأرحام الميت ، ولا بيع الثلث الموصى به من تلك الجروب كالوقف ، ولو أوصى بثمر يقسم يوم موته فأخر وجب تفريقه بعده ، ولو أوصت بثلث مالها على يد زوجها يخرجه بنظره ، وجب تفريقه بعد تنضيضه دراهم على أقاربها غير الورثة.

(مسألة : ش) : خلف كلب صيد وزقّ خمر ولحم ميتة فقط ، وأوصى بأحدها اعتبر الثلث بفرض قيمتها ، إذ لا تناسب بين رؤوسها حتى يعتبر العدد ، ولا بين منفعتها حتى تعتبر ، فإن أوصى بكلها نفذ في ثلث كل إن لم يجز الوارث.

(مسألة : ب) : أوصى بأنواع من القربات ثم قال : وأوصى بأن عبده فلاناً معتوق عتقاً معلقاً قبل موته بثلاثة أيام وجعل له مائة قرش ، والجارية المتزوّج بها ، والجارية والعبد اللذين عند فلان بشرط أن يكونوا في طاعة أولاده ، وكذلك عبده فلان معتوق قبل موته بثلاثة أيام صحت الوصايا بشرطها ، وكذا العتق إن وجدت الصفة وهي مضي الثلاث مع الشرط وهو خدمة الأولاد ، فإن لم يدوموا على الخدمة بعد لم يبطل العتق ، لأن عدم الشرط يمنع إمضاء الوصية ، ونفوذ العتق يمنع الرجوع فيه ، فحينئذ يرجع الورثة على كل بقيمته وتكون تركة ، لكن يتردد النظر في قول الموصي وأوصى بأن عبده فلاناً معتوق عتقاً معلقاً قبل مرض موته بثلاثة أيام ، إذ في ذلك شبه تناف أو هو هو ، فيحتمل إلغاء هذه الصيغة وإن قصدها المعتق ، لأن المقاصد إذا لم يدل عليها الألفاظ لا تعتبر ، وقاعدة ما كان صريحاً في بابه تؤيده ، ويحتمل صحة العتق نظراً لتشوف الشارع إليه ما أمكن ، ويكون معنى أوصيت أقررت أو أعلمت ونحوه ، ويؤيد هذا قولهم : إعمال الكلام أولى من إهماله ، وكلام المكلف يصان عن الإلغاء ما أمكن ، والقلب إلى هذا أميل.

LihatTutupKomentar