Kitab Al-Suluk fi Tabaqat al-Ulama wa al-Muluk (4)

Kitab Al-Suluk fi Tabaqat al-Ulama wa al-Muluk (4) وَهَذَا مَا وجدته عِنْد المقرى الْمَذْكُور وَبِالْجُمْلَةِ اوصافه جمة وانى مقصر عَن استيعابها وَكَ

Kitab Al-Suluk fi Tabaqat al-Ulama wa al-Muluk (4)

 Buku: As-Sulūk fī Ṭabaqāt al-‘Ulamā’ wa al-Mulūk Penulis: Muḥammad ibn Yūsuf ibn Ya‘qūb, Abū ‘Abd Allāh, Bahā’ al-Dīn al-Jundī, Al-Janadi al-Yamanī (meninggal 732 H) 

Penerbit: Maktabat al-Irshād – Ṣan‘ā’ – 1995 M
Edisi: Kedua
Penyunting: Muḥammad ibn ‘Alī ibn al-Ḥusayn al-Akwā‘ al-Ḥawālī
Jumlah Jilid: 2
[Penomoran buku sesuai dengan edisi cetak]
Halaman Penulis: [al-Jundī, al-Janadi, Bahā’ al-Dīn]

 Book: As-Sulūk fī Ṭabaqāt al-‘Ulamā’ wa al-Mulūk
Author: Muḥammad ibn Yūsuf ibn Ya‘qūb, Abū ‘Abd Allāh, Bahā’ al-Dīn al-Jundī al-Yamanī (d. 732 AH)
Publisher: Maktabat al-Irshād – Ṣan‘ā’ – 1995 CE
Edition: Second
Editor: Muḥammad ibn ‘Alī ibn al-Ḥusayn al-Akwā‘ al-Ḥawālī
Number of Volumes: 2
[Book numbering corresponds to the printed edition]
Author's Page: [al-Jundī, Al-Janadi Bahā’ al-Dīn]

الكتاب: السلوك في طبقات العلماء والملوك
المؤلف: محمد بن يوسف بن يعقوب، أبو عبد الله، بهاء الدين الجُنْدي الجَنَدِي اليمني (ت ٧٣٢هـ)
دار النشر: مكتبة الإرشاد - صنعاء - ١٩٩٥م
الطبعة: الثانية
تحقيق: محمد بن علي بن الحسين الأكوع الحوالي
عدد الأجزاء: ٢
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
صفحة المؤلف: [الجندي، بهاء الدين] 

Daftar Isi Al-Suluk Juz 1

  1. Juz 1 
    1. Kitab Al-Suluk fi Tabaqat al-Ulama wa al-Muluk (1)
    2. Kitab Al-Suluk fi Tabaqat al-Ulama wa al-Muluk (2)
    3. Kitab Al-Suluk fi Tabaqat al-Ulama wa al-Muluk (3)
  2. Juz 2 
    1. Kitab Al-Suluk fi Tabaqat al-Ulama wa al-Muluk (4) 
    2. Kitab Al-Suluk fi Tabaqat al-Ulama wa al-Muluk (5)
    3. Kitab Al-Suluk fi Tabaqat al-Ulama wa al-Muluk (6)
  3. Artikel Sejarah yang Lain

     بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

    وانه كتب اليه بِشعر مِنْهُ لما دخل كِتَابه شرح اللمع إِلَى زبيد مَا مِثَاله ... ترى دهسات الرمل من جَانب الند ... على عهدها ام قد تغيرن من بعدِي

    منَازِل من مي عهدنا بهَا المها ... لَهَا فتكة تربى على صولة الْأسد

    هُنَالك أذمى على ايمن الحما ... وَهِنْد يسراه فَمن لَك من هِنْد

    سقى الله ربعا للأحبة باللوى ... على عقدات الكثب والشمل كالعقد

    خليلي فِي ربع على الرّبع بعْدهَا ... وَأنْفق نَفِيس الْعُمر فِي طلب الْمجد

    إِذا كنت شهما فاترك الْهزْل جانبا ... ونافس على عليا الْمَرَاتِب بالجد

    كَفعل عماد الدّين مُوسَى بن أَحْمد ... حَلِيف الْمَعَالِي جَامع الْمجد وَالْحَمْد

    فَتى ترك اللَّذَّات فِي طلب العلى ... فارقته همات لَهُ قمة السعد

    مَتى تلقه تلق ابْن إِدْرِيس فقهه ... وسُفْيَان فِي جمع التنسك والزهد

    ويكفيه فضلا مَا ابان بشرحه ... على لمع الشَّيْخ الامام أبي الْمجد

    وَعِنْدِي ان الشَّيْخ لوعان شَرحه ... لقَالَ لَهُ احسنت لم تعد مَا عِنْدِي

    لَئِن كَانَ ابراهيم ادمج مَتنه ... لقد حل مُوسَى كل مَا فِيهِ من عقد

    وعذراء من علم الاصول تمنعت ... على كل خطاب وكل اخى نقد

    أهاب بهَا يَوْمًا فالقت قناعها ... وجائته طَوْعًا فِي جلابيبها تردى ...

    وَهَذَا مَا وجدته عِنْد المقرى الْمَذْكُور وَبِالْجُمْلَةِ اوصافه جمة وانى مقصر عَن استيعابها وَكَانَت وَفَاته بزبيد سنة خمس وَسِتِّينَ وستماية تَقْرِيبًا

    وَمِنْهُم ابو عبد الله مُحَمَّد عَليّ بن يحيى بن عبد الله النَّاسِخ كَانَ فَاضلا لَا سِيمَا بفن الادب واخذ عَنهُ جمَاعَة من اهل زبيد وَغَيرهَا وَمِنْهُم الْبكر يان فقيهان كبيران درسا وَأخذ عَنْهُمَا جمَاعَة الْمُتَقَدّم مِنْهُم عَليّ بن أبي بكركان فَقِيها فَاضلا متفننا وَهُوَ أحد شُيُوخ الْفَقِيه أبي الْخَيْر لَا سِيمَا بفن الْأَدَب لم أتحقق لَهُ تَارِيخا

    وَمِنْهُم ابْن أَخِيه مُحَمَّد بن عمر كَانَ فَاضلا درس بالسيفية الَّتِي تعرف بام السُّلْطَان توفّي سنة ارْبَعْ وَسِتِّينَ وسِتمِائَة

    وَمِنْهُم عبد الله بن مَنْصُور بن ابراهيم بن عَليّ بن ابراهيم بن عَليّ بن مُحَمَّد الفرسي نسبه بِالْفَاءِ مَضْمُومَة بعد الف وَلَام وَبعدهَا رَاء سَاكِنة وخفض السِّين الْمُهْملَة ثمَّ يَاء نِسْبَة الى الْفرس واصله من قَرْيَة بوادي زبيد تعرف بالتربة بتاء مثناة من فَوق مضمومه بعد ألف وَلَام وَبعدهَا رَاء سَاكِنة ثمَّ بَاء مُوَحدَة ومفتوحة ثمَّ هَاء وَهِي بِالْقربِ من قَرْيَة القرتب الَّتِي سمي بهَا بَاب الْمَدِينَة اليمني وَله بهَا إِلَى الْآن قرَابَة مِنْهُم جمَاعَة يسكنون قَرْيَة المسلب أَيْضا فِي الْوَادي وَكَانَ هَذَا عبد الله فَقِيها عَالما من أتراب الْفَقِيه مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الْحَضْرَمِيّ الَّاتِي ذكره وَله ابْن اخ اسْمه مَنْصُور بن حسن الْآتِي ذكره وَكَانَ هَذَا من اعيان فُقَهَاء وقته وَلم اتحقق تَارِيخه واما ابْن اخيه الْمَذْكُور فَهُوَ مَنْصُور بن حسن مولده شهر رَمَضَان

    سنة سبع عشرَة وسِتمِائَة كَانَ اُحْدُ اعيان الْكتاب فِي الدولة المظفرية وَصدر المؤيدية لم يكن لَهُ نَظِير فيهم بِمَعْرِِفَة كتب الْأَدَب ولاكثر المحفوظات نظما ونثرا وَمهما اشكل فِي ذَلِك فِي وقته انما يرجع اليه فِي الْغَالِب بِهِ اخذ عَن الامام الصغاني المقامات وَغَيرهَا واخذ عَن غَيره كزكريا بن يحي الاسكندر عدَّة من كتب الحَدِيث وَغَيرهَا وَيُقَال كَانَ محفوظه من الشّعْر يزِيد على عشرَة الاف بَيت وَكَانَ غَالب أوقاته نَاظرا إِمَّا بعدن أَو بجبلة وهما من أعظم أَعمال الْيمن وَمَا أدْرك عَلَيْهِ غلظ وَلَا خِيَانَة لمخدوم بل شهر عَنهُ الامانة وَعدم ظلم الرّعية وَكَانَت وَفَاته على النّظر بذى جبلة فِي يَوْم الْجُمُعَة عَاشر الْمحرم سنة سَبْعمِائة

    وَمِنْهُم أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عَليّ بن عبد الْعَزِيز بن عبد الرَّحْمَن عرف بالفشلي مولده رَابِع عشر شعْبَان سنة خمس وَثَمَانِينَ وخمسماية اخذ عَن جمَاعَة من الاكابر كالشريف ابي حَدِيد وَابْن حرويه الْموصِلِي وَغَيرهمَا وارتحل الى مَكَّة وَالْمَدينَة واخذ عَن أعيانهما كَابْن ابي الصَّيف وَعمر بن عبد الْمجِيد الفرسي وَغَيرهمَا وَأخذ عَنهُ كَثِيرُونَ من أهل الْيمن وَغلب عَلَيْهِ علم الحَدِيث فَكَانَ إِمَامًا فِيهِ وَهُوَ اُحْدُ شُيُوخ شَيْخي أَحْمد بن عَليّ السرددي وَكَانَت لَهُ مكانة عِنْد الْملك الْمَنْصُور ثمَّ عِنْد وَلَده المظفر وَسمع عَلَيْهِ عدَّة من كتب الحَدِيث مَعَ جمع كثير وَكَانَت وَفَاته ان ركب دَابَّته يَوْمًا بِمَدِينَة زبيد يُرِيد بعض حَوَائِجه فمرت الدَّابَّة عِنْد كلب فنبحها فجفلت مِنْهُ فَوَقع مِنْهَا على الارض مَيتا وَذَلِكَ يَوْم الاربعاء عَاشر رَمَضَان سنة احدى وَسِتِّينَ وسِتمِائَة واما وَالِده ابراهيم فَكَانَ رجلا فَاضلا صَالحا صَاحب عبادات وكرامات هُوَ شيخ الشَّيْخ احْمَد الصياد وَالَّذِي كَانَ يدله على الطَّرِيق الى الله تَعَالَى بِحَيْثُ حكى فِي سيرته انه قَالَ لما فتح الله لي بِمَا فتح

    سلم الي الْفُقَهَاء والمشايخ غير هَذَا الشَّيْخ ابراهيم الفشلي فانه اخي وقسيمي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَكَانَ يثني عَلَيْهِ ثَنَاء كثيرا هَكَذَا ذكر مؤلف سيرته اعني الصياد

    وَمِنْهُم أَبُو الْخَيْر بن مَنْصُور بن أبي الْخَيْر الشماخي السَّعْدِيّ نسبا والحضرمي بَلَدا اِدَّرَكَ جمَاعَة من الاكابر واخذ على اصحاب السلفى بِمَكَّة كَابْن الْحِمْيَرِي وَغَيره واخذ بأحور الْبَلَد الَّتِي يَأْتِي ذكرهَا عَن أبي عبد الله بن احْمَد بن عراف عَن يحي بن ابي قصير الظفاري عَن الامام القلعي الْآتِي ذكره وتضلع من عُلُوم كَثِيرَة مِنْهَا الْفِقْه والنحو واللغة والفرائض والْحَدِيث وَالتَّفْسِير وصنف كتبا فِي ذَلِك تدل على جودة مَعْرفَته واخذ عَن الامام بطال بن احْمَد وَلم يكن لَهُ فِي اخر عمره نَظِير بجودة الْعلم وَضبط الْكتب بِحَيْثُ لَا يُوجد لكتبه نَظِير فِي الضَّبْط أَخْبرنِي جمَاعَة مِمَّن ادركه أَنه كَانَ لَا يُوجد إِلَّا وَعِنْده كتاب ينظر فِيهِ ومحبرة وَأَقْلَام يصلح بهما

    مَا وجد فِي الْكتاب وَكَانَت وَفَاته بزبيد لسبع بَقينَ من جمادي الْآخِرَه سنة ثَمَانِينَ وستماية بعد أَن بلغ عمره سبعين سنة وَبعد أَن جمعت خزانته من الْكتب مَا لم تجمعه خزانَة غَيره مِمَّن هونظير لَهُ بِحَيْثُ قَالُوا كَانَ فِيهَا مائَة أم سوى المختصرات وَخَلفه ابْنه احْمَد مولده نَهَار الْأَرْبَعَاء تَاسِع عشر صفر من سنة خمس وَخمسين وستماية وَهُوَ شيخ الحَدِيث فِي الْبَلَد والبلاد وَأحد أَعْيَان الافراد وَعنهُ اخذت سعار الدّين للخطابي وَبَعض الأربعينات وَأَجَازَ فِي باجازة عَامَّة وَسمع عَلَيْهِ الْملك الْمُؤَيد سنَن ابي دَاوُد فِي سنة ثَلَاث عشرَة وسبعماية وَكَانَ لَهُ ابْن آخر اسْمه مُحَمَّد ولي قضا موزع وَكَانَ مَذْكُورا بالتقى والسخاء وَتُوفِّي بحياة أَبِيه وَعَلِيهِ دين أدانه قَضَاهُ عَنهُ وَالِده وَلم اتحقق تَارِيخه وَلأَحْمَد أَوْلَاد يترشحون لاقراء الحَدِيث لبث نَحوا من سنتَيْن لَا يُطيق الْقيام وَتُوفِّي يَوْم الثُّلَاثَاء منتصف ربيع الاول سنة تسع وَعشْرين وسبعمائه

    وَمِنْهُم سعيد بن مُحَمَّد بن مُعَاوِيَة وَمِنْهُم مُحَمَّد بن حُسَيْن بن عَليّ بن الْمحرم الْحَضْرَمِيّ يُقَال كَانَ بَينه وَبَين أبي الْخَيْر قرَابَة وَكَانَ هَذَا فَقِيها فَاضلا غلب عَلَيْهِ فن الْأَدَب وَكَانَ لَهُ ولدا مجيدا خطاطا فَسَأَلَهُ المظفر عَن رجل يصلح لتعليم وَلَده الْمُؤَيد فارشد اليه فاستدعاه وامره بالتعليم فَعلم وأجاد فَكَانَ الْمُؤَيد ببركة تَعْلِيمه من اعيان الزَّمَان عقلا ونقلا وَكَانَت وَفَاته لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ مستهل الْحجَّة سنة احدى وَثَمَانِينَ وستماية وَكَانَ خيرا صَالحا فرضيا حسابيا صَاحب مكاشفات وعبادات إبتني مَسْجِدا شهر بِهِ وَلم يزل يدرس بِهِ حَتَّى كَانَت وَفَاته تَقْرِيبًا نَحْو خمسين وستماية

    ثمَّ صَار الْفِقْه فِي طبقَة اخرى غَالب اصحابها تلاميذ مُحَمَّد بن قَاسم الْمُقدم ذكره وَقد تقدم مِنْهُم ابْن الْحطاب ثمَّ تَأَخّر عَنْهُم جمَاعَة مِنْهُم أَبُو الْخطاب عمر بن عَاصِم بن مُحَمَّد بن عَاصِم بن مُحَمَّد بن عَاصِم بن عِيسَى اليعلي بياء مثناة من تَحت مَفْتُوحَة بعد الف وَلَام وَبعدهَا عين مُهْملَة سَاكِنة ثمَّ لَام ثمَّ يَاء نسب فَخذ من كنَانَة ثمَّ الْكِنَانِي كَانَ فَقِيها كَبِيرا فَاضلا بالفقه والنحو واللغة والْحَدِيث وَله أشعار مستحسنة تفقه بِهِ جمَاعَة مِنْهُم وَالِدي يُوسُف بن يَعْقُوب واخذ عَنهُ شَيخنَا ابو الْحسن الاصبحي خُلَاصَة الْغَزالِيّ وَأَخذهَا عَنهُ ايضا الإِمَام إِسْمَاعِيل الْحَضْرَمِيّ واليه انْتَهَت رياسة الْفِقْه وَالْفَتْوَى بِمَدِينَة زبيد وَحصل فِي نفس قَاضِي الْقُضَاة عَلَيْهِ عتب بِكَلَام نقل عَنهُ فَجعل النايب يتعند بِهِ فِي أَمر الْمدرسَة يعامله بِمَا لَا يَلِيق وَكَانَ لَهُ عِنْد السُّلْطَان الْملك المظفر مكانة اعني الْفَقِيه كتب اليه يشكو من النَّائِب من جملَة الشكوى أَبْيَات مِنْهَا ... خربَتْ مدارسكم مَعًا يَا يُوسُف ... وفتى وحيش لَو عملت الْمُتْلف ...

    فَلَمَّا وقف السُّلْطَان على كِتَابه وَكَانَ قَاضِي الْقُضَاة اذ ذَاك حَاضر قَالَ لَهُ يَا قَاضِي بهَا الدّين من النَّاظر على مدارس زبيد قَالَ يَا مَوْلَانَا ابْن وحيش قَالَ لَا يكون لَهُ على مدرسة الْفَقِيه ابْن عَاصِم نظر فَقَالَ سمعا وَطَاعَة ثمَّ كتب اليه قد صرفناه عَن النّظر فِي مدرستك فاترك عَلَيْهَا من اخترته وَله شعر فِي ذمّ الْمدَارِس ... بيع الْمدَارِس لَو علمت بدارس ... يغلو وَمن يحسن صَفْقَة للْمُشْتَرِي

    دعها ولازم للمساجد دَائِما ... ان شيت تظفر بالثواب الاوفر ... وصنف زوايد الْبَيَان على الْمُهَذّب فِي كتاب وَيُقَال ان ذَلِك أحد مَا اوجب الوحشة بَينه وَبَين قَاضِي الْقُضَاة اذ هُوَ من قومه فانه نقل اليه انه قصد بذلك حط الْبَيَان وَإِن لَا يلْتَفت اليه مَعَ وجود مُصَنفه والمهذب مَعَ ان كِتَابه لم يكد يشهر وَلَا تتداول وَكَانَت وَفَاته طُلُوع شمس نَهَار الْخَمِيس لخمس بَقينَ من ربيع سنة ارْبَعْ وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة

    وَمِنْهُم أَبُو بكر بن عبد الله عرف بالريمي تفقه بِابْن قَاسم ايضا وَبِه تفقه جمَاعَة كَثِيرُونَ كاحمد بن سُلَيْمَان وَعَمه عِيسَى وَغَيرهمَا وَكَانَت وَفَاته على طَرِيق التَّقْرِيب سنة ثَمَانِينَ وستماية وَخلف وَلدين فقيهين عبد الله وَمُحَمّد فعبد الله اعاد بمدرسة أَبِيه إِذْ كَانَ أَبوهُ يدرس فِي التاجية الَّتِي تعرف بمدرسة المبرذعين وَأقَام معيدا سنة ثمَّ حصل عَلَيْهِ وَله فَجعل مَكَانَهُ اخوه فاقام مُدَّة ثمَّ عانده قَاضِي زبيد مُوسَى بن ايمن فَعَزله وَجعل مُحَمَّد بن أبي بكر النَّاشِرِيّ مَكَانَهُ ليستعين بِهِ فِي االإستنابه إِذا خرج إِلَى بَلَده

    وَمِنْهُم عبد الرحمن بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد أَبَا حسان الْحَضْرَمِيّ الشبامي قدم زبيد ابْن اربعين سنة فتفقه بابيات حُسَيْن ثمَّ سَافر إِلَى مَكَّة

    فادرك ابْن السّبْعين وَأخذ عَن أَصْحَابه وَله يَد فِي التصوف وَقَرَأَ النَّحْو كَذَلِك والْحَدِيث وصنف فيهمَا وَكَانَ عابدا ورعا زاهدت خلف كتبا عدَّة وَصَحب ابْن الْحَضْرَمِيّ اسماعيل وَجَمَاعَة من أَصْحَاب أبي الْغَيْث وَابْن عجيل وَتُوفِّي على ذَلِك سنة ارْبَعْ وَعشْرين وَسَبْعمائة وَخلف ولدا جيدا توفّي بعده بِيَسِير وَلم يمت إِلَّا عَن بَنَات وَولد توفّي بعده بعد أَن تفقه وَذَلِكَ برجب سبع وَعشْرين وَسَبْعمائة بعد أَن عمر على مَا يزِيد على مائَة سنة رَحمَه الله لم يتَغَيَّر لَهُ سمع وَلَا ذهن وَلَا بصر

    وَمِنْهُم مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد يجْتَمع مَعَ عبد الرَّحْمَن باحمد تفقه بِبَلَدِهِ وبزبيد أَيْضا وَبهَا توفّي وَهُوَ وَالِد عبد الله الْحَضْرَمِيّ الْعَطَّار وَكَانَ لَهُ أَخ اسْمه أَحْمد يذكر عَنهُ الْخَيْر الْجيد

    وَمِنْهُم مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن القيقل كَانَ فَقِيها مُحدثا وَهُوَ الَّذِي سمع المظفر بقرآته الحَدِيث على الفشلي وَضبط جده بقافين مفتوحتين بَينهمَا يَاء مثناة من تَحت سَاكِنة ثمَّ لَام وَأَصله من قَرْيَة من قرى زبيد تعرف بِمحل ماتع وَلم أعرف لَهُ تَارِيخا

    ثمَّ صَار الْفِقْه إِلَى طبقَة أُخْرَى مِنْهُم أَحْمد بن أبي بكر عرف بِابْن سرُور قيل أَنه ينتسب إِلَى ابي عبد الله الْقَائِد سرُور آخر وزراء الْحَبَشَة الْآتِي ذكرهم وَكَانَ فَقِيها فَاضلا وَكَانَ زميلا لاحمد بن سُلَيْمَان الْحكمِي الْآتِي ذكره أَن شَاءَ الله وَهُوَ الَّذِي رغبه بسكنى زبيد إِذْ أصل بَلَده القحمة واثنى عَلَيْهِ ابْن دعاس بمقام المظفر والمنصورية قد شغرت عَن مدرس فرتبه المظفر بهَا وَلم يكد

    يقف طائلا بهَا بل توفّي فَجعل مَكَانَهُ الْفَقِيه عبد الله بن الْحَضْرَمِيّ الْآتِي ذكره

    وَمِنْهُم عمر بن عَليّ الحجي كَانَ فَقِيها فَاضلا تفقه بالريمي ودرس بالهكارية واعاد بالنظامية وَكَانَ يذكر بِالْخَيرِ إِلَى أَن توفّي لَيْلَة الْجُمُعَة ثَالِث رَمَضَان سنة ثَلَاث وَسَبْعمائة

    وَمِنْهُم أَبُو الْحسن أَحْمد بن سُلَيْمَان الْحكمِي مولده سنة خمس واربعين وستماية وتفقه بِصَالح بن عَليّ الْحَضْرَمِيّ الَّاتِي ذكره وبالريمي الْمَذْكُور أَولا كَانَ مَشْهُورا بالذكاء اليه انْتَهَت رياسة الْفَتْوَى بزبيد وَبِه تفقه جمَاعَة كَثِيرُونَ وَلما توفيت الدَّار الشمسي فِي سنة خمس وَتِسْعين وسِتمِائَة وَكَانَت قد أوصت بِكُل أملاكها لِابْنِ اخيها الْمُؤَيد بن المظفر وَالْوَارِث لَهَا اخوها الفايز بن الْمَنْصُور وَالسُّلْطَان يَوْمئِذٍ الاشرف بن المظفر والمؤيد اذ ذَاك فِي حَبسه وَكَانَ يعجب الاشرف بطلَان الْوَصِيَّة لكَي يصير مَا بَطل مِيرَاثا فيشتريه من عَمه الفايز فَكَانَ هَذَا احْمَد لَهُ عناية جَيِّدَة فِي ذَلِك استجلابا لخاطر الاشرف لَكِن كَانَ الْغَالِب على الاشرف الشَّفَقَة على الاهل وَكَرَاهَة التظاهر بذلك فَإِن حصل شَيْء بطرِيق شَرْعِي لم يكره ذَلِك فَكَانَ هَذَا الْفَقِيه من اشد النَّاس اجْتِهَادًا بالفتوى بِبُطْلَان الْوَصِيَّة وَوَافَقَهُ جمَاعَة من تهَامَة لَكِن لجودة الأرف كَانَ مَتى جَاءَت الْفَتْوَى من تهَامَة امْر بعرضها على شَيخنَا ابي الْحسن الأصبحي فان وَافق على الْجَواب والالم يعْمل بِهِ كَمَا يَأْتِي بَيَان ذَلِك ان شَاءَ الله واليه اشار الْفَقِيه هَارُون السروي فِي بعض شعره الَّذِي مدحه بِهِ على مَا يَأْتِي بَيَان ذَلِك وَكَانَ سَبَب تعصب هَذَا الْفَقِيه

    الْميل مِنْهُ إِلَى مَا يُوَافق خاطر الاشرف رجا ان يَجْعَل قَاضِي قُضَاة تهَامَة فَلم يكد ينجح بذلك سَعْيه بل مَاتَ الاشرف على مَا سَيَأْتِي بَيَانه وَقَامَ الْمُؤَيد بِالْأَمر فَلم تكمل المسارعة فِي وَصِيَّة الْحرَّة إِلَّا بعد قِيَامه وَحصل على هَذَا الْفَقِيه احْمَد من السُّلْطَان الْمُؤَيد بعض مصادرة واهانة وعزل عَن تدريس

    المنصورية وَلزِمَ بَيته وَأَقْبل على نشر الْفِقْه ببيته تَارَة وبالجامع اخرى وَذَلِكَ سنة سبع وَتِسْعين إِلَى أَن توفّي سحر لَيْلَة الِاثْنَيْنِ ثامن شعْبَان سنة ثَلَاث وَسَبْعمائة وقبر بمقابر بَاب زبيد الغربي اذ عِنْده قبر وَالِده وَكَانَ يذكر بالفقه أَيْضا وَكَانَ لَهُ ولد اسْمه مُحَمَّد تفقه وَتَوَلَّى إِعَادَة المنصورية ايام ابيه ثمَّ توفّي قبله بِسِتَّة أَيَّام

    وَمِنْهُم عَمه عِيسَى بن ابي بكر تفقه بالريمي مقدم الذّكر انفا وَكَانَت طَرِيقَته فِي الدّين تفضل على طَرِيقه ابْن اخيه احْمَد وامتحن فِي اخر عمره بكفاف بَصَره الى أَن توفّي على ذَلِك سنة خمس وسبعماية وَله ابْن اخ اسْمه على تفقه ودرس بالتاجية الَّتِي تعرف بالمبرذعين الى أَن توفّي سنة خَمْسَة عشرَة وَسَبْعمائة

    وَمِنْهُم مُحَمَّد بن عَليّ بن عمر الشرعبي عرف بِابْن المسود الْجبلي اخذ الْفَرَائِض عَن ابْن مُعَاوِيَة وَالْفِقْه عَن الريمي وَابْن عَاصِم وَهُوَ الَّذِي درس بعده بمدرسته وَهِي مدرسة احدثها الاتابك سنقر وَتُوفِّي على ذَلِك سنة سبع وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة

    وَمن الْحُكَمَاء عبد الرَّحْمَن بن ابي بكر يلقب بعمر مخبول درس بالعفيفية وَتُوفِّي بهَا فِي شعْبَان سنة ثَلَاث وَسَبْعمائة

    وَمِنْهُم مُحَمَّد بن عُثْمَان بن مُحَمَّد بن عبد الله عرف بِابْن الْقصار مولده سنة سبع اَوْ ثَمَان وَخمسين وستماية تفقه بِابْن عَاصِم غَالِبا واخذ عَن غَيره ودرس الْفِقْه مُدَّة وَهُوَ فِي عصرنا يدرس الحَدِيث بِالْمَسْجِدِ الَّذِي احدثته الدَّار الشمسي بِمَدِينَة زبيد وَربع المعاصر مِنْهَا وَقد انْقَضى ذكر غَالب الْفُقَهَاء الْمُتَأَخِّرين من اهل الْبَلَد وَالْمذهب

    لم يبْق الا ذكر الواردين اليها من اهل طبقتهم وهم جمَاعَة وَمن الواردين الى زبيد الشريف ذُو النُّون يُونُس بن يحي بن ابي الْحسن بن أبي البركات بن احْمَد بن عبد الله الْهَاشِمِي الْقصار الْبَغْدَادِيّ اقام بزبيد مُدَّة وَعنهُ اخذ جمع كَثِيرُونَ وَكَانَ الْغَالِب عَلَيْهِ الحَدِيث اقام بِمَكَّة مُدَّة أَيَّام بالْمقَام واخذ عَنهُ الْفَقِيه

    اسحاق الطَّبَرِيّ وَغَيره وَمِمَّنْ اخذ عَنهُ الْفَقِيه إِسْمَاعِيل الْحَضْرَمِيّ وَغَيره وَلم اتحقق مآل أمره

    وَمِنْهُم ابو الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد بن أبي الْحسن بن أبي عرُوبَة الْموصِلِي كَانَ كَبِير الْقدر شهير الذّكر وَهُوَ اكثر من اخذ عَن الْفَقِيه مُحَمَّد الفشلي مقدم الذّكر

    وَمِنْهُم مَحْمُود بن مُحَمَّد بن احْمَد الْكرْمَانِي كَانَ اول من اسْمَع وجيز الْغَزالِيّ فِي مَدِينَة زبيد وَبهَا توفّي وَكَانَ كثير الارتحال

    تدير زبيد مُدَّة وَتُوفِّي وَله اخ اسْمه مِيكَائِيل يغلب على الظَّن تقاربهما فِي طَرِيق الْعلم روى عَن جمَاعَة وروى عَنهُ مثلهم

    وَمِنْهُم أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن عُثْمَان بن آدم عرف بالجبرتي نِسْبَة إِلَى جبرت صقع من بِلَاد الْحَبَشَة كَانَ لَهُ مسموعات واجازات اخذها عَن ابي الْخَيْر وَغَيره وَكَانَ غَالب دهره بِمَسْجِد يعرف الى الْآن بِهِ فَيُقَال مسجدالجبرتي وَكَانَ ورعا زاهدا توفّي على ذَلِك لَيْلَة الْأَحَد ثَالِث شعْبَان سنة ارْبَعْ وَسَبْعمائة

    وَمِنْهُم الأخيار الابرار المعروفون بالحضارم بِبَيْت فقه وَعبادَة وورع انما مثلهم فِي بركَة الْفِقْه والتدريس فِي المتاخرين كبركة ال أبي زَكَرِيَّا الشوبريين الْمُقدم ذكرهم قل أَن يُوجد فَقِيه فِي الْجبَال إِلَّا أَخذ عَنْهُم اولهم شهرة بزبيد ابو الفدا اسماعيل بن الْفَقِيه مُحَمَّد بن اسماعيل بن عَليّ بن عبد الله بن اسماعيل ابْن احْمَد بن مَيْمُون الْحِمْيَرِي وَيُقَال الْيَزنِي الْحِمْيَرِي نِسْبَة الى ذى يزن الْملك الْمَشْهُور فِي حمير وَهُوَ الَّذِي اخْرُج الْحَبَشَة عَن الْيمن بعد مُلُوكهَا واماهؤلاء الْقَوْم فهم كَمَا قَالَ الاول ... سبق الاوايل مَعَ تَأَخّر عصره ... كم اخرا يزرى بِفضل الاول ... كَانَ مولد هَذَا اسماعيل تَاسِع الْحجَّة من سنة احدى وسِتمِائَة ذكر الثِّقَة ان اباه لما تزوج بامه قيل لَهُ يَا مُحَمَّد ياتيك مِنْهَا ابْنَانِ مُحدث ومحدث الأول بِفَتْح الدَّال الْمُهْملَة وَالثَّانِي بخفضها وتفقه بابيه وَعَمه عَليّ الَّاتِي ذكرهمَا فِي أهل بلدهما

    وَقد اخذ عَن جمَاعَة من الْكِبَار كيونس بن يحي وَغَيره كالبرهان الْحَضْرَمِيّ وَكَانَ نقالا لفروع الْفِقْه غواصا على دقائقه وَله مصنفات مفيدة مِنْهَا شرح الْمُهَذّب وَغَيره وَدخل زبيد لغَرَض الزِّيَادَة فِي الْعلم فَتزَوج بابنة الْفَقِيه ابي بكر بن حنكاس الْحَنَفِيّ الَّاتِي ذكره وبابنة الْفَقِيه ابي الْخَيْر الْمُقدم ذكره وغلبت عَلَيْهِ محبَّة استيطان زبيد وَاجْتمعَ بِهِ المظفر غير مرّة يسمع عَلَيْهِ البُخَارِيّ فَلَمَّا جَاءَ القارى الى ذكر الْخمر وَالْخمر اشار لَهُ الْفَقِيه الى ذكر اعادته مرّة بعد اخرى بِحَيْثُ فهم الْملك المظفر أَنه يعرض لَهُ ابطاله فَقَالَ يَا فَقِيه قد فهمنا غرضك وَنحن نامر بابطاله فاستمر القارى على قِرَاءَته وَلما انْقَضى الْمجْلس قَالَ السُّلْطَان نُرِيد ابطال الْخمر فاعترضه ابْن دعاس وَقَالَ لَا عَلَيْك من رَأْي الْفَقِيه انت ملك وَعَلَيْك خراج عَظِيم وَلَا تَأْكُل ثمنهَا وَلَا تحضرها إِنَّمَا يَأْكُل الضَّمَان نَاس يشربونها وَلم يزل يُجَادِل حَتَّى اعْرِض السُّلْطَان عَن ذَلِك وَلما انقرض الاعيان فِي بنى صَالح جعل السُّلْطَان امْر القضا فِي تهَامَة اليه فَلبث مُدَّة الثرها سنة اسْتخْلف فِي الْقَضَاء اهله الصَّالِحين من اهل الْفِقْه والورع وَالصَّلَاح لم يتْرك قَاضِيا إِلَّا من علم صَلَاحه

    وورعه فَترك بزبيد صهرا لَهُ اسْمه عَليّ بن احْمَد والقحمة عَليّ بن ثُمَامَة وهلم جرا فِي كل بلد فَقِيها ورعا وَاشْترط عَلَيْهِ ان لَا يحكم الا بِمحضر من الْفُقَهَاء فَيُقَال إِنَّه خُوطِبَ بهَا يَا اسماعيل رضيت بالنزول عَن التسمي بالفقه إِلَى التسمي بِالْقضَاءِ اَوْ كَمَا قيل وَقيل بل كَانَ كثير التَّرَدُّد الى تربة الشَّيْخ احْمَد الصياد وَقد يجد عِنْدهَا دَلِيلا على مَا فِيهِ صَلَاح حَاله فترجي هُنَالك بِمَا قدمنَا ذكره وَقيل أَنه لما وجد السُّلْطَان فِيمَا قَالَه من ابطال الْخمر كتب اليه فِي شقف وَقيل بِعظم يَا يُوسُف قد عزلت نَفسِي وامر بذلك الى امير خاندار رَسُولا وَقَالَ ابلغ ذَلِك الى السُّلْطَان فَلم يطق أَمِير خاندار كتم ذَلِك بل بعث بِهِ الى المظفر فحين وقف عَلَيْهِ علم ان لَا طَاقَة على رده فاضاف قضا التهايم إِلَى القَاضِي مُحَمَّد بن

    اِسْعَدْ الملقب ببها الدّين مَعَ قضا الْجبَال كَمَا قدمنَا ذكره وَيُقَال أَن هَذَا الْفَقِيه آخر من ولي الْقَضَاء على الْوَجْه المرضي بِالْيمن هَكَذَا أجمع فُقَهَاء الْيمن وتحققت ذَلِك بطرِيق التتبع وَهُوَ كَذَلِك فِي تهَامَة خَاصَّة وَفِي الْجبَال القَاضِي مُحَمَّد بن أبي بكر العمراني الْمُقدم ذكره وَلَو لم يكن للفقيه إِسْمَاعِيل شَاهد على الْوَرع الا مَا نقل عَنهُ الثِّقَات انه دخل بَيت قَاضِي زبيد وَكَانَ من خَواص اصحابه وَزوج اخته فلقى مُعَلّقا على حَبل ثيابًا من الْخَزّ وَكَانَ لَا يعرف مَعَه شَيْئا من ذَلِك فَقَالَ لَهُ من ايْنَ لَك هَذَا اشارة الى مَا رَآهُ فَقَالَ لَهُ صهره هَذَا من بركتك يَا ابا الذَّبِيح فَقَالَ ذبحني الله أَن لم أعزلك ثمَّ عَزله وَفِي عقب ذَلِك عزل نَفسه وَمِمَّا يذكر عَن هَذَا الْفَقِيه نفع الله بِهِ انني وجدت بِخَط تِلْمِيذه الْفَقِيه حسن بن مُحَمَّد بن سبا بن أبي أسعد الَّاتِي ذكره وَكَانَ من خَواص اصحابه قَالَ اخبرني عَليّ بن عبد الله أَنه سَافر مَعَ الْفَقِيه من الضحي الى الشويري الْقرْيَة الْمَذْكُورَة اولا قَالَ وَكنت كثيرا مَا الْتَزمهُ على أَن يُخْبِرنِي بِمَا فتح الله عَلَيْهِ فِي سَفَره من فَائِدَة بَيْنَمَا وَنحن فِي السّير إِذْ رَأَيْته قد شغل كَمَا نعلمهُ من وَقت حُصُول الْحَال عَلَيْهِ فَلَمَّا استفاق سَأَلته عَن امْرَهْ فَقَالَ لَا أخْبرك حَتَّى أَسْتَأْذن ثمَّ لما قربنا من الشويرى لقِيه اهل الْقرْيَة فشغل بهم وبتنا فِي الْقرْيَة فَلَمَّا كَانَ السحر لازمته فاخبرني بمخاطبته وكتبها بِيَدِهِ وَهِي الْحَمد لله قل لعبادي انا اشوق اليهم مِنْهُم الى المَاء الْبَارِد افلا يشتاقونا الي قل لعبادي انا اسْتُرْ عيوبهم عَن ملائكتي كَمَا يستر احدهم عَيبه عَن النَّاس قل لعبادي ان رَحْمَتي دَائِرَة عَلَيْهِم مَا دَامَت حَاجتهم الي وحاجتهم الي لَا تَنْقَطِع ابدا قل لعبادي وان كانمغفرتي اكثر من ذنوبهم افلست اهلا ان يستحى مني

    وَكتب الى تِلْمِيذه اُحْدُ فُقَهَاء عصرنا أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن الرَّسُول الَّاتِي ذكره من الْوَالِد اسماعيل ابْن مُحَمَّد الْحَضْرَمِيّ الى الْوَلَد احْمَد بن أبي بكر الرَّسُول وَفقه الله تَعَالَى وَبعد فان حب الدُّنْيَا مَا دخل قلبا الا افسده وبفساده يفْسد جَمِيع الْجَسَد فالحذر الحذر فالدنيا ممر والاخرة مقرّ وَالله وَالله بِلُزُوم بَيت الله وَنشر الْعلم

    على من طلبه وَكتب الى تِلْمِيذه ايضا الْفَقِيه الصَّالح عبد الله ابْن الْخَطِيب الَّاتِي ذكره لَا يَصح الِاجْتِمَاع الا بعد الْجَوَاز على الصِّرَاط فَعَلَيْك بالعزوب عَن الدُّنْيَا الْقَلِيل مِنْهَا وَالْكثير فان قَلِيل السم قَاتل وَمن دخل فِيهَا انملة غطس كُله وَكَانَ مبارك التدريس انْتفع بِهِ جمَاعَة كَثِيرُونَ من مدارس الْيمن وَمن عَجِيب ذَلِك مَا اخبرني بِهِ الثِّقَة من اهل عدن قَالَ اخبرني الْفَقِيه مُحَمَّد بن معطي وَكَانَ من زهاد الْفُقَهَاء الَّذين قدمُوا عدن وتديروها قَالَ كنت فِي بلد وَعرض عَليّ ان اقْرَأ النَّحْو فَرَأَيْت فِي الْمَنَام قَائِلا يَقُول لي اذْهَبْ الى الْفَقِيه اسماعيل بن الْحَضْرَمِيّ واقرأ عَلَيْهِ النَّحْو فعجبت من ذَلِك يَا عجباه المشهوران الْفَقِيه اسماعيل ضَعِيف الْمعرفَة للنحو ثمَّ قلت قد حصلت الاشارة فَمَا يكون بدا من السّفر ثمَّ عزمت على السّفر من بلدي وَهِي قَرْيَة الدفنة من قرى وَادي رمع فسافرت حَتَّى دخلت الضحي فَوجدت الْفَقِيه فِي حَلقَة التدريس بَين أَصْحَابه فحين رَآنِي رحب بِي فَلَمَّا سَمِعت عَلَيْهِ بِقبُول قعدت بَين اصحابه قَالَ لي يَا فَقِيه قد اجزتك بِجَمِيعِ كتب النَّحْو فاخذت ذَلِك وعدت بلدي فَمَا طالعت شَيْئا من كتب النَّحْو الا عرفت مضمونه حَتَّى يظنّ من يذاكرني اني قد اخذت كتبا عديدة من النَّحْو قَالَ الْمخبر وَكَانَ كَمَا قَالَ واخبرني الثِّقَة عَن الْفَقِيه حسن الشرعبي الْآتِي ذكره فِي أهل موزع انه سَمعه يَقُول رَأَيْت ذَات لَيْلَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت لَهُ يَا رَسُول الله من أَوْلِيَاء الله الَّذين لَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ فَقَالَ هُوَ الدرسة فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلَة الْمُقبلَة رايته أَيْضا فَقلت يَا رَسُول الله أَي الدرسة هم قَالَ هم درسة الْفِقْه التَّنْبِيه والمهذب قلت يَا رَسُول الله فدرسة الْقُرْآن قَالَ اوليك اصفياء الله وَكَانَ وَفَاته بِبَلَدِهِ تَاسِع الْحجَّة سنة سِتّ وَسبعين وستماية

    وَقد عرض مَعَ ذكره ذكر الصياد وَكَانَ من اعيان الْعباد والزهاد فَهُوَ ابو الْعَبَّاس

    احْمَد بن أبي الْخَيْر الملقب بالصياد مولده سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة وَقد شرح سيرته تِلْمِيذه الشَّيْخ أَبُو اسحاق ابراهيم بن بشار الصُّوفِي وَقد امعن فِي ذكر فضائله فِي مُجَلد لطيف وَذكر فِيهِ عجائب وغرايب مِنْهَا أَنه أَقَامَ ثَلَاث سِنِين لَا يَأْكُل طَعَاما وَلَا يشرب شرابًا وَكَانَ مَتى حضر مجَالِس الْفُقَهَاء تكلم مَعَهم بِمَا يشق عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ غلبتنا عَامَّة وفقيهنا وَشَيْخه فِي الطَّرِيقَة الشَّيْخ عَليّ بن الْحداد

    والفقيه ابراهيم الفشلي وَكَانَ اكثرهما لَهُ مُرَاعَاة الفشلي وَقد مضى ذكره وعَلى الْجُمْلَة فمناقبه اكثر من ان تحصر بل من اشتاق الى شَيْء من ذَلِك بحث عَن سيرته فيجد بهَا غرائب كَثِيرَة وَسُئِلَ عَن الْمحبَّة والشرق وَكَانَت وَفَاته لايام فِي شهر شَوَّال سنة تسع وَسبعين وَخَمْسمِائة قَالَ الْمُؤلف لسيرته وَهُوَ ابْن اربعين سنة لم ينقص مِنْهَا وَلم يزدْ

    وَمِنْهُم ابْن عَمه مُحَمَّد بن عَليّ بن اسماعيل كَانَ كَبِير الْقدر شهير الذّكر من كرام الْفُقَهَاء واخيارهم حَيّ انه مَا سَأَلَهُ سايل شَيْئا من الدُّنْيَا فَرده وَرُبمَا لقِيه السَّائِل فَأعْطَاهُ بعض ثِيَابه حَتَّى أَنه كَانَ قد يَأْتِي عَلَيْهِ وَقت يعجز فِيهِ عَن الْخُرُوج من العرى روى أَنه عَاهَدَ الله لَا رد سايلا قطّ حَتَّى حُكيَ انه سَأَلَ سايل عَن شَيْء فَدخل منزله فَلم يجد غير طَعَام على المرهك فَأَخذه بأناه وَخرج بِهِ للسايل فاعطاه اياه وَكَانَ الْفَقِيه اسماعيل يعظمه وَيَقُول انه ازهدنا واعلمنا واورعنا وامتحن بحصر الْبَوْل فَكَانَ يقل مجالسة النَّاس لذَلِك وَكَانَت وَفَاته بزبيد رَابِع الْمحرم سنة ارْبَعْ وَسبعين وستماية

    وَمِنْهُم اخوه صَالح بن عَليّ تفقه بِهِ احْمَد بن سُلَيْمَان وَمُحَمّد بن ابراهيم الشكير وَغَيرهمَا وَعَلِيهِ قَرَأَ وَالِدي بعض شَيْء من التبنة وَكَانَ يثني عَلَيْهِ وَقَالَ كَانَ عبادا زاهدا توفّي سلخ شعْبَان سنة سِتّ وَسِتِّينَ وسِتمِائَة

    وَمِنْهُم ابْنه عبد الله كَانَ فَقِيها صَالحا مُبَارَكًا ذَا كرامات مشهروة من غرايبها مَا ذكر انه مر بِبَاب السُّلْطَان بزبيد ونوبة خَلِيل تضرب وَمن الْعَادة لايستطيع اُحْدُ ان يمر مَا دَامَت تضرب فَمر رَاكِبًا لم يقل لَهُ اُحْدُ شَيْئا فَعجب الْحَاضِرُونَ من ذَلِك وَكَانَ مبارك التدريس درس بِذِي عدينة فِي الْمدرسَة

    الَّتِي احدثتها الْحرَّة الْمَعْرُوفَة بالشمسية وَفَاته فِي الْعشْرين من ربيع الاول سنة احدى وَثَمَانِينَ وستماية وَقد تكَرر ذكر الدَّار الشمسي وَكَانَت من اعيان الاخيار وَهِي ابْنة السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور كَانَت من اخيار النِّسَاء حازمة عفيفة وَبهَا سهل على اخيها الْملك المظفر اخذ الْملك اذ كَانَت بزبيد حِين توفّي والدهما قتلا بالجند فشمرت هَذِه واخرجت المَال وبذلته لمن يُقَاتل حَتَّى ياتي اخوها من المهجم وحفظت زبيد حَتَّى وصل فملكها فَهِيَ اول مَدِينَة ظهر فِيهَا ملكه وَلذَلِك كَانَ يبرها وَلَا يُخَالف رأيها وَكَانَت ذَات صَدَقَة والمأثر الْحَسَنَة لَهَا كَثِيرَة مِنْهَا الْمدرسَة الَّتِي بِذِي عدينة الْمُسَمَّاة بهَا وَمِنْهَا الْمَسْجِد الَّذِي بزبيد بحافة المعاصر وَمِنْهَا وقف زنجع على طَرِيق الْبر وَهِي الَّتِي تولت كَفَالَة الْمُؤَيد وسافرت مَعَه الى الشحر فَتوفي اخوها المظفر

    وَهِي هُنَالك فَعَادَت هِيَ والمؤيد فَوقف الْمُؤَيد بلحج للحرب وطلعت هِيَ الى ابْن اخيها حصن السمدان فَلَمَّا لزم الْمُؤَيد نزلت من السمدان وَصَارَ الى تعز فَنزلت بمدرسة اخيها المظفر رجا ان الْأَشْرَف يخرج اخاه فَلم يفعل فَاشْتَدَّ بهَا الْمَرَض فانتقلت الى دَار الْمُؤَيد وَتوفيت بِهِ فِي مستهل رَجَب

    سنة خمس وَتِسْعين وستماية

    وَمِنْهُم ابْنه فَقِيه زبيد الان مُحَمَّد مولده سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وستماية وتفقه اولا بابيه ثمَّ بِابْن ثُمَامَة وباحمد بن سُلَيْمَان الْحكمِي ثمَّ خرج من زبيد الى شجينة فتفقه بعلي بن ابراهيم البَجلِيّ ثمَّ ارتحل الى نَاحيَة المهجم فاقام بِبَيْت ابْن ابي الْخلّ واخذ بِهِ عَن احْمَد بن الْحسن الَّاتِي ذكره واليه انْتَهَت فِي عصرنا بزبيد رياسة الْفَتْوَى وَالْفِقْه وَهُوَ اُحْدُ الْفُقَهَاء ز الاخيار وراس مدارس زبيد فِي عصرنا وَهُوَ اُحْدُ شيوخي اخذت عَنهُ بعض الْمُهَذّب جزاه الله خيرا وَله ولدان متفقهان وَمِنْهُم ابو بكر وَعمر الاخوان ابناء مُحَمَّد بن رشيد كَانَا صالحين يغلب عَلَيْهِمَا الْعِبَادَة كَانَ قدومهما زبيد يُقَال قبل الحضارم رَغْبَة فِي صُحْبَة الشَّيْخ ابْن مرتضى خَليفَة الشَّيْخ ابْن ابي الْبَاطِل الصُّوفِي على اصحابه وَكَانَت وَفَاة ابي بكر سنة ارْبَعْ وَسِتِّينَ وستماية واخوه عمر سنة خمس وَسَبْعمائة وَهُوَ جد الْفَقِيه مُحَمَّد بن عبد الله الْحَضْرَمِيّ ابو امهِ وَأما ابو بكر فَكَانَ لَهُ ابْن فَقِيه اسْمه مُحَمَّد كَانَ مَعَ الْفِقْه ذَا صَلَاح وَعبادَة ودرس بعد احْمَد بن سُلَيْمَان حِين عزل كَمَا قدمنَا وَكَانَت وَفَاته اذان ظهر الْأَرْبَعَاء ثَانِي عشر شَوَّال سنة خمسوسبعمائة وَخَلفه ابْنَانِ كَانَا متفقهين فدرسا بعده سنة ثمَّ توفيا سنة سِتّ وسِتمِائَة

    وَمِنْهُم أَبُو الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد بن احْمَد بن نجاح عرف بِابْن ثُمَامَة بثاء مُثَلّثَة مَضْمُومَة وَمِيم مَفْتُوحَة والف ثمَّ مِيم مَفْتُوحَة ثمَّ هَاء سَاكِنة مولده سنة سبع وَعشْرين وستماية نسبته فِي نَبِي كنانه أهل الضحي الْآتِي ذكرهم إِن شَاءَ الله وتفقه بالفقيه اسماعيل وَتزَوج بابنين واتت لَهُ ابْنَيْنِ تفقها وَيَأْتِي ذكرهمَا اسْتَخْلَفَهُ الْفَقِيه اسماعيل على قَضَاء القحمة فَذكر عَنهُ حسن السِّيرَة وَكَمَال الْقَضَاء فَحكى انه جَاءَهُ خصمان ادّعى احدهما على صَاحبه شَيْئا وَكَانَ الْمُدَّعِي عَلَيْهِ قد

    تقدّمت اليه مِنْهُ هَدِيَّة وَصَحبه قبل الْقَضَاء قَالَ الْمخبر فَوضع الْفَقِيه كمه على وَجهه وَحكم بَينهمَا بطرِيق الْحق ثمَّ حِين فرغا عزل نَفسه عَن الْقَضَاء وَكَانَ مبارك التدريس بذلك اثنى عَلَيْهِ الْفَقِيه مُحَمَّد بن عبد الله الْحَضْرَمِيّ قَالَ وَكَانَ من ابرك المدرسين تدريسا وَكَانَ عَظِيم الخشية لله كثير الْخُشُوع سريع الْعبْرَة عِنْد ذكره الله تَعَالَى بِحَيْثُ كَانَ يُسمى البكا وَكَانَ مِمَّن يزار ويتبرك بِهِ وَكَانَت وَفَاته يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشر الْحجَّة سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وستماية

    وَخَلفه ابْنه اسماعيل وَهُوَ اُحْدُ الِاثْنَيْنِ من ابْنة الْفَقِيه اسماعيل وَكَانَت فِيهِ مَكَارِم واخلاق وَفقه وَكَانَت وَفَاته بجمادي الاولى سنة تسع وسبعماية وَخَلفه أَخُوهُ مُحَمَّد مولده سنة ارْبَعْ وَسبعين وستماية وَهُوَ الان الْمدرس مَكَان ابيه واخيه بِالْمَدْرَسَةِ النظامية وَيذكر عَنهُ الدّين وَله ولد يعرف بالبدر معيدا الْآن فِي هَذِه الْمدرسَة مولده سنة خمس وَعشْرين وستماية والنظامية مدرسة بزبيد انشأها الاستاذ مُخْتَصّ بن عبد الله الملقب نظام الدّين كَانَ مولا لغازي بن جِبْرَائِيل الَّاتِي ذكره فِي الدول ثمَّ خدم مَعَ الْمَنْصُور فَجعله اتابك وَلَده المظفر فاحسن التربية وتاديبه يضْرب بِهِ الْمثل فِي الْيمن فَيُقَال ادب مُخْتَصّ وَلما صَار الْملك الى المظفر جعل لَهُ طبلخانه واقطاعا جاملا فَكَانَ كُفؤًا لما ندب لَهُ شجاعا مقداما ذَا همة عاليه فان شكى عَلَيْهِ ذُو ضَرُورَة

    ازالها وان كَانَ عَن خساسة زبره وَكَانَ رَاغِبًا فِي طلب الاجر وَبَقَاء الذّكر كثير الصَّدَقَة بنى مدارس مُتعَدِّدَة مِنْهَا

    الْمدرسَة الْمَذْكُورَة بزبيد الَّذِي يَمِين دَار السُّلْطَان يعرف بمسجدالسائق نِسْبَة الى عبد لَهُ ثمَّ مدرسة بِذِي هزيم ثمَّ اخرى بِذِي جبلة ثمَّ اخرى بِموضع يعرف بالوحص على قرب من حصن بحرانة

    وَمن الواردين أَيْضا الى زبيد أَبُو الْحسن عَليّ بن اسماعيل بن عبد الله بن عَليّ الْحلَبِي بَلَدا الملقب بالمنتخب يعرف بالنقاش قدم الى زبيد من مَكَّة بعد تكَرر ذكره فِي الْيمن فَلَمَّا قدم زبيد وواليها نجم الدّين ابْن الخرتبرتي كتب الى المظفر يُعلمهُ فامره ان يجله ويبجله وَكَانَ متورعا متزهدا لَهُ فِي الْفِقْه والاصول وَصَحب ابْن عَاصِم مقدم الذّكر ثمَّ بعد ذَلِك حصل فِي بعض مجَالِسهمْ ذكر الصَّحَابَة والمفاضلة بَينهم فَسمع مَه هَذَا تَقْدِيم عَليّ على غَيره واتهموه بالرفض واشاعوا ذَلِك عَنهُ فهجرهم وَلزِمَ بَيته ويعاني الزِّرَاعَة غَالب ايامه وَكَانَ مُحْتَرما فِيهَا لاجل مَا كَانَ من المظفر من تبجيله ويوصى بذلك الْوُلَاة ثمَّ ان الْمُؤَيد تزوج بابنت لَهُ فَاتَت لَهُ بولده الْمُجَاهِد وَسَيَأْتِي ذكره فِي الْمُلُوك وَكَانَ من اخيار النَّاس توفّي سنة احدى عشرَة وَسَبْعمائة بزبيد وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْمُؤَيد بِجَامِع المغربة ثَلَاثَة أَيَّام بأيام قِرَاءَته قرا على الواثق ايضا والطواشى مُخْتَصّ هُوَ الَّذِي بنى مطاهير الْجَامِع بِذِي اشرق واوقف عَلَيْهِ وعَلى درسة يدرسون الْعلم وَقفا جيدا جعل نظر ذَلِك الى ذُرِّيَّة الْفَقِيه الْجُنَيْد مقدم الذّكر وَله وقف على مَسْجِد الْجند ومقدمة قُرْآن وَمَسْجِد المخا والخوهة فِي السَّاحِل جعل بنائِهِ الى عصرنا وَله مأثر حَسَنَة تقرب من مأثر الْحُسَيْن بن سَلامَة وَزِير الْمُلُوك بني زِيَاد الَّذِي ولاهم جدهم الأول الْمَأْمُون

    بن هَارُون الْيمن أول مُلُوك الْحَبَشَة فِي الْإِسْلَام وَلم يزل مُخْتَصّ مجللا مَعَ الْملك المظفر واقطاعه المحالب بلد لم يجد اُحْدُ من الْمُلُوك يسمح باقطاعها لغيره وبهاتوفي فِي شهر صفر من سنة سِتّ وَسِتِّينَ وستماية ولنرجع الى ذكر الْفُقَهَاء الواردين فَمنهمْ اهل الوزيرة قدم مِنْهُم عُثْمَان بن عبد الله بن ابي بكر بن عَليّ الْوَهْبِي ثمَّ الْكِنْدِيّ كَانَ فَقِيها فَاضلا تفقه باسماعيل الْحَضْرَمِيّ وَابْن عَمه مُحَمَّد وبالقوقلي وَكَانَ يَقُول الشّعْر وَكَانَ معاصرا لاحمد بن عبد الله الوزيري الَّاتِي ذكره وَتُوفِّي بزبيد لاربع خلون من صفر سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وستماية وَخَلفه ابْن لَهُ اسْمه مُحَمَّد توفّي برجب بعد تفقه بِابْن عَاصِم وباحمد بن مُحَمَّد الوزيري

    ثَلَاث وسبعماية بعد أَن بلغ عمره ب سِتا وَخمسين سنة

    وَمِنْهُم ابو الْحسن عَليّ بن عبد الله الزَّيْلَعِيّ الفرضي شهر بذلك لاحكامه بِعلم الْفَرَائِض والحساب مَعَ انه كَانَ يُشَارك فِي الْعُلُوم الدِّينِيَّة مُشَاركَة مرضية مِنْهَا الْفِقْه وَالتَّفْسِير والْحَدِيث والنحو واخذه عَن ابي الْخَيْر وَعَن ابْن عجيل وانتفع بِهِ جمع كثير من زبيد وَغَيرهَا وَكَانَ من اخيار الْفُقَهَاء وَكَانَ من احسنهم الفة درس فِي بداية امْرَهْ بِالْمَدْرَسَةِ التاجية بزبيد من قبل بني مُحَمَّد بن عمر وَتُوفِّي على ذَلِك مدرسا للْحَدِيث سنة ارْبَعْ عشرَة وَسَبْعمائة وَخَلفه ابْن لِأَخِيهِ يُقَال لَهُ مُحَمَّد بن مُنِير يذكر انه مشتغل بِالطَّلَبِ وَفِيه خير وَهَذِه الْمدرسَة الَّتِي ذكرت انفا انما احدثها الطواشي بدر ويلقب بتاج الدّين وَكَانَ هَذَا بدر نظيرا لمختص وان كَانَ دونه فِي السن والمنزلة كَانَ استاذا من استاذي الْحرَّة ابْنة جوزة وَكَانَ يتظاهر بمحبة الْملك المظفر فامرت بِهِ سيدته فحبس وَقتل الْمَنْصُور وَهُوَ بسجن زبيد فَلَمَّا بلغه ذَلِك خرج قهرا على السجان وَصَارَ الى وَالِدَة المظفر واخته واولاده الاشرف وكريمته كَانُوا هُنَالك فعزمهم على الْقيام بِحِفْظ زبيد واقلد الْمُقَاتلَة لمن

    ارادها

    واخرج مَالا مِنْهُ اضافة الى مَا اعطوه واستخدم الرِّجَال وَحفظ الْأَبْوَاب والمفاتيح وشاجر الْوَالِي وَهُوَ مَمْلُوك اسْمه قايماز وشمر فِي الْحَرْب عِنْد مَجِيء المماليك وفخر الدّين الى زبيد فَلم يحفظ زبيد عَنْهُم الا بهمته بعد تَقْدِير الله دلك حَتَّى أَنه لَا يُخْبِرك عقلاء الْوَقْت بِغَيْر ذَلِك فَلَمَّا دَخلهَا المظفر أحسن إِلَيْهِ ثمَّ رفع لَهُ طلبخانة وَكَانَ ذَا همة عالية وَفِيه شهامة وعزامة وَله مأثر مبقية للذّكر مِنْهَا الْمدرسَة الَّتِي بزبيد الْمَعْرُوفَة بمدرسة الْقُرَّاء وفيهَا مدرسة حَدِيث هِيَ الَّتِي رتب الْفَقِيه على بهاء وَعَلَيْهَا وقف عَظِيم وَمِنْهَا الْمدرسَة الَّتِي تعرف بمدرسة المبرذ عين لكَوْنهم يشتغلون عِنْدهَا وَهِي مُخْتَصَّة بالفقهاء وَمِنْهَا دَار المضيف الْجَمِيع عَلَيْهِ وقف جامل غير مَا تفرد كلا بوقف مُخْتَصّ بالعمارة وجميعه بزبيد وَله فِي الْجَبَل مدرسة بقرية الوحيز هِيَ الْآن بايدي الْمَشَايِخ بن مدافع وَسمعت العقلا بزبيد يَقُولُونَ فِي وقف تَاج الدّين يقوم بامير صَاحب طبلخانة وَكَانَ المظفر قد اراد تَغْيِيره واقفلت مدرسته نَحْو شَهْرَيْن أَو ثَلَاثَة فَلم يزل القَاضِي الْبَهَاء يلاطف السُّلْطَان حَتَّى أجراه وأبقاه وَكَانَت وَفَاته بتعز يُقَال مسموما فِي شهر ربيع الاول سنة ارْبَعْ وَخمسين وستماية تَقْرِيبًا وَلم يخلفه اُحْدُ على عمله

    وَمِنْهُم ابو مُحَمَّد عبد الله بن الْأَحْمَر الْآتِي ذكره وَذكر ابْنه فِي اهل شجينة لَكِن الذّكر لكَونه درس بزبيد مُدَّة وَمن الْفُقَهَاء بزبيد احْمَد بن مُحَمَّد بن عِيسَى الْحرَازِي غلب عَلَيْهِ علم الْكَلَام وَشهر بِهِ وَله فِيهِ مصنفات على مَذْهَب ابي الْحسن الاشعري قرآته غَالِبا على البيلقاني بعدن وَكَانَ يغلب عَلَيْهِ طَرِيق التصوف اخذها على البيلقانيواخذ عَنهُ جمَاعَة من اهل تعز وزبيد ادركت بَعضهم والى الْآن سنة احدى وَعشْرين اجْتمعت بِرَجُل مِنْهُم فَسَأَلته عَن تَارِيخ وَفَاته فَقَالَ لي سنة تسع وَثَمَانِينَ وستماية والتلميذ هَذَا قد خرج عَن زبيد وَسكن برهَا مُعْتَزِلا للنَّاس يذكر بِالْخَيرِ وَيقْرَأ عَلَيْهِ فِي علم الْكَلَام

    وَمِنْهُم ولدان للفقيه عبد الله بن الْفَقِيه مُحَمَّد الْحَضْرَمِيّ مقدم الذّكر هما أَبُو

    بكر وَطَلْحَة فابو بكر هُوَ الْآن معيد بِالْمَدْرَسَةِ المنصورية الَّتِي يدرس بهَا اخوه مُحَمَّد الْمُقدم الذّكر وَله ولد يُسمى عَليّ يذكر بِالِاجْتِهَادِ بالفقثه والمعرفة واما طَلْحَة فاخبرني ان مولده سنة ثَمَانِي وَثَمَانِينَ وستماية وتفقه باخيه مُحَمَّد وَمِنْهُم خطيبها ابو عبد الله مُحَمَّد بن الشَّيْخ احْمَد بن جَامع المباركي نِسْبَة لابيه الى شيخ لَهُ كَانَ من اهل شيراز مَا زار مَرِيضا ودعا لَهُ الا عوفي فَسمى مُبَارَكًا وَنسب اليه اصحابه وَكَانَ هَذَا الشَّيْخ احْمَد مِنْهُم دخل بِلَاد الْيمن فسكن حرض مُدَّة ثمَّ انْتقل الى القحمة ثمَّ الى زبيد وَكَانَت بَينه وَبَين وَالِدي صُحْبَة واخوة ادت الى الفة بيني وَبَين وَلَده هَذَا مُحَمَّد وَقد صَار وَلَده مُحَمَّد هَذَا رجلا فاشتغل بِالْعلمِ واخذ عَن جمَاعَة من اعيان المدرسين وَصَارَ فَقِيها فَاضلا وَفِيه مرؤة وَحسن خلق وَشرف نفس ومواساة للاصحاب وصبر على اطعام الطَّعَام وبيته موئل للأعيان من الْفُقَهَاء والمتصوفين قل ان يَنْقَطِع مِنْهُ الْوَارِد وصنف كتابا فِي الرَّقَائِق وَقد جعلت ذكره فَارس الاعقاب رَجَاء ان يكون ذكره ختاما للأصحاب وَكَانَت وَفَاته على الخطابة بزبيد رَابِع عشر ربيع الاول سنة سبع وَعشْرين وَسَبْعمائة وَقد انْقَضى ذكر من يَنْبَغِي ذكره من فُقَهَاء الشَّافِعِيَّة بزبيد وَحِينَئِذٍ اشرع بِذكر اصحاب أبي حنيفَة وهم جمَاعَة اورد ابْن سَمُرَة مِنْهُم القَاضِي احْمَد بن الْحُسَيْن بن أبي عَوْف عرف بِالْقَاضِي احْمَد الْمَشْهُور فِي المين وَالْعراق عِنْد الْحَنَفِيَّة وَمن أَصْحَابه الْفَقِيه الْأَقْمَر مُنِير بن جَعْفَر كَانَ فَقِيها محققا وَله ذُرِّيَّة يسكنون قَرْيَة التربة يَأْتِي ذكر الْمُسْتَحق للذّكر مِنْهُم

    وَمِنْهُم ابْن الْحَنْبَلِيّ اخذ الاصول عَن ابي الْمَنْصُور وَالْفِقْه عَن مُنِير وَمِنْهُم صَاحب كتاب التَّقْوِيم وَمِنْهُم الدبوسي وَابْن مسرور سكن حيس وَمِنْهُم ابْن ابي بكر المدحدح بميم مَضْمُومَة ودال مَفْتُوحَة مُهْملَة وَسُكُون الْحَاء المهلمة وَفتح الدَّال ثمَّ حاء مهلمة وَكَانَ فَقِيها مناظرا قدم الْفَقِيه طَاهِر فِي أَيَّامه زبيد وناظره فَقَطعه مرَارًا بِحَضْرَة عبد النَّبِي بن مهْدي كَمَا قدمنَا ذكره

    وَمِنْهُم عبد الله الضجاعي نِسْبَة الى قَرْيَة من اعمال الْوَادي الْمَعْرُوف برمع الَّذِي هِيَ ام قرى فشال وَهِي بضاد مُعْجمَة مخفوضة بعد الف وَلَام ثمَّ جِيم مَفْتُوحَة ثمَّ عين مُهْملَة وَهُوَ آخر من ذكره ابْن سَمُرَة من اصحاب ابي حنيفَة وَقد بحثت عَن من تَبِعَهُمْ من اصحابهم وهم جمَاعَة

    وَمِنْهُم احْمَد بن حسن بن عَليّ ابْن بجارة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الْجِيم ثمَّ الف ثمَّ رَاء مَفْتُوحَة ثمَّ هَاء اصله من التربية وَقيل من القرتب وَله بهَا عقب يعْرفُونَ ببني الشَّرِيعَة وَهُوَ الَّذِي جرت لَهُ الْقِصَّة الْمَشْهُورَة مَعَ القَاضِي ابي الْفتُوح بن ابي عقامة حَتَّى قَالَ عمَارَة فِي حَقه كَانَ فَقِيها شَاعِرًا يحذو طَرِيق ابي نواس فِي الخلاعة والمجون وَبِذَلِك تمّ لَهُ مَعَ ابْن ابي عقامة مَا قدمنَا ذكره وَمِنْهُم عبد الله بن ابي بكر بن مُحَمَّد عرف بالسكاك بِضَم السِّين الْمُهْملَة بعد الف وَلَام ثمَّ كَاف مَفْتُوحَة ثمَّ الف ثمَّ كَاف كَانَ فَقِيها كَبِيرا أصوليا وَله فِي الْأُصُول تصنيف مُفِيد توفّي ضحوة يَوْم الْجُمُعَة مستهل الْقعدَة سنة ثَمَانِي عشرَة وستماية وَله ذُرِّيَّة الى الْآن بزبيد يشْتَغل بَعضهم بِفقه الشَّافِعِي وَفِيه خير وَدين وَمِنْهُم عَليّ بن ابي بكر بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن اسماعيل الْعلوِي نِسْبَة الى عَليّ بن بعلان بن عبس بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَكَانَ فَقِيها جليل الْقدر اخذ عَنهُ الشريف الَّاتِي ذكره وَهُوَ جد بني الْعلوِي وَفِي ذُريَّته من يسْتَحق الذّكر يَأْتِي ذكره ان شَاءَ الله مَعَ اهل طبقته

    وَمِنْهُم مُحَمَّد بن يُوسُف الضجاعي كَانَ فَقِيها كَبِيرا ينْسب الى الْقرْيَة الَّتِي برمع قد تقدم ذكرهَا

    وَمِنْهُم ابو بكر بن اسحاق الْمُخَير فِي نِسْبَة الى قَرْيَة برمع تسمى المخيريف بِضَم الْمِيم وَفتح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء الْمُثَنَّاة من تَحت وخفض الرَّاء ثمَّ يَاء مثناة من تَحت ثمَّ فَاء تفقه بَاهل زبيد وَكَانَ مَوْجُودا يدرس سنة سبعين

    وخمسماية

    وَمِنْهُم أَبُو بكر بن مُحَمَّد بن احْمَد النجراني نِسْبَة الى صقع من الْيمن يُقَال لَهُ نَجْرَان بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْجِيم وَفتح الرَّاء ثمَّ الف ثمَّ نون وَكَانَ فَقِيها مقرئا صَالحا وَله دنيا ينيل مِنْهَا قاصديه وَهُوَ اُحْدُ الائمة بالاشاعر اذ ولي ذَلِك وَذريته يتوارثون ذَلِك وهم عَلَيْهِ الى عصرنا سنة ثَلَاث وَعشْرين وسبعماية لما دخل ابْن ابي توجه الى زبيد اجْتمع بِهِ واخذ عَنهُ شَيْئا من النَّحْو وَمِنْهُم مُحَمَّد بن ابراهيم بن دحمان المضري نِسْبَة الى مُضر بن نزار كَانَ فَقِيها صَالحا وَكَانَ الاتابك سنقر اذا صَار الى زبيد لم يكد يَنْقَطِع عَنهُ وَبني لَهُ الْمدرسَة الَّتِي تعرف بالدحمانية وخصها باصحاب ابي حنيفَة وَسبب ذَلِك بِنَا الْمدرسَة الَّتِي تعرف بالعاصمية مُسَاوَاة بَين اهل المذهبين وَهَذَا مَا يستشهد بِهِ على خير الاتابك وذرية هَذَا مُحَمَّد يتوارثون تدريس الْمدرسَة الى عصرنا وهم اهل دين وبهم تعرف الْمدرسَة فَيُقَال الْمدرسَة الدحمانية وَكَانَ فيهم جمَاعَة فُقَهَاء لم اكد اتحقق مِنْهُم احدا

    وَمِنْهُم عبد الله بن الْفَقِيه مُحَمَّد مقدم الذّكر كَانَ من اعيان الْعلمَاء الصلحاء واخوه عمر ولعمر ولد اسْمه عَليّ يدرس الان مَكَان ابيه وَعَمه وَمِنْهُم الشريف ابو عمر عُثْمَان ابْن عَتيق الْحُسَيْنِي تفقه بعلي بن بكر الْعلوِي الْمُقدم ذكره وَبِمُحَمَّدٍ ابْن يُوسُف الضجاعي وَعَن هَذَا الشريف اخذ جمَاعَة من فُقَهَاء الْمَذْهَب كابي بكر ابْن حنكاس وَغَيره وَكَانَت وَفَاته بزبيد ضحى الاحد لثلاث بَقينَ من شَوَّال سنة ثَمَانِي عشر وَقيل سِتَّة عشرَة وستماية ثمَّ صَار الْفِقْه بطبقة اخرى فِي جمَاعَة

    مِنْهُم عُثْمَان بن مُحَمَّد بن ابي سوَادَة الْحَضْرَمِيّ كَانَ فَقِيها فَاضلا بِهِ تفقه يحيى ابْن عطيه وَهُوَ من اتراب الْفَقِيه ابي بكر بن حنكاس وَكَانَ معيدا لَهُ وَفَاته نَهَار الِاثْنَيْنِ حادي عشر رَجَب سنة تسع وَسِتِّينَ وستماية

    وَمِنْهُم سُلَيْمَان بن مُوسَى بن عَليّ بن الجون الاشعري نسبا تفقه بِابْن حنكاس وَغَيره وَكَانَ فَقِيها فَاضلا كَبِيرا عالماب بالفقه والنحو واللغة وَعلم الْآدَاب شرح الْخمر طاشيه شرحا جيدا وَسَماهُ بالرياض الأدبية وَذكر فِيهِ أَنه صنفه وَهُوَ ابْن ثَمَانِي عشرَة سنة وَكَانَ أمرا بِالْمَعْرُوفِ ناهيا عَن الْمُنكر وَلما ظَهرت السبوت بزبيد وَعمل فِيهَا الْمُنْكَرَات هَاجر الى ارْض الْحَبَشَة فاقام بهَا الى أَن توفّي وازوج اخته بالفقيه أبي بكر بن حنكاس ولي بشرحه الْمَذْكُور قِرَاءَة وتدير من بِلَاد الْحَبَشَة أَرضًا يُقَال لَهَا روره بِضَم الرَّاء وَسُكُون الْوَاو وَفتح الرَّاء ثمَّ هَاء سَاكِنة وَبهَا توفّي وَلما بلغ ابْن دعاس وَفَاته كتب الى صهره أبي بكر بن حنكاس وكاتبه يعزيه فِيهَا ابياتا مِنْهَا ... غير انا نقُول مَا دَامَ فِينَا ... نجل عِيسَى لم نرزء من نجل مُوسَى

    ولعمري عَلَيْهِ يؤسى وَلَكِن ... بِبَقَاء الامام ذَا الْجرْح يؤسى ... وَفَاته بارض الْحَبَشَة سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وستماية

    وَمِنْهُم ابو الْعَتِيق ابو بكر بن عِيسَى بن عُثْمَان اليقرمي ثمَّ الاشعري عرف بِابْن حنكاس فاليقرمي نِسْبَة الى بطن من الاشاعر يُقَال لَهُم اليقاوم بِفَتْح الْيَاء الْمُثَنَّاة من تَحت وَفتح الْقَاف ثمَّ رَاء ثمَّ مِيم مخفوضتان ثمَّ يَاء نِسْبَة مولده سنة تسعين وخمسماية تفقه بالشريف عُثْمَان بن عَتيق كَانَ من صُدُور الْفُقَهَاء يقرى اهل المذهبين وَلما بنى الْمَنْصُور مدرسته الَّتِي خص بهَا الشَّافِعِيَّة وقف لَهُ هَذَا الْفَقِيه

    فِي بعض الطّرق وَقَالَ لَهُ يَا عمر مَا فعل بك ابو حنيفَة اذ لم تبن لاصحابه مدرسة فَبنى مدرسة جعل فِيهَا مكانيين لأَصْحَاب ابي حنيفَة أَحدهمَا ولاصحاب الحَدِيث الاخر وَكَانَ هَذَا الْفَقِيه اوحد عصره اجْتِهَادًا فِي الْعلم وَنشر الْمَذْهَب حَتَّى قيل لَو لم يُوجد لمات الْمَذْهَب واتى على كتاب الْخُلَاصَة فِي اصول الْمَذْهَب وَالْفِقْه ثَلَاث مائَة شرف وَهَذَا حَاله فِي هَذَا وَكتب عدَّة انْتَهَت اليه الرياسة لاهل مذْهبه وَاجْتمعَ على صَلَاحه الْمُخَالف والمؤالف فَمن احسن مَا ذكر من سيرته انه مُنْذُ درس مَا رأى نايما فِي رَمَضَان لَيْلًا وَلَا نَهَارا بل نَهَاره يعلم الْعلم وليله سَاجِدا وَقَائِمًا وتاليا وذاكرا وَاصل بَلَده قَرْيَة العنبرة من اسفل وَادي زبيد قَرْيَة خرج مِنْهَا ابْن مهْدي الَّاتِي ذكره وضبطها بِفَتْح الْعين وَسُكُون النُّون وفتحالباء الْمُوَحدَة ولاراء وَسُكُون الْهَاء واخذ عَنهُ جمَاعَة من الْفُقَهَاء وَكَانَت وَفَاته على الطَّرِيق المرضي بزبيد بعد ان تفقه بِهِ جمَاعَة

    مُحَمَّد بن عَليّ الصريفي وَابْن ابي سوَادَة وَعلي ابْن معمر وَعمر بن الْعلوِي وَهُوَ ابْن بنته وَعَمه مُحَمَّد بن عمر الْأَبَح وَلما كَانَ يَوْم الِاثْنَيْنِ سَابِع عشر ربيع آخر سنة ارْبَعْ وَسِتِّينَ وستماية احْتضرَ بعد مرض أَيَّامًا فحضره جمع من أَصْحَابه وَذَلِكَ بعد طُلُوع الشَّمْس فسالهم عَن الْيَوْم مَا هُوَ فاخبروه فَدَعَا بِطَعَام فاكله ثمَّ قَالَ لصهره عَليّ بن عمر الْعلوِي ارْفَعْ صَوْتك انت وَالْجَمَاعَة بِلَا إِلَه إِلَّا الله فَقَالَ يَا فَقِيه اذ لم نذكرك ذكرتنا قَالَ نعم ثمَّ امرهم بالتهليل فهللوا وَجعل يقْرَأ خَوَاتِيم يس من قَوْله عز وَجل أَو لَيْسَ الَّذِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض بِقَادِر على ان يخلق مثلهم بلَى وَهُوَ الخلاق الْعَلِيم ويكرر ذَلِك ثَلَاثًا رَافعا صَوته ثمَّ تشهد عقيب ذَلِك وفاضت نَفسه وَصلي عَلَيْهِ ظهر ذَلِك الْيَوْم وَلم يكد يتَأَخَّر عَن قبرانه اُحْدُ من اهل زبيد وَرَأى بعض اهل زبيد

    شخصا من اهله كَانَ قد توفّي مُنْذُ سِنِين رأه بعد قبران الْفَقِيه فَقَالَ لَهُ مَا فعل الله بك فَقَالَ مُنْذُ مت حبست مَعَ جمَاعَة فَلَمَّا توفّي ابْن حنكاس شفع فِينَا فاطلقنا وَغفر لجَمِيع من فِي الْمَقَابِر ببركة قدومه وَكَانَ لَهُ ولد اسْمه مُحَمَّد مولده سنة تسع وَثَلَاثِينَ وستماية تفقه وَغلب عَلَيْهِ الشّعْر وَسكن مَكَّة اذ نَالَ من ابي نمى صَاحبهَا حظوة

    وَمِنْهُم ابو بكر بن مُحَمَّد بن معطى كَانَ فَقِيها صَالحا اصله من حازة زبيد من قَرْيَة تعرف بِمحل مبارك وَمن اصحابه الْمُتَقَدِّمين المقاربين لَهُ فِي السن والرتبة مُحَمَّد بن عَليّ الصريفي فَقِيه مَذْكُور مَشْهُور لَهُ مُصَنف كَبِير يعرف بالايضاح تفقه بِهِ جمَاعَة

    مِنْهُم الْمَكِّيّ وَغَيره وَله ذُرِّيَّة يعْرفُونَ بِهِ توفّي بزبيد سنة خمس وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة

    وَمِنْهُم مُحَمَّد بن عَليّ كَانَ فَقِيها زاهدا ورعا لَا يتَعَلَّق بالدنيا وَلَا باهلها علقه دين عَظِيم نفر بِسَبَبِهِ الى الْجبَال وبلغه ان قُضَاة سير يَفْعَلُونَ الْمَعْرُوف فَأَتَاهُم وَقعد مَعَهم فساله بعض الْفُقَهَاء عَن المعتقد فاجابه بِمَا انكر عَلَيْهِ السَّائِل وافضى ذَلِك الى سباب وتكفير فَخرج الْفَقِيه نافرا وَبلغ الْقُضَاة ذَلِك فَلم يعجبهم وَأمرُوا بِطَلَبِهِ ورده فَلم يُوجد فشق عَلَيْهِم وَكَتَبُوا الى اخيهم القَاضِي مُحَمَّد الْوَزير يخبرونه بِقِصَّتِهِ ويسألونه ان يتْرك من يبْحَث عَنهُ بتعز فَفعل فَلَمَّا جَاءَهُ بجله واكرمه وَاعْتذر اليه من فعل ذَلِك المجادل ثمَّ سَأَلَهُ عَن سَبَب قدومه فاخبروه فعني لَهُ بقضا جَمِيع دينه مَعَ زِيَادَة وَتُوفِّي بزبيد فِي الْمحرم اول سنة ارْبَعْ وَثَمَانِينَ وستماية وَقد بلغ عمره ثَمَانِينَ سنة

    ثمَّ صَار الْعلم فِي طبقَة اخرى اخذوا عَن الْمَذْكُورين وَمِنْهُم مُحَمَّد بن عمر ابْن الْفَقِيه عَليّ بن ابي بكر الْعلوِي مقدم الذّكر مولده سنة ثَمَانِي عشرَة وستماية تفقه بِابْن حنكاس كَمَا قدمنَا وَكَانَ فَقِيها فَاضلا لَهُ تفضل وَمَكَارِم اخلاق توفّي بعد شَيْخه باربعة اشهر وَذَلِكَ تَاسِع عشر شعْبَان سنة ارْبَعْ وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وَهُوَ جد القَاضِي بزبيد الْمَعْرُوف بِابْن الابح

    وَمِنْهُم ابو بكر بن عمر بن ابراهيم بن دعاس الْفَارِسِي تفقه بِابْن حنكاس وَكَانَ اديبا فَاضلا فَقِيها بِالْمذهبِ نَالَ حظوة من الْملك المظفر وابتنى مدرسة بزبيد خص بهَا اهل مذْهبه لم تكد تَخْلُو من مدرس ذى دين لَهُ وَله ديوَان شعر يوجدكثيرا بايدي النَّاس وَكَانَت وَفَاته بزبيد مَهْجُورًا من السُّلْطَان لَا دلال حدث مِنْهُ على السُّلْطَان وَقد تكَرر فِي حَقه وَحقّ وزيره القَاضِي الْبَهَاء مقدم الذّكر فطرد من تعز الى زبيد فَلبث سنة متعللا الى جمادي الْآخِرَة سنة سبع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وَتُوفِّي

    وَمِنْهُم ابو بكر بن يُوسُف عرف بِالْمَكِّيِّ نسبه فِي نزار كَانَ فَقِيها جليل الْقدر شهير الذّكر حسن الْوَرع رَاضِيا من الدُّنْيَا بالكفاف مصاحبا مِنْهَا بالعفاف عالي الهمة شرِيف النَّفس فَقِيها نحويا لغويا متادبا مترسلا عَارِفًا بالطب شَيْخه فِي ذَلِك ابو سوَادَة وسلك طَرِيقه وَكَانَ يقرى اهل المذهبين كَمَا كَانَ شَيْخه اخبر الثِّقَة من اصحابه انه قَالَ لَهُ يَوْمًا على قرب من وَفَاته رَأَيْت كَانَ الْقِيَامَة قد قَامَت واحضروا الائمة الاربعة بَين يَدي الله عز وَجل وهم ابو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَاحْمَدْ فَقَالَ الله لَهُم اني امرت اليكم رَسُولا وَاحِدًا بشريعة وَاحِدَة وجعلتموها اربعا رددها عَلَيْهِم ثَلَاثًا فَلم يجبهُ اُحْدُ فَقَالَ لَهُ احْمَد بن حَنْبَل يَا رب انت قلت وقولك الْحق الْمُبين لَا يَتَكَلَّمُونَ الا من اذن لَهُ الرَّحْمَن وَقَالَ صَوَابا فَقَالَ لَهُ تكلم قَالَ يَا رب من شهودك علينا قَالَ الْمَلَائِكَة قَالَ يَا رب لنا فيهم الْقدح وَذَلِكَ أَنَّك قلت وقولك الْحق وَإِذ قَالَ رَبك للْمَلَائكَة إِنِّي جَاعل فِي الأَرْض خَليفَة قَالُوا أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا ويسفك الدِّمَاء فَشَهِدُوا علينا قبل وجودنا فَقَالَ الله جلودكم فَقَالَ يَا رب كَانَت الْجُلُود لَا تنطق فِي الدُّنْيَا وَهِي الْيَوْم تنطق فَهِيَ مَغْصُوبَة وَشَهَادَة الْمَغْصُوب لَا تصح فَقَالَ الله أَنا أشهد عَلَيْكُم

    فَقَالَ أَحْمد حَاكم وَشَاهد فَقَالَ الله تعال لَهُم اذْهَبُوا فقد غفرت لكم ثمَّ لما كَانَ فِي االخامس من ربيع الآخر سنة سبع وَتِسْعين وستماية رأى بعض أخيار زبيد أَن مَنَارَة مَسْجِد الأشاعر قد سَارَتْ من مَكَانهَا حَتَّى خرجت إِلَى الْمَقَابِر فتغيبت فِيهَا فَلَمَّا توفّي هَذَا الْفَقِيه وَخرج النَّاس لقبرانه رأى الرَّائِي أَن الْفَقِيه قد قبر مَوضِع المنارة حَيْثُ غَابَتْ فِيهِ فَعلم أَنَّهَا عبارَة عَن الْفَقِيه

    وَمِنْهُم مُحَمَّد بن الْحسن الصمعي كَانَ فَقِيها فَاضلا عَارِفًا غلب عَلَيْهِ فن النَّحْو وَعنهُ أَخذ جمَاعَة وَهُوَ الَّذِي درس قبل الْفَقِيه السراج بالمنصورية وَعنهُ اخذ جمَاعَة فَهُوَ الَّذِي درس قبل الْفَقِيه السراج بالمنصورية وَله عِبَارَات فِي النَّحْو مرضيه وَفَاته بزبيد سنة سِتّ وَسبعين وستماية نسبه الى صمع بِفَتْح الصَّاد ولاميم مَعَ التَّشْدِيد ثمَّ عين مُهْملَة

    وَمِنْهُم ابو بكر بن عِيسَى بن عمر عرف بالسراج الْحَنَفِيّ مولده سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَكَانَ فَقِيها كَبِير الْقدر سليم الصَّدْر يغلب عَلَيْهِ البداوة اذ هُوَ من اهل بادية زبيد وَكَانَ قايلا بِالْحَقِّ آمرا بِالْمَعْرُوفِ لَا يحاشم فِي ذَلِك صَغِيرا وَلَا كَبِيرا وَهُوَ اُحْدُ مدرسي الْمَذْهَب درس بعد الصمعي وَتُوفِّي بزبيد فِي شهر جمادي الاخرة وَفِي سنة ثَلَاث وسبعماية

    وَمِنْهُم ابو الْخطاب عمر بن عَليّ الْعلوِي الْمَذْكُور فِي اصحاب ابْن حنكاس مولده سنة ارْبَعْ وَسِتِّينَ وستماية تفقهه بجده ابْن حنكاس كَانَ من اهل المرؤات ذَا مرؤة واحسان وابتني بزبيد مدرسة خص بهَا اهل مذْهبه وَله مُصَنف جيد يحتوي على سَبْعَة مجلدات يعرف بنزهة النظار وَأنس الحضار وَله عدَّة اولاد تفقه مِنْهُم ابراهيم مولده سنة ثَلَاثِينَ وتسماية وَهُوَ الْآن اُحْدُ مدرسي الْمَذْهَب بزبيد وَيذكر مَعَ الْفِقْه بِمَعْرِِفَة الحَدِيث تفقهه بِابْن جَابر الْآتِي ذكره فِي أهل الْبر وَقد ذكرت ان امهِ ابْنة الْفَقِيه ابي بكر بن حنكاس وامتحن فِي آخر عمره بخلطة الْمُلُوك فصادره الْمُؤَيد مصادرة شاقة وَتُوفِّي عقيبها برجب سَابِع عشر سنة ثَلَاث سبعماية وَمُحَمّد بن عمر تفقه ودرس بمدرسة ابيه ويوسف فَقِيه بالفرائض وادركته وَرَأَيْت

    مِنْهُ أَشْيَاء جَيِّدَة وَلما دخلت زبيد سنة عشْرين وسبعماية وجدته مِمَّن يذكر بِالدّينِ وَالْأَمَانَة وَعظم الْفِقْه والْحَدِيث وَشرف النَّفس وخالطته

    وَمِنْهُم مُحَمَّد بن عَليّ يعرف بِابْن الغزال كَانَ من اهل الْفِقْه وَالدّين والانسانية متأدبا شَاعِرًا وَكَانَت لَهُ مَكَارِم واخلاق وسماحة فِي الارزاق وَله شهر جيد مثل مِنْهُ وَهُوَ لغيره ... واني لاستحيي من الله ان ارى ... بِحَال اتساع وَالصديق مضيق ... ولي دَار الضَّرْب بزبيد مدى فَكَانَ لَا يعْمل الدَّرَاهِم الا من فضَّة خَالِصَة واليه ينْسب الدِّرْهَم الْغَزالِيّ الَّذِي لم يكن فِي الضريبة المظفرية مثله وَمَتى ظَهرت مِنْهُ شَيْء بَادر النَّاس الى اكتنازة اخبرني الْخَبِير بِحَالهِ قَالَ كَانَ من عَادَته مَتى صلى الْغَدَاة ذكر الله تَعَالَى فِي الْمصلى سَاعَة حَتَّى يسفر ثمَّ يوتي بربعة الْقُرْآن فِيهَا ثَلَاثُونَ جُزْءا وَعِنْده جمَاعَة يَأْخُذ كل مِنْهُ نَصِيبا مِنْهَا ثمَّ يقْرَأ فَلَا ترْتَفع الشَّمْس حَتَّى قد ختموا ثمَّ يدعونَ ويؤتي لَهُم بِطَعَام يَأْكُلُونَهُ ثمَّ ينْصَرف الى دَار الضَّرْب فيقعد فِيهِ ويصل اليه اما طَالب علم فيقريه اَوْ ذُو حَاجَة فيقضيها لَهُ وَكَانَ ابو بكر بن دعاس يحسده على مَنْزِلَته عِنْد السُّلْطَان ووجاهته عِنْد النَّاس وَكَثْرَة ثنائهم عَلَيْهِ اذ كَانَ لَا يزَال ساعيا فِي حوائجهم بجده واجتهاده بِحَيْثُ يَحْكِي عَنهُ امور يطول شرحها وَلما حضر مجْلِس المظفر وحقق عَلَيْهِ مَال مستكثر وَقد علم المظفر ان النَّاس تحبه وَالثنَاء عَلَيْهِ قَالَ لَهُ شريت بِنَا النَّاس باموالنا

    وَمِنْهُم يحي بن مُحَمَّد بن يحي العطيعط بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح الطَّاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء الْمُثَنَّاة من تَحت وخفض الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الطَّاء تفقه

    بِابْن ابي سوَادَة ودرس بمدرسة ابْن دعاس ادركته على ذَلِك وَسمعت اهل زبيد يثنون عَلَيْهِ بِالدّينِ والورع وجودة الْفِقْه وَمَعْرِفَة الْفَرَائِض وَكَانَت وَفَاته فِي الْمحرم سادس عشر وسبعماية وَله شعر مستحسن لم يحضر لي مِنْهُ شَيْء فاذكره ثمَّ تكلم عَلَيْهِ الى المظفر فصادره وحربه فَلم يكد يستريح من ذَلِك حَتَّى مَاتَ وَلم اتحقق تَارِيخه

    وَمِنْهُم ابو بكر بن احْمَد بن عبد الرَّحْمَن عرف بِابْن الصَّائِغ مولده سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وستماية تفقه بِابْن حنكاس وتأدب بِابْن دعاس وَكَانَ فَاضلا بالفقه والادب وَفَاته بزبيد سنة ارْبَعْ عشر وسبعماية

    وَمِنْهُم ابْنه يُوسُف موله الْحجَّة سنة سبع وَسِتِّينَ وستماية فَاضل بالفقه والادب وَقَول الشّعْر وَهُوَ فِي عصرنا رَأس طبقَة اصحابهم وجاهة ومرؤة تفقه بِالْمَكِّيِّ والسراج الْمَذْكُورين اولا وسمعته يفضل الْمَكِّيّ وَله مخطوطات سمعته يروي مِنْهَا جملا مستحسنة وَله مَكَارِم اخلاق

    وَمِنْهُم عِيسَى المعيري كَانَ جيدا مُجْتَهدا فِي الطّلب اخذ عَن الْمَكِّيّ وَتُوفِّي قبله فَلَمَّا توفّي الْمَكِّيّ رأه بعض اصحابه فِي الْمَنَام فَسَأَلَهُ عَن هَذَا الْفَقِيه فَقَالَ هَلُمَّ لم اقدر اجْتمع بِهِ من شدَّة ماهبته والمعيري نِسْبَة الى قَرْيَة يُقَال لَهَا المعايرة بِفَتْح الْمِيم وَالْعين االمهلة ثمَّ الف ثمَّ يَاء مثناة من تَحت ثمَّ فتح الرَّاء ثمَّ هَاء سَاكِنة وَهِي برمع خراب فِي عصرنا

    وَمِنْهُم ابراهيم بن مهنا بن مُحَمَّد بن مهنا مولده سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وستماية فَقِيه الْمَذْهَب

    . .. نروح ونغدو لحاجتنا ... وحاجة من مَاتَ لَا تَنْقَضِي

    تَمُوت مَعَ الْمَرْء حاجاته ... وَتبقى لَهُ حَاجَة مَا بَقِي ...

    أنْشد نيهما الْفَقِيه إِبْرَاهِيم وعزاهما إِلَى الحماسة وَهُوَ الْآن أورع اصحابهم وافقههم ومدرس الدعاسية يذكر بالنسك وجودة الْفِقْه وَقد اجْتمعت بِهِ فَوَجَدته خيرا عَلَيْهِ اثر الْخَيْر وعلامة الدّين وَالصَّلَاح وَقد انْقَضى ذكر فُقَهَاء زبيد من اهل المذهبين

    وَلم يبْق الا الشُّرُوع بِذكر غَيرهَا فابدا بِمَدِينَة الْجند لقدمها وَكَثْرَة من كَانَ بهَا من الْفُقَهَاء المقصودين وَالْعُلَمَاء الْمُحَقِّقين والائمة الْمَشْهُورين كطاووس وعطا مُتَقَدما وَزيد بن عبد الله ونظرائه متاخرا واذ لم يكد يَخْلُو من اول الاسلام الى عصرنا من فُقَهَاء وقضاة ويشاركها فِي ذَلِك فِيمَا تقدم وَتَأَخر مَدِينَة صنعاء اذ الْيَوْم ومنذ دهر طَوِيل قد غلب على اهلها الاعتزال وَمذهب الزيدية فقد مضى ذكر جمَاعَة من الْجند على مَا ذكره ابْن سَمُرَة والتحق بِمن ذكر جمَاعَة

    وَمِنْهُم ابو عبد الله مُحَمَّد بن عمر بن جَعْفَر بن فليح بن مُحَمَّد بن احْمَد بن يحي بن ابي بكر الكلَاعِي ثمَّ الْحِمْيَرِي اخذ عَن الامام سيف السّنة وَعَن الامام مَسْعُود العنسى وَغَيرهمَا وَكَانَ رجلا مُبَارَكًا وَهُوَ جد الْفُقَهَاء الَّذين كَانُوا يسكنون الْجند ويعرفون ببني فليح ويذكرون ان لَهُم نسبا فِي الامام جَعْفَر بن عبد الرَّحِيم صَاحب الظرافة الْمُقدم ذكره وَسمعت بعض قدما الْجند يَقُول كَانَ بنوفليح يسكنون منفردين بِمَدِينَة الْجند بحافة تعرف بحافة الزرائب وَهِي الَّتِي حول الْقصر الَّذِي بناه المسعود بن الْكَامِل وَمِنْهُم شري مَوْضِعه قَالَ واعرف مِنْهُم سِتَّة عشر متعمما ينسبون الى دين وَفقه يخرجُون من شَارِع وَاحِد فَلَمَّا اشْترى مِنْهُم المسعود بُيُوتهم تفَرقُوا فِي الْمَدِينَة اذ اخذ كل وَاحِد مِنْهُم بَيْتا فِي مَوضِع وَلم يتَصَوَّر

    لَهُم اجْتِمَاع المساكن كَمَا كَانُوا وهم بَيت ورع وزهد وَكَانَت دنياهم مباركة ينَال مِنْهَا الْقَرِيب والبعيد وَكَانَ الْغَالِب عَلَيْهِم شرف النَّفس وعلو الهمم والورع اخبرني الثِّقَة انه سمع بعض اخيار الْجند يَقُول رأى بعض الصَّالِحين نَارا قد دخلت الْجند وَهِي تحرق بيوتها بَيْتا بَيْتا واذ بمنادى يناديها لَا تدخلي بيُوت بني فليح فانهم قوم صَالِحُونَ وَلم اتحقق تَارِيخ وَفَاته وَكَانَ لَهُ ثَلَاثَة اولاد تفقهوا كلهم بالفقيه يحي وَكَانَ فَقِيها فرضيا اخذ الْفَرَائِض عَن الوعلاني وَعبد الرَّحْمَن كَانَ عابدا وَعبد الله تفقه بفقها الْجند الَّاتِي ذكرهم كالسحيقي وَغَيرهم وَكَانَ رجلا مُبَارَكًا كَانَ يزرع ارضا يملكهَا بورك فِيهَا وَكَانَت لَهُ ارْض بجبل صَبر تسمى صهلة اشْتَرَاهَا الْملك المظفر من اولاده وَلما توفّي خلف اولادا تفقه مِنْهُم اثْنَان عمر وابو بكر وَكَانَا خيرين صالحين توفّي عمر فِي بضع وَسِتِّينَ وستماية وابو بكر عَنهُ اخذت بعض كَافِي الصردفي غلب عَلَيْهِ فِي اخر عمره سلوك طَرِيق الصُّوفِيَّة اذ اخذ الْيَد لبِنْت الشَّيْخ احْمَد الرِّفَاعِي وَعنهُ اخذتها وَالله يَجْعَل ذَلِك خَالِصا لوجهه وَيجْعَل ذَلِك سَببا لسلوك طَرِيق الْخَيْر وَكَانَ تحكمه على يَد الشَّيْخ عمر الْقُدسِي وَتَركه مَنْصُوبًا لَهُ برباط يُقَال لَهُ رِبَاط الحقل بِبَلَد صهْبَان فَلبث بِهِ مُدَّة وَصَحبه جمع من تِلْكَ الْبِلَاد ثمَّ انْتقل الى مَوضِع اخر على قرب مِنْهُ فَلم يزل بِهِ غَالب ايامه وَفِي اخر الامر تشوش من اهل الْبَلَد فَنزل الْجند فأستوجع بهَا وَتُوفِّي ثَالِث رَجَب سنة سِتّ وسبعماية وَله ولدان يسكنان الْجند ونواحيها وَقد عرض مَعَ ذكره رجلَانِ يتطلع النُّفُوس الى معرفَة حَالهمَا

    الاول الشَّيْخ الرِّفَاعِي وَالثَّانِي الْقُدسِي فالرفاعي هُوَ ابو الْعَبَّاس احْمَد بن ابي حُسَيْن بن عَليّ بن ابي الْعَبَّاس الْمَعْرُوف بالرفاعي بخفض الرَّاء وَفتح الْفَاء ثمَّ ألف ثمَّ عين مهمة ثمَّ يَاء نسب نِسْبَة إِلَى رجل من الْعَرَب قَالَ ابْن خلكان نقلت هَذِه النِّسْبَة من رجل من اهل بَيته قَالَ وَكَانَ رجلا صَالحا وفقيها شَافِعِيّ الْمَذْهَب

    واصله من الْمغرب بغين مُعْجمَة ثمَّ سكن قَرْيَة من البطايح تعرف بام عُبَيْدَة بِفَتْح الْعين وخفض الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء المثنا من تَحت وَفتح الدَّال الْمُهْملَة ثمَّ هَاء سَاكِنة والبطائح بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة والطاء الْمُهْملَة ثمَّ الف ثمَّ همزَة لفظا وياء خطأ محفوضة ثمَّ حاء مُهْملَة وَهِي قرى مجتمعة وسط المَاء بَين وَاسِط وَالْبَصْرَة وَلها شهرة بالعراق قَالَ وَلما سكن ام عُبَيْدَة انْضَمَّ اليه جمع من الْفُقَرَاء واحسنوا الِاعْتِقَاد بِهِ وتبعوه ونسبوا اليه وَقيل لَهُم الرفاعية والبطائحية نِسْبَة الى مَكَانَهُ وَلَهُم أَحْوَال عَجِيبَة من اكل الْحَيَّات حَيَّة وَالنُّزُول الى التنانير وَهِي تضرم نَارا فيطفؤونها وَيُقَال انهم فِي بِلَادهمْ يركبون الْأسد وَمثل هَذَا لَهُم كثير من طَرِيق النّظر وَالسَّمَاع والمتحقق وَلَهُم مواسم يجْتَمع بهَا عِنْدهم عَالم كثير لَا يُحْصى يقومُونَ بكفايتهم وَلم يكن لَهُ عقب انما الْعقب لِأَخِيهِ واولاده يتوارثون المشيخة وَالْولَايَة الى تِلْكَ النَّاحِيَة الى الْآن وامورهم مَشْهُورَة مستفيضة فَلَا حَاجَة للاطالة فِيهَا وَكَانَ لَهُ مَعَ مَا كَانَ عَلَيْهِ من الِاشْتِغَال بِالْعبَادَة شعر حسن مِنْهُ قَوْله ... اذا جن ليلِي هام قلبِي بذكركم ... انوح كَمَا ناح الْحمام المطوق

    وفوقي سَحَاب تمطر الْهم والاسى ... وتحتي بَحر للأسى يتدفق

    سلوا ام عمر كَيفَ امسى اسيرها ... تفك الاسارى دوهه وَهُوَ موثق

    فَلَا هُوَ مقتول فَفِي الْقَتْل رَاحَة ... وَلَا هُوَ ممنون عَلَيْهِ فَيعتق ... وَلم يزل على الْحَال الْكَامِل الى ان توفّي وَهُوَ فِي عشر السّبْعين وَذَلِكَ يَوْم الْخَمِيس لعشر بَقينَ من جمادي الاولى سنة ثَمَانِي وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَهَذَا كُله

    كَلَام ابْن خلكان فِي حَقه وَطَرِيق نسبته حرفية اخذ الْيَد عَن الشَّيْخ عَليّ بن القارى عَن ابي الْفضل ابْن كامخ عَن عَليّ بن بارباري عَن مهلي العجمي عَن ابي بكر الشبلي عَن ابي الْقَاسِم الْجُنَيْد عَن خَاله سرى عَن مَعْرُوف الْكَرْخِي عَن عَليّ بن مُوسَى الرضى عَن مُوسَى الكاظم عَن جَعْفَر الصَّادِق عَن مُحَمَّد الباقر عَن زين العابدين عَن ابيه الْحُسَيْن بن عَليّ عَن ابيه عَليّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

    واما الْقُدسِي فَهُوَ ابْن الْخطاب عمر بن عبد الرَّحْمَن بن حسان الْمَعْرُوف بالقدسى كَانَ وَالِده دمشقيا وامه من عسقلان اجْتمعَا بالقدس وازدوجا فِيهِ واقاما بِهِ فولد عمر هُنَاكَ سنة ارْبَعْ وَقيل سنة سِتّ وستماية وَلحق بام عُبَيْدَة وَهُوَ ابْن اثْنَي عشرَة سنة وادرك الشَّيْخ نجم الدّين الْمَعْرُوف بالاخضر من ذُرِّيَّة اخي الشَّيْخ احْمَد فاخذ عَلَيْهِ الْعَهْد وتربا بَين يَدَيْهِ فَلَمَّا رأى كَمَاله امْرَهْ ان يدْخل مَكَّة ويحج وَيدخل الْيمن لينشر فِيهِ الْخِرْقَة واخبره انه يجْتَمع فِيهِ بِرَجُل مبارك ينْتَفع بِهِ فِي دينه ودنياه فَفعل ذَلِك وَلما خل الْيمن اجْتمع بالفقيه عمر بن سعيد العقيبي الْآتِي ذكره فاقام عِنْده بذى عقيب اياما وَذَلِكَ سنة تسع واربعين وستماية فشهره الْفَقِيه عمر وبجله ثمَّ اسكنه موضعا على قرب مِنْهُ يعرف بالمعشب ثمَّ انْتقل مِنْهُ الى اماكن بني لَهُ بهَا ربطا حَتَّى كَانَ آخر رِبَاط سكنه الذهوب تَحت مَدِينَة اب فَلم يزل بِهِ حَتَّى توفّي بعد ان انتشرت عَنهُ الْخِرْقَة الرفاعية لَا سِيمَا بِجِهَة المخلاف وَكَانَت وَفَاته بالرباط الْمَذْكُور لَيْلَة الْجُمُعَة لثمان بَقينَ من ربيع الْآخِرَة سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وستماية وَلم يعقب غير ابْنة تزَوجهَا خَلِيفَته الشَّيْخ عِيسَى بن

    مُحَمَّد بن عمرَان الصُّوفِي وَهِي من اخيار النِّسَاء حازمة عفيفة قارية كاتبة وَحدث لَهُ مِنْهَا اولاد وَكَانَ قد زَوجهَا قبله بالفقيه مُحَمَّد بن ابي بكر الأصبحي واتت لَهُ بِولد وَهُوَ الى الْآن باقى يتعاطى التِّجَارَة وَفِيه مرؤة وتفضل

    نرْجِع الى ذكر فُقَهَاء الْجند وَمِنْهُم أَبُو اسحاق ابراهيم بن عَليّ بن مُحَمَّد بن مَنْصُور بن عواض الأصبحي عرف بِابْن المبردع وَكَانَ فَقِيها نحويا لغويا عَارِفًا بِالْحِسَابِ إِمَامًا فِي علم الْمَوَاقِيت وتصنيف الْكتاب اليواقيت فِي علم الْمَوَاقِيت يدل على ذَلِك وَهُوَ كتاب جليل فِي فنه يتداول بَين أهل الْيمن وَهُوَ برتبة الْفُقَهَاء بنى فليح وَعنهُ أَخذ الْفُقَهَاء توفّي لبضع وَسِتِّينَ وستماية تَقْرِيبًا

    وَمِنْهُم عمرَان بن النُّعْمَان بن زيد الْحرَازِي كَانَ فَقِيها مقرئا وَغلب عَلَيْهِ علم الْقِرَاءَة وَكَانَ يَنُوب القَاضِي عِيسَى فِي قَضَاء الْجند ثمَّ نَقله بَنو عمرَان إِلَى زبيد ورتبوه بمدرسة الْقرَاءَات بانشاء الْأُسْتَاذ بدر مقدم الذّكر مقرئا فَلم يزل هُنَاكَ حَتَّى توفّي

    وَمِنْهُم ابْنه شَيْخي يُوسُف كَانَ فَقِيها صَالحا خيرا عَنهُ اخذت بعض الْفَرَائِض للصرد فِي درس ايام بني عمرَان فِي الْمدرسَة الشقيرية بالجند ثمَّ لما صَار الْقَضَاء الى بني مُحَمَّد بن عمر جَعَلُوهُ قَاضِيا بالجند فَكَانَ فِي قَضَائِهِ متحريا ورعا وَلم يكد تطل مدَّته حَتَّى توفّي على الطَّرِيق المرضي اول سنة ثَمَانِي وَتِسْعين وستماية

    وَمِنْهُم سُلَيْمَان بن النُّعْمَان كَانَ فَقِيها عابدا ذَا كرامات وافادات غلبت عَلَيْهِ الْعِبَادَة وَتُوفِّي بالجند وقبره يقْصد للتبرك

    وَمِنْهُم ابْنه مُحَمَّد تفقه بِسَعِيد بن مَنْصُور اُحْدُ اصحاب عمر بن مسود

    الابيني الْآتِي ذكرهمَا وَكَانَا فَقِيها مجودا فَاضلا درس فِي الْجند فِي مدرسة الشَّيْخ عبد الله بن الْعَبَّاس وَتُوفِّي بهَا وَلم اتحقق تَارِيخه وترتب وَالِدي بعده بِالْمَدْرَسَةِ الْمَذْكُورَة

    والآن قد عرض ذكر الشَّيْخ عبد الله فاحب بَيَانه وكما اشْترطت فَهُوَ ابو مُحَمَّد عبد الله بن الْعَبَّاس ابْن عَليّ بن الْمُبَارك الْحَجَّاجِي الشاكري ثمَّ الهمدني كَانَ رجلا من اعيان النَّاس ذَا مشاركه بِالْعلمِ لم يجمع اُحْدُ من نظرائه كتبا كَمَا جمع بِحَيْثُ يُقَال جمعت خزائنة فَوق خَمْسَة آلَاف كتاب واخذ عَن الْفَقِيه الجزيري مقامات الحريري وَغَيرهَا واخذ عَن اسحاق الطَّبَرِيّ والعماد الإسكندري وَغَيرهم وَولي كِتَابَة الْجَيْش فِي ايام المسعود بن الْكَامِل ثمَّ هَلُمَّ جرا وسفره المظفر الى مصر مرَارًا وَهُوَ الَّذِي وَصله بالاستنابة من صَاحب بَغْدَاد وتقيد الطَّاعَة وتنويه الْجَلِيل وابتنى هَذِه الْمدرسَة بالجند غير انه قصر فِي وَقفهَا وَلم يزل على الاعتزاز عِنْد المظفر وَولي ديوَان النّظر بعدن مُدَّة وَله فِي عدن سَبِيل بِئْر وحوض وحائط وَكَانَت وَفَاته بتعز لبضع وَسِتِّينَ وستماية وَحمل الى الْجند فقبر تَحت جبل صرب وَذكر لي ثِقَة انه مَا قصد تربته لامر عسير الا تيَسّر وَترك وَلدين هما ابو بكر وَعمر فابو بكر توفّي وَانْقطع عقبه وَعمر كَانَ خيرا يحفظ كتاب الله حفظا شافيا وَتُوفِّي وَخلف ولدا اسْمه أَحْمد كَانَ عَاقِلا يتَوَلَّى للسُّلْطَان الْأَعْمَال الْكِبَار كحرض ولحج وَكَانَت وَفَاته بتعز رَابِع رَمَضَان سنة احدى وَعشْرين وَسَبْعمائة وَخلف خَمْسَة بَنِينَ المرجو من الله اصلاحهم إصلاحا جيدا

    وَمِمَّنْ وردهَا على بن عِيسَى بن مُحَمَّد بن مقبل النَّخعِيّ ثمَّ الابيني سَبَب مصيره الْجند انه دخل عدن وَحضر مجْلِس القَاضِي مُحَمَّد بن اِسْعَدْ وَهُوَ يلقِي على الْفُقَهَاء مسايل فَكَانَ يتصدر لَهَا فاعجب القَاضِي بِهِ وَكتب لَهُ الى قَاضِي

    الْقُضَاة فرتبة مدرسا بالجند بالمنصورية فَلم يزل عَلَيْهَا ثمَّ نقل الى مدرسة بتعز فَلم يزل بهَا حَتَّى توفّي وَمِنْهُم احْمَد بن أبي بكر بن أَحْمد بن أبي الْقَاسِم الفائشي اصله من قَرْيَة اليهاقر الْقرْيَة المضبوطة أَولا وَيَأْتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى

    وَمِنْهُم جمَاعَة وردوها وتديروها وانتفع بهم أَهلهَا كَعبد الله بن عمرَان مقدم الذّكر مَعَ أَبِيه بعدن الْخَولَانِيّ وَمُحَمّد بن أَحْمد بن مقبل وَقد ذكر وَسَيَأْتِي ذكر الْخَولَانِيّ فِي أهل بَلَده إِن شَاءَ الله تَعَالَى

    وَمِنْهُم عمر بن ابي بكر بن معوضة كَانَ فَقِيها متأدبا اخذ الادب عَن السُّلْطَان علا الَّاتِي ذكره فِي اهل السمكر وَكَانَ زميله فِي الاخذعنه وَالِدي كَانَا يَخْتَلِفَانِ اليه من الْجند الى السمكروكان يُوصف بالذكاء

    وَمِنْهُم الاخوان خضر وابو بكر ابْنا مُحَمَّد المغربي كَانَ خضر مقرئا خيرا اخذ عَن ابْن الحذا بجبا وَابْن الْحرَازِي وَكَانَت وَفَاته نَحْو تسعين وستماية واما ابو بكر فتفقه بشيخي ابي الْحسن الاصبحي وَابْن الامام ابراهيم مقدم الذّكر مَعَ ابيه بعدن ودرس بالشقيرية وَكَانَت وَفَاته تَقْرِيبًا لنيف وَتِسْعين وستماية وَمِنْهُم مفضل بن ابي بكر بن يحي الخياري ثمَّ الْهَمدَانِي اصله من جبل عنة من قوم هُنَالك يعْرفُونَ ببني خِيَار تفقه بفقهاء تعز كمحمد بن عَبَّاس الشّعبِيّ وَغَيره على مَا يَأْتِي ذكره وَلما توفّي احْمَد الفايشي مقدم الذّكر اقدمه بَنو عمرَان الى الْجند ليدرس مَكَانَهُ بالمنصورية فَقَرَأَ عَلَيْهِ جمَاعَة من الْجند كَابْن الصارم وَغَيره واخذت عَنهُ الوجير والمستعذب ومشكل مكي وَغَيرهمَا وَلما توفّي الْفَقِيه يُوسُف ابْن النُّعْمَان الْمُقدم ذكره جعل الْقَضَاء اليه مَعَ التدريس فَلبث جَامعا بَين الْقَضَاء

    والتدريس الى شهر صفر سنة ارْبَعْ وَعشْرين وسبعماية ثمَّ توفّي على ذَلِك فَجعل القَاضِي مُحَمَّد بن ابي بكر مَكَانَهُ رجلا يُقَال لَهُ احْمَد الرعاوي من المشيرق فَلبث قَلِيلا وَمرض فطلع بَلَده وَتُوفِّي وَصَارَ مَكَانَهُ رجلا من اليهاقر يُقَال لَهُ قَاسم بن عَليّ قَاسم الزكى تفقه بشيخنا أبي الْحسن الأصبحي وَلما توفّي شَيخنَا ارتحل الى تهَامَة فاخذ بهَا عَن ابْن الصريدح فَلم يزل على ذَلِك حَتَّى ولي أَبُو بكر بن الأديب فِي شعْبَان سنة سِتَّة عشرَة قَضَاء الْقُضَاة فَعَزله وَجعل مَكَانَهُ رجلا من الغز يعرف بِمُحَمد بن قَيْصر فاظهر فِي دُخُوله الْقَضَاء من الْعِبَادَة وَالصَّلَاة وَالصِّيَام مَالا ينْحَصر واضاف اليه ابْن الأديب قَضَاء تعز فاستناب على الْجند وَصَارَ يحكم بتعز وَيفْعل امورا لم يَسْتَطِيع أهل تعز صبرا عَلَيْهَا بل شكوه الى السُّلْطَان فَأمر ابْن الأديب بابعاده فدافع عَنهُ فَلم يقبل مِنْهُ السُّلْطَان فَصَرفهُ على كره مِنْهُ فابقاه على قَضَاء الْجند فَسَار سيرة كَانَ لَهُ فِيهَا هَنَات كَثِيرَة ثمَّ اسْتمرّ على كره من النَّاس ومدافعة من ابْن الاديب عَنهُ حَتَّى كَانَ فِي ربيع اول نزل حسن بن الاسد من ذمار بعسكر فَلم يقدر على دُخُول قاع الْجند حَتَّى خرج اليه ابْن قَيْصر الْمَذْكُور وجرأه على دُخُول الْجند فدخله ثمَّ جَاءَت لَهُ العساكر من تعز تُرِيدُ قِتَاله فَاقْتَتلُوا قتالا شَدِيدا وانكسر عَسَاكِر الْمُجَاهِد الى الْمَدِينَة فسعي هَذَا ابْن قَيْصر لَيْلَة وَيَوْما وافسد جَمِيع العساكر حَتَّى مالوا عَن الْمُجَاهِد الى ابْن الاسد وقصدوا تعز وحصروها سِتَّة أَيَّام وَفِي سابعها اقنضوا وَتحقّق للسُّلْطَان الْمُجَاهِد ذَلِك فامر بلزومه وَذَلِكَ فِي جمادي الاولى سنة ثَلَاث وَعشْرين وَسَبْعمائة وصودر وَجعل مَكَانَهُ الْفَقِيه حُسَيْن بن مُحَمَّد بن عمر العماكري فَوجدَ اضر مِنْهُ فعالا ومقالا فاستمر قَاضِيا حَتَّى دخلت سنة ارْبَعْ وَعشْرين فِي صفر رتب الْجند بَنو فَيْرُوز فخانوا وساعدوا ابْن قَيْصر فِي لزم القَاضِي حُسَيْن فَلَزِمَهُ وصادروه بمبلغ من الطَّعَام وَالدَّرَاهِم وَعَاد ابْن قَيْصر قَاضِيا وَلما وصل ابْن الدويدار كَانَ من اعظم الاسباب فِي دُخُوله الْجند ونهبها فَكَانَ فِي بُيُوتهم يَوْمئِذٍ النائحات وَفِي بَيته المحجرات والفرح فَلم يكن غير قَلِيل حَتَّى

    نزل الدملوة وَعَاد فَقتل مَا بَين الجؤة وغيل ورزان وقبر هُنَالك

    وَمِمَّنْ وردهَا مُتَأَخِّرًا عَليّ سير بن اسماعيل بن الْحسن الوَاسِطِيّ قدم تعز اولا واخذ عَنهُ جمَاعَة بِشَيْء من كتب الحَدِيث مِنْهَا قريب الْعَهْد الْمَرْوِيّ عَن المعمر بِالْهِنْدِ ثمَّ سَافر الى الْجند لغَرَض الرجبية بهَا فاخذته بَطْنه وتوجع فَمَا هُوَ إِلَّا ان احس بِالْمرضِ وَثقله فَطلب جملا وَحمل عَلَيْهِ فَلَمَّا صَار الْجمل بِبَاب الْجند برك فَضرب فَلم يقم فَقَالَ بخ بخ لكم يَا اهل الْجند هَذَا عَلامَة موتِي وَقد وَعَدَني رَبِّي ان يغْفر لي وَلمن قبر حَولي ثمَّ اعيد الى مَوضِع نزل فِيهِ اولا وَهِي الْمدرسَة الشقيرية فَتوفي مبطونا لبضع وَعشْرين لَيْلَة مَضَت من رَجَب سنة ارْبَعْ وَسِتِّينَ وستماية وقبر تَحت جبل صرب فقبره مَشْهُور يزار

    وَمِنْهُم مُحَمَّد بن يُوسُف بن مَسْعُود الْخَولَانِيّ اصله من زبران ولي إِمَامَة الْجَامِع وَهُوَ الان مدرس بِالْمَدْرَسَةِ وَتُوفِّي عَلَيْهَا لَيْلَة عيد الْفطر من سنة اثْنَتَيْنِ وسبعماية

    وَمِنْهُم احْمَد بن ابراهيم بن بلسه عرف بِابْن الصارم وَهُوَ الان مدرس بِالْمَدْرَسَةِ الشقيرية وَتَوَلَّى امامة الْجَامِع الْمُبَارك مُنْذُ توفّي مُحَمَّد بن يُوسُف وَكَانَ تفقهه بمفضل واخذ النَّحْو عَن احْمَد الفايشي مقدمي الذّكر وَلما ظهر اسْتِحْقَاق حُسَيْن للعزل عَزله قَاضِي الْقُضَاة وَجعل هَذَا مَكَانَهُ وَذَلِكَ فِي شَوَّال من سنة خمس وَعشْرين وسبعماية وَكَانَ فَقِيها مُبَارَكًا يسْلك بِالنَّاسِ سيرة بني مفلت الَّذين تقدم ذكرهم والمدرسة الشقيرية نسبتها الى امْرَأَة كَانَت ماشطة للْحرَّة

    ابْنة جوزة وَكَانَت مُزَوّجَة على مَمْلُوك اسْمه شقير بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الْقَاف وَسُكُون الْيَاء الْمُثَنَّاة من تَحت ثمَّ رَاء كَانَت امْرَأَة بهَا خير وَصدقَة وَتوفيت وَلَا وَارِث لَهَا فاوصت بدارها وَارْضَ كَانَت لَهَا لاولاد مولاتها فَقَالَت حِين بلغَهَا ذَلِك اولادي فِي غنى عَن ذَلِك وامرتها تجْعَل دارها مدرسة وَتوقف عَلَيْهَا الارض فَفعلت ذَلِك فَنعم المولاة وَمَا احسن علو همتها وَشرف نَفسهَا وَهِي الْحرَّة ابْنة الاتابك سنقر تزوجت المسعودين الْكَامِل ثمَّ تزوجت بعده الْمَنْصُور فَاتَت لَهُ بولدين وهما الْمفضل والفائز وَكَانَ الْمَنْصُور قد حلف الْعَسْكَر للمفضل وَلما قتل بقصر الْجند قَامَت هَذِه بِالْملكِ وَكَانَت حازمة عفيفة غير انها كَمَا قَالَ ابْن عَبَّاس كُنَّا ندخل على عايشة نسْمع مِنْهَا الحَدِيث فَلَا نخرج مِنْهَا حَتَّى نعلم انها امْرَأَة فطلعت من تعز الى حصن الدملوة وَلم تَبْرَح فِيهِ حَتَّى أَخذ المظفر الْبِلَاد واقام مَالِكًا لَهَا عدَّة سِنِين وخادعها بَان ترك ابْنه الاشرف رهينة مَعهَا وَمَعَهُ خَادِم يعرف بياقوت كَانَ ذكيا حازما فَلم يزل يتلطف فِي اجتلاب المرتبين حَتَّى صَارُوا مائلين الى المظفر ثمَّ عرض لَهَا عَارض أوجب نُزُولهَا عَن الْحصن لقلَّة رأيها فَلَمَّا صَارَت خَارِجَة عَنهُ ثار ياقوت بِمن مَعَه فِي الْحصن واخرج بَقِيَّة غلمانها فَنزلت الى المظفر تَشْكُو اليه فَلم يشكها وامرها ان تنزل باولادها الْمَذْكُورين وتسكن بهم حيس فَلم يزَالُوا بهَا حَتَّى توفوا وَكَانَت وَفَاة الْمفضل سلخ الْحجَّة سنة سبع وَسِتِّينَ وستماية وَلم يزل ياقوت نايبا بالدملوة فَكَانَ بِهِ عنف ومبادرة الى الظُّلم وشكى الى المظفر مِنْهُ فَلم يشك مِنْهُ احدا وَكَانَ مَعَ جبروته كثير الصَّدَقَة مجلا لاهل الْعلم وَالدّين ابتنى بالمنصورة مدرسة وَكَانَت وَفَاته على حَالَة سلخ الْقعدَة سنة ثَمَانِينَ وستماية وَهَذَا ذكر عَارض على سَبِيل اللُّزُوم بل خشيَة تطلع النُّفُوس الى مَا عرض وَقد انْقَضى ذكر المتحقق من احوال بني حُسَيْن ذكر جدهم فأغنى عَن اعادته هُنَا

    وَمن الواردين اليها ابو عبد الله مُحَمَّد بن منيع النميري كَانَ فَقِيها كَبِيرا متأدبا شَاعِرًا وَكَانَ يصحب الرؤساء من اهل الدولة ويمتدحهم كتب الى قَاضِي الْقُضَاة بهاء الدّين مقدم الذّكر ... بهاء الْهدى اني دعوتك دَعْوَة ... لدهر يشيب الْمَرْء من نكباته

    وَلم ارج خيرا م سواك وَإِنَّمَا ... يكون اجتناء الْخَيْر من شجراته ... وَمن شعره مَا كتب بِهِ أَلِي عَليّ بن يحي لما تَابَ من الْخمر وَعَاد إِلَيْهِ ... لَو كَانَت الراح بِابْن يحي ... مُبَاحَة مَا رغبت فِيهَا

    لَكِن تَحْرِيمهَا صَرِيح ... فانت بالطبع تشتهيها

    زهدت عَاما وَنصف عَام ... فِيهَا وَفِي قرب شاربيها

    حَتَّى ظنناك يَا بن يحي ... بَين الورى عَالما فَقِيها

    ثمَّ رَأَيْنَاك بعد زهد ... زِدْت غراما بهَا وفيهَا

    وهمت وجدا بهَا الى ان ... خلعت ثوب الْوَقار فِيهَا

    فعد عَنْهَا أبن دياب ... الى عَلَاء انت تشتهيها

    وَتب الى الله من مغاو بِالْمَالِ وَالْعرض تشتريها

    فَلم تزل مُنْذُ كنت طفْلا ... تهوى الْمَعَالِي وتقتنيها

    وَتكره النَّقْص والدنايا ... بِكُل حَال وتحتويها ... وَبِهَذَا النميري انْتفع جمَاعَة من الْبَلَد اخذوا عَنهُ المقامات وَغَيرهَا من كتب الادب واليه يَنْتَهِي سندنا بالمقامات وَمِنْهُم مُحَمَّد بن احْمَد بن مقبل الدثيني مقدم الذّكر فِي ذُريَّته اهل عرج

    وَمِنْهُم عَليّ بن مُحَمَّد السحيقي ثمَّ العامري ثمَّ الْكِنْدِيّ من معشار الدملوة

    وَله هُنَاكَ قرَابَة يعْرفُونَ بالسجيقيين تفقه بالامام بطال وبعمر بن الْحداد الْآتِي ذكرهمَا ودرس فِي الْجند بعد مُحَمَّد بن احْمَد بن مقبل وَكَانَ متواضعا يلبس قَمِيصًا بجيب ونعلين عربيتين وَيدخل السُّوق وَيَشْتَرِي سلْعَته يحملهَا وَلَا يحمل لَهُ غَيره إِلَّا عِنْد عجز مِنْهُ وَلَقَد اخبرني الثِّقَة من اهل الْجند انه كَانَ يكون سايرا فِي الطَّرِيق وَمَعَهُ سلْعَته فَنَاوَلَهُ بعض النَّاس ورقة سُؤال فقهي فيفتشها ويقراها ثمَّ يجوب بعد ان يضع سلْعَته من يَده وَيخرج دَوَاة من جيبه ويجوب ورأيته قد اجاز الْمقري عمر بن النُّعْمَان مقدم الذّكر سنة ثَلَاث واربعين وستماية

    ز وانقضى ذكر من يَنْبَغِي ذكره من اهل الْجند ووارديها لم يبْق إِلَّا الشُّرُوع بِذكر نَوَاحِيهَا فابدأ بأقدمها شهرة بِذكر الفهقاء وَهِي الْقرْيَة الذنبتين ضَبطهَا بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة بعد الف وَلَام وَفتح النُّون وَالْبَاء الْمُوَحدَة وَالتَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون الْيَاء الْمُثَنَّاة من تَحت ثمَّ نون وَإِنَّمَا ضبطتها خشيَة وُقُوع كتابي هَذَا فِي بِلَاد بعيدَة فقد بغلني انهم لما وقفُوا على تصنيف شَيخنَا الْمعِين وجدوا فِيهِ مُعَلّقا اسْم هَذِه الْقرْيَة اذ هُوَ مِنْهَا فصارا يصفحونها وَهِي قَرْيَة قديمَة قبلي الْجند على ربع مرحلة مِنْهَا وَقد ذكر ابْن سَمُرَة مِنْهَا جمَاعَة غالبهم فِي الاصابح وذكرتهم ايضا فِيمَا مضى وَعَن الْمُتَأَخِّرين عَنْهُم جمَاعَة

    وَمِنْهُم ابو الْعَتِيق ابو بكر بن مُحَمَّد بن نَاصِر بن الْحُسَيْن الْحِمْيَرِي نسبا مولده سنة سبع وَثَمَانِينَ وخمسماية تفقه بِحسن بن رَاشد وأخيه عبد الله وَأخذ عَن ابي الْحَدِيد وَابْن جديل وَمُحَمّد بن اِسْعَدْ بن ظَاهر بن يحي وَغَيرهم وَكَانَ فَقِيها زاهدا ورعا متقللا لَا يلبس إِلَّا مَا يغزله حريمه من عطب يجلب من تهَامَة وَيكرهُ عطب ابين وَيَقُول انه قد اغتصبها الْمُلُوك المعروفون بالحجاريم مَتى كمل الْغَزل اعطاه

    حايكا يتَحَقَّق امانته كَيْلا يخلطه بِغَيْرِهِ ثمَّ كَانَ لَهُ حول وَاحِد لَا يَأْكُل إِلَّا من غَلَّتهَا إِذْ كَانَ مِيرَاثا لَهُ من اهله وَكَانَ لَا يقصر ثِيَابه بل مَا قدم مِنْهَا جعله عِمَامَة والْحَدِيث رِدَاء وَكَانَ مَعَ ذَلِك اذا اقبل الى الْمَسْجِد بالذنبتين انار الْمَسْجِد حَتَّى الْمطَالع فِي الْكتاب يجدالنور على كِتَابه فيرفع رَأسه ليرى سَبَب ذَلِك فَلَا يرَاهُ إِلَّا ظُهُور الْفَقِيه على الْمَسْجِد ومحاسنه اكثر من ان تحصى وتفقه بِهِ جمَاعَة مِنْهُم عبيد بن احْمَد الحساني وَعلي بن عبد الله الْمَذْكُور فِي ذُرِّيَّة الْهَيْثَم وَمَنْصُور بن مُحَمَّد الاصبحي عَم الْفَقِيه

    مُحَمَّد الاصبحي واخذ عَن مُحَمَّد بن احْمَد بن جديل ولد شَيْخه وَكَانَ فَقِيها محققا مدققا لَهُ شعر مستحسن مِنْهُ فِي الْفِقْه قَوْله ... والوطيء فِي دبر الْحَلَال محرم ... ومخالف فِي خَمْسَة أَحْكَام

    ادب وتعبير وَحل مُطلق ... والفي والاحصان فِي الاسلام ... وَمِنْه مَا كتبه الى بعض اهل بَلَده مِمَّن تدير عدن ورفض بَلَده وَهُوَ ... سَلام على الاحباب حَيْثُ توجهوا ... وَحَيْثُ اقاموا فِي العرائس من عدن

    ارى النَّهر قد يَرْمِي اجتماعا بغرفة ... وَيُورث فِي الاحشا مَا يذهب الوسن

    وتبدي لنا الايام مَا لم يكن لنا ... ببال من الافراح اَوْ لوعة الْحزن

    فَمَا كل محزون بهَا دَامَ حزنه ... وَلَا كل مسرور بهَا تمّ فِي الزَّمن ... وَكَانَ بعض الصُّوفِيَّة يسكن فِي اليهاقر واسْمه عَطِيَّة يتعانى الرقص وَالسَّمَاع وَيَقُول النَّبِي قد كَانَ يرقص فَلَمَّا بلغ الْفَقِيه ذَلِك صَعب عَلَيْهِ وَعمل قصيدة مِنْهَا قَوْله ... نبئت ان يهاقرا ظَهرت بهَا ... لعب الولائد مُعْلنا بزفير

    حاشا لاحمد ان يرى بملاعب ... وعطية فِي ذَاك غير خَبِير ...

    أَخْبرنِي الثِّقَة أَنه اصبح يَوْمًا فِي حَلقَة اصحابه وتدريسه فَجْأَة بعض أَصْحَابه فَقَالَ لَهُ رَأَيْت فِي الْمَنَام فَوق بَيْتك حَماما كثيرا مجتمعات وبينهن طَائِر لَهُ عَلَيْهِنَّ تميز بالخلقة وَالصُّورَة فَبينا انا اعْجَبْ مِنْهُ ومنهن اذ بِهِ قد غَابَ عَنْهُن وظني انه نزل فِي الارض فحين فقدته الْحمام اخذنا فِي التَّفَرُّق فَقَالَ الْفَقِيه انا الطاير وَالْحمام اصحابي ثمَّ اخذ فِي الاستعداد للْمَوْت بِالْوَصِيَّةِ وَغَيرهَا وَمَات عقيب ذَلِك الْيَوْم يَوْم الْخَمِيس عَاشر ربيع الاول من سنة بضع واربعين وستماية وقبره يمنى الْقرْيَة الذنبتين يزار ويستنجح عِنْده الحوايج وَهُوَ من الترب الْمَقْصُودَة للزيارة طلبا للتبرك وزرته مرَارًا كَثِيرَة

    وَمِنْهُم ابو عبد الله الْحُسَيْن بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن اسماعيل بن احْمَد الزبيدِيّ نسبا الى الْقَبِيلَة الْمَشْهُورَة ولاعديني بَلَدا نِسْبَة الى ذى عدينة الْمَدِينَة الْمَعْرُوفَة تَحت حصن تعز كَانَ يتعانى التِّجَارَة وَسكن جيلة فَكَانَ لَهُ بهَا ذكر شايع بالجميل واطعام الطَّعَام وبورك لَهُ فِي دُنْيَاهُ وَاشْترى بهَا الذّكر الْجَمِيل والاجر وَسمع المسموعات على فُقَهَاء عدَّة فِي اماكن مُتَفَرِّقَة من ذَلِك عدن وَغَيرهَا اِدَّرَكَ بعدن القَاضِي ابراهيم بن احْمَد الَّاتِي ذكره ثمَّ انْتقل من ذِي جبلة الى قرب سهفنة الْمُقدم ذكرهَا ثمَّ بعد ذَلِك بِمدَّة انْتقل الى قَرْيَة الذنبتين لشَيْء حدث بَينه وَبَين الْقُضَاة بهَا فَلم يلبث فِي الذنبتين حَتَّى توفّي على طَرِيق مرضى من الاطعام والاحسان بِحَيْثُ كَانَ لَا يذكر اُحْدُ فِي ذَلِك غَيره وَكَانَ الْفَقِيه ابْن نَاصِر يقرئ وَهُوَ يطعم المنقطعين وَيكرم الضَّيْف وَلم يكن لَهُ فِي عصره نَظِير واخذ عَنهُ جمَاعَة من الْفُقَهَاء المعتبرين كتب المسموعات

    مِنْهُم ابْن مِصْبَاح مُحَمَّد والفقيه عمر العقيري وَغَيرهمَا وَلما تكاثر دينه اراد التَّقْصِير عَمَّا يَفْعَله من الاطعام فَقيل لَهُ انه كَانَ ذَات يَوْم مفكرا فِي امْرَهْ عازم على ذَلِك اذ سمع هاتفا يَقُول يَا حُسَيْن انفق وعلينا القضا فَلَمَّا سمع ذَلِك ازْدَادَ عزما على الْبَقَاء على فعله الْمُعْتَاد فَلَمَّا توفّي وَعَلِيهِ دين عَظِيم قَامَ بِدِينِهِ عبد لَهُ ابْتَاعَ بذلك وعضده فِيهِ القَاضِي اِسْعَدْ بن

    مُسلم الَّاتِي ذكره فَلم يكن غير مُدَّة قريبَة حَتَّى انْقَضى دينه بِحَمْد الله وَلم يكن يدْفن حَتَّى بَرِئت ذمَّته قلت وسماعه للهاتف نَحْو مَنَام ابْن مَضْمُون وَمَا يَحْكِي من ورع هَذَا الرجل فِي التِّجَارَة انه دخل عدن بفوة كَثِيرَة وباعها بِمَال جزيل ثمَّ قبض الثّمن وَذهب بِهِ الى دَاره واستدعى بالنقادين فنقدوا لَهُ ذَلِك فَخرج الْفَا دِرْهَم فَقيل لَهُ ترد ذَلِك على المُشْتَرِي فَقَالَ اخشى ان يغربها غَيْرِي وانا احْمِلْ بِهِ ثمَّ ذهب بِهِ الى موقع فِي الْبَحْر فالقاها فِيهِ بِحَيْثُ يغلب على الظَّن تلافه وَعدم ادراكه وَهَذَا ورع يعز وجوده ومناقب هَذَا الْفَقِيه اكثر من ان تحصى وَكَانَت وَفَاته لبضع وَثَلَاثِينَ وستماية تَقْرِيبًا وقبر بمقبرة الذنبتين الشرقية وَحضر الصَّلَاة عَلَيْهِ جمع ناشر لَا يُحصونَ كَثْرَة من جُمْلَتهمْ ابْن نَاصِر وَمُحَمّد بن عمر الزَّيْلَعِيّ وَغَيرهمَا وَخلف ابْنَيْنِ صغيرين هما مُحَمَّد وَأحمد فمحمد صحب الْفَقِيه عمر بن سعيد وتفقه بِهِ ولبث مُدَّة بِمَدِينَة الْجند درس بمدرسة الامير مِيكَائِيل ابْن ابي بكر ابْن مُحَمَّد لموصلي ثمَّ انْتقل عَنْهَا وَتُوفِّي بالذنبتين وقبر الى جنب قبر ابيه

    وَعرض مَعَه ذكر مِيكَائِيل ابْن ابي بكر وَكَانَ من اعيان الْوُلَاة ولي الْجند مُنْذُ اخر الدولة المسعودية حَتَّى دخلت الدولة المظفرية وَكَانَ رجلا فَاضلا نسبه فِي التركمان وَقدم صُحْبَة المسعود بن كَامِل وَكَانَ يُقَال لَهُ السيروان لَان عَمه زوج والدته كَانَ سيروان وادرك هذاميكائيل شَفَقَة من المسعود فولاه مَدِينَة الْجند ولبث بهَا واليا مُدَّة ثمَّ ابتنى بهَا مدرسة وقف عَلَيْهَا وَقفا جيدا غَيره ابْن لَهُ اسْمه عمر وَرُبمَا عزم على اخرابها لَكِن زَجره القَاضِي البها مقدم الذّكر من اهل سير وَكَانَ مِيكَائِيل الْمَذْكُور من اخيار الْغَزْو اعيانهم يلقب بشمس الدّين وَله مُخَالطَة بَاهل الْعلم ومشاركة فِيهِ ووقف على مدرسته بالجند عدَّة كتب ودرست بهَا عدَّة سِنِين وَله مَسْجِد بِرَأْس تقبل سَوْدَة وسقايتان وحوض يجْرِي اليه المَاء وَيشْرب

    مِنْهُ النَّاس والحيوانات وَكَانَ يغلب عَلَيْهِ الْخَيْر والرفق بالرعايا وَلم اتحقق لَهُ تَارِيخا غير انه توفّي على ولَايَة الْجند وقبر الى جنب قبر الْفَقِيه زيد اليفاعي

    نرْجِع الى ذكر الْفُقَهَاء بالذنبتين فَمنهمْ مَنْصُور بن مُحَمَّد بن مَنْصُور الاصبحي قد ذكرته فِي مدرسي سير وَكَانَ فَقِيها فَاضلا صَالحا تفقه بِهِ جمَاعَة وَمِنْهُم ابْن اخيه مُحَمَّد بن ابي بكر بن مَنْصُور الْمَذْكُور اولا كَانَ فَقِيها كَبِيرا محققا مدققا فِي الْجَواب مبارك التدريس بِهِ تفقه جمع كثير من نواح شَتَّى وَله مصنفات عديدة مِنْهَا الْمِصْبَاح مُخْتَصر فِي الْفِقْه والفتوح فِي غرايب الشُّرُوح والايضاح ومذاكرة التَّنْبِيه فِي الْمسَائِل المشكلة من التَّنْبِيه والاشراف فِي تَصْحِيح الْخلاف وَكَانَ النَّاس حِين ظهر عكفوا عَلَيْهِ حَتَّى ظهر كتاب الْمعِين تصنيف تِلْمِيذه شَيخنَا ابي الْحسن الاصبحي فانتقلواعن النّظر بِهِ الى الْمعِين واستغنوا بِهِ عَن جَمِيع الْكتب الَّتِي وضعت فِي تَصْحِيح الْخلاف وَكَانَ هَذَا الْفَقِيه رجلا موفقا عابدا زاهدامتورعا اما عِبَادَته فاكثر من ان تحصى غير انه كَانَ من عَادَته ان يقْرَأ فِي ايام رَمَضَان ولياليه كل يَوْم ختمة وكل لَيْلَة كَذَلِك حَتَّى كَانَ رَمَضَان الَّذِي توفّي عقبه ختم فِيهَا خمْسا وَسبعين ختمة وَرَآهُ بعض الْفُقَهَاء بعد مَوته فَسَأَلَهُ عَمَّا فعل الله بِهِ فَقَالَ أَخذ بيَدي وادخلني الْجنَّة فَقَالَ لَهُ هَل وجدت مُنْكرا ونكيرا فَقَالَ لَا بل سَمِعت صَوتا لَا ادري هَل هُوَ مِنْهُمَا ام من غَيرهمَا ثمَّ اسمعني كلَاما حفظت مِنْهُ مَا مِثَاله قل للرجلين انصرفا عَن الْفَقِيه كلاكما قل للرجلين انصرفا عَن الْفَقِيه قبل انيراكما قل لِرجلَيْنِ انصرفا عَن الْفَقِيه الم تعلما انه مولاكما وَثَبت عَنهُ رَحمَه الله ان قَالَ جعل الله اربعة مَلَائِكَة لغضبه هم عزرائيل وَمَالك ومنكر وَنَكِير وَقد سَالَتْ الله ان لَا يريني احدا مِنْهُم وارجو انه اسْتَجَابَ لي فَكَانَ مَوته بَحر المدفن فِي اسرع من لمح الْبَصَر فَعلم انه لم ير عزرائيل وَرُوِيَ الْفَقِيه الجرهمي

    تدل على انه لم ير الاخرين وَكَانَ شَدِيد الْوَرع من صغره حَتَّى كَانَ لَا ياكل إِلَّا مَا يتَحَقَّق حلّه وَلَقَد قَامَ فِي مصنعة سير ط فَوق عشْرين سنة لَا يَأْكُل لَهُم طَعَاما إِنَّمَا ياخذ كيلة من وقف القَاضِي أَبُو بكر بن احْمَد مقدم الذّكر بِجِهَة الحيمة على من يدرس بِجَامِع المصنعة وَكَانَ كثير الْعِبَادَة وزيارة الصَّالِحين والمساجد الْمُبَارَكَة وراتبه كل يَوْم سبع من الْقُرْآن وتفقه بِهِ جمع كَثِيرُونَ خرج مِنْهُم الْفُقَهَاء الْمُحَقِّقُونَ والمفتون والمدرسون فَلَا يُوجد فِي الْجبَال خَاصَّة من هومتصف بِهَذِهِ الصِّفَات الا من أصحابهاو اصحاب اصحابه

    وَمِنْهُم شيخناا ابو الْحسن الأصبحي وَهُوَ ابْن عَمه أَيْضا لَكِن هَذَا مُحَمَّد بن اصابع انتجعوا الذنبتين م ذبحان وَشَيخنَا من اصابع تديروا الذنبتين مُنْذُ دهر طَوِيل اصلهم من الأصابح الَّذين بجبل السحول وهم أصل رياسة وركوب خيل وعزم وحزم وانتقل اللَّهُمَّ قوم الْفَقِيه مُحَمَّد من ابين فتزوجوا مِنْهُم وازوجهم ثمَّ صَار اليه قوم من جبل بعدان اصابح ايضا سَيَأْتِي ذكر من عَلمته تفقه بهم ايضا وتفقه بِهِ ايضا عبد الْوَهَّاب ابْن الْفَقِيه نَاصِر وَعبد الله بن سَالم وابو بكر اللَّيْث وَمُحَمّد بن ابي بكر وَمُحَمّد بن عبد الله ابنى اِسْعَدْ العمرانيان وَمن اصحابه كثير وَكَانَت حلقته تجمع فَوق مائَة طَالب فِي اكثر الاحيان وَرُبمَا بلغو مِائَتَيْنِ فِي كثير من الاوقات ثمَّ ضَاقَتْ بِهِ المصنعة فانتقل عَنْهَا الى مَدِينَة اب الَّاتِي ذكرهَا فَلَقِيَهُ اهلها ملقى حسنا واكرموه وَاحْتَملُوا من جَاءَ مَعَه من الطّلبَة واقاموا

    بكفايتهم مَا داموا منقطعين وَمَات على الطَّرِيق المرضي ضحى الْجُمُعَة سادس شَوَّال من سنة احدى وَتِسْعين وستماية بعد ان عمر تسعا وَخمسين سنة وقبر الى جنب قبر الامام سيف السّنة وزرت قَبره بِحَمْد الله مرَارًا

    وَمِنْهُم ابو بكر بن عمرَان الاصبحي كَانَ فَقِيها ولي قَضَاء الذنبتين واخذ عَنهُ الْفَقِيه مُحَمَّد بن ابي بكر فِي بدايته التَّنْبِيه فَلَمَّا فرغ مِنْهُ سَأَلَهُ ان يُجِيزهُ وَيكْتب لَهُ بذلك اجازة فَقَالَ بِشَرْط انك لَا تَأْخُذ قَضَاء الذنبتين فَغَضب الْفَقِيه وَحلف لَا يَأْخُذ مِنْهُ اجازة وَلَا تولي الْقَضَاء ثمَّ قَرَأَ على عَمه مَنْصُور الْمَذْكُور اولا وَرَوَاهُ عَنهُ وَتُوفِّي هَذَا الْفَقِيه عَليّ الْقَضَاء لَا اتحقق تَارِيخه وَكَانَ لَهُ ابْن خيرا اسْمه احْمَد أَخذ فِي النَّحْو طَرِيقا جيدا عَلَيْهِ استفتحت قِرَاءَة الْجمل للزجاجي

    وَمِنْهُم احْمَد بن اِسْعَدْ الاصبحي كَانَ خطيب الْقرْيَة وَكَانَ ذَا دين وَتُوفِّي لَيْلَة الْجُمُعَة لست بَقينَ من ربيع اول سنة تسع وَتِسْعين وستماية وقبره قبلي الذنبتين

    ثمَّ صَار الْفِقْه بطبقة اخرى مِنْهُم شَيْخي ابي الْحسن عَليّ بن احْمَد الْفَقِيه الْمَذْكُور آنِفا ابْن اِسْعَدْ ابْن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عمر بن ابي الْفتُوح بن عَليّ بن ابي الْفتُوح بن عَليّ بن صبيح الأصبحي مولده لخمس بَقينَ من الْحجَّة سنة ارْبَعْ واربعين وستماية تفقه فِي بدايته بِعَبْد الْوَهَّاب الَّاتِي ذكره ثمَّ بِابْن خَاله مُحَمَّد بن أبي بكر وَعَلِيهِ اتقن الْفِقْه وحققه وَكَانَ غَالب قِرَاءَته عَلَيْهِ بالمصنعة يخْتَلف إِلَيْهِ من الذنبتين كل اثْنَيْنِ وخميس فِي الْغَالِب وَرُبمَا كَانَ فِي السبت ايضا وَقد يققف فِي المصنعة الايام ذَوَات الْعدَد ثمَّ لما اكمل الْفِقْه اخذ عَنهُ كتب الحَدِيث ايضا وَكَانَ من الْمُحَقِّقين للفقه العارفين بِهِ لم اكن اتحقق لَهُ نَظِير فِي عصره فِي كثير من بِلَاد الْيمن جبلها وتهامتها وَلَو لم يكن لَهُ شَاهد فِي ذَلِك الا تصنيفه لكتاب الْمعِين

    ثمَّ لكتاب اسرار الْمُهَذّب ثمَّ لغرائب الشرحين فَإِن النَّاس انتففوا بهَا انتفاعا عَاما

    والمعين يدل على كَثْرَة مطالعته للكتب وتحقيقه لنقلها ومعرفتها والعاقل عِنْد مطالعتها يتَحَقَّق ذَلِك وَله فَتَاوَى جمعهَا تِلْمِيذه الْفَقِيه مُحَمَّد بن جُبَير وَكَانَ الْفُقَهَاء مَتى امتروا فِي مسئلة لم يقنعهم جَوَاب بَعضهم الْبَعْض حَتَّى يعرفوا مَا اخذه فيكتبون الى الْفَقِيه بذلك ويسألونه من نَص عَلَيْهَا من الفقهء ام باي مُصَنف من مصنفاتهم فيجيب لَهُم بِمَا سَأَلُوا حَتَّى سَمِعت بعض اكابر المدرسين يَقُول مثل هَذَا الْفَقِيه وَمثل ساير الْفُقَهَاء كقوم ولجوا بحرا يغوصون فِيهِ لطلب الْجَوَاهِر وَكَانَ فيهم مجيد خَبِير يدْخل الْمَوَاضِع بِاجْتِهَاد وخبرة فَيَقَع على الْجَوَاهِر النفسية ويخرجها ويمتاز على اصحابه بهَا وَكَانَ قَوْله هَذَا بِمحضر جمَاعَة من فُقَهَاء تعز كل مِنْهُم سَلمَة واعترف بِصِحَّتِهِ وَعنهُ اخذت التَّنْبِيه والفرائض وَبَعض الْجمل والمهذب والإيضاح والرسائل تصنيفي شَيْخه مقدم الذّكر والاربعينات الودعانية ثمَّ الطائية وقرأت الْعَهْد الَّذِي يروي عَن زين المعمر فِي الْهِنْد وَغير ذَلِك فرحمه الله وجزاه خيرا وَلَقَد كَانَ السماع عَلَيْهِ يفوق الْقِرَاءَة على غَيره بركَة وانشراحا وَكَانَ جميل الْخلق تَامَّة دَائِم الْبشر حسن الالفة يحب الاصحاب ويتألفهم وَيُعْجِبهُ إيتلافهم وَكَانَت لَهُ كرامات ومكاشفات اجْمَعْ النَّاس على نزاهة عرضه وَحسن ورعه وزهده وَكَانَ يَقُول الْحق وَلَو على نَفسه وَكَانَ مَتى اجْتمع اصحابه حوله آنسهم وبش بهم وَرُبمَا ذكر لَهُم مَا يعْجبُونَ مِنْهُ رَغْبَة فِي تألفهم ويفرح لفرحهم ويحزن لحزنهم وَقد ذكرت قصَّته مَعَ الاشرف فِي الْفَتْوَى عِنْد ذكر ابْن الْحكمِي فِي اهل زبيد والى ذَلِك اشار الْفَقِيه هَارُون السروي بقصيدته الَّتِي امتدحه بهَا فَقَالَ ... لما دَعَاهُ من الْمُلُوك مُعظم ... متغطرس وَجُنُوده افواج

    ان قَالَ للنَّفس اصْبِرِي لَا تجزعي ... لَو ثار من كره عَلَيْك عجاج ...

    . . فَلَا فتين بِصَحِيح مَا صححته ... لَو شاع ذَا مَا شاعه الحجا

    ان سادنا فلذي الْمنَار لجدنا ... غمدان سَاج رَأسه وزجاج

    كم من كريم فَاضل من مذْحج ... لَا ممعن هربا وَلَا هجهاج ... وَمِنْهَا فِي مدحه ايضا ... إِلَى ... وغلى الْمُهَيْمِن اشتكي من لوعتي ... فَعَسَى برأفته تقضي الْحَاج

    والى سلاله احْمَد علم الْهدى ... بل بحرنا المتغطمط المراج

    ناهيك من متهلل وعلينا ... بل بدرنا وسراجنا الْوَهَّاج

    حلف الزَّمَان أَله مبتوتة ... ليعقمن عَن مثله الأفراج

    كم معضل قد فكها بذكائه ... وسل الْمعِين فَفِيهِ مَا تحْتَاج

    افخر بِهِ من راسخ ومحقق ... متتوج ورعا وَنعم التَّاج

    اقْسمْ عَلَيْهِ ثَلَاثَة من بعده ... ذَر المدرة المنطيق والمسراج

    من حَضْرَة قدسية علوِيَّة ... لَا مصري ذُو النُّون يُشبههُ وَلَا الحلاج

    دُخُول فِي المعضلات وَقلت لَا ... احمق شرس وَلَا هراج

    لم يتق فِي الله لومة لايم ... لم يلف إمعة وَلَا لجلاج ... اوصافه جم وَإِنِّي مفحم ... يَا لَيْتَني الخطفا اَوْ العجاج ... قَوْله بامعة ماخوذة من قَول عَليّ كرم الله وَجهه وَهُوَ

    . . فلست بامعة فِي الرِّجَال ... اسايل هَذَا وَذَا مَا الْخَبَر ... وَمِنْهَا ... فَعَلَيهِ فِي رأد النَّهَار وَفِي الضُّحَى ... مني سَلام رِيحه أراج ... وَالْقَصِيدَة طَوِيلَة ذكرت الزّبد من ابياتها والغيت الزّبد وَلما صنف كِتَابه الْمعِين فاستطار فِي الْبلدَانِ امتدحه جمَاعَة من فضلاء الْعَصْر مِنْهُم الْفَقِيه احْمَد بن مَنْصُور الشمسي الْمدرس بمدرسة ضراس يَوْمئِذٍ الَّاتِي ذكره وَهُوَ مَا انشدني من لَفْظَة بمدرسة ضراس الَّتِي أنشأتها الْحرَّة ابْنة شرف الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن رَسُول لنَفسِهِ فِي صفر سنة سبع وَتِسْعين وستماية ... ان الْمعِين لعون يستضاء بِهِ ... احصى الْخلاف وَأبْدى الْآن مشكله

    لله لله مَا اهدى مُصَنفه ... للطالبين بَيَانا حِين اكمله

    خَاضَ التصانيف تَصْحِيحا ليودعه ... فِي ضمنه فَكفى عَنْهَا وسهله

    اعطاه مَوْلَاهُ يَوْم الْعرض مغْفرَة ... يُرْضِي بهَا وبدار الْخلد خوله ... وَمِنْهُم وَالِدي يُوسُف بن يَعْقُوب قَالَ فِيهِ أَيْضا ... فَازَ من ألف الْمعِين معينا ... موضحا للأنام نورا مُبينًا

    اودع الْبَحْر فِيهِ بَحر عُلُوم ... ملك الْفضل والعلى تمكينا

    قدوة الطالبين نور هدَاهُم ... وامام الْأَئِمَّة المنتهينا

    0 - مثله فِي الزَّمَان شمس نَهَار ... طلعت بعد ظلمَة الْجَهْل فِينَا

    يَا ضِيَاء الْهدى نصرت بن ادريس ... وبرهنت قَوْله تبيينا

    فَلَو ان الانام شكر اياديك ... ارادوا طرا لقالوا عيينا

    فابق فِي غرَّة الزَّمَان سعيدا ... وفريدا تقري الْعُلُوم منونا ...

    . . مَا تغنى على الاراك حمام ... وَسَقَانَا السَّحَاب مَاء معينا

    وعَلى الْمُصْطَفى الوف صَلَاة ... فِي الوف واله اجمعينا

    ابدا دايما دهورا مرورا ... وعَلى صَحبه مَعَ التابعينا ... وَكَانَ لاصحابه عِنْده مَحل وَعند النَّاس لَهُم قدر تفقه بِهِ جمَاعَة مِنْهُم عِيسَى بن مُحَمَّد بن ابي بكر وَسَعِيد العودري وَعمر الحبشي وَمُحَمّد بن جُبَير وَولده احْمَد واسماعيل بن احْمَد الخلي وَمُحَمّد بن عَليّ وَابْن عَمه محسن العماكريان وَعبد الله بن عمر من بني ايمن ثمَّ من العماقي وابو بكر بن الْمقري من تعز وابو بكر بن حَاتِم السَّلمَانِي وابو بكر المغربي من الْجند ويوسف بن النُّعْمَان كَذَلِك هَؤُلَاءِ الَّذين شهروا بِصُحْبَتِهِ وتفقهوا بِهِ وَقد أَخذ عَنهُ جمع كثير غَيرهم والزمه القَاضِي الملقب بالبهاء أَن يدرس بِالْمَدْرَسَةِ المظفرية بالمغربة فَأجَاب إِلَى ذل كودرس أَيَّامًا قَلَائِل ثمَّ عَاد نافرا بِغَيْر اذن القَاضِي وَلَا غَيره وَاخْتلف فِي سَبَب انْتِقَاله عَنْهَا فاخبرني اخوه ابراهيم انه قَالَ رَأَيْت تِلْكَ الْأَيَّام فِي النام وَالِدي دخل على مجْلِس الْمدرسَة فَقُمْت لأسلم عَلَيْهِ فحين دَنَوْت مِنْهُ قطب فِي وَجْهي وَلم يرد يصافحني فَاسْتَيْقَظت وَغلب على ظَنِّي ان سَبَب ذَلِك قبولي لطعام الْمدرسَة فَقُمْت بليلتي وسافرت وَقد روى غير ذَلِك وَمن غَرِيب مَا جرى لَهُ أَنه خرج الى ارْض لَهُ فِيهَا بتوله يحرث فَسَأَلَهُ هَل عِنْده مَاء فاشار البتول الى مَوضِع فقصده الْفَقِيه فَوجدَ عِنْده حنشا فَمَا تمالك ان قَتله واذا بِهِ يجد نَفسه فِي ارْض غَرِيبَة بَين اقوام لَهُم خلق غَرِيب وَمِنْهُم من يَقُول قتلت اخي وَفِيهِمْ من يَقُول قتلت ابْني واخر يَقُول قتلت ابي واخر يَقُول قتلت وَلَدي فَفَزعَ مِنْهُم فَزعًا شَدِيدا واذا بِرَجُل مِنْهُم يَقُول لي قل انا بِاللَّه وبالشرع قَالَ فَقلت ذَلِك واذا بِجَمَاعَة دفعُوا عني المتعلقين بِي وَقَالُوا امضوا بِهِ الى الشَّرْع فمضيت انا وهم حَتَّى اتينا دَارا فَخرج مِنْهُ شخص على هَيْئَة الرخم الْأَبْيَض فَقعدَ على شَيْء مُرْتَفع فَادّعى عَليّ بعض الْخُصُوم فَدَنَا مني

    صَاحِبي الأول وَقَالَ لي قل مَا قتلت لَا حنشا فَقلت كَمَا قَالَ لي فَقَالَ القَاضِي سَمِعت بأذني من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انه قَالَ من تشبه بِشَيْء من الْهَوَام فَقتل فَلَا قَود على قَاتله ولادية فاسقط مَا بايدي الْقَوْم واذا بِي قد صرت فِي موضعي وَكَانَ البتول قد رأى الْفَقِيه حِين وصل مَوضِع المَاء قد غَابَ سَاعَة جَيِّدَة ثمَّ ظهر قَالَ البتول فوصل إِلَيّ الْفَقِيه وَقَالَ يَا فلَان جرى لبَعض رعية الاجناد مَا هُوَ ذَا وَكَذَا وَاخْبَرْ بِمَا ذكرت فَعرفت انه هُوَ ذَا جرى لَهُ مَا جرى فَقلت لَهُ سَأَلتك بِاللَّه هَل هُوَ انت فَسكت وغالط بِحَدِيث آخر وَلما بلغ المظفر ذَلِك سَأَلَ عَن حَاله فَقيل هُوَ فَقِيه فَقَالَ الْحَمد الله الَّذِي جعل مثل هَذَا الرجل فِي بِلَادنَا وزماننا رجل عَالم زاهد متورع وَكَانَت لَهُ ارْض عَلَيْهَا خراج فَلَمَّا قدم الْفَقِيه الْمُحب الطَّبَرِيّ من مَكَّة الى تعز باستدعاء من السُّلْطَان المظفر واقام بهَا وَسمع الْفُقَهَاء عَلَيْهِ عدَّة كتب وَقَرَأَ عَلَيْهِ المظفر سَمَاعا كتبا من الحَدِيث وَالْفِقْه وَغَيرهمَا ثمَّ وصل اليه شَيخنَا وَقَرَأَ عَلَيْهِ من جملَة من قَرَأَ عَلَيْهِ ثمَّ اخبره بِحَدِيث الْخراج وانه يعجز عَنهُ فَأمره يكْتب ورقة الى المظفر فَفعل وَلما دخل على الْعَادة عرضهَا وَتكلم مَعهَا كلَاما لايقا بِالْوَقْتِ فَكتب لَهُ المظفر بمسامحتها فسومح وَلما كَانَ أَيَّام الْأَشْرَف وَحصل بَينهمَا الِاجْتِمَاع سَأَلَ الاشرف وَصَاحبه الْفَقِيه احْمَد هَل على الْفَقِيه الاصبحي من خراج قَالَ نعم قَالَ يكْتب الينا ورقة يعرفنا بِهِ فَكتب فامر النواب بمسامحته وَذَلِكَ بمبلغ كَبِير يزِيد على الْمُسَامحَة الْمُتَقَدّمَة مثل نصفهَا وَاسْتمرّ ذَلِك حَتَّى توفّي سنة تسع عشرَة غير كثير من المسامحات بقاع الْجند وَغَيره واريد تَغْيِير مسامحات هَذَا الْفَقِيه فقلق اهله وَكَتَبُوا الى السُّلْطَان الْمُؤَيد وتعلقوا بِمن ابلغ لَهُم الْقِصَّة وَعرض المسامحتين عَلَيْهِ وَهُوَ اذ ذَاك بزبيد فامر باجرى المظفرية دون الاشرفية فتعب اهله من ذَلِك تعبا شَدِيدا اذ كَانَت الاشرفية اكثر من المظفرية فَرَأى احدهم الْفَقِيه

    بالمنام يَقُول لَهُ يَا فلَان مَا اراد السُّلْطَان ان يكْتب لكم على الْمُسَامحَة الاشرفية هَاتِهَا الى ان اكْتُبْ لكم عَلَيْهَا فَلَمَّا طلع الصَّباح واشرقت الشَّمْس اذ بالمنادي على بَاب السُّلْطَان يُنَادي ايْنَ وَرَثَة الْفَقِيه الاصبحي يَأْتُوا بمسامحتهم فاظهروها وادخلت على السُّلْطَان فحين رأها كتب باجرائها مسرعا وَكَانَت لَهُ محفوظات من الاخبار والاثار والاشعار من ذَلِك مَا أنشدنيه من لَفظه للامام الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى فِي النَّهْي عَن اكل التُّرَاب ... دع الطين مُعْتَقدًا مذهبي ... فقد صد عَنهُ حَدِيث النَّبِي

    من الطين رَبِّي برا أدما ... وآكله آكل للاب ... وَله اخبار يطول تعدادها فِي الْوَرع والزهد وَخرج عَلَيْهِ قوم من الخرب لَيْلًا وَمَعَهُ جمَاعَة من اصحابه فاخذ على احدهم سَيْفا وَمنع من نَفسه وَمن اصحابه بعد ان قد خرج مِنْهُم ثمَّ هرب الخرب وَبَان لَهُم ان الْفَقِيه لَيْسَ هُوَ الَّذِي اغتروا بِهِ فوصلوا اليه واعترفوا بالْخَطَأ ثمَّ لم يكد تأت عَلَيْهِم سنة حَتَّى قد هَلَكُوا جمع وَلم يكن لَهُ فِي اخر عمره نَظِير فِي الْفِقْه وَالدّين والاخذ بِالسنةِ واتباالاثر اليه انْتَهَت الرياسة بالفقه فِي الْيمن اجْمَعْ وَكَانَ مُسَددًا بِالْجَوَابِ موفقا الى الصَّوَاب انْتفع بتصانيفه الْخَاص وَالْعَام وارتحل بهَا الى الْبعيد من الْبلدَانِ وجاوزت الى بِلَاد البيضان والسودان وعول عَلَيْهَا مِنْهُم كل انسان وَكَانَت وَفَاته لَيْلَة الاربعاء رَابِع عشر الْمحرم من سنة ثَلَاث وسبعماية وقبر الى جنب قبر ابيه قبلي الذنبتين وَحضر قبرانه غَالب اهل الْجند وَجَمَاعَة من اعيان فُقَهَاء تعز كالفقيه احْمَد بن الصفي وَغَيره

    وَكَانَ حَاضر الصلوة مَا يزِيد على ثَلَاثَة الف شخص من النَّاس وأمهم بالصلوة عَلَيْهِ وَلَده مُحَمَّد وانزله قَبره احْمَد بن الصفي الْآتِي ذكره فِي أهل تعز اذ كَانَ بَينهمَا صُحْبَة اكيدة مَعَ جمَاعَة وَاجْتمعَ النَّاس للْقِرَاءَة عَلَيْهِ ثَلَاثَة ايام

    وَمِنْهُم وَلَده مُحَمَّد مولده رَجَب سَابِع عشرَة سنة خمس وَسبعين وستماية خلف اباه فِي التدريس وَعَكَفَ أَصْحَابه عَلَيْهِ وَحج بعد موت أَبِيه ثمَّ لما عَاد من الْحَج لبث مُدَّة وَكَانَ للوزراء بني مُحَمَّد بن عمر صيت بالقرية فَجعلُوا يشوشون عَلَيْهِ ويؤذونه وَرُبمَا دخل بعض غلمانهم بَيته وسرق شَيْئا واشتكى فَلم ينصف وَمَا زَالُوا يكررون ذَلِك حَتَّى ضجر وَخرج عَن الْقرْيَة مُهَاجرا إِلَى نَاحيَة حجر فَأَقَامَ بهَا بقرية الظَّاهِر مَعَ الْفَقِيه عبد الرَّحْمَن الْآتِي ذكره سِنِين وَاقْبَلْ أهل تِلْكَ النَّاحِيَة عَلَيْهِ إقبالا حسنا ثمَّ عَاد بَلَده بعد أَن اضمحل أَمر الوزراء وَمَات عقيب سَفَره من الْبَلَد الْوَزير وَأَبْنَاء أَخِيه مُحَمَّد وَعلي أبنا أَحْمد ثمَّ لما صَار الْقَضَاء إِلَى ابْن الأديب وبلغه انْقِطَاع هَذَا عَن الْأَسْبَاب وَحَاجته إِلَيْهَا رتبه فِي الْمدرسَة المنصورية بمغربة تعز تفرد بالغرابية فَلبث بهَا سنينا ثمَّ فَصله وَعَاد بَلَده فَتوفي بهَا فِي شهر جمادي الْآخِرَة سنة سبع عشرَة وسبعماية وَهُوَ آخر الأصابح فقها

    وَمِنْهُم عبد الْوَهَّاب ابْن الْفَقِيه بن أبي بكر بن نَاصِر مقدم الذّكر تفقه بِمُحَمد بن أبي بكر الأصبحي غَالِبا وتفقه بِهِ شَيخنَا أَبُو الْحسن الاصبحي فِي بدايته أَخذ عَنهُ الْمُهَذّب والفرائض للصردفي وَكَانَ يثني عَلَيْهِ وَيَقُول انتفعت بِالْقِرَاءَةِ عَلَيْهِ انتفاعا جيدا وَكَانَت وَفَاته بخبت البزوا حَاجا لم أتحقق تَارِيخه وَإِنَّمَا اخرت ذكره لِئَلَّا ادخل بَين فُقَهَاء الاصابح ذكر غَيرهم مِمَّن عاصرهم ثمَّ صَار الْفِقْه بطبقة أُخْرَى مَعَ جمَاعَة مِنْهُم يُوسُف بن أَحْمد بن الْفَقِيه حُسَيْن العديني مقدم الذّكر أَولا تفقه بشيخنا أبي الْحسن الاصبحي ولي قَضَاء بعض بلد مذْحج وَكَانَ يخْتَلف إِلَيْهَا من الذنبتين تَارَة فَتَارَة وَكَانَ فَقِيها فَاضلا بالفقه والفرائض وَكَانَ رَفِيق شَيخنَا إِلَى تهامه حِين قَرَأَ فِيهَا الْخُلَاصَة على ابْن عَاصِم بزبيد كَمَا قدمنَا وزار الإِمَام ابْن

    عجيل وَتُوفِّي بقرية الذنبتين لاربع بَقينَ من ربيع الآخر أحد شهور سنة خمس وَتِسْعين وستماية

    وَمِنْهُم عَليّ بن مُحَمَّد الأصبحي تفقه بشيخنا أبي الْحسن تفقها جيدا ثمَّ صَار إِلَى زبيد فتفقه بِبَعْض فقهائها وَهُوَ على ذَاك يسكن بزبيد إِلَى عصرنا سنة ثَلَاث وَعشْرين وَسَبْعمائة

    وَمِنْهُم أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن أَحْمد صنو شَيخنَا أبي الْحسن مولده تَاسِع ربيع الأول من سنة احدى وَسبعين وستماية تفقه فِي بدايته بأَخيه ثمَّ ارتحل إِلَى أبين فَقَرَأَ عَليّ ابْن الأديب وتفقه فِي أبين وعدن ولحج إِذْ كَانَ يتَرَدَّد بَينهمَا فَانْتَفع بِالْقِرَاءَةِ عَلَيْهِ انتفاعا كليا أَخذ عَنهُ الْمُهَذّب والتنبيه والوسيط واللمع ثمَّ عَاد بَلَده وَأقَام يقري مُدَّة فِي الْمَسْجِد بالذنبتين من وَصله ثمَّ لما اشْتَدَّ بِهِ الْفقر صَار إِلَى تعز فدرس بهَا فِي مدرسة من مدارسها حَتَّى كَانَ آخِره امْرَهْ يدرس بِالْمَدْرَسَةِ الجديدة بالحميري إِلَى أَن توفّي وَهَذِه الْمدرسَة الْمَذْكُورَة تنْسب إِلَى الْحرَّة مَرْيَم ابنت الشَّمْس الْعَفِيف زوج السُّلْطَان المظفر وَكَانَت من أخيار النِّسَاء لَهَا مآثر جَيِّدَة مِنْهَا هَذِه الْمدرسَة ثمَّ أُخْرَى بزبيد ثمَّ أُخْرَى بِذِي عقيب وَهِي الَّتِي دفنت بهَا وَدَار مضيف ووقفت على ذَلِك املاكا جليلة الْخطر وَغَيرهَا لَكِن أغرى حكام السوء إِلَى الْمُلُوك بإفسادها وَكَانَت وفاتها بِذِي جبلة فِي جمادي الأولى سنة ثَلَاث عشرَة وَسَبْعمائة

    وَإِنَّمَا كَانَ مصيره إِلَى تعز حِين صَار ابْن الأديب قَاضِي الْقُضَاة قانه يوالي الأصابح ورتبهم فِي مَوَاضِع انتفعوا بهَا بِخِلَاف مَا كَانَ حَالهم مَعَ غَيره وَكَانَ هَذَا إِبْرَاهِيم تقيا متنسكا لَهُ دين لم يعرف لَهُ صبوة وَكَانَ من أهل المرؤة وَمن أحسن من صحب وَفَاء ومحبة وصفاء للمصاحبة إِلَى أَن توفّي سَابِع وَعشْرين من رَمَضَان

    سنة ثَمَانِي وَعشْرين وَسبع مائَة وَكَانَ لَهُ أَخ اسْمه عمر يحفظ كتاب الله وَقَرَأَ بعض كتب الْفِقْه ورتبه إِبْنِ الأديب فِي خطابة الْجند فَلم يزل عَلَيْهَا حَتَّى توفّي قبل أَخِيه إِبْرَاهِيم بأيام قَليلَة توفّي ثامن رَمَضَان وَكَانَا شقيقين

    وَمِنْهُم مُحَمَّد ابْن أَحْمد بن أسعد الشبرمي بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَضم الرَّاء ثمَّ مِيم وياء نسب نِسْبَة لَهُ إِلَى قوم كَانُوا يسكنون الذنبتين ويعانون الْكِتَابَة كَانَ هَذَا فَقِيها مُجْتَهدا فِي قِرَاءَة الْعلم يقْرَأ الدَّرْس مِائَتَيْنِ وَخمسين شرفا وَكَانَ صَالحا متعبدا تفقه بشيخنا أبي الْحسن وسمعته يثني عَلَيْهِ بِالِاجْتِهَادِ بِالْعلمِ وَتزَوج بِامْرَأَة من الْفُقَهَاء بني عَلْقَمَة أهل ذِي السفال الْمُقدم ذكرهم فَاتَت لَهُ بِولد اسْمه عبد الله يسكن الْآن الْجند يتعاني التِّجَارَة فِيهِ خير وَبَعض اشْتِغَال بِالْعلمِ توفّي وَالِده لنيف وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة تَقْرِيبًا

    وَمِنْهُم مُحَمَّد بن عَليّ بن جُبَير مولده ربيع الآخر من سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وسِتمِائَة تفقه فِي بدايته بخاله الْفَقِيه مُحَمَّد الأصبحي مقدم الذّكر ثمَّ بشيخنا أبي الْحسن ثمَّ بِصَالح بن عمر ثمَّ بفقهاء تعز كَابْن الصفي وَابْن النَّحْوِيّ وَغَيرهمَا ثمَّ ارتحل إِلَى عدن فادرك بهَا شَيْخي أَبَا الْعَبَّاس الْحرَازِي وشيخي أَبَا الْعَبَّاس الْقزْوِينِي الْآتِي ذكرهمَا فاخذ عَنْهُمَا وَأخذ صَحِيح مُسلم عَن التَّاجِر الْمَعْرُوف بالشهاب صقر التكريتي لعلو سَنَده فِيهِ عَن ابْن مُضر ثمَّ عَاد بَلَده وَلما توفّي الْفَقِيه إِبْرَاهِيم الأصبحي مقدم الذّكر آنِفا جعل ابْن الأديب هَذَا مَكَانَهُ فِي الْمدرسَة الجديدة بحافة الْحِمْيَرِي وَهُوَ على ذَلِك إِلَى أَن توفّي فِي شهر الْمحرم أَو عَرَفَة سنة ثَلَاث وَعشْرين وسبعماية

    وَمن الواردين إِلَيْهَا جمَاعَة فهم أَحْمد بن عبد الله الجبرتي أَصله من جبرة نَاحيَة الْحَبَشَة ثمَّ قدم سير طَالبا للْعلم

    فاقام بالمصنعة وَقَرَأَ على الْفَقِيه مُحَمَّد بن أبي بكر الأصحبي فتفقه بِهِ ثمَّ بتلميذه شَيخنَا أبي الْحسن ورتبة القَاضِي إِمَامًا بَقِيَّة جعلوها مَسْجِدا ثمَّ لم اخْرُجُوا عَن سير خرج هَذَا الْفَقِيه وَقدم الذنبتين وَكَانَ فَقِيها فَاضلا توفّي بالقرية سنة تسع وسبعماية وقبر على قرب من قبر تربة شَيْخي أبي الْحسن وَمِنْهُم سعيد إِبْنِ عمرَان بن سُلَيْمَان العودري وَقد ذكرته من أهل ذِي اشرق وعَلى قرب من قَرْيَة الذنبتين الْقرْيَة الَّتِي تعرف بالعماكر بهَا جمَاعَة مِنْهُم مُحَمَّد بن عَليّ بن عِيسَى العكاري من قوم يُقَال لَهُم الأعكور يرجعُونَ إِلَى السكاسك تفقه بشيخنا أبي الْحسن وَكَانَ خيرا حج مَكَّة فَدَخلَهَا محرما بِالْعُمْرَةِ ثمَّ سَافر للزيارة وزار الضريح وَتُوفِّي بوادي مر عايدا من يثرب فِي شهر الْقعدَة من سنة أحدى وسبعماية

    وَمِنْهُم ابْن عَمه حسن بن مُحَمَّد بن عمر مولده جمادي الْآخِرَة من سنة سبع وَسبعين وستماية وَأخذ فِي بدايته عَن شَيخنَا أبي الْحسن ثمَّ لما توفّي انْتقل إِلَى قَرْيَة ذِي السفال فاكمل قِرَاءَته على الْفَقِيه الصَّالح الْآتِي ذكره وَولي خطابة الْجند وَهُوَ امثل من يشار إِلَيْهِ الْآن بِمَعْرِِفَة الْفِقْه فِي بادية الْجند ودرس مُدَّة بِذِي اشرق باستدعاء أَهلهَا وَتُوفِّي ضحوة يَوْم الثُّلَاثَاء حادي عشر ربيع الأول سنة خمس وَعشْرين وسبعماية وَحَضَرت مَعَ جمَاعَة من أهل بلدنا الْجند قبرانه وغالب الْقِرَاءَة عَلَيْهِ ثَلَاثًا وَمِنْهُم أخوة حُسَيْن تفقه بِهِ وَهُوَ الْآن القَاضِي بالجند محن بِهِ أهل الْجند كَمَا محنوا بِابْن قَيْصر قبله ثمَّ عزل بعد ذَلِك وَمن الْقرى العماقي كَانَ بهَا جمَاعَة مِنْهُم أَبُو مُحَمَّد الْحسن ابْن رَاشد بن سَالم بن رَاشد بن حسن الْمُقدم ذكره فِي مدرستي مصنعة سير كَانَ فَقِيها كَبِيرا تفقه بِمُحَمد بن أَحْمد بن جديل بسهفنة

    وَأقَام يدرس بالمصنعة مُدَّة فتفقه بِهِ خلق كثير فهم القَاضِي الْبَهَاء وأخويه وَابْن عمهم قَاضِي الْقُضَاة مُحَمَّد بن أبي بكر وَعنهُ أَخذ الْخَطِيب عَليّ بن عمر العميدي وَأَبُو بكر بن نَاصِر وَكَانَ مَسْكَنه بعائلته فِي هَذِه الْقرْيَة ويتررد بَينهَا وَبَين المصنعة وأحس لَيْلَة فِي بَيته بلصوص فَقَامَ ليصدهم فوقعوا بِهِ وجرحوه فَلبث أَيَّامًا وَتُوفِّي فِي سلخ جُمَادَى الأولى سنة ثَمَانِي وَثَلَاثِينَ وستماية وَدفن فِي الْمقْبرَة الشرقية من مَقَابِر الْقرْيَة تعرف بشعب الدَّار وقبره من الْقُبُور المزورة زَارَهُ المظفر وَالْقَاضِي الْبَهَاء من الْجند وتبركا بِهِ وَكَانَ لَهُ أَخ اسْمه عبد الله عَنهُ يروي ابْن نَاصِر التَّنْبِيه وَلم أكد أتحقق من نَعته شَيْئا غير مَا رَأَيْت ابْن نَاصِر يروي عَنهُ وَهَذَا يدل على جلالة قدره وَكَانَ لَهُ ابْن اسْمه مُحَمَّد كَانَ فَاضلا جرى بَينه وَبَين الزيدية مناظرات وقطعهم ثمَّ أَنهم سموهُ فَتوفي وَله ذُرِّيَّة بدمنة ذِي أشرق

    ثمَّ بِذِي اشرق وَمِنْهَا مُحَمَّد بن ايمن وَولده أَبُو بكر كَانَ مُحَمَّد فَقِيها فَاضلا عَارِفًا صَالحا صَاحب كرامات واما وَلَده أَبُو بكر فلحظته بركته

    وَمِنْهُم عبد الله بن عمر العشاني من بني أَيمن أَيْضا قوم الْفَقِيه عبد الله الهرمي مقدم الذّكر والعشاني بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح الشين الْمُعْجَمَة ثمَّ ألف ثمَّ نون ثمَّ يَاء نسب نسبته إِلَى قوم يعْرفُونَ بالعشنة قَالَ ابْن سَمُرَة نسبهم فِي نزار

    ثمَّ يَليهَا قَرْيَة الذكره كَانَ بهَا جمَاعَة

    مِنْهُم احْمَد بن حَمْزَة بن عَليّ بن حُسَيْن الهرمي ثمَّ السكْسكِي كَانَ فَقِيها فَاضلا متأدبا ورعا وَرُبمَا قَالَ شَيْئا من الشّعْر من ذَلِك قصيدته الَّتِي رَحل بهَا إِلَى مَكَّة من قريته فَقَالَ ... هَل شمت برقا بالشأم القارب ... متلملما مثل اخْتِلَاج الْحَاجِب ...

    . . لما سرى طَار الْكرَى من مقلتي ... وأثار شوقا كامنا بجوانبي

    وَذكرت مَكَّة وَالنَّبِيّ بِيَثْرِب ... فرفضت اولادي وعفت مكاسبي

    وَتركت بالاجناد ربعا آهلا ... واعضت مِنْهُ بطن خبت لاحب

    وشققت برد اللَّيْل اسود حالك ... بمناسم لأيانق وغوارب

    جَازَت من الحوبان وَهِي مغذة ... وتعز كالمريخ بَين كواكب

    اَوْ كالثريا والديار نَحْو لَهَا ... متوقدا اَوْ كالشواظ اللاهب

    جَازَت حبيلا والدمينه بعده ... والبئر فِي المرهوب ري الشَّارِب

    مرت بِنَخْل وَهِي تنفخ فِي البرى ... ويحن للحبا غير حواصب ... وَهِي كَبِيرَة تزيد على سبعين بَيْتا وَسمعتهَا مَعَ جمَاعَة كثيرين مَحْفُوظَة وَكَانَت مدرسته بحصن الظفر احدثها الشَّيْخ عبد الْوَهَّاب ابْن رشيد الْمُقدم ذكره ثمَّ توفّي فِي بَلَده وقريته فِي شهر صفر منسنة ارْبَعْ وَثَمَانِينَ وستماية وَخلف جمَاعَة اولاد غالبهم ذُو دين وَحفظ لكتاب الله تَعَالَى يتعانون الزِّرَاعَة

    وَمِنْهُم عَليّ بن ربيع عرف بالمقري كَانَ فَقِيها بالقراءات واصله من نَاحيَة الْمشرق وقراءته الْقُرْآن بمدينته جبا الْمُقدم ذكرهَا وَتُوفِّي بالقرية لَا أعرف تَارِيخه وَمن وَمن اليهاقر قد ذكر ابْن سَمُرَة مِنْهُم جمَاعَة وذكرتهم وَقد تقدم ضَبطهَا فَمن المتاخرين عَنْهُم جمَاعَة مِنْهُم احْمَد بن ابي بكر بن احْمَد ابْن ابي الْقَاسِم الفايشي قد تقدم ذكره فِي مدرسي الْجند تفقه بيحي بن مُحَمَّد بن فليح الْمَذْكُور فِي اهل الْجند وَبِغَيْرِهِ مِنْهُم واخذ النَّحْو عَن عُثْمَان بن رفيد من زبران وَتُوفِّي سنة تسع وَثَمَانِينَ وستماية بالقرية وقبره فِي مقبرتها الْقبلية وَقد ذكرته فِي أهل الْجند اذ درس بهَا سِنِين كَثِيرَة فِي الْمدرسَة المنصورية وَمِنْهُم أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد بن جَابر بن اِسْعَدْ بن ابي الْخَيْر العودري ثمَّ السكسي عرف بالرباعي اذ كَانَت لَهُ ارْبَعْ

    اصابع تفقه بفقهاء الْجند كابراهيم بن عِيسَى وَغَيره وَأخذ النَّحْو عَن احْمَد بن أبي بكر وَغَيره وَسمع كتب الحَدِيث على عبد الله بن عمرَان الْخَولَانِيّ وَحصل بَينه وَبَين بعض اهل قريته وَحْشَة نفر بِسَبَبِهَا الى الْبَلَد الْعليا فَعلم للشريف عَليّ ابْن عبد الله ولديه ادريس وَدَاوُد وحصلت لَهُ شَفَقَة كُلية من الشريف واقام مَعَه مُدَّة سِنِين فَانْتَفع اولاده بِهِ وقرأوا الْقُرْآن والنحو واستخلص خراج ارضه من السُّلْطَان فَلم تزل مسموحة حَتَّى توفّي

    عَنهُ أخذت عَنهُ بعض الْجمل وَهُوَ احسن من رَأَيْته يدرس النَّحْو من أهل الْيمن وَجمع كتبا كَثِيرَة فِي الْأَدَب وَغَيره وَكَانَت وَفَاته منتصف صفر من سنة احدى عشرَة وَسبع مية وَقد عرض مَعَ ذكره ذكر الشريف فَهُوَ أحد اعيان الزَّمَان فَهُوَ ابو الْحسن عَليّ بن عبد الله بن حسن بن حَمْزَة كَانَ فَارِسًا شجاعا كَرِيمًا صحب الْملك المظفر ولاذ بِهِ فاحبه وَرَفعه لَهُ طبلخانه ولقبه بِجَمَال الدّين وَذَلِكَ عَاشر الْمحرم من سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وستماية وَلم يزل على الاعزاز حَتَّى توفّي المظفر بتاريخه الَّاتِي ذكره ثمَّ لما صَار الْملك إِلَى الاشرف ونازعه فِيهِ أَخُوهُ الْمُؤَيد استنجد بِهَذَا على فانجده بِجَيْش جيد وَنزل الى لحج فانكسر عَسْكَر الْمُؤَيد وَقبض فأنعم الاشرف على هَذَا الشريف بنعم كَثِيرَة مِنْهَا حصنان فِي بَلَده يعرفان بالعظيمة والميقاع فطلع من الْيمن وقبضهما وعتب الناسعلى الاشرف بذلك فملا صَار الْملك الى الْمُؤَيد بعد وَفَاة الاشرف لم يكن لَهُ مخرج إِلَّا فِي طلبهما فَخرج فِي سنة تسع وَتِسْعين وستماية وحاضره فيهمَا أَرْبَعَة أشهر ثمَّ تركا عداله على يَد وَلَده ادريس ثمَّ نزل الشريف صُحْبَة السُّلْطَان الى الْيمن ثمَّ نزل مَعَه تهَامَة ثمَّ عَاد الى تعز ثمَّ طلع الى بَلْدَة فَتوفي بهَا سنة ثَمَانِي وَتِسْعين وستماية ثمَّ ان وَلَده ادريس نزل الى السُّلْطَان الْمُؤَيد وَسلم لَهُ الحصنين

    فَرفع لَهُ السُّلْطَان طبلخانه كَمَا كَانَ لابيه واقطعه بتهامة اقطاعا جاملا وَلم يزل على الاعزاز والاكرام وَكَانَ فَاضلا بِفقه مَذْهَب الزيدية واصولهم عَارِفًا بالنحو معرفَة شافية وَله شعر جيد ودراية بالتاريخ وَله فِيهِ تصنيف شافي جمعه باشارة الْملك الْمُؤَيد وَكَانَ شجاعا جوادا

    لَا يكنز درهما سَمِعت كثيرا من النَّاس يفضلونه على ابيه بالشجاعة وَالْكَرم اما الْعلم فَأهل مَذْهَبهم يَقُولُونَ لَو كَانَت امهِ شريفة لَاسْتَحَقَّ الامامة وَكَانَت وَفَاته بتعز لَيْلَة السبت الْعشْرين من ربيع الاخر سنة ارْبَعْ عشرَة وسبعماية

    وَنَرْجِع الى ذكر تَتِمَّة الْفُقَهَاء باليهاقر مِنْهُم قَاسم بن عَليّ ابْن قَاسم الْمُقدم ذكره فِي مدرسي الْجند وقضاتهم

    وَمن قَرْيَة السمكر جمَاعَة مِنْهُم وحيش بن مُحَمَّد بن أسعد بن الْفَقِيه مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب نِسْبَة الى الاجعود الَّذِي ذكره ابْن سَمُرَة مولده سنة سِتّ وَعشْرين وستماية وَكَانَ من اهل المروات والديانات وَله مُشَاركَة بِالْعلمِ اراها كَانَت زهيدة لَكِن استصحب اسْم الْفَقِيه على الْعَادة وَمن ذَرَارِي الْفُقَهَاء وَقد بيّنت كَيْفيَّة ذَلِك فِي مَوَاضِع عدَّة وَكَانَ لَهُ عَم اسْمه عمر بن اِسْعَدْ سلك طَرِيق الْجد فِي الْعِبَادَة فارتقا بذلك الى حَالَة تخيل بِحَيْثُ كَانَ يخبر انه الفاطمي صَاحب الزَّمَان المنتظر فَبلغ عمر بن الرَّسُول ذَلِك فخشي ان يحدث مِنْهُ كَمَا حدث من مرغم الصُّوفِي فِي ايام المسعود بن الْكَامِل فاستدعاه الى تعز وَسَأَلَهُ عَمَّا نقل عَنهُ فَقَالَ نعم فامر بِهِ فشنق بالميدان حسما لمادة المتعبدين لمن ادعا ذَلِك وَتُوفِّي وحيش بالقرية وَخلف ابْنَيْنِ وهما يُوسُف وَمُحَمّد تعانيا خدمَة الْمُلُوك وثباتهم على ارضهم فَتوفي مُحَمَّد وَهُوَ الاكبر لبضع وسبعماية ويوسف فِي الْقعدَة سنة اثنى عشرَة وَلَهُمَا ذُرِّيَّة بالقرية سلكوا طريقهما وهم باقون عَلَيْهَا الى سنة ثَلَاث وَعشْرين وسبعماية

    وَمِنْهُم ابو السمو الْعلَا بن عبد الله بن مُحَمَّد بن الْعلَا الوليدي الْحِمْيَرِي يُقَال ان جده الامير اِسْعَدْ الَّذِي ذكره ابْن سَمُرَة وانه قتل بَين الْبَابَيْنِ فِي حصن تعز وَاصل مسكن هَذَا فِي عفينه بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وخفض الْفَاء ثمَّ يَاء مثناة من تَحت سَاكِنة ثمَّ نون مَفْتُوحَة ثمَّ هَاء وَهِي من معشار تعز بهَا جمَاعَة من قومه الى الان يعْرفُونَ بالاخاضر أهل رياسة وَكَانَ يُقَال لَهُ السُّلْطَان علا يعرف بذلك وانتقل الى ذِي السمكر فَكَانَ يخْتَلف إِلَى الْجند وزبران وَغَيرهمَا وجبلة وتعز وجبا ونواحيها فاخذ بالجند عَن ابْن المبردع ابراهيم وَغَيره وبزبران عَن ابْن رفيد وبتعز عَن عَليّ السرددي وَغَيره وبنواحي جبا عَن الشَّيْخ احْمَد بن علوان الْمُقدم ذكره وبجبلة عَن مُحَمَّد بن مِصْبَاح وَكَانَ رجلا صَالحا بورك لَهُ فِي دينه ودنياه وَكَانَ الشَّيْخ ابْن علوان يثني عَلَيْهِ ويوده واجازه بِجَمِيعِ مقرؤاته ومنظوماته ومنثوراته وَمن عَجِيب مَا رَوَاهُ عَن الشَّيْخ احْمَد بن علوان مَا ذكرته عِنْد ذكره حِين سَأَلَهُ عَن ارجا اية فِي الْقُرْآن وَمن عَظِيم مَا كَانَ بَينه وَبَين الشَّيْخ من الالفة انه كَانَ مَتى انْقَطع عَن الرواح اليه وَصله الى السمكر ولبث عِنْده اياما وَكَانَ صَاحب محفوظات وَرِوَايَات من الاشعار والاخبار ماهرا بفن الادب وَعنهُ اخذ وَالِدي وَمن عَجِيب مَا يذكر عَنهُ انه كَانَ لَا يزرع ارضه الا على حِسَاب فَكَانَ لَا يكَاد يَأْتِيهِ من ارضه شَيْء وَكَانَ غَالب احواله ان يَشْتَرِي الوجيم فَقَالَ لَهُ بعض اصحابه يَا فَقِيه دع عَنْك التنجيم فِي هَذِه السّنة وازرع توكلا على الله لَا على النَّجْم فَوَقع ذَلِك فِي نَفسه فَلَمَّا كَانَ وَقت الزِّرَاعَة امْر البتول مَتى رأى النَّاس قد سرحوا يذرون سرح مَعَهم وذرا فَفِي اول سنة فعل ذَلِك فَجْأَة زرع كثير وغلة جَيِّدَة فاستمر على ذَلِك حَتَّى توفّي على ذَلِك رَأس ثَمَانِينَ وستماية وَمِمَّنْ وردهَا سعيد بن اِسْعَدْ بن عَليّ

    الْحرَازِي النّسَب وَاصل بَلَده قَرْيَة المشراح بِرَأْس وَادي نخلان قَرَأَ الْقُرْآن بذى اشرق وَتعلم الْخط وَكَانَ حسن الصَّوْت فاستدعاه الدَّار النجمي الى ذِي جبلة فَصَارَ معلما مَعَهم وَكَانَ المظفر يخْتَلف اليهم فحصلت بَينه وَبَينه معرفَة فَلَمَّا صَار الْملك اليه سَأَلَ من عمته الدَّار النجمي ان تؤثره بِهِ فَفعلت فَجعله معلما لوَلَده الاشرف فَلم يزل مَعَه ونال نَصِيبا وفرا من دُنْيَاهُ وَكَانَ كثيرا مَا يصده عَن امور غير لايقة حَتَّى انه لما توفّي ترحم عَلَيْهِ الاشرف وَقَالَ لقد كَانَ يردنا عَمَّا لَا يَلِيق وَهُوَ الَّذِي عمل الْحَوْض بسفل النقيل الاسفل من النقيلين وجر اليه المَاء وَكَانَ الْغَالِب عَلَيْهِ الْخَيْر وصحبة الْفَقِيه اسماعيل الْحَضْرَمِيّ وامثاله ومحاضره عِنْد الاشرف جَيِّدَة وَسبب سكناهُ للسمكر زواجه لأم أَوْلَاده مِنْهَا فَلم يزل بهَا حَتَّى توفّي فِي شهر شَوَّال سنة ثَمَانِي وَسبعين وستماية وَخلف أَوْلَادًا جمَاعَة أكبرهم عمر اقام على خدمَة الاشرف بالجندية والمنادمة سِنِين ثمَّ صحب الْفَقِيه ابا بكر التعزي الَّاتِي ذكره وشغف بِهِ فَترك الْخدمَة وتزهد وَتعبد وَصَارَ لَهُ بذلك ذكر مستفيض ثمَّ بعد ذَلِك سلك طَرِيق النَّاس الْمُعْتَادَة من الزِّرَاعَة وَغَيرهَا الى ان توفّي نَهَار الاحد لعشر بَقينَ من جمادي الاولى سنة سبع وسبعماية والاخر كَانَ اسْمه عَليّ كَانَ كثير التِّلَاوَة لِلْقُرْآنِ واعتزال النَّاس حَتَّى توفّي على ذَلِك سنة سِتّ عشرَة وسبعماية ثمَّ اصغرهم رجل يعرف بِمُحَمد الشَّعْبَانِي تولى وقوفات الْجند ضمانا ونياية مُدَّة ثمَّ انْفَصل

    وَمِنْهُم عمر بن مُحَمَّد بن مَسْعُود الحجري بَلَدا تفقه فِي بدايته باسماعيل الخلي الَّاتِي ذكره ثمَّ

    لما صَار بالسمكر بسؤال من اهلها درس على الْفَقِيه صَالح وَجعل يخْتَلف اليه من السمكر حَتَّى أكمل قِرَاءَته وتفقه ثمَّ لما ولي ابْن الأديب الْقَضَاء جعله قَاضِيا بالقرية فَلبث على ذَلِك نَحْو سنة ثمَّ انْفَصل وَبَقِي على التدريس بالجامع والخطابة حَتَّى توفّي فِي منتصف شعْبَان سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وسبعماية

    وَمن الجبى بِضَم الْجِيم بعد الف وَلَام وخفض الْبَاء الْمُوَحدَة مُشَدّدَة ثمَّ يَاء مثناة من تَحت سَاكِنة كَانَ بهَا من اهلها فَقِيه اسْمه ابو بكر بن عِيسَى تفقه بَاهل الْجند وَمَات قبل كَمَال تفقهه على طَرِيق مرضِي وَله ولد اسْمه يُوسُف يحفظ كتاب الله تَعَالَى ويشتغل بِمَا يُعينهُ فِي دينه ودنياه ونسبهم من قوم يُقَال لَهُم بَنو حسان يرجعُونَ الى الاساودة وَمِمَّنْ تديرها ابو الْحسن احْمَد بن الْفَقِيه على الْجُنَيْد ابْن الْفَقِيه احْمَد بن الْفَقِيه مُحَمَّد بن مَنْصُور بن الْجُنَيْد الَّذِي ذكره ابْن سَمُرَة وانه توفّي قَافِلًا من الْحَج بالسرين ووالد هَذَا قد ذكرته فِي اهل ذِي اشرق وجده احْمَد قد ذكرته فِي اهل ذِي اشرق فَمِمَّنْ اخذ عَنهُ القَاضِي عبد الله بن عَليّ العرشاني وَكَانَ مولده بِشَهْر صفر من سنة تسع وَخمسين وستماية وَلما توفّي وَالِده بتعز كَمَا قدمت بَيَان ذَلِك ترَتّب هَذَا معيدا بِالْمَدْرَسَةِ الَّتِي كَانَ ابوه مدرسا بهَا وَهِي الاسدية الْمُقدم ذكرهَا وحدب الْفَقِيه ابو بكر التعزي عَلَيْهِ وَعلي اخوته مُرَاعَاة لصحبة ابيهم واشفق عَلَيْهِم وَلما صَار الْمُؤَيد سَاكِنا بِالْقربِ مِنْهُم دَعَتْهُ نَفسه الى قِرَاءَة الْعلم فَسَأَلَ عَن فَقِيه صَالح يقْرَأ عَلَيْهِ فارشد الى الْفَقِيه مُحَمَّد بن عَبَّاس التبعي الَّاتِي ذكره فِي اهل تعز فاستدعي بِهِ وعرفه فَقَالَ حَتَّى استخير الله تَعَالَى ثمَّ خرج وَبعد ايام كتب اليه الْمُؤَيد فَكتب اليه يعتذره من ذَلِك وَيَقُول إِن لم أترك خرجت من الْيمن وان كَانَ وَلَا بُد لمولانا من رجل يقرا عَلَيْهِ فَعَلَيهِ بِولد الْفَقِيه عَليّ الْجُنَيْد فَقِيه بركَة وَخير وَكَمَال فاستدعاه الْمُؤَيد وَعرف بغرضه

    فَقَالَ اشتور وَالِدي يَعْنِي بِهِ الْفَقِيه ابا بكر بن مُحَمَّد التعزي الَّاتِي ذكره فَقَالَ الم يذكر لنا ان والدك توفّي فاخبره بِمن يَعْنِي ثمَّ خرج وَاسْتَشَارَ الْفَقِيه ابا بكر فامره بذلك واشار عَلَيْهِ بِهِ فَحصل بَينهمَا أنس وتآلف بِحَيْثُ صَار يركب بركوب السُّلْطَان وَلما طلع صنعاء طلع مَعَه بالبغلة ذَات الزنار كَمَا يركب الوزراء وَكَانَ النَّاس فِي صنعاء يصلونَ بَابه يصيحون لَهُ كَمَا يَفْعَلُونَ مَعَ الوزراء وَلم يزل فِي مُلَازمَة الصُّحْبَة حَتَّى سَافر الْمُؤَيد الشحر سنة ارْبَعْ وَتِسْعين وستماية فَتَأَخر هَذَا عَنهُ بِالْيمن فَلَمَّا حدث بَينه وَبَين اخيه الاشرف مَا حدث وَلزِمَ الْمُؤَيد قَرْيَة الدعيس على مَا سَيَأْتِي بَيَانه بالتاريخ نفر عَن تعز كل من كَانَ ينْسب الى الْمُؤَيد كَهَذا والفقيه ابي بكر بن مُحَمَّد واخوته وَجَمَاعَة من اصحابهم فلحق هَذَا بشجيتة بلد الْفُقَهَاء بني البَجلِيّ الَّاتِي ذكرهَا فَلَمَّا صَار الْملك الى الْمُؤَيد وصل هَذَا اليه فَجعل يترشح بِحَالهِ الاول من ركُوب البغلة وَالِاخْتِلَاف للمشورة وَالنَّاس يدْخلُونَ كل صباح اليه يصيحون اذ غلب على ظنهم انه الْوَزير وَالْقَاضِي مُسْتَمر على الوزارة

    الظَّاهِرَة والفقيه ابو بكر اذ ذَلِك غايب فيناحية وصاب فاستدعاه السُّلْطَان فحين وصل غلب على امْرَهْ فَلم يشْعر النَّاس حَتَّى ظهر اخوه عَليّ بن مُحَمَّد من الْحصن لم يشْعر بِهِ حِين طلع فَنزل الْعَسْكَر بخدمته وَظهر امْرَهْ ولقب بموفق الدّين وَبَقِي هَذَا على شَفَقَة من السُّلْطَان ورزق يُطلق لَهُ فِي كل شهر لَا اتحققه ووهب لَهُ ارضا جَيِّدَة بِهَذَا الْقرْيَة وبيتا كَانَ قد صَار اليه وَمن وَرَثَة الْفَقِيه عمر بن اِسْعَدْ وَكَانَ قد بَقِي بِهِ شركَة لَهُم فاشتراها واستكمل الارض وَالْبَيْت واصلح الْجَمِيع واعجبته الْقرْيَة فابتنى بهَا مسكنا اخرأ وَصَارَت الْقرْيَة مَسْكَنه عوضا عَن تعز وَاشْترى املاكا جزيلة من المخلاف والاجناد وَغير ذَلِك ثمَّ هُوَ يذكر بالفقه والاصول والنحو وَالشعر وَله فِي التصوف كَلَام مرضِي وَشعر ويتردد الى قَرْيَة السمكر فَيعْمل بهَا السماعات ويعقدها وَكثير من اهل السمكر بِهِ اعْتِقَاد وَكَانَ مؤالفا لشَيْخِنَا ابي الْحسن كثير المواصلة اخبرني من لَفظه عَن الْفَقِيه عمر

    بن سَالم البانا صنو الْفَقِيه الْمَشْهُور بتعز انه اخبره انه حصل بِعَين السُّلْطَان حَصَاة فاضرت بهَا وَلم تخرج وَعرض ذَلِك على الاطباء فَلم يحسنوا علاجها قَالَ فَسلمت الامر لله تَعَالَى وعملت عَلَيْهَا ستارة وصرت يَوْم جُمُعَة فِي الْجَامِع اذا اذن الْمُؤَذّن فَلَمَّا قَالَ اشْهَدْ ان لَا اله الا الله اشْهَدْ ان مُحَمَّدًا رَسُول الله عملت بالرواية الْمَشْهُورَة وَلَقي فِي نَفسِي أنني أواظب على ذَلِك فواظبته حَتَّى الْجُمُعَة الثَّانِيَة فَإِنِّي لاجيب الْمُؤَذّن فِي مثل ذَلِك الْوَقْت الاول الَّذِي بدأت بِهِ اذ سَقَطت الْحَصَاة من عَيْني وَذَلِكَ ببركة الاثر فَعلمت حِينَئِذٍ انه اثر صَحِيح فَلم يزل عَلَيْهِ وَكَانَ وَفَاته بقريته يخْتل نَهَار الاحد ثَانِي عشر جمادي الاولى سنة 727 وَله ولد اسْمه عَليّ فَقِيه يَأْتِي ذكره فِي اهل تعز ان شَاءَ الله تَعَالَى وَمن قَرْيَة قرامد فقيهها الان مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن عَليّ بن اِسْعَدْ عرف بِابْن التؤيم بِضَم التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق بعد الف وَلَام ثمَّ همزَة ثمَّ يَاء مثناة من تَحت ثمَّ مِيم اصله من سهفنة الْقرْيَة الْمَذْكُورَة اولا نسبه فِي الصعبيين مولده سنة سِتِّينَ وستماية وتفقه بِمُحَمد بن اِسْعَدْ الجعميم الَّاتِي ذكره وَبِغَيْرِهِ وَصَارَ الى هَذِه الْقرْيَة بسؤال من أَهلهَا فَصَارَ اماما بهَا وخطيبا وانتفع جمَاعَة من اهلها فِي قِرَاءَة الْقُرْآن وَالْعلم فتفقه بِهِ الْفَقِيه عبد الرَّحْمَن بن عَليّ العامري وَولده احْمَد وَكِلَاهُمَا خيران وقرا احْمَد عَلَيْهِ التَّنْبِيه والمهذب والفرائض والشريعة للاجرى وَلم يزل يقرئ ويفتي بِهَذَا الْقرْيَة وتفقه بِهِ ايضا مُحَمَّد بن عمر الوجيهي من اهل الْقرْيَة وَهُوَ شَاب مُجْتَهد صَالح مشتغل بِطَلَب الْعلم قَرَأَ عَلَيْهِ التَّنْبِيه والمهذب والفرائض وَالْبَيَان والمستصفى واللمع وَشَرحه لمُوسَى وَالْبُخَارِيّ والشريعة للآجرى والتبصرة والمعين لابي الْحسن الاصبحي وَتَصْحِيح الْخلاف والاصولين وَهُوَ الان على الطَّرِيق المرضي فِي طلب الْعلم وَهَذَا الْفَقِيه قد

    نَاب على مُحَمَّد بن سُلَيْمَان فِي قَضَاء الْجند وَضبط الْقرْيَة قرامد بِفَتْح الْقَاف وَالرَّاء ثمَّ ألف وخفض الْمِيم ثمَّ دَال مُهْملَة ثمَّ من قَرْيَة زبران حَيْثُ كَانَ الْفَقِيه عبد الله بن احْمَد الْمُقدم ذكرهمَا فِيمَا مضى فِيهَا جمَاعَة مِنْهُم عُثْمَان بن عَليّ بن رفيد كَانَ فَاضلا بِعلم الادب ومسائله فِيهِ الَّتِي سُئِلَ عَنْهَا الْملك المظفر تدل على ذَلِك وَلم اتحقق لَهُ تاريخها

    وَمِنْهُم أَبُو بكر بن يُوسُف بن مَسْعُود اللخولالي وَهُوَ صنو الْفَقِيه مُحَمَّد بن يُوسُف الْمَذْكُور فِي أهل الْجند كَانَ هَذَا ابو بكر فَقِيها فَاضلا اخذ عَن شَيخنَا ابي الْحسن وَغلب عَلَيْهِ طَرِيق الادب وَتَوَلَّى كِتَابَة الانشاء مَعَ القضي الرشيد وَكَانَ يجيد الْخط لَهُ ارْض بزبران ورثهَا من ابيه وَكَانَ يَكْتَفِي بهَا وَرُبمَا يَأْتِي مِنْهَا وَتُوفِّي لَا اتحقق لَهُ تاريخها

    وَمن قَرْيَة العربة الْفُقَهَاء بَنو الْفَقِيه نعْمَان بن يزِيد بن مُسلم بِضَم الْمِيم وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة وخفض اللَّام ثمَّ مِيم قد ذكرتهم فِي اهل الْجند اذ تديروها سَأَلت بعض ذُريَّته عَن اولاد الْفَقِيه نعْمَان فَقَالَ كَانُوا اربعة عمرَان الَّذِي ذكرت انه كَانَ فَقِيها مقرئا ثمَّ عَليّ ثمَّ يُوسُف ثمَّ سُلَيْمَان فعلي وَعمْرَان وَسليمَان تفقهوا وَآل الْفِقْه بِسُلَيْمَان الى خير وَاسع من الْعِبَادَة وَالصَّلَاح واما يُوسُف فَكَانَ حراثا صَاحب زراعة وَهَذِه آخر قَرْيَة تعرف بقاعي الْجند بالفقهاء وعَلى قرب من الْقرْيَة صقع يعرف بالنجاد وَهُوَ من اعمال الْجند فِيهِ قَرْيَة تعرف بقناذر بِضَم الْقَاف وَفتح النُّون ثمَّ الف وخفض الذَّال الْمُعْجَمَة ثمَّ رَاء سَاكِنة وَهِي قَرْيَة قد ذكرت فِيمَا مضى عِنْد ذكر الْفَقِيه سُلَيْمَان وَابْن عَمه الجدنيان وَهِي من نَاحيَة

    الْيمن لمدينة الْجند وَكَانَ بهَا بعد الْمَذْكُورين اولا الاحدون وهم جمَاعَة على وَابْنه فعلي ابْن اسماعيل بن ابراهيم بن حديق وَهُوَ اخو ابراهيم الْمَذْكُور فِي أهل جبا سَأَلت الْخَبِير من قَومهمْ عَن أخبارهم فَقَالَ خرج اربعة اخوة عَن بلدهم لامر يُوجب الْخُرُوج فسكن قناذر مِنْهُم اثْنَان هَذَا عَليّ واخ لَهُ اسْمه مُحَمَّد فمحمد لم يشهر لَهُ ذكر بالفقه وَكَانَ لعَلي ابْن اسْمه عبد الرَّحْمَن مولده سنة تسعين وخمسماية تفقه تفقها جيدا وَكَانَ قَائِلا للحق عَاملا بِهِ وَحدث بَينه وَبَين ابْن نَاصِر الْمَذْكُور أَولا فِي فُقَهَاء الْجند مناظرة فِي جَامع الْجند وَحكي ان الْمَنْصُور بن الرَّسُول وَجَبت عَلَيْهِ كَفَّارَة فِي الْجِمَاع بنهار رَمَضَان فامر الْوَالِي ان يجمع لَهُ الْفُقَهَاء فِي الْجند واعمالها فاستدعاهم ميكائل وَهَذَا الْفَقِيه من جُمْلَتهمْ ثمَّ اعْلَم السُّلْطَان بذلك فَقعدَ السُّلْطَان لَهُم قعُودا خَاصّا فَلَمَّا حَضَرُوهُ سَأَلَهُمْ عَن الْمَسْأَلَة فاجابوه بِمَا يُجيب بِهِ ساير النَّاس وَهَذَا الْفَقِيه سَاكِت وَالْكل نطق بِمَا ذكرت فَقيل لَهُ لم لَا تنطق كَمَا نطق أَصْحَابك فَقَالَ اشتهي اعرف صَاحب الْمَسْأَلَة فَقيل هُوَ السُّلْطَان فَقَالَ لَا يجْزِيه الا صَوْم شَهْرَيْن واما الاطعام اَوْ الاعتان فَلَا يجْزِيه واعجب السُّلْطَان جَوَابه وَذَلِكَ ان الْفُقَهَاء نازعوه فِيهِ فَقَالَ الْغَرَض حسم الْمَادَّة وَترك معاودة الذَّنب وَلَا يكون ذَلِك من السُّلْطَان الا بَان يفعل هَذَا الْفِعْل وَهُوَ صِيَام شَهْرَيْن قلت هَذَا الْجَواب يشبه جَوَاب الْفَقِيه مُحَمَّد بن احْمَد الَّذِي نَازع بِهِ الْفَقِيه سيف السّنة وَمن اجْتمع اليه من الْفُقَهَاء بِجَامِع الْجند كَمَا ذكرت اولا واخذ عَنهُ جمَاعَة وَكَانَت وَفَاته سنة ارْبَعْ وَخمسين وستماية وَخَلفه ابْن لَهُ اسْمه عبد الله ولي حكم بَلَده ونواحيها الْمُسَمَّاة بالنجاد وَكَانَ ذَلِك على طَرِيق التبعة للْأَب وَلم يكن فَقِيها

    وَمِنْهُم ابْن عَمه لحا عمر بن مُحَمَّد بل الْفَقِيه عَليّ بن اسماعيل مقدم الذّكر وَهُوَ آخر من عرف بِمَعْرِِفَة الْفِقْه واخذ فِيهِ فِي هَذِه الْقرْيَة وَمن النَّاحِيَة قَرْيَة

    الوثب بِفَتْح الْوَاو بعد الف وَلَام وفت الثَّاء المثلتة ثمَّ سُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة ذكر ابْن سَمُرَة مِنْهَا عبد الله بن حشركة وَقَالَ اعتزل النَّاس الى نَاحيَة ارضه وَلم يذكر ابْن بَلَده حَتَّى كنت كثير التطلع الى ذَلِك وَالسُّؤَال عَنهُ حَتَّى تحقق انه من هَذِه الْقرْيَة وَضبط ابيه بِالْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الرَّاء وَالْكَاف ثمَّ هَاء سَاكِنة وَإِنَّمَا ضبطته لانني كنت اصحفه فاخذت ضبط ذَلِك عَن ذُريَّته واهل بَلَده وَنسبه فِي عرب يُقَال لَهُم الاعيون واحدهم عياني نِسْبَة الى قَرْيَة ببلدة مقمح يُقَال لَهَا عيانه بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْيَاء الْمُثَنَّاة من تَحت ثمَّ الف ثمَّ نون مَفْتُوحَة ثمَّ هَاء مِنْهُم جمَاعَة كَثِيرُونَ بمعشار النجاد وَسمعت لهَذَا الْفَقِيه اخبارا جَيِّدَة ومآثر حَسَنَة مِنْهَا انه كَانَ يَأْتِيهِ الزاير فِي حَال عزلته فيجد عِنْده طَعَاما ويجد مائدة عَلَيْهَا طَعَام لَا كطعام الادميين وفواكه فِي غير اوانها ومسجده الَّذِي اعتزل بِهِ مَعْرُوف على مَا ذكرُوا ويأتيه الزاير كثيرا وَكَانَ لَهُ ولد اسْمه عَليّ تفقه وَحضر السماع لصحيح مُسلم على الامام سيف السّنة وعده من جملَة الْفُقَهَاء وَهُوَ ابراهيم بن حديق وَذَلِكَ بِجَامِع اللجند كَمَا تقدم وَذريته الى الان بالقرية متسمون بالفقه ويشهرون بِالدّينِ يُقَال هَلُمَّ اولاد ابي هُرَيْرَة اذ كَانَ فيهم رجل اسْمه كَذَلِك الْمَوْجُود مِنْهُم الان فِي الْقرْيَة ذُريَّته اعرف مِنْهُم رجلا اسْمه عمر تفقه بالجند ثمَّ توفّي على رَأس سَبْعمِائة

    وَمِنْهُم عُثْمَان بن مُحَمَّد بن عَليّ العياني ايضا كَانَ من اعيان اهل الدّين والمرؤة وَكَانَ مَشْهُورا بالاطعام وَله ارْض جَيِّدَة يَسْتَعِين بهَا على حَاله مِنْهَا الْوَادي الْمَعْرُوف بواهب وَقفه على ذُريَّته ثمَّ اكلفه بعض وُلَاة الْجند ان يَبِيعهُ فاخبره

    بِالْوَقْفِ فَلم يقبل وَظن ان ذَلِك عذرا فَبَاعَهُ مِنْهُ ثمَّ بعد الشِّرَاء بأيام تحقق صِحَة الْوَقْف فاستعاد مِنْهُ الثّمن وَبقيت الارض بِيَدِهِ حَتَّى توفّي ثمَّ وقف مَعَ اولاده مُدَّة فَاشْتَرَاهُ بعض اولاد ذَلِك الْوَالِي على وَجه الْكرَى وَالشِّرَاء كَمَا يَفْعَله اهل الْوَقْت تحوطا وَخلف عُثْمَان وَلدين هما مُحَمَّد وعتيق فمحمد توفّي بعد ابيه بِيَسِير وعتيق هُوَ الَّذِي بَاعَ الطين مَعَ اخوات لَهُم وَتُوفِّي لبضع عشرَة وسبعماية ثمَّ قَرْيَة حصن الظفر الَّذِي تقدم ذكره بهَا جمَاعَة وردوا اليها

    مِنْهُم ابْن ابي اليقطان وَغَيره وَآخر من سكنها من الْفُقَهَاء أَبُو بكر بن ابي الْقَاسِم الشّعبِيّ اصله من اشعوب ذبحان وَكَانَ رجلا صَالحا كثير الْعِبَادَة وَلما استدعى الشَّيْخ عبد الْوَهَّاب بالفقيه عبد الله بن يحي الى المظفر لسَمَاع الْبَيَان وَاجْتمعَ نَاس كثير من الاعيان سمعُوا عَلَيْهِ فِي مدرسة الشَّيْخ الْمُقدم ذكره وَكَانَ هَذَا الْفَقِيه مُقَدرا عِنْد شيخ الاعروق وَكَانَت وَفَاته سنة ارْبَعْ وسبعماية وَخَلفه وَلَده ابو الْخطاب عمر كَانَ من اخير اولاد الْفُقَهَاء شرِيف النَّفس عالي الهمة لما اقمت بالظفر سنة ثَلَاث عشرَة وسبعماية مُرَتبا فِي تدريس الْمدرسَة الْمَذْكُورَة وجدت فِيهِ من الْخَيْر مَالا مزِيد عَلَيْهِ وَكَانَ لَهُ دين رصين وَقَرَأَ عَليّ التَّنْبِيه ومختصر الْحسن وَبَعض كتب الحَدِيث وَكَانَ صبورا على اطعام الطَّعَام للخاص وَالْعَام وَلذَلِك علقه دين كثير لم يكد يقبر حَتَّى قد برا من اجزله وَتُوفِّي على الْحَال المرضي سلخ صفر سنة سبع عشرَة وسبعماية وَله ولد اسْمه ابو بكر وَقد انْقَضى ذكر الْجند ونواحيها

    وَحِينَئِذٍ اشرع بِذكر فُقَهَاء تعز اذ هِيَ من اول الدولة المظفرية مصر الْيمن الْمَقْصُودَة من كل نواحيه وَلم تزل دَار ملك لبني الرَّسُول

    فابدأ حِينَئِذٍ بالفقهاء الَّذين امتحنوا بِالْقضَاءِ وَكَانُوا متورعين اذ هم اولى بالتقدمة وهم جمَاعَة اولهم أَبُو الْخطاب عمر بن ابي بكر الْمَعْرُوف بالهزاز وابو بكر هَذَا ابْن عبد الله بن قيس بن ابي الْقَاسِم بن ابي الاعز اليحيوي ثمَّ اليافعي مولده لبضع وَسِتِّينَ وخمسماية وَاصل بَلَده العقيرة الْقرْيَة الْمُتَقَدّمَة الذّكر وَقد ذكر ابْن سَمُرَة مِنْهُم عَليّ بن عبد الله وَسَأَلت خَبِيرا بالأحوالهم من اهاليهم فاخبرني ان وَالِد عَليّ كَانَ فَقِيها فَذَكرته فِيمَا مضى واما هَذَا عمر فَكَانَ من الْقُضَاة الورعين وَلذَلِك قيل لَهُ الهزاز تفقه بِأَخ اسْمه عبد الله لم أتحققه وَلما امتحن بِقَضَاء تعز سَار فِيهِ السِّيرَة المرضية فِي ذَلِك لانه كَانَ اذا مَاتَ ذُو الاولاد الصغار نصب من يجهزه وَيَقْضِي دينه ثمَّ يعلم مَا بَقِي لاولاده فيأمر الْمُؤَذّن الْمُسَمّى عِيسَى يَصِيح على جِدَار جَامع المغربة وَهُوَ مشرف على السُّوق ان فلَان ابْن فلَان توفّي وَخلف من الْعِيَال كَذَا وَكَذَا وَمن الدّين كَذَا وَكَذَا فَقضى الدّين وَبَقِي للعيال مَا هُوَ كَذَا وَكَذَا ثمَّ يذكر مَا فرض لَهُم حَتَّى كَانَ اموال الايتام يكَاد اهل تعز يعرفونها وَمَعَ من هِيَ وَمَا يصرف مِنْهَا كل شهر وَهَذَا امْر لم يعلم ان احدا سبقه اليه وَلَا لحقه فِيهِ ثمَّ فِي رَأس الشَّهْر اذا انفق على الايتام امْر الْمُنَادِي يُنَادي الا ان الْيَتِيم فلَان قد صرف لَهُ من مَاله كَذَا وَكَذَا وَبَقِي لَهُ كَذَا وَكَذَا وَلم يزل على الْقَضَاء المرضي حَتَّى توفّي بالمغربة عَشِيَّة الْخَمِيس لثمان بقيت من ربيع الاخر سنة ارْبَعْ واربعين وستماية وقبر بجوار مجير الدّين وَهِي الَّتِي بهَا مرباع الْبَقر بسوق تعز

    وَكَانَ لَهُ اخ اسْمه يُوسُف كَانَ فَقِيها توفّي قبله بِثمَانِيَة ايام وَكَانَ هَذَا مجير الدّين من خدام السُّلْطَان سيف الاسلام يعرف بمجير الدّين كافور النقي خَادِم يتعاني الْقرَاءَات ومحبة اهلها وَكَانَ شَيخا فِي الحَدِيث وروى عَنهُ جمَاعَة الحَدِيث وابتنى الْمدرسَة

    المجيرية وَجعل نظرها الى بعض قوم هَذَا القَاضِي وَهِي بيد ذُريَّته الى عصرنا مسكنا

    وَمِنْهُم أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ بن عمر بن مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي الْقَاسِم الريَاحي الْحِمْيَرِي مولده سنة تسع وَتِسْعين وخمسماية وتفقه بِمُحَمد بن مَضْمُون غَالِبا وَاصل بَلَده اب وَكَانَ وَالِده قَاضِيا بهَا فَلَمَّا دنت وَفَاته حذره من الْقَضَاء فَلَمَّا توفّي لم يتَعَرَّض لَهُ قبولا لوَصِيَّة أَبِيه فَحدثت عَلَيْهِم مظالم كَثِيرَة شنيعة شقَّتْ بِهِ وبأخوته وَأَهله فَقَالَت لَهُ والدته يَا بني اذْهَبْ الى سير وَاعْلَم قَاضِي الْقُضَاة بوفاة والدكم وَمَا عمل اهل الامر مَعكُمْ فَلَعَلَّهُ يتركك بِهِ مكانة ابيك تتغطى فِيهِ انت واخوتك عَن الظُّلم والاعداء قَالَ فَقلت الان قَابل نهي الْوَالِد أَمر الوالدة فتعارضا ثمَّ تقدّمت الى قَاضِي الْقُضَاة الى المصنعة فحين رأني وسلمت عَلَيْهِ اخبرته بوفاة الْوَالِد فترحم عَلَيْهِ ترحما كليا وعزاني وَقَالَ لم لَا جيت من يَوْم توفّي فاخبرته الْقِصَّة فنصبني مَكَان وَالِدي ثمَّ عدت الْبَلَد فَلَبثت قَاضِيا واستترنا عَن الظُّلم وانقمع عَن الاعداء فَلَمَّا توفّي القَاضِي عمر مقدم الذّكر انفا بتعز بعث الى قَاضِي الْقُضَاة فحين جيته قَالَ لي قد استخرت الله واستنبتك على قَضَاء تعز واستنبت اخاك احْمَد مَكَانك فاعتذرت فَلم يقبل مني والزمني التَّقَدُّم الى تعز فتقدمتها عقيب وَفَاة القَاضِي عمر وَكَانَ ذَلِك من اهل سير عَادَة يحبونَ ابقا اهل الْأَسْبَاب وذراريهم ان وجدوا أَنما مَنعهم عَن ترك محم دولد القَاضِي عمر لكراهته للوقوف مَكَان ابيه مُحَافظَة على وَصِيَّة ابيه اذ وصاه بالحذر من الْقَضَاء وَلم يزَالُوا على ذَلِك فِي الْغَالِب حَتَّى انقرضوا وَمن شكّ فِي ذَلِك بحث عَن ذُرِّيَّة الْفَقِيه

    البحراني الَّذِي كَانَ اماما بِمَسْجِد الاشاعر الْمُقدم الذّكر فِي اهل زبيد فانه لما توفّي وَخلف اولادا صغَارًا فرتب بَنو عمرَان رجلا وشرطوا عَلَيْهِ ان يقاسم أَوْلَاد الْفَقِيه بالجامكية فَفعل ذَلِك وَلم يزل ذَلِك مستمرا حَتَّى كبروا وقرأوا الْقُرْآن ثمَّ تركُوا أكبرهم قَامَ مقَام ابيه وَنَحْو هَذِه الْحِكَايَة عَنْهُم كثير فَلم يزل على الْقَضَاء الى سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَتُوفِّي عَلَيْهِ بالتاريخ الَّاتِي ذكره وَقل مَا سَمِعت بقاضي سلك مسلكه وَلَقَد كَانَ فِي غَايَة من الزّهْد والورع والاقتصاد فِي مطعمه وملبسه وزواجه وَكَانَ اذا اتاه آتٍ وَسَأَلَهُ ان يسعي مَعَه فِي حَاجَة اَوْ شَفَاعَة اجابة الى ذَلِك غير مستكبر وَلَا متجبر وَلَقَد اخبرني الثِّقَة عَن نَفسه انه قَالَ لقِيت القَاضِي مُحَمَّد بن عَليّ فِي هاجرة النَّهَار يمشي حافيا بِيَدِهِ نَعله قَاصِدا من المغربة حافة المحاريب فَقلت يَا سيدنَا لم فعلت هَذَا قَالَ بَلغنِي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انه قَالَ من مَشى فِي حَاجَة اخيه الْمُسلم حافيا كَانَ لَهُ اجْرِ عَظِيم اَوْ نَحوا مِمَّا قَالَ ونسند نَحْو السَّنَد الاول انه لقِيه بعض النَّاس حافيا مقرعا فصافحه وسايره لينْظر ايْنَ يقْصد فَإِذا بِهِ قد وصل الى بَيت الامير خَازِن دَار المظفري فحين صَار بِالْبَابِ بَادر الْخَادِم الى اعلام الامير فَخرج الامير مسرعا وَقبل يَد القَاضِي واقعده على مَقْعَده متميزا ثمَّ قعد بَين يَدَيْهِ تأدبا ثمَّ قَالَ يَا سيدنَا لم جِئْت على هَذَا الْحَال وَهل ارسلت عَليّ كنت ان اصل الى بَين يَديك قَالَ انا احق بالاجر فان ساعدتني كنت شَرِيكي فِيهِ فَقَالَ يَا سيدنَا لم جيئت على هَذَا الْحَال قَالَ وصلني اولاد فلَان وَذكروا انك حَبسته بِالسَّوِيَّةِ وهم ضعف محتاجون وَبَلغنِي ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ

    من مَشى فِي حَاجَة أَخِيه الْمُسلم حافيا حاسرا اتاه الله اجرا عَظِيما فَلذَلِك جِئْت كَذَلِك فَقَالَ يَا سيدنَا انما حبس بامر من السُّلْطَان وَلَا يُمكن اخراجه الا بعد مُرَاجعَته وانا الان اراجعه فِي ذَلِك ثمَّ استدعي بِدَوَاةٍ وَقِرْطَاس وَكتب الى السُّلْطَان يُعلمهُ بوصول القَاضِي اليه حافيا حاسرا وانه يشفع لفُلَان وامر بهَا رَسُولا محيا فَعَاد مسرعا بِالْجَوَابِ باطلاق الرجل وَقَالَ شَفَاعَة القَاضِي مَقْبُولَة ثمَّ لم يخرج القَاضِي من بَيت الامير الا وَالرجل مَعَه فَانْظُر كَيفَ كَانَ فعل هَذَا الرجل وانه لما كَانَ لله وجد لَهُ قبولا وَلَو فعل اُحْدُ من اهل هَذَا الزَّمَان كَمَا فعل لنسب الى التخيل وَلم يقبله عقل وَلَا اثمر وَنسب الى الْجُنُون وَكَانَ لهَذَا القَاضِي عِنْد السُّلْطَان مَحل من طَرِيق الْوَرع وَالصَّلَاح وَلَقَد اخبرني الثِّقَة وَهُوَ الْفَقِيه عُثْمَان الشرعبي وَهُوَ الَّذِي علقت عَنهُ غَالب اخبار هَذَا القَاضِي وَغَيره من فُقَهَاء تعز الْمُتَقَدِّمين قَالَ كتب اهل بلد من غير تعز يَشكونَ قاضيهم الى المظفر فَكتب السُّلْطَان يَا قَاضِي بهاء الدّين أنظر فِي أَمرهم فالقضاة كلهم فِي النَّار إِلَّا مُحَمَّد بن عَليّ وَذَلِكَ لما تحقق من ورعه ببحث شاف على يَد من يثقه وَله فِي الامانة اخبار مِنْهَا ان بعض التُّجَّار من اهل تعز مرض مَرضا شَدِيدا فامر على القَاضِي فَلَمَّا حَضَره استخلي بِهِ ثمَّ اشار الى مَوضِع فِي الدَّار وَقَالَ انني بنيت هَذَا الْموضع بيَدي على مَال جزيل لَا اكاد احصر مبلغه وقضضت عَلَيْهِ بيَدي ايضا واولادي صغَار وَقد نزل بِي مَا ترى من الْمَرَض واخشى الْمَوْت وَلم استطع اعلام اُحْدُ غَيْرك ليَكُون وَدِيعَة مَعَك فَمَا علم بِهِ اُحْدُ إِلَّا الله تعلى فَقَالَ القَاضِي لَا بَأْس امْرَهْ ان يُوصي الى شخص جيد باموره الظَّاهِرَة فَفعل ثمَّ توفّي الرجل وَكبر

    اولاده وَلعب من لعب بِمَا ظهر لَهُم من التَّرِكَة وارادوا ان يبيعوا الْبَيْت من شدَّة الْحَاجة فَمَنعهُمْ القَاضِي ثمَّ بعد مُدَّة بلغه صَلَاحهمْ ورجوعهم الى الطَّرِيق الْمَحْمُود فَصَبر عَلَيْهِم مُدَّة وامر من يختبرهم فَوجدَ غالبهم الرشد فاتاهم القاي الى بَيتهمْ فَفَرِحُوا وادخلوه ليتبركوا بِهِ فَقَالَ للارشد فيهم احْفِرْ لي هَذَا الْموضع فَفعل فَخرج مِنْهُ مَال جزيل فَقَالَ هَذَا امانة من والدك اليك لتصرف بِهِ على اخوتك ونفسك فَسَأَلَهُ الصَّبِي ان يسْتَلم شَيْئا ويحتسبه من نصِيبه فكره وَعَاد بَيته فَللَّه دره من قَاضِي وَلَقَد كَانَ يُمكنهُ الاحتيال على اخذ المَال بِوَجْه اجمل الاشياء واسهلها بَان يَشْتَرِي الْبَيْت وَيدْفَع ثمنه مِمَّا فِيهِ اَوْ كَانَ حِين فَاتَهُ الشِّرَاء عمل على اخذ نصيب جيد من الصَّبِي رَحْمَة الله عَلَيْهِ وَنَحْو هَذِه مَا اخبرني الْفَقِيه سُلَيْمَان بن احْمَد العسقي عَن الامير غَازِي بن يُوسُف التعزي قَالَ كنت ايام شَبَابِي قَاعِدا فِي الْبَيْت اذ بطالب يطلبني الى القَاضِي فدخلني رِيبَة ثمَّ زَالَت باستفاضة عَدَالَة القَاضِي وسرت وَأَنا أقدم رجلا وأؤخر أُخْرَى حَتَّى أتيت القَاضِي فحين رَآنِي تَبَسم الي فَلَمَّا دَنَوْت مِنْهُ وسلمت ردعلي بِوَجْه مُسْفِر ولسان طلق ثمَّ قَالَ لي هَل لابيك من ولد غَيْرك قلت لَا فَدخل بَيته وامرني بلحاقه فَدخلت بعده فَلم يكن بِهِ اُحْدُ فَسَار امامي حَتَّى جَاءَ المطبخ فَلَمَّا توسطته اشار الى ان احْفِرْ موضعا مِنْهُ فحفرته فَظهر لي برمة فامرني باخراجها فَفعلت ثمَّ امرني بِفَتْحِهَا فَوَجَدتهَا مملؤة ذَهَبا فَقَالَ لي خُذْهَا واحتفظ بِنَفْسِك فَهِيَ عِنْدِي وَدِيعَة من ابيك قَامَ مُدَّة يلازمني فِي قبُولهَا وانا اكره ذَلِك فَلَمَّا الح عَليّ اتيت الْبَيْت كَمَا فعلت الْيَوْم واستدعيته فجَاء بهَا فامرته ان يحْفر هَذَا الْموضع ويودعها فِيهِ فَفعل فَلم يفتحها اُحْدُ غَيْرك وَلَا علم بهَا اُحْدُ وَأَنا مَعَ ذَلِك اسئل عَنْك فَلَمَّا اخبرت عَنْك انك عَاقل رشيد طلبتك تقبض مَا اودعني ابوك وَالْحَمْد لله الَّذِي من عَليّ بِبَرَاءَة الذِّمَّة قبل الْمَوْت وَلِهَذَا القَاضِي أَخْبَار فِي الْوَرع وَالْأَمَانَة يطول تعدادها وَفِي مَا ذَكرْنَاهُ كِفَايَة لَيْسَ كَمَا نرَاهُ

    الْيَوْم يود الْمَرِيض اذهاب مَا بِيَدِهِ فِي غير وَجه مرضِي وَلَا تصير الى الْقُضَاة وَلَا الى الَّذِي نصبهم لذَلِك وَلَقَد شاهدت من ذَلِك عجايب فأسال الله الْعَفو عَن ذَلِك وَلذَلِك لما تقدّمت عِنْدِي لَهُ هَذِه الاخبار من الثِّقَات الاخيار قَدمته على غَيره من سَائِر الْفُقَهَاء واما مَا ذكر لَهُ من الكرامات فاخبار يطول شرحها مِنْهُ مَا اخبرني الْفَقِيه عُثْمَان بن مُحَمَّد الشرعبي اخبرني شَيْخي الْفَقِيه مُحَمَّد بن عَبَّاس الشّعبِيّ قَالَ كنت معيدا بِالْمَدْرَسَةِ المظفرية بمغربة تعز وَالْقَاضِي الْمَذْكُور يَوْمئِذٍ الْمدرس بهَا فَرَأَيْت ذَات لَيْلَة ان الْقِيَامَة قَامَت وَالنَّاس مجتمعون بصعيدها حُفَاة عُرَاة كَمَا فِي الْخَبَر وَأَنا من جُمْلَتهمْ عُرْيَان فَلَمَّا طَال ذَلِك اذ رَأَيْت مَكَانا مرتفعا وَالْقَاضِي تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن عَليّ وَاقِف عَلَيْهِ وَعَلِيهِ ثِيَابه الَّتِي يلبسهَا اجْمَعْ حَتَّى الْعِمَامَة والملحفة وَالنَّاس مطيفون بِهِ فهرولت اليه اولا لكوني معبدة فملما دَنَوْت مِنْهُ سمعته يَقُول للنَّاس كلكُمْ بشفاعتي فاطمئنوا فَقلت لَهُ يَا سَيِّدي وانا مِنْهُم فَقَالَ وانت مِنْهُم فَلَمَّا كَانَ وَقت السحر خرجت من بَيْتِي الى الْمدرسَة فوافقته رايحا إِلَيْهَا لصَلَاة الصُّبْح فبدأني بِالسَّلَامِ فَرددت عَلَيْهِ وَقلت يَا سَيِّدي اريد الْوَعْد الصَّادِق فَقَالَ مَا اذكر اني وعدتك بِشَيْء لَكِن ذَكرنِي فالعدة دين فاخبرته بمنامي فَبكى وَقَالَ اخبرني رَبِّي لست من اهل الشَّفَاعَة بل ارجو ان نَكُون جَمِيعًا فِي شَفَاعَة نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت لَهُ دَعْنِي من المغالطة فَلَا بُد من الوفا ثمَّ لازمته فاخذ بيَدي وَقَالَ يكون ذَلِك ان كنت من اهل الشَّفَاعَة وَمن ذَلِك مَا اخبرني الْفَقِيه الْفَاضِل ابو الْحسن الْحَمد ابْن الْفَقِيه الصَّالح الْجُنَيْد وَقد تَذَاكرنَا فضل هَذَا القَاضِي وشهرة ورعه وَمَا يذكر عَنهُ من الكرامات مَعَ المحنة بِالْقضَاءِ فَقَالَ لَو لم يكون لَهُ من الكرامات الا حَدِيث الدّلَالَة لَكَانَ كَافِيا فِي الدّلَالَة على خَيره فَقلت لَهُ اخبرني كَيفَ كَانَ فَقَالَ اتّفق لبَعض الْأَعْيَان من اهل تعز حَادث سرُور وَاحْتَاجَ الى اسْتِعَارَة شَيْء من المصاغ فَدَعَا الدّلَالَة فُلَانَة وَكَانَت مَأْمُونَة عِنْد السُّلْطَان فعول عَلَيْهَا تستعير لَهُ فاجابته بِالطَّاعَةِ وراحت بيُوت الامراء والكبراء فَاجْتمع لَهَا جمل مستكثرة فراحت بِهِ الى

    صَاحب الْحَادِث فَأَخذه وَعمل حَاجته ثمَّ اعاده اليها فَخرجت بِهِ فِي غلس فلقيها جمَاعَة اخذوه مِنْهَا وخنقوها ورموا بهَا فِي مَوضِع ظنا انها قد مَاتَت ثمَّ عدلوا موضعا اقتسموا بِهِ القماش فَلَقِيَهُمْ رجل يُقَال لَهُ ابْن الدَّلال فارتباوا مِنْهُ واخبروه الْقِصَّة واعطوه بعض شَيْء من القماش فاخذه وَانْصَرفُوا ثمَّ من الله على الدّلَالَة بالعافية فَقَامَتْ من غشيتها وَخرجت من حَيْثُ القيت فَذَهَبت بَيت هَذَا القَاضِي وَشَكتْ عَلَيْهِ وَكَانَ النَّاس يحسنون بِهِ الظَّن مَعَ قَضَائِهِ فوعدها بِالْخَيرِ وانه يبْحَث لَهَا عَن ذَلِك فَمَا كَانَ غير يسير حَتَّى وصل إِلَى القَاضِي ابْن الدَّلال زايرا وَمُسلمًا وَكَانَ لبيبا فحدثه القَاضِي ثمَّ ذكر لَهُ قصَّة الدّلَالَة فَضَحِك واخبره الْقِصَّة فَعرف الْمَذْكُورين انهم مِمَّن يتسمى بالفقه فامرهم فوصلوه فَذكر لَهُم الْقِصَّة فاعترف بَعضهم وَسلم مَا مَعَه وَقد كَانَ ابْن الدَّلال حِين اخبره القَاضِي سلم مَا كَانَ اخذه وتغلب مِنْهُم بَعضهم فاخبر بامره قَاضِي الْقُضَاة فامر لَهُ وَلم يعذرهُ فَوَجَدَهُ قد رهن شَيْئا فافتداه القَاضِي من نَفسه وَكَانَ هَذَا القَاضِي كثير الْعِبَادَة مصاحبا للعباد كَانَ يصحب الشَّيْخ عَليّ الرميمة اُحْدُ عباد صَبر وَيكثر زيارته ويخبر هعنه بامور كَثِيرَة تدل على خير قَالَ الْفَقِيه عُثْمَان اخبرتني هَذَا القَاضِي يَوْمًا على خلْوَة قَالَ مَا على قلبِي هم الا ان اكون فِي بعض الْمَسَاجِد والربط استفرغ بَقِيَّة عمري فِي عبَادَة الله وَكتب بعض النَّاس الى المظفر يشكو اليه من قَاضِي ظلمه فَكتب يَا قَاضِي بهاء الدّين الْقُضَاة ثَلَاثَة قاضيان فِي النَّار وقاضي فِي الْجنَّة القَاضِي تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن عَليّ فِي الْجنَّة اكشف قصَّة هَذَا الشاكي اراد وَالِدي ان يُسَافر من الْجند الى زبيد على رَأس ثَمَانِينَ وستماية فَلَمَّا صرنا بتعز دعِي الى مجْلِس هَذَا القَاضِي ليحمل شَهَادَة الى حَاكم زبيد فَلَمَّا تحملهَا ادناني مِنْهُ وَسَأَلَ مِنْهُ ان يمسح على رَأْسِي وَيَدْعُو لي فَلَمَّا صَار يمسح عَليّ تأملته فَرَأَيْت رجلا معتدلا ذَا لحية كثة

    شفنا عَلَيْهَا انوارا وانا يَوْمئِذٍ فِي سنّ التَّمْيِيز فَلَمَّا كَبرت فاستدركت ذَلِك علمت اجماع النَّاس على صَلَاحه وانه مِمَّن يُرْجَى بركته وَلَوْلَا ذَلِك لم يفعل وَالِدي مَا ذكرته فَإِنَّهُ كَانَ نزها من مراءات النَّاس وَلم يزل على الْقَضَاء المرضي حَتَّى توفّي نَهَار السبت حادي عشر شَوَّال من سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وستماية فَلم يُكفن الا بقرض اقْترض لَهُ وَكَانَ لَهُ مخلف وَرثهُ من ابيه قدر خَمْسَة الاف فافتقد فَلم يُوجد بَقِي مِنْهُ الا مَا يُسَاوِي الفي دِينَار وَبَاعَ العائز وَصَرفه مستعينا بِهِ على الْوَرع والاسباب الَّتِي كَانَت لَهُ من الْمدَارِس وَالْقَضَاء يصرف حاصلهاعلى المنقطعين من طلبه الْعلم والفقراء

    وَعرض مَعَ ذكره ذكر الشَّيْخ عَليّ الرميمة فَكَانَ يُسمى عَليّ ابْن احْمَد يلقب الرميمة تَصْغِير رمه صحب الشَّيْخ مدافع الْمَذْكُور اولا وَلزِمَ طَرِيق الْعُزْلَة بجبل صَبر وَكَانَ شَيخا مُبَارَكًا قَالَ القَاضِي مُحَمَّد بن عَليّ اخبرني الشَّيْخ عَليّ الرميمة ان اكله فِي السّنة اثْنَي عشر زبديا يكلفه اهله على ذَلِك والزبدي التعزي يؤمئذ قدر ثَمَانِيَة ارطال فِي تِلْكَ الايام وَإِنَّمَا زيدته فِي آخر الدولة المظفرية وَهَذَا الْقدر يَأْكُلهُ الْوَاحِد الْمُنْفَرد فِي شهر وَكَانَ صَاحب مكاشفات قَالَ القَاضِي وَكَانَ الشَّيْخ عبد الله ابْن عَبَّاس مقدم الذّكر قد بَعثه المظفر الى مصر هُوَ والأمير ابْن الداية فَلَمَّا صَارُوا بِمصْر مَاتَ ابْن الداية فاتصل الْعلم الى الْيمن ان الْمَيِّت هُوَ عبد الله ابْن الْعَبَّاس وَكَانَ يصحبني فمررت بِبَابِهِ فَسمِعت فِي بَيته بكاء ازعجني حَتَّى طلعت الى الشَّيْخ الرميمة فاخبرته فاطرق سَاعَة ثمَّ قَالَ لي لم يمت الا ابْن الداية وَابْن عَبَّاس فِي عَافِيَة فَانْزِل اخبر اهله بذلك فَنزلت مسرعا فاخبرتهم ثمَّ بعد

    ايام قدم الْعلم بِصِحَّة ذَلِك وَلم يزل الشَّيْخ عَليّ على الطَّرِيق المرضي حَتَّى توفّي يَوْم الْجُمُعَة صَلَاة الضُّحَى خَامِس وَعشْرين رَمَضَان سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وستماية

    وَحِينَئِذٍ ارْجع الى ذكر الْفُقَهَاء بتعز وَلم يكن فِي بلد اقل مِنْهَا فُقَهَاء وَلَقَد اخبرني ثِقَة أَنه كَانَ اذا كتب درسي لوحا من الْقُرْآن لم يكد يجد احدا من الْحفظَة يقصه عَلَيْهِ وَلذَلِك لم يذكر ابْن سَمُرَة مِنْهَا غير فَقِيه من ذِي عدينة

    وَقد ذكرته وانما كثر الْفُقَهَاء بهَا من الدولة المظفرية وهلم جرا فَهِيَ اكثر بِلَاد الْيمن فُقَهَاء ومتفقهون فِي عصرنا فَمن الْفُقَهَاء ابو عَفَّان عُثْمَان بن عَليّ بن سعيد بن ساوح تفقه ثمَّ تصوف صحب الشَّيْخ مدافع مقدم الذّكر وَلما اخبره الشَّيْخ ابو بكر بن مَنْصُور الصُّوفِي من أهل ذبحان انه عزم على وُصُول تعز لزيارة الشَّيْخ مدافع صحبته قَالَ فتوقفت لما سَمِعت انه جرى عَلَيْهِ مَا جرى حَتَّى بَلغنِي انزاله الى عدن فَلَقِيته الى المفاليس فَسَأَلته الصُّحْبَة فَقَالَ اذْهَبْ الى تعز واصحب الْفَقِيه عُثْمَان ابْن ساوح فقد استخلفته على اصحابه وَقَالَ الْفَقِيه عُثْمَان ايضا واخير القَاضِي تَقِيّ الدّين الْمَذْكُور اولا ان الشَّيْخ عَليّ الرميمة قَالَ لَهُ يَوْمًا يَا قَاضِي من االسلطان الْيَوْم قلت الْملك المظفر فَقَالَ هَكَذَا كنت اظن حَتَّى كَانَ لَيْلَة امس قُمْت لوردي فَبينا اصلي اذ سَمِعت جَمِيع الْبَيْت حَتَّى الْخشب والصرب مَا فِيهِ من آلَة يَقُول جَاءَ السُّلْطَان جَاءَ السُّلْطَان بفرح حَتَّى سَمِعت طاقيتي على رَأْسِي

    تَقول ذَلِك حَتَّى الْحَيَوَان الَّذِي فِي الْبَيْت فغلب على ظَنِّي أَن المظفر سيصل إِلَيّ فَلَمَّا اصبحت امرت اهلي بتنظيف الْبَيْت فَلَمَّا دفئت الشَّمْس اقبل الْفَقِيه عُثْمَان يسير على ضعف وَبِيَدِهِ عَصا متوكأ عَلَيْهَا فَدخل عَليّ الْبَيْت وصافحني بعد السَّلَام وَكَانَ لَهُ بِالْقربِ من بَيْتِي مزرعة بهَا زرع جيد فَقلت يَا فَقِيه مَا أحسن زرع ضيعتك فتنفس صعدا وَقَالَ ضيعتي اجرني فحين سمعته يَقُول ذَلِك غلب عَليّ ظَنِّي انه السُّلْطَان المعني وَقلت لَهُ نعم انت السُّلْطَان فَقَالَ وَقد اعلموك احسن الله الْعَافِيَة والخاتمة واخذ الْخِرْقَة عَن هَذَا الْفَقِيه جمَاعَة من الاعيان مِنْهُم الشَّيْخ عمر بن المسن الَّذِي نسب اليه العمرية وَله قرَابَة يعْرفُونَ ببني ساوح وهم اولاد اخيه واما هُوَ فَلَا عقب لَهُ وَلَا اظنه تأهل بِامْرَأَة واما الشَّيْخ عمر بن مُحَمَّد بن المسن فَكَانَ رجلا كَبِير الْقدر شهير الذّكر من اعيان مَشَايِخ الصُّوفِيَّة وَله اتِّبَاع كثير فِي نواح كَثِيرَة وَاصل بَلَده ذبحان وَله بهَا جمع كثير صحبوه واتبعوه على طَرِيق الصُّوفِيَّة وَصَارَ لَهُ اصحاب منتشرون فِي أَمَاكِن شَتَّى فِي بَلَده وَفِي جبل بعدان وناحية حجر الَّتِي هِيَ على قدر مرحلة من جِهَة مشرق بلدي الْجند من اعيانهم عمر بن مُحَمَّد الرَّاعِي وَعمر الْعَدوي شيخين كبيرين اهل كرامات شهيرة وانتفع بِكُل وَاحِد مِنْهُمَا جمع فعمر توفّي بِبَلَدِهِ لَا اعْلَم تَارِيخه بل زرت تربته وَهِي برباطه فِي بلد قومه بني عدي وَله عِنْدهَا ذُرِّيَّة اخيار غالبهم التَّوْفِيق ببركته وَغَيرهَا ويسمون العمرية نِسْبَة اليه وَكَانَ لَهُ ولد اسْمه عبد الله تزوج بابنة الشَّيْخ احْمَد بن علوان وَلَهُم مِنْهَا ذُرِّيَّة هم الان اصحاب الْقيام بالربط المنسوبة اليهم لَا سِيمَا فِي نَاحيَة جبل بعدان وَبَعْضهمْ فِي بَلَده يقوم برباطه الاصلي وَكَانَت وفاه على اكمل طَرِيق نَهَار الثُّلَاثَاء جمادي الاولى الْكَائِن فِي سنة اربعين وستماية

    وَمن الْفُقَهَاء بتعز مُحَمَّد بن عَبَّاس بِالْبَاء الْمُوَحدَة من اشعوب سامع وَهُوَ جبل بِنَاحِيَة الدملوة كَانَ فَقِيها صَالحا ورعا زاهدا تفقه بِابْن البابا وبالاشرفي وَالْقَاضِي مُحَمَّد بن عَليّ وَغَيرهم وَقد ذكرت من ورعه مَا تقدم مَعَ ذكر ابْن الْجُنَيْد حِين ذكرته فِيمَن تأهل وتدير قَرْيَة الجبي لما ظهر شهر عَنهُ الصّلاح ودعي الى نِيَابَة الْمدَارِس فَامْتنعَ عَنْهَا مَعَ الْحَاجة فَلم تأت ايام حَتَّى اعاضه الله بتدريس فدرس بالوزيرية وانتفع بِهِ جمع وَخرج فِي اصحابه نَحْو من خَمْسَة عشر مدرسا وَكَانَ محميا عَن الْمعاصِي بِدَلِيل مَا أَخْبرنِي الْفَقِيه عُثْمَان الشرعبي قَالَ لي يَوْمًا لقد راودتني امْرَأَة فِي ايام الشبيبة على نَفسِي فهممت بهَا وَلما عزمت اذ بذكرى كفتيلة عطب مبلولة وَاخْبَرْ عَنهُ الْفَقِيه عُثْمَان ايضا انه قَالَ بَلغنِي فضل مَسْجِد الْجند فَجعلت اخْتلف واصلي فِيهِ اياما فَكنت اذا احرم الامام وَبلغ الْمبلغ واحرم النَّاس سَمِعت فِي الْهوى تَكْبِير جمَاعَة لَا اعلمهم يصلونَ بِصَلَاة الامام وَكَانَ كثيرا مَا يرى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام وتدريسه فِي أول الامر بالوزيرية وتفقه بِهِ جمَاعَة كَثِيرُونَ ودرس مِنْهُم جمَاعَة كَعبد الرَّزَّاق وَعُثْمَان الشرعبي وَغَيرهمَا وَولي الْقَضَاء بتعز بعد مُحَمَّد بن عَليّ نِيَابَة وَكَانَ يَقُول حججْت فدعوت الله عِنْد الْحجر الاسود أَن يعصمني من الْقَضَاء وَالْفَتْوَى فَلَمَّا صرت بَين المدينتين مَكَّة وَالْمَدينَة امسيت مَعَ الْقَافِلَة فِي محطة فَلَمَّا نمت رَأَيْت فِي الْمَنَام حَلقَة عَظِيمَة من النَّاس فهرولت نَحْوهَا لانظر مَا مُوجبهَا واذا وسط هالتها شخص كانه الْقَمَر لَيْلَة تمامة فَقلت لبَعض الْحَاضِرين من هَذَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرَأَيْت رجلا سئله عَن مَسْأَلَة بِوَرَقَة قد نَاوَلَهُ اياها وَبِيَدِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جُزْء من الْمُهَذّب وَهُوَ ينظر تَارَة بالجزء وَتارَة بِالْمَسْأَلَة فَجعلت اتعجب واستيقظت فَلم اكره الْفَتْوَى بعد ذَلِك اقْتِدَاء بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبقيت على كَرَاهَة الْقَضَاء وعوفيت مِنْهُ فَللَّه الْحَمد وَقَالَ كنت ذَات يَوْم افكر فِي نَفسِي

    واحدثها انه لَو كَانَ لي مَال لفَعَلت بِهِ كَذَا وَكَذَا من الطَّاعَات والمباحات اذ سَمِعت قَارِئًا قَرَأَ وَلَو بسط الله الرزق لِعِبَادِهِ لبغوا فِي الارض وَلَكِن ينزل بقد ر مَا يَشَاء

    فَخرجت من الْموضع وتأملت هَل من تال أَو غَيره فَلم اجد احدا فَعلمت انها موعظة من الله تَعَالَى وَكَانَ يَقُول كَانَت لي جَارِيَة كنت لَهَا محبا وَكَانَت زَوْجَتي تعلم ذَلِك فتغار عَليّ فَقَالَت اني لَا اطيب مَعَك اَوْ تبيعني الْجَارِيَة فاذا صَارَت فِي ملكي امنتك عَلَيْهَا فَقلت فِي نَفسِي اطيب قَلبهَا وابتاعها عَلَيْهَا عقدا ثمَّ اخْتَار فَسخه فِي الْمجْلس فَلَمَّا فعلت ذَلِك عرض لي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لكل غادر لِوَاء يعرف بِهِ يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ قلت لَا أغدر ثمَّ أتممت البيع وَعرفت نَفسِي وَكَانَت وَفَاته على الطَّرِيق المرضي نَهَار الِاثْنَيْنِ مستهل الْحجَّة من سنة تسع وَثَمَانِينَ وستماية وَقد بلغ عمره بضعا وَخمسين سنة وقدمته لتحقيق ورعه وان كَانَ فِي الِاثْنَيْنِ من هُوَ اشهر مِنْهُ لَكِن رجح شهرة هَذَا وورعه وصلاحه

    وَمِنْهُم احْمَد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن سَالم الاصغر اليزيدي ثمَّ الشّعبِيّ نسبا والاشرقي بَلَدا نسبته فِي بني سَالم الامام الْمُقدم الذّكر بذى اشرق اليه تنْسب الْمدرسَة الاشرقية بمغربة تعز تفقه بالامام اسماعيل الْحَضْرَمِيّ مقدم الذّكر وَبِه تفقه مُحَمَّد بن عَبَّاس مقدم الذّكر وَجَمَاعَة من اهل تعز وَكَانَ يرْوى عَنهُ انه قَالَ كنت بالضحي يَوْمًا اطالع التَّنْبِيه فِي ظلّ الْمَسْجِد اذ بِي ارى على ورق الْكتاب نورا يتلالأ فَرفعت رَأْسِي واذا بشيخ ذِي لحية كثة عَظِيمَة ينظرمعي فِي الط سَاعَة ثمَّ عدت فَلم أر احدا ورايت على الْكتاب اثر النُّور كَمَا يكون اثر الْحَيَوَان الْمُسَمّى بالنوارى فَذكرت ذَلِك لشيخي الْفَقِيه اسماعيل فَقَالَ ذَلِك الشَّيْخ هُوَ الشَّيْخ ابو اسحاق مُصَنف الْكتاب وَقد كَانَ يأتيني ايام الْقِرَاءَة وَقَالَ سَمِعت الْفَقِيه اسماعيل يَقُول اعطوا الْعلم كلكُمْ يعطكم بعضه فانكم ان

    اعطيتموه بَعْضكُم لم تظفروا مِنْهُ بِشَيْء وَقَالَ كُنَّا نقتات بالعطارة وَكنت أتتبع الْمَسَاجِد لاجل السرج كلما طفي سراج رحت الى اخر حَتَّى اذا لم اجد سِرَاجًا نمت وَتُوفِّي على تدريس الْمدرسَة بالمغربة لم اتحقق تَارِيخه وَخَلفه ولد تفقه ثمَّ صحب الصُّوفِيَّة وَكَانَ يغلب عَلَيْهِ المحبوب ثمَّ ولي قَضَاء بعض نواحي الْبَادِيَة من اعمال تعز فَسَار يَوْمًا مُنْفَردا فَقتل وَلم يعرف قَاتله وَذَلِكَ على رَأس تسعين وستماية تَقْرِيبًا ومدرسته المنسوبة اليه انشأها جمال الدّين ياقوت الجمالي كَانَ واليا لحصن تعز وَهُوَ الَّذِي انشأ الْقبَّة الجمالية نِسْبَة اليه وَذَلِكَ فِي دولة سيف الاسلام غَالِبا وَخلف احْمَد واخوه سُلَيْمَان كَانَ ذَاكِرًا للْبَيَان وعارفا بِهِ اخذه عَنهُ عدَّة من الْفُقَهَاء بتعز سكن هُوَ واخوه تعز وتوفيا هُوَ واخوه بتعز وقبرا بهَا

    وَمِنْهُم يحي بن زَكَرِيَّا ابْن مُحَمَّد بن سعيد بن عبد الله الكلالي الضرغامي الْحِمْيَرِي اصل بَلَده جبل يعرف بخنيم بخاء مُعْجمَة محفوضة وَنون سَاكِنة وياء مثناة ومفتوحة ثمَّ مِيم وَهُوَ من جبال بعدان الْمُقدم الذّكر مشرف على اودية الملحمة وَرُبمَا كَانَ تفقهه فِي الْبِدَايَة باهلها وَله ذريتة بتعز يَأْتِي ذكرهم انشاء الله تَعَالَى فِي اهل طبقتهم تفقهه بِحسن بن عَليّ الَّاتِي ذكره واخذ الْبَيَان عَن الْفَقِيه مُحَمَّد الْهَمدَانِي واخذ عَن اسحاق الطَّبَرِيّ وَمُحَمّد بن مُخْتَار الرواوي ودرس بِالْمَدْرَسَةِ الْمَعْرُوفَة بالغرابية من مغربة تعز انشأها الْملك الْمَنْصُور ونسبت الى مُؤذن كَانَ يُسمى غرابا كَمَا سميت الاخرى بالوزيرية نِسْبَة الى بعض مدرسيها كَمَا سَيَأْتِي وَكَانَ هَذَا يحي فَقِيها عَارِفًا بالفقه نقالا لَهُ توفّي على التدريس

    بالمغربة لأحدى عشرَة لَيْلَة بقيت من رَمَضَان سنة ثَمَانِي وَسِتِّينَ وستماية

    وَقد عرض مَعَ ذكره الرواوي فَهُوَ ابو عبد الله مُحَمَّد بن مُخْتَار الرواوي بِفَتْح الرَّاء بعد الف وَلَام وواو مَفْتُوحَة ثمَّ الف ثمَّ وَاو ثمَّ يَاء نسب نِسْبَة الى بلد من الغرب اخبرني الثِّقَة ان الْفَقِيه مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الْحَضْرَمِيّ اَوْ وَلَده اسماعيل قطع الْمخبر بِأَحَدِهِمَا واجه هَذَا الرواوي فَسَأَلَهُ عَن قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْخلَافَة فِي قُرَيْش وَالْقَضَاء فِي الانصار والاذان فِي الْحَبَشَة وَكَيف عمل الشَّافِعِي بالْخبر الاول دون الاخرين وَمَا الْفرق فاجاب الرواوي بِاثْنَيْ عشر فرقا حَتَّى بهت الْحَضْرَمِيّ وَكَانَا سايرين لصَلَاة الْجُمُعَة وَقَالَ مَا اغزر نقل هَذَا الرجل وَجعل يعجب لَهُ بذلك وَيَقُول مَعنا فرقان وَقد صرنا معجبين بهما نظن ان لَيْسَ مَعَ اُحْدُ مثلهماوكانا قدومه الْيمن على رَأس خمسين وستماية تَقْرِيبًا وارتحل الى مَكَّة وَتُوفِّي بهَا وَلم اتحقق تَارِيخه

    وَمِنْهُم ابو بكر بن آدم بن ابراهيم الجبرتي بَلَدا الزَّيْلَعِيّ لقبا على عَادَة خطابه اعتادها اهل الْيمن يلقبون بهَا غَالب السودَان الخارجين اليهم من بِلَاد الْحَبَشَة لَا سِيمَا من لم يكن رَقِيقا اذ يسمونه حَبَشِيًّا وَمن عداهُ يسمونه زيلعيا نِسْبَة الى قَرْيَة هِيَ بندر الْحَبَشَة يركب مِنْهَا الى غَالب سواحل الْيمن لَا سِيمَا سَاحل عدن وَهِي بِفَتْح الزَّاي وَسُكُون الْيَاء الْمُثَنَّاة ن تَحت وَفتح اللَّام ثمَّ عين مُهْملَة سَاكِنة وَيخرج مِنْهَا فِي قوافل الى حَيْثُ يُرِيد القاصد من جَمِيع نواحي الْحَبَشَة ومايسامتها تفقه هَذَا أَبُو بكر بالامام اسماعيل الْحَضْرَمِيّ مقدم الذكرواخذ عَن غَيره وَكَانَ اُحْدُ محققي الْفِقْه وَصدر الْمُفْتِينَ فِي مَدِينَة تعز والمعدودين لذَلِك وَكَانَ رَأْسا للمفتين بتعز قَائِلا بِالْحَقِّ غَالِبا غير محاربه قايلا وفاعلا وَلَو لم يكن لَهُ فِي ذَلِك الا الْقِصَّة الْمَشْهُورَة مَعَ ابْن البانة والمقدسي الَّاتِي ذكرهمَا وَهِي مَا خبرني جمَاعَة من الثِّقَات ان الْمَقْدِسِي قدم تعز وَكَانَ فَقِيها اصوليا منطقيا فَجعل مدرسا بِالْمَدْرَسَةِ الْعليا الْمَعْرُوفَة بِأم

    السُّلْطَان فِي مغربة تعز وَكَانَ ابْن البانة يَصْحَبهُ فِي جمَاعَة وَكَانَا يتذاكران من علم الْكَلَام بِمَا لَا تحتمله الْعُقُول وَلَا تقبله فنسب الى الزندقة وَالْكفْر وتكرر ذَلِك مِنْهُمَا وَنَفر النَّاس عَنْهُمَا نفورا فَاحِشا وَالْفُقَهَاء مترددون فِي امرهما حَتَّى شهد الْفَقِيه احْمَد بن الصفي الَّاتِي ذكره عَلَيْهِمَا وَكَانَ يقرا على بن البانة بانهما ينكران صدق الْقُرْآن ويقولان لَيْسَ هُوَ كَلَام الله تَعَالَى فَاجْتمع الْفُقَهَاء الى هَذَا ابْن ادم واخبروه بِمَا شهد بِهِ ابْن الصفي فصعب عَلَيْهِ ذَلِك فَقَالَ لَهُ الْفُقَهَاء رَأينَا لرأيك تبع فأشر بِمَا شِئْت فَنحْن ممتثلون وامرنا بِمَا شِئْت فانا قابلون فَقُمْ لله والا انتشرت هَذِه الْبِدْعَة ومرق النَّاس من الدّين اَوْ كَمَا قَالُوا فَقَالَ الصَّوَاب انا نطلع الى المغربة وَنُصَلِّي يَوْم الْجُمُعَة بالجامع فَمَتَى خرج هَذَانِ اوقعنا بهما وقتلناهما وارحنا مِنْهُمَا الاسلام والانام فاجابوه بِالطَّاعَةِ وتعاهدوا على ذَلِك فَنقل للمقدسي وَابْن البانة مَا اتَّفقُوا عَلَيْهِ وَلما كَانَ يَوْم الْجُمُعَة طلع ابْن ادم من ذِي عدينة اذ كَانَ مدرس الشمسية ويسكن بهَا فَلَمَّا صَار بالجامع فِي المغربة وَاجْتمعَ اليه الْفُقَهَاء وحان وَقت الصَّلَاة دخل الْمَقْدِسِي وَمَعَهُ جمَاعَة من الاعوان يَحْفَظُونَهُ بِالسِّلَاحِ وَلم يدْخل ابْن البانة فبحث الْفُقَهَاء عَن ذَلِك فَقيل لَهُم لما بلغ ابْن البانة اتفاقكم على مَا اتفقتم عَلَيْهِ من الامر حذر الْمَقْدِسِي وامره بالتقدم الى الواثق والالتزام بِهِ وَشَكوا الْفُقَهَاء عَلَيْهِ ثمَّ نزل من فوره الى ذِي عدينة متخفيا فأكثترى هجينا الى زبيد وَكَانَ المظفر بهَا فَركب وَلم يشْعر بِهِ الاشرف حَتَّى صَار منطرحا على بَابه وَكَانَ يدل عَلَيْهِ بجوار وَمَعْرِفَة فحين علم الاشرف بوصوله استدعاه واستخبره عَن أمره فاخبره الْقِصَّة فَكتب حِينَئِذٍ الى ابيه المظفر يُخبرهُ بذلك وَقيل بل أمره الاشرف أَن يكْتب قصَّته يشكو اليه من فعل الْفُقَهَاء فحين وقف على ذَلِك صَعب عَلَيْهِ فخشى ان يسْرع الْفُقَهَاء الى شقَاق كَبِير يصعب علاجه فَكتب اليهم مَا مِثَاله اظلمتم الضيا وخبطتم فِي عشوى فاقتصروا عَن هَذِه الْأَهْوَاء وَاشْتَغلُوا

    بالنصوص فانك يَا ابْن ادم اغنى المفقهه وامثالك مِمَّن فِي تِلْكَ الْجِهَة لم يحظ علما بِمَا فِي كِتَابه وَلَو بهت احدكم وَسُئِلَ عَن مَسْأَلَة على الْقَوْلَيْنِ لم يكن فِي قدرته الْجَواب عَنْهَا حَتَّى يكْشف ويطالع وان كَانَ يغنيكم مَا افنيتم بِهِ اعماركم فَكيف تخرجُونَ الى اهوية تقيمون لَهَا امثالا بِظَاهِر الفاظكم مِمَّا يسْتَدلّ لَهَا على اهويتكم فاعتمدوا على الْكتاب وَالسّنة وَالصَّحِيح من حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واتركوا التَّمَسُّك بالموضوعات على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلهَذَا عُلَمَاء يوردون وَيَصْدُرُونَ ماكتبتم من ذَلِك النمط فالحذر كل الحذر وَمن اعذر فقد انذر فَإِن اقتصرتم والا قصركم السَّيْف عَن طول اللِّسَان فقصدكم التلبيس على الْعَوام بقيل وَقَالَ ثمَّ ارسل الى الْوَالِي بحصن تعز بِالْوَرَقَةِ وعرفه ان يَأْمر الْخَطِيب يقرئها على الْمِنْبَر بِحُضُور الْفُقَهَاء وَغَيرهم فَفعل الْوَالِي ذَلِك وَقَرَأَ الْخَطِيب الورقة كَمَا امْر فَتفرق الْفُقَهَاء عَن ذَلِك وَتَفَرَّقُوا فِي الْبلدَانِ شغربغر وَقَامَ اعيان الْفُقَهَاء فِي الْبَلَد مُهَاجِرين للمقدسي اذ هُوَ مُقيم على جوَار من الواثق اذ كَانَ مُقيما فِي تعز خلفا لِأَبِيهِ فَلم يكد يُقيم المقسدي غير يسير حَتَّى مرض ثمَّ توفّي على الهجر بِحَيْثُ قبر سحرًا وَلم يكد يحضر قبرانه غير نفر يسير وَلم يزل ابْن البانة ملتصقا بالاشرف فحتى توفّي بعد اتِّفَاق من

    الْفُقَهَاء واظهارتوبته عَمَّا نقل عَنهُ وصنف فِي ذَلِك مصنفات يدل على صِحَة رُجُوعه وَسَيَأْتِي بَيَان ذَلِك مَعَ ذكره ان شَاءَ الله تَعَالَى

    نرْجِع الى تَتِمَّة ذكر ابْن ادم فَكَانَ وَاحِدًا فِي رياسته وتدريسه وَكَانَ يَوْم الْعِيد لَا ينْصَرف النَّاس عَن الْمصلى خَاصَّة الْفُقَهَاء الا إِلَى بَيته يحْضرُون طَعَاما يصنعه لَهُم وَكَانَ شرِيف النَّفس عالي الهمة وتفقه بِهِ جمع كثير من تعز وَغَيرهَا مِنْهُم احْمَد بن

    زَكَرِيَّا وَمُحَمّد السبائي وابراهيم الابيني وَغَيرهم وَقَالَ سَمِعت شَيخنَا الْفَقِيه اسماعيل الْحَضْرَمِيّ يَقُول رَأْي رجل صَالح من اصحابنا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَأن يَوْم الْقِيَامَة قد قَامَت واعطى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَفَاتِيح الْجنَّة فَقَالَ الرَّائِي وَهُوَ كالخائف يَا رَسُول الله انا بجارك فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الدرسة مَا عَلَيْهِم خوف فَقَالَ من هم الدرسة قَالَ درسة التَّنْبِيه والمهذب قَالَ وامرني الْفَقِيه بابلاغ ذَلِك الى اخوتنا الدرسة وَلما كَانَ فِي الْيَوْم الَّذِي ادخل فِيهِ الامام ابراهيم اسيرا الى تعز اصبح هَذَا الْفَقِيه اقفل شبابيك بَيته الَّذِي هُوَ فِيهِ اذ مر الامام عِنْده وَلم يظْهر عِنْده وَلَا اُحْدُ من جِهَته حَتَّى صَار الامام محبسه فَقيل لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَزينًا كئيبا فسئلته اَوْ سَأَلت بعض الْحَاضِرين مَعَه عَن سَبَب ذَلِك فَقَالَ ان النَّبِي حَزِين لأمساك وَلَده هَذَا الامام اَوْ كَمَا قَالَ اخبرني الثِّقَة ان ابْن البانة وَصله الى مجْلِس تدريسه وَاحِد الدرسة يقْرَأ عَلَيْهِ والفقيه يذاكره فَلَمَّا قعد ابْن البانة عِنْد ابْن ادم اراد الدرسي ان يمْتَنع عَن الْقِرَاءَة فزجره ابْن ادم وَقَالَ لَا تعْتَبر بهؤلاء واشار الى ابْن البانة فَأَنا وَالله افقه مِنْهُم فَلم ينْطق ابْن البانة بِكَلِمَة غير ان قَالَ صدقت يَا سَيِّدي الْفَقِيه وَاقْبَلْ الدرسي على قِرَاءَته حَتَّى فرغ وَلما دنت وَفَاته مرض فَضَاقَ بتعز واحب ان يرجع الى نَاحيَة موزع الى الْفَقِيه سُلَيْمَان الفرساني الَّاتِي ذكره فارتحل الى هُنَاكَ فالفاه قد توفّي فَلبث عِنْد اولاده بقريتهم الْمَعْرُوفَة بالقحقح أَيَّامًا ثمَّ توفّي فِي اُحْدُ شهور سنة سِتّ وسعبين وستماية وَلما ابْتليت بِقَضَاء موزع زرت قَبره مرَارًا مُتَعَمدا مَعَ قبر صَاحبه سُلَيْمَان لما كَانَ يبلغنِي من ورعه كَمَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَسَيَأْتِي بَيَان الْفَقِيه والقرية ان شَاءَ الله

    وَمِنْهُم ابو اسحاق ابراهيم بن سُلَيْمَان بن مُحَمَّد بن عجلَان تفقه بعلي بن ابي الْقَاسِم السرددي ويوسف بن ابي بكر اليحيوي عَن الجبائي والرواوي وَغَيرهم وَكَانَ فَقِيها صَالحا متعبدا متورعا متزهدا درس الْفِقْه ايام شبيبته ثمَّ فِي آخر أَيَّامه تعانى درس الْقُرْآن وَقِرَاءَة كتب الحَدِيث وإقراءها اخذه لَهَا عَن الشريف ابي الْحَدِيد الْمُقدم ذكره وَعَن مُحَمَّد بن اسماعيل الْحَضْرَمِيّ الَّاتِي ذكره وَعَن الشَّعْبَانِي وَعَن سَالم الابيني وَعنهُ اخذ جمَاعَة من مدرسي تعز كشيخنا ابْن الصفي وَعُثْمَان الشرعبي وَابْن النحوى وَغَيرهم وَكَانَت لَهُ ضَيْعَة ورثهَا يقتات مَا يَأْتِي مِنْهَا فَلَمَّا دنت وَفَاته وَقفهَا ووقف كتبه على طلبة الْعلم وَلم اتحقق تَارِيخه وَلَا عقب لَهُ من جِهَة الرِّجَال بل اولاد الْفَقِيه عَليّ بن عِيسَى ذُريَّته من جِهَة الْبَنَات وَتُوفِّي بعد أَن بلغ عمره نيفا وَثَمَانِينَ سنة

    وَمِنْهُم ابو الْحسن عَليّ بن ابي الْقَاسِم بن عَليّ بن مُحَمَّد عرف بالسرددي قدم تعز فِي أول الدولة المنصورية فصحب الشَّعْبَانِي والتصق بِهِ وَلما قدم الصَّدْر الصَّاغَانِي الى تعز سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وستماية اخذ عَنهُ مقامات الحريري ورسالته بمواصلة الشَّيْخ مَنْصُور بن حسن الْمُقدم ذكره واخذ عَن الْفَقِيه العسيقي وَعَن الْفَقِيه مُحَمَّد بن مَضْمُون وَعَن الْفَقِيه عَليّ بن قَاسم الْحكمِي وَسَعِيد بن مُحَمَّد المَخْزُومِي وَعبد الله بن اِسْعَدْ الوزيري وَلم اتحقق لَهُ تَارِيخا

    وَمِنْهُم الْفَقِيه احْمَد بن عبد الله بن اِسْعَدْ بن ابراهيم الوزيري المري بَلَدا الاوسي ثمَّ الانصاري نسبا والبلد تعرف بالوزيرة بواو مَفْتُوحَة بعد الف وَلَام ثمَّ زَاي مخفوضة ثمَّ يَاء مثناة من تَحت ثمَّ رَاء مَفْتُوحَة ثمَّ هَاء وَهِي صقع على نصف مرحلة من تعز من جِهَة قبليها والمري جد لَهُم يعرف بمري تفقه بِأَبِيهِ عبد الله الْمُقدم ذكره وَابْنه تفقه بالأحنف ودرس بِالْمَدْرَسَةِ الوزيرية بعد ابْن مَضْمُون غَالِبا وَبِه سميت الى عصرنا لطول مقَامه بهَا

    واقامه ابْن عَمه فِيهَا ثمَّ

    عَن لَهُ الْحَج فحج فِي أَيَّام الْمَنْصُور بعد ان اسْتخْلف ابْن عَمه الَّاتِي ذكره وَلما قضى الْحَج وَعَاد احب ان يسكن زبيد فَسَأَلَ من الْمَنْصُور ان يسكنهُ اياها فاسكنه اياها وَجعل لَهُ الْمدرسَة الشَّافِعِيَّة فاخذ عَنهُ عمر بن عَاصِم وَغَيره من اهلها وَهُوَ اُحْدُ شُيُوخ يحي بن زَكَرِيَّا وَكَانَت وَفَاته بزبيد فِي شهر رَجَب سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وستماية وقبر بِبَاب القرتب وَخلف اولادا أفقههم سُلَيْمَان سكن مخلاف شرعب وَكَانَ فَقِيها صَالحا زاهدا ورعا متعبدا تفقه فِي بدايته بابيه ثمَّ بالامام اسماعيل الْحَضْرَمِيّ واخذ عَن ابي الْخَيْر وَعَن السُّلْطَان علا السمكري وَكَانَ مَعَ حسن فقهه يَقُول شَيْئا من الشّعْر غالبه فِي صرح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي الزّهْد وَمِنْه قَوْله ... سَبِيلك فِي الدُّنْيَا سَبِيل مُسَافر ... وَلَا بُد من زَاد لكل مُسَافر

    وَلَا بُد فِي الاسفار من حمل عدَّة ... وَلَا سِيمَا ان خفت سطوة قاهر ... وَمَا شعره فِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاكثر من ان يُحْصى وَكَانَ مَسْكَنه قَرْيَة فِي بلد شرعب تعرف بالمصياة بميم مخفوظة وصاد مُهْملَة سَاكِنة ثمَّ يَاء مثناة من تَحت مَفْتُوحَة ثمَّ هَاء سَاكِنة وبهاء قَالَ بعض الْفُقَهَاء وَقد جَاءَ مِنْهَا فَسئلَ من ايْنَ مَجِيئه فَقَالَ من عِنْد بني مري الساكني المصيابه السالكين طَرِيق كل اصابة وَهَذَا مرى جدلهم بِضَم الْمِيم وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْيَاء الْمُثَنَّاة من تَحت كَانَ لَهُ ثَلَاثَة اخوة هم مُحَمَّد كَانَ فَقِيها ثمَّ مظفر ثمَّ مكرم تفقها ايضا وَلم اتحقق لَهُم مَا يذكر

    وَمِنْهُم ابو عبد الله مُحَمَّد بن القَاضِي عمر الهزاز مقدم الذّكر اول ذكر فُقَهَاء الْبَلَد مولده يَوْم الْخَمِيس ثامن عشر شَوَّال سنة اثْنَتَيْنِ وستماية كَانَ موسوما بالفقه وَالدّين وَالْعِبَادَة وَالصَّلَاح والورع لوزم على ان يتَوَلَّى الْقَضَاء بعد ابيه

    فَامْتنعَ بعد ان وقف بِهِ مُدَّة وَكَانَ المظفر يجله ويعتقد صَلَاحه وَرُبمَا زَارَهُ سرا الى منزله اخبرني الْفَقِيه عُثْمَان الشرعبي فَلَمَّا فرغ النَّاس من الْقِرَاءَة سُئِلَ المظفر عَن الْفَقِيه فَقيل هُوَ بالقبة الضريبة فَقَامَ اليه فَلَمَّا اقبل قَامَ لَهُ الْفَقِيه وتسالما ثمَّ جعل المظفر يحدثه بلطف ويستعطفه ويستدعي دَعَاهُ وافترقا بعد الدُّعَاء وَكَانَت وَفَاته بعد ان صنف كتبا فِي الْفِقْه وَغَيره على مَا ذكر اذ لم نقف على شَيْء مِنْهَا يَوْم الِاثْنَيْنِ بعد الظّهْر لاربع بَقينَ من شَوَّال سنة سبعين وستماية وَحين بلغت وَفَاته الْملك المظفر كتب الى اولاده سَأَلَهُمْ ان يدفنوه فِي التربة الَّتِي هِيَ قبلي جَامع عدينة فَفَعَلُوا ذَلِك اذ خَواص بني الرَّسُول من الْقَرَابَة والسراري مقبورون فِيهَا وَخلف اولادا جمَاعَة اليهم انْتَهَت الرياسة الدُّنْيَوِيَّة والديانة فِي غَالب الدولة المويدية يَأْتِي ذكرهم إِن شَاءَ الله تَعَالَى

    وَمِنْهُم أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْفَقِيه ابراهيم بن اِسْعَدْ الوزيري يجمعه هُوَ وَابْن عَمه الْمُقدم ذكره جدهما اِسْعَدْ وجده ابراهيم قد ذكره ابْن سَمُرَة وذكرته ومولده سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وخمسماية وَنَشَأ نشؤ البدو وَلم يشْتَغل بِالْعلمِ حَتَّى بلغ عمره اربعين سنة فَذكرُوا انه كَانَ اذا وصل الى ابْن عَمه الْمَذْكُور اولا لم يكد يصافحه وَلَا يتْركهُ يدنو مِنْهُ ويطوي عَنهُ حصر الطَّهَارَة حَتَّى جَاءَهُ يَوْمًا فَبَالغ فِي التَّحَرُّز مِنْهُ واظهر لَهُ ذَلِك فتعب فَقَالَ لَهُ وَلم تفعل ذَلِك فَقَالَ لانه غلب على ظَنِّي انك لَا تتحرأ من نَجَاسَة وانك لَا تعرف مَا يَنْبَغِي لَك اجتنابه وانك جَاهِل فَرَأَيْت التَّحَرُّز مِنْك اولى فداخله من ذَلِك غيظ عَظِيم وَخرج فلحق بِعَبْد الله بن مُحَمَّد الجبائي الْمَذْكُور فِي نواحي جبا فتفقه بِهِ ثمَّ عَاد الى ابْن عَمه فاكمل عَلَيْهِ التفقه ثمَّ لما عزم على الْحَج كَمَا قدمنَا استنابه على التدريس فدرس بالوزيرية وَعنهُ اخذ جمَاعَة كَثِيرُونَ وَمِنْهُم ابْن النَّحْوِيّ وَابْن البانة من تعز وَحسن بن عَليّ

    من اب وَغَيرهم مِمَّن لم يحضرني ذكرهم وَلم اتحقق لوفاته تَارِيخا

    ثمَّ صَار الْفِقْه بطبقة اخرى مِنْهُم ابو عبد الله مُحَمَّد بن سَالم بن عَليّ الغسي بالنُّون عرف بِابْن البانة تفقه بعمر بن مَسْعُود الابيني وبالوزيري واخذ عَن الْمَقْدِسِي ثمَّ امتحن بالقصة الَّتِي قدمنَا ذكرهَا عِنْد ذكر ابْن ادم فَلم يزل منافرا للفقهاء والقضاة حَتَّى امكنه الدُّخُول على القَاضِي الْبَهَاء وَهُوَ يؤمئذ المتفرد بالوزارة وَالْقَضَاء فَحلف لَهُ انه مَا تغير عَن مُعْتَقد السّنة واراه كتابا صنفه فِي مُعْتَقد السّلف فَقبل مِنْهُ ذَلِك بعض قبُول واكثر الْفُقَهَاء لم يكد يصدق ذَلِك وَلم يزل مُنْقَطِعًا الى الاشرف حَتَّى توفّي دخل على الاشرف يَوْمًا وَعِنْده شَيْء من التحف فَقَالَ يَا فَقِيه لَيْسَ مَعَ الْفُقَهَاء شَيْء من هَذَا فَقَالَ عِنْدهم مَا قَالَ الشَّاعِر ... شَيْئَانِ احسن من عنَاق الخرد ... والذ من شرب القراح الاسود

    واجل من رتب الْمُلُوك عَلَيْكُم ... وشي الْحَرِير مطرز بالعسجد

    سود الدفاتر ان اكون نديمها ... طول النَّهَار وَبرد ظلّ الْمَسْجِد ... فَقَالَ الاشرف نعم مَا حفظت وَكَانَت وَفَاته لَيْلَة عيد الْفطر وَقيل صبيحتها قبل صَلَاة الْعِيد سنة سبع وَسبعين وستماية اخبرني الثِّقَة قَالَ كنت كثيرا مَا ارى الْفَقِيه ابْن الصفى مَتى زار الْقُبُور وَمر بِقَبْر ابْن البانة انْصَرف عَنهُ فرأيته مرّة قَاعِدا عِنْده قد كشف رَأسه فدنوت مِنْهُ وَسَأَلته السَّبَب فَقَالَ رَأَيْته فِي مَنَامِي البارحة على هَيْئَة حَسَنَة وَحَوله كتب كَثِيرَة فَقَالَ لشخص عِنْده هَات الْكتاب الْفُلَانِيّ الى الْفَقِيه ليزول عَن قلبه مَا أَخذ عَليّ فَقلت يَا سَيِّدي انت صَادِق ثمَّ اعتنقته واعتنقني وَزَالَ مَا فِي باطني وعزمت على زيارته

    وَمِنْهُم ابو الْعَتِيق ابو بكر بن مُحَمَّد بن سعيد بن عَليّ الحفصي ثمَّ الازدي والحفصي نِسْبَة الى القارى حَفْص والازدي الى الْقَبِيلَة الْمَشْهُورَة

    وَيعرف بِابْن العراف مولده ومنشآه قَرْيَة ذِي السفال وتفقه بهَا على مُحَمَّد بن مَسْعُود الَّاتِي ذكره وَكَانَ فَقِيها محققا للفقه نقالا لَهُ عَارِفًا بِهِ درس فِي أول امْرَهْ بذى جبلة فِي الْمدرسَة الزابية ثمَّ انْتقل الى تعز بسؤال من الْقُضَاة بني عمرَان فدرس بالوزيرية وَاتفقَ عَلَيْهِ بَنو عمرَان وسألوه ان يكون مدرسا لابناء حسان ونايبا لَهُم فِي الحكم فاقام على ذَلِك اياما ثمَّ اعتذر عَن الحكم فعذر بِابْن النحوى وتفقه بِهِ جمَاعَة

    مِنْهُم ابْن النحوى وَابْن زُرَيْق وَبَان الصفي وعبد الله الريمي وَغَيرهم وَتُوفِّي يَوْم عَرَفَة بعد صَلَاة الصُّبْح سنة تسع وَثَمَانِينَ وستماية وَقد بلغ عمره ثمانيا واربعين سنة وَمِنْه شَيْخي ابو الْعَبَّاس أَحْمد بن الْفَقِيه على السرددي الْمَذْكُور اولا كَانَ فَقِيها محققا وَغلب عَلَيْهِ فن الحَدِيث اِدَّرَكَ الشُّيُوخ الاكابر من تهَامَة وَالْجِبَال والواردين اليها من غَيرهمَا فن تهَامَة مُحَمَّد بن ابراهيم الفشلي واسماعيل الْحَضْرَمِيّ وَعمر التباعي وَمن الْجبَال مُحَمَّد بن مِصْبَاح وَغَيره واما القادمون فجماعة مِنْهُم الْعِمَاد الاسكندري والقطب الْقُسْطَلَانِيّ وَابْن وحيش واسحاق الطَّبَرِيّ وَعنهُ اخذ غَالب فُقَهَاء تعز كتب المسموعات كالبخاري وَمُسلم وغالب كتب الحَدِيث وَكَانَت كبته مضبوطة مُحَققَة وَعنهُ اخذت عدَّة كتب ورايت ضَبطه لكتبه ضبطا شافيا ولي مِنْهُ اجازة عَامَّة لجَمِيع مَا تجوز لَهُ رِوَايَته كَمَا قَرَأت عَلَيْهِ أَسبَاب الْأَئِمَّة الْأَرْبَعين جمع ابْن أبي الصَّيف وَالْقَصِيدَة الرائية الَّتِي ذكر بهَا المبتدعة الَّتِي اولها ... تدبر كتاب الله وَاتبع الْخَبَر ... ودع عَنْك رَأيا لَا يلائمه الْأَثر ... فجزاه الله عني خيرا وَكَانَت وَفَاته عَام خمس وَتِسْعين وستماية

    وَمِنْهُم ابو الْعَتِيق ابو بكر بن الْفَقِيه مُحَمَّد بن القَاضِي عمر الهزاز الْمُقدم ذكرهمَا مولده رَجَب سنة سِتّ واربعين وستماية تفقه بابيه غَالِبا وَبِغَيْرِهِ كَابْن البانة وَرُبمَا اخذ عَن الْمَقْدِسِي ثمَّ تصوف وَصَحب الاكابر من الصُّوفِيَّة كابي السرُور وَغَيره

    وَحج مَكَّة فلقي بهَا جمعا من الاكابر صحبهم وانتسخ كتبا من كَلَام ابْن الْعَرَبِيّ الصُّوفِي فعكف عَلَيْهَا واعتقد مَا فِيهَا فَلذَلِك نقم عَلَيْهِ غَالب الْفُقَهَاء فان ابْن الْعَرَبِيّ لَهُ مُعْتَقد غَرِيب مِنْهُ اعْتِقَاده ان فِرْعَوْن مَاتَ على اسلام مُحَقّق وَغير ذَلِك مماهو مَشْهُور عَنهُ فِي كتبه وانكره اعيان الْفُقَهَاء ثمَّ لما عَاد الْيمن اقبل عَلَيْهِ غَالب اعيان الْأُمَرَاء والملوك والخواتين وَصَارَ لَهُم بِهِ مُعْتَقد عَظِيم وَذكروا لَهُ كرامات وَنقل عَنهُ اصحابه امورا تدل على جلالة الْقدر وَالصَّلَاح وَحصل بَينه وَبَين الْملك الْمُؤَيد ائتلاف وصحبة قبل مصير الْملك اليه وأعتقد صَلَاحه إعتقادا جَاوز الْحَد لم يشركهُ فِيهِ من الاعيان غير ابْن اخيه النَّاصِر فَإِنَّهُ ايضا صَحبه كَمَا صحب عَمه واعتقد فِي هـ الصّلاح ورويا عَنهُ عدَّة كرامات وَلما صَار الْملك الى الاشرف تخوف وَخرج هُوَ وأخوته وَجَمَاعَة من المنتسبين اليه عَن تعز فلحق هُوَ بِنَاحِيَة من طرف بلد وصاب واحيا هُنَالك ارضا زَرعهَا تعرف بوادي سخمل ثمَّ لم يكد يقف غير اشهر حَتَّى توفّي الاشرف وَصَارَ الْمُؤَيد سُلْطَانا على مَا سَيَأْتِي بَيَانه فاستدعاه الْمُؤَيد من حَيْثُ هُوَ فوصل بعد ان مر على النَّاصِر وَهُوَ يَوْمئِذٍ مقطع بِمَدِينَة القحمة واعمالها ثمَّ وصل الى تعز واخذ للناصر المواثيق من عَمه ثمَّ طلب النَّاصِر فوصل مسرعا وَجمع بَينه وَبَين عَمه وَعَاهد بَينهمَا وَلم يزل الْحَال بَينهمَا متجملا الى سِتّ عشر وسبعماية وَحدث بَينهمَا مَا رُبمَا أذكرهُ فِي مَوْضِعه ان شَاءَ الله وزبدة الامر فِيهِ ان النَّاس مُخْتَلفُونَ فِيهِ فَمن قَائِل هُوَ ولي الله وَهُوَ الْمُؤَيد والناصر وَبَعض من حولهما وَقَلِيل من النَّاس وَالَّذين عَلَيْهِ الاكثرون نسبته الى التلبيس وَالرَّغْبَة الى الدُّنْيَا وَاسْتِعْمَال الاسماء وَالسحر بهَا ومعاناة الكيمياء وطلبها من كل ليوهم أَن مَعَه علما بهَا وَكَانَ هَذَا الْفَقِيه مُنْذُ وصل الى تعز مظهر لاقامة

    الامر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وابطال الْخمر وَمَا شابهه وعقاب من اظهر شَيْئا من ذَلِك وَلم يكن السُّلْطَان مغيرا مَا فعله اعتقادا ان مَا فعله هُوَ الصَّوَاب وَكَانَ مَعَ ذَلِك محسنا الى جمَاعَة فُقَهَاء بتعز وَغَيرهَا مَعَ تحَققه ان جمَاعَة مِنْهُم يكرهونه وَرُبمَا ساؤا اليه وَكَانَ يحسن الى اولئك خَاصَّة وَسمعت من ذَلِك اشياء يطول شرحها وَله فِي التصوف كتب مستحسنة واشعار معجبة

    ايضا وباشارته انْتقل نظر الاوقاف من الْحُكَّام الى اهل الدِّيوَان وَاسْتمرّ ذَلِك الى عصرنا سنة ثَلَاث وَعشْرين وسبعماية وَلم يزل بتعز على الْحَال الْمَذْكُور واهله يُنكرُونَ ذَلِك وهم حجود لليقين فانا نقدره صدق قَوْلهم وفَاقا لَهُم فَلم لَا صد عَن الْوَقْف كَمَا صد عَن الْخمر وَغَيره وَلَقَد اخبر ثِقَة ال كنت اعتقده حَتَّى قدر انني قلت لَهُ اكْتُبْ لي الى ابْن اخيك يكْتب لي الى النَّائِب بزبيد ان لَا يكون يقطعني الكيلة من الْغلَّة الى الْغلَّة فَقَالَ انت فَقِيه

    كَيفَ يجوز اكل طَعَام سنة فِي اخرى فَعلمت ان ذَلِك كَلَام مغالطة ومباهتة وَلَو عرف لفعل كَمَا فعل اسماعيل الْحَضْرَمِيّ على مَا قدمْنَاهُ فانه كَانَ اذا توفر على مَصْرُوف الْمدرسَة شَيْء امْر باخراجه وتفريقه على المرتبين واذا امْتنع بعض قليلي التَّوْفِيق من النواب وصل الْفَقِيه المخزن وَأمر بِكَسْر قفله واخراج مَا فِيهِ وفرقه على الطّلبَة وَلم يزل فِي تعز على الْحَال الْمَذْكُور من الْغَلَبَة على امْر السُّلْطَان وَالْقَضَاء بيد اخيه والوزارة ايضا وَفِي سنة ثَمَانِي وسبعماية نزل السُّلْطَان من تعز الى زبيد ثمَّ صَار الى المهجم وطلع حصون حجه فَأخذ حصنا كَانَ يغلب عَلَيْهِ الْعَرَب وَكَانَ فِي حصن تعز وَال يعرف بالعتمي حصل مِنْهُ سوء ادب على بعض المتجورين حول بَيت الْفَقِيه اذ كَانَ هُوَ وَجَمَاعَة من النَّاس احسوا بِحُصُول وَحْشَة بَينه وَبَين السُّلْطَان فتجهز هَذَا الْفَقِيه من تعز باولاده وَجَمَاعَة من اصحابه واظهر قصد الْحَج فَلَمَّا صَار بِالْقربِ من زبيد عدل عَنْهَا وَحط بقرية التريبة فحين علم مُتَوَلِّي زبيد بذلك وَهُوَ يَوْمئِذٍ الشهَاب بن الخرتبرتي كتب الى السُّلْطَان يُخبرهُ بذلك وَأرْسل هجانا بِالْكتاب فحين وقف

    السُّلْطَان على الْكتاب نزل عَن حجه مبادرا وَلَقي الْفَقِيه فِي المهجم وَاجْتمعَ بِهِ وَلم يزل يتلطف بِهِ حَتَّى اعاده الى مَدِينَة زبيد وَتَركه فِيهَا وَذَلِكَ انه شَرط على السُّلْطَان ذَلِك فَلَمَّا اراد السُّلْطَان الطُّلُوع قيل انه اوصى الْوَالِي بحفظه وَعدم مُخَالفَته فَلم يزل بهَا حَتَّى توفّي وَكَانَ مُدَّة اقامته بهَا مبالغا باماته الْمُنْكَرَات واراقة الخمورات حَتَّى نفر لذَلِك جمع كثير الى حيس وفشال وَغَيرهمَا من الْقرى المقاربة لزبيد حَتَّى توفّي بعد ان اشْترى دَارا وبناه وَتُوفِّي قبل كَمَاله منتصف لَيْلَة الْجُمُعَة الاخير لعشر بَقينَ من ربيع الاخر سنة تسع وسبعماية وَحضر قبرانه اخوه على الْوَزير يَوْمئِذٍ فَنزل منزعجا عَلَيْهِ من تعز فادركه منزولا بِهِ فقبر الى جوَار قبر الشَّيْخ عَليّ بن افلح فِي مَقَابِر بَاب سِهَام وَمَتى زار الزاير قبر الشَّيْخ زار قَبره وَقل ان كَانَ الْمُؤَيد ينزل زبيد الا ويزوره وَمَتى علم اهل الْحَاجَات بذلك تركُوا اوراقهم عِنْد قَبره فياتيه السُّلْطَان لَيْلًا فِي الْغَالِب فيزوره ثمَّ يقرا مَا عِنْده من الْوَرق ويجيب على كل ورقة بِمَا يُرِيد اليه وَذَلِكَ اكراما للفقيه واعتقادا لوُجُوب حَقه حَيا وَمَيتًا وَخَلفه فِي بَيته وعَلى أَوْلَاده الْفَقِيه الصَّالح أَحْمد بن عَليّ الظفاري فَقَامَ بذلك قيَاما مرضيا وهذب بنيه وعلمهم تَعْلِيما جيدا حَتَّى نشأوا على حَال مرضِي وهما ابْنَانِ مُحَمَّد وَعبد الرَّحْمَن فمحمد مولده سَابِع عشر الْحجَّة سنة ارْبَعْ وتستعين وستماية تفقه وَولي قَضَاء الْقُضَاة سنة أَربع عشرَة وسبعماية فَقَامَ كقيام أَبِيه بالمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَهُوَ ذُو همة وَشرف نفس وكرم طبع وَحسن اعْتِقَاد للمنقطعين من اهل الْعلم وَغَيرهم وَعمل فِي أَيَّامه مأثر جَيِّدَة لم يعلمهَا اهله وَلَا من قبلهم مِنْهَا مطاهير جَامع المغربة ثمَّ السيفية ثمَّ فِي جَامع الْجند ثمَّ جَامعا فِي المحاريب بتعز وَمظَاهر بزبيد وانفصل قبل تَمامهَا ثمَّ فِي سنة 720 اجتلب المَاء الى عدينة الى الشمسية والرشيدية بعد ان انْقَطع مُدَّة وتعب النَّاس لذَلِك وَلما كَانَ فِي سنة سِتّ عشرَة وسبعماية حصل بَين النَّاصِر بن الاشرف وَبَين عَمه الْمُؤَيد وحشه اتهمه بهَا الْمُؤَيد فازاله عَن الْقَضَاء ثمَّ اقصاه فَلَزِمَ بَيته الى سنة

    اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وسبعماية وَحصل عَلَيْهِ فِي ذَلِك امتحان سجن وصودر بِسَبَب اتِّفَاق الاعداء عَلَيْهِ بِالْكَذِبِ والصدق وسجن بعدن حَيْثُ سجن بَنو عمرَان مُدَّة شهر ثمَّ بِبَيْت كَانُوا بِهِ ايضا ثمَّ اطلق ثمَّ اعيد الى عدن فَلبث يَسِيرا واطلق ثمَّ توفّي الْمُؤَيد فِي سنة إِحْدَى وَعشْرين واخرج من عدن حَتَّى وصل المفاليس ثمَّ تقدم تعز وَتقدم بعد ذَلِك مَكَّة هُوَ ومعلمه الظفاري واولاده وَذَلِكَ سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وسبعماية فحجوا وزاروا ثمَّ عَادوا ووقفوا فِي بَيت الْفَقِيه احْمَد بن عجيل مقدم الذّكر مُدَّة ثمَّ طلع مُنْفَردا الى تعز صُحْبَة احْمَد بن ازدمر فَلم يزل لَازِما لبيته بالمغربة ثمَّ توَسط بَين السُّلْطَان ورعية الشوافي واجناداب وَهُوَ على ذَلِك من شعْبَان الى ان دخلت سنة ارْبَعْ وَعشْرين وَهُوَ على ذَلِك مُقيم مَعَهم اذ تزوج مِنْهُم فَالله يحسن عاقبته وعاقبة الْمُسلمين وَفِي شهر صفر طلع الْحصن حِين تحقق خبر الْحصار فَوقف مَعَ الْمُجَاهِد فِيهِ الى ان ارْتَفَعت المحطة فِي الْعشْرين من الْحجَّة وَفِي الْمحرم ولاه الْقَضَاء الاكبر فَهُوَ عَلَيْهِ الى الان فِي شهر رَمَضَان سنة 725 وَفِي هَذِه السّنة نزل تهَامَة فالتمس شَيْئا من حيس من مَال الْوَقْف وَلما طلع السُّلْطَان من تهَامَة فِي الْحجَّة من السّنة سبقه الى تعز بايام ثمَّ ان السُّلْطَان طلع حصن التعكر مَعَه فتقلقل مِنْهُ اهل جبله اهل الْوَقْف خَاصَّة اذ سلط عَلَيْهِم ابْن القواس فطلعوا التعكر وَشَكَوْهُ فَقَصره عَنْهُم وَعَاد السُّلْطَان تعز وَعَاد صحبته ثمَّ نزل فَخرج من تعز مستترا بعد ان نقل اولاده وقماشة سرا حَتَّى لم يبْق لَهُ شجن وَخرج على انه مسير اَوْ مُودع ثمَّ صَار الى ذِي اشرق فَلبث بهَا مُدَّة وانتقل الى رِبَاط كَانَ لابيه وَدخلت سنة ثَمَان وَهُوَ بِهِ فَلَمَّا قَامَ الْعَرَب فِي ربيع الثَّانِي جَعَلُوهُ رَأْسهمْ ثمَّ كذبُوا بِهِ فَاشْترى حصن شوائط نصفه فَلَمَّا صَار بِهِ ذكرُوا أَن صَاحب الْحصن أَرَادَ الْغدر بِهِ فغدر بِهِ وَلَزِمَه وَأَرَادَ حَبسه وَبعد الْجهد حصل لَهُ

    الاطلاق بعد اخذ مَاله وَلم يزل منضرب الْحَال الى أَن دخلت سنة تسع وَعشْرين وَسَبْعمائة وَحمله الْجَهْل على التَّقَدُّم الى السمداني فلحق بِهِ ثمَّ عَاد مِنْهُ صُحْبَة ابْن السبائي فَقتله فِي شهر صفر من السّنة

    وَأما اخوه عبد الرَّحْمَن فامة ابْنة الْفَقِيه عَليّ بن العسيل الْآتِي ذكره فِي جبلة فَإِنَّهُ وقف برباط أَبِيه بِنَظَر الظفاري وَصَارَ ذَا فطنة وَهُوَ إِلَى الْآن طَالب للْعلم مُجْتَهد فِيهِ

    وَمِنْهُم شَيْخي ابو الْعَبَّاس احْمَد بن عبد الدَّائِم بن عَليّ عرف الده بالصفي الْمَيْمُونِيّ مولده سنة اربعين وستماية تفقه فِي بدايته بفقهاء تعز كَابْن البانة وَابْن العراف مقدمي الذّكر وَغَيرهمَا ثمَّ ارتحل الى تهَامَة واخذ عَن الامام اسماعيل الْحَضْرَمِيّ وَغَيره ثمَّ لما عَاد متفقها درس بذى جبله ثمَّ انْتقل الى تعز فدرس بعدينة بالرشيدية وَعلم الْملك الْعَادِل بن الاشرف تَعْلِيما جيدا وَكَانَ مُبَارَكًا كَمَا سَيَأْتِي ثمَّ لما ابتنى مدرسته بالمغربة جعله ابوه مدرسا فِيهَا فَلم يزل بهَا حَتَّى توفّي وَهِي من اضعف الْمدَارِس وَقفا وَلَكِن كَانَ الْأَشْرَف فِي حَيَاته يفتقد الْفَقِيه بِشَيْء مِنْهُ وَلما توفّي قيل لَهُ هلا انْتَقَلت الى بعض الْمدَارِس النافعة فَقَالَ لَا اغير صُحْبَة الاشرف حَيا وَمَيتًا وَكَانَ اخذه لكتب الحَدِيث عَن أَحْمد السرددي واسحاق الطَّبَرِيّ وَعَن ابراهيم بن عجلَان وَعنهُ أخذت لمع الشَّيْخ أبي إِسْحَاق ومقامات الحريري وَبَعض وسيط الْغَزالِيّ واليه انْتَهَت رياسة الْفَتْوَى بتعز ونال من الاشرف مكانة جَيِّدَة وَظهر ذَلِك ايام استقلاله بِالْملكِ وَكَانَت وَفَاته لَيْلَة الْخَمِيس فجا ولثمان بَقينَ من صفر سنة بضع وسبعماية وَكنت يَوْمئِذٍ بعدن فَقلت يَوْم الْجُمُعَة للمؤذن بالجامع يَصِيح بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ بعد الْجُمُعَة فَفعل وَصلى عَلَيْهِ جَمِيع الْجَامِع ثمَّ جمعت الاصحاب وقرأنا عَلَيْهِ ثَلَاثَة أَيَّام بِالْمَدْرَسَةِ المنصورية اذ كنت يَوْمئِذٍ بهَا وَذَلِكَ بعض الْوَاجِب من حَقه رَحمَه الله فَقل مَا رَأَيْت من فُقَهَاء تعز لَهُ

    نظيرا بمكارم الاخلاق والشفقة على الاصحاب

    وَمِنْهُم ابو الْعَتِيق ابو بكر بن عمر بن سعيد عرف بِابْن النَّحْوِيّ مولده ربيع الاخر كَمَا اخبرني من لَفظه وَذَلِكَ فِي شهور سنة سِتّ واربعين وستماية وتفقه بِابْن ادم وَابْن العراف والوزيري وَبِعَبْد الله بن مُحَمَّد الْحَضْرَمِيّ الْمُقدم الذّكر وَكَانَ مُبَارَكًا بالتدريس قل مَا قَرَأَ عَلَيْهِ أحد الا انْتفع وَكَانَ مَذْكُورا بشرف النَّفس وعلو الهمة استنابه بَنو عمرَان فِي الْقَضَاء فَلبث بِهِ مُدَّة الى ان انقرضوا فَعَزله بَنو مُحَمَّد بن عمر فِي اول قيامهم وَتركُوا مَكَانَهُ عَليّ بن عبيد الَّاتِي ذكره وَبَقِي على تدريس الْمدرسَة الغرابية الى ان توفّي بعد ان تفقه بِهِ جمَاعَة مِنْهُم عمر بن ابي بكر العراف وَغَيره وَكَانَت وَفَاته فِي منتصف شَوَّال من سنة ارْبَعْ عشرَة وسبعماية

    وَمِنْهُم عبد الله بن مُحَمَّد الباحري كَانَ فَقِيها فَاضلا غير انه اكثر خلْطَة اهل الذِّمَّة فاتهم بِتَغَيُّر الدّين وَكَانَ عَارِفًا بِتَغَيُّر الرُّؤْيَا وَله اشعار كَثِيرَة وَاخْتصرَ كتاب القادري فِي التَّعْبِير وَحدث لَهُ ولد شرع بالفقه اسْمه مُوسَى وَلم يطلّ عمره فَتوفي بصفر سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وستماية ولبث ابوه بعده شَهْرَيْن اَوْ وَنصفا ثمَّ توفّي وَلم يَرِثهُ غير ابْن اخ لَهُ وَلَوْلَا التجأ الى امير يعرف بالطعا لقتل لما شهر من مذْهبه واخذ عَن ابْن المبرذع كِتَابه اليواقيت فِي الْمَوَاقِيت واخذته انا عَن من اخذه عَنهُ

    وَمِنْهُم صنوه ابو عبد الله مُحَمَّد بن عمر مولده الْمحرم من سنة اربعين وستماية قَرَأَ الْقُرْآن لَاذَ بَابي الْمسك عنبر وَكَانَ يؤمه وَينْتَفع بِهِ وَيكْتب لَهُ وَكَانَ خيرا وبسبب صُحْبَة اتَّصل بِصُحْبَة الْملك الواثق وسافر مَعَه الى ظفار وَغلب على امْرَهْ بهَا وَلم يزل وزيرا لَهُ فِيهَا وابتنى بهَا مدرسة ووقف عَلَيْهَا وَقفا جاملا وَتُوفِّي

    هُنَاكَ فِي شهر رَمَضَان سنة تسع وسبعماية وَخلف ابْنا جيدا اسْمه عمر جَامعا لفنون من الْعلم وَالْفِقْه والحساب والفرائض والطب وَلما مَاتَ الواثق لم يطق الْوُقُوف بظفار بل عَاد الْيمن صُحْبَة الْحرَّة مَاء السَّمَاء كَرِيمَة الواثق اذ عَادَتْ كَمَا تقدم فحين وصل لم يعْذر الْمُؤَيد ان جعله كَاتب خزاينه وَهُوَ الان مَعَ ابْنه كَذَلِك يذكر بِالْعَدَالَةِ والامانة فِيمَا تصدى لَهُ

    وَمِنْهُم احْمَد بن الْفَقِيه يحي ابْن زَكَرِيَّا مولده صبح الثُّلَاثَاء ثَانِي عشر جمادي الاخرة من سنة تسع واربعين وستماية تفقه بِابْن ادم كَمَا قدمنَا وَكَانَ فَقِيها خيرا ذَا مرؤة وحمية على الاصحاب مَشْهُور بجودة الْفِقْه وعلو الهمة وَحسن الصُّحْبَة وَكَانَ وَفَاته سنة احدى وَتِسْعين وستماية وَخلف اولادا تفقه مِنْهُم جمَاعَة يَأْتِي ذكرهم إِن شَاءَ الله تَعَالَى

    وَمِنْهُم ابو عَفَّان عُثْمَان بن مُحَمَّد عرف بالشرعبي تفقه بِمُحَمد بن عَليّ القَاضِي وبابن عَبَّاس الشعيبي مقدمي الذّكر وَعنهُ اخذت غَالب اخبار الْفُقَهَاء بتعز ونعوتهم اذ كَانَ الف ذَلِك بكراريس فَلَمَّا اخبرته بِمَا جمعته اعجبه ذَلِك وَأَعْطَانِي الكراريس فَوَجَدته ذكر جمعا كثيرا لكنه لم يَأْتِ بتاريخ مِيلَاد وَلَا وَفَاة إِنَّمَا اخذت مَا اوردته من ذَلِك عَن بحث لَهُ من مضانه هَذَا الْفَقِيه من اخيار الْفُقَهَاء وصلحائهم وَمِمَّنْ يُرْجَى بركته وَكَانَ جميل الْخلق كثير البشاشة درس بِالْمَدْرَسَةِ الاسدية الْمُقدم ذكرهَا مُدَّة طَوِيلَة الى ان توفّي لَيْلَة الاحد سَابِع صفر من سنة ثَمَانِي عشرَة وسبعماية

    وَمِنْهُم ابو سُلَيْمَان دَاوُد ابراهيم الجبرتي بَلَدا والزيلعي لقبا كَمَا تقدم فِي ذكر ابْن ادم درس بالشمسية بعد ابْن زَكَرِيَّا وتفقه بفقهاء جبلة ونواحيها وَكَانَ جليل الْقدر اخذ بالاثر يفرش لَهُ مجْلِس التدريس فرشا وَيقْعد عَلَيْهِ ثمَّ يجْتَمع الطّلبَة حوله فيقرأون الْفِقْه ثمَّ انه كَانَ لَا يناصف الا مُسْتَحقّا للمناصفة لعلمه اَوْ دينه وَمَتى وَصله المترأسون بدنياهم لم يحفل بهم بِحَيْثُ انه يكون متمددا فَلَا يكَاد

    يرفع بسببهم جَبينه وَكَانَ محميا من الله م الشُّبُهَات اخبر الثِّقَة انه كَانَ يقْرَأ فِي عرشان عَليّ القَاضِي احْمَد بن عبد الله مقدم الذّكر وانه كَانَ مَعَه رَاع يرعي لَهُ شَيْئا من الْغنم وان من جُمْلَتهَا كَبْشًا كَانَ قد تربى وَسمن فَحصل بِهِ مرض فَمَاتَ من فوره فَلم يهن على الرَّاعِي ذَلِك فذبحه واتي بِهِ لبيت القَاضِي وَقَالَ انني تلافيت هَذَا واستدركته فَحَمَلُوهُ على الصدْق

    وطبخوه فَعمل عَلَيْهِ طَعَاما ودعي هَذَا الْفَقِيه دَاوُد فَلَمَّا حضر وَرَآهُ كرهه فلازمه القَاضِي عل الاكل مِنْهُ فَمَا هُوَ الا ان وَافقه حَتَّى وضع لقْمَة فِي فِيهِ اذ ضرب ضرسه واخرج اللُّقْمَة وَقَامَ واستدعي بالراعي وحلفه فاخبر بِحَقِيقَة الامر فَعلم ان الله حماه وَنَحْو ذَلِك مَا ذكر ان بعض الْفُقَهَاء بتعز اَوْ لم وَلِيمَة وحضره غَالب الْفُقَهَاء وَهَذَا الْفَقِيه من جُمْلَتهمْ فَلَمَّا قرب الطَّعَام اكلوا وامسك هُوَ عَن الاكل فَعَاتَبَهُ الْفَقِيه احْمَد بن الصفي على ذَلِك وَهُوَ اذ ذَاك رَأس الْفُقَهَاء وَلم يعذرهُ عَن مواكلتهم فَأكل وَنزل بَيته فَمَرض اياما مَرضا شَدِيدا فوصله الْفَقِيه ابْن الصفي وكشف رَأسه واستحله من الِاعْتِرَاض الَّذِي اعْتَرَضَهُ وكلفه فِيهِ الى الطَّعَام فاحله وَكَانَ مبارك التدريس قل مَا قرا عَلَيْهِ اُحْدُ الا انْتفع وَكَانَ ذَا صَلَاح وَدُعَاء مستجاب ومحبة للاصحاب وَكَانَت وَفَاته على الْحَال المرضي فِي شهر صفر سنة سبع وسبعماية

    وَمِنْهُم ابو الْخطاب عمر بن مُحَمَّد بن عبد الله بن عمرَان المتوجي المراني ثمَّ اللخولاني نسبا فالمتوجي بِضَم الْمِيم وَفتح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَالْوَاو ثمَّ جِيم وياء نسب والمراني ظَاهر والخولاني اظهر موله سنة سِتّ واربعين وستماية بمخلاف حصن شيبَة ثمَّ صَار الى تعز فدرس بِالْمَدْرَسَةِ العمرية فِي حافة الْملح من

    مغربة تعز وَكَانَ يغلب عَلَيْهِ الْعُزْلَة وَالْعِبَادَة وكلف دين عَظِيم وصل الى عدن بِسَبَب قَضَائِهِ وَكنت اذ ذَاك بهَا وَلم يكن لي بِهِ قبل ذَلِك معرفَة وَكنت اماما بِالْمَدْرَسَةِ المنصورية فوصلت لاصلي بهَا بعض الْأَوْقَات فَوَجَدته فَسلمت عَلَيْهِ وسئلت عَن مجيئة واسْمه فَقَالَ انا فلَان من تعز فعرفته على السماع فاهلت بِهِ وسهلت ورحبت ثمَّ تقدّمت بِهِ الى الْوَالِي وَهُوَ يَوْمئِذٍ حسن بن مِيكَائِيل وَقد كَانَ كتب اليه جمَاعَة من اعمال الدولة بِسَبَبِهِ فَلَقِيَهُ متلقى حسنا ووعده بِالْخَيرِ ثمَّ انه وصل الى قَاضِي عدن ايضا بكتب من القَاضِي مُحَمَّد بن احْمَد الَّاتِي ذكره وَهُوَ يَوْمئِذٍ ابو بكر بن الاديب كَذَلِك ثمَّ انه مرض اياما يسيرَة وَتُوفِّي بهَا نَهَار الْخَمِيس حادي عشر الْحجَّة سنة سبع وسبعماية فتوليت تَجْهِيزه وَدَفنه عِنْد مصلى الْعِيد وقبر الشَّيْخ ابْن ابي الْبَاطِل وَله اولاد يَأْتِي ذكر من يسْتَحق الذّكر مِنْهُم انشاء الله تَعَالَى وَقد عرض مَعَه ذكر الْمدرسَة العمرية وَهِي منسوبة الى الامير عمر بن سيف الدّين بن نَفِيس اخي المظفر لامه كَانَ اميرا كَبِيرا ذَا همة عاليه واقطاع جَيِّدَة كَانَت وَفَاته فِي صفر سنة تسع وَتِسْعين وستماية

    وَمِنْهُم عبد الله بن مُحَمَّد بن سبا الريمي العياشي بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَالْيَاء الْمُثَنَّاة تَحت ثمَّ الف ثمَّ شين مُعْجمَة ثمَّ يَاء نِسْبَة الى جدله اسْمه عَيَّاش من ريمة الاشابط تفقه اولا بِمَدِينَة اب على الْفَقِيه يحي ابْن ابراهيم الَّاتِي ذكره ثمَّ صَار الى تعز فتفقه بِابْن العراف وَابْن الصفي وَغَيرهمَا من فُقَهَاء تعز ثمَّ جعل معيدا بالمظفرية مُدَّة واستنابه بَنو مُحَمَّد بن عمر فِي الْقَضَاء مُدَّة ثمَّ فَصله القَاضِي مُحَمَّد بن ابي بكر وَجعله مدرسا فِي الْمدرسَة المظفرية بقرية المحاريب ثمَّ انْتقل عَنْهَا الى مدرسة ابْن نجاح وعزل عَنْهَا فِي شهر جمادي الاولى وَهُوَ من اخيار الْفُقَهَاء

    وتقلبت بِهِ احواله حَتَّى توفّي متضعضعا ثَالِث وَعشْرين وَرَجَب سنة خمس وَعشْرين وسبعماية

    وَمِنْهُم عبد الرَّزَّاق بن مُحَمَّد الجبرتي الزَّيْلَعِيّ نِسْبَة الى الْبَلَد كَمَا تقدم وَيذكر انه شرِيف النّسَب كَانَ فَقِيها فَاضلا من اهل المرؤة محبا فِي السَّعْي بِقَضَاء حوائج الاصحاب رَاغِبًا فِي ذَلِك درس فِي النجاحية مُدَّة الى ان توفّي كَانَ تفقهه بِمُحَمد بن عَيَّاش وَعلي بن احْمَد الْجُنَيْد وَكَانَت وَفَاته بصفر سنة عشر وسبعماية فَحكى انه لما حمل بالنعش جَاءَ طير من الْهَوَاء فَدخل فِي اكفانه وَلم يربعد ذَلِك وَهَذِه تشبه قصَّة جرت لِابْنِ عَبَّاس وَقت وَفَاته

    وتكرر ذكر النجاحية وَهِي مدرسة احدثها امير يعرف بِمُحَمد بن نجاح من امراء الدولة المظفرية كَانَ اميرا كَبِيرا صَاحب طبلخانة واقطاع جَيِّدَة بني هَذِه الْمدرسَة بِنَاحِيَة المغربة الشرقية الَّتِي تعرف بالمعاينة وَله وقف بر بتعز واخر بالجند وَكَانَ كثير فعل الْمَعْرُوف وامتحن اخر عمره بالعما وَأقَام مُدَّة ثمَّ توفّي على الامتحان يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامن الْقعدَة سنة احدى وَثَمَانِينَ وستماية وَخَلفه ابْن اسْمه أَبُو بكر عَاشَ بعده سنة واشهرا ثمَّ توفّي بجمادي الاولى سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وستماية وَلم يعقب وَله ذُرِّيَّة من قبل النِّسَاء يعْرفُونَ ببني نجاح

    وَمِنْهُم ابو بكر بن عبد الله بن عبيد بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان عرف بِابْن زُرَيْق اصله من جبله تفقه بِابْن العراف وَابْن الصفي وَابْن عَيَّاش مقدمي الذّكر وَكَانَ فِيهِ خير ومرؤة وَحسن موالفة للأصحاب درس بالوزيرية وَكَانَ بَنو مُحَمَّد بن عمر يشفقون عَلَيْهِ الى ان توفّي على ذَلِك مستهل جمادي الاخرة من سنة ثَلَاث ووسبعماية

    ثمَّ صَار الْفِقْه الى طبقَة اخرى فِي جمَاعَة مِنْهُم مُحَمَّد بن الْفَقِيه احْمَد بن الْفَقِيه يحي بن زَكَرِيَّا مقدمي الذّكر مولده لَيْلَة الْجُمُعَة لثمان بَقينَ من جمادي الاولى سنة احدى وَسبعين وستماية تفقه بِابْن الصفي وَغَيره وَكَانَ فَقِيها ذكيا نقالا للفقه

    عَارِفًا بِهِ ذَا مرؤة وحمية على الاصحاب وابنا الْجِنْس درس بالشمسية بعد الْفَقِيه دَاوُد واقام معيدا مَعَه وَلم يزل مدرسا بهَا حَتَّى توفّي على ذَلِك لست خلون من صفر سنة اثْنَتَيْ عشر وسبعماية وبتاريخه توفّي صَاحبه وصاحبي مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الجبرتي وَكَانَ من اخيار الاصحاب واهل المرؤات

    وَمِنْهُم عمر بن سلمَان مولده سنة احدى وَعشْرين وستماية وَهُوَ فَقِيه خير تفقه بَابي بكر النَّحْوِيّ وَغَيره ودرس بِالْمَدْرَسَةِ المنسوبة الى ام السُّلْطَان ثمَّ انْتقل الى زبيد فدرس بِالْمَدْرَسَةِ الَّتِي انشأها اهل دَار الدملؤة فِيهَا وَاجْتمعت بِهِ فِيهَا سنة احدى وَعشْرين وسبعماية فَوَجَدته ذَا مرؤة وحمية على الاصحاب ساعيا فِي مصالحهم

    وَقد عرض عَن ذكر دَار الدملؤة وَكَانَت من اعيان خواتين بني رَسُول وَهِي الْحرَّة نبيلة ابْنة الْملك المظفر كَانَت صَالِحَة تقية برة باهلها محسنة إِلَى من لَاذَ بهَا والى حَاشِيَة ابيها واخيها واحدثت مَسْجِدا بمغربة تعز واخر بجبل صَبر ومدرسة بزبيد وَهِي الَّتِي درس بهَا هَذَا الْفَقِيه وَكَانَت مُقِيمَة بحصن تعز حَتَّى حصل بَين الْمُؤَيد واخيها النَّاصِر مَا حصل فاستوحش وانزلها المغربة ثمَّ توفيت منتصف الْمحرم سنة ثَمَانِي عشرَة وسبعماية

    وَمِنْهُم ابو بكر بن احْمَد بن عمر بن مُسلم بن مُوسَى الشّعبِيّ عرف بِابْن الْمقري مولده لَيْلَة الْجُمُعَة من رَجَب سنة خمس وَسبعين وستماية تفقه بِجَمَاعَة من اهل تعز اولا ثمَّ ارتحل الى الذنبتين فاكمل تفقهه على شَيخنَا ابي الْحسن الاصبحي ثمَّ عَاد بَلَده وَكَانَ فَاضلا بالفقه والنحو وَالْعرُوض والفرائض والحساب درس بالاشرفية بعد ابْن الصفي وَتُوفِّي على ذَلِك لَيْلَة الثُّلَاثَاء عَاشر ربيع الاخر من سنة ارْبَعْ عشرَة وسبعماية وَله اخ اسْمه يُوسُف مولده ربيع الاخر فجر خَمِيس منتصفه سنة خمس وَثَمَانِينَ وستماية متفقه قد قَرَأَ واخذ عَن

    جمَاعَة وَفِيه سياسة وَحسن خلق وانس لمن يَصْحَبهُ وَهُوَ الان امام الْمدرسَة الأَسدِية والمذكورة للنَّاس فِي الْمَسْجِد الَّذِي بِرَأْس دَرَجَة المغربة انشاء الْحرَّة ابْنة اسد الدّين زوج السُّلْطَان الْمُؤَيد

    وَمِنْهُم الْفَقِيه مُحَمَّد بن مُحَمَّد عمر الهزاز تفقه بفقهاء تعز ودرس بمدرسة ام السُّلْطَان الْمُؤَيد مُدَّة وامتحن بالمصادرة هُوَ واخوه اِسْعَدْ وَإِبْرَاهِيم وَلما من الله عَلَيْهِم بالاطلاق عَاد الى ذِي السفال وَهِي اصل مَسْكَنه ومسكن اخوته اذ امهم ابْنة القَاضِي اِسْعَدْ بن مُسلم والا فبلد والدهم قَرْيَة العقيرة الْمُقدم ذكرهَا وابتنى مَسْجِدا بقرية الوحص على قرب مَسْكَنه ثمَّ لما حصل من الْعَرَب التَّغَيُّر لنيف وَعشْرين وسبعماية عَاد الى تعز وَسكن بهَا واستعاد تدريس الْمدرسَة وَهُوَ الان عَلَيْهِ فَلَمَّا تغير اهل صَبر سنة ثَلَاث وَعشْرين خرج من تعز وَعَاد الى ذِي السفال فَهُوَ فِي بَيته الى الْآن وَله ابْن اسْمه مُحَمَّد تفقه وَسكن تعز يذكر بشرف النَّفس حَتَّى قَالَ بَعضهم هُوَ فريد قومه توفّي سنة ثَمَان وَعشْرين وسبعماية وترتب بِالْمَدْرَسَةِ الَّتِي كَانَ ابوه بهَا ثمَّ ترَتّب بالمؤيدة واعيدت الْمدرسَة الى ابيه فهما مستمران وَكَانَ ذَلِك بِسَبَب تقوم ابْن زَكَرِيَّا اذ كَانَ مدرسا بهَا

    وَمِنْهُم ابْن اخيه مُحَمَّد بن احْمَد وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَنُوب عَمه الْوَزير عَليّ بن مُحَمَّد فِي فصل قضايا النَّاس ويباشر احكامهم وَمَا فعله لم يُعَارضهُ بِهِ اُحْدُ من اهله وَلَا غَيرهم وَكَانَ النَّاس يرونه قَاضِي الْقُضَاة اذ كَانَ غَالب الْفُقَهَاء والحكام هُوَ الْمُتَوَلِي لفصل قضاياهم وَكَذَلِكَ اهل الْوَقْف وترتيبهم وَكَانَ الْغَالِب عَلَيْهِ سلوك طَرِيق الزّهْد بِحَيْثُ كَانَ اكثر اهله واصحابه يَقُولُونَ مَا اكْتسب شَيْئا من الدُّنْيَا وَكَانَ هُوَ الَّذِي يتَوَلَّى صرف الْبر فَيتَصَدَّق مِنْهُ بجملة مستكثرة وَوَصله بعض الْفُضَلَاء الغرباء فَلم يكد يحفل بِهِ وَلَا قضى لَهُ حَاجَة فَخرج عَنهُ مغضبا وَكتب اليه كتابا يعاتبه على جفائه لَهُ فَقَالَ احسنوا الى خلق الله مُكَافَأَة لانعامه فالنبي

    صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول أَحْسنُوا مجاورة نعم الله بِالْإِحْسَانِ إِلَى خلقه فَمَا نفرت من قوم فَعَادَت وَإِنَّمَا يعرف قدر الْفُضَلَاء من كَانَ مِنْهُم ثمَّ قَالَ وَإِذا كنت فَاضلا أَو فِي بلدك فَاضل فقد كتبت إِلَيْك بَيْتَيْنِ عرفني يفحواهما ثمَّ كتب إِلَيْهِ من أَمْثَاله ... وَمَا ساير قد يرى مُقبلا ... وطورا على خَلفه الْقَهْقَرَى

    وَلَيْسَ لَهُ ارجل ان مَشى ... ويسبق كل الورى ان جرى ... فَلَمَّا وقف القَاضِي على ورقته اوقف عَلَيْهَا جمَاعَة مِمَّن يَغْشَاهُ وَهُوَ يعرف بِالْفَضْلِ فَلم ينْقل ان احدا مِنْهُم شار بِجَوَاب فوصل من اخبر شَيخنَا ابا الْحسن بذلك بِمحضر جمَاعَة من اصحابه فاعجبه الْبَيْتَيْنِ وَقَالَ مَا أَرَادَ بهما إِلَّا النِّعْمَة وَكَانَ عَمه ابو بكر هُوَ الَّذِي تولى تَرْبِيَته وَلم يصر اليهم امْر الوزارة وَالْقَضَاء الَّذِي كَانُوا فِيهِ الا بعد ان تفقه وَتعبد وَحج وجاور بِمَكَّة وَالْمَدينَة وَعرف النَّاس يمنا وحجازا وَلم يكْتَسب شَيْئا من الدُّنْيَا كَمَا اكْتسب اهله اجمعون وَلَا تزوج امراة وَكَانَ مَا اشار بِهِ على عميه ابي بكر وعَلى لم يخالفاه وَفِي أَصْحَاب عَمه جمَاعَة يعترفون لَهُ بالصلاح وَرُبمَا يفضلونه على عَمه ابي بكر وَكَانَت وَفَاته يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشرَة الْقعدَة من سنة اثْنَتَيْ عشر وسبعماية شرب شربة فاطلقت بَطْنه ثمَّ اعْتصمَ فَتوفي بذلك وَتُوفِّي عَمه الْوَزير بعده بِنصْف شهر وَذَلِكَ ثَالِث الْحجَّة من السّنة الْمَذْكُورَة عِنْد قبر ابيه بحياط جَامع عدينة

    وَأما مُحَمَّد فَتوفي وَدفن بمقابر المغربة على قرب من تربة الإِمَام إِبْرَاهِيم

    وَمِنْهُم ابو الْعَتِيق ابو بكر بن جِبْرِيل بن اوسام العدلي مَنْسُوبا الى قَبيلَة فِي السودَان يعْرفُونَ بِالْعَدْلِ بِفَتْح الْعين وَالدَّال الْمُهْمَلَتَيْنِ ثمَّ لَام سَاكِنة فَقِيه صَالح من اخير الْفُقَهَاء الْمَوْجُودين واشرفهم نفسا واعلاهم همة واحسنهم عصمَة فِي الله تَعَالَى وشفقة على ابناء الْجِنْس وَسَأَلت عَن اهله فِي بلدهم فَقيل لي بَيت خير وَدين وَله اخ من اعيان مَشَايِخ الصُّوفِيَّة وصالحيهم وَكَانَ تفقهه بمواضع عدَّة على

    اكابر اخرهم شَيخنَا ابو الْحسن وَلما توفّي انْتقل الى تعز فرتبه القَاضِي مُحَمَّد بن احْمَد بِالْمَدْرَسَةِ الْمَعْرُوفَة بالأتابكية بقرية ذِي هزيم ثمَّ انْتقل الى تدريس الشمسية وَهُوَ عَلَيْهِ الى االآن فَقِيه ذَاكر للفقه سليم الصَّدْر صبور على وَفَاء الصُّحْبَة وَالْقِيَام بواجبها وَلما كَانَ فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وسبعماية جعل القَاضِي عبد الرَّحْمَن الظفاري قَاضِي قُضَاة بِمَدِينَة الْجند طلب فُقَهَاء تعز مِنْهُ الْحُضُور لتوليه فوصلوا وولاه السُّلْطَان بِالْقصرِ فَحَضَرَ هَذَا الْفَقِيه وَابْن العراف وَابْن زَكَرِيَّا فَلَمَّا خَرجُوا عَن مقَام السُّلْطَان ولاه قَضَاء تعز فَلبث مُدَّة وَاعْتذر وَله حمية مرضية على الاصحاب مجد فِي قَضَاء حوائجهم وَهُوَ فَقِيه نقال للفقه مبارك التدريس ومناقبه كَثِيرَة وَلما ضعف رزق مدارس تعز رَكبه دين كثير لعول وَتحمل للاطعام انْتقل الى تهَامَة فدرس بزبيد بمدرسة احدثتها ام السُّلْطَان الْمُجَاهِد

    وَمِنْهُم أَبُو إِسْحَاق ابْن الْفَقِيه أَحْمد بن الْفَقِيه يحيى بن زَكَرِيَّا مولده لإحدى عشرَة لَيْلَة بقيت من ربيع الاول سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وستماية تفقه باخيه مُحَمَّد وبداود وَغَيرهمَا ودرس بالأتابكية بِذِي هزيم مُدَّة ثمَّ بالمؤيدية وَهُوَ اُحْدُ من يعد فَقِيها محققا موفقا نقالا للفقه لَا يَدُور بالفتوى بتعز غير عَلَيْهِ وعَلى ابْن جِبْرِيل الْمَذْكُور اولا وَالثَّالِث لَهما يَأْتِي ذكره وَهَذَا الْفَقِيه من اخيار الْفُقَهَاء وَذَوي الانفاع للأصحاب وابناء الْجِنْس وَفِيه انس وَصَحبه وَشرف نفس وَكَانَ لَهُ عَم يُقَال لَهُ احْمَد بن مُحَمَّد بن عبد الله وَفِي سني الْخلاف خرج عَن تعز وطلع الْبَلَد الْعليا فَلبث بِصَنْعَاء وذمار مَعَ الْجمال الْحِمصِي الى سنة ثَلَاثِينَ وسبعماية ثمَّ عَاد الى تعز ورتب بمدرسة الشمسية حَيْثُ كَانَ ابْن جِبْرِيل

    وَمِنْهُم ابو الْخطاب عمر بن الْفَقِيه ابو بكر بن العراف مقدم الذّكر مولده لَيْلَة تَاسِع الْمحرم اول سنة ثَمَانِي وَثَمَانِينَ وستماية تفقه بِابْن النَّحْوِيّ وَتزَوج بابنته وَلما نزل بِهِ الْمَوْت أوصى إِلَيْهِ بِضَم تركته وَقَضَاء دينه ثمَّ لما توفّي قَامَ بذلك أتم قيام

    مولده سلخ سنة ثَمَانِينَ وستماية ثمَّ خَلفه فِي تدريس مدرسة الغرابية فَأول تدريس درسة نِيَابَة للفقيه عُثْمَان بتدريس الاسدية اذ حج ثمَّ قِرَاءَة الحَدِيث بدار المضيف بتعز ثمَّ لما توفّي صهره انْتقل الى مدرسته وَلما صَار قَضَاء الْقُضَاة الى ابْن الاديب جعل هَذَا قَاضِيا بتعز فَقدم فِي ايامه الْفَقِيه عبد الحميد الجيلوني الَّاتِي ذكره فالتقاه هَذَا واهله لسكني تعز كَمَا سَيَأْتِي ان شَاءَ الله بَيَان ذَلِك عِنْد ذكره وَهُوَ الثَّالِث من الْفُقَهَاء الْمَعْدُودين فِي الْوَقْت بالفتوى ورتبهم على مَا اغلب عَلَيْهِ ظَنِّي من تقدم وجود كل على الاخر وَهَذَا مِمَّن يشهر بسعة الْفِقْه والزهد والورع وَبِه سياسة وَشرف نفس وَأنس للاصحاب مبارك التدريس نظيف الْفِقْه حج سنة خمس وَعشْرين وسبعماية وَعَاد على احسن حَال وَلما ضعف رزق الْمدَارِس انْتقل الى خانقة حيس وَصَارَ بهَا شَيخا وَكَانَ لَهُ حَالَة رضية وَمَكَارِم مرضية وَكَثِيرًا يرى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَات فِي سنة أَربع وَخمسين وَسَبْعمائة وَدفن فِي قَرْيَة حيس بَين زبيد وقبره على مسار الطَّرِيق فِي النُّزُول ومستجاب عِنْده الدُّعَاء هَكَذَا أَخْبرنِي بعض سكان حيس وَمِنْهُم مُحَمَّد بن الْفَقِيه عمر المتوجي مقدم الذّكر مولده شعْبَان سنة سبع وَثَمَانِينَ وستماية خلف اباه فِي تدريس العمرية وَهِي تنْسب الى الْأَمِير عمر بن نَفِيس أخي المظفر من أمه وَولي الْقَضَاء من قبل ابْن الأديب وَكَانَ يستنيبه بعض قُضَاة بني مُحَمَّد بن عمر ايضا وَيذكر بِالدّينِ وَالْخَيْر وَاجْتمعت بِهِ مرَارًا فَوجدت بِهِ انسا وتواضعا وسعة خلق وتفقهه بَاهل تعز

    وَمِنْهُم مُحَمَّد بن يُوسُف بن عَليّ ابْن مَحْمُود النزاري نسبا ثمَّ الصبري بَلَدا فَقِيه فَاضل حدث السن لَدَيْهِ فضل بالفقه والنحو والقراءات السَّبع والفرائض والحساب والجبر والمقابلة درس بالاشرفية اولا وناب على الْقَضَاء بتعز ايام ابْن الاديب وَكَانَ قَضَاؤُهُ فِي الْغَالِب مرضيا وتفقهه بِأَهْل تعز كَابْن العراف واسحاق

    وَهُوَ الان يقرئ الْقُرْآن بِالْمَدْرَسَةِ المويدية باسم مقرى الْقرَاءَات السَّبع وَفِيه انس وصحبة للاصحاب وَالسَّعْي فِي قَضَاء حوايجهم وَشرف نفس وَكَانَ لَهُ عَم اسْمه احْمَد بن مُحَمَّد بن عبد الله النزاري تفقه بِرَجُل وَصله الى صَبر ثمَّ كَانَ يتَرَدَّد الى شَيخنَا ابي الْحسن الاصبحي فيذاكره ويزيل عَنهُ مَا اشكل عَلَيْهِ وَولي الْقَضَاء فِي جبل صَبر بَلَده فَذكر لي عَنهُ الْخَبِير بِهِ ان قَضَائِهِ كَانَ مرضيا وَلما حصل الْخلاف من اهل صَبر وأخربوا وأحرقوا المغربة انْتقل هَذَا الى بَلَده وَرجع الْفَقِيه الى المغربة ودرس بِالْمَدْرَسَةِ الغرابية ثمَّ انْتقل إِلَى الْمدرسَة المظفرية وَلم يزل عَلَيْهَا إِلَى أَن سافرمكة المشرفة وَإِلَيْهِ انْتَهَت رياسة التدريس والفتوة من يَوْمئِذٍ على أَن توفّي على الْحَال المرضي رَحْمَة الله عَلَيْهِ فَرجع الى بَلَده لأجل الضَّرُورَة إِذْ لم يسكن المغربة من أول سنة أَربع وَعشْرين على رَمَضَان من سنة سِتّ وَعشْرين وَهَان الْآن على مَا أثْبته فِي السِّيرَة

    وَمِنْهُم ابو الْحسن عَليّ بن الْفَقِيه احْمَد بن الْفَقِيه عَليّ بن الْجُنَيْد الْمُقدم ذكرهم مولده يَوْم الثُّلَاثَاء خَامِس رَمَضَان سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة فَقِيه نحوي فَاضل تفقه بِجَمَاعَة من فُقَهَاء تعز وبابن الاديب وبابن الاحمر اُحْدُ مدرسي زبيد وَهُوَ الان مدرس الاسدية بتعز وَله مَكَارِم اخلاق وعلو همة قل ان يجد الْفُقَهَاء لَهُ نَظِير لَا سِيمَا فِي عصرنا اجْمَعْ الاصحاب بوقتنا على ذَلِك فِيهِ وَله شعر حسن مِنْهُ فِي مروره على ورد يضْرب ليحمل ... اصبر على ألم الخطوب فَرُبمَا ... وافي بِمَا يختاره الْمَكْرُوه

    اَوْ مَا رَأَيْت الْورْد لما هزه ... شوق الى ازهاره ضربوه ... وَهُوَ الْآن معيد بمدرسة أم السُّلْطَان الَّتِي أحدثوها وَقد ذكرتها مَعَ ابْن جِبْرِيل وَقد انْقَضى ذكر اهلتعز من فقهائها واحببت ان الْحق بهم الَّذين وردوها ودرسوا فِيهَا وهم جمَاعَة من الطَّبَقَة الاولى مِنْهُم ابو الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد ابْن أَحْمد بن حَدِيد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن حَدِيد بن عبد الله بن أَحْمد بن عِيسَى

    بن مُحَمَّد بن عَليّ ابْن جَعْفَر الصَّادِق بن مُحَمَّد الباقر بن عَليّ بن زين العابدين بن الْحُسَيْن بن عَليّ ابْن ابي طَالب كرم الله وَجهه وَيعرف بالشريف ابي الْحَدِيد عِنْد أهل الْيمن اصله من حَضرمَوْت من اشراف هُنَالك يعْرفُونَ بَال ابي علوي بَيت صَلَاح وَعبادَة على طَرِيق التصوف وَفِيهِمْ فُقَهَاء يَأْتِي ذكر من اتحقق ان شَاءَ الله تَعَالَى مَعَ أهل بَلَده قدم الى عدن فادرك القَاضِي ابراهيم ابْن احْمَد القريظي فاخذ عَنهُ الْمُسْتَصْفى كَمَا اخذه عَن مُصَنفه وَقدم مَعَ اخ لَهُ اسْمه عبد الْملك ثمَّ خرج عَن عدن عازمين على زِيَارَة الشَّيْخ مدافع لما شهر بِهِ من الصّلاح واستفاض عَنهُ فَقدما عَلَيْهِ الى قَرْيَة الوحيز الَّاتِي ضَبطهَا ان شَاءَ الله تَعَالَى فَرَحَّبَ بهما واقاما عِنْده اياما وزوجهما بابنتين لَهُ فسكنا بِذِي هزيم قَرْيَة تقَابل الوحيز وَيُقَال كَانَ بَيت الشريف ابي الْحَدِيد الْحَائِط الَّذِي على بَاب الْمدرسَة النظامية فَأخذ النَّاس عَن أبي الْحَدِيد أخذا كثيرا فَمِمَّنْ أَخذ عَنهُ مُحَمَّد بن مَسْعُود السفالي وَابْن نَاصِر الْحِمْيَرِي وَاحْمَدْ بن مُحَمَّد الْجُنَيْد وَحسن بن رَاشد وَمُحَمّد بن ابراهيم الفشلي وَكَانَ مَتى ذكر عِنْده قَالَ ابو حَدِيد رجل ثِقَة كَانَ من الْحفاظ وَمِمَّنْ اخذ عَنهُ الْفَقِيه عمر بن عَليّ صَاحب بَيت حُسَيْن الَّاتِي ذكره واقام فِي الْجَبَل مُدَّة طَوِيلَة وَصَارَ لَهُ بهَا ذكر شَائِع وقصده النَّاس من انحاء الْيمن للاخذ عَنهُ فَلَمَّا قبض المسعود بن الْكَامِل على الشَّيْخ مدافع قبض عَلَيْهِ مَعَه فَلبث بحصن تعز من مستهل رَمَضَان سنة سبع عشرَة وسِتمِائَة الى سلخ ربيع الاول من سنة ثَمَانِي عشرَة وستماية ثمَّ انزلا عدن وسفر بهما الْهِنْد فَذكرُوا ان الرّيح عصفت بمركبهم فَدخل ظفار فَلَمَّا علم اهلها بالشيخ واصلوه وزاروه وحبوه وَصَحبه جمَاعَة مِنْهُم وَقَالُوا ان اخْتَرْت أَن تقف فَقَالَ لَا أكون عبدا فِرَارًا سأكون عنْدكُمْ مرَارًا ثمَّ

    لما اسْتَوَى الرّيح سافرا فِي الْمركب حَتَّى دخلا بلد الدينول فلبثا بهَا شَهْرَيْن وَثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ خرجا عَنْهَا لثلاث خلون من رَمَضَان سنة ثَمَانِي عشرَة وستماية فدخلا ظفار ولبثا بهَا ثَمَانِيَة عشر يَوْمًا فَتوفي الشَّيْخ وقبر بهَا على مَا سَيَأْتِي ثمَّ عَاد الشريف الى الْيمن فَلم يطب فِي الْجبَال بل نزل تهَامَة واقام بزبيد مُدَّة ثمَّ عزم الى المهجم فسكن من اعمالها بقرية تعرف بالمرجف فدرس مُدَّة فِي مَسْجِدهَا ثمَّ سَافر إِلَى مَكَّة ثمَّ عَاد وَيُقَال انه الْتَزمهُ الشَّيْخ عمرَان بن رفيع القرابلي فِي ذَلِك فَكَانَ لَا يبرح فِيهِ حَيْثُ كَانَ فاكثر قعوده بهَا بَين القريتين ثمَّ سَافر الى مَكَّة فَذكرُوا انه توفّي هُنَالك نَحْو سنة عشْرين وستماية وَكَانَ حَافظ عصره لم يكن لَهُ اذ ذَاك فِي الْيمن نَظِير فِي معرفَة الحَدِيث وَقد عرض مَعَ ذكره ذكر الشَّيْخ مدافع وَهُوَ مدافع بن احْمَد بن مُحَمَّد المعيني ثمَّ الخلاوني فالمعيني نِسْبَة الى جد قَبيلَة كَبِيرَة من خولان يعْرفُونَ ببني معِين بِضَم الْمِيم وخفض الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء الْمُثَنَّاة من تَحت ثمَّ نون أصل بَلَده شرعب وَكَانَ مِمَّن فتح عَلَيْهِ الله بِالدّينِ واخذ يَد التصوف عَن الشَّيْخ ابي الْحداد بِحَق اخذه عَن شيخ الْعَصْر عبد الْقَادِر الجيلاني وَكَانَ مدافع مِمَّن اجْمَعْ النَّاس على صَلَاحه وكماله وَلما فقد الشَّيْخ ابو الْغَيْث شَيْئا من احواله وَصله الى قَرْيَة الوحيز واقام بِمَسْجِد على قرب من بَيته اياما فاعاد الله عَلَيْهِ مَا فَقده وَقد دخلت الْمَسْجِد مرَارًا وتبركت بأثار الشَّيْخَيْنِ مِنْهُ وَضبط الوحيز بِفَتْح الْوَاو وخفض الْحَاء الْمُهْملَة ثمَّ يَاء مثناة من تَحت ثمَّ زَاي سكنها الشَّيْخ وَذريته بهَا الى الان وَصَحبه جمَاعَة من اعيان الصُّوفِيَّة وَالْفُقَهَاء كعثمان ابْن ساوح وعَلى الرميمة وَعمْرَان وعَلى الصُّوفِي وَمن جبلة وَغَيرهم وَكَانَت لَهُ ابنتان خطبتا مِنْهُ خطبهما اعيان اهل الدّين وَالدُّنْيَا فَلم يقبل من اُحْدُ وَلَا

    انْعمْ لَهُ فَسَأَلَهُ بعض خواصه عَن ذَلِك فَقَالَ ان ازواجهن من وَرَاء الْبَحْر سيصلون عَن قريب فَلَمَّا وصل الشريفان أَبُو الْحَدِيد وَأَخُوهُ أزواجهما علم صدق مَا كَانَ اخبر بِهِ وان الشَّيْخ قَالَ ذَلِك من طَرِيق الْكَشْف وَلما دخل المسعود الْيمن وَملكه وقدرفي أَيَّامه خُرُوج مرغم الصُّوفِي بجبل سحمر وَجرى لَهُ مَا هُوَ مَشْهُور من الْحَرْب بِحَيْثُ انزعج لَهُ المسعود وطلع من الْيمن مغيرا واقام فِي الحقل مُدَّة يحارب مرغما وَقد اطاعه اهل جبل سحمر بَنو مُسلم وغالب الْعَرَب الَّذين حَولهمْ كبني سيف وَغَيرهم فحارب الغز مرَارًا وَمَعَ المسعود جمع من الْعَرَب وكل مرّة يقتل مِنْهُم جمعا ويأسر كَذَلِك وَكَانَ يَأْخُذ من الْمُطِيع لَهُ غير الْعَاشِرَة بِخِلَاف الغز وَنشر الْعَدَالَة بِخِلَاف الاشراف وَلذَلِك مَال النَّاس اليه غير انه كيرا مَا يسفك الدِّمَاء فسلب النَّصْر وَكَانَ لَهُ كرامات استمال بهَا من اطاعه يطول شرحها مِنْهَا انه كَانَ مَتى اقتتل الْعَسْكَر ان رمى بِوَجْه من يقاتله شَيْئا من الْحَصَى فينكسر فَلم يكد يكسر لَهُ جَيش ثمَّ يطْبخ لَهُ اللَّحْم بقدور فيغترف مِنْهَا بِيَدِهِ ويستخرج اللَّحْم بكفه حَتَّى افْتتن بذلك جمع كثير وَلما سلب النَّصْر هرب لَيْلًا من جبل سحمر وَدخل بلد وصاب بعدان قتل فِي حربه جمَاعَة من الاعيان عربا وغزا فَمن الْعَرَب رَاشد بن مظفر السنحاني ممدوح بن هيتمل فِي الْغَالِب وَلما خفف عَن النَّاس اشياء يعْتَاد الغز التزامهم اياها مِنْهَا شَيْء يُقَال لَهُ الْخرص واللاحق والشباك فَلَمَّا هرب اعاد الغز ذَلِك عَلَيْهِم

    فَقَالَ شاهرهم ينْدب مرغما ... فديتك الْيَوْم يَا مرغم وَلم عَاد أَرَاك ... خلصتني الْخرص واللاحق وَحمل الشباك ... وَلما كَانَ الحَدِيث شجونا حَدِيث مرغم من حَدِيث الشَّيْخ مدافع فَذكرُوا أَن المسعود كَانَ بعد ذَلِك يُنكر ذكر الصُّوفِيَّة وَرُبمَا حرم لبس زيهم وعاقب عَلَيْهِ حَتَّى جرى لَهُ الامر مَعَ الشَّيْخ فرج النوبي بالجند وَهُوَ كَمَا اخبر القدماء الثِّقَات من اهل الْجند انه لما حرم لبس الدولوف والمرقعات والطواقي خرج فِي تِلْكَ الْمدَّة من مَدِينَة الْجند يُرِيد الصَّيْد وقدامه صَاحب الْفِيل اذ لقِيه الشَّيْخ فرج مُقبلا من طَرِيق غيل يُقَال لَهُ السودَان قد صلى عِنْده الصُّبْح فحين رأه المسعود شقّ عَلَيْهِ حَيْثُ لم يجْتَنب مَا حرمه فَأَشَارَ إِلَى صَاحب الْفِيل أَن يَأْمر الْفِيل بأذيته فَفعل الفيال ذَلِك وَالشَّيْخ على بعد يسير مطرقا فحين دنى مِنْهُ الْفِيل فَرفع رَأسه وَقَالَ الله اذ بالفيل وَقع مَيتا وَصَاحبه مغشيا عَلَيْهِ فَقيل للمسعود اِدَّرَكَ نَفسك فَنزل عَن

    مركوبه وَاقْبَلْ الى الشَّيْخ كاشفا رَأسه ومعتذرا فَقَالَ لَهُ تأدب يَا صبي مَعَ الْفُقَرَاء خير لَك فَقَالَ نعم وعاهده على التَّوْبَة فَمن ذَلِك تأدب مَعَ الْفُقَرَاء وَحسن ظَنّه بهم حَتَّى كَانَ مِنْهُ الى مدافع مَا يَأْتِي ذكره وَكَانَ من حَدِيثه انه كَانَ اذا نزل من حصن تعز ووقف بالميدان اَوْ بالمطعم يطعم الْجَوَارِح الصيدية فيجد جمعا من الْعَسْكَر وَغَيرهم يروحون طَرِيق الوحيز فيسال عَن ذَلِك فَيُقَال لزيارة رجل من الصُّوفِيَّة كَبِير الْحَال ثمَّ بحث عَنهُ فاخبر بَان لَهُ قبولا عَظِيما ومحلا بَين الْعَالم جسيما فَأحب ان يطلع على امْرَهْ واظهر ان غَرَضه زيارته وَوصل الى بَابه وَكَانَ من عَادَة الشَّيْخ مدافع لَا يجْتَمع باحد وَلَا يجْتَمع بِهِ اُحْدُ من اذان الصُّبْح الى قرب الظّهْر بل مَتى صلى الصُّبْح اقبل على الذّكر فِي مَوضِع من بَيته فَلَا يَسْتَطِيع أحد كَلَامه ثمَّ اذا ارْتَفَعت الشَّمْس اقبل على صَلَاة الضُّحَى فيطيلها فوصل المسعود وَهُوَ مبتدئ للصَّلَاة فبقى وَاقِفًا بِالْبَابِ وَالْخَادِم الَّذِي يخْدم الشَّيْخ يدْخل وَيخرج وَيَقُول الشَّيْخ مَشْغُول والان يخرج وَعند المسعود جمَاعَة من اشرار خدمه وجهالهم يوبخونه وَيَقُولُونَ ابْن الْملك الْكَامِل وَاقِف على بَاب فلاح من اهل الْيمن وَنَحْو هَذَا الْكَلَام بِحَيْثُ اغتاظ غيظا عَظِيما وَرَاح فِي الْغَالِب من غير اجْتِمَاع بالشيخ واتهم انه رُبمَا يحدث مِنْهُ كَمَا حدث من مرغم الْمُقدم ذكره وعزم على مسكه واخراجه من الْيمن فَلَزِمَهُ بالتاريخ الْمُقدم ذكره مَعَ ذكر ابي حَدِيد واقام فِي حصن تعز سَبْعَة اشهر كَمَا قدمت ذَلِك ثمَّ انْتَقَلت احواله كَمَا بيّنت ذَلِك فِي ذكر ابي حَدِيد وَكَانَت وَفَاته على الْحَال المرضي بِمَدِينَة ظفار فِي شهر شَوَّال غَالِبا سنة ثَمَانِي عشرَة وستماية وقبره من الْقُبُور الْمَشْهُورَة بِالْبركَةِ واستجابه الدُّعَاء وَكَانَ لَهُ ولد غَائِب مَعَ خَاله ابْن رضوَان فِي الْهِنْد فحين بلغته وَفَاة أَبِيه عَاد إِلَى الْيمن فوصل مقَام ابيه وجده اول الْمحرم سنة ثَمَانِي وَعشْرين وستماية وَخلف فِي الْيمن ثَلَاثَة أَوْلَاد مُحَمَّد لَا عقب لَهُ وَأَبُو بكر لَهُ عقب الى الان موجودون بالوحيز ثمَّ عمر كَانَ يخالط الامراء والكبراء وَكَانَ محبوبا عِنْد ابيه وَحصل لَهُ مِنْهُ نصيب وافر

    بِحَيْثُ انه مَا هم اُحْدُ بالاساءة اليه الا وبلى ببلاء ظَاهر وَكَانَ من المترفين يلبس الثِّيَاب الفاخرة وَيذكر عَنهُ امور غير لائقة بِالشَّرْعِ فَحملت ذَلِك على مَا جَاءَ فِي الاثار من سبقت لَهُ الْعِنَايَة لم تضره الْجِنَايَة ذكر لي بعض الثِّقَات ان المظفر لما كثر سَمَاعه مَا هُوَ عَلَيْهِ من الْخلطَة هم ان يُغير عَلَيْهِ شَيْئا من المسامحات فَرَأى الشَّيْخ فِي الْمَنَام قَائِلا يَقُول لَهُ يَا يُوسُف ان غيرت على عمر غَيرنَا عَلَيْك وَلم يزل مُحْتَرما لَهُ حَتَّى توفّي سنة ثَمَانِينَ وستماية وَله ولد اسْمه مدافع لزم الزاوية وَقَامَ بِوَاجِب الرِّبَاط حَتَّى توفّي سنة سِتّ وَتِسْعين وستماية بعد ان اسْتخْلف ولدا لَهُ اسْمه ابو بكر وَهُوَ الان قَائِم بِالْحَال بالرباط اجْتمع بِهِ مرَارًا فَوَجَدته من خيرة اولاد الْمَشَايِخ لَهُ اشْتِغَال بِالْعلمِ بِحَيْثُ رتبه بَنو مُحَمَّد بن عمر مدرسا فِي الْمدرسَة التاجية بقرية الوحيز وَفِيه مَكَارِم اخلاق وَأنس للاصحاب وذكرا ان الشَّيْخ تأهل بِالْهِنْدِ وَله بهَا ذُرِّيَّة يذكرُونَ بِهِ وَالْقلب غير موقن بذلك توفّي هَذَا ابو بكر بقرية الوحيز سلخ صفر سنة ثَمَان وَعشْرين وسبعماية وَنَرْجِع الى ذكر الْفُقَهَاء فَمن الطَّبَقَة الثَّانِيَة بعد ابي حَدِيد جمَاعَة مِنْهُم ابو الْخطاب عمر بن مَسْعُود بن مُحَمَّد بن سَالم الْحِمْيَرِي نسبا والابيني بَلَدا تفقه بِمُحَمد بن اسماعيل الْحَضْرَمِيّ الَّاتِي ذكره وبعلي بن قَاسم الْحكمِي الْمُقدم ذكره وببطال بن احْمَد وَعلي بن عمر الْحَضْرَمِيّ اخذا من شرح مقامات الحريري من اهل الْيمن وبعلي بن مَسْعُود الْكشِّي وابراهيم بن عجيل الْمُقدم ذكره ودرس بِذِي هزيم فِي الْمدرسَة النظامية الْمُقدم ذكرهَا مَعَ بانيها وَبِه تفقه جمع كثير يُقَال خرج من اصحابه اربعون مدرسا مِنْهُم مُحَمَّد بن سَالم البانة وابراهيم بن عِيسَى الجندي مقدمي الذّكر وَمُحَمّد بن مَسْعُود الصحاوي السفالي وَسَعِيد ابْن انْعمْ من مصنعة سير وَكَانَ فَقِيها متورعا متعففا لُزُوما للسّنة شهرت مِنْهُ صُحْبَة الْخضر وَكَانَت وَفَاته على الطَّرِيق المرضي لَيْلَة الْخَمِيس ثامن شَوَّال سنة ثَمَانِي وخسمين وستماية وقبر نَهَار الْخَمِيس

    بمقبرة صينة وَبهَا يقبر اهل الوحيز وَذي هزيم وصينة اذ هم ثَلَاث قرى مُتَقَارِبَة وَقد زرت قَبره مرَارًا لما ذكر لي من فَضله وَدينه ثمَّ لما توفّي خَلفه فِي مدرسته تِلْمِيذه سعيد بن مَنْصُور عرف بانعم اعنى اباه ابْن مُحَمَّد بن احْمَد الجيشي بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْيَاء الْمُثَنَّاة من تَحت ثمَّ شين مُعْجمَة ثمَّ يَاء نسب اصل بَلَده مصنعة سير ولقب وَالِده بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون النُّون وفتحالعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْمِيم وَكَانَ هَذَا اللقب غَالِبا فَلَا يعرف الا بِهِ وَكَانَ ققيها محققا درس بِعْ شَيْخه فِي مدرسته الى ان توفّي سنة ارْبَعْ وَسبعين وستماية قبر الى جنب شَيْخه ثمَّ خَلفه ابْن شَيْخه عبد الله بن الْفَقِيه عمر بن مَسْعُود الْمُقدم ذكره فَلم تطل مدَّته بل توفّي على رَأس سنة من قعوده وَذَلِكَ سنة خمس وَقيل سنة سِتّ وَسبعين وستماية

    وَمن الثَّالِثَة ابو بكر ابْن عَليّ بن اِسْعَدْ اصله من الصّفة وَهِي عزلة من جبل عَنهُ بخفض الصَّاد الْمُهْملَة وَفتح الْفَاء ثمَّ هَاء سَاكِنة وجبل عَنهُ بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد النُّون مَفْتُوحَة ثمَّ هَاء سَاكِنة وَهُوَ جبل من جبال الْيمن المتسعة خرج مِنْهُ جمَاعَة من الْفُقَهَاء والعباد مولد ابي بكر هَذَا لعشر مضين من شَوَّال سنة تسع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة تفقهه بَابي بكر بن العراف وَابْن البانة مقدم الذّكر واخذه للنحو عَن الْمَقْدِسِي الْمُقدم ذكره فِي الْقَضِيَّة الْحَادِثَة بَين الْفُقَهَاء درس هَذَا فِي النظامية ايضا وَتُوفِّي على ذَلِك لَيْلَة الْجُمُعَة لاربع خلون من الْحجَّة سنة تسع وَثَمَانِينَ وستماية

    وَمِنْهُم مُحَمَّد بن الْحَنَفِيّ تلقب بظهير الدّين البُخَارِيّ كَانَ كَبِير الْحَال حَنَفِيّ

    الْمَذْهَب دخل زبيد سنة ثَمَانِي وَثَمَانِينَ وستماية وَحَوله حشم ومماليك بزحمة جَيِّدَة فتناظر مَعَ اصحاب الشَّافِعِي ورأسهم اذ ذَلِك احْمَد بن سُلَيْمَان الْحكمِي وَهُوَ مناظرة فاظهره الله عَلَيْهِ واصفق مَعَه على ذَلِك اغلب الْحَاضِرين تعصبا للْمَذْهَب وتقويا فَحَمله الغيظ وسافر وَتُوفِّي بماردين لم تطل مدَّته

    وَمِنْهُم مُحَمَّد بن عَليّ الكاشغري نِسْبَة الى بلد باقصى بلد التّرْك وشينها مُعْجمَة ساكنه هَكَذَا قَالَ ابْن خلكان فِي وفياته كَانَ فِي اول قدومه الْيمن حَنَفِيّ الْمَذْهَب فاقام بِمَكَّة ارْبَعْ عشرَة سنة صنف بهَا كتابا سَمَّاهُ مجمع الغرائب ومنبع الْعَجَائِب فِي أَرْبَعَة مجلدات وانتقل الى مَذْهَب الشَّافِعِي هُنَالك فَسَأَلَ عَن ذَلِك فَقَالَ رَأَيْت الْقِيَامَة قَامَت وَالنَّاس يدْخلُونَ زمرة بزمرة فصرت مَعَ زمرة مِنْهُم فجذبني شخص وَقَالَ تدخل الشَّافِعِيَّة قبل اصحاب ابي حنيفَة فعزمت ان اكون من الْمُتَقَدِّمين متظاهرا بِمذهب الصُّوفِيَّة ابتني رِبَاطًا فِي أَمَاكِن مُتَفَرِّقَة وَحكم جمَاعَة ايضا وَلما رأى ان الْغَالِب فِي الْيمن مَذْهَب الشَّافِعِي تظاهر بِهِ وَقَرَأَ كتبه فَقَرَأَ الْمَذْهَب فِي اب على الْفَقِيه يحي بن ابراهيم الَّاتِي واما النَّحْو اللُّغَة فوصل من بَلَده وَهُوَ عَارِف بهما ماهر فيهمَا وَفِي كتب التَّفْسِير والوعظ وغالب مصنفات ابْن الْجَوْزِيّ وَضبط عَنهُ كتبا مِنْهَا مُحَمَّد بن عَليّ ابْن عِيسَى وَلما اقام فِي قَرْيَة اليهاقر وابتنى بهَا رِبَاطًا وَكَانَ قد بنى بهَا رِبَاطًا لاصحاب الشَّيْخ ابي السرُور فَحصل بَينهم وَبَينه تحاسد ومقاولة وَصَارَ هُوَ وهم الى عِنْد الشَّيْخ فعاتبهم وَقَالَ لَهُ اذا مَا دَعَوْت شيخك واجابك والا دَعَوْت شَيْخي واجباني فاستعفى وَاسْتَغْفرُوا وَمن هُنَاكَ

    ترك التظاهر بالتصوف وَمَال الى طَرِيق الْفِقْه فرتبه القَاضِي الْبَهَاء بِالْمَدْرَسَةِ المظفرية وَكَانَ قد ابتنى رِبَاطًا فِي سَاحل موزع وغرس بِهِ نخلا كثيرا وَكَانَ يخْتَلف اليه فِي ايام ثماره وَيعود الى تعز عِنْد فَرَاغه وَفِي سنة خمس وسبعماية نزل الى موزع كجاري الْعَادة فادركته الْوَفَاة هُنَالك فَتوفي بهَا وقبر الى جنب قبر الْفَقِيه الصَّالح عبد الله بن الْخَطِيب الْآتِي ذكره وزرت قبرهما مرَارًا أَيَّام كنت بِقَضَاء موزع

    وَمِنْهُم عَليّ بن عُثْمَان الاشهي بشين مُعْجمَة سَاكِنة بعد الف وَلَام دخل الْيمن من طَرِيق الْحجاز فَقدم تعز واقام بالسيفية اياما فاخذ عَنهُ جمَاعَة من الْفُقَهَاء وَبلغ فَضله الْقُضَاة يَوْمئِذٍ وهم بَنو مُحَمَّد بن عمر فرتبوه مدرسا بالمظفرية فوصلته اذ ذَاك وَهُوَ يدرس فِيهَا كتاب الْحَاوِي الصَّغِير والكتب الَّتِي اهل الْيمن عاكفون عَلَيْهَا لَا يكَاد يعرفهَا وَهِي كتب ابي إِسْحَاق وَالْغَزالِيّ انما كَانَ ياخذها من طَرِيق غَيرهَا فاخذ النَّاس عَنهُ الْحَاوِي وَغَيره وَذكروا انه كَانَ معيدا بِبَغْدَاد فِي الْمدرسَة النظامية وَقيل مدرسا وَلما وقف على كتاب الْمعِين مُصَنف شَيخنَا ابي الْحسن الْمُقدم ذكره اعجبه واستنسخة وَقَالَ مَا كنت اظن مثل هَذَا يُوجد فِي زَمَاننَا بِالْيمن فرحم الله مُصَنفه لقد كَانَ عَظِيم الْقدر ثمَّ لم تطب لَهُ الْيمن فَاسْتَأْذن فِي السّفر وسافر من طَرِيق عدن سنة سبع وَسَبْعمائة فَذكرُوا ان الْمركب الَّذِي سَافر فِيهِ غرق وَالله اعْلَم بِحَالهِ

    وَمِنْهُم حسن بن احْمَد بن نصر بن عَليّ عرف بمختار الدولة وَكَانَ مُخْتَار الدولة وزيرا لحد العبيديين خلفاء مصر قدم تعز اخر ايام الْمُؤَيد فَلم يصف لَهُ مَعَه حَال وهومن اعيان الْفُضَلَاء الواصلين من مصر عَارِفًا بالنحو والفلك والاصول والحساب والفرائض والجبر والمقابلة وَعَلِيهِ حقق مُحَمَّد بن يُوسُف الصبري الْفَقِيه مقدم الذّكر شَيْئا من ذَلِك ولبث بتعز مُدَّة فَلم يصف لَهُ من

    الْمُجَاهِد ايضا وَقت وَطَالَ تَعبه فسافر عَن تعز فِي النّصْف الاخير من الْمحرم اول سنة ارْبَعْ وَعشْرين وسبعماية لم اكن اجد فِي الغرباء المصريين لَهُ نظيرا فِي معرفَة الْفُنُون الْمَذْكُورَة وعلو الهمة وَكَانَ سَفَره من تعز تَاسِع عشر الْمحرم على انه يعْمل على عود الْبِلَاد لبث فِي التهائم حَتَّى انْقَضتْ المحاط عَن تعز ثمَّ عَاد اليها فَلبث فِيهَا حَتَّى قدم المصريون بالتاريخ الَّاتِي وَصلح ولبث اياما مَعَ الامير مُحَمَّد بن حسن ثمَّ لما اسْتَقر الامر عَاد بَاب السُّلْطَان فَجعل كَاتبا للخزانة والانشاء وَله شعر مِنْهُ مَا كتبه الى بعض اصحابه جَوَابا لشكوى شكاها من زَمَانه وَهُوَ ... عَلَيْك سَلام الله ياخير فَاضل ... الى مشتك من دهره وعداته

    بكيتك حَتَّى كَاد يمحو كتابكُمْ ... بغزر الَّذِي قد سَالَ من عبراته

    لجور زمَان لم يزل أولو النَّهْي ... بشكوى إِلَى الرَّحْمَن من وتباته ... ولمانزل السُّلْطَان عدن وحاصرها الْمرة الثَّالِثَة وَذَلِكَ فِي رَمَضَان كَمَا سَيَأْتِي نزل هَذَا من عز فِي صحبته فَتَطلع عَلَيْهِ وَعرف فَضله فحين علم ذَلِك جعله من جملَة خواصه فَتَوَلّى أمورا بِاجْتِهَاد وَأَمَانَة وتوسط مَعَه لأهل الْفضل بِالْخَيرِ وَقبل مِنْهُ وَذَلِكَ حِين دخل عدن جعله صَاحب صناعَة الْبَاب إِلَيْهِ الصِّنَاعَة وَغَيرهَا ولبث على ذَلِك مُسْتَقِيم الْحَال فِي صُحْبَة الركاب حَتَّى توفّي لَيْلَة الاربعاء حادي عشر رَمَضَان من سنة تسع وَعشْرين وَسَبْعمائة وقبر بمقبرة المعاتبة بمغربة تعز

    وَمِنْهُم ابو الْعَبَّاس احْمَد بن عَليّ الظفاري قدم من ظفار قَاصِدا الْحَج فَحصل بَينه وَبَين الْفَقِيه أبي بكر بن مُحَمَّد بن عمر أَلفه ومحبة واتحاد وَعلم لَهُ وَلَده الَّذِي صَار إِلَيْهِ قَضَاء الْقُضَاة ببركته وَقد مضى ذكره وَلما دنت وَفَاة الْفَقِيه أبي بكر جعله خَلِيفَته على أَهله وناظرا فِي أُمُور أَوْلَاده الَّذِي صَار إِلَيْهِ بِالْوَصِيَّةِ الصَّحِيحَة كَمَا قدمنَا ذَلِك وَكره ذَلِك جمَاعَة اخوته واظهروا ذَلِك لَا سِيمَا بعد موت مُحَمَّد بن احْمَد وَعَمه الْوَزير لَوْلَا ان الْملك الْمُؤَيد كَانَ يسمع من الْفَقِيه ذكره كثيرا بِالدّينِ وَالصَّلَاح فَلم يزل ينظره بِتِلْكَ الْعين وَلَقَد كاده جمَاعَة وَسعوا فِي قَتله أَو مَوته أَو حرقه

    أَو اهانته بِالضَّرْبِ فَلم يساعدهم الى ذَلِك بل وَقَاه الله وحماه وَلما امتحن القَاضِي جمال الدّين ابْن الْفَقِيه بالمحنة الْمَشْهُورَة فِي أول امْرَهْ وَحبس نَحْو سنة وَهَذَا الْفَقِيه قَائِم بِبَيْت الْفَقِيه اتم قيام كَمَا كَانُوا يعرفونه قبل مصير الوزارة وَالْقَضَاء اليهم فلمي تمّ لَهُ سنة بالسجن حَتَّى لاطف لَهُ الْمُؤَيد واستعفاه فعفى عَنهُ واطلقه وَلما امتحن المحنة الثَّانِيَة فِي سنة ثَمَانِي عشرَة لزم هَذَا الْفَقِيه مَعَه وسجنا مَعًا وَبَالغ الْأَعْدَاء فِي طلب حرقه اَوْ قَتله مَعَه وَالْقَاضِي جمال الدّين فَجرى للْقَاضِي جمال الدّين مَا هُوَ مَشْهُور وَحمى الله هَذَا الْفَقِيه بعد ان كتب اعداؤهم الفتاوي بِحل دِمَائِهِمْ واجابهم بذلك جمَاعَة من الْفُقَهَاء باشارة من ابْن الاديب قَاضِي الْقُضَاة يَوْمئِذٍ فَلم يقبل الْمُؤَيد ذَلِك واطلق هَذَا الْفَقِيه على كره من المفتيين والمستفتين وَغَيرهم فَعَاد الى بَيت الْفَقِيه وصبر فِيهِ على الْحَال المرضي من الْقيام بِبَيْت الْفَقِيه وتهذيب اخي القَاضِي جمال الدّين الْمُسَمّى عبد الرَّحْمَن وتعليمه ثمَّ جعل يلاطف الْمُؤَيد ويستعطفه حَتَّى اطلقه ثَانِيًا وَعَاد بَيته وَلَقَد كرهه اعداء بَين الْفَقِيه وَقَالُوا لَو سلمناه لم يبْق للفقيه وَلَا لأَهله ذكر وَفِي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَسَبْعمائة حج هُوَ وَالْقَاضِي ولد الْفَقِيه ثمَّ زارا قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد الْحَج ثمَّ عَاد الى تهَامَة فَمر فِي بَيت الْفَقِيه بن عجيل كَمَا قدمنَا فَوقف فِيهِ الى الان سنة ارْبَعْ وَعشْرين وَسَبْعمائة وَفِي سنة خمس وَعشْرين قدم من بَيت الْفَقِيه بن عجيل الى تعز فَلَزِمَ بَيت الْفَقِيه على جاري عَادَته فَهُوَ بهَا الى الان سنة 726 وَلم يزل بِهِ حَتَّى كَانَ فِي سنة 27 خرج القَاضِي جمال الدّين عَن تعز لوحشة حصلت بَينه وَبَين السُّلْطَان فلحق بِبَلَد صهْبَان ولبث هَذَا بعده فِي تعر الى منتصف ربيع الاول ثمَّ لحق بِهِ وَهُوَ مَعَه بِموضع يُقَال لَهُ العشة بِعَين مُهْملَة بعد ألف وَلَام ثمَّ ألف ثمَّ شين مُعْجمَة ثمَّ هَاء

    وَمِنْهُم عبد الحميد بن عبد الرَّحْمَن ابْن عبد الحميد ابْن عبد الله الجيلوني نِسْبَة الى كورة جيلون وَهُوَ جبل بِبِلَاد فَارس كوره اسْم للجبل وجيلون بِلَاد

    نسب اليها الْجَبَل مولده سنة ثَمَانِي واربعين وستماية فِي بِلَاد فَارس كَانَ فَقِيها عَارِفًا لكتاب الْحَاوِي لم يقدم الْيمن من هُوَ اعرف بِهِ مِنْهُ وصنف على منواله كتابا اكبر مِنْهُ سَمَّاهُ بَحر الفتاوي يزِيد على الْحَاوِي بِقدر نصفه وَقدم الى تعز من طَرِيق الْحجاز فِي سنة 717 وحاكمها يَوْمئِذٍ عمر بن العراف الْمُقدم ذكره وَلم يكن غَرَضه الْوُقُوف بِالْيمن فَاجْتمع بِهِ بِذِي عدينة ولازمه على الْوُقُوف بتعز واكرمه وَبسط لَهُ جنَاح الْأنس والتواضع ورغبة فِي الاقامة فَوقف فرتبه بِالْمَدْرَسَةِ المؤيدية مدرسا وَفِي دَار المضيف وَصَارَ يتَرَدَّد للتدريس الَّتِي المؤيدية ثمَّ ضعف فاستناب ابا بكر بن جِبْرِيل الْمُقدم ذكره وَاجْتمعت بِهِ يَوْمًا بِحَضْرَة شَيخنَا اسماعيل بن احْمَد فاخبرني بمولده فَسَأَلته عَمَّن تفقه فَقَالَ على رجل من اهل الْيمن كَانَ يسكن الْبَصْرَة اسْمه مَنْصُور بن فلاح وَلم ادخل الْيمن الا لمحبته لعَلي أجد مثله مِنْهُم فسالته عَن بَلَده فَقَالَ لم اعرفها وَلَا كنت ظَنَنْت اني ادخل الْيمن فأساله عَن ذَلِك وَقَالَ لما توفّي خرجت من الْبَصْرَة الى قَرْيَة فاروث على قرب من الْبَصْرَة وَهُوَ بِفَتْح الْفَاء ثمَّ الف ثمَّ رَاء مَضْمُومَة وواو سَاكِنة ثمَّ ثاء مُثَلّثَة فاردكت الْفَقِيه عز الدّين الفاروثي اذ سَمِعت بفضله وسعة علمه فَقَرَأت عَلَيْهِ مُدَّة ثمَّ خرجت الى ولد مُصَنف الْحَاوِي فاخذته عَنهُ والنحو والبيضاوي فقراته عَلَيْهِ أَيْضا وَسمعت شَيخنَا اسماعيل القلهاني يَقُول هَذَا الْفَقِيه فِي بَلَده مُعظم عِنْد الاصاغر والاكابر وَله تلاميذ كَثِيرَة تفقهوا بِهِ ثمَّ حصل بَينه وَبَين ابْن الاديب وَحْشَة عَزله من اسبابه كلهَا وَنسبه الى صُحْبَة اعدائه وَكلما استخرج خطا من السُّلْطَان تَأَول عَلَيْهِ بِهِ ودافعه بالْكلَام وَسَأَلته عَن الفاروثي فَقَالَ كَانَ صَدرا حَافِظًا سمعته يَقُول يقدم الصَّغِير على الْكَبِير فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع إِذا سَارُوا لَيْلًا اَوْ خَاضُوا سيلا أَو ركبُوا خيلا قَالَ كَانَت وَفَاته تَقْرِيبًا على رَأس تسعين وسِتمِائَة وَلما طَال انْقِطَاعه واستخرج من السُّلْطَان الْمُجَاهِد خُطُوطًا بالعودة إِلَى أَسبَابه وَكم يساعده ابْن

    الاديب سَافر الى عدن بربيع الاخر من سنة 723 فَتوفي بِالطَّرِيقِ بالشهر الْمَذْكُور

    وَمِنْهُم عَليّ بن الشقرا قدم على انه طَبِيب فَلم اعْلَم طَبِيبا نطاسيا ورد مثله مَعَ فضل كَامِل بالفقه والنحو وَغَيرهمَا وَذكر لنا انه كَبِير الْقدر عِنْد اهل مصر بالطب وَغَيره سَالَ بعض شعراء الْيمن صَاحب مصر عَن طَبِيب فَقَالَ مَا تريدوه وَمَعَكُمْ ابْن أبي الحوافر وَهُوَ إِذْ ذَاك بِالْيمن وَهُوَ صَاحب محفوظات مِنْهَا مَا أنشدته بعض الْأَصْحَاب عَنهُ ... مَا غير السرج اخلاق الْحمير وَلَا ... نقش البراذم اخلاق البراذين

    كم بغلة تَحت والدها وَكم ... عمائم خرجت فَوق يَقْطِين ... وَلم يكد يطب فِي الْيمن فانفسح من الْمُؤَيد وَعَاد مصر بعد ان بَاعَ كتبه وَذَلِكَ انه لم يقم فِي الْيمن غير سِنِين هِيَ على جِهَة التَّقْرِيب ارْبَعْ وقدومه سنة خمس عشرَة وسبعماية

    وَمِنْهُم مُحَمَّد بن عَليّ عرف بالمقري الْمصْرِيّ فَاضل بالفقه والقراءات وَلما قدم الْيمن سكن جبلة فاخذ عَنهُ جمَاعَة من اهلها الْقُرْآن وترتب اماما بِمَسْجِد السّنة ثمَّ تأهل ولبث سِنِين ثمَّ انْتقل الى تعز فَجعله القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر معيدا فِي المؤيدية ثمَّ نقل عَنْهَا الى قِرَاءَة الحَدِيث بدار المضيف المؤيدي

    وَهُوَ عَلَيْهِ الى الْآن

    وَمِنْهُم شَيخنَا ابو الفدا اسماعيل بن احْمَد بن دانيال عرف بالقلهاني اصل بَلَده هرموز مولده فِيهَا سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وستماية تفقه بهَا على رجل قدمهَا من اصحاب الْبَيْضَاوِيّ وَبِغَيْرِهِ من الورادين الى هرموز جمع فِي هرموز وقلهات بَين رياستي الدّين وَالدُّنْيَا ثمَّ ان بعض امراء هرموز خرج على سلطانها فَقتله وهم بقتل هَذَا الْفَقِيه لصحبة لَهُ كَانَت من السُّلْطَان فشفع لَهُ جمَاعَة بالاخراج عَن هرموز الى مقديشو فسفره فِي مركب فعصفت بِهِ الرّيح والقتة فِي عدن سنة ثَمَانِي عشرَة وانا يَوْمئِذٍ قد محنت بحسبتها فحين بَلغنِي فَضله اجْتمعت بِهِ فَوَجَدته رجلا كَامِلا ذَا فضل بالفقه والنحو واللغة والْحَدِيث يقرى المذهبين الشَّافِعِي وَهُوَ مذْهبه والحنفي اقتدارا واستلحاقا فقرات عَلَيْهِ بعض الْمفصل وَكَانَ يبين لي فِيهِ مَا لم اكن اسْمَعْهُ من غَيره وقرات عَلَيْهِ مُعظم المقامات للحريري وَكَانَ اماما فِي الادبيات وَدخل الى زبيد بعد طلب لَهُ من السُّلْطَان الْمُؤَيد عَن عدن ولبث بِالْبَابِ مُدَّة سِنِين عى احسان مِنْهُ وافتقاد ورزق فِي كل شهر وَقَرَأَ عَلَيْهِ جمَاعَة من اهل زبيد بالمذهبين وقرؤا عَلَيْهِ ايضا بالْمَنْطق والاصول واخذ عَنهُ جمَاعَة من اهل تعز واعترفوا بفضله وجودة فقهه وَلم يزل على ذَلِك حَتَّى توفّي الْمُؤَيد بالتاريخ الَّاتِي ذكره فَبَقيَ مَعَ وَلَده الْمُجَاهِد حَتَّى وصل الْجند فِي ربيع الاول سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وسبعماية فلازمه بالفسح على ان يتَوَجَّه بَلَده فاذن لَهُ فَنزل عدن وَركب مِنْهَا الى هرموز فَهُوَ هُنَالك لم اكد اتحقق لَهُ خَبرا لإنقطاع الاخبار بَين الْجند وعدن لوم اكد اجد لَهُ فِي فُقَهَاء الْعَجم شَبِيها بتقربه وتواضعه وَشرف نَفسه وعلو همته وهم الْمُؤَيد قبلموته بَان يَجعله قَاضِي قُضَاة الْيمن فَتوفي

    وَقد ظهر للنَّاس دَلَائِل ذَلِك

    وَمِنْهُم عَليّ بن مُحَمَّد الجندي اصله من بلدي الْجند ثمَّ صَار الى تعز فتفقه بهَا ثمَّ ترَتّب معيدا بالشمسية ثمَّ نَقله ابْن الاديب الى تدريس الغرابية وَهُوَ عَلَيْهِ الى الْآن فِيهِ دين وَفقه لَائِق وبشاشة للأصحاب وَأنس وَمِنْهُم أَبُو يَعْقُوب يُوسُف بن مُحَمَّد بن عَليّ الْمقري ابْن مُحَمَّد بن مَسْعُود الْجَعْفَرِي نسبا الاصابي بَلَدا كَانَ جده على الْمقري من كبار أَصْحَاب أبي بكر الجناحي وَأما هَذَا يُوسُف فَأخذ بالقراءات السَّبع بزبيد عَن الْمقري يُوسُف بن المهلهل وَعَن احْمَد بن يُوسُف الريمي واخذ النَّحْو عَن ابناء افلح ثمَّ طلع الْجَبَل فتفقه بِجَمَاعَة من اهل تعز فاخذ عَن ابْن جِبْرِيل وَابْن الْمقري مقدمي الذّكر وَعَن غَيرهمَا من فُقَهَاء تعز وصحبته فارتضيت صحبته وَدينه ونزاهة فَضله وفقهه ورتبه النَّاصِر فِي الاشرفية مدرسة ابيه مدرسا بتعز ثمَّ نَقله الى مدرسة عمته الْمُقدم ذكرهَا ثمَّ نَقله عَنْهَا الى مدرسة زبيد المنسوبة الى دَار الدملوة فَهُوَ عَلَيْهَا الى الْآن وَلم يزل مُجْتَهدا فِي الْعلم الى عصرنا سنة ثَلَاث وَعشْرين وَسَبْعمائة

    وَمِنْهُم أَبُو بكر بن مُوسَى الزَّيْلَعِيّ فَقِيه فَاضل درس بالنجاحية ثمَّ خودع وَنقل إِلَى مدرسة المظفرية بقرية المحاريب وَله يَد جَيِّدَة بالفقه وَعَلِيهِ سيماء الصّلاح وَيذكر ببركة التدريس وَهُوَ نَائِب الْحَاكِم بِذِي عدينة وَله مروة وَشرف نفس وَصَلَاح قَرَأَ عَليّ المقامات والدريدية وتذاكرنا تَارِيخ المولد وَإِذا تَقْرِيبًا من سبعين وسِتمِائَة وَلَقَد أَخْبرنِي مرّة وَقد ورد علينا الْجند لبَعض حَوَائِجه أَنه سمع الْفَقِيه الصَّالح عَليّ بن أَحْمد أحد فُقَهَاء الْحَبَشَة وصلحائها وزهادها وَقد تَذَاكر هُوَ وخاله اسْمه عمر بن دَاوُد وَقد سَأَلَهُ عَمَّا رَآهُ فِي عمره من الْعَجَائِب فَقَالَ دخلت يَوْمًا على مَرِيض فَوجدت عِنْد راسه شَيْئا يشبه جرذ وَهُوَ ينظر إِلَى وَجه الْمَرِيض

    فَقضيت حق الزِّيَارَة وَخرجت فَلَبثت أَيَّامًا وعدت لَهُ فَوجدت ذَلِك الجرذ قد كبر وَصَارَ شبه السنور وَهُوَ ينظر إِلَى وَجه الْمَرِيض كنظرته الاولى فَقضيت حق الزِّيَارَة وعدت منزلي أَقمت أَيَّامًا ثمَّ عدت زَائِرًا وَإِذا بِهِ قد صَار شبه الْكَلْب وَالْمَرِيض قد صَار منزولا بِهِ وَالْحَيَوَان ينظر إِلَيْهِ وَلَا ينظره من النَّاس غَيْرِي ثمَّ توفّي فَلَمَّا حمل إِلَى المغتسل خرج مَعَه فَجعل الغاسلون يغسلونه وَالْكَلب ينظرهم ثمَّ حمل إِلَى الْمقْبرَة فَسَار تَحت سَرِيره فَوضع بالمصلى وَهُوَ عِنْده وَحمل إِلَى الْقَبْر وَسَار مَعَهم فَلَمَّا وصل بِهِ دخل الْقَبْر قبل إِدْخَاله فَأدْخل وَسوى عَلَيْهِ التُّرَاب وَانْصَرف النَّاس فوقفت عِنْده إِذْ بِي أسمع أنينا وبكاء فَجعلت أقرا يس وأكررها إِذْ بِهِ بذلك الشَّخْص قد خرج متمعر الْوَجْه مخضب بالدماء فَقَالَ لي يَا فَقِيه مَا جلوسك هَا هُنَا إنصرف فقد سَلطنِي الله عَلَيْهِ فَلم ألتفت على كَلَامه ثمَّ استمريت على الْقِرَاءَة وَعَاد الشَّخْص الْقَبْر وَعَاد ذَلِك الْبكاء والعياط وَخرج كخروجه الأول وكلمني نَحْو كَلَامه الأول فَلم الْتفت وَعَاد الْقَبْر وَعَاد الأنين والبكاء وَأَنا أقرا إِذْ بِهِ قد خرج ثَالِثا فكلمني نَحْو كَلَامه الأول وَصَارَ فِي جِسْمه شبه إراق النَّار فَقَالَ وَالله لقد آذيتني مَا لَك معي فَقلت مَا أَنْت قَالَ أَنا عمله ثمَّ توجه نَحْو الْبَريَّة وَقَالَ حلت بيني وَبَينه بِالْقُرْآنِ

    وَمن ذِي عدينة مُحَمَّد بن عَليّ بن سُلَيْمَان عرف بِابْن الاقيرد فَقِيه خير تفقه بِأَهْل تعز وَغَيرهم وَأما القادمون الى تعز فخلق كثير لَا يُحصونَ بل اذكر مَا ثَبت من ذكرهم وَمِنْهُم رجل من دلى اسْمه جمال الدّين حَنَفِيّ الْمَذْهَب قَرَأَ عَلَيْهِ بتعز النَّحْو وانتفع بِهِ فِيهِ

    وَمِنْه نظام الدّين كَانَ شافعيا فَاضلا بِعلم الجدل

    وَمِنْهُم عبد الْعَزِيز القلعي المغربي مالكي الْمَذْهَب تفقه بالشريف المراكشي قدم فِي الدولة المظفرية وقابله قَاضِي الْقُضَاة بِمُقَابلَة مرضية حَتَّى بلغه انه يحتقر

    الْعلمَاء ويزلقهم متظاهرا بذلك اذ كَانَ كلما احْتج عَلَيْهِ اُحْدُ اَوْ ذكر لَهُ عَالم قَالَ مَا يُسَوِّي بَيْضَة فجفاه قَاضِي الْقُضَاة وَغَيره فَهَلَك جوعا وَنسب الى الْبِدْعَة فَخرج من تعز وطلع الْبَلَد الْعليا وخالط الاشراف وَرُبمَا قيل انه دخل بمذهبهم وَصَارَ ينصره فافادواه مَالا جزيلا وَدخل مَكَّة فارادوا المغاربة قَتله فَخرج هَارِبا فَلم يعلم إِلَى مَا آل أمره

    وَقد عرض مَعَ ذكره ذكر شَيْخه الشريف المراكشي فَكَانَ من أعظم عُلَمَاء الاسلام الْمَشْهُورين بَين الْأَنَام وَمن قَرْيَة عسق على وزن فعل بِالْفَتْح عَليّ بن أسعد بن سليم كَانَ فَقِيها صَالحا ذَا مروة وَكَانَ غَالب من ورد الى تعز من الْفُقَهَاء إِنَّمَا يأنس بِهَذَا الْفَقِيه وَعَلِيهِ ورد عَليّ السرددي فاهله وعرفه بِالْبَلَدِ وَكَانَت اذ ذَاك اقل الْبِلَاد فُقَهَاء بِحَيْثُ كَانَ لَا يكَاد يُوجد فِي الْبَلَد فَقِيه من اهلها وَكَانَ هَذَا الْفَقِيه يحكم بانكاح من لَا ولي لَهَا بقرية عسق وَهِي قَرْيَة شَرْقي تعز وَكَانَ وَالِده على هَذَا الْمِثَال متسم بالفقه متصف بِالدّينِ من ذَلِك مَا حكى أَن قوما من الشعبانية بَدو من الرعاع وصلوه الى عسق فوجدوه غَائِبا فوجدوا والدته فاخبروها بقصتهم وَأَن مُرَادهم أَن يعْقد لَهُم نِكَاحا فَقَالَت أَنا أعقد لكم وَكلهمْ جهلة فظنوا صِحَة مَا قَالَت وعقدت بَين الزَّوْج وَالزَّوْجَة وتقدموا بلدهم فَلَمَّا وصل الْفَقِيه اخبرته بِحَدِيثِهِمْ فشق عَلَيْهِ وسألها ايْنَ بلدهم فاخبرته بِمَا فعلت فَلم يقف بل خرج من فوره وَسَار حَتَّى وصلهم فَقَالَ لَهُم ايتوني بِالرجلِ وَامْرَأَته فاتوه بهما فجدد العقد وَقَالَ انما جيئت مبادرا خشيَة ان يدْخل الرجل بِالْمَرْأَةِ بِغَيْر وَجه شَرْعِي فعأعون آثِما فَقَالُوا يَا فَقِيه كَانَت اللَّيْلَة الدخلة فَلَو لم تصل مَا كُنَّا ظننا الا صِحَة النِّكَاح ثمَّ عَاد بَيته من فوره وَجعل يلاطف والدته يخبرها انها مَتى عَادَتْ

    الى ذَلِك اثمت وَكَانَت سَببا لزناء الرجل وَالْمَرْأَة وَكَانَ وَالِي الْحصن رجلا يُقَال لَهُ ياقوت الجمالي بنى الْقبَّة الْمُسَمَّاة بِهِ فَلَمَّا كمل بناؤها قَالَ اطْلُبُوا لَهَا إِمَامًا يحفظ الْقُرْآن فَقيل لَهُ لَا نجد ذَلِك إِلَّا اُحْدُ رجلَيْنِ اما الْفَقِيه الشَّعْبَانِي اَوْ الْفَقِيه عَليّ العسقي يَعْنِي هَذَا فَقَالَ اطْلُبُوا لي اقربهما الى تعز فَكَانَ هَذَا الْأَقْرَب فوصله وَتحقّق حَاله فرتبه اماما وَكَانَ ذَلِك فِي اقبال رَمَضَان وَسَأَلَهُ ان يشفع بِهِ فِي الْحصن ويستنيب على إِمَامَة الْقبَّة فَفعل فَلَمَّا كَانَ لَيْلَة الختمة فِي الْحصن قَالَ الامير لجَمِيع حَاشِيَته ومرتبي الْحصن من كَانَ لي محبا ابر هَذَا الْفَقِيه بِنَصِيب فَجمعُوا لَهُ نَحْو اربعمائة دِينَار وزاده الامير مائَة دِينَار اخرى وكساه كسْوَة حَسَنَة ثمَّ ان الْفَقِيه اشْترى بِبَعْضِه ارضا بميهال الْحسن وابتنى عِنْدهَا بَيْتا واقتنع بحاصلها ثمَّ زهد بالقبة وَغَيرهَا وَأما الْفَقِيه عَليّ الثعباتي فَكَانَ فَقِيها صَالحا متعبدا إِمَامًا لجامع ثعبات مَشْهُور بِالْبركَةِ ذَا دَعْوَة مستجابة عمر طَويلا

    وَمن العدنة فَقِيه اسْمه عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن عَليّ الأثوري نِسْبَة الى عرب يُقَال لَهُم الاثاور بثاء مُثَلّثَة مَفْتُوحَة بعد الف وَلَام ثمَّ الف ثمَّ وَاو ثمَّ رَاء ويرجعون خداشة من عرب يسكنون الهشمة كَانَ فَقِيها صَالحا ذَاكِرًا للفقه عَارِفًا بالفرائض والحساب اخذ عَن عمر بن مَسْعُود الابيني وَعَن فَقِيه باللجم على قرب من قريته ضَبطهَا بلامين مُشَدّدَة احدهما للادغام كَلَامي اللَّيْل غير انها مخفوضة وَذَلِكَ قبل الف قبلهَا ثمَّ جِيم سَاكِنة ثمَّ مِيم وَضبط قَرْيَة العدنة بِعَين

    مُهْملَة مَفْتُوحَة بعد ألف وَلَام ودال مُهْملَة محفوضة ثمَّ نون مَفْتُوحَة ثمَّ هَاء وَكَانَ مِمَّن يشْهد لَهُ بِالْعلمِ وَالصَّلَاح يُقَال سَأَلَ المظفر فُقَهَاء تعز عَن مسأله هِيَ كَيفَ جَوَاب الْعلمَاء فِي مَال لنا من المَاء اصله المَاء لَا يَنَالهُ المَاء فَلم يجب عَلَيْهَا غير هَذَا الْفَقِيه وَقَالَ هُوَ اللُّؤْلُؤ فاعجب المظفر ذَلِك وَصدقه وَتُوفِّي اخر الْمِائَة السَّابِعَة تَقْرِيبًا وانقضى ذكر الْفُقَهَاء الَّذين تحققتهم تديروا تعز ونواحيها

    وَمن الْبِلَاد الْمَشْهُورَة مخلاف جَعْفَر وَحده من جبل مصابيح إِلَى نقِيل صيد فابدأ بمدينتيه ثمَّ نَوَاحِيهَا وأبدأ بِمَدِينَة اب لانها اقدم من جبلة ولانه يتديرها غير اهل السّنة من الْعَوام وَالْفُقَهَاء وَقد اشرت الى ذَلِك مَعَ ذكر القَاضِي ابي بكر اليافعي فِيمَا مضى واخر من ذكره ابْن سَمُرَة من اهل اب

    اسماعيل بن الامام سيف السّنة وَأَخْبرنِي الْخَبِير انه لما صَار القضا الى الامام مَسْعُود بن عَليّ جعل هَذَا اسماعيل قَاضِيا بَاب وجبلة فاستمر على قَضَاء مرضى واخذ عَن هَذَا اسماعيل جمَاعَة من الْفُقَهَاء

    وَمِنْهُم عَليّ بن حسن الوصابي وَمُحَمّد بن مِصْبَاح وَمُحَمّد بن عمر الزَّيْلَعِيّ وَغَيرهم وَكَانَت وَفَاته بَاب وقبر الى جنب ابيه وَلم اتحقق تَارِيخه

    وَمِنْهُم ابو عبد الله مُحَمَّد بن مُوسَى بن عبد الله بن مَسْعُود يجْتَمع مَعَ سيف السّنة فِي عبد الله وتفقه بِهِ وَيُقَال ان سيف السّنة لما اعيته الْحِيلَة فِيهِ اذ لم يرد يشْتَغل بِالْعلمِ كتب لَهُ الى صَاحب حصن الشواحط الْحصن الْمَذْكُور كتابا وختمه وامره بايصاله اليه فَتقدم بِهِ فحين وَصله وقرأه قَالَ لَهُ ان عمك امرني بتحيرك فِي الْحصن حَتَّى تقْرَأ الْقُرْآن فَعلم صدق ذَلِك فاقبل على قِرَاءَة القرأن حَتَّى اكمله ثمَّ اشْتغل بِقِرَاءَة الْعلم فاتاه الْفَقِيه سيف السّنة فَوَجَدَهُ على طَرِيق مرضِي فوصل بِهِ الى اب فَلم يزل مشتغلا حَتَّى كمل تفقهه بِهِ ورايت اجازاته لَهُ تَارَة يَقُول الْوَلَد وَتارَة يَقُول ابْن الْعم وَالشَّيْخ الَّذِي كَانَ يملك الْحصن هُوَ سعيد بن احْمَد المسكيني وَقد ذكرته مَعَ ذكر الْفَقِيه على الهرمي وَقَرَأَ كتاب النَّجْم هَذَا الشَّيْخ بِمَكَّة على المُصَنّف اَوْ على رجل عَنهُ وَعَن هَذَا سعيد أَخذ جمَاعَة من اكابر الْفُقَهَاء وَبلغ عمر مُحَمَّد بن مُوسَى نيفا وَثَمَانِينَ سنة وَكَانَ لَهُ ولد اسْمه يحي تفقه بجده فِي بدايته وارتحل الى الامام بطال فاخذ عَنهُ وَهُوَ طَرِيق اهل المخلاف مصنفات الامام بطال وَعنهُ اخذ الكاشغري الْمُهَذّب وَقد ذكرت ذَلِك وَغَيره وَلم اتحقق تَارِيخ أحد مِنْهُم وَخلف وَلدين ومحن احدهما بِقَضَاء اب من قبل بني مُحَمَّد بن عمر فَلبث قَاضِيا مُدَّة سِنِين وَكَانَ قَضَاءَهُ فِي الْغَالِب مرضيا قدمت مَدِينَة اب سنة ثَلَاث عشرَة وَاجْتمعت بِهِ فَوَجَدته متوسط الْحَال باحكامه وَلم اسْمَع احدا من الثِّقَات يذكر عَنهُ ميلًا فِي الحكم واستدليت على ذَلِك وَصِحَّته بِزِيَادَة دينه ايام الحكم وَلم يكد يخف اذا سَأَلته عَن تَارِيخ جده وابيه فَقَالَ كَانَ فِي كتب سرقت علينا وَكَانَ وَفَاته على الْقَضَاء سنة خمس عشرَة وَسَبْعمائة وَعَلِيهِ الدّين كثيرا وَلم يكد يُوجد لَهُ مَا يَقْضِيه فسئلته ان يَأْمر معي من يدلني على الْقُبُور الَّتِي لَهُم إِذْ لَيست عِنْد قبر الإِمَام سيف السّنة فَأمر معي من يدلني عَلَيْهَا

    فَوَجَدتهَا بالمقبرة الَّتِي تعرف بالشرشيرة فزرت الْجَمِيع بِحَمْد الله تَعَالَى وَكَانَت وفاتهم بَاب وَلَهُم بهَا ذُرِّيَّة الى الْآن فيهم من يشْتَغل بِالْعلمِ وَمن الْمَدِينَة ابو الْحسن عَليّ بن عمر بن مُحَمَّد بن عَليّ بن ابي الْقَاسِم الْحِمْيَرِي مولده سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَخَمْسمِائة محن بِقَضَاء اب فَكَانَ فِيهِ كَمَا كَانَ ابوه فِي مَدِينَة تعز وَقد بيّنت ذَلِك وَلَو لم يكن من ورعه الا انه امْتنع من قبض الجامكية الَّتِي كَانَت لحَاكم ابْن فَانْقَطَعت الى عصرنا وَلم تزل ذُريَّته فيهم الْوَرع وَالْخَيْر الى عصرنا وَلما حَضرته الْوَفَاة اوصى ابْنه الاكبر ابْن لَا يتَوَلَّى الْقَضَاء وَقد ذكرت ذَلِك حِين ذكرت أَبَاهُ فِي اهل تعز واوصى اهله وَمن حَضَره بتقوى الله والميل بِطَاعَتِهِ وَلم يزل على الْقَضَاء المرضي حَتَّى توفّي مصلحا لحاله ذَاكِرًا لله تَعَالَى وَذَلِكَ لَيْلَة السبت لست من جمادي الاولى من سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَقد ذكرت بَيَان قعُود ابْنه مُحَمَّد مَكَانَهُ اياما ثمَّ انْتِقَاله الى تعز وَكَانَ لَهُ اربعة اولاد مُحَمَّد واظنه الاكبر مضى ذكره ثمَّ افقه الثَّلَاثَة حسن مولده لسبع خلون من ربيع الاخر سنة احدى عشرَة وسِتمِائَة تفقه بِعَبْد الله بن عَليّ العرشاني بجبلة وَعَن ابي السُّعُود بن الْحُسَيْن الَّاتِي ذكره وَعَن عَليّ السرددي وَأخذ الْبَيَان عَن الْفَقِيه سبا عَن الْفَقِيه احْمَد بن ابراهيم الْمليكِي عَن المُصَنّف واخذ عَن الْفَقِيه سُلَيْمَان الْجُنَيْد وَنزل تهَامَة فَأخذ عَن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الْحَضْرَمِيّ وَأحمد بن عبد الله بن أبي الْقَاسِم بن كنَانَة الضحويين وَاحْمَدْ بن عبد الله الوزيري وَكَانَ شَدِيد الِاجْتِهَاد فِي طلب الْعلم ومطالعة كتبه حَتَّى ذكر الثِّقَة عَنهُ انه لبث سنة يُصَلِّي الصُّبْح بوضؤ الْعشَاء اذ كَانَ يبيت مطالعا وَلم يكن يسْأَل عَن طَعَام وَلَا شراب حَتَّى يُؤْتى بِهِ وَلَا يشْتَغل بَاهل وَلَا ولد وَقد اخبرني الثِّقَة انه رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد جَاءَهُ فِي جمَاعَة فيهم الامام الشَّافِعِي فاستحيا وَقَالَ يَا رَسُول الله بِمَا استحققت هَذِه

    الزِّيَارَة فَقَالَ باجتهادك فِي طلب الْعلم وتتبعك الاسانيد الْعَالِيَة وَكَانَ فَقِيها مُبَارَكًا رحالا فِي طلب الْعلم ويروي شرح ابْن يُونُس للتّنْبِيه عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن حسن الْأنْصَارِيّ الخزرجي عَن المُصَنّف بلغه ان الْفَقِيه مُحَمَّد بن الهرمل الَّاتِي ذكره لَهُ رِوَايَة سندها قريب من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فارتحل اليه الى مَوْضِعه فَلَمَّا وَصله اخذها عَنهُ ثمَّ قَالَ لَهُ ابْن الهرمل نحب ان نسْمع عَلَيْك الْبَيَان فاجابه فَكَانَ وَقت ان يسمع هَذَا الْفَقِيه يقْعد على السرير وَيقْعد دونه ثمَّ اذا جَاءَ وَقت الْقِرَاءَة هَذَا الْفَقِيه قعد هُوَ مَكَان الْفَقِيه وَقعد الْفَقِيه مَكَانَهُ فَكَانَ وَقت سَماع الْبَيَان قد يرفع حسن رَأسه الى سقف الْموضع فيجد حنشا مخرجا اسه من جَوَانِب الْخَيْمَة شبه المستمع وَهَذَا دابه حَتَّى تَنْقَضِي الْقِرَاءَة فَيدْخل رَأسه وَلما طَال ذَلِك أخبر بِهِ الْفَقِيه فَقَالَ لَهُ هَذَا رجل من فُقَهَاء الْجِنّ قَرَأَ عَليّ الْمُهَذّب والتنبيه وَهُوَ الَّذِي سَأَلَني ان اسألك اسماعنا الْبَيَان قَالَ وَبَلغنِي وَأَنا بالمهجم اريد الشَّيْخ ابا الْغَيْث يتَكَلَّم بِمذهب الاشعرية ويتظاهر بِهِ فَقلت فِي نَفسِي ايْنَ هَذَا الصّلاح وَهُوَ على هَذَا الْمَذْهَب وَكنت مصرا على زيارته فَرَجَعت عَنْهَا لذَلِك ثمَّ اني خرجت من المهجم اريد الضُّحَى فَلم اشعر حَتَّى صرت بِبَيْت عَطاء فَلم يكني إِلَّا الدُّخُول على الشَّيْخ فحين رأني قَالَ مرْحَبًا بك يَا فَقِيه ثمَّ تركني قعدت وَقَالَ يَا فَقِيه اسمعنا كتابا فِي التَّفْسِير قلت سمعا وَطَاعَة فَقَالَ انا لَا احب الا النقاش فَإِنَّهُ على السّنة فَعلمت ان ذَلِك مِنْهُ مكاشفة لما فِي باطني وَعَملا بازالته فاخرجت النقاش وَهُوَ معي اذ كنت استصحبه فِي السّفر فَقَرَأت عَلَيْهِ بعضه فاجزته بِهِ وَله مصنفات فِي الحَدِيث وذيل طَبَقَات ابْن سمره وَمن تَعْلِيقه اخذت تَارِيخ جمَاعَة من الْفُقَهَاء وَلما قدم الشَّيْخ على الوَاسِطِيّ الْمَذْكُور فِيمَن قدم الْجند الى تعز اخذ هَذَا عَنهُ وَلما حَضرته الْوَفَاة لم يزل يذكر الله تَعَالَى وَكَانَ اخر كَلَام سمع مِنْهُ الشَّهَادَة وَكَانَت وَفَاته بربيع الاول سنة سبع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة ثمَّ

    عرض ذكر الوَاسِطِيّ وانه اخذ عَنهُ فقد مضى ذكره لَكِن يَنْبَغِي ان اذكر تَحْقِيق مَا اخذه هَذَا عَنهُ وَمَا اخبر عَنهُ من الحَدِيث المعمر فَإِن النُّفُوس كثيرا مَا تتطلع اليه اعني حَدِيث المعمر وَكَيف كَانَ فَوجدت بِخَطِّهِ قَالَ

    قَالَ هُوَ عَليّ بن شبيب بن غسماعيل بن حسن الوَاسِطِيّ بَلَدا قدم تعز فَنزل بخانكة قليم السيفي فَاجْتمع اليه الْفُقَهَاء بتعز فاخذوا عَنهُ احاديث الشَّيْخ المعمر وَهُوَ مَا وجدته بِخَطِّهِ حَيْثُ دخلت انا فِي سنة عشْرين وَسَبْعمائة فِي كتاب سماعاته مَا مِثَاله أَخْبرنِي الشَّيْخ الصَّالح الْمُحدث أَبُو الْحسن حلى بن شبيب بن اسماعيل بن الْحسن الوَاسِطِيّ قَالَ حَدثنَا الْفَقِيه الشَّيْخ دَاوُد بن اِسْعَدْ بن حَامِد الْقفال الشحروري قَالَ سَمِعت المعمر زين بن مُنْذر بن مثدى الصراف السندي يَقُول كنت فِي بَدو امرى اعبد صنما فِي بلدي فَرَأَيْت فِي مَنَامِي قَائِلا يَقُول لي اطلب لَك دينا غير هَذَا فَقلت ايْنَ اطلب قَالَ بِالشَّام فَأتيت الشَّام فَوجدت دين اهله النَّصْرَانِيَّة فتنصرت ثمَّ بَلغنِي ان نَبيا خرج فِي الْمَدِينَة فَخرجت اليها فادركت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحْفر الخَنْدَق فاسلمت على يَده وقصصت عَلَيْهِ قصتي وتناولت الْمعول الَّذِي كَانَ بِيَدِهِ وحفرت فِي الخَنْدَق حفرا ارضى النَّبِي صللم فدع لي بطول الْعُمر وَمسح على رَأْسِي بِيَدِهِ الْكَرِيمَة ثمَّ خرجت مَعَه الى غزَاة الْيَهُود وَلما عدت مَعَه استأذنته بالعودة إِلَى بلدي لاجل والدتي فاذن لي وَذكر أَن مولده بقرية كَانَت تسمى أَولا كاور بَينهَا وَبَين الملتان

    اربعة عشرَة فرسخا ثمَّ سميت هَذِه الْمَدِينَة بعد ذَلِك سوريا باسم رجل من ولد اسامة بن لؤَي اسْمه سورباه ثمَّ سميت الهراووت وَبِذَلِك تعرف الان وَهِي بَاقِيَة الى زمننا قَالَ وتواتر عِنْد اهل بَلَده انه بلغ من الْعُمر نَحْو سَبْعمِائة سنة ببركة دُعَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وامرار يَده الْكَرِيمَة على رَأسه ثمَّ بعد ذَلِك أَقمت ببلدي مُدَّة ثمَّ خرجت إِلَى بلد يُقَال لَهُ سير هِنْد من اعمال السَّنَد لادعو حكيما بهَا من حكماء السَّنَد اسْمه هربال بخفض الْهَاء واسكان الرَّاء وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة ثمَّ الف ثمَّ لَام بالصفار فادركته فِي آخر عمره فدعوته الى الاسلام فَاسْلَمْ على يَدي ثمَّ لم تطل مُدَّة المعمر حَتَّى توفّي بعد اسلام الْحَكِيم بِثَلَاثَة ايام وَدفن بسير هِنْد فِي رَجَب سنة ثَمَانِي وسِتمِائَة قَالَ الوَاسِطِيّ سَمِعت ذَلِك كُله من تلميذ المعمر وَهُوَ دَاوُد بن اِسْعَدْ الْمُقدم ذكره بقرية من صَعِيد مصر يُقَال لَهَا اسيوط ذكر الاحاديث الَّتِي يَرْوِيهَا المعمر وَهِي فِي الورقة الَّتِي قبل هَذِه الورقة يَقُول فِي الولها قَالَ احْمَد بن عَليّ السرددي ثمَّ قَالَ مَا ذَكرْنَاهُ عَنهُ عِنْد ذكره من تقدمه الْجند ووفاته بالتاريخ الْمَذْكُور وَقد قدم الْيمن غير هَذَا الوَاسِطِيّ رجل اخر اسْمه عمر بن مُحَمَّد بن ابي بكر السَّمرقَنْدِي عَن الشَّيْخ ابي الْفَتْح مُوسَى بن مجلي بن مقلد الدنيسر عَن الشَّيْخ ابو الرِّضَا

    زين ابْن نصر بن كربال وَهَذَا مُخَالف فِي النّسَب للراوية الْمُتَقَدّمَة وَدخل الْجند وَاجْتمعَ بِهِ الْفُقَهَاء من الْجند وَغَيرهَا واخذوا عَنهُ مَا رَوَاهُ عَن الشَّيْخ ابي الْفَتْح مُوسَى بن مجلي ابْن مقلد الدنيسر عَن الشَّيْخ ابي الرِّضَا زين بن نصر بن كربال فاتفق الناقلان على تَسْمِيَته برتن على وزن فعل بِالْفَتْح ثمَّ رَاء ثمَّ تَاء مثناة من فَوق ثمَّ نون وَاخْتلف فِي ابيه وجده فالسمرقندي قَالَ نصر بن كربال بخفض الْكَاف وَسُكُون الرَّاء وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة ثمَّ الف ثمَّ لَام والواسطي قَالَ مُنْذر على وزن مفعل بن مندى بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون النُّون وخفض الدَّال المهلة ثمَّ يَاء مثناة من تَحت غير ان السَّمرقَنْدِي نِسْبَة الى الْهِنْد والواسطي نِسْبَة الى السَّنَد وَذَلِكَ اصح اذ سَأَلت الخبراء عَن مَوْضِعه فَقيل السَّنَد وَلَيْسَ بَين هَذِه الْمَذْكُورَة بَلَدا لَهُ انما خرج إِلَيْهَا فِي آخر عمره يَدْعُو حكيما كَانَ كَمَا قدمنَا وضبطها على مَا وجدته بِخَط الْفَقِيه حسن بخفض الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء الْمُثَنَّاة من فَوق وخفض الرَّاء وَسُكُون النُّون وَضبط مولده بِفَتْح الْوَاو وَالْكَاف وَضم الْوَاو ثمَّ وَاو اخرى مفتوحتان ثمَّ رَاء مُهْملَة وسرباه بِضَم السِّين الْمُهْملَة ثمَّ رَاء وباء مُوَحدَة مفتوحتان ثمَّ الف ثمَّ هَاء واهراووت بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْهَاء وَفتح لراء ثمَّ الف ثمَّ وَاو مَضْمُومَة ثمَّ اخرى سَاكِنة ثمَّ تَاء مثناة من فَوق وَإِنَّمَا يَقُول كثير من الاس الْهِنْدِيّ انهم يرَوْنَ من جَاءَ من نَاحيَة الْهِنْد هنديا وان كَانَ من السَّنَد سنديا وَقل مَا يذكر السَّنَد إِذْ لَا يعرفهُ إِلَّا عقلاء النَّاس كَمَا ينسبون من جَاءَ من بلد السودَان الى زيلغ فَيَقُولُونَ زيلعيا وَقد بالغت فِي إِيضَاح مَا تحققته من امور المعمر وَنسبه وبلده إِذْ تطلع النُّفُوس إِلَيْهِ ثمَّ رايت الْكتاب الَّذِي رَوَاهُ السَّمرقَنْدِي مُخَالفا للْكتاب الَّذِي رَوَاهُ الوَاسِطِيّ فِي الْغَالِب وَكتاب السَّمرقَنْدِي سَمَّاهُ قريب الْعَهْد وَكَانَ كتاب الوَاسِطِيّ أَحَادِيث منشورة لم أكد أتحقق لَهَا اسْما

    وَحِينَئِذٍ نرْجِع الى ذكر الْفُقَهَاء من اب فَكَانَ للفقيه حسن الْمَذْكُور انفا ابْن اسْمه عبد الرَّحْمَن قَالَ الْفَقِيه عُثْمَان كَانَ من الرِّجَال الْمَعْدُودين فِي اهل الْفِقْه وَالدّين تفقه بابيه وبالامام اسماعيل الْحَضْرَمِيّ وبالقاضي عَيَّاش من جبلة ثمَّ

    رتب معيدا فِي المظفرية ثمَّ انْتقل الى مدرسة ذِي هزيم الاتابكية ثمَّ الى النجاحية ثمَّ زهد بِالْجَمِيعِ وَلزِمَ بَيته بمغربة تعز قَالَ الْفَقِيه عُثْمَان من لَفظه وَكَانَ ثِقَة قَالَ ظهر فِي بعض النواحي مخلاف جَعْفَر حَنش عَظِيم لَهُ نباح كنباح الْكَلْب فَنزل على قَرْيَة بِقرب من مَوضِع ظُهُوره فَجعل يَصِيح بِصَوْتِهِ حَتَّى افزع اهل الْقرْيَة وانقطعوا عَن اشغالهم وهموا بالانتقال عَن الْقرْيَة لشدَّة مَا دخلهم من الْفَزع من كبره وَعظم صَوته فَتقدم جمَاعَة مِنْهُم الى بعض صالحي بلدهم وَشَكوا اليه حَالهم مَعَ الحنش وسألوه ان يَدْعُو لَهُم فَقَالَ تقدمُوا باجمعكم الى جبل يُقَابل مَوضِع الحنش ثمَّ هللوا وَنَادَوْا يَا الله يَا رَبنَا هَذَا الثعبان الَّذِي ارسلته لَا طَاقَة لنا بِهِ فَذَهَبُوا وفعلوا مَا امرهم بِهِ فَبَيْنَمَا هم على ذَلِك اذ انقض طَائِر عَظِيم ابيض اصفر المنقار والمخاليب فَجعل يحارب الحنش فحين يقبل عَلَيْهِ ينفخه فَيخرج من فِيهِ نَار يهرب مِنْهَا الطَّائِر فتحرق مَا مرت بِهِ من الشّجر وَغَيره ثمَّ يعود الطَّائِر عَلَيْهِ مسرعا فَيضْرب رَأسه بمخاليبه ثمَّ لم يَزَالَا كَذَلِك سَاعَة جَيِّدَة حَتَّى كَانَ اخر امْرَهْ وَقد تَعب الحنش ضرب رَأسه ايضا بمخلبيه حَتَّى كَاد يغيبها ثمَّ اتبع ذَلِك بمنقاره ثمَّ جعل الخش ينضرب سَاعَة وَهُوَ مُمْسك لَهُ حَتَّى مَاتَ فَتَركه مَيتا وطار عَنهُ وَاقْبَلْ اهل الْقرْيَة فوجدوا حنشا لم يرَوا وَلم يسمعوا يمثله فَحَفَرُوا الى جَانب الْموضع الَّذِي هُوَ فِيهِ وخذوا حفيرا عَظِيما وقلبوا الحنش اليه ثمَّ واروه بِالتُّرَابِ وَهَذِه حِكَايَة غَرِيبَة قد جرى لَهَا نَظِير فِي قصَّة سيف الاسلام حِين اراد اغتصاب اراضي اهل الْيمن كَمَا سَيَأْتِي انشاء الله تَعَالَى مَعَ ذكره وَفِي اخر عمر هَذَا عبد الرَّحْمَن حصل بِهِ مرض طَال وامتد فاشار عَلَيْهِ مشير بالطلوع الى صنعاء يخْتَرف بهَا الْعِنَب فاكترى من حمَار غَرِيب فَلَمَّا صَار بِهِ فِي الطَّرِيق مُنْفَردا عمل بقتْله واخذ مَا مَعَه وَذَلِكَ نَحْو تسعين وسِتمِائَة تَقْرِيبًا فَجمع الله لَهُ بَين الغربة وَالْقَتْل شهادتين وَمن اولاد عَليّ بن عمر ابْنه الثَّالِث حُسَيْن مولده لخمس بَقينَ من جمادي الاولى سنة ثَمَانِي وسِتمِائَة تفقه ثمَّ غلبت عَلَيْهِ الْعِبَادَة حكى انه ايام تفقهه ترَتّب فِي مدرسة عومان مَعَ الققيه يحيى بن سَالم فَذكرُوا انه بَاعَ شَيْئا من كيلته

    بِدَرَاهِم وربطها بِطرف ثَوْبه ثمَّ عَن لَهُ ان يَأْخُذ شَيْئا مِنْهَا فحين فتح ربطها وجدهَا عقارب فَفَزعَ فلفظها من ثَوْبه وَلم يعد بعد ذَلِك الى اخذ طَعَام الْمدرسَة وَكَانَ يكثر زِيَارَة الْقُبُور وَمَتى كَانَ يطرقها خلع نَعله وَحملهَا بِيَدِهِ وَذكر الثِّقَة انه وجده يَوْمًا على قبر ابيه وَهُوَ مغشى عَلَيْهِ فَدَعَا جمَاعَة وَاحْتَمَلُوهُ على حَاله الى بَيته فَلَمَّا أَفَاق وَسُئِلَ عَن سَبَب غشيانه فَقَالَ كنت أَقرَأ على قبر وَالِدي فغلطت فَسَمعته يرد عَليّ من الْقَبْر فَلم أتمالك أَن غشي عَليّ

    هَذَا وَقد مَاتَ قَاضِيا وَلم يزل عَلَيْهَا حَتَّى توفّي نَهَار الْخَمِيس ثامن عشر الْمحرم سنة ثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَله ذُرِّيَّة لَا تَخْلُو من خير فِي الدّين

    وَمِنْهُم ابْنه الرَّابِع احْمَد كَانَ عابدا وَهُوَ الَّذِي ولي قَضَاء أَب بعد انْتِقَال أَخِيه محم مِنْهَا الى تعز وَذَلِكَ فِي أَيَّام الْمَنْصُور فَلم يزل حَاكما بهَا حَتَّى ولي بَنو مُحَمَّد بن عمر الْقَضَاء فعزلوه بِمُحَمد بن يحي الْمُقدم الذّكر فِي سنة احدى وَسَبْعمائة وقبورهم جَمِيعًا بَاب بمقبرة شرقية الا مُحَمَّد بن عَليّ وَعبد الرَّحْمَن بن حسن بن مُحَمَّد بتعز وَعبد الرَّحْمَن بطرِيق صنعاء ولاحمد ذُرِّيَّة مِنْهُم حَاكم أَب الأن اقامه الْمَنْصُور الاخر من بني رَسُول

    وَمِنْهُم ابوالقاسم بن عَليّ بن مُوسَى السرواني ثمَّ الجبرتي بَلَدا والزيلعي لقبا كَمَا جرت الْعَادة وَقد بَيناهُ فِيمَا تقدم مَعَ ذكر ابْن ادم وَغَيره تفقه بتهامة على فقيهها الامام اسماعيل الْحَضْرَمِيّ مقدم الذّكر والامام احْمَد ثمَّ قدم زبيد واخذ عَن مُحَمَّد بن عَليّ بن عَم اسماعيل الْحَضْرَمِيّ ثمَّ طلع الْجبَال فورد مَدِينَة اب فرتب مدرسا بمدرسة لبني سنقر بانتفع بِهِ النَّاس انتفاعا جيدا لَا سِيمَا اهل اب ونواحيها وَلما صَار الكاشغري مدرسا بأب طلع وَعمر الشّعبِيّ وَالْقَاضِي مُحَمَّد بن يحي مقدمو الذّكر الى الْفَقِيه عبد الله بن يحي صَاحب سَماع الْبَيَان بِالطَّرِيقِ العالي وَكَانَ اذ ذَاك بمنزل يعرف بالمفلح من جبل بعد أَن وَضبط الْجَبَل تقدم

    والمنزل بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْفَاء وَفتح الام ثمَّ حاء مُهْملَة سَاكِنة وَذَلِكَ فِي ثَمَانِينَ وسِتمِائَة وقفت على انه كَانَ اخرهم سَمَاعا ثامن وَعشْرين من جمادي الاولى مِنْهَا وَكَانَ هَذَا الْفَقِيه عَارِفًا بالمهذب معرفَة شافية وَكَانَت وَفَاته بَاب اول سنة اثْنَتَيْنِ وَسَبْعمائة وَقد بلغ عمره سِتِّينَ سنة وقبره بحياط الامام سيف السّنة الى جنب قبر الْفَقِيه مُحَمَّد الاصبحي فيا لَهُ من حياط لقد جمع صدورا من الصلحاء وَالْعُلَمَاء وَذَلِكَ ان الزائر عِنْدَمَا يدْخل من بَاب الحياط اول قبر يلقاه قبر فَفِيهِ اسْمه يحيى كَانَ عَارِفًا بالفقه تفقه بفقيهي تهَامَة الْمقدمِي الذّكر وَكَانَ مزاملا لهَذَا ابي الْقَاسِم وطلع من تهَامَة ليزوره لنيف وَتِسْعين وسِتمِائَة فَتوفي بعد ايام ثمَّ يَلِيهِ قبر صَاحبه أبي الْقَاسِم ثمَّ يَلِيهِ قبر مُحَمَّد الاصبحي ثمَّ قبر سيف السّنة فِي لَك من اربعة مشهورين غير من دفن من اولاد سيف السّنة اَوْ غَيرهم مِمَّن لم اتحققه لَكِن اخبرني ثِقَة انه قل من قصد هَذِه التربة وَكَانَ ذَا هم الا فرج الله عَنهُ همه وَقضى حَاجته وَقد رَأَيْت ذَلِك عيَانًا وفقيه أَب الان احْمَد بن سُلَيْمَان ابْن احْمَد بن صبره الْحِمْيَرِي مولده سنة ثَمَانِي وخسمين وسِتمِائَة بقرية من معشار انور وَادي السحول وَيعرف بمشرعة تفقه بِأبي الْقَاسِم غَالِبا واخذ عَن مُحَمَّد الاصبحي وَقَرَأَ الْفَرَائِض على طَاهِر الَّاتِي ذكره فِي المعشار الْمَذْكُور ولي قَضَاء الْبَلَد مُدَّة ونازعه ذُرِّيَّة القَاضِي عَليّ بن عمر فَجعل أحدهم مَكَانَهُ على كره من ابْن الاديب فِي أَيَّام الْمُجَاهِد لشفاعة الرميمة اذ بَينهم وَبَينه صهاره وَهَذَا احْمَد امام الْجَامِع ومدرس بِبَعْض مدارس بني فَيْرُوز ثمَّ لما طلع السُّلْطَان التعكر اول سنة تسع وَعشْرين وَسَبْعمائة عرف انه لَا يصلح لقَضَاء اب

    غَيره فَأمر باعادته فَامْتنعَ فَقيل لَهُ استنب انت من يصلح فاستناب ولد ابْن قَيْصر احْمَد فَلبث حَاكما بطرِيق النِّيَابَة حَتَّى توفّي هَذَا فِي شَوَّال سنة ثمَّ جعل السُّلْطَان الْقَضَاء لِابْنِ قَيْصر اذ خطب لَهُ اعيان الْبَلَد

    وَمِنْهُم عمر بن عبد الله بن سُلَيْمَان الْكِنْدِيّ نسبا والعتمي بَلَدا مولده سنة سبعين وسِتمِائَة تَقْرِيبًا تفقه بَابي الْقَاسِم الاصبحي مُحَمَّد وبصالح بن عمر السفالي وَهُوَ امام لمدرسة حسن بن فَيْرُوز توفّي سنة ثَلَاث وَعشْرين وَسَبْعمائة

    وَمِنْهُم احْمَد بن يحي بن ابي بكر ابْن مُحَمَّد الْكِنْدِيّ مدرس مدرسة حسن بن فَيْرُوز ايضا تفقه باحمد بن سُلَيْمَان ولديه حذق وَفضل وَبحث فِي الْفِقْه مرضِي وَقد عرض ذكر بني فَيْرُوز وَرُبمَا تطلع النُّفُوس الى معرفَة شَيْء من احوالهم اما لبعد اَوْ لقدم عهد فهم قوم اكراد وَقيل انهم تديروا إبا مُنْذُ زمن طَوِيل يغلب عَلَيْهِم الْخَيْر نالوا من المظفر خطْوَة عَظِيمَة سَببهَا ان المماليك لما قتلوا اباه بقصر الْجند على مَا سَيَأْتِي بالتاريخ وخرجو هاربين وَبَقِي الْمَنْصُور فِيهَا لَا قَائِم بِحَالهِ واولاده من ابْنة جوزه فَاجْتمع بَنو فَيْرُوز وحملوا الْمَنْصُور فِي محمل وقصدوا بِهِ تعز وَلَوْلَا عزمهم وتشميرهم لم يَجْسُر اُحْدُ على ذَلِك فَكَانَ المظفر يعرف لَهُم ذَلِك وَرفع لأبي بكر الملقب بشمس الدّين بطبلخانه ولاخيه عُثْمَان الملقب فَخر الدّين اخرى واقطعهم الاقطاعات الجاملة وهم اهل فراسة وشجاعة الى عصرنا يذكرُونَ بذلك مِنْهُم جمَاعَة يميلون مَعَ ذَلِك الى الْعِبَادَة والتصوف وطرايق الْحَرْث وابتنوا بَاب عدَّة مدارس وقفُوا عَلَيْهَا مَا يَلِيق باحوالهم ولابي بكر ولد اسْمه حسن بِهِ خير وَدين توفّي صدر دولة الْمُؤَيد بعد ان ابتنى مدرسة وَخلف ثَلَاثَة أَوْلَاد

    مُحَمَّد وَدَاوُد بَاقٍ وَهُوَ أثبتهم فِي الدّين والأسد مُحَمَّد قدم واخر وَتُوفِّي برمضان سنة تسع وَعشْرين وَسَبْعمائة بعد ان ابْنَتي مدرسة جَيِّدَة وَالْغَالِب على الْمُتَأَخِّرين على الْخِصَال الْمَذْكُورَة اولا الازد رَاع وَالرَّغْبَة الى السّكُون وَرُبمَا جَاءَ من ذكرهم مَا لَاق فِي ذكر اعيان الدولة إِن شَاءَ الله تَعَالَى

    وَفِي الْمَدِينَة من الاعيان ثمَّ من الغز ابو بكر بن عَليّ الرضى بن جَعْفَر اصل جده من قصّ مولده سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وسِتمِائَة بجبلة لَهُ عقل ومشاركة فِي الْكتب وسيرة مرضية فِي الْولَايَة وَهُوَ الَّذِي كشف الضّر عَن اهل ذبحان بعد الله تَعَالَى فولايته من قبل المظفر اذ كَانَ ياقوت اهلكهم هَذَا كَانَ مَشْهُورا وَولي بلدنا الْجند سنة ارْبَعْ وَعشْرين فرأيناه حسن السِّيرَة وَله شرف نفس وصبر على فعل الْمَعْرُوف وَوضع بِجَامِع اب قاريء الحَدِيث كَمَا فِي مَسْجِد الاشاعر بزبيد ووقف لذَلِك عدَّة كتب

    وَقد انْقَضى ذكر من اسْتحق الذّكر بِمَدِينَة أَب من الْفُقَهَاء على مَا تحققته لم يبْق الا الشُّرُوع بفقهاء الْمَدِينَة الثَّانِيَة جبلة لارجع بعد ذَلِك الا ذكر نواحيهما فقد بيّنت لَك فِيمَا مضى ان فُقَهَاء السّنة كَانُوا اقل مَا سكنوها واما الْآن فانها من اكثر بِلَاد الْيمن ومدنها علما وَفِيهِمْ جمع من ذكر الْفُقَهَاء وغالب سنيون فَمِمَّنْ لم يذكرهم ابْن سَمُرَة مَعَ انه لم يكد يذكر من اهلها احدا بل عد قضاتها لَا غير وَذَلِكَ دَلِيل على مَا قدمنَا ذكرهم من عدم اهل السّنة بهَا

    فَمن الْمُتَقَدِّمين احْمَد بن اِسْعَدْ بن أبي الْهَيْثَم وَابْنه عبد الله كَانَا فقيهين فاضلين بالفقه والقراءات والنحو واللغة وَالْأُصُول وصنف عبد الله عدَّة مصنفات فِي الْقرَاءَات الْإِيضَاح وَالْإِشَارَة والكفاية وانفراده لقالون وَفِي النَّحْو كتابا سَمَّاهُ التَّبْصِرَة وَفِي اصول الدّين كتابا ضمنه الرَّد على الْقَدَرِيَّة وتفقهه بابيه وَعنهُ اخذ

    ابو الْقَبَائِل شَيْئا ورايت شَيْئا من مصنفاته بوصاب مَعَ الْمقري الغيثي وسمعته كثير الثَّنَاء عَلَيْهِمَا وعَلى مصنفاتهما وَإِنَّمَا اخذت ذكرهمَا عَنهُ لم اتحقق لَهما تَارِيخا

    وَمِنْهُم ابو الْقَبَائِل عبد الرَّحْمَن بن مَنْصُور بن ابي الْقَبَائِل بن عَليّ اصله من صقع الشوافي من عرب فِيهِ يعْرفُونَ ببني ابي النهى تفقه بِابْن مَضْمُون مقدم الذّكر عَن عبد الله الْمَذْكُور انفا كتاب المصابيح وَكَانَ وَفَاته على الاقامة بِمَسْجِد السّنة فِي سنة تسع وسِتمِائَة

    وَمِنْهُم ابراهيم بن الْمُبَارك ابْن الدَّلِيل ذكر ابْن سَمُرَة أَبَاهُ فِي فصل الْقُضَاة بِذِي جبلة قَالَ ثمَّ الْفَقِيه إِبْرَاهِيم سَأَلت عَن تَحْقِيق حَال هَذَا مُحَمَّد واهله فَقيل لي كَانَ مدرسا بِمَسْجِد السّنة قبل الْفَقِيه ابي الْقَبَائِل قالواا واصلهم من قَرْيَة بوادي جبلة تعرف بالنجد بتَشْديد النُّون بعد الف وَلَام وَسُكُون الْجِيم ثمَّ دَال مُهْملَة من قوم كَانُوا بهَا يعْرفُونَ ببني الصّباغ وَلم اتحقق لَهُ تَارِيخا

    وَمِنْهُم ابو عبد الله مُحَمَّد بن عمر بن مُوسَى بن عبد الله الجبرتي بَلَدا

    والقرشي نسبا والزيلعي لقبا كَمَا تقدم وَكَانَ يَقُول لَا اجد من يسميني زيلعيا فإنني قرشي النّسَب وَمعنى ذَلِك أَن الزيالع فِي الْغَالِب عجم وَكَانَ يكره النِّسْبَة اليهم كَانَ فَقِيها كَبِير الْقدر شهير الذّكر عَالما عَاملا اخذ عَن جمَاعَة فِي أَمَاكِن شَتَّى أَخذ بعدن عَن ابراهيم القريظي وَلما طلع الْجبَال اخذ عَن اهلها كَعبد الله بن عبد الرَّحْمَن السفالي وَغَيره وَكَانَ صَاحب كرامات ومكاشفات درس بِمَسْجِد السّنة مُدَّة طَوِيلَة فتفقه بِهِ جمَاعَة من الاكابر والاصاغر فاخذ عَنهُ من الْكتاب الْفَقِيه عمر بن سعيد العقيبي وَغَيره وَلَا يعرف لَهُ شيخ غَيره فِي الْفِقْه خَاصَّة أَخْبرنِي الثِّقَة عَن الثِّقَة قَالَ كنت اتولى خدمَة الْفَقِيه مُحَمَّد بن عمر فرحت مَعَه يَوْمًا الى الغيل لاغسل لَهُ ثِيَابه بِحَضْرَتِهِ فَبَيْنَمَا انا وَهُوَ قعُود اذ اقبل فَقِيه من المشيرق يعرف بالخضر يسير حافيا وَنَعله بِيَدِهِ فحين رَآهُ الْفَقِيه تَبَسم وَقَالَ لي يَا فلَان هَذَا الْفَقِيه فلَان قد جَاءَ احب يُرِيد السَّلَام عَليّ ثمَّ قَالَ لَا اله الا الله انما حمل هَذَا على الْمَشْي حافيا كَرَاهَة ان يدعس على مَا بناه فَخر الدّين ابْن الرَّسُول وَعَن قريب يَبْنِي بَنو الرَّسُول بجبلة مدارس وَيقْعد لبعضها مدرسا ثمَّ وصل الى الْفَقِيه وَسلم فَرد عَلَيْهِ السَّلَام وتسالما مسالمة مرضية ثمَّ تباحثا سَاعَة عَن مسَائِل ثمَّ توادعا وَعَاد الْخضر من حَيْثُ جَاءَ ثمَّ لم تطل الْمدَّة حَتَّى بني بَنو الرَّسُول الْمدَارِس وطلبوا الْفَقِيه الْخضر من حَيْثُ هُوَ فدرس بِالْمَدْرَسَةِ الرَّاتِبَة وَلما نَشأ ولد الْفَقِيه ابي الْقَبَائِل وَكَانَ الْفَقِيه يحي بن سَالم من اصحاب ابيه احب ان يَجعله مَكَانَهُ وَكَانَ يصحب القَاضِي الرشيد شاد الدَّوَاوِين السُّلْطَانِيَّة المظفرية فَقَالَ أُرِيد مِنْك الاعانة فِي ترك ولد الْفَقِيه ابي الْقَبَائِل مَكَان ابيه فَقَالَ سمعا وَطَاعَة ثمَّ بعث الرشيد الى الْفَقِيه مُحَمَّد بن عمرَان ان يعْمل لَهُ حسبَة الْمَسْجِد فَضَاقَ ذَلِك بِهِ وشق عَلَيْهِ لانه لَا يطْلب ذَلِك الا مِمَّن استخبر وَبلغ ذَلِك الْفَقِيه عمر بن سعيد فشق بِهِ ثمَّ تقدم بعض اصحابه الى الامير فَخر الدّين بن الرَّسُول فامر الى

    الرشيد بقصره عَن التَّعَرُّض الى الْفَقِيه وَلم تطب نفس الْفَقِيه بعد ذَلِك بل عزم على الْخُرُوج عَن جبلة فَخرج الى قَرْيَة من معشار الْجند يُقَال لَهَا الْحَمْرَاء فاقام بهَا مُدَّة ثمَّ انْتقل الى وَادي عميد فسكن فِيهِ فِي قَرْيَة الظفير وَكَانَ كثير الِاجْتِمَاع بِابْن نَاصِر وحسين العديني بقرية الذنبتين فاحب السّكُون والاقامة مَعَهم فانتقل وَسكن وَكَانَت وَفَاته بالقرية الْمَذْكُورَة يَوْم الثُّلَاثَاء سنة خمس وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وقبر بمقبرتها الشرقية الى جنب قبر الْفَقِيه العديني وَحضر الْفَقِيه عمر ابْن سعيد قبرانه فِي جمَاعَة من اصحابه

    وَمِنْهُم عمر بن عبد الله بن عَليّ بن عِيسَى الْحرَازِي درس بِمَسْجِد السّنة وَهُوَ اُحْدُ اشياخ عبد الله بن عَليّ العرشاني وَلم اعرف من نعوته شَيْئا

    وَمِنْهُم مُحَمَّد بن احْمَد بن مِصْبَاح بن عبد الرَّحِيم الاحولي بَلَدا والعنسى بالنُّون نسبا والاحولي نِسْبَة الى قَرْيَة من وَادي جبلة تعرف بِذِي حوال بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الْوَاو ثمَّ الف ثمَّ لاما مولده سنة سبع وَسبعين وَخَمْسمِائة اخذ عَن اسماعيل بن سيف السّنة وَعَن مُحَمَّد بن مَضْمُون وابي حَدِيد وَغَيرهم ثمَّ لما سمع بِمَعْمَر فِي الْهِنْد ارتحل اليه فَوَجَدَهُ قد توفّي قبل قدومه بِقَلِيل فَدخل بلد برد فاخذ بهَا عَن ابراهيم بن مُحَمَّد البردي ثمَّ عَاد الى جبلة فَقعدَ عطارا وَهُوَ يشْتَغل بِقِرَاءَة الْكتب وَالْغَالِب عَلَيْهِ اسماعها وَتَحْصِيل اسانيدها بعد الِاجْتِهَاد فِي طلب عواليها فَلَمَّا ابتنى الدَّار النجمي الْمَسْجِد الَّذِي ينْسب اليه بجبلة جَعَلُوهُ مدرسا فِيهِ فَلم يزل بِهِ مدرسا حَتَّى توفّي عَلَيْهِ وَعنهُ اخذ جمع كثير وَقصد

    لعلو سَنَده وغزر رِوَايَته وَكَانَ رجلا صَالحا لما أهل لَهُ من التدريس وَمِمَّنْ اخذ عَنهُ الْفَقِيه عمر بن سعيد العقيبي وَغَيره وَلم يزل ذُريَّته يتوارثون تدريس الْمَسْجِد بعده إِلَى عصرنا إِذْ يُقَال شَرط الْوَاقِف أَنهم يقدمُونَ على غَيرهم فِي مدرسته ثمَّ نظره كَذَلِك وَلم يُغير عَلَيْهِم حَتَّى صَار نظر الوقوفات على الْقُضَاة بني مُحَمَّد بن عمر فَازَ الْوَهم عَن النّظر وابقوهم على التدريس وَلما جعل الْقَضَاء الى ابْن الاديب اعاده لَهُم وانت وَفَاته لأَرْبَع بَقينَ من الْقعدَة سنة تسع وَخمسين وسِتمِائَة وَخَلفه ابْن لَهُ اسْمه حُسَيْن كَانَت بِهِ أريحية وَشرف نفس وَتُوفِّي بِسنة أحدى وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة ثمَّ بعده اخوه عمر كَانَ كثير الْحَج وَالْعِبَادَة يُقَال انه حج سِتا وَثَلَاثِينَ حجَّة وَكَانَت وَفَاته سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وسِتمِائَة ثمَّ الْمدرس بِالْمَسْجِدِ هَذِه الْمدَّة شَيْخي ابو بكر بن الْفَقِيه حُسَيْن مقدم الذّكر ميلاده سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وسِتمِائَة عَنهُ اخذت الدرة الْيَتِيمَة بشرح الْخمر طاشية قرائة ولي مِنْهُ اجازة عَامَّة

    وَمِنْهُم سعيد بن الْفَقِيه مَنْصُور بن عَليّ بن عبد الله بن إِسْمَاعِيل بن احْمَد بن أبي الْخَيْر بن الْحصين بن مِسْكين وَقد ذكر ابْن سَمُرَة اياه فِي الْغَالِب وَرُبمَا ذكر هَذَا وتفقهه بِمُحَمد بن مَضْمُون العمراني وَكَانَ فِي نِهَايَة من الزّهْد والورع وَالْعِبَادَة مَعَ الِاشْتِغَال بِقِرَاءَة الْكتب اخبرني الثِّقَة الْخَبِير باحوال النَّاس فِي جبلة خَاصَّة قَالَ وَكَانَ هَذَا سعيد مصاحبا لِابْنِ مِصْبَاح واتفقا على ان من كَانَ لَهُ فِي شَيْء من الْكتب سَماع اسْمَعْهُ صَاحبه وانتظم ذَلِك بَينهمَا وَكَانَ يفْعَلَانِ بِهِ وترتب هَذَا سعيد بِالْمَدْرَسَةِ النجمية بِذِي جبلة وَكَانَ بَينه وَبَين الْفَقِيه عمر العقيبي صُحْبَة ومواخاة ومعاقدة ان من مَاتَ قبل صَاحبه حَضَره الاخر وَتَوَلَّى غسله وَالصَّلَاة عَلَيْهِ فقد الله تَعَالَى ان مَاتَ الْفَقِيه سعيد بِبَلَدِهِ دلال بقرية تيثيد الْمُقدم ذكرهَا وَذَلِكَ بعد ان زهد بِالْمَدْرَسَةِ وَقد اوصى عِنْد وَفَاته ان سَاعَة يَمُوت يُؤمر رَسُولا الى الْفَقِيه عمر بن سعيد يعلمونه بِمَوْتِهِ فَلَمَّا انتصف اللَّيْل توفّي بَادر الْوَصِيّ وَبعث رَسُولا فَلم يقطع نصف الطَّرِيق حَتَّى وافى الْفَقِيه مُقبلا فحين رَآهُ قَالَ مَاتَ الْفَقِيه قَالَ نعم وَمن كراماته مَا ذكر ان زريعا الْحداد دخل اليه عقب عيد عَرَفَة فَقَالَ يَا سَيِّدي رَأَيْت مَا كَانَ احلى الْحَج فِي هَذِه السّنة فنظره الْفَقِيه بازوراء ففهم زُرَيْع كَرَاهَة الْفَقِيه لذَلِك فَسكت مستحيا ثمَّ جعل الْفَقِيه بعتذر لَهُ

    بمغالطة الْحَاضِرين قَالَ الْمخبر فَلَمَّا خرج الْحَاضِرُونَ عَن مجْلِس الْفَقِيه قلت لَهُ يَا سَيِّدي سُبْحَانَ الله الْعَظِيم نَحن محبوكم وصحبناكم وَيحصل لكم هَذَا النَّصِيب الوافر وَلَا تشركونا فِيهِ وَلَا فِي بعضه فاراد الْفَقِيه غلاطى وانكار ذَلِك فَلم اقبل بل قلت سَأَلتك بِاللَّه يَا سَيِّدي إِلَّا مَا اخبرتني كَيفَ تَفْعَلُونَ هَل ذَلِك طيران اَوْ خطو ام مَا ذَاك فَقَالَ الْفَقِيه هُوَ شَيْء لَا استطيع تكييفه بل هُوَ قدرَة من قدر الله تَعَالَى يخْتَص بِهِ من يَشَاء من عباده وَبَلغنِي انه توفّي بتاريخ سنة سِتِّينَ وسِتمِائَة بعد بُلُوغ عمره ثَمَانِينَ سنة وكل ذَلِك على طَرِيق التَّقْرِيب وَمِمَّا يذكر من الكرامات بعد مَوته ان رجلا من اصحابه وشركاء ارضه حصلت عَلَيْهِ اذية من بعض نواب الشَّيْخ الْفضل بن عواض الْمليكِي فَذهب الى تربة الْفَقِيه سعيد والتزمها وَبكى عَلَيْهَا وَجعل يَقُول يَا فَقِيه اتعبنا الْفضل واصحابه وظلمونا وَجعل يعدد ذَلِك عِنْد قَبره مَا يعْملُونَ من القبائح مَعَهم وَذَلِكَ ان بلد الْفضل على قرب من نَاحيَة دلال وَالْفضل اذ ذَاك بتعز عِنْد المظفر وَكَانَ قد دخل عَلَيْهِ واكرمه وامر ان يكْتب لَهُ بعوائده فَكتب الْكتاب بهَا وَلم يفرغ الا عشيا فادخلت على السُّلْطَان وباتت عِنْده وَلما انتصف اللَّيْل اسْتَيْقَظَ الْفضل وامر غلمانه بالشد وَالسّفر فَقيل لَهُ الا تصبر حَتَّى تَأْتِيك خطوط السُّلْطَان فَقَالَ لَا حَاجَة لي بهَا اذا خرجت لحقتنا فَقَالَ لَهُ بعض خواصه سَأَلتك بِاللَّه يَا شيخ مَا حملك على الْخُرُوج فِي هَذَا الْوَقْت من غير مُرَاجعَة السُّلْطَان فَقَالَ رَأَيْت الْفَقِيه سعيد بن مَنْصُور قد لزمني واضجعني وذبحني فانا لَا محَالة هَالك ثمَّ اخذ فِي السّير فَلم يصل جبلة الا وَقد اعتقل لِسَانه فَحمل على اعناق الرِّجَال وطلع بِهِ جبل بعد أَن فَتوفي هُنَالك وَحمل الى بَلَده مَيتا فَلَمَّا صَارُوا بِهِ الى الْبَلَد وَدفن سَأَلَ صَاحبه الَّذِي علم مِنْهُ بِحَدِيث الْفَقِيه سعيد هَل جرى لأحد من غلْمَان الشَّيْخ الْفضل مَعَ اُحْدُ من أهل قَرْيَة الْفَقِيه شَيْء فَقيل لَهُ نعم فلَان نَائِب الشَّيْخ فعل بِشريك الْفَقِيه سعيد مَا هُوَ كَذَا وَكَذَا فَبلغ الى قبر الْفَقِيه سعيد بن مَنْصُور وَالْتَزَمَهُ وَبكى عِنْده فَقَالَ لم يرد الْفَقِيه الانتصاف الا من الشَّيْخ لَا من غَيره

    وَقد عرض مَعَ ذكره رجلَانِ من الاعيان يتطلع الانفس الى معرفَة احوالهما

    وهما الشَّيْخ زُرَيْع بن مُحَمَّد وَالْفضل بن عواض فاما زُرَيْع فَهُوَ الشَّيْخ الصَّالح زُرَيْع ابْن مُحَمَّد وَيعرف بالحداد أَصله من جبل بعدان من قَرْيَة النظاري كَانَ رجلا صَالحا عابدا متورعا كثيرا مَا يصحب الصَّالِحين ذكرُوا انه كَانَ فِي ابْتِدَائه شَابًّا معجبا بِنَفسِهِ خطر لَهُ بأمرأة من اهل السّتْر فِي الْقرْيَة وَكَانَت مضرورة بالفقر وَبهَا جمال فائق فَبعث لَهَا بِشَيْء ءعلى ان تواصله فَكرِهت ذَلِك ثمَّ اشتدت بهَا الْحَاجة حَتَّى اشرفت على الْهَلَاك فَقدر ان زَاد ارسل اليها وَهِي على الْحَال فقبضت من رَسُوله ماجاء بِهِ ووعدته بَان يَأْتِيهَا فِي وَقت فوافاها زُرَيْع ذَلِك الْوَقْت فَلَمَّا خلى بهَا رَآهَا تنتسف كالسعفة فِي الرّيح فَقَالَ لَهَا مَا شَأْنك فَقَالَت هَذَا امْر لم اكن اعرفه وَلَا أحد من أَهلِي فاحلها مِمَّا مَعهَا ثمَّ خرج فَقَالَ لَهَا زحزحتيني من النَّار زحزحك الله عَنْهَا فَكَانَ بِهِ من الْخَيْر كثير وَكَانَ يمسك الْقطعَة الْحَدِيد وَهِي نَار تشعل فَلَا تضره ثمَّ لزم صُحْبَة الْفَقِيه مُحَمَّد بن مَضْمُون والفقيه سعيد بن مَنْصُور وَغَيرهمَا من صلحاء وقتهما وفقهاء تِلْكَ النَّاحِيَة وَقد ذكرت حُضُوره لوَصِيَّة ابْن مَضْمُون

    وَأما الْفضل فَهُوَ الْفضل بن عواض الْمليكِي كَانَ من اعيان الْمَشَايِخ اهل الرياسة والسياسة وَكَانَ كَرِيمًا شجاعا كثير فعل الْمَعْرُوف مَقْصُودا مألوفا وَكَانَت لَهُ منزلَة عِنْد الْملك المظفر وَهُوَ اُحْدُ مَشَايِخ بلد مذْحج توفّي سنة

    وَمِنْهُم عَليّ بن الْفَقِيه ابي السُّعُود بن الْحسن الْآتِي ذكره ان شَاءَ الله تَعَالَى فِي النواحي كَانَ هَذَا عَليّ فَقِيها فَاضلا نحويا درس بالنجمية واظنه اول من درس بهَا واستدعاه المظفر ليقرئ وَلَده الاشرف النَّحْو فَصَارَ الى تعز ولبث بهَا مُدَّة يقرئ الاشرف ثمَّ توفّي على ذَلِك سنة

    وَمِنْهُم يحي بن سَالم بن سُلَيْمَان بن الْفضل ابْن مُحَمَّد بن عبد الله الشهابي ثمَّ الْكِنْدِيّ مولده سنة ثَمَانِي وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة انتجع ابوه من بلد بني شهَاب الى جبلة فسكنها وتفقه هَذَا بفقيه كَانَ يسكن الجبابي واخذ عَن مُحَمَّد بن عبد الله المأربي وَكَانَ اول من ترَتّب مدرسا بِالْمَدْرَسَةِ العومانية وَكَانَ فَقِيها فَاضلا ذَا مرؤة وكرم نفس لم يزل على تدريس الْمدرسَة الْمَذْكُورَة وَكَانَ يصحب القَاضِي الرشيد شاد الدَّوَاوِين صدر الدولة المظفرية فَلَمَّا توفّي الرشيد تكلم على هَذَا الْفَقِيه إِلَى المظفر وَرُبمَا قيل ان مَعَه لَهُ شَيْئا فصودر بِمَال مبلغه اثْنَا عشر الف دِينَار وَلم يقم بعد ذَلِك بل توفّي غيظا فِي الْمدرسَة الْمَذْكُورَة عشَاء الثُّلَاثَاء لليلتين بَقينَ من ربيع الاخر سنة سبعين وسِتمِائَة وقبر بمحرب قَرْيَة على قرب من الْمدرسَة وَلِهَذَا الْفَقِيه بهَا ارْض وَكَانَ كثيرا مَا يسكنهَا بِالشَّهَادَةِ لاهلها لانهم من اهل الْمَعْرُوف والهمم الشَّرِيفَة ثمَّ عرض ذكر الْمدرسَة العومانية والنفوس رُبمَا تتطلع الى علمهَا فَاعْلَم انها مدرسة انشأتها الحره لؤلؤة زوج وَالِد الْملك الْمَنْصُور والامراء اخوته وَكَانَت من عنس يُقَال انها عمَّة لعَلي بن يحي مقدم الذّكر وَهِي من النِّسَاء الْمَذْكُورَات بِفعل الْخيرَات وَلَو لم يكن لَهَا من ذَلِك غير هَذِه الْمدرسَة لكَانَتْ كَافِيَة وذرية هَذَا يحي بن سَالم يدعونَ ان نظر هَذِه الْمدرسَة اليهم وَكَانَ بَنو عمرَان قد نزعوه ثمَّ لما ولى بَنو مُحَمَّد بن عمر كَانَ فِي هَؤُلَاءِ بني يحي من يلوذ بالفقيه ابو بكر فاعادوها اليهمت دريسا نظرا وَاسْتمرّ ذَلِك مَعَ اخوته وهم من اكثر ذَرَارِي الْفُقَهَاء سَمِعت الْخَبِير بهم يَقُول فِي سنة ارْبَعْ عشرَة وَسَبْعمائة انهم يزِيدُونَ على اربعين رجلا غير النِّسَاء وَسَيَأْتِي ذكر من اسْتحق الذّكر مِنْهُم ان شَاءَ الله تَعَالَى وَمِمَّنْ وردهَا أَعنِي مَدِينَة جبلة وانتفع النَّاس بِهِ يُوسُف بن ابراهيم بن مُوسَى بن عبد الْوَاحِد الشَّيْبَانِيّ ولي نظر ديوَان المخلاف وَكَانَ فَاضلا بفن الْأَدَب تلقب بِالْقَاضِي

    على عَادَة المصريين اذ يسمون رُؤَسَاء الْكتاب قُضَاة وَله مسموعات كَثِيرَة وَهُوَ شيخ اهل عرشان وَغَيرهم بكتب الادب خَاصَّة وَلما قدم مُحَمَّد بن ابي نوح صَاحب الرِّوَايَة الْمَشْهُورَة فِي المقامات اخذ عَنهُ شَيْئا عَن كتب الْأَدَب حِين قدم جبلة وَكَانَ للقضي هَذَا صُحْبَة ومودة مَعَ اهل عرشان بِحَيْثُ كَانَ يكْتب اليه القَاضِي احْمَد ايام هربته الى بِلَاد العوادر من الْمعز بن سيف الاسلام

    . .. قل للسديد أبي الْفرج ... جَاءَ المبشر بالفرج ... قتل الْمعز بجنده فِي كل فج

    فَلم تطل الايام حَتَّى قتل الْمعز على مَا سَيَأْتِي

    وَمِمَّنْ اخذ عَن هَذَا الشَّيْبَانِيّ ابراهيم بن عجيل مقدم الذّكر اخذ عَنهُ مُقَدّمَة ابْن بَاب شاد بشرحها واليه يَنْتَهِي طريقنا فِي قرَاءَتهَا وَهَذَا من الطَّبَقَة الْمُتَقَدّمَة وانما اخرته لانه لم يكن من المفتيين بل فنه الادب مَعَ تعلقه بالخدم السُّلْطَانِيَّة ثمَّ صَار الْعلم بعد من ذكر الى طبقَة اخرى فِي جمَاعَة

    مِنْهُم ابو الْفضل عَبَّاس بن مَنْصُور ابْن عَبَّاس البريهي السكْسكِي مولده سنة عشرَة وسِتمِائَة تَقْرِيبًا وتفقهه بعمر بن مَسْعُود الابيني الْمُقدم الذّكر وَمُحَمّد بن اسماعيل الْحَضْرَمِيّ وببطال بن احْمَد الَّاتِي ذكرهمَا فِي اهل ناحيتهما ان شَاءَ الله تَعَالَى وَكَانَ من اعرف النَّاس بكتب الشَّيْخ ابي اسحاق واكثرهم لَهَا نقلا ودرسا روى بعض الصَّالِحين بعد مَوته وَسُئِلَ عَن هَذَا عَبَّاس فَقَالَ هُوَ فِي ضِيَافَة الشَّيْخ ابي اسحاق وَلما ورد امْر السُّلْطَان المظفر على قَاضِي الْقُضَاة يَوْمئِذٍ بفصل مُحَمَّد بن يُوسُف الَّاتِي ذكره عَن الْقَضَاء جعل هَذَا عَبَّاس مَكَانَهُ وَكَانَت ارزاق الْقُضَاة اذ ذَاك من جِزْيَة الْيَهُود فَلَمَّا اراد المظفر ان يبتني مدرسة بمغربة تعز امْر بِجمع الْجِزْيَة من كل بلد ويعوض اربابها من مَال الْخراج فحين علم القَاضِي عَبَّاس

    بذلك عزل نَفسه وَلزِمَ بَيته ثمَّ درس بالراتبة وَلما انْتقل عَليّ بن مَسْعُود عَن النجمية صَار اليها ودرس بهَا وانتفع بِهِ خلق كثير من جبلة وَغَيرهَا كَابْن مُسلم وَابْن الاحنف وَابْن ابي الرجا وَغَيرهم وَكَانَ فَقِيها فَاضلا محققا متقنا بالفروع والاصول لَهُ فِيهِ مُخْتَصر سَمَّاهُ الْبُرْهَان فِي معرفَة عقائد أهل الاديان واخبرني الشَّيْخ عِيسَى بن مُحَمَّد الصُّوفِي انه اجْتمع هُوَ ووالدي يُوسُف بن يَعْقُوب رَحمَه الله تَعَالَى وَمَعَهُمْ رجل من تهَامَة وَذَلِكَ بمدرسة عبد الله بن الْعَبَّاس بالجند قَالَ فتذاكرنا بهَا الْفُقَهَاء والأفقه فيهم ثمَّ ذكرنَا القَاضِي عَبَّاس فَقِيه الْجند وَذَلِكَ انه حدث ببلادنا مسئلة غَرِيبَة فاضطربت فِيهَا اجوبة فُقَهَاء تهَامَة اضطرابا كليا فبعثوا بهَا الى الْجبَال فاضطربت مِنْهَا اجوبة الْفُقَهَاء كَذَلِك فَقدر ان وصل كتاب الْعَزِيز شرح الْوَجِيز من الشَّام ففتش عَلَيْهَا بِهِ فَلم يُوجد جَوَاب على صَوَاب غير جَوَاب القَاضِي عَبَّاس وَلم يزل على الْحَال المرضي من التدريس وَالْفَتْوَى الى أَن توفّي سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة

    وَمِنْهُم ابو عبد الله مُحَمَّد بن سُفْيَان بن الْفَقِيه ابي الْقَبَائِل الْمُقدم ذكره مولده لثمان خلون من جمادي الْآخِرَة سنة تسع وسِتمِائَة 609 تفقه بعمر الْحرَازِي وبالصوفي من الملحمة وبابن مِصْبَاح وَغَيرهم وَكَانَت امهِ من بني كحيل وَهِي ابنت الشَّيْخ عَليّ بن كحيل كَانَت صَالِحَة قارئة لكتاب الله تَعَالَى ذَات مروة فَلذَلِك صَار الْفَقِيه من أهل الثروة وَكَانَت صَالِحَة عابدة قدم الْفَقِيه سُفْيَان الابيني إِلَى جبلة لغَرَض الزِّيَارَة فعزمته وادخلته الْبَيْت وَكَانَ نُزُوله فِي مَسْجِد السّنة هَذَا مَعَ تَحْقِيق النَّاس لصلاح سُفْيَان وَيُقَال أَنَّهَا ولدت هَذَا سفين بِتِلْكَ الايام وَلذَلِك لقبه بِهِ وَرُبمَا ذكر أَنه خطبهَا فَقَالَت لَا أَتزوّج بعد أبي الْقَبَائِل أحد وَلَا أغير صحبته بِغَيْرِهِ هَذَا مَعَ تَحْقِيق النَّاس لصلاح سُفْيَان لَيست كنساء زَمَاننَا تغير الْمَرْأَة صُحْبَة زَوجهَا وَإِن كَانَ دونه فِي الدّين والدينا وَقد ذكرت مصير مَسْجِد السّنة اليه وبسعاية الْفَقِيه يحي بن سَالم عِنْد ذكر الْفَقِيه مُحَمَّد بن عمر وَيُقَال انها ولدت لِسُفْيَان ولدا بِتِلْكَ

    الايام فَلذَلِك لقبته بِهِ وَلما صَار الى مَسْجِد السّنة لم يلْتَمس لَهَا شَيْئا إِذْ كَانَ فِي غنى عَنهُ وبورك لَهُ فِي الْعلم وَالْمَال وَكَانَ شَدِيدا فِي ذَات الله قَائِلا بِالْحَقِّ عَاملا بِهِ امْرأ بِالْمَعْرُوفِ وناهيا عَن الْمُنكر ثمَّ كَانَ بَينه وَبَين الْفَقِيه عمر العقيبي مَوَدَّة الى ان توفّي على الْحَال المرضي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وقبر بمحيطان وَدفن الى جنب قبر وَالِده كَانَ لَهُ ابْنَانِ وابنتان فَتوفي الْولدَان على حَيَاته وَتزَوج مُحَمَّد بن احْمَد العرشاني مقدم الذّكر احدى البنتين وَعلي بن العسيل الاخرى بحياته اليهما صَارَت تركته والى ابْنَته نصيب مِمَّا ظهر وَاسْتولى على مَسْجِد السّنة ابْن العسيل الَّاتِي ذكره ثمَّ ابْنه من بنت الْفَقِيه على مَا سَيَأْتِي ذكره ان شَاءَ الله تَعَالَى

    وَمِنْهُم ابو بكر بن عبد الله بن عَليّ بن كحيل كَانَ ذَا مسموعات واجازات شغلته الْعِبَادَة وَالْعُزْلَة عَمَّا سواهُمَا وَكَانَ يعْتَكف بمقصورة فِي مَسْجِد السّنة وَلما بلغ خَبره وَمَا هُوَ عَلَيْهِ من الْعُزْلَة وَالِاجْتِهَاد فِي الْعِبَادَة الى الْمَنْصُور بن الرَّسُول زَارَهُ الى مَسْجِد السّنة وَسَأَلَهُ الدُّعَاء وَقد اخذ عَنهُ جمَاعَة من جبلة وَغَيرهَا وابوه عبد الله كَانَ من اعيان الْمَشَايِخ وَهُوَ جد الْمَشَايِخ المعروفين بجبله ببني كحيل فيهم جمَاعَة اخيار اهل مرؤة وَمن خير عبد الله زوج ابْنَته بالفقيه ابي الْقَبَائِل مَعَ الثروة وفقر ابي الْقَبَائِل نظرا الى الدّين والحسب لَا الى النّسَب وَالْغَالِب على ذُريَّته الى عصرنا الْخَيْر وَفعله

    وَمِنْهُم ابو مُحَمَّد الْحسن بن مُحَمَّد بن سباء بن حُسَيْن بن ابي السعد مولده سنة اثْنَتَيْ عشرَة وسِتمِائَة وتفقه ابْتِدَاء بِمُحَمد بن مِصْبَاح وبالامام اسماعيل الْحَضْرَمِيّ واخذ عَن اسحاق الطَّبَرِيّ وغلبت عَلَيْهِ الْعِبَادَة والاشتغال بكتب الحَدِيث وَالرَّقَائِق وَله عَن عَلَاء الدّين ابو بكر فِي مرثاته الَّتِي رثى بهَا الامام اسماعيل اذ كَانَ هَذَا حسن اكثر اهل الْجبَال شهرة لصحبة الْفَقِيه اسماعيل وَتُوفِّي هَذَا على الْحَال المرضي لنيف وَتِسْعين وسِتمِائَة

    وَمِنْهُم عَبَّاس بن بَرَكَات الْهَمدَانِي كَانَ فَقِيها فَاضلا غلب عَلَيْهِ اللُّغَة والاشتغال بكتبها اخذ عَن مُحَمَّد بن مِصْبَاح وَغَيره وَسمعت من يذكرهُ باتقان

    اللُّغَة وَتُوفِّي بجبلة وَلم اتحقق تَارِيخه

    وَمِنْهُم ابو الرّبيع سُلَيْمَان بن مُحَمَّد بن الشَّيْخ عمرَان الصُّوفِي ولد سنة ثَلَاثِينَ وسِتمِائَة تفقهه بعمر بن مَسْعُود الابيني وَعمر بن سعيد العقيبي وابي بكر الجناحي وَكَانَ فَقِيها فَاضلا محققا نقالا للفقه سَافر ديار مصر فَهُوَ الى الْآن مَفْقُود لم يعرف ماتم عَلَيْهِ وجده الشَّيْخ عمرَان الصُّوفِي كَانَ من اعيان مَشَايِخ الصُّوفِيَّة صحب عَليّ الْحداد بِحَق صحبته للشَّيْخ عبد الْقَادِر الجيلاني وَكَانَ هَذَا عمرَان لُزُوما للسّنة نفورا عَن الْبِدْعَة مُتَعَلقا باذيال الْعلم وَكَانَت لَهُ كرامات حكى انه اشْتغل يَوْم الْجُمُعَة بِصَلَاة تعرف بِالسنةِ فَلم يفرغها حَتَّى انْقَضتْ صَلَاة الْجُمُعَة فَلَزِمَ الْخلْوَة وَاعْتَكف بهَا بصيام وَقيام حَتَّى جَاءَت الْجُمُعَة الاخرى وَخرج اليها فَلَمَّا بلغ ذَلِك الى الْفَقِيه عبد الله بن الْخَطِيب الَّاتِي ذكره فِي اهل موزع انشاء الله تَعَالَى وصل الى جبلة لزيارة تربته وَكَانَت وَفَاته سنة سبع واربعين وسِتمِائَة ثمَّ صَار الْفِقْه فِي طبقَة اخرى فِي جمَاعَة مِنْهُم عبد الرَّحْمَن بن الْفَقِيه يحي بن سَالم الْمَذْكُور اولا كَانَ فَقِيها خيرا سليم الصَّدْر اليه انْتَهَت رياسة الْفَقِيه والفتيا بِذِي جبلة وَكَانَ غَالب امور الْفُقَهَاء انما يَنْتَظِم بِعِلْمِهِ وبرأيه وَلما بنى الدَّار النجمي الْمدرسَة الَّتِي سَموهَا بالشرفية نِسْبَة الى اخيهم شرف الدّين الْهَالِك بِمصْر كَمَا سَيَأْتِي كَانَ هَذَا اول مدرس درس فِيهَا اذ كَانَ اكبر الْفُقَهَاء وَكَانُوا لَا يطلعون من مصلى الْعِيد الا الى بَيته على سماط يعمله لَهُم فَلَمَّا توفّي والدهم بالعومانية انْتقل اليها عَن الشرفية فَلم يزل مدرسا بهَا حَتَّى توفّي بجمادي الاولى سنة ثَمَانِي وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَخلف ابْنه مُحَمَّد كَانَ فَاضلا بالفقه والاصول درس بعد أَبِيه وَكَانَ من أهل الْفَهم والذكاء وَصَحب الْفَقِيه أَبَا بكر التعزي مُدَّة طَوِيلَة فنال منالا جيدا وبسبه جعل إقراء الْمدرسَة إِلَيْهِ وَإِلَى أَهله وَبَعثه الْملك الْمُؤَيد سفيرا

    إِلَى الْمَدِينَة الَّتِي فِيهَا قبر رَسُول الله صللم ليقوم حمارا على أبي نمى صَاحب مَكَّة لشأن كَانَ بَين الْفَقِيه وَبَين أبي نمى شَأْن مُتَقَدم من عَام حج فَلَزِمَهُ ابو نمى بِمَكَّة وصادره هُوَ وَصَاحبه بِمَال اذ علم انهم جاؤا لَهُ ولأذيته فاقترضوا المَال من حَاج الْيمن ومحنوا بِهِ ثمَّ عَادوا وَكَانَ صَاحبه رجل يعرف بِمُحَمد الدِّمَشْقِي واظن حجهم سنة ثَمَانِي وَتِسْعين وسِتمِائَة وَكَانَ وَفَاة هَذَا بعد الْفَقِيه ابي بكر فِي جمادي الاولى سنة عشر وَسَبْعمائة بعد ان اتسعت دُنْيَاهُ اتساعا جيدا وَخلف اولادا صغَارًا

    وَمِنْهُم أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن ينَال بياء مثناة من تَحت مَفْتُوحَة النُّون ثمَّ الف ثمَّ لَام كَانَ أَبوهُ رجلا زيلعيا ولبث بِذِي جبلة ثمَّ استولد هَذَا مُحَمَّد بهَا وَكَانَ معلم الْفَقِيه سُفْيَان ثمَّ نشا وتفقه بِأَهْل جبلة وَكَانَ جيدا حسن الالفة كثير المحفوظات وَالْعجب انه احس بسارق وَقد ثقب نَاحيَة من الْبَيْت فَلَمَّا كَاد ان يدْخل عَلَيْهِ الْبَيْت قَالَ لَهُ يَا هَذَا إِن كَانَ غرضك اخذ شَيْء تنْتَفع بِهِ فَنحْن فُقَرَاء وَالله مَا مَعنا شَيْء وَقد نقبت غَلطا وان كنت تظن مَعنا شخص جميل الْخلق يصلح للعشرة فَمَا مَعنا اُحْدُ واحسن من فِي الْبَيْت انا وانا مُحَمَّد ابْن ينَال رُبمَا انك تعرفنِي وَالله مَا كذبتك فَلَمَّا سمع السَّارِق ذَلِك ضحك وَولى وَكَانَ فَقِيها فرضيا توفّي على تدريس الشرفية اول سنة احدى وَتِسْعين وسِتمِائَة وَله الان ولد اسْمه ابو بكر متفقه هُوَ الْيَوْم يدرس بمدرسة ذِي جبلة

    وَمِنْهُم شَيْخي أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن أبي بكر بن عمر عرف بِابْن الْأَحْنَف لحنف كَانَ بوالده مولده سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وتفقه بعباس بن مَنْصُور وَغَيره من فُقَهَاء جبلة وَله مصنفات مفيدة فِي التَّفْسِير واللغة والْحَدِيث قدمت جبلة سنة احدى وَسَبْعمائة فَوَجَدته يدرس بالشرفية فَقَرَأت عَلَيْهِ بعض مصنفاته وأجازني ببقيتها ثمَّ انْتقل الى تعز فدرس بمدرسة الدَّار الْجَدِيد بمغربة تعز ثمَّ انْتقل عَنْهَا

    الى الْمدرسَة المؤيدية فدرس بهَا مُدَّة وانتفع بِهِ جمَاعَة من اهل تعز ثمَّ عَاد بَلَده فَلم يزل بهَا حَتَّى توفّي لعشر بَقينَ من جمادي الاخرة سنة سبع عشرَة وَسَبْعمائة وَكَانَ لَهُ اخ اسْمه ابراهيم تفقه وَكَانَ اماما بِالْمَدْرَسَةِ الشرفية كَانَ تقيا ورعا توفّي لخمس بَقينَ من رَجَب سنة عشْرين وَسَبْعمائة

    وَمِنْهُم شَيْخي ابو مُحَمَّد عبد الله بن عمر بن سَالم الفائشي مولده سنة تسع وَخمسين وَقيل سِتِّينَ وسِتمِائَة تَقْرِيبًا كَانَ فَاضلا بالفقه والقراءات والنحو وَله فِيهِ مُصَنف جيد نحا بِهِ نَحْو الْمُقدمَة البابشاذية سَمَّاهُ اللوامع وَله يَد فِي الْأُصُول والْحَدِيث واللغة سَافر الى ابين فاخذ بهَا عَن مُحَمَّد بن ابراهيم وَعَن ابْن الرَّسُول ثمَّ سَافر الى تهَامَة فاخذ بهَا عَن الامام ابْن العجيل وَقدم علينا الْجند فاخذت عَنهُ الاربعين للامام بطال بروايته لَهَا عَن التهاملي مقدم الذّكر عَن بطال مصنفها وَكَانَ أوحد أهل الْبَلَد بِالدّينِ الْعلم ثمَّ لما اشْتَدَّ بِهِ الْمَرَض الَّذِي بِهِ توفّي دخل عَلَيْهِ جمَاعَة من الْفُقَهَاء يزورونه فدعوا لَهُ فَجعل يوصيهم بتقوى الله تَعَالَى وَكلما ذكر لَهُ الْبَقَاء اودعى لَهُ اعْرِض فَقَالُوا لَهُ يَا فَقِيه نَحن نجدك بِخَير وكلامك كَلَام من قد تحقق الْمَوْت فَهَل ترى ناتيك بشراب تشربه لَعَلَّ تَجِد بِهِ فرجا قَالَ لَا حَاجَة لي بِهِ فَقَالُوا اُخْبُرْنَا مَا مَعَك قَالَ رَأَيْت البارحة ان سقف بَيْتِي هَذَا كشف حَتَّى رَأَيْت السَّمَاء ونوديت مِنْهَا اقدم يَا فَقِيه من بَاب الترحيب ونوديت باسمي وَاسم ابي اقدم مرْحَبًا بك فَعلمت ان أَجلي قد دنا وَكَانَت وَفَاته على تدريس النجمية يَوْم الاربعاء لاحدى عشر لَيْلَة خلت من شعْبَان سنة خمس وَتِسْعين وسِتمِائَة

    وَمِنْهُم ابو الْحسن عَليّ بن احْمَد بن العسيل بن عَليّ الجبرتي مولده لاربع عشر لَيْلَة بقيت من رَمَضَان سنة سِتّ واربعين وسِتمِائَة قدم الى جبلة طَالبا للْعلم ثمَّ تقدم الى رِبَاط المقداحة على حَيَاة الشَّيْخ عَليّ بن عبد الله فَجعله

    اماما

    لَهُ وللجماعة حكى انه رأه يَوْمًا فِي يَده خَاتم فضَّة فابعدها مِنْهُ ثمَّ عَاد جبلة فاقبل على قِرَاءَة الْفِقْه وَلما كَانَ فِي بعض الاعياد الَّتِي يتحارب بهَا اهل جبلة مَعَ أهل الْبَادِيَة دخل الْفَقِيه سُفْيَان الْجَامِع فَلم يجد بِهِ أحدا غير هَذَا الْفَقِيه مكبا على مطالعة الْبَيَان فاعجبه ذَلِك فعزم على الْقعُود مَعَه ثمَّ ازوجه بابنته واهله جمَاعَة يعْرفُونَ ببني عسيل وهم من فُقَهَاء قَائِمَة بني حُبَيْش وخطبائها وَفِيهِمْ اخيار وَمن شُيُوخه الَّذين تفقه بهم ابو بكر بن العراف وعباس البريهي وصهره سُفْيَان وَلما توفّي اسْتَخْلَفَهُ على مَسْجده فَلم يزل بِهِ وارتحل الى مصنعة سير وتفقه بهَا وَلما تولى بنومحمد بن عمر الْقَضَاء والوزارة صحبهم ثمَّ لما كَانَ سنة أَربع وَسَبْعمائة عزم على الْحَج بكافة أَهله زَوجته ابْنة سفين وولدين لَهُ وَله ابْنة فَلَمَّا صَارُوا كلهم الى تعز فازوج الْفَقِيه ابا بكر بهَا وسافر بِزَوْجَتِهِ وابنيه وَكَانَا قد تفقها وَلما وصلوا جازان توفت الزَّوْجَة منتصف شعْبَان ثمَّ لما صَارُوا بِمَكَّة وَذَلِكَ لعشرين من رَمَضَان توفّي وَلَده الاصغر احْمَد وَكَانَ جيدا تقيا شرِيف النَّفس عالي الهمة قد تفقه بعض الْفِقْه ثمَّ حج الْفَقِيه وَابْنه الاخر وَعَاد الْيمن فَتوفي الْفَقِيه بجدة سلخ الْحجَّة من سنة ارْبَعْ وَسَبْعمائة فَعَاد وَلَده الْيمن فَبَعثه الْفَقِيه واجله وَصَارَ لَهُ بذلك عِنْد النَّاس محلا ثمَّ كَذَلِك ايام وَلَده جمال الدّين

    وَمِنْهُم عمر بن عبد الله عرف بَابي عقبَة ينْسب الى بني عقبَة الْقُضَاة الَّذين ذكرهم ابْن سَمُرَة فِي قُضَاة جبلة كَانَ يعرف بِالْقَاضِي استصحابا لبَقَاء الِاسْم على عَادَة النَّاس يسمون القَاضِي باهله وَكَذَلِكَ الْفَقِيه وان كَانُوا عَامَّة وَكَانَ تفقهه بِعَبْد

    الرَّحْمَن بن سعيد العقيبي وَغَيره من فُقَهَاء جبلة ودرس بمدرسة الجبابي انشأها فَخر الدّين الْمُقدم ذكره توفّي على ذَلِك تَارِيخ سلخ صفر سنة سبع وَتِسْعين وسِتمِائَة

    وَمِنْهُم ابراهيم بن الْفَقِيه يحي بن سَالم مقدم الذّكر كَانَ فَقِيها جيدا يغلب عَلَيْهِ الْعِبَادَة ودرس بعد ابْن اخيه الْفَقِيه مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بالعومانية وَتُوفِّي بعد ذَلِك على التدريس وَهُوَ اخو اولاد الْفَقِيه يحي وَكَانَت وَفَاته يَوْم السبت رَابِع شَوَّال سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَسَبْعمائة

    وَمِنْهُم عبد النَّبِي بن مَنْصُور بن عرم بن اِسْعَدْ اصله من الصّفة عزلة من جبل عنة الْمُقدم الذّكر درس بِذِي جبلة وَكَانَ عالي الهمة سخي النَّفس إِلَى أَن توفّي برمضان لبضع وَسَبْعمائة ثمَّ صَار الْفِقْه الى طبقَة اخرى الى جمَاعَة اقدمهم نسبا واشرفهم ذكرا ابو عبد الله مُحَمَّد بن غَانِم مولده سنة سبع وَخمسين وسِتمِائَة تفقه بعباس وَابْن العراف وَغَيرهمَا وَهُوَ من أخيار الْفُقَهَاء وصلحائهم سليم الصَّدْر متواضعا انزله بَنو مُحَمَّد بن عمر الى تعز فجعلوه مدرسا بالمظفرية فَلبث على ذَلِك مُدَّة حَتَّى صَار الْقَضَاء الى ابْن الأديب فاعاده إِلَى جبلة الى الْمدرسَة الَّتِي كَانَ بهَا قبل نُزُوله تعز وَهِي الْمدرسَة النجمية وأضاف اليه مَعَ ذَلِك الْقَضَاء كل ذَلِك ترغيبا لَهُ فِي الزّهْد بِسَبَب المظفرية اذ اراد جعلهَا لِابْنِ العراف فَلبث مُدَّة على الْقَضَاء والتدريس ثمَّ عَزله عَن الْقَضَاء وابقاه على التدريس وَهُوَ عَلَيْهِ الى الْآن واليه فِي عصرنا يَنْتَهِي فُقَهَاء النَّاحِيَة وَله نظافة فقه وَبسط خلق وَهُوَ على ذَلِك الى عصرنا سنة سِتّ وَعشْرين وَسَبْعمائة ثمَّ يتلوه ابو بكر بن الْفَقِيه مُحَمَّد بن يحي بن أبي الرَّجَاء الَّاتِي ذكره مولده سنة سبع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة تفقه

    بابيه وَهُوَ الْمشَار اليه بجودة الْفَتْوَى فِي هَذَا الْعَصْر بِالْمَدِينَةِ ونواحيها يذكر بِمَعْرِِفَة الْفِقْه والفرائض وجودة التدريس وَالدّين وَالصَّلَاح

    وَمِنْهُم ابو عبد الله مُحَمَّد بن الْفَقِيه عَليّ بن العسيل مقدم الذّكر مولده لست بَقينَ من جمادي الاولى سنة سبع وَسبعين وسِتمِائَة تفقه بابيه غَالِبا وَقد ذكرت حجه مَعَ ابيه وامه واخيه ونال حظة بعد عوده من الْحَج ببركة الْفَقِيه ابي بكر بن مُحَمَّد اخي الوزراء والقضاة وبولده مُحَمَّد حِين صَار اليه الْقَضَاء الاكبر وَقد ذكرت فِي ذَلِك حِين ذكرت اباه وَلما امتحن بِمَا امتحن حصل عَلَيْهِ بعض تزلزل ورتب ابْن الاديب ولد الْفَقِيه سُفْيَان كَرَاهَة لهَذَا من حَيْثُ قربه وصهارته لمن قبله فَلم يكد يتم لَهُ نجاح بل اسْتمرّ هَذَا كَمَا اسْتمرّ اولا وَهُوَ الْآن مُسْتَقر على تدريس مَسْجِد السّنة كَمَا كَانَ ابوه وجده وَذَلِكَ سنة ثَلَاث وَعشْرين وسبعماية وَقدم الْيمن من قومه رجل اسْمه يُوسُف ذكرُوا انه كَانَ خطيب الْقَائِمَة وَكَانَ عَلَيْهِ سيماء الْخَيْر فَتوفي عَائِدًا من تعز إِلَى جبلة بقرية الذنبتين فِي رَجَب سنة سبع عشرَة وَسَبْعمائة وقبر الى جنب قبر شَيخنَا ابي الْحسن الاصبحي فانا كلما زرت تربته زرت هَذَا الْفَقِيه لأنس كَانَ حصل بَيْننَا وَله ابْن عَم اسْمه احْمَد رتبه بَنو مُحَمَّد بن عمر مَكَان ابْن غَانِم بالنجمية فَلَمَّا عَاد ابْن غَانِم اليها انْعَزل وَكَانَ ذَلِك اُحْدُ الاغراض الْمَقْصُودَة لقَاضِي الْقُضَاة بِرُجُوع ابْن غَانِم الى جبلة

    وَمِنْهُم حُسَيْن بن عَليّ بن ابي بكر بن الْوَلِيد عرف بِابْن ابي الدهش العريقي بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وخفض الرَّاء وَسُكُون الْيَاء الْمُثَنَّاة من تَحت ثمَّ قَاف ثمَّ يَاء النّسَب نِسْبَة الى الاعروق الْعَرَب الْمَشْهُورين بِبَلَد الشذف عَنهُ اخذت مُقَدّمَة ابْن باشاد بشرحها وَكَانَ تفقهه بِمُحَمد بن سَالم وَغَيره من اهل جبلة وَهُوَ الْآن الْمدرس بالراتبة

    وَمِنْهُم عمر بن الْفَقِيه ابي بكر التباعي الَّاتِي ذكرهمَا فِي أهل ناحيتهما وَأما

    هَذَا عمر فَبَدَأَ بالتفقه على فُقَهَاء بَلَده المخادر ثمَّ ارتحل الى زبيد فتفقه باحمد بن سُلَيْمَان وَغَيره ودرس مُحَمَّد بن ميكائل بمدرسته الَّتِي انشأها بِمَدِينَة زبيد وَهُوَ فَقِيه فَاضل بالفقه والاصول وَله شرف نفس وعلو همة

    وَقد انْقَضى ذكر فُقَهَاء المدينتين لم يبْق الا نواحيهما

    فابدأ مِنْهَا بالناحية الَّتِي اشْتهر فقهاؤها وَكثر صلحائها وهما نَاحيَة السحول والمشيرق وَقد ذكر ابْن سَمُرَة مِنْهُمَا جمَاعَة وَقد ذكرتهم كَذَلِك مَعَ مَا يثبت لي من زِيَادَة وَلم يبْق إِلَّا من تاخر عَن زَمَانه فابدأ حِينَئِذٍ بفقهاء السحول واعظم قراه قَرْيَة المخادر وَقد مضى ذكرهَا وَتَأَخر عَن زمن ابْن سَمُرَة جمَاعَة مِنْهُم أَبُو الْحسن عَليّ بن ابي بكر التباعي كَانَ فَقِيها صَالحا صَاحب كرامات عابدا متورعامتزهدا تفقه بِابْن سحارة وبابن عَمه عَمْرو بن حمير مقدم الذّكر وَكَانَ هَذَا الْفَقِيه كَبِير الْقدر غلبت عَلَيْهِ الْعِبَادَة واتيانه النَّاس من الْبعيد للزيارة والتبرك حكى الثِّقَة ان الْفَقِيه سُفْيَان الابيني قدم عَلَيْهِ المخادر فحين سمع النَّاس بِهِ خَرجُوا للقائه الا الْفَقِيه فَقيل لَهُ الا تخرج للقائه فَقَالَ بَلغنِي انه يرقص مَعَ الصُّوفِيَّة وَلست أرى ذَلِك فَلَمَّا التقاه النَّاس سَأَلَهُمْ عَن الْفَقِيه اذ كَانَ لَا يعرفهُ فاخبرانه لم يخرج فَسئلَ عَن سبّ ذَلِك فَقيل بلغه انك مولع بالرقص وَكَانَ النَّاس بهم حَاجَة قَوِيَّة الى الْمَطَر مضطرين اليه فَقَالَ الْفَقِيه سُفْيَان بعد ان لزم راس دَابَّته اذْهَبُوا الى الْفَقِيه وخيروه بَين أَن يَلْقَانَا وعلينا حُصُول الْمَطَر اَوْ يقف ببيته وَنحن نصله وَعَلِيهِ حُصُول الْمَطَر فحين وصل الرَّسُول الى الْفَقِيه بَكَى وَخرج مسرعا فَلَمَّا تلاقيا تسالما واعتنقا بَعضهم بَعْضًا وبكيا وَلم يَسِيرا غير قَلِيل اذ بالغيث قد صب عَلَيْهِم كأفواه الْقرب وَلم يدْخل الاكثر من النَّاس الا مبتلا وَقد قدمت المخادر سنة ثَلَاثَة عشرَة وَسَبْعمائة لازور اخيارها وابحث عَن مناقبهم فاخبرني رجل مُؤذن من اهلها انه كَانَ يقْرَأ كل لَيْلَة شيئامن الْقُرْآن يهدي ثَوَابه لوالدته ثمَّ قدر عَلَيْهِ ان ترك ذَلِك مُدَّة فَرَأى والدته تعاتبه على ذَلِك وَتقول بِابْني سَأَلتك بِاللَّه لاقطعت الْقُرْآن وَالدُّعَاء كَمَا كنت تفعل فِيمَا مضى ثمَّ اشارت الى رجل وَاقِف بِالْقربِ مِنْهَا وَقَالَت يَا وَلَدي هَذَا الْفَقِيه على بن ابي بكر حمالتنا عَلَيْك لَا قطعتنا مَا كنت تهديه

    لنا واذ بِهِ يَقُول نعم ان والدتك يتحملان عَلَيْك فاقبل الْحمالَة واعمل مَعهَا بِحَسب مَا سالتك فَقلت سمعا وَطَاعَة لَك يَا سيدنَا وَلها ثمَّ استيقظت فَلم اقْطَعْ ذَلِك حَتَّى قدر الله عَليّ ذَات مرّة وجعا بصدري اتعبني فالهمت زِيَارَة الْفَقِيه والتوسل الى الله عِنْدهَا بسؤال الْعَافِيَة فَنمت عقب ذَلِك واذ بِي ارى الْفَقِيه فَسَأَلته ان يسمح عَليّ وأخبرته أَن غرضي زيارته فَقَالَ صل مرْحَبًا بك فَلَمَّا قُمْت من نومي وَأصْبح الصَّباح عدوت الى تربة الْفَقِيه فَوجدت فِي شَجَرَة من شجر الرُّمَّان الَّذِي عِنْده حَبَّة رمان وَلم يكن ذَلِك زَمَنه فاخذتها ورحت بهَا الْبَيْت وَمن الْعَادة ان حمل ذَلِك الشَّجَرَة يكون حامضا فَلَمَّا فتشت الْحبَّة وَجدتهَا حلوة فَأَكَلتهَا وَكَانَت سَبَب شفائي ثمَّ زرت قَبره غير مرّة فَإِذا قُمْت بالمخادر اياما اتردد فِي الْيَوْم ثَلَاث ارْبَعْ مَرَّات وقبره بمقبرة المخادر وتعرف بالمسدارة بخفض الْمِيم بعد الف وَلَام وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة وَفتح الدَّال الْمُهْملَة ثمَّ الف ثمَّ رَاء مَفْتُوحَة ثمَّ هَاء وَهِي من الْمَقَابِر الْمَشْهُورَة بِالْبركَةِ إِذْ رأى بعض الصَّالِحين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فِي طرفها يزور وَجَمَاعَة يسألونه الشَّفَاعَة فَقَالَ هَذِه خَاتمِي زِمَام على أهل المسدارة من النَّار وَلما كَانَ ذَلِك مستفيضا لم يكد اُحْدُ من اهل الْقرْيَة ونواحيها يحب ان يقبر الا فِيهَا تعلقا بِهَذَا الاثر

    وَمِنْهُم ابو يُوسُف بن يَعْقُوب بن يُوسُف بن شحارة السهلي ثمَّ الْحَضْرَمِيّ تفقه بِعَمْرو بن حمير الْمَذْكُور فِيمَن ذكر ابْن سَمُرَة وَبِمُحَمَّدٍ بن احْمَد الجماعي الْمَذْكُور فِي اهل ذِي السفال وَكَانَ فَقِيها محققا مدققا عَالما عَاملا اخذ عَنهُ ابراهيم بن عجيل وَلما قرا ابْن أَخِيه الامام احْمَد بن مُوسَى وجدت بخطة فِي إِجَازَته بقول كَانَ هَذَا يَعْقُوب فَقِيها اجلا سيدا زاهدا عابدا ثمَّ قَالَ وَسَهل بطن من كنده يَعْنِي يَقُول الْقَائِل السهلي قلت وَسمعت قدماء المخادر ينقلون عَن سلفهم أَنه كَانَ صادعا بِالْحَقِّ قَائِلا بِهِ من ذَلِك مَا ذكر ان بعض الْيَهُود تجور بِبَعْض مَشَايِخ بني

    نَاجِي واراد ان يسكن قَرْيَة المخادر وَلم يكن اُحْدُ مِنْهُم يعْتَاد ذَلِك فحين بلغ الْفَقِيه ذَلِك شقّ عَلَيْهِ وَلما كَانَ يَوْم الْجُمُعَة والمشايخ مجتمعون فِي هَذَا الْجَامِع قَامَ هَذَا الْفَقِيه وَقَالَ بَلغنِي يَا مَشَايِخ انكم تُرِيدُونَ تسكنون الْيَهُود بالقرية فَقَالَ لَهُ المريد لذَلِك نسكن فِيهَا من شِئْنَا فَقَالَ الْفَقِيه لَا حَاجَة لي بِبَلَد يسكن فِيهَا المغضوب عَلَيْهِم فَأَنَّهَا تكره مجاورتهم ثمَّ عزم على الْخُرُوج من الْجَامِع فحين قرب من بَابه سقط قنديل من قناديله على قرب من الشَّيْخ وانكسر وَدخل اهل الْجَامِع وَحْشَة فتناظر الْمَشَايِخ ثمَّ ابتدروا الْفَقِيه وسألوه الصفح عَن الْمُتَكَلّم والتزموا لَهُ ان لَا يتْركُوا احدا من الْيَهُود يسكن الْقرْيَة فَعَاد الْفَقِيه حِينَئِذٍ الى مَوْضِعه من الْجَامِع وَصلى النَّاس الْجُمُعَة وَلم يزل مُقيما حَتَّى توفّي بهَا

    بعد أَن تفقه بِهِ جمع كَبِير كَعبد الله بن نَاجِي وَعلي بن ابي بكر التاعيين وَمُحَمّد بن عمر الجبرتي مقدم الذّكر فِي اهل جبلة وابراهيم بن عجيل وابو بكر الصُّوفِي وقبره بالمسدارة الْمقْبرَة المذكرة ألاو وَله عقب بقرية تَحت نقِيل صيد تعرف بالصفى

    وَمِنْهُم عبد الله بن عَليّ بن نَاجِي بن عبد الحميد التباعي مَسْكَنه قَرْيَة بِالْقربِ من المخادر تعرف بالقريعا بِضَم الْقَاف بعد الف وَلَام وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْيَاء الْمُثَنَّاة من تَحت وَفتح الْعين الْمُهْملَة ثمَّ الف تفقه بِابْن سحارة وَرَأَيْت بِخَط الامام ابْن عجيل ضبط سحاره بِالسِّين الْمُهْملَة وَأما أهل الْبَلَد فَيَقُولُونَ هُوَ بِالْمُعْجَمَةِ لم أسمع أحدا مِنْهُم يذكر خلاف ذَلِك

    وَعنهُ اخذ جمَاعَة وَلم اتحقق لَهُ تَارِيخا وَكَانَ لَهُ ابْن اسْمه مُحَمَّد كَانَ فَقِيها فَاضلا توفّي بشوال سنة ارْبَعْ وَسِتِّينَ وسِتمِائَة ثمَّ صَار الْفِقْه إِلَى طبقَة أُخْرَى

    مِنْهُم مُحَمَّد بن احْمَد بن الْفَقِيه عَليّ بن ابي بكر التباعي مقدم الذّكر كَانَ فَقِيها فَاضلا تزوج بابنة الْفَقِيه عمر العقيبي وَسكن مَعهَا الى ان توفّي بذى عقيب وَدفن الى جنب قبر الْفَقِيه وَلم اتحقق تَارِيخه

    وَمِنْهُم ابو بكر بن احْمَد كَانَ فَقِيها دينا مستظهرا للتّنْبِيه تفقه باحمد ابْن جديل بسهفنة وَكَانَ خيرا قَائِلا بِالْحَقِّ ناهيا عَن الْمُنكر نظيف الْفِقْه مَذْكُورا بِالدّينِ توفّي على ذَلِك نَهَار الِاثْنَيْنِ لاربع عشرَة لَيْلَة بقيت من الْحجَّة سنة اثْنَتَيْنِ وسعبين وسِتمِائَة وقبرعلى قرب من حَده عَليّ بن ابي بكر وَشَيْخه ابْن سحارة وزرت قُبُور الْجَمِيع وَلما قدمت المخادر بالتاريخ الْمَذْكُور لم اِدَّرَكَ من الْمشَار اليهم بالفقه غير رجل يُقَال لَهُ أَحْمد بن سَالم وَله أَوْلَاد جمَاعَة يذكرُونَ أَيْضا بالفقه وَالْخَيْر فَهُوَ أَبُو الْحسن احْمَد بن سَالم بن عمرَان بن احْمَد بن عبد الله بن جبران بِضَم الْجِيم وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء ثمَّ ألف ثمَّ نون المنبهي نِسْبَة الى مُنَبّه بن خولان وأصل بلدهم وصاب

    وَمِنْهُم بَقِيَّة هُنَالك يعْرفُونَ ببني مكثر بِضَم الْمِيم وَفتح الْكَاف وخفض الثَّاء الْمُثَلَّثَة مَعَ التَّشْدِيد ثمَّ رَاء وهم فُقَهَاء بِبَلَد حصن نعْمَان يَأْتِي ذكر من تحققته مِنْهُم من أهل بَلَده ميلاده سنة خمس وَخمسين وسِتمِائَة هُوَ الَّذِي أَخْبرنِي بغالب أَخْبَار مرغم الصُّوفِي عَن أَبِيه إِذْ كَانَ لَهُ صُحْبَة وَهُوَ صَاحب دين وَعبادَة وَفِيه خير وَأنس للواصل من أَبنَاء الْجِنْس وَله خَمْسَة أَوْلَاد تفقه

    مِنْهُم أَبُو عبد الله مُحَمَّد مولده سنة سبع وَسبعين وسِتمِائَة أمه من التباعيين من ذُرِّيَّة الْفَقِيه عَليّ بن أبي بكر وَهُوَ الان مفتي الْبَلَد ومدرسها تفقه بِصَالح بن عمر السفالي وَفِيه دين وَفقه

    وَمِنْهُم أَبُو بكر مولده ثامن الْقعدَة سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة تفقه بِصَالح بن عمر ايضا وارتحل إِلَى جباء فتفقه بعثمان الْمَذْكُور أَولا مَحْفُوظَة من كتب الْفِقْه التَّنْبِيه والمنهاج للنووي ثمَّ حسن مولده مستهل شعْبَان سنة سبع وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة تفقه بِصَالح بن عمر وَعُثْمَان ايضا كأخيه نقل التَّنْبِيه والمنهاج وشيئا من الْمُهَذّب وَهُوَ الان مدرس بشنين الْموضع الَّاتِي ضَبطه ثمَّ ابراهيم مولده سنة ثَلَاث وَتِسْعين وسِتمِائَة وتفقه فِي بدايته وَمَات على الطّلب سنة ارْبَعْ عشرَة وَسَبْعمائة ثمَّ عمر مولده مستهل رَمَضَان سنة سِتّ وَتِسْعين وسِتمِائَة تفقه فِي بدايته بَاهل الْجبَال ثمَّ نزل تهَامَة وَهُوَ الى الان مشتغل بِالْقِرَاءَةِ على فَقِيه زبيد ابي عبد الله مُحَمَّد الْحَضْرَمِيّ وَلم اجد احدا من فُقَهَاء عصرنا مِمَّن لَهُ ذُرِّيَّة اهل فقه وَدين كَهَذا احْمَد وَمن الواردين الى النَّاحِيَة ابو الْحسن عَليّ بن الْحُسَيْن الاصابي بَلَدا القعيطي نسبا نِسْبَة الى قوم يسكنون وَادي يعرف بضيعة من بلد وصاب فِي أَعمال حصن السانة مولده سنة سبع وَسبعين وَخَمْسمِائة تفقهه بِمُحَمد بن جديل من أهل سهفنة وبيحي بن فضل وَغَيرهمَا وَكَانَ فَقِيها اصوليا نحويا لغويا كَامِل الْفضل بالتفسير والْحَدِيث وَلما ابتنى المظفر مدرسة بمغربة تعز أَمر القَاضِي الْبَهَاء الْمَذْكُور اولا بَان يرتب بهَا مدرسا يكون أعلم فُقَهَاء الْعَصْر فَطلب هَذَا الْفَقِيه ورتبه فَهُوَ أقل اول مدرس رتب فِيهَا ثمَّ لم يقف بهَا غير أشهر قَلَائِل وتوجع فَعَاد السحول وَهُوَ الَّذِي سنّ الْأَذَان لمن سد اللَّحْد على الْمَيِّت وَفِيه إِلَى عصرنا اعْتَمدهُ جمع كثير من

    النَّاس يَفْعَلُونَهُ بالمخلاف خَاصَّة وَفِي غَيرهَا وَلما فعل مرّة بِحَضْرَة شَيخنَا ابي الْحسن الأصبحي سَأَلته عَن مَعْنَاهُ فَقَالَ هُوَ مَنْقُول عَن الْفَقِيه عَليّ بن الْحُسَيْن وَكَانَ فَقِيها عَالما وَلَعَلَّه أَخذه من الاذان فِي اذن الْمَوْلُود وَيَقُول ذَلِك اول خُرُوجه الى الدنياوهذا اخر خُرُوجه الى الاخرة وَله وَجه اخر واخبرني الثِّقَة انه طالع كتاب احياء عُلُوم الدّين فَرغب الى الْعُزْلَة وَالْعِبَادَة فارتحل الى قفر حاشد بعد أَن قضى دُيُونه وَصَالح غُرَمَائه فَلَمَّا وصل القفر وَهُوَ مَوضِع لَا يسكنهُ إِلَّا الْوَحْش كالاسود وَغَيرهَا ويسكنه البدو على حذر من الاسود فَكَانَ يخبر انه لما قصد القفر عَازِمًا على دُخُوله لم يهب ذَلِك وَلَا دخله فزع فَلم يزل يسير بِهِ حَتَّى وصل الى شَجَرَة تحتهَا عين مَاء تجْرِي قَالَ فاقمت تحتهَا اربعين يَوْمًا والاسود تمر بِي حَتَّى كاني لَا اهابها وَهِي عِنْدِي كالغنم وانا اقتات الشّجر واصلي مَا اسْتَطَعْت ثمَّ سَمِعت صَوت جمَاعَة يقرؤون الْقُرْآن واخرين يسبحون بانغام طيبَة وَكَانَت قواي قد سَقَطت لعدم الطَّعَام فحين سَمِعت الْأَصْوَات انتعشت قواي وَقَامَ لي ذَلِك مقَام الطَّعَام فَجعلت اسير وَاتبع الاصوات فَلم الق احدا فَقلت فِي نَفسِي لوكان بِي خير للقيت الْقَوْم وَلم يحتجبوا عَليّ فَلَمَّا خطر ببالي سَمِعت قَائِلا يَقُول يَا فَقِيه عَليّ ان الله لم يستعملك لهَذَا عد الى بَيْتك وانتشر الْعلم فَهُوَ افضل لَك من الْعِبَادَة الَّتِي اقبلت عَلَيْهَا فَقلت لَهُ سَأَلتك بِاللَّه الَّذِي اعطاك مَا اعطاك هَل انت انسي ام جني فَقَالَ بل انسي فَقلت اظهر لي شخصك فَظهر لي بِصُورَة حَسَنَة عَلَيْهِ مدرعة وقلنسوة الْجَمِيع من صوف فَسلم ورددت عَلَيْهِ ثمَّ عَاد على مَا كَانَ كلمني بِهِ غيبا مُشَاهدَة فَقلت فِي نَفسِي لَعَلَّ هَذَا شَيْطَان فَقَالَ وَالله مَا أَنا

    بِشَيْطَان وَلَقَد نَصَحْتُك فَإِن شيئت اقم وان شِئْت رح بعد استخارة الله تَعَالَى ثمَّ غَابَ عَن نَظَرِي فَصليت صَلَاة الإستخارة فَلم اكد افرغها حَتَّى عرض بخاطري ذكر ابْنة لي صَغِيرَة كنت لهامحبا فَلم اطق الْوُقُوف بعد ذَلِك بل عزمت على الْعود وانا مَعَ ذَلِك سَائِر حَتَّى اتيت الْبَيْت قَالَ الْمخبر عَنهُ وَهُوَ الْفَقِيه طَاهِر الَّاتِي ذكره فَلَمَّا قرب من الْمنزل رَآهُ من عرفه فبادر الى اهل الْمنزل يبشرهم فَكَسَاهُ بعض فقهائه ثوبا بِشَارَة لَهُ ثمَّ خرج النَّاس من الْقرْيَة مبادرين مستبشرين بقدومه فوجدوه يتلألأ نورا بِحَيْثُ يعجز ناظره عَن تَأمله وَلما صَار بِالْبَلَدِ اقبل على الْعلم بجد واجتهاد فَقَالَ الْفَقِيه احْمَد بن سَالم مقدم الذّكر اخبرني الثِّقَة عَن هَذَا الْفَقِيه عَليّ انه قَالَ حججْت سنة فبلغني ان الشَّيْخ ابو الْغَيْث قد يتَكَلَّم بتفسير القرأن على الْمُشكل مَعَه فانتخبت من وسيط الواحدي عشر مسَائِل واستبنت حقائقها وَلما صرت عَائِدًا من الْحَج مَرَرْت بِبَيْت عطا فَدخلت على الشَّيْخ فَوجدت النَّاس يتغدون وَالشَّيْخ قَاعد على سَرِير بِطرف الرِّبَاط فامرني النَّقِيب بالقعود والغدا فَفعلت ثمَّ لما فرغ النَّاس وَتَفَرَّقُوا قلت فِي نَفسِي اريد ان اسْأَل الشَّيْخ ففتشت اول مَسْأَلَة فَلم اجد ثمَّ الثَّانِيَة ثمَّ الثَّالِثَة حَتَّى اتيت على الْعشْر فكاني لم أحط بِشَيْء مِنْهَا علما وَالشَّيْخ مطرق فحين لم اجد رفع رَأسه الى فَقَالَ ليتأدب بعض النَّاس فغلب على ظَنِّي انه عناني فَقُمْت اليه وَقبلت كَفه واستأذنت على السّفر وسافرت الْبِلَاد وتفقه بِهِ جمَاعَة كَثِيرُونَ مِنْهُم عمر الشبوي وابوبكر بن غَازِي وغيرهماوله مصنفات فِي الاصول مِنْهَا كتاب ضمنه الرَّد على الزيدية وَكتاب ضمنه على من يكفر تَارِك الصَّلَاة قرأته على مُحَمَّد بن ابي الرجا اذ يرويهِ عَنهُ وَكَانَ مَسْكَنه من نواحي المخادر يُقَال لهاا المعيرير

    بِضَم الْمِيم بعد الف وَلَام وَفتح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء الْمُثَنَّاة من تَحت وخفض الرَّاء وَسُكُون الْيَاء الْمُثَنَّاة من تَحت أَيْضا ثمَّ رَاء بهَا توفّي وَحمل على اعناق الرِّجَال الى قَرْيَة المحفد وَدفن قبلي مدرسته

    بهَا وقبره مَشْهُور يزار ويجد الزائر مِنْهُ رَائِحَة الْمسك خُصُوصا لَيْلَة الْجُمُعَة سنة سبع وَخمسين وسِتمِائَة أَخْبرنِي مُحَمَّد بن يحي بن ابي الرجا وَكَانَ مِمَّن ترَتّب من جملَة درسته يَوْم رتب بالمظفرية انه بلغ عمره ثَمَانِينَ سنة

    وَمن معشار عساب على وزن فعال بِالْفَتْح ثمَّ من قَرْيَة العميق بمعشار حصن أنور على وزن أفعل والقرية على فعيل كَانَ بهَا جمَاعَة ذكر لي مِنْهُم أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله بن عَامر المغلسي الْهَمدَانِي تفقه بعلي بن حسن مقدم الذّكر وَهُوَ الَّذِي اعطا المبشر ثَوْبه حِين وصل مُبشر بالفقيه عَليّ كَمَا قدمنَا وتفقه بِعَبْد الله بن نَاجِي مقدمي الذّكر وَكَانَ فَقِيها صَالحا صحب عمر بن سعيد العقيبي وَلم اتحقق لَهُ تَارِيخا

    وَمِنْهُم أَبُو الطّيب طَاهِر بن عبيد بن مَنْصُور بن احْمَد المغلسي كَانَ فَقِيها اصوليا نحويا لغويا حديثيا نظيف الْفِقْه استدعاه بَنو مُحَمَّد بن عمر الوزراء صدر الدولة المؤيدية من بَلَده الى تعز وسئلوه ان يتَقَدَّم عدن يقف قَاضِيا فِيهَا فكره وبعثوا لَهُ بِشَيْء من الدُّنْيَا فَرده وَلم يقبل لَاحَدَّ شَيْئا وَذَلِكَ عَادَته فِي كل سفر وَحضر وَركبهُ فِي بعض الاوقات دين فدرس لضَرُورَة ذَلِك بمدرسة فِي مَوضِع يُقَال لَهُ شنين بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وخفض النُّون وَسُكُون الْيَاء الْمُثَنَّاة من تَحت ثمَّ نون أَيْضا فَلبث بهَا اشهرا يقتات من ارضه وَمَا يحصل لَهُ من الْمدرسَة قضى دينه حَتَّى انْقَضى وَعَاد بَيته

    وَهَذِه الْمدرسَة لرجل اسْمه عمر بن مَنْصُور بن حسن بن زِيَاد الحبيشي بَلَدا والقسيمي نسبا الى رجل اسْمه قسيم بِضَم الْقَاف وَفتح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون

    الْيَاء الْمُثَنَّاة من تَحت ثمَّ مِيم كَانَ خيرا من اعيان النَّاس وَكَانَ كثير الاطعام لَا سِيمَا للفقرا وَقد درس بِهَذِهِ الْمدرسَة جمَاعَة من اخيار الْفُقَهَاء كابي بكر بن مبارز الشاورى من حقلة بعد أَن وَعمر بن مُحَمَّد الحبيشي وَغَيرهمَا

    نرْجِع الى تَتِمَّة ذكر القيه طَاهِر وَذَلِكَ انني اجْتمعت بِهِ مرَارًا فَوجدت رجلا كَامِلا فِي الْعلم وَالصَّلَاح وسلامة الصَّدْر انْتفع بِهِ جمَاعَة من اهل بَلَده وَغَيرهم مِنْهُم ابْن اخيه عبيد الَّاتِي ذكره عِنْد تَارِيخه وَمِنْهُم ابْن اخيه عبيد بن احْمَد وتفقه بِعَمِّهِ وَلما صَار الْقَضَاء إِلَى الْفَقِيه أبي بكر جعله حَاكما بجبلة فَلم يزل عَلَيْهِ حَتَّى صَار الْقَضَاء إِلَى ابْن الأديب فَعَزله على طَرِيق الْعَادة الردية

    وَمن قَرْيَة رفود بِفَتْح الرَّاء وَضم الْفَاء وَسُكُون الْوَاو ثمَّ دَال مُهْملَة كَانَ فِيهَا جمَاعَة لم اتحقق مِنْهُم غير ابي السُّعُود بن مُحَمَّد كَانَ فَقِيها فَاضلا مَوْجُودا فِي آخر الْمِائَة السَّادِسَة وجدت فِي كتاب من كتبه مُعَلّقا بِخَطِّهِ مَا مِثَاله اخبرني عمر بن اِسْعَدْ البرعي عِنْد عبد الله الوصابي عَن شيخ فَاضل من الْحَبَشَة انه نَام لَيْلَة على وضوء وَذَلِكَ فِي زبيد ايام ملك الْحَبَشَة لَهَا فَرَأى تِسْعَة رجال ركبانا على دَوَاب فَسَلمُوا عَلَيْهِ فَرد عَلَيْهِم فَسَأَلَهُمْ ايْنَ تذهبون فَقَالُوا نُرِيد مَكَّة نشكو فعل هَؤُلَاءِ الْحَبَشَة ومنكرهم مَعنا قَالَ قلت وَأَنا مَعكُمْ ثمَّ ركبت دَابَّتي وسرت مَعَهم حَتَّى اتينا مَكَّة ودخلنا الْحرم فَوَجَدنَا رجلا عَلَيْهِ كسَاء ابيض مُسْتَندا على الرُّكْن الاسحم فسلمنا عَلَيْهِ وسئلنا عَن مرادنا فشكوا اليه الْحَبَشَة وَقَالُوا قد أظهرُوا الْمُنكر فِي الْيمن فَقَالَ روحوا قد سلط الله عَلَيْهِم رجلا من الْيمن يُقَال لَهُ ابْن مهْدي يقتلهُمْ وينتقم مِنْهُم فَظهر ابْن مهْدي وَفعل افاعيله قَالَ فَبَيْنَمَا انا كَذَلِك اذ رايت الْقَوْم باعيانهم قد اقْبَلُوا على دوابهم كأول مرّة فسألتهم ايْنَ تذهبون فَقَالُوا ايضا نُرِيد مَكَّة فَقلت وَأَنا مَعكُمْ ثمَّ ركبت مَعَهم وَقدمنَا

    مَكَّة فَوَجَدنَا الرجل على حَاله فشكوا اليه ابْن مهْدي وَمَا اظهر بِالْيمن فَقَالَ اذْهَبُوا فقد سلط الله عَلَيْهِ اهل الذوائب فَرَأَيْت قوما صباح الْوُجُوه وَلَهُم ذوائب مظفورة ملقاة على ظُهُورهمْ ثمَّ رَأَيْت اولئك الْقَوْم باعيانهم على مثل حالتهم الأولتين فسألتهم أَيْن تذهبون فَقَالُوا مَكَّة نشكو فعل هَؤُلَاءِ الغز مَعنا وبلادنا فَقلت مَا قلته اولا وَأَنا مَعكُمْ وَركبت دَابَّتي وسرت مَعَهم حَتَّى قدمنَا مَكَّة ودخلنا الْحرم فَوَجَدنَا الرجل على حَالَته تِلْكَ مَا تَغَيَّرت فشكونا اليه فعل الغز فَقَالَ اذْهَبُوا فقد سلط الله عَلَيْهِم اهل الدراريع السود وَالْخَيْل الْبيض سلط الله الْعمانِي فرايت قوما قد ظَهَرُوا بِالْيمن على صفة مَا ذكر فعاثوا بِالْيمن فأفسدوا فَبينا أَنا فِي نومي اذ بالقوم قد اقْبَلُوا باعيانهم فَقلت لَهُم ايْنَ تُرِيدُونَ فَقَالُوا مَكَّة فَقلت وانامعكم ثمَّ ركبت دَابَّتي وسرنا حَتَّى اتينا مَكَّة ودخلنا الْحرم فَوَجَدنَا الرجل بمكانه عَلَيْهِ لِبَاس اخضر وَهُوَ متهيأ بهيئة السّفر فشكونا اليه فعل الْعمانِي وجنده فَقَالَ اذْهَبُوا فانا لَهُم على اثركم فَوَقع فِي نَفسِي أَنه الفاطمي وَسَأَلت عَن ذَلِك بعض من حوله فَقَالُوا هُوَ الفاطمي ثمَّ استيقظت هَكَذَا نقلته محققا لفظا فِي الْغَالِب لَا معنى وَهَذِه الرِّوَايَة حَملَنِي على ايرادها ازالة تشكك المتشككين فِي ظُهُور الفاطمي وَمَتى تكون وَبعد أَي الدول وَقد زَالَ الشَّك فِي الاول وَالثَّانِي وَالثَّالِث لم يزل فِيهِ شكّ فَإِن قيل كَيفَ يَزُول بمنام قُلْنَا قد قَالَ رَسُول الله صللم مَا خلفت فِيكُم إِلَّا الْمُبَشِّرَات قَالُوا يَا رَسُول الله وَمَا هِيَ قَالَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَة يَرَاهَا العَبْد وَترى لَهُ وَفِي رِوَايَة أُخْرَى رويا الْمُؤمنِينَ كفلق الصُّبْح وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْء يتَعَلَّق بِهِ تَحْلِيل وَلَا تَحْرِيم إِنَّمَا هُوَ من بَاب الْخَبَر وَقد رَأَيْنَاهُ فِي الْمَاضِي من تنقل الدول من الْحَبَش على ابْن مهْدي ثمَّ إِلَى الغز وَنحن فِي ايامهم مُنْذُ سنة تسع وَسِتِّينَ خَمْسمِائَة الى عصرنا سنة سِتّ وَعشْرين وَسَبْعمائة

    وَمن نواحي هَذِه الْجِهَة حصبان الاعلا والاسفل يرويان بخفض الصَّاد فَفِي احدهما قَرْيَة تعرف براحة الْفُقَهَاء بهَا قوم اهل فقه وَدين نسبهم فِي

    هَمدَان مِنْهُم مُوسَى بن مُحَمَّد بن مُوسَى بن اِسْعَدْ تفقه بِمُحَمد بن ابي بكر الاصبحي مقدم الذّكر وهم بَيت فقه مَشْهُورُونَ بناحيتهم وجدهم أسعد بزبيد وَدخلت بلدهم وَأَنا يَوْمئِذٍ فِي بداية طلب الْعلم وَلم يكن لي غَرَض إِذْ ذَاك غير جمع هَذَا الْكتاب فَكنت اتحقق مِنْهُم الْحَال وَلَعَلَّ الله يَسُوق لي ذَلِك فأضعه كَمَا أتحقق مَعَ أَنه قد بَلغنِي انْقِرَاض الْفِقْه مِنْهُم وَأَن لَهُم ذُرِّيَّة عاميين

    وَمِنْهَا جبل بني سيف بِهِ قَرْيَة تعرف بالسأتي بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة بعد ألف وَلَام ثمَّ همزَة مَفْتُوحَة مُمكنَة ثمَّ تَاء مثناة من فَوق وَأُخْرَى من تَحت سَاكِنة فِيهَا مدرسة ابتناها بعض مشائخ بني سيف درس بهَا جمَاعَة مِنْهُم حسن بن عَليّ بن مَرْزُوق بن حسن بن عَليّ العامري تفقه بِابْن قَاسم الْمَذْكُور فِي أهل زبيد وَكَانَ بِالْمَدْرَسَةِ سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة عَنهُ أَخذ جمَاعَة من ذُرِّيَّة الْهَيْثَم وَغَيرهم من أهل النَّاحِيَة وَلم يزل بِهِ المدرسون وَاحِد بعد وَاحِد الى عصرنا لم أكد اتحقق مِنْهُم غير من ذكرته وَقد تتطلع النُّفُوس إِلَى باني هَذِه الْمدرسَة وَهُوَ مُحَمَّد بن أَحْمد بن هندوة السيفي الْمرَادِي كَانَ من اعيان مشائخ بني سيف وَفِيهِمْ أَخْبَار أدْركْت مِنْهُم نَاجِي بن هندوة فَوجدت بِهِ خيرا كثيرامن اطعام الطَّعَام والاكرام وَالْعدْل فِي رَعيته قل وجود مثله فِي عرب ناحيته وزمانه

    وَخَلفه ذُرِّيَّة يذكر عَنهُ الْخَيْر ولنعد إِلَى ذكر تَتِمَّة فُقَهَاء السحول فلنذكر قَرْيَة على قرب من الملحمة عرف بالعراهد بِفَتْح الْعين المهلمة بعد ألف وَلَام

    وَفتح الرَّاء ثمَّ الف ثمَّ خفض الْهَاء ثمَّ دالمهملة سَاكِنة كَانَ بهَا جمَاعَة من خِيَار الْفُقَهَاء أهل صَلَاح وَفقه مِنْهُم أَبُو الْقَبَائِل نسبه إِلَى الأصابح وَكَانَ فَقِيها فَاضلا لَهُ مُصَنف سَمَّاهُ الْحجَّة الخارقة مُتَضَمّن الرَّد على الْقَدَرِيَّة كَانَ من ذُريَّته فَقِيه إِمَام بمدرسة شنين الْمُقدم ذكرهَا وَمِنْهُم حُسَيْن بن مُحَمَّد بن حُسَيْن بن إِبْرَاهِيم كَانَ فَقِيها صَالحا عبادا مَشْهُورا باستجابة الدُّعَاء أَخْبرنِي الثِّقَة أَن الْفَقِيه سعيد بن مَنْصُور الْمَذْكُور فِي أهل جبلة رَكبه دين أثقله وقلق مِنْهُ وَكثر همه فقصد زِيَارَة هَذَا الْفَقِيه فِي بَلَده فَلَمَّا وَصله وَاجْتمعَ بِهِ وَحصل بَينهمَا الانس قَالَ لَهُ ادْع لي بِقَضَاء الدّين وَكَانَا إِذْ ذَاك ساهرين لَيْلًا فَقَالَ حُسَيْن اللَّهُمَّ اقْضِ دينه وَفرج همه ثمَّ لما كَانَ الصَّباح توادعا وَعَاد سعيد إِلَى منزله فحين دخله قَالَ أَهله أَن هُنَا رسل علوان يطلبونك مُنْذُ الْيَوْم وهم قعُود ينتظرون قدومك فِي الْمَسْجِد فَخرج إِلَيْهِم فحين رَأَوْهُ قَامُوا إِلَيْهِ وسلموا عَلَيْهِ وَقَالُوا لَهُ ان الشَّيْخ يسلم عَلَيْك وَيسْأل مِنْك المواجهة فَأجَاب ثمَّ سَار مَعَهم حَتَّى اتوا بَاب علوان وَكَانَ كابواب الْمُلُوك من الْحجاب والرؤساء فَلم يجْتَمع بِهِ إِلَّا بعد يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاث فَقَالَ لَهُ يَا فَقِيه إِنَّه خطر ببالي مُنْذُ مُدَّة أَن ابْني مدرسة ثمَّ ذكرت بعد ذَلِك أَن لَيْسَ هَذِه بِلَاد مدرسة وان اعمال الْمدرسَة بِهِ إِضَاعَة لِلْمَالِ ثمَّ فِي لَيْلَة كَذَا عزمت على مَا كنت عزمت عَلَيْهِ وَوَقع فِي قلبِي أَن أجعلك مدرسا بهَا ثمَّ لم تقو نَفسِي بعد أَن امرت عَلَيْك فبالله مَا كَانَ من فعلك تِلْكَ اللَّيْلَة وَهِي اللَّيْلَة الَّتِي كَانَ بهَا مجتمعا بالفقيه حُسَيْن فَقَالَ كنت رحت إِلَى الْفَقِيه حُسَيْن زَائِرًا وَسَأَلته أَن يَدْعُو لي بِقَضَاء الدّين فَقَالَ الشَّيْخ وَكم دينك فاخبرته ثمَّ أذن لَهُ بِالرُّجُوعِ إِلَى بَلَده وبيته فَعَاد وَلم يصله بِشَيْء فَجعل يحدث نَفسه بقلة خَيره وَكَونه يسْأَله عَن حَاله وَدينه وَلم يعنه على ذَلِك بِشَيْء فَلَمَّا وصل الْبَيْت وجد فِيهِ طَعَاما كثيرا واحمالا من الزَّبِيب والحطب وكيسا فِيهِ الدّين الَّذِي ذكره لعلوان وَمثله فَقيل لَهُ هَذَا امْر لَك بِهِ علوان فَعجب الْفَقِيه من ادب علوان وَعلم ان ذَلِك من بركَة دُعَاء الْفَقِيه حُسَيْن وقبره بقرية العراهد مَشْهُور يزار ويتبرك بِهِ وَلم اتحقق لَهُ تَارِيخا

    وَقد عرض مَعَ ذكره ذكر الشَّيْخ علوان وَهُوَ علوان بن عبد الله بن سعيد بن الحلك بن رزام الجحدري نِسْبَة لَهُ إِلَى جد لَهُ اسْمه جحدر ثمَّ الْمذْحِجِي نسبا والكردي لقبا كَانَ قيلا من اقيال الْيمن وواحدا من اعيان مَشَايِخ الزَّمن رَئِيسا شجاعا كَرِيمًا مطعاما عفيف الأزار مُجْتَهدا فِي طلب الْأجر وَالثنَاء وَالثَّوَاب ملك نَاحيَة كَبِيرَة فِي مشرق الْيمن

    وَهِي حجر ونواحيها وتغلب على حصونها العروسين ووعل والتويرة ونعمان شَرْقي الْجند وَحَارب مُلُوك الْغَزْو لم يظفروا مِنْهُ بطائل وَلما حط الْمَنْصُور عَلَيْهِ مَعَه آمرا أهل طبلخانه فَكَانَ إِذا جَاءَ وَقت ضربهَا ارتجت الارض وَحين وصلوا كَذَلِك فَقَالَ لِقَوْمِهِ يَا مذْحج لَا تهتجوا فَهَذِهِ جُلُود بقر وَله قصيدة فِي التَّاء ليب على حَرْب الْمَنْصُور مِنْهُ قَوْله ... من تَابَ من حَرْب نور الدّين من جزع ... فانني عَنهُ مَا عمرت لم أتب ... فَكَانَ كَذَلِك ثمَّ انه لما طَال بِهِ الْحصار بَاعَ حصونه من الْمَنْصُور بِمَال جزيل وأضمر الْمَنْصُور أَنه مَتى نزل من الْحصن اسره واستعاد مِنْهُ المَال فَنزل متنكرا فِي جملَة حَرِيم لم يشْعر بِهِ أحد وَترك خَلفه من يُجهز مَا فِي الْحصن ويتبعه بِهِ وَقد كتب لَهُ عدَّة عَلَامَات فَهُوَ يكْتب تحتهَا بِمَا شَاءَ الى السُّلْطَان وَغَيره فَلَمَّا فرغ مَا فِي الْحصن نزل خَلِيفَته فَسَأَلَ عَن الشَّيْخ فَقَالَ هُوَ اول من نزل مَعَ الْحَرِيم وَهَذَا يشبه مَا فعل جَوْهَر المعظمي حِين بَاعَ الدملؤة كَمَا ذكرت ذَلِك فَلم يزل الْمَنْصُور يتلطف

    ويبذل فِيهِ الرغائب حَتَّى وَقع بِيَدِهِ فحبسه بحصن حب فَلَمَّا صَار بِهِ اكثر التضرع إِلَى الله تَعَالَى وَالسُّؤَال بالخلاص فَرَأى قَائِلا يَقُول لَهُ ادْع الله بِهَذَا الْكَلِمَات

    اللَّهُمَّ اني أَسأَلك بِمَا الهمت بِهِ عِيسَى من معرفتك وَمَا عَلمته من اسمائك الَّتِي صعد بهَا الى سماواتك وَبِمَا عَلمته من ربوبيتك ووحدانتك إِلَّا فَككت أسرِي بِرَحْمَتك فكرر ذَلِك عَلَيْهِ فاطلقه الله واعاد عَلَيْهِ حصونه وَله ديوَان شعر حسن مِنْهُ مَا أنشدنيه بعض اهله شعرًا ... بِاللَّه لَا استوطنت ارضا تربها ... مسك إِذا حظي بهَا مهضوم

    وعلام اوطنها وعرضي وافر ... والرزق من افق السَّمَاء مقسوم

    لَا أَمن للأيام وَهِي معارة ... لَا لليالي السود وَهُوَ هموم

    مثلى يقوم ببلدة يستقضي بهَا ... حَقي وَحقّ ذَاك يقوم

    وَإِذا ظنوني اخلفتني بِالَّذِي ... فَوق التُّرَاب فحسبي القيوم ... وَمن مكارمه انه كَانَ مَتى بلغه اني يتمة قد بلغت الزواج وَلم يرغب بهَا أخطبها واحضر لَهَا مَالا لَهُ قدر وخلا بهَا ثمَّ يطلقهَا وَرُبمَا طَلقهَا قبل الدُّخُول بهَا فيرغب فِيهَا من بعده اما لِلْمَالِ اَوْ شحا على زواجه وَلما قتل الْمَنْصُور وطلع وَلَده المظفر من تهَامَة واستعان بِهِ على اخذ تعز اقبل اليه بِنَحْوِ من عشْرين الف من مذْحج فَلَمَّا أَخذ تعز على مَا سَيَأْتِي انشاء الله جعل الْجند لهَذَا نهبا فَعلم

    بذلك بعض من لَهُ فِي الْجند شجن من اهل تعز فَكتب الى اهله واخبرهم فَاجْتمع وُجُوه الْبَلَد وتراجعوا فِي ذَلِك واجمعوا على الْقدوم الى الْوَالِي وَهُوَ اذ ذَاك ميكائل بن ابي بكر فَلَمَّا وصلوه واجتمعوا بِهِ طلبُوا مِنْهُ ان يسلم لَهُم مَفَاتِيح ابواب الْبَلَد فاراد التمنع من ذَلِك فقهروه وَقَالُوا لَا نبار حكحتى تَأمر خادمك يَأْتِي بهَا فَأمر الْخَادِم فانزلها فقبضوها وطافوا هم والوالي فاغلقوا الابوب بعد ان صاحوا على من حول الْمَدِينَة يدْخل فَلَمَّا اغلقوا الابواب ذَهَبُوا بالمفاتيح الى الْجَامِع وَاقْبَلْ عقلاء النَّاس على الْقِرَاءَة وَالصَّلَاة والتضرع الى الله بكفاية شَرّ علوان وصده عَنْهُم وطلع الصّبيان والرعاع الى الدروب فوصل علوان بجمعه بَين صَلَاتي الظّهْر وَالْعصر فوجدوا الْبَلَد متحضة بالسور وَالنَّاس قد حذروا فحط بجانبها الشَّرْقِي مُقَابل لَهَا وتواعد اهلها الى الصَّباح بِالْحَرْبِ ونقب السُّور فَلَمَّا كَانَ اللَّيْل انقض الْفَقِيه الَّذِي كَانَ يَصْحَبهُ وَكَانَ من عَادَته صُحْبَة فَقِيه لَا يبرح مَعَه على شبه الْوَزير للْملك وَكَانَ بِصُحْبَتِهِ يَوْمئِذٍ عبد الله بن الْفَقِيه يحي الَّذِي سمع الْفُقَهَاء عَلَيْهِ الْبَيَان وَسَيَأْتِي ذكره ان شَاءَ الله فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ قَالَ لَهُ علوان يَا فَقِيه أَنِّي رايت مَسْجِدا من صفته كَذَا وَكَذَا بِصفة مَسْجِد الْجند وَلم يكن علوان يعرفهُ قَالَ الْفَقِيه لَهُ هَذِه صفة مَسْجِد الْجند قَالَ الشَّيْخ ورأيته يطوف حول الْمَدِينَة الْجند وَفِيه جمَاعَة يصلونَ ويقرؤون الْقرَان وعَلى ابوابه جمَاعَة بِأَيْدِيهِم سيوف محدوبة يهمون بِضَرْب من دنا مِنْهُم اَوْ دنا من الْمَدِينَة فَقلت لبَعْضهِم وانا من بعد مَا هَذَا فَقَالَ هُوَ مَسْجِد الْجند يطوف حولهَا ويحميها من تعدِي علوان عَلَيْهَا أَو على اهلها وَهَؤُلَاء مَلَائِكَة على بَابه واقفون يصدون عَنهُ من أَرَادوا اهله بسوأ وَهَؤُلَاء أَهله فِي وَسطه يَدْعُونَا الله بكفاف شَرّ علوان ثمَّ قَالَ يَا فَقِيه مَا

    ترى فَإِنِّي قد كرهت معانات اهل الْجند والتعرض لَهُم فَلَيْسَ أَكثر من هَذَا قصر عَنْهُم فَمن تكن الْمَلَائِكَة تحرسهم كَيفَ يَلِيق التَّعَرُّض لَهُم فزاده الْفَقِيه كَرَاهَة فَكتب الى المظفر يُخبرهُ انه لَا يُرِيد الْجند وَإِنَّمَا يُرِيد عوضهَا ويخبره انه وجد الْجند ممتنعة بالدروب وَالنَّاس قد حذروا فَقَالَ لَهُ المظفر انت الَّذِي شعت وَلَو كتمت امرك لم يدر بك اُحْدُ لَكِن صل فقد ابحنا لَك المغربة عوضا عَن الْجند فحين وَصله الْكتاب بَادر وَتقدم الى تعز ونهبها حَتَّى استبى النِّسَاء وَلم يكد يتغلب عَلَيْهِ شَيْء حَتَّى اخذه وَنَقله الى بَلَده وَغَيرهَا وَتعرض لَهُم الأعروق فِي بلد السّلف فَكل من مربهم اخذوه لم يسلم إِلَّا من جنب مَعَ الشَّيْخ بِنَفسِهِ اَوْ سَار على غير طَرِيق السّلف فَذكرُوا ان علوان لما عَاد بَلَده اصلح امْرَهْ وَتَابَ وَحسنت تَوْبَته وَله شعر معجب ديوانه يُوجد كثيرا مِنْهُ مَا قَالَه فِي عتاب نَفسه ... وَقد كَانَ ظَنِّي الغي وَاللَّهْو إِنَّمَا ... يكونن فِي عصر الشَّبَاب الغرانق

    فَلَمَّا اتاني الشيب وانقرض الصِّبَا ... نظرت وَذَاكَ الغي غير مفارقي

    فَقَالَ بلَى لَكِن راسك رُبمَا ... تكون باحدى الْحَالَتَيْنِ موافقي

    فَقلت لَهُ لَا مرْحَبًا لَك بعْدهَا ... وانك مني طَالِق وَابْن طَالِق ... فَقَالَ سمعنَا مَا حَلَفت بِهِ لنا ... وَكم مثلهَا قد قلته غير صَادِق

    وَقلت لَهُ وَمن بعد الطَّلَاق فَقَالَ لي ... وَأي طَلَاق للنِّسَاء الطوالق

    فَقلت لَهُ لي مِنْك جَار يجيرني ... فَقَالَ وَمن هُوَ قلت ذِي الطول خالقي

    فولى لَهُ مني صَحِيح فَقلت لَا ... تصح وبادر نَحْو كل مُنَافِق ... وَمن شعره قَوْله ... اذا كَانَ قَول الْحق وَالْحق قَوْله ... بمحكمة فِي الْملك فِي اية الْملك ...

    . . معز لمن شَاءَ المذل لمن يَشَاء ... فَكيف اعتراضي قَوْله الصدْق بِالشَّكِّ

    ونفسك فاتركها عَن الْهم والاذى ... فراحتك العظما لَك الله فِي التّرْك

    فَمَا الْأَمر الا للَّذي صير الورى ... وسيرهم فِي لجة الْبَحْر بالفلك

    وموجدهم من غير وجدان سَابق ... ومفنيهم بعد التكاثر بالهلك

    فَلَا تشك مَا لاقيت من غير منصف ... الى مثله لَكِن الى منصف تشكى ... وَله بَيت من قصيدة ... فحسبي أَنِّي الْحر من آل يعرب ... واني لمن آوى الى كنفي عبد ... قيل كَانَت وَفَاته على طَرِيق التَّقْرِيب على رَأس سِتِّينَ وسِتمِائَة وقبر لموْضِع يعرف بالمرخامة بخفض الْمِيم وَسُكُون الرَّاء وَفتح الْخَاء الْمُعْجَمَة ثمَّ الف ثمَّ مِيم مَفْتُوحَة ثمَّ هَاء سَاكِنة وَخلف وَلدين صغيرين ضعفاء عَن الْقيام مقَامه فباعا الْحُصُون وَهِي الى عصرنا سنة ثَلَاث وَعشْرين وَسَبْعمائة بيد الْمُلُوك وَقد اطلت الْكَلَام فِي ذكره وَاعد نَفسِي مقصرا لما تَوَاتر عِنْدِي من جوده وانصافه بِصِفَات الانسانية فَإِنَّهُ مَتى علم المؤرخ لإِنْسَان بنعت من نعوت الْخَيْر وَلم يذكرهُ فقد ظلمه

    نرْجِع الى ذكر الْفُقَهَاء بالعراهد وَغَيرهَا اذ هم الْعُمْدَة فِي كتابي فَقِيه الْقرْيَة الان ابو بكر بن مَسْعُود وتفقه بَابي الْقَاسِم الزَّيْلَعِيّ مقدم الذّكر فِي اهل اب وَمن النواحي المنسوبة الى المخلاف جبل بعدان الْمُقدم ذكره كَانَ بِهِ مُتَأَخِّرًا فَقِيه اسْمه طَاهِر بن عبد الله بن مُحَمَّد بن احْمَد بن عِيسَى الْمهْدي اصلة من قَرْيَة

    الملحكي ولي قضا بعدان مُدَّة وَكَانَت تفقهه فِي جبلة بِعَبْد الله بن عَليّ العرشاني وَلم يزل حَاكما حَتَّى توفّي وَكَانَ على مَا ذكر صَاحب قريحة فِي الشّعْر وكات وَفَاته برمضان سنة خمس وَسَبْعمائة

    وَمِنْهُم ابو بكر بن مبارز الشاوري من قَرْيَة حقله بِالْحَاء الْمُهْملَة مَفْتُوحَة ثمَّ قَاف سَاكِنة ثمَّ لَام ثمَّ هَاء سَاكِنة كَانَ فَقِيها فَاضلا درس بمدرسة شنين الْمُقدم ذكرهَا الى ان توفّي سنة تسعين وسِتمِائَة تَقْرِيبًا

    وَخَلفه ابْن لَهُ فَقِيه فَاضل مَاتَ على طلب الْعلم مُجْتَهدا لم اتحقق تَارِيخ وَمِنْه عزلة عروان بخفض الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الرَّاء وَفتح الْوَاو ثمَّ الف ثمَّ نون بهَا قَرْيَة تعرف بعارب بفتحالعين الْمُهْملَة ثمَّ الف ثمَّ خفض الرَّاء وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة كَانَ بهَا فَقِيه اسْمه عُثْمَان بن مُحَمَّد بن عَليّ بن احْمَد الحساني ثمَّ الْحِمْيَرِي اصل بَلْدَة جبلة وَيعرف بَين اهلها بِابْن جعام بِفَتْح الْجِيم وَالْعين الْمُهْملَة ثمَّ الف ثمَّ مِيم يعرف بِالدّينِ وَالصَّلَاح وَصدق الحَدِيث والامانة وَكَانَ يقارض مياسير اهل جبلة باموال جزيلة الى عدن وَكَانَ من خيرة مِنْهُم لَا يسمح بقراض غَيره محبَّة فِيهِ ووثوقا بِدِينِهِ وامانته وببركاته وَكَانَ اذا حصل لَهُ شَيْء جُمُعَة ثمَّ لما اجْتمع مَعَه شَيْء لَهُ جنس اشْترى بهَا ارضا بِهَذَا الْجَبَل فسكنه وبورك لَهُ فِيهِ رَغْبَة فِي الْجَبَل وَمن عَجِيب ورعه انه كَانَ اماما للمدرسة النجمية فَظهر بِبَعْض بدنه جرح استضر وَلم يكد يبرى بل لَا يبرح يسيل مِنْهُ المَاء فكره الصَّلَاة بِالنَّاسِ تورعا فَقيل لَهُ

    استنب نَائِبا بِبَعْض نَفَقَتك فَقَالَ لَا حَاجَة لي بذلك ثمَّ عرض عَلَيْهِ الطين والقرية فاشتراهما وَكَانَت الْقرْيَة غير مأهولة إِنَّمَا بهما بتول يحرث لصَاحب الأَرْض الَّذِي بَاعهَا مِنْهُ فَلَمَّا صَارَت ملك هَذَا الْفَقِيه ابتنى بهَا بَيْتا وانتقل اليها من جبلة باولاده وَزَوجته الْحرَّة بنت الشَّيْخ عمرَان الصُّوفِي مقدم الذّكر وَكَانَ قد تفقه على فُقَهَاء جبلة ولازم الْفَقِيه ابا بكر بن العراف ان يطلع مَعَه إِلَى قريته فَلَمَّا طلع مَعَه من جبلة وقف مَعَه بالمنزل وَقَالَ لَهُ يَا فَقِيه تقف معي وَيكون لَك نصف هَذِه الأَرْض فَلم يُوَافقهُ الى ذَلِك صَار الى تعز وَكَانَ لَهُ بهَا من الشَّأْن مَا قدمنَا ذكره وَلم يزل هَذَا الْفَقِيه مُقبلا على الْقِرَاءَة للكتب وَالْعِبَادَة مُنْفَردا بالقرية إِلَى أَن توفّي على حَال مرضى من صَلَاح الدّين وَالدُّنْيَا فِي هَذَا الْمنزل سلخ شهر شَوَّال سنة أثنتين وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَخلف خَمْسَة اولاد صغَارًا من ابْنة الشَّيْخ عمرَان وَلم تكن بِدُونِهِ فِي الصّلاح وَالْعِبَادَة والورع وَيُقَال انها كَانَت السَّبَب فِي سلوكه الطَّرِيق المحموده الَّتِي قدمناها وَلما توفّي نزلت بهم الى جبلة فتربوا فِيهَا وتعلموا الْقُرْآن مَعَ مراعاتها بَاطِنا وَأَهْلهَا ظَاهرا فنشأوا جَمِيعًا نشؤا مرضيا أكبرهم هَارُون حج مرَارًا وَله مسموعات ومقرؤات وان قلت فقد كثرها دينه وَمَا فِيهِ من الْمَعْرُوف ومحبة الْعلم وطلبته وَعنهُ اروي كتاب الرَّقَائِق لِابْنِ الْمُبَارك اذ قَرَأت عَلَيْهِ غالبة فِي منزله هَذَا وَقد قدم عَائِدًا من الْحَج سنة احدى عشرَة وَسَبْعمائة وَذَلِكَ انني كنت يَوْمئِذٍ بِمَسْجِد عكار ادرس فِيهِ فبلغني قدومه من الْحَج وَله عَليّ من التفضل كثير فوصلت اليه الى هَذَا الْمنزل وسلمت عَلَيْهِ وَسَأَلته مَا سمع بِمَكَّة فَاخْرُج الْكتاب الْمَذْكُور وناولنيه فاعجبني فاقمت عِنْده أقراه أَيَّامًا غَالب ظَنِّي انني أكملته وَكَانَ مَعْدُوم النظير فِي الدّين وَطلب الْحل والاتجار كَمَا يَنْبَغِي فبورك لَهُ أَكثر مِمَّا بورك لِأَبِيهِ وَاشْترى من ذَلِك ارضا كَثِيرَة وَتُوفِّي على ذَلِك عَائِدًا من الْحَج بِموضع يعرف بقنونا فِي أول الْمحرم سنة سبع عشرَة وَسَبْعمائة بعد ان اوصى بِثلث

    مَاله يَبْنِي لَهُ مِنْهُ مَسْجِدا عِنْد قريتهم وَيجْعَل الْبَاقِي ارضا توقف على مدرس بِالْمَسْجِدِ وَكَانَ قد توفّي قبله اخ لَهُ اسْمه عبد الرَّحْمَن واوصى ان يُوقف شَيْء من ارضه على من يقْرَأ الْعلم مَعَهم بموضعهم فَاجْتمع من الوقفين شَيْء جيد وابتنوا بِهِ مَسْجِدا حسنا معجبا قدمت عَلَيْهِم فِي شَوَّال سنة عشْرين وَسَبْعمائة وَرَأَيْت الْمَسْجِد حسنا يكرم من بَات فِيهِ من ضيف أَو غَيره وَمَا بلد الْفُقَهَاء مثلهم فِي الدّين وَالْخَيْر وسلوك الطَّرِيق المرضية ويلي هَارُون اخوه عمر كَانَ جيدا صَالحا استظهر الْقُرْآن وَقَرَأَ التَّنْبِيه على فُقَهَاء جبلة وترددت اليهم مرَارًا اقف عِنْدهم فِي كل مرّة اياما يقْرَأ فِي اثنائها على فِي كل مرّة شَيْئا من الْعلم من ذَلِك كتاب شَيْخي ابي الْحسن الاصبحي الْمُسَمّى بالمعين وَكتاب التَّبْصِرَة فِي علم الْكَلَام ومختصر الْحسن فاما الْمعِين فَإِنَّهُ كَانَ يحضر قِرَاءَته مَعَه اخوه ابو بكر فسمعا بعض الكلتابين واجزتهما بِالْبَاقِي من الْمعِين والتبصرة وَكَانَت وَفَاته فِي شهر الْقعدَة من سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَسَبْعمائة ثمَّ اصغرهم ابو بكر تفقه بجبلة على جمَاعَة يذكر بالفقه توفّي سلخ شعْبَان سنة سِتّ وَعشْرين وَسَبْعمائة وَلَهُم اخوان عبد الرَّحْمَن وَعبد الله فعبد الرَّحْمَن هُوَ الَّذِي توفّي اولا واوصى بِشَيْء يَجْعَل وَقفا على طلبة الْعلم بمنزلهم كَمَا قدمنَا ذَلِك واما عبد الله فباقي الى عصرنا يذكر بِالدّينِ وَالْخَيْر بمنزلهم وَفعل الْمَعْرُوف وَمن الْجَبَل ايضا ثمَّ من قَرْيَة بني البعداني جمَاعَة من ذُرِّيَّة الشَّيْخ الَّذِي ذكرته فِيمَا تقدم وانه كتب الى ابْن ابي ميسرَة يستدعيه اليه


    LihatTutupKomentar