Kitab Al-Suluk fi Tabaqat al-Ulama wa al-Muluk (6)

Kitab Al-Suluk fi Tabaqat al-Ulama wa al-Muluk (6) وَمِنْهُم عمر بن مُحَمَّد بن الشَّيْخ أَحْمد بن مُحَمَّد الَّاتِي ذكره وَكَانَ فَقِيها فَاضلا وتفق

Kitab Al-Suluk fi Tabaqat al-Ulama wa al-Muluk (6)

 Buku: As-Sulūk fī Ṭabaqāt al-‘Ulamā’ wa al-Mulūk Penulis: Muḥammad ibn Yūsuf ibn Ya‘qūb, Abū ‘Abd Allāh, Bahā’ al-Dīn al-Jundī, Al-Janadi al-Yamanī (meninggal 732 H) 

Penerbit: Maktabat al-Irshād – Ṣan‘ā’ – 1995 M
Edisi: Kedua
Penyunting: Muḥammad ibn ‘Alī ibn al-Ḥusayn al-Akwā‘ al-Ḥawālī
Jumlah Jilid: 2
[Penomoran buku sesuai dengan edisi cetak]
Halaman Penulis: [al-Jundī, al-Janadi, Bahā’ al-Dīn]

 Book: As-Sulūk fī Ṭabaqāt al-‘Ulamā’ wa al-Mulūk
Author: Muḥammad ibn Yūsuf ibn Ya‘qūb, Abū ‘Abd Allāh, Bahā’ al-Dīn al-Jundī al-Yamanī (d. 732 AH)
Publisher: Maktabat al-Irshād – Ṣan‘ā’ – 1995 CE
Edition: Second
Editor: Muḥammad ibn ‘Alī ibn al-Ḥusayn al-Akwā‘ al-Ḥawālī
Number of Volumes: 2
[Book numbering corresponds to the printed edition]
Author's Page: [al-Jundī, Al-Janadi Bahā’ al-Dīn]

الكتاب: السلوك في طبقات العلماء والملوك
المؤلف: محمد بن يوسف بن يعقوب، أبو عبد الله، بهاء الدين الجُنْدي الجَنَدِي اليمني (ت ٧٣٢هـ)
دار النشر: مكتبة الإرشاد - صنعاء - ١٩٩٥م
الطبعة: الثانية
تحقيق: محمد بن علي بن الحسين الأكوع الحوالي
عدد الأجزاء: ٢
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
صفحة المؤلف: [الجندي، بهاء الدين] 

 

Daftar Isi Al-Suluk Juz 1

  1. Juz 1 
    1. Kitab Al-Suluk fi Tabaqat al-Ulama wa al-Muluk (1)
    2. Kitab Al-Suluk fi Tabaqat al-Ulama wa al-Muluk (2)
    3. Kitab Al-Suluk fi Tabaqat al-Ulama wa al-Muluk (3)
  2. Juz 2 
    1. Kitab Al-Suluk fi Tabaqat al-Ulama wa al-Muluk (4) 
    2. Kitab Al-Suluk fi Tabaqat al-Ulama wa al-Muluk (5)
    3. Kitab Al-Suluk fi Tabaqat al-Ulama wa al-Muluk (6)
  3. Artikel Sejarah yang Lain

  وَمِنْهُم عمر بن مُحَمَّد بن الشَّيْخ أَحْمد بن مُحَمَّد الَّاتِي ذكره وَكَانَ فَقِيها فَاضلا وتفقه بالوعلاني وَغَيره من اصحاب الامام وَرُبمَا انه اِدَّرَكَ بطالا ايضا واخذ عَنهُ إِذْ كَانَ جده يصحب الِاثْنَيْنِ أَعنِي بطال والوعلاني ويقتدي بهما وَكَانَ مَعَ الْفَقِيه ذَا فراسة وشجاعة وَأما جده أَحْمد بن مُحَمَّد فَهُوَ أحد أَعْيَان الزَّمَان وَهُوَ احْمَد بن مُحَمَّد بن مفضل بن عبد الْكَرِيم بن أسعد بن سبأ النزاري قدم جده مفضل من بِلَاد ابين الى الجوءة فسكنها واحبها وَحصل لَهُ اولاد فِيهَا وتذرى ذُرِّيَّة مِنْهُم هَا احْمَد بن مُحَمَّد تراءس وَالْتزم الْبِلَاد من عدن الى الْجند وَكَانَ شهما وحازما وَذَا مروة وديانة ومحبة للفقهاء وصحبتهم وقيامه فِي الدولة المنصورية وقصده الشُّعَرَاء وامتدحوه فَمن ذَلِك قَول بَعضهم من جملَة قصيدة كَبِيرَة انشدينها بعض الفضلا علق بذهني مِنْهَا هَذِه الابيات ... يَا طَالب الْجُود يمم للندى جوءة ... فَإِنَّهُ حل فِيهَا الوابل السحب

واقصد بمدحي أَمِين الدّين أَن لَهُ ... مواهبا لَيْسَ يُحْصى عدهَا الْكتب

فاضت بحار يَدَيْهِ للورى ذَهَبا ... فَهَل سَمِعْتُمْ ببحر موجه ذهب

واستصغرت نَفسه الدُّنْيَا لقاصده ... فَلَو حواها لكَانَتْ بعض مَا يهب ... وَله اثار للذّكر مِنْهَا جَامع بقرية وعلان وَعَلِيهِ وقف جيد ثمَّ معلامة للايتام ثمَّ سِقَايَة بقرية حصلة ذَلِك كُله باشارة الْفَقِيه الوعلاني مقدم الذّكر وَمِنْهَا مدرسة بِمَدِينَة الجوءة قيل لَهُ حِين وقف عَلَيْهَا فَإِذا خربَتْ لجوءة الى ايْنَ ينْتَقل الْوَقْف فَقَالَ معَاذ الله أَن تخرب وَهِي تَحت الْحصن الَّذِي هُوَ خزانَة مُلُوك الْيمن فَقدر ان ذُريَّته عاندهم الطواشي يَا قوت عنادا بليغا حَتَّى هربوا عَن الجوءة وَخَربَتْ بُيُوتهم واراضيهمم والمدرسة من ذَلِك وَاسْتمرّ خرابها الى الان وَبنى الصفين الْأَخيرينِ من جَامع السمكر ووقف عَلَيْهِ وَقفا ضَعِيفا واحدث بَين الْجند والسمكر فِي طَرِيق تعز بِئْر أَو حوضا وسقايتين خربا فِي عصرنا وَقَبله بِمدَّة

وَأما الشَّيْخ احْمَد فَلم يزل على الأعزاز والاكرام من الْمَنْصُور بن رَسُول وتعضده شَفَقَة من زَوجته الْحرَّة ابْنة جوزة وَلما كَانَ فِي سنة سِتّ واربعين وسِتمِائَة

طلب مِنْهُ الْمَنْصُور المعونة وَهُوَ شَيْء يفرق فِي كل سنة على جَمِيع نواحي الْيمن جعله الْمَنْصُور وخاصة عِنْد رَوَاحه المخارج اَوْ رُجُوعه مِنْهَا فَتقدم من الجوءة الى المفاليس وامر الى الخداشة وَغَيرهم من الْعَرَب هُنَالك بَان يصلونه بِمَا جرت بِهِ الْعَادة فاصبحوا جَمِيعًا بسلاح حول الدَّار ودخلوا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ وَبَقِي اولاده على شَفَقَة الْمَنْصُور وَقتل بِهِ جمعا من القاتلين لَهُ ثمَّ عقيب الْقَتْل فصلهم الْمَنْصُور عَن المفاليس وَترك مكانهم مُحَمَّد بن الْفَقِيه بطال وَذَلِكَ شَفَقَة عَلَيْهِم خشيَة أَن يقتلُوا وَقَالَ انما تركتكم لِتَأْخُذُوا ثار ابيكم وَقد تفَرقُوا فِي أَمَاكِن شَتَّى مِنْهُم نَاس يسكنون بموزع والغرافي قَرْيَة فِي باديتها قد تقدم ذكرهَا وَمِنْهُم بَقِيَّة بالجوءة

وَنَرْجِع الان الى ذكر الْفُقَهَاء بالناحية من اصحاب العامري الَّذِي كَانَ فَقِيها فَاضلا وَمِنْهُم ابْن عَمه عَليّ بن مُحَمَّد بن عُثْمَان السحيقي درس بالمنصورية الَّتِي بالجند وَأَخذه أَولا عَن الْفَقِيه بطال وَعَن حسن بن رَاشد وَمُحَمّد بن يحيى الجبائي وَعَن عمر بن ابراهيم الْحداد مقدم الذّكر وَهُوَ اخر من تحققته من اصحاب الامام بطال واهله

وَلم يبْق الا الشُّرُوع بِأَهْل النَّاحِيَة وَهِي من اكثر نواحي الْيمن فُقَهَاء مِنْهَا أهل قَرْيَة تعرف بحجرة بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الْجِيم وَالرَّاء ثمَّ هَاء سَاكِنة قَرْيَة قديمَة ذكر ابْن سَمُرَة جمَاعَة وَجعلهَا من خدير فَكنت اضنها من خدير بني سَلمَة فساءلت عَن ذَلِك جمَاعَة حَتَّى اخبرني عَنْهَا خَبِير وَقَالَ انها من نَاحيَة خدير الاعلا من حُدُود بلد الأشعوب الْخَبِير بهَا من فُقَهَاء النَّاحِيَة أَنه لم يكن فِي الأشعوب أعلم وَلَا أفضل وَلَا أكْرم وَلَا أحذق مِنْهُم قَالَ الْمخبر فَمن متقدميهم عمرَان ثَوَاب كَانَ فَقِيها كَامِلا وَضبط ثَوَاب بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَالْوَاو

ثمَّ الف ثمَّ بَاء مُوَحدَة ونسبهم فِي يافع الأشعوب ثمَّ ابْنه يحي كَانَ عرافا بفنون

شَتَّى مَشْهُورا بذلك وَكَانَ من كرام الْفُقَهَاء سخيا لَا يجاري فِي علمه وَكَرمه وَله شعر رائق مِنْهُ قَوْله ... شيآن أحلى من عنَاق الخرد ... والذ من شرب القراح الْأسود

واجل من رتب الْمُلُوك عَلَيْهِم ... وَشَيْء الْجَرِير مطرز بالعسجد

سود الدفاتر أَن اكون نديمها ... طول النَّهَار وَبرد ظلّ الْمَسْجِد

فاذا هما اجْتمعَا لشخص فارغ ... عَن كل هم نَالَ ابعد مقصد 5 ... وَعلا الى رتب المفاخر كلهَا ... وحوى المحامد فِي الْحَيَاة وَفِي الْغَد

ثمَّ الصَّلَاة على النَّبِي وَآله ... مَا أرقلت عيس بقاع جدجد ... ثمَّ خَلفه ابْنه مُحَمَّد كَانَ ذَا فطنة ثاقبة وَدين كَامِل وانسانية وانس لقاصديه واللايذين بِهِ وَكَانَ فَرد زَمَانه وامتحن بقضا بَلَده ثمَّ فِي أخر عمره كف بَصَره وَلم يكد يتَغَيَّر عَن حَاله الْمُعْتَاد من التدريس وَالْفَتْوَى وَالْقِيَام بالقاصد وَلَقَد اخبرني عَنهُ بعض الطّلبَة انه قدم جمع من الْفُقَهَاء فَلم يكد يجد بطرِيق هَذَا الرجل مثلا فِي الدّين وَالْفِقْه واطعام الْوَارِد اليه من الطّلبَة وَغَيرهم وَكَانَت وَفَاته لبضع عشرَة وَسَبْعمائة وَكَانَ لَهُ اخ اسْمه اسماعيل بن يحيى تفقه بفقهاء الْجند ومحسن بِقَضَاء الدملوة ثمَّ سَافر الى مَكَّة فحج وَعَاد فَتوفي بِالطَّرِيقِ فِي الْمحرم سنة اثْنَتَيْنِ وَسَبْعمائة ثمَّ خلف مُحَمَّد إبنا لَهُ اسْمه احْمَد هُوَ الان حَاكم الْبَلَد وَمِنْهُم احْمَد بن مُحَمَّد بن عِيسَى الحجوري كَانَ فَقِيها فَاضلا تفقه بَابي بكر بن يحي بن اسحق الجبائي وَعنهُ اخذ سعد بن الْفَقِيه ابراهيم بن حديق وَمِنْهُم عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله بن الْحسن المطراني تفقه بزبيد على القَاضِي عبد الله العقامي مقدم الذّكر وَعنهُ اخذ سعد الحديقي التَّنْبِيه

وَمن النَّاحِيَة عزلة تعرف بالأودية مِنْهَا بَنو مسيح بَيت فقه قديم مِنْهُم يحى بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عمر بن اِسْعَدْ بن مسيح كَانَ فَقِيها فَاضلا لم يكد يمْضِي عَلَيْهِم زمن حَتَّى شهر فيهم فَقِيه مفتى

وَمِنْهُم ابو بكر بن الْفَقِيه مُحَمَّد بن الْفَقِيه اِسْعَدْ بن مسيح كَانَ هَذَا ابو بكر فَقِيها جليل الْقدر شهير الذّكر صَاحب كرامات مَشْهُورا بالصلاح والعلوم وَلم أكد اعرف من نعت ابائه شَيْئا غير انهم كَانُوا يذكرُونَ بالفقه وجدت لأبي بكر ولدا اسْمه عبد الرَّحْمَن كَانَ مَشْهُورا بالصلاح وَمِنْهُم مُحَمَّد بن ابي بكر كَانَ عَالما صَالحا توفّي سنة سبع عشرَة وَسَبْعمائة تَقْرِيبًا وَمِنْهُم فَقِيه النَّاحِيَة مُحَمَّد بن ابي بكر بن اسماعيل بن الْفَقِيه ابي بكر بن مُحَمَّد مقدم الذّكر وَيعرف بِابْن ابي بكر مولده لاربع بَقينَ من رَمَضَان سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وسِتمِائَة تفقه بِعَبْد الرَّحْمَن الْحَجَّاجِي غَالِبا وَبِغَيْرِهِ كيوسف بن عبد الْملك مقدم الذّكر فِي أهل عمق يذكر بجودة الْفِقْه وَالصَّلَاح واستجابة الدُّعَاء وجودة الدّين ونظافة الْعلم درس مَعَ بني بطال مُدَّة وَنظر فِي كتبهمْ فَانْتَفع بهَا انتفاعا جيدا وَهُوَ الَّذِي كتبت اليه ان يُخْبِرنِي بِحَال فُقَهَاء ناحيته وَحَيْثُ ذكرت اخبرني الثِّقَة فِي اخبار فُقَهَاء النَّاحِيَة فانما عنيته لَا غير وَكَانَت وَفَاته على الطَّرِيق المرضي مستهل الْقعدَة والكائن من سنة ثَلَاث وَعشْرين وَسَبْعمائة وبهذه الْعُزْلَة فَقِيه اسْمه عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد يذكر بِالْخَيرِ وَالدّين وَمَعْرِفَة الْأَسْمَاء وَهُوَ بَاقٍ الى الْآن يسكن قَرْيَة تعرف باللفج يذكر بالصلاح وَضبط الْقرْيَة الف ولامان ثمَّ فَاء مَفْتُوحَة ثمَّ جِيم سَاكِنة

وَمِنْهُم ابو مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن بن اِسْعَدْ بن مُحَمَّد بن يسوف الْحَجَّاجِي ثمَّ الركبي كَانَ مَسْكَنه قَرْيَة تعرف ب أرؤس بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون

الرَّاء وَفتح الْوَاو وَسُكُون السِّين

الْمُهْملَة وَهِي من عزلة الأودية أَيْضا تفقه بِعَبْد الله بن عبيد السحيقي مقدم الذّكر وارتحل الى عدن فاخذ بهَا عَن الْفَقِيه ابي بكر بن الْمقري الَّاتِي ذكره واخذ عَن البيلقاني وَكَانَ تقيا نظيف الْفِقْه درس بِبَلَدِهِ واخذ عَنهُ جمَاعَة وانتفعوا بِهِ وَكَانَ مبارك التدريس فَمِمَّنْ تفقه بِهِ مُحَمَّد بن ابي بكر بن مسيح بن مُحَمَّد السحيقي مقدم الذّكر وَعبد الله بن عبد الرَّحْمَن أحد حكام الْعَصْر لبلدة الدملوة وَعلي بن مُحَمَّد السحيقي وَمُحَمّد بن عمر الْخَطِيب الْمَنَاوِيّ وَعبد الله بن ابي بكر الْخَطِيب قَاضِي الجوءة فِي عصرنا وابو بكر بن مُحَمَّد الْأَشْعَرِيّ وكما محنت بحسبة عدن جعلت ابحث عَن احوال حكامها وفقهائه القاطنين والواردين فَسمِعت أهل عدن يذكرُونَ عَن هَذَا انه كَانَ ذَا قَضَاء مرصي وانه لم يصل ايام مُحَمَّد بن عمر وَبعد ابْن مياس الَّاتِي ذكره قَاضِي مرضى السِّيرَة فِي الظَّاهِر وَالْبَاطِن غير هَذَا الْفَقِيه ثمَّ انه كَانَ قَاعِدا ذَات يَوْم فِي مجْلِس الحكم اذ اتته امْرَأَة تَشْكُو من ابيها انه منعهَا ان تتَزَوَّج من شخص اتّفقت مَعَه وَهِي تبْكي وتولول حَتَّى بهت القَاضِي وَمن حوله فَسَأَلَهَا القَاضِي عَن سَبَب ذَلِك فاوردت عَن ابيها امورا مِنْهَا انه يراودها عَن نَفسهَا فَصعِقَ القَاضِي من ذَلِك وانزوى واشمأز وَقَالَ اعوذ بِاللَّه من الاقامة فِي بلد يذكر فِيهَا هَذَا وبكم وتوهم صدق الْمَرْأَة فاخبره الْحَاضِرُونَ انها كَاذِبَة وان اباها رجل جيد من اعيان النَّاس لَا يعرف بِشَيْء من الْمُنكر فَلم يطب بل عزم وَخرج عَن عدن من فوره فَلَمَّا خرج من بَاب عدن وَصَارَ بالمباءة دخل مَسْجِدهَا وَصلى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ عَقبهَا بِدُعَاء قَالَ فِيهِ اللَّهُمَّ لَا تعدني الى هَذَا الْبَلَد ثمَّ سَافر فَلَمَّا صَار بالمفاليس توفّي فِيهَا ذَلِك الْيَوْم باحد شهور ثَمَانِي وَتِسْعين وسِتمِائَة

وَمِنْهُم مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن عبيد السحيقي مقدم الذّكر كَانَ فَقِيها

فَاضلا وَمِنْهُم أَبُو الْحسن عَليّ بن عمر بن اسماعيل بن زيد بن يحي العزيزي لقبا وَالشعْبِيّ نسبا من قوم يُقَال لَهُم بَنو الشَّاعِر من بطن من الاشعوب يُقَال لَهُم بَنو احْمَد مِنْهُم جمَاعَة بسامع وَجمع فِي اكنيت وَمن كَانَ من بني مَنْصُور وَهُوَ بَيت فِي الاشعوب فَقِيه اسْمه احْمَد مَنْصُور كَانَ تقيا فَاضلا متواضعا وَهُوَ الَّذِي انْتفع بِهِ الْفَقِيه على العزيزي وَكَانَ رجلا صَالحا وَكَانَ قومه بَنو مَنْصُور بَينهم وَبَين قوم العزيزي شقَاق فَكَانُوا يكْرهُونَ لِابْنِ عمهم تَعْلِيمه وَلَا يلْتَفت بل اجْتهد على تَعْلِيمه وتهذيبه وَبِه سمى العزيزي وتفقه وَلَده فَحصل لَهُ بركَة بذلك لم يزل مَنْصُور على طَرِيق الْفِقْه ومسكنه قَرْيَة السلق بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح اللَّام ثمَّ قَاف سَاكِنة وَهِي من عزلة العنازد بِعَين مُهْملَة ومفتوحة وَنون مَفْتُوحَة ايضا ثمَّ الف ثمَّ زَاي مخفوضة ثمَّ دَال مُهْملَة سَاكِنة كَانَ هَذَا الْفَقِيه عَارِفًا بالاصلين وَالْفُرُوع والنحو واللغة وَله شعر رائق كَانَ شرِيف النَّفس عالي الهمة مجللا عِنْد أهل بَلَده وَغَيرهَا شجاعا فِي الْحَرْب فتاكا غداء يذكر من عدوه أَنه كَانَ إِذا عدى على ظَبْي فِي الْبَيْدَاء لزمة محاورة وَكَانَ لَهُ أَعدَاء فَكَانُوا يغزونه بِجمع ويريدون قَتله وَنهب بَيته فَيخرج لَهُم ويقاتلهم ويهزمهم وَرُبمَا قتل اَوْ جرح فيهم وَكَانَ يكرم واصله وَيحسن اليهم وَكَانَت وَفَاته بِبَلَدِهِ فِي جمادي الاولى من سنة سِتّ وَتِسْعين وسِتمِائَة

ومنم ابْنا فقيهان هما مُحَمَّد وَمَنْصُور فمحمد خدم فِي الدولة المؤيدية كَاتب انشاء وَكَانَ ذَا دراية ثاقبة وَيَقُول شعرًا مستحسنا وَاجْتمعت بِهِ مرَارًا

فَوَجَدته ذَا انسانية كَانَ يحب ابْنا جنسه من الْفُقَهَاء والطلبة ويعتني بحوائجهم حَتَّى توفّي على ذَلِك مستهل رَجَب سنة ثَمَانِي عشرَة وَسَبْعمائة

أما مَنْصُور فعكف على الْفِقْه واستشغل بِهِ واتقن النَّحْو واللغة والفرائض وَالْأُصُول والحساب وَمَعَ ذَلِك كَانَ شجاعا ذَا بَصِير فِي الصِّنَاعَة كالنجارة والخياطة وَغَيرهمَا وَكَانَ يَقُول الشّعْر ايضا وَعمل قصيدة ذكر فِيهَا المعتقد وابترا من كل مُعْتَقد مُخَالف للسّنة وعرضها على الْفَقِيه صَالح بن عمر مقدم الذّكر فِي أهل ذِي السفال فارتضاها واخذها عَنهُ بَان ترك بعض اصحابه يقْرؤهَا بحضره وَحضر جمَاعَة من اصحابه واستجازوه بهَا وَلَقَد اخبرني الثِّقَة انه كَانَ لَهما ولأبيهما من الْفضل والمروءة مَا لم يكد يشركهما فِيهِ اُحْدُ من فُقَهَاء الْجِهَة وامتحن مَنْصُور بِقَضَاء الدملوة من قبل ابْن الاديب فاقام عَلَيْهِ مُدَّة مقتربة حَتَّى توفّي سنة ثَمَانِي عشرَة وَسَبْعمائة وَمن الحنحن بحائين مهملتين بعد ألف وَلَام ثمَّ نون بَينهمَا ثمَّ نون اخرى بعد الْحَاء الاخرى كِلَاهُمَا ساكنتان وَهِي قَرْيَة بواد يُقَال لَهُ معادن بِضَم الْمِيم وَفتح الْعين الْمُهْملَة ثمَّ الف ثمَّ دَال مُهْملَة مخفوضة ثمَّ نون بَينهم جمَاعَة يعْرفُونَ بالأطمول مِنْهُم مُحَمَّد الطميلي وَهُوَ من بطن من الأشعوب يُقَال لَهُم بَنو حَرْب نِسْبَة الى جد لَهُ وَلِهَذَا مُحَمَّد ابْنَانِ فقيهان هما ابو الْقَاسِم وَعبد الْملك فعبد الْملك تفقه فِي بدايته بَاهل تعز ثمَّ صَار الى الذنبتين واخذ عَن شَيخنَا ابي الْحسن اخذا جيدا ثمَّ لما ازْدحم الطّلبَة على شَيخنَا انْتقل مِنْهُ الى تِلْمِيذه سعيد العودري فاكمل تفقهه بِهِ ثمَّ عَاد بَلَده فَلَبثت اسئل عَنهُ كل من وصل فخبرت انه فَقِيه بَلَده ومفتي ناحيته وانه ورع زاهد وَكَانَت وَفَاته على ذَلِك مستهل صفر سنة ارْبَعْ وَعشْرين وَسَبْعمائة

وَأما أَبُو الْقَاسِم فَلَعَلَّهُ تفقده بِأَبِيهِ وَأخذ عَن أَخِيه عبد الْملك وَلم أعرف لَهُ نعتا

وَمِنْهُم عبد الله بن قلان اليزيدي كَانَ فَقِيها فَاضلا قَتله قوم هُنَالك يعْرفُونَ ببني مَنْصُور الَّذِي مِنْهُم الشَّيْخ العزيزي قد مضى ذكر الْجَمِيع

وَمن الصلو قد تقدم ذكر بني عبد الملك مِنْهَا وَبهَا قَرْيَة تعرف بالكبة بِفَتْح الْكَاف وَالْبَاء الْمُوَحدَة مَعَ التَّشْدِيد ثمَّ هَاء سَاكِنة كَانَ بهَا جمع أهل صَلَاح وَفقه نسبتهم فِي الأشعوب وَمِنْهُم عمر بن عَمْرو وَولده عبد الله كَانَ الْجَمِيع مشهورين بِالْعلمِ وَقد انقرضوا لم أكد اتحقق من نعوتهم شَيْئا وَمن العنازد الْعُزْلَة الْمُقدم ذكرهَا عبد الله بن ابراهيم بن حُصَيْن الْكِنْدِيّ كَانَ فَقِيها نحويا وصنف كتابا شرح بِهِ كَافِي الصفار فِي النَّحْو سَمَّاهُ الدُّرَر

وَمن قدس بِفَتْح الْقَاف وَالدَّال ثمَّ سين مُهْملَة وَهِي عزلة متسعة ذَات قرى كَانَ فِيهَا فُقَهَاء فضلاء متقدمون ومتاخرون مضى ذكر الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين ثمَّ من منزل مُحَمَّد بن عمر الكرندي بخفض الْكَاف وَفتح الرَّاء وَسُكُون النُّون ثمَّ دَال مُهْملَة ثمَّ يَاء مثناة من تَحت نسبه الى جد لَهُ وَهُوَ جد قوم يعْرفُونَ ببني الكرندي كَانُوا مُلُوك المعافر وَغَيرهَا من بِلَاد الْيمن يَأْتِي ذكرهم ان شَاءَ الله تَعَالَى فِي الْمُلُوك صنف هَذَا كتابا فِي تَعْبِير الْمَنَام وَكَانَ بِهِ عَارِفًا سَمَّاهُ كتاب الْفتيا فِي تَعْبِير الرُّؤْيَا وَكَانَ يسكن مطران موضعا كَأَنَّهُ تَثْنِيَة مطر وَمن ذُريَّته فَقِيه اسْمه مُحَمَّد

بن سبا كَانَ فَقِيها فَاضلا

وَمِنْهُم ابراهيم بن سبا كَانَ مَوْصُوفا بالصلاح وَله كرامات مَشْهُورَة مِنْهَا انه ترسم عَلَيْهِ ديوَان من جِهَة اهل الامر وحبسوه بِمَسْجِد وأذ بِنَار قد اقبلت عَلَيْهِم فَهَرَبُوا وتركوه فَمضى لِحَاجَتِهِ وَكَانَت وَفَاته بصفر سنة عشْرين وَسَبْعمائة

وَمن وَادي السحى وَهُوَ على قرب من قَرْيَة حجرَة الْمُقدم ذكرهَا كَانَ بِهِ جمَاعَة مِنْهُم عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الشّعبِيّ كَانَ فَقِيها فَاضلا وَأَبوهُ وجده كَذَلِك وَأما عبد الرَّحْمَن الشّعبِيّ فَتوفي مُنْذُ مُدَّة لَا اعلمها وَله جمَاعَة أَوْلَاد غالبهم خِيَار مِنْهُم عبد الله قَاضِي الدملوة فِي عصرنا اخبرني الثِّقَة ان مولده جمادي الاولى م سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وسِتمِائَة يذكر بالفقه والنحو واللغة والذكاء والسداد فِي احكامه والتوفيق بفتاويه ولى قضا الدملوة قبل العزيزي مَنْصُور مُدَّة ثمَّ تَركه وَحج فَلَمَّا توفّي العزيزي عَاد عَلَيْهِ وَتَركه فِي هَذَا الْوَقْت زهادة وتورعا وَتُوفِّي على ذَلِك فِي الْمحرم أول سنة سبع وعشين وَسَبْعمائة واستخلف فِيهِ أَخا لَهُ اسْمه احْمَد مولده رَجَب سنة إِحْدَى وَتِسْعين وسِتمِائَة

وَمِنْهُم أَخُوهُ ايضا إِبْرَاهِيم فَقِيه فَاضل بالفقه والعربية والقراءات ورع مَحْمُود السِّيرَة وَفِي بني خلدوا جمَاعَة مِنْهُم منيف وَأَخُوهُ شرف ابْنا عِيسَى بن يُوسُف بن خلدوا تفقه بفقيه يعرف بِابْن سُوَيْد كَانَ مَسْكَنه قَرْيَة السعَة الَّاتِي ذكرهَا من معشار السمدان اسْمه بكر وَيَأْتِي ذكره ان شَاءَ الله وَمِنْهُم الْآن فَقِيه اسْمه كهلان بن احْمَد بن يُوسُف بن خلدوا اجْتمعت بِهِ وسئلته عَن مولده فَقَالَ سنة تسع وَسبعين وسِتمِائَة تفقه بعثمان الجبائي الْمُقدم ذكره وَيذكر عَنهُ الْفِقْه ولى قضا بَلَده مُدَّة ثمَّ فَصله ابْن الاديب

وَمِنْهُم ابو بكر بن سُوَيْد الهبيلي بِضَم الْهَاء وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة ثمَّ يَاء سَاكِنة مثناة من تَحت وخفض اللَّام ثمَّ يَاء نسب نِسْبَة لَا أعرف إِلَى من

هِيَ ومسكنه صبران بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَرَاء ثمَّ ألف ثمَّ نون تَثْنِيَة صَبر محرك الْعين بِالْفَتْح كَانَ فَقِيها خيرا وَتُوفِّي لبضع عشرَة وَسَبْعمائة

وَمِنْهُم ابْن عَم لَهُ اسْمه عمر بن عمر الهبيلي ثمَّ الشّعبِيّ تفقه بِأَهْل جبا وَرُبمَا ارتحل إِلَى ذِي السفال فَأخذ عَن الْفَقِيه صَالح

وَمن جبل ذبحان ثمَّ من عزلة المذنب بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة وَضم النُّون وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة جمَاعَة مِنْهُم على بن احْمَد كَانَ فَقِيها صَالحا زاهدا ورعا ووقف على الْفُقَرَاء وَقفا جيدا وَكَانَ يسكن قَرْيَة يُقَال لَهَا جرحزة بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الرَّاء وَفتح الْحَاء والزاء ثمَّ هَاء سَاكِنة وَفِي قَرْيَة من هَذِه العزنة اسْمه احْمَد بن الْحُسَيْن مَسْكَنه محبن بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة ثمَّ نون سَاكِنة ونسبته فِي بني أرحب

وَمن بني حران قوم يسكنون قَرْيَة من اعمال السمدان الْحصن الْمَشْهُور فِي الْيمن يُقَال لَهَا السعَة بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْعين الْمُهْملَة ثمَّ هَاء سَاكِنة

مِنْهُم عبد الله بن خيران ولى قضا بَلَده من قبل بني مُحَمَّد بن عمر ثمَّ نقلوه عَنهُ الى قَضَاء حيس فَلبث عَلَيْهِ الى ان توفّي وَكَانَ يذكر بِالدّينِ والورع توفّي فِي شهر رَمَضَان سنة سِتّ عشرَة وَسَبْعمائة

وَمن ذبحان فَقِيه اسْمه بكرو بِزِيَادَة وَاو بعد الرَّاء لم اتحقق من نَعته شَيْئا

ذكر لي الْخَبِير أَنه كَانَ فَاضلا بالنحو وَمن بلد الدملوة قوم يعْرفُونَ ببني الزراد اصل بلدهم مسور المتتاب ونسبهم فِي حمير يسكنون فِي بلد الاجيبال تَصْغِير جبال جمع جبل كَانَ فيهم فُقَهَاء جمَاعَة وَمِنْهُم عَليّ بن مُحَمَّد ايضا كَانَ فَقِيها فَاضلا بالاصول شرح لمع الشَّيْخ ابي اسحاق شرحا مُفِيدا وَولده مُحَمَّد كَانَ ايضا فَقِيها عَارِفًا وَمِنْهُم عَليّ ابْن مُحَمَّد كَانَ فَقِيها فَاضلا بالاصول وَهُوَ اُحْدُ شُيُوخ مُحَمَّد بن مَسْعُود السفالي وَمن قَرْيَة تعرف بمعبرة فِي بلد الاشعوب فَقِيه اسْمه اسحاق بن احْمَد الْمعَافِرِي ثمَّ المعبري نِسْبَة الى الْقرْيَة وضبطها بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَالرَّاء ثمَّ هَاء سَاكِنة وَهِي قَرْيَة كَبِيرَة بهَا جَامع بناه الْحَافِظ ابو الدّرّ جَوْهَر الْمُقدم ذكره وَأما الْفَقِيه

الْمَذْكُور فَكَانَ يذكر بِالْفَضْلِ بِمَعْرِِفَة الْفِقْه والنحو والقراات وَله فِي القراات كتاب يُسمى الايجاز وَفِي النَّحْو كتاب يُسمى المبتدى

وَمِنْهُم ابراهيم بن ابراهيم بن عمر المذحدجي الجبيري نِسْبَة الى جد لَهُ اسْمه جُبَير نِسْبَة بِأبي الْفَقِيه اليافعي تفقه بابتدايه بِبَعْض فُقَهَاء حجرَة الْمُقدم ذكرهَا ثمَّ بعثمان بن عبد الله وَابْن عَمه عبد الله بن عمر بن الاسحاقيين الجبائيان وَكَانَ مَسْكَنه حصن يَمِين فِي قَرْيَة يُقَال لَهَا بابة من مَحَارِث الْوسط وَكَانَ فَاضلا توفّي بقريته الْمَذْكُورَة بربيع الاول من سنة سبع عشرَة وَسَبْعمائة وَله ابْن أَخ يطْلب الْعلم بمدنية جبا اجْتمعت بِهِ وَوَجَدته مُجْتَهدا بِقِرَاءَة الْعلم وَهَذَا آخر فُقَهَاء هَذِه النَّاحِيَة الَّذين تحققت استحقاقهم للذّكر وحاكم الدملوة فِي عصرنا سنة تسع وَعشْرين وَسَبْعمائة رجل اسْمه مَنْصُور بن حسن ثمَّ لَيْسَ بنيهما وَبَين عدن أحد يسْتَحق الذّكر فِيمَا اعْلَم

فاذكر حِينَئِذٍ عدن ونواحيها ثمَّ مَدِينَة ظفار وَهِي احدى مدن الْيمن وجزيرة الْعَرَب وَقد ذكر إِبْنِ سَمُرَة جمَاعَة مِمَّن هَذِه النواحي وذكرتهم مَعَ زِيَادَة وَقعت وَأَن الْغَالِب على عدن قلَّة الْفُقَهَاء لأَنهم أهل تِجَارَة فَمن مُتَقَدِّمي الْمُتَأَخِّرين عَن زمن ابْن سَمُرَة جمَاعَة مِنْهُم قوم يعْرفُونَ ببني الصَّواف اصلهم من الاسكندرية وهم أهل بَيت تَقِيّ مِنْهُم يُوسُف ابْن عبد الْوَهَّاب بن عبد الرَّحْمَن بن مُوسَى الصوافي التَّمِيمِي كَانَ رجلا خيرا يتعانى التِّجَارَة والاشتغال بِالْعلمِ سمع شَيْئا من الحَدِيث على الشَّيْخ مُحَمَّد بن ابي الْقَاسِم كردان شاه الشِّيرَازِيّ الصُّوفِي

وَمِنْهُم طَاهِر بن عَليّ كَانَ رجلا مُبَارَكًا يؤم مَسْجِد الله الْمَعْرُوف بِمَسْجِد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ووالده عَليّ كَانَ رجلا تَاجِرًا اسْتحبَّ بِالْمَسْجِدِ الْمَذْكُور فَبنى الْجنَاح الشَّرْقِي والمؤخر الَّذِي فِي الْمَسْجِد ووقف عَلَيْهِ مَوَاضِع فِي الْبَلَد وَجعل ذَلِك بِنَظَر اولاده فَهُوَ بيد اولاده الى عصرنا وهم بَيت تقى وَلما دخلت عدن سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة كنت كثير التَّرَدُّد لزيارة الْمَسْجِد الْمُبَارك وحصلت الفة بيني وَبَين أبن هَذَا طَاهِر فقد سَمِعت النَّاس يثنون عَلَيْهِم واحتجت الى النِّكَاح وخشيت الْعَنَت فَتزوّجت مِنْهُم اختا للَّذي هُوَ الْآن قَائِم بِالْمَسْجِدِ فَحدث لي مِنْهَا اولاد وَكَانَ الْفَقِيه طَاهِر رجلا مُبَارَكًا ذَا ديانَة يسفره الْمُلُوك فِي الشَّهَادَات سَفَره الْملك المظفر إِلَى ظفار ثمَّ تَركه على خزانَة القرضة بعدن إِلَى أَن توفّي بعدن وَخَلفه ابْن لَهُ اسْمه عبد الله كَانَ يذكر بِالدّينِ والمروة توفّي سنة خمس وَتِسْعين وسِتمِائَة وَهُوَ الَّذِي تزوجت ابْنَته وَمِنْهُم بَنو المسلماني كَانَ فيهم جمَاعَة أخيار لم أكد أتحقق مِنْهُم بِالتَّسْمِيَةِ أحدا

وَمِنْهُم ابو مُحَمَّد عبد الله الزبادي العمدي الْحَضْرَمِيّ وَيعرف بَابي قفل كَانَ فَقِيها يرْوى عَن السلَفِي الْمُقدم الذّكر اخذ عَن مُحَمَّد بن طَاهِر بن يحيى بن أبي الْخَيْر سيرة ابْن هِشَام واظن ذَلِك أَيَّام تقضيته بعدن وَكَانَ ذَا دين ولبث مُدَّة يؤم النَّاس بِمَسْجِد ابان كَبِير يتشغل عَن ذَلِك فابتنى مَسْجِدا لطيفا شَرْقي مَسْجِد ابان وَهُوَ مَوْجُود إِلَى عصرنا غير أَنه خراب وَلم يزل فِي مَسْجده الَّذِي بناه حَتَّى توفّي وَلم اتحقق لَهُ تَارِيخا وَمِنْهُم ابراهيم بن إِدْرِيس بن حسن الْأَزْدِيّ نسبا والسرددي بَلَدا اصل بَلَده سردد من أَعمال المهجم وابتدا قِرَاءَته بالضحى وَهُوَ الَّذِي علم الامام اسماعيل الْقُرْآن الْكَرِيم وَكَانَ فِي اثناء التَّعْلِيم يقرا الْفِقْه ثمَّ قدم عدن فادرك بهَا ابراهيم القريظي فاخذ عَنهُ السمتصفى كَمَا أَخذه عَن مُصَنفه وبهذه الطَّرِيقَة يرويهِ شَيخنَا احْمَد بن عَليّ السرددي إِذْ اخذه عَن هَذَا ابراهيم واخذ ايضا عَن الامام الصغاني مقدم الذّكر وَعنهُ اخذ شَيخنَا احْمَد بن عَليّ الْحرَازِي الْآتِي ذكره لجَمِيع مَا يرويهِ الصغاني وَكَانَت وَفَاته لبضع وَخمسين وسِتمِائَة

وَمِنْهُم عَليّ بن احْمَد بن حسن الْحرَازِي مولده بزبيد وَبهَا تفقه ثمَّ سَار الى عدن فصحب الْفِقْه ابراهيم السرددي مقدم الذّكر وأخاه ثمَّ لما توفّي انزله قَبره بعد أَن اضْطجع فِيهِ قبله وَكَانَ فعل ذَلِك تشبها بِمَا فعله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأم عَليّ بن ابي طَالب حِين أَرَادَ دَفنهَا وَأخذ عَن الصغاني وَكَانَت وَفَاته سنة ثَمَان وَخمسين وسِتمِائَة فقبر الى جنب ابراهيم مقدم الذّكر وزرت قبورهما غير مرّة

وَمِنْهُم ابو عبد الله مُحَمَّد بن يحيى عرف بَابي شُعْبَة الْحَضْرَمِيّ سكن عدن مُدَّة طَوِيلَة وَكَانَ تفقهه مُدَّة بسالم بن مُحَمَّد بن يحيى وبعلي بن أَحْمد بن دَاوُد الْآتِي ذكرهمَا فَأخذ عَن البيلقاني وَكَانَ رجلا صَالحا لزم مَسْجِدا لعدن يعرف بِمَسْجِد التَّوْبَة

وَلما طَالَتْ اقامته بِهِ صَار يعرف بِهِ ايضا فَيُقَال مَسْجِد ابي شُعْبَة وَكَانَ النَّاس

ينتابون اليه ويزورونه فِيهِ وَبِه تفقه جمَاعَة واخذ عَنهُ مُحَمَّد بن حرابة وَغَيره وَعنهُ اخذ شَيخنَا احْمَد بن عَليّ الْحرَازِي شيا من كتب الْفِقْه والْحَدِيث وَكَانَ شَدِيد الْوَرع وَلما دخل المظفر عدن وبلغه حَاله احب الِاجْتِمَاع بِهِ فاستدعاه فحين وَصله الرَّسُول قَالَ لَهُ قَالَ لمرسلك لَيْسَ لي إِلَيْهِ حَاجَة فَإِن كَانَ لَهُ حَاجَة إِلَى وصل ثمَّ أَن المظفر خبر بذلك الشَّمْس البيلقاني فَقَالَ يَا مَوْلَانَا هَذَا رجل الْيمن فِي الصّلاح وَبَالغ فِي تَعْظِيمه وَاخْبَرْ مِنْهُ بمناقب علمهَا فَقَالَ السُّلْطَان اذا كَانَ بعد الْعشَاء فلاقنا الى بَاب الْمَسْجِد فَنحْن نحب زيارته متنكرين فَلَمَّا كَانَ الْوَقْت الْمَذْكُور رَآهُ متنكرا وَلَقَد أَخْبرنِي الثِّقَة من أَصْحَابِي أَنه أَتَاهُ ليقرء عَلَيْهِ فَلَمَّا صَار على بَاب الْمَسْجِد سمع متحدثين يتحدثون مَعَ الْفَقِيه فَتوهم أَنهم زوار يراجعون الْفَقِيه بِشَيْء فَوقف سَاعَة حَتَّى سكت الْكَلَام ثمَّ تنحنح فَقَالَ الْفَقِيه من هَذَا فَقَالَ انا عَبدك فلَان فاذن لي بِالدُّخُولِ فَلَمَّا دخل لم يجد احدا غير الْفَقِيه فَقَالَ يَا سَيِّدي سَمِعت مَعَك مُرَاجعَة حَدِيث وَقد لي سَاعَة فَقَالَ لَهُ أَو قد سَمِعت ذَلِك فَقَالَ نعم قَالَ عِنْدِي جمَاعَة من اخوانكم الطّلبَة من الْجِنّ يَسْأَلُونِي عَن مسَائِل ويراجعوني واراجعهم وَمن غَرِيب مَا حكى لَهُ ان الشَّمْس البيلقاني حصل بِهِ مرض امْتَدَّ بِهِ مُدَّة وَكَاد يؤس مِنْهُ فَأصْبح ذَات يَوْم مفرجا فَدخل عَلَيْهِ بعض أَصْحَابه وَأَهله فسالوه كَيفَ أصبح فَقَالَ طيبا بِحَمْد الله تَعَالَى لكني احب ان اتقدم لزيارة الْفَقِيه ابي شُعْبَة ثمَّ قَامَ متوكأ ببعضهم وَسَار من فوره حَتَّى اتى مَسْجِد الْفَقِيه وَهُوَ على قرب من بَيته فطلع الْمَسْجِد عَن يَمِين أبي شُعْبَة وَأَقْبل لِأَنَّهُ مُرْتَفع لَهُ عدَّة درج فَلَمَّا علم الْفَقِيه بمصيره فِي طرف الْمَسْجِد لقِيه إِلَى بَابه وَسلم عَلَيْهِ فاعتنقا وتسالما ثمَّ دخل الْمَسْجِد وَقعد على يَمِين ابي شُعْبَة وَاقْبَلْ عَلَيْهِ يسئله عَن حَاله فَقَالَ يَا سَيِّدي حصلت الْعَافِيَة مجددا ببركتك وَذَلِكَ أَنِّي كنت اشرفت على الْمَوْت ويئست من الْحَيَاة فَلَمَّا كَانَ البارحة رَأَيْت ابْن عَم لي قد توفّي من زمَان قد جَاءَنِي وَأخذ بيَدي وَسَار بِي حَتَّى أَتَيْنَا دَرَجَة مسجدك

فَقلت لَهُ دَعْنِي ادخل أسلم على الْفَقِيه واخرج واروح مَعَك حَيْثُ تُرِيدُ ثمَّ طلعت كَمَا طلعت الْآن وسلمت عَليّ واجلسني كَمَا فعلت الان فاخبرتك بِحَدِيث ابْن عمي وانه ينتظرني فاشرفت عَلَيْهِ من هَذِه الطَّاقَة واشار الى طَاقَة فِي الْمَسْجِد وَقلت لَهُ يَا فلَان تقدم فَإِن ابْن عمك مَا يروح مَعَك فِي هَذَا الْوَقْت عَاد لَهُ حوايج مَا تتقضى الا بعد مُدَّة سِنِين ثمَّ استيقظت فَوجدت الْعَافِيَة من فوري وَعلمت ان ذَلِك ببركتك وَكَانَت وَفَاة هَذَا الْفَقِيه على الطَّرِيق المرضي فِي شهر شعْبَان سنة سِتّ وَسبعين وسِتمِائَة

وَمِنْهُم ابو الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد بن حجر بن احْمَد بن عَليّ بن عَليّ بن احْمَد بن حجر الْأَزْدِيّ نسبا والحجري بَلَدا فحجر بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْجِيم ثمَّ رَآهُ وَأما بَلَده فَهِيَ الهجرين تنْسب الى الشحر وَهِي بَين الشحر وحضرموت وَقد ذكرهَا ابْن سَمُرَة وَذكر مِنْهَا أَبَا ربيع وَأما هَذَا الْفَقِيه فسكن عدن وَكَانَ يعرف بِأبي حجر مولده سنة ثَمَانِي وَتِسْعين وَخَمْسمِائة تَقْرِيبًا وَكَانَ فَقِيها مُحدثا لَهُ مسموعات واجازات وَكَانَ من اهل المروات والدينات وَكَانَ ذَا دنيا متسعة متورعا من ان يخْتَلط بِمَالِه شَيْء من الشّبَه وَلَا يُبَالغ من يتهم بذلك وَلَا من يحتكر الدِّرْهَم فِي بَيْعه الخبرني وَالِدي يُوسُف بن يَعْقُوب رَحمَه الله تَعَالَى أَن رجلا يُقَال لَهُ يُوسُف الَّاتِي ذكره كَانَ عطارا بِمَدِينَة الْجند وَأَنه كَانَ لَا يتَجَاوَز فِي الدَّرَاهِم أَنما يَأْخُذ الْوَاحِد من الْجَمَاعَة فَقدر لَهُ سفر الى عدن يَشْتَرِي نسمَة عطرا فوصل الى هَذَا الْفَقِيه وَسَأَلَهُ عَمَّا يُرِيد من الحوايج فَقَالَ لَهُ هِيَ مَوْجُودَة فَنَاوَلَهُ صرة فَقَالَ الْفَقِيه لبَعض عبيده خُذْهَا وانقدها فَقَالَ الْآتِي لَا يحْتَاج الى نقاده فَلَيْسَ ببلدي من يحتكر الدِّرْهَم مثلي فَقَالَ ابو حجر وانت تفعل ذَلِك قَالَ نعم قَالَ اعد لَهُ دَرَاهِمه فَمَا تدخل بَين دراهمي فأعيدت عَلَيْهِ

وَانْصَرف خائبا من الْفَقِيه وَكَانَ من قدم عدن من اهل الْفضل انما ينزل فِي الْغَالِب على هَذَا الْفَقِيه فينزله فِي بَيت من بيوته على قرب مِنْهُ وَلكَون النَّاس يَجْتَمعُونَ اليه للْقِرَاءَة عَلَيْهِ فِي مَسْجِد السماع سمى بذلك كَثْرَة مَا كَانَ يسمع فِيهِ من الْكتب على وارديه فَمِمَّنْ قدم عَلَيْهِ الْفَقِيه ابو الْخَيْر بن مَنْصُور مقدم الذّكر فِي أهل زبيد وَرُبمَا ذكرُوا أَنه اخذ عَنهُ وَقدم الْعَبَّاس بن الصُّلْح المغربي الْآتِي ذكره فَلبث كَذَلِك وَقد أَخذ عَن ابي حجر جمَاعَة من عدن وَغَيرهَا مِنْهُم شَيخنَا أَحْمد الحوازي وَأحمد الْقزْوِينِي وَمُحَمّد بن حُسَيْن الْحَضْرَمِيّ وَغَيرهم وَبلغ الْفَرْض الزكوي من مَاله اربعين الْفَا وَقيل سِتِّينَ الْفَا يتَصَدَّق بذلك فِي غَالب ايامه حَتَّى كَاد لَا يَنْقَطِع صدقته وَلم يزل على ذَلِك حَتَّى توفّي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء خَامِس صفر سنة خمس وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَهُوَ ابْن ثَمَان وَثَمَانِينَ سنة وَخلف وَلدين هما مُحَمَّد وَعبد الله فمحمد تفقه وازوجه وَالِده بابنة تَاجر من أَعْيَان التُّجَّار يُقَال لَهُ السراج إدرس وَكَانَ فِيهِ سخاء مفرطا وَكَانَ لَا يبْق شَيْئا وَلَا يخيب لَهُ قَاصد فتضعضع حَاله وَركبهُ دين وَذَلِكَ بعد وَفَاة ابيه فوصله بعض مستحقي الدّين وطالبه بِمَا هُوَ لَهُ وَاغْلُظْ لَهُ الطّلب وسَمعه كلَاما فَاحِشا وَهُوَ قَاعد على بَاب دَاره فَدخل من فوره الدَّار وَعمد الى حَبل فشنق نَفسه وَذَلِكَ يَوْم الْجُمُعَة لأيام مضين من الْقعدَة سنة خمس وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة فَرَأى بعض أهل عدن تِلْكَ اللَّيْلَة أَنه قَائِم على بَاب الْمَسْجِد مَسْجِد أبان الْمُقدم ذكره اذ بِجَمَاعَة قد أَقبلُوا من بَاب عدن قَاصِدين الْمَدِينَة وَعَلَيْهِم هَيْئَة سنية وَلَهُم وُجُوه مضيئة فَسئلَ عَنْهُم فَقيل هَذَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجَمَاعَة من أَصْحَابه يُرِيدُونَ الصَّلَاة على رجل من أهل الْبَلَد يَمُوت غَدا فَلَمَّا اصبح الصَّباح وَجرى لهَذَا مُحَمَّد مَا جرى وَلم يمت اُحْدُ غَيره وصل الى الْموضع الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ على الْمَوْتَى وَقعد فِيهِ ينْتَظر وُصُوله ليُصَلِّي عَلَيْهِ من جملَة النَّاس قَالَ قَالَ فَأَحْبَبْت ونمت مُحْتَبِيًا وَقد فَكرت وَقلت مَا يتَصَوَّر لمثل هَذَا أَن يُصَلِّي النَّبِي الصلوة عَلَيْهِ وَقد شنق نَفسه فَسمِعت فِي مَنَامِي قَائِلا يَقُول لَا تفتك هَذِه الْجِنَازَة هُوَ هَذَا الرجل بِعَيْنِه فَاسْتَيْقَظت وجددت الْوضُوء وَتَقَدَّمت بَاب الْمَيِّت فشيعت جنَازَته وَحَضَرت الصلوة عَلَيْهِ وَالْقُرْآن لَهُ واخبرني شَيْخي احْمَد بن

على الْحرَازِي انه كَانَ للفقيه ابي حجرَة عدَّة بَنَات صالحات فِي الْغَالِب فَذكرت احداهن انها رَأَتْ اباها بعد موت أَخِيهَا بِمدَّة فَقَالَت يَا أبتي مَالك فَقَالَ مذ وصلنا اخوك وَنحن فِي مُلَازمَة الله أَن يغْفر لَهُ جِنَايَته على نَفسه فَلم يفعل ذَلِك الا بعد مشقة شَدِيدَة واسراف على النَّاس من ذَلِك

وَأما عبد الله فباق فِي عدن الى أَن خرجت عَنْهَا سنة عشر وَسَبْعمائة وَكَانَ ايضا قد رَكبه دين عَظِيم وَأقَام فِي الْحَبْس سِنِين عديدة ثمَّ اطلق وَلما صَار ابْن البيلقاني نَاظرا بعدن وَله عَلَيْهِ شَفَقَة رَاجع الْمُؤَيد لَهُ فِي شَيْء من الصَّدَقَة تجْرِي لَهُ فاجاب الى ذَلِك وَذَلِكَ ان الْفَقِيه ابا حجرَة كَانَ يعود البيلقاني كل سنة مبلغا نَافِعًا من زَكَاته الْمَذْكُورَة وامتحن فِي آخر عمره بكفاف بَصَره وَهُوَ على ذَلِك إِلَى أَن فَارَقت عدن بالتاريخ وقبر أبي شُعْبَة وابي حجر وَابْنه متقاربون بالمجنة الَّتِي تعرف بالقطيع

وَمِنْهُم أَحْمد بن مُحَمَّد بن حجر صنو الْفَقِيه ابي حجر كَانَ مشاركا بِالْعلمِ ذَا صَدَقَة ومعروف وَسكن مَدِينَة كلحور من بِلَاد الْحَبَش وَلما حَضرته الْوَفَاة أوصى الى أَخِيه ان يتَصَدَّق عَنهُ بِثلث تركته وَكَانَ ثلثا متسعا وَتُوفِّي حَيْثُ سكن وَذَلِكَ قبل أَخِيه بعدة سِنِين وَخلف خَمْسَة أَوْلَاد يسْتَحق الذّكر مِنْهُم اثْنَان مُحَمَّد وابراهيم فمحمد كَانَ مصلحا لدينِهِ ودنياه وَتُوفِّي ايضا بكلحور سنة سبع وَسبعين وسِتمِائَة وَأما ابراهيم فغلب عَلَيْهِ الْعِبَادَة وَسكن مَكَّة وَأقَام بهَا وَفِي السّنة الَّتِي توفّي فِيهَا اعْتَمر فِي شَهْري رَجَب وَشَعْبَان سِتِّينَ عمره وَفِي رَمَضَان خَاصَّة سِتِّينَ ايضا ثمَّ توفّي بشوال سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وسِتمِائَة

وَمِنْهُم حُسَيْن بن مُحَمَّد بن عدنان تَسْمِيَة بوالده فِي النّسَب الشريف وَكَانَ هَذَا حُسَيْن رجلا فَقِيرا يؤم بِمَسْجِد الزنجبيلي ولديه فقه فَلَمَّا وصل كتاب من أهل

تابه من الْهِنْد الى المظفر يبْعَث لَهُم فَقِيها يكون حَاكما بَينهم كتب الى نَائِبه بعدن أَن ينظر فَقِيها جيدا يزوده ويبعثه اليهم فَفعل ذَلِك بِهَذَا حُسَيْن وسافر الى الْهِنْد فَلبث بتانة مديدة وَتُوفِّي بعد أَن ارتضوه حكما وَكَانُوا يثنون عَلَيْهِ فِي الحكم

وَمِنْهُم مُحَمَّد بن عشيق بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء الْمُثَنَّاة من تَحت ثمَّ قَاف كَانَ مَشْهُورا بالصلاح وَحكى أَنه كَانَ يؤم بِالْمَسْجِدِ الْمُعَرّف بِمَسْجِد ابْن مدادة فَذكرُوا انه اراد مرّة الْإِحْرَام بِبَعْض الصَّلَاة فَلَمَّا كبر ارْتَفع الى السّقف ثمَّ صلى فَلَمَّا فرغ وجد نَفسه على السّقف فَنَادَى انزلوني فَقَالُوا كَيفَ طلعت ثمَّ أَتَوا بِسَلام فركزوه لَهُ وَنزل عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ بعض خواصه بِاللَّه كَيفَ كَانَ طلوعك فَلَمَّا لَازمه اخبره بالقصة الْمُتَقَدّمَة وَقَالَ حصل عَليّ حَال فاطلعني فَلم أَجِدهُ وَقت النُّزُول وَتُوفِّي على الطَّرِيق المرضي وقبره باليوارين أحد مَقَابِر عدن

ثمَّ صَار الْعلم الى طبقَة أُخْرَى مِنْهُم شَيْخي أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن الْفَقِيه عَليّ بن احْمَد الْحرَازِي الْمُقدم مولده سنة ثَلَاث واربعين وسِتمِائَة تفقه بِعَبْد الرَّحْمَن الأبيني الْآتِي ذكره وبأبي شُعْبَة وَأخذ عَن أبي حجر وَغَيره وَلما قدم الْمقري البكراوي الاسكندري إِلَى عدن أَخذ عَنهُ علم الْقرَاءَات السَّبع وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْحُرُوف السَّبْعَة وَكَانَ بهَا عَارِفًا وَأخذ أَيْضا عَن المقي سبأ الْآتِي ذكره وَكَانَ عَارِفًا بالفقه والنحو واللغة والْحَدِيث وَظَاهر الْأُصُول وَعَلِيهِ قَرَأت مُقَدّمَة بابشاذ الصُّغْرَى ثمَّ الدريدية ثمَّ هِيَ مَعَ بسيط الصغاني ثمَّ نظام الْغَرِيب فِي اللُّغَة ثمَّ أَسمَاء الْأسد للصغاني وشيا من وسيط الْفِقْه وَكَانَ من ابرك النَّاس تدريسا قل مَا قَرَأَ عَلَيْهِ أحد إِلَّا انْتفع لبركته وَحسن

تدريسه وَأخذت عَنهُ سيرة ابْن هِشَام وَدخلت عَلَيْهِ فِي مرض مَوته وَأَنا اذ ذَاك محتسب عدن فساءلته أَن يجيزني ويجيز وَالِدي يُوسُف بِجَمِيعِ مَا يجوز لَهُ رِوَايَته فَفعل وانتفع بِهِ خلق كثير من عدن وَغَيرهَا وامتحن بالقضا لما ولى ابْن الاديب الْقَضَاء الْأَكْبَر كتب الى السُّلْطَان الْمُؤَيد يستشيره بِمن يقْضِي بعدن فالزمه أَن يوليه فَفعل ذَلِك على كره مِنْهُ فاستمر على ذَلِك مُدَّة فَلَمَّا مرض استنابني فِي الحكم والانكاح وَكَانَ من اخيار الْفُقَهَاء والقضاة وسليمي الصَّدْر فيهم يَقُول الْحق فِي الْغَالِب وَسُئِلَ ذَات يَوْم فِي مسئلة فقهية وَفِي عدن يَوْمئِذٍ حَاكم يَدعِي أَنه مُجْتَهد وَقد حكم فِي مسئلة خلاف الْمَذْهَب فَقَالَ أما الَّذِي نعرفه فِي كتبنَا وأخذنا عَن الشُّيُوخ الْإِثْبَات ووجدناه فِي نُصُوص الشَّافِعِي فَهُوَ كَذَا وَكَذَا وَأما الَّذِي يُريدهُ ابْن فلَان يَعْنِي القَاضِي فَلَا نعرفه وَكَانَ يُوجد فِي حكمه بعض انتقاد فَيُقَال لَهُ لم ذَلِك فَيَقُول قضاي هَذَا مُشْتَرك ربعه لي وربعه لعبد الله العواجي وَربع للحدثين وَسُئِلَ رجلَانِ من أَصْحَاب ابْن الأديب كَانَا يحْضرَانِ مَجْلِسه ويتوليان غَالب أَحْكَامه جَرَاءَة واستخفافا بِحقِّهِ وإدلالا بصحبتهما وَرُبمَا كَانَ احْتِمَاله لَهما باشارة من صَاحبهمَا وَهُوَ ابْن الاديب الَّاتِي ذكره

وَمن غَرِيب مَا يذكر عَنهُ انه لم يعلم لَهُ صبوة وَحج وَكَانَت وَفَاته سحر لَيْلَة الثُّلَاثَاء لسبع بَقينَ من رَجَب سنة ثَمَانِي عشرَة وَسَبْعمائة وقبره الى جَانب قبر أَبِيه عِنْد مصلى الْعِيد وقبر الشَّيْخ ابْن ابي البطال وَقد عمل لَهُ التَّاجِر سُلَيْمَان بن مَحْمُود ابْن ابي الْفضل الشِّيرَازِيّ صندوقا حسنا جزاه الله خيرا وَكَانَ هَذَا سُلَيْمَان من أخير التُّجَّار أَدْرَكته بعدن بِحسن الْخلق وَكَثْرَة الصَّدَقَة وَفعل الْمَعْرُوف للاكابر والأصاغر عُمُوما قل من يدْخل عدن فِي طلب مَعْرُوف الا ويقصده فينيله وَلَا يخيبه وابتنى مَسْجِدا كَبِيرا بعدن ووقف عَلَيْهِ بعض وقف ثمَّ عاجلته الْمنية فَلم تمكنه من فرَاغ بِنَاء الْمَسْجِد غير اشهر مَعْدُودَة وَتُوفِّي على احسن حَال فِي الْمحرم سنة عشْرين وَسَبْعمائة فقبر الى جنب قبر الْحرَازِي الْمَذْكُور آنِفا

ثمَّ نرْجِع الى ذكر الْفُقَهَاء مِنْهُم ابو بكر بن مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن سعيد

الرعيني عرف بِابْن الْمقري مولده سنة اثْنَتَيْنِ واربعين وسِتمِائَة كَانَ تربا لِابْنِ الْحرَازِي وزميلا لَهُ بالقراه قل مَا قراء كتابا الا وسَمعه مَعَه وَكَانَ محققا لعلم الْفَرَائِض والحساب والجبر والمقابلة وَلما صَار يدرس بِالْمَدْرَسَةِ الى ابْن الْحرَازِي جعل هَذَا معيدا لَهُ فاقام مُدَّة طَوِيلَة فِي الاعادة وَلَقَد اخبر من قَرَأَ عَلَيْهِ الْفَرَائِض انه قَالَ كنت اغلط فِي المسلة وَاسْتمرّ ثمَّ استدرك ذَلِك فاريد تغير مَا قد صورته على الْبَحْث فَيَقُول لَا تطمس الا من مَوضِع كَذَا فاعمل لما قَالَ فاجده

صَوَابا وَكَانَ ذَا حمية على من صَحبه وصُولا لرحمه وَكَانَ ذَا دنيا بِخِلَاف ابْن الْحرَازِي كَانَ غَالب عَلَيْهِ الْفقر وَكَانَت وَفَاته شهر رَمَضَان سنة ارْبَعْ عشرَة وَسَبْعمائة

وَمِنْهُم مُحَمَّد بن ابي بكر عرف بَان حرابة بِضَم الْحَاء وَفتح الرَّاء ثمَّ الف ثمَّ فتح الْبَاء الْمُوَحدَة وهاء سَاكِنة تفقه بَابي شُعْبَة واخذ شيا من الْأُصُول عَن البيلقاني وَسبب تفقهه انه اشْترى وعائين من الْأرز من الْفَقِيه ابي حجر فاكتال احدهما ثمَّ فتح الوعا الآخر وجده أَبُو حجر احسن من الأول فَاسْتَرْجع وَقَالَ بِعْتُك مَا لم اره فَلَا يَصح فَحملت الأنفة ابْن حرابة على قراة الْفِقْه فُقَرَاء عَليّ ابي شُعْبَة ثمَّ ان ابا حجر حدث مَعَه حَادث استدعى شيا من الزَّعْفَرَان وَكَانَ مَعْدُوما لم يُوجد مَعَ غير ابْن حرابة إِذْ كَانَ عطارا فوصل الْفَقِيه أَبُو حجر إِلَيْهِ وعول على شَيْء مِنْهُ فَأَجَابَهُ وَبَاعه أصنافا مَعْلُومَة من غير نظر الزَّعْفَرَان ثمَّ استدعاه بوعائه فَلَمَّا فَتحه فَقَالَ يَا فَقِيه بِعْتُك مَا لم أره وَلم تره فَالْبيع فَاسد فتوقف الْفَقِيه فَنَاوَلَهُ ابْن حرابه دَرَاهِمه فاخذها وهم ان يرجع خائبا فَذكره بِمَا فعل مَعَه يَوْم الْأرز ثمَّ بَاعه الزَّعْفَرَان وَكَانَت وَفَاته قبل أبي شُعْبَة باشهر قَلَائِل سنة سِتّ وَسبعين وسِتمِائَة وَصلى عَلَيْهِ شَيْخه أَبُو شُعْبَة بعد أَن تقدم قَاضِي الْبَلَد وَكَانَ مِمَّن يكرههُ فَقيل لَهُ أَنه اوصى أَن لَا يُصَلِّي عَلَيْهِ إِلَّا شَيْخه أَبُو شُعْبَة فَتَأَخر القَاضِي وَانْصَرف عَن الْمُصَلِّي مغضبا لم يحضر الصَّلَاة وَلَا القبران قَالَ وَلم يكن شَيْء من ذَلِك انما كَانَ غَالب النَّاس يكْرهُونَ القَاضِي لقلَّة ورعه وتقواه

وَمِنْهُم شَيْخي أَبُو الْعَبَّاس بن أبي عمر قبال عرف بالقزويني ولد بحمادي الْآخِرَة من سنة تسع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة اقام مَعَ وَالِده فِي مَكَّة سِنِين عديدة وَأدْركَ بهَا جمعا من الفضلا كَابْن عَسَاكِر وَابْن خَلِيل وَأبي الْفضل المريسي والفاروتي والدلاصي وَمن أحسن مَا كَانَ يرْوى عَنهُ من الشّعْر أَنه أنْشد يَعْنِي الدلاصي ... علم الْعلم من أَتَاك لعلم ... واغتنم مَا حييت مِنْهُ الدُّعَاء

وَليكن عنْدك الْفَقِير إِذا مَا ... طلب الْعلم والغنى سَوَاء ... وَخرجت من عدن وَهُوَ بهَا غير أَنه قد كبر وهرم وَالَّذِي يدْخل لقصد اسْتِمَاع الْكتب من الحَدِيث وَالتَّفْسِير وَغَيرهَا إِذا استرشد عَمَّن يَأْخُذ ذَلِك لم يرشد إِلَى غَيره فيأتيه فَيَأْخُذ عَنهُ وَعنهُ اخذت وسيط الواحدي فِي التَّفْسِير ومنظومة الحاجبية واجازة عَامَّة وَقل مَا رَأَيْت مثله فِي هَذَا الْوَقْت صبورا على الاقراء مُوَافقا للطَّالِب على غَرَضه وتدريسه فِي مَسْجِد السماع الْمُتَقَدّم ذكره وَكَانَ اذ ذَاك امامه

وَمِنْهُم عمر بن عَليّ الصفار صحب ابْن الْخَطِيب مقدم الذّكر من أهل موزع وَغلب على هَذَا عمر الْعِبَادَة والزهادة وَخلف شَيْخه فِي الْمَسْجِد الْمَعْرُوف بعدن فَلَا يكَاد يَخْلُو عَن درسه ومتعبدين وسعة بركاتها وَفَاته لَيْلَة الْجُمُعَة الثَّانِي وَالْعِشْرين من جمادي الاولى اُحْدُ شهور سنة سِتّ عشرَة وَسَبْعمائة وَخلف أَوْلَادًا يذكرُونَ بِالدّينِ وَالْخَيْر

وانقضى ذكر الْفُقَهَاء بعدن من أَهلهَا لم يبْق غير الواردين اليها وأبناؤهم الْمُسْتَحقّين للذّكر مَعَ أَن فِي الْمُتَقَدِّمين ناساهم كَذَلِك غالبهم الغربة لَكِن شهر لَهُم التأهل

فَمن الواردين فِي الزَّمن الْمُتَأَخر مِنْهُم أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أبي بكر بن مُحَمَّد ابْن أبي بكر حُسَيْن بن عَليّ التَّيْمِيّ نسبا والفارسي بَلَدا اصل بلدهم مِنْهَا دَار جرد مَدِينَة قديمَة ضَبطهَا بخفض الْجِيم وَسُكُون الرَّاء ثمَّ دَال مُعْجمَة وَكَانَت فِيمَا تقدم دَار ملك فَارس وَكَانَ أَهله أَعنِي هَذَا الرجل بَيت الوزارة لملوك فَارس ونسبهم يرجع إِلَى أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ وَلذَلِك قلت التَّيْمِيّ نسبا قدم وَالِده من بلد فَارس الى مَكَّة فجاور بهَا سِتّ عشرَة سنة ثمَّ قدم الى عدن فتديرها وَولد هَذَا مُحَمَّد فِيهَا ونشاء فَقَرَأَ على البيلقاني الْفِقْه والمنطق وَالْأُصُول وَأخذ عَن الصغاني اللُّغَة وَأخذ عَن الشريف الْآتِي ذكره الطِّبّ والمنطق ايضا والموسيقى وَعلم الْفلك وَبِه اشْتهر وَله فِيهِ مصنفات عديدة وَله فِي الموسيقى كتاب دَاره الطَّرب ورسالة فِيهِ وَعلم الْفلك ايضا وَكتاب فِي وضع الألحان وَكتاب التَّبْصِرَة فِي علم البيطرة واثار الافاق فِي علم الأوفاق وَكتاب فِي معرفَة السمُوم وَكَانَت وَفَاته فِي سنة سِتّ وَسبعين وسِتمِائَة وَخَلفه ابْنه أَبُو بكر الملقب بالفخر مولده فِي الْمحرم أول شهور سنة سِتّ وَخمسين وسِتمِائَة وَكَانَ فَقِيها فَاضلا لَكِن شهر بِعلم الْحساب كأبيه وَأخذ الْعلم عَنهُ فِي الْغَالِب وَكَانَ رجلا لبيبا قل مَا يقْصد فِي أَمر إِلَّا تعين عَلَيْهِ بِمَا لَاق من الْأُمُور وَحصل بَينه وَبَين الوزراء فِي الدولة المؤيدية ألفة ومحبة فاجتلبوه الى خدمَة السُّلْطَان والمصير إِلَى بَابه برزق نَافِع فِي كل شهر وَقيام حرمته فِي عدن وَغَيرهَا فَلم يزل ذَلِك حَتَّى سنة سِتّ عشرَة وَسَبْعمائة وَحصل على القَاضِي جمال الدّين من التعصب مَا هُوَ مَشْهُور بِحَيْثُ أقْصَى هَذَا سَبَب ذَلِك عَن شَفَقَة الْمُؤَيد وَلم يزل على ذَلِك وتعدى الْأَمر لأَصْحَابه واصحاب أَهله

وَكَانَ هَذَا فِي عدن فاستدعاه الْمُؤَيد الى زبيد واحضر لَهُ من شهد عَلَيْهِ انه تكلم على الدولة وَكَانَ الشَّاهِد بذلك فِي الْغَالِب زَائِرًا فِيمَا قَالَ لَكِن عضده اعداء لَهُ وَوَافَقَ ذَلِك كَرَاهَة لَهُ من السُّلْطَان فَبعث بِهِ الى نَائِب لحج فصادره مصادرة شَدِيدَة وعذبه عذَابا شاقا وَلم يكد يجد مَعَه طائلا ثمَّ حصل لَهُ من استعطف لَهُ قلب السُّلْطَان فَكتب الى نَائِب لحج باطلاعه الى الْبَاب فاطلعه فَلَمَّا صَار بالهشمة وَهُوَ مَرِيض من ألم الضَّرْب وَالْعَذَاب توفّي فِي شهر رَمَضَان من سنة سبع عشرَة وَسَبْعمائة وَخَلفه ابْنه مُحَمَّد مولده سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَهُوَ رجل الْبَيْت فِي عدن مَوْجُود تفقه بِجَمَاعَة مِنْهُم ابْن الْحرَازِي وَابْن الأديب وَغَيرهمَا واخذ عَن ابيه علم الْفلك وَغَيره وَقل مَا قدم عدن من يشار اليه بِالْفَضْلِ الا وَصله واخذ عَنهُ وَرُبمَا عمل بِمَا يَلِيق من اكرامه وَفِيه مرؤة وسياسة وَحسن سعي فِي حوائج الْأَصْحَاب وَقد أَخذ عَن البدري الْعرُوض واستنابه ابْن الأديب اخر أَيَّام ولَايَته بعدن خَاصَّة فِي قَضَاء عدن وَمِنْهُم عبد الله بن عبد الْجَبَّار العثماني قدم عدن فِي آخر الْمِائَة السَّادِسَة وَأول السَّابِعَة فَأخذ عَنهُ الْفَقِيه سَالم الابيني الْآتِي ذكره وَمُحَمّد بن عِيسَى الثوباني الوصابي وَغَيرهم وجد تَارِيخ قراتهم عَلَيْهِ أَنه كَانَ فِي سنة سِتّ وسِتمِائَة

وَمِنْهُم ابو الطَّاهِر الزكي بن الْحُسَيْن بن عمرَان البيلقاني بَلَدا والأنصاري نسبا مولده على طَرِيق التَّقْرِيب سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة خرج هُوَ وَابْن عَمه طَالِبين لقِرَاءَة الْعلم على الْفَخر الرَّازِيّ وَكَانَ ابْن عَمه اكبر مِنْهُ فَأخذ عَنهُ وَيُقَال

ادركاه فِي آخر عمره ثمَّ عادا بلدهما وسافرا حَتَّى أَتَيَا بلد المعرى فلبثا بهَا مُدَّة وَحدث لَهما فِيهَا أَوْلَاد ثمَّ سافرا الى عدن باولادهما ثمَّ الى مَكَّة ثمَّ الى الاسكندرية فاقبل النَّاس على ابْن عَمه وَشهر بِالْعلمِ والزهد فَعرض عَلَيْهِ القضا ولوزم على ذَلِك واستمهل أَيَّامًا توفى فِي اثنائها بعد أَن اوصى الى هَذَا فَاحْتمل عائلتهما وَعَاد الى عدن وَكَانَ مُحَمَّد بن الْفَارِسِي مقدم الذّكر لَهُ صُورَة عِنْد الْملك المظفر فَكتب اليه يُخبرهُ أَنه قدم الى عدن رجل من أكَابِر عُلَمَاء الْعَجم واثنى عَلَيْهِ ثَنَاء موثرا فَكتب السُّلْطَان الى نَائِبه بعدن أَن يجهزه ويسفره إِلَى حَضرته فَفعل ذَلِك وهم السُّلْطَان أَن يقْرَأ عَلَيْهِ شيا من الْمنطق فَاسْتَشَارَ بِهِ أَبَا بكر بن دعاس مقدم الذّكر وَكَانَ حسودا فَقَالَ يَا مَوْلَانَا أما يَكْفِيك قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْبلَاء مُوكل بالْمَنْطق فتطير السُّلْطَان من ذَلِك وَقَالَ حلت بَيْننَا وَبَينه يَا شَيْطَان ثمَّ استدعاه فَدخل وَسلم وَحَضَرت صَلَاة مغرب فَقَالَ السُّلْطَان لَهُ صل بِنَا يَا فَقِيه فَقَالَ ابْن دعاس صلى أَنْت فَتقدم السُّلْطَان وَصلى فاتموا بِهِ فَذكرُوا انه لم يمنعهُ من الصَّلَاة الا أَنه لم يحفظ شيا من الْقُرْآن غير الْفَاتِحَة وَذَلِكَ على غَالب فُقَهَاء الْعَجم فَإِن قيل فانت قد ذكرت انه عَرَبِيّ انصاري قلت نعم لَكِن الرَّضَاع يُغير الطباع وَكَيف وَقد ارتضع لَهُ ابا كثير فيهم فَصَارَ لذَلِك كأحدهم إِذْ نشَاء بَينهم عَن اب وجد وَإِنَّمَا غَالب اشْتِغَاله بالفقه والمنطق وَالْأُصُول ثمَّ أَن المظفر رتبه مدرسا بمدرسة ابيه فِي عدن ورتب ابْنه يحيى معيدا مَعَه وَكَانَ فَاضلا بِعلم الْمَوَارِيث والحساب وَعنهُ أَخذ الْأُصُول والمنطق جمَاعَة كأحمد بن الْحرَازِي من زبيد وَغَيره وَكَانَ فِي أول وُصُوله الى عدن لم يتَعَرَّض لذكر الْأُصُول وَلَا الْمنطق انما تظاهر باقراء كتب الْفِقْه فقرء عَلَيْهِ الْحَاكِم بهَا يَوْمئِذٍ الْوَجِيز للغزالي ثما لما صَارَت لَهُ صُورَة مَعَ المظفر ودرس بالمنصورية اظهر المعتقد واقرأ الْمنطق فانكر القَاضِي ذَلِك وَهُوَ يَوْمئِذٍ مُحَمَّد بن اِسْعَدْ الْعَنسِي الأشرقي اذ الْغَالِب

على الْفُقَهَاء بِالْيمن عدم الِاشْتِغَال بالْمَنْطق خَاصَّة وغالب بالأصول ثمَّ ان القَاضِي هجره ونابذه فاستطار الشقاق

بَينهمَا وَرُبمَا أَمر بهجره وَلم تطب نَفسه بقعوده بِالْمَدْرَسَةِ فَاسْتعْمل بعض الطّلبَة مِمَّن لَهُ قُوَّة جنان وامره ان يسْبقهُ الى الْمدرسَة وَيقْعد فِي مجْلِس التدريس وعندما يصل البيلقاني وَيقْعد فِي مجْلِس التدريس فَلْيقل لَهُ سُؤال يَا سيدنَا فَإِذا قَالَ مَا هُوَ فَقل رجل لَهُ أمرأتان رَشِيدَة وسفيهة فَقَالَ لَهما أَنْتُمَا طالقان على الف وقالتا قبلنَا وَأي جَوَاب جَوَابه فَقل لَهُ اخطأت وَقد كَانَ القَاضِي تحقق انه لَيْسَ عِنْده جَوَاب صَحِيح فِي المسئلة فَفعل الطَّالِب ذَلِك وحشد القَاضِي لذَلِك جمعا كثيرا حَضَرُوا الْمجْلس وسمعوا السئوال وَالْجَوَاب فَلَمَّا سمع البيلقاني ذَلِك دمشق عَلَيْهِ وَقَامَ من الْمجْلس مغضبا وَصَارَ الى بَيته فَكتب الْحَاكِم بذلك محضرا وَأخذ عَلَيْهِ مشَاهد الْحَاضِرين وَبعث مكتبا على الْفَوْر الى القَاضِي الْبَهَاء ليعرف السُّلْطَان بذلك قبل أَن يصل الْعلم من البيلقاني ثمَّ استدعاه من فوره رجل من ابين يُقَال لَهُ عبد الرَّحْمَن من اصحاب الْفَقِيه عَليّ بن قَاسم الْحكمِي فَلَمَّا وصل الى عدن اكرمه وَأمره ان يقْعد فِي الْمدرسَة يدرس فَقَالَ لَيْسَ معي كتب فَقَالَ انا احضر لَك مَا احتجت من الْكتب ثمَّ امْر لدلال الْكتب فَلَمَّا جَاءَهُ أمره أَن يَأْتِيهِ بِكِتَاب مهذب وتنبيه ووسيط ووجيز وَبَيَان فَلم يزل يَأْتِي بالكتب الْمَطْلُوبَة وَالْقَاضِي يَشْتَرِيهَا ويملكها الْفَقِيه عبد الرَّحْمَن وَعَاد جَوَاب القَاضِي البها اليه يشكره على مَا فعل وَلما كتب البيلقاني الى السُّلْطَان يشكوه مَا تمّ عَلَيْهِ قَالَ للْقَاضِي الْبَهَاء قف على هَذَا الْكتاب فَلَمَّا وقف عَلَيْهِ قَالَ يَا مَوْلَانَا هَذَا جَاءَ بِشَيْء لَا يحكمه أهل الْيمن وَلَا يعرفونه وَمَتى سَمِعُوهُ أنكروه ونسبوا صَاحبه الى الْخُرُوج عَن الدّين فَقَالَ السُّلْطَان يكْتب الى النَّاظر بعدن أَن يَجْعَل التدريس للفقيه ولولده وَلكُل شخص

وَمِنْهُم عبد الله بن عمر بن أبي زيد الْأنْصَارِيّ نسبا والاسكندري بَلَدا يعرف بالنكراوي بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْكَاف وَفتح الرَّاء ثمَّ وَاو بعْدهَا يَاء نسب وَأَظنهُ نسبه الى بلد دخل عدن تَاجِرًا وَأخذ عَنهُ جمَاعَة شهر مِنْهُم شَيخنَا أَحْمد

الْحرَازِي مقدم الذّكر وَكَانَ ذَلِك فِي مُدَّة آخرهَا سنة خمس وَسِتِّينَ وسِتمِائَة ثمَّ عَاد بَلَده وَتُوفِّي بهَا

وَمِنْهُم أَبُو مُحَمَّد عبد الله الفرغاني نِسْبَة الى فرغانه بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون الرَّاء وَفتح الْغَيْن الْمُعْجَمَة ثمَّ الف ثمَّ فتح النُّون وَسُكُون الْهَاء كَانَ فَقِيها كَبِير الْقدر شهير الذّكر يغلب عَلَيْهِ التصوف لبث فِي عدن مَا شَاءَ الله وَتُوفِّي بهَا لبضع واربعين وسِتمِائَة وقبر بحياط البيلقاني وَلما توفّي يحيى بن البيلقاني جعل فِي قبر هَذَا الْفَقِيه اذ الْمَيِّت يبْلى فِي عدن بِزَمن غير طَوِيل فَكيف مَعَ الطول

وَمِنْهُم أَبُو الْفضل رجل شهر بالشريف العباسي أصل بَلَده دمشق وَقدم الْيمن لَا قصد لَهُ الا الِاجْتِمَاع بَابي الْغَيْث الْمُقدم ذكره والفقيه سُفْيَان فَاجْتمع بهما وَعَاد بَلَده ثمَّ بعد مُدَّة عَاد الْيمن وَقدم عدن وتأهل بهَا وَأخذ عَنهُ الْعلم جمَاعَة واستظافة كافور الناشيء وَحمله وَحمل عائلته وَقَامَ بمؤنتهم وَكَانَ مَشْهُورا باستجابة الدُّعَاء والإخبار عَن المغيبات وامتحن بكفاف بَصَره وَلما دخل المظفر عدن أول مرّة وَكَانَ يشفق على كافور قَالَ لَهُ يَا وَالِد دلنا على رجل صَالح نزوره ونتبرك بِهِ وَلَعَلَّه يخبرنا بعاقبة أمرنَا فاخبره بِحَال هَذَا الشريف وَمَا هُوَ عَلَيْهِ وانه يخبر عَن الْأُمُور المغيبة فَقَالَ احب أَن تعْمل لي بزيارته فَقَالَ سمعا وَطَاعَة ثمَّ لما خرج من السُّلْطَان وصل الى بَيت الشريف وَقَالَ لَهُ ان جمَاعَة اساتذة خدام السُّلْطَان يحبونَ لزيارتك فَتصدق بالأذن لي وَاصل انا وهم بِاللَّيْلِ فَقَالَ لَا بَأْس وَلما كَانَ اللَّيْل وصل كافور بَاب السُّلْطَان وَهُوَ اذ ذَاك بالمنظر فَدخل على السُّلْطَان وَأخْبرهُ بِمَا اتّفق مَعَ الشريف فَخرج السُّلْطَان الى ذَلِك وَمَعَهُ اربعة من الخدام وتقدمهم كافور الى بَيته وَلما صَارُوا بِبَاب الشريف اسْتَأْذن فَادْخُلْ عَلَيْهِ فَكَانَ أول من وَقع يَده بيد السُّلْطَان فهزها وَقَالَ أَنْت السُّلْطَان فَارْحَمْ من فِي الأَرْض يَرْحَمك من

فِي السَّمَاء فَمَا لأحد مَعَك مُشَاركَة وَالْحَاجة الَّتِي فِي نَفسك تقع عَن قريب وَكَانَ حصن الدملؤة يَوْمئِذٍ مُمْتَنعا وَالسُّلْطَان مشتغل الْقلب لحصوله فَعلم السُّلْطَان أَنه قد كاشفه عَن ذَلِك واستبشر بِمَا بشره ثمَّ سئله الدُّعَاء ثمَّ خرج فَلم يكد يقف بعد مُدَّة حَتَّى صَار اليه مَا كَانَ اضمره

وَمن غَرِيب مَا ذكر عَن الشريف أَنه وصل الى عدن مركب من الْهِنْد وَأخْبر الناخوذ كافورا انه مر بالبحر والسراق قد احاطوا بمركبين لَهُ وهم مَعَهُمَا فِي قتال شَدِيد وَقَالَ المخبرون لكافور نخشى أَنَّهُمَا يغلبا فتعب الناخوذا لذَلِك وَيقدم الشريف وَأخْبرهُ فاطرق سَاعَة جَيِّدَة ثمَّ رفع رَأسه وَقَالَ لَا تخف كافور قد غلبوا السراق ومركباك مقبلان يجريان كفرسي رهان وَفِي غَد يَأْتِيك البشير بهما قبل صَلَاة الْجُمُعَة فَكَانَ كَمَا قَالَ ثمَّ ان الشريف سَافر بعائلته الى مَكَّة فَأكْرمه صَاحبهَا وَهُوَ يَوْمئِذٍ أَبُو نمي الشريف الْمَشْهُور وَلم يزل عِنْده حَتَّى توفّي بِمَكَّة وَلم اتحقق لَهُ تَارِيخا

وَمِنْهُم سبأ بن عمر الدمتي بَلَدا قَرَأَ الْقُرْآن للسبعة المقاري على رجل من بلد صهْبَان وَأخذ كتب الحَدِيث عَن عبد الله بن أسعد الحديقي وَغَيره وتفقه لَا أَدْرِي بِمن وَلما وصل الى عدن ترَتّب فِي مَسْجِد السُّوق ذِي المنارة وَكَانَ يقرى الْقُرْآن والْحَدِيث وَعنهُ أَخذ شَيخنَا أَبُو الْعَبَّاس الْحرَازِي مقدم الذّكر كتاب البُخَارِيّ وَمُسلم وامتحن فِي آخر عمره بانكفاف بَصَره وَكَانَ رجلا خيرا نظيف الْعلم فَكَانَت وَفَاته فِي شهر رَمَضَان الْكَائِن فِي سنة ارْبَعْ وَتِسْعين وسِتمِائَة

وَمِنْهُم صَالح بن جبارَة بن سُلَيْمَان الطرابلسي المغربي اخذ فِي بَلَده عَن مُحَمَّد بن ابراهيم الْأنْصَارِيّ التلمساني كَانَ رجلا مُبَارَكًا مُحدثا انْتفع بِهِ جمَاعَة من اهل عدن وَغَيرهَا واخذوا عَنهُ وَكَانَ كثير الْخُشُوع وَأَخْبرنِي عبد الله بن أبي حجر مقدم

الذّكر أَنه قَامَ سبع سِنِين يُصَلِّي خلف هَذَا الْفَقِيه فَكَانَ يُصَلِّي الصُّبْح بسور طوال كالزخرف والأحقاف وَكَانَ خَاشِعًا تنحدر دُمُوعه على خديه وادركته بعدن وَحَضَرت مَجْلِسه وَكَانَت لَهُ هَيْبَة وَعَلِيهِ جلالة وَكَانَت وَفَاته بعدن باحد شهور ارْبَعْ عشرَة وَسَبْعمائة وقبر الى جنب قبر ابي شُعْبَة

وَمِنْهُم ابو عبد الله مُحَمَّد بن اسماعيل الزنجاني بَلَدا مولده شيراز وابوه اَوْ جده قدم من زنجان وَهِي بلد عَظِيمَة من بِلَاد الْعَجم نظيرها تبريز واصفهان وقم والتيمي نسبا اذ هُوَ من ذُرِّيَّة ابي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ مولده سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وسِتمِائَة قدم الْيمن مرَّتَيْنِ الأولى رَسُولا من ملك شيراز فِي أول الدولة المؤيدية ثمَّ فِي سنة ثَمَانِي عشرَة وَسَبْعمائة وَفِي كل مرّة يصل عدن ويتصدر ويدرس حَتَّى انْتفع بِهِ جمَاعَة كَثِيرُونَ من عدن وَغَيرهَا وَاجْتمعت بِهِ فِي عدن حِين قدم فِي الْمرة الْأَخِيرَة وَذَلِكَ سنة ثَمَانِي عشرَة وَسَبْعمائة فاخذت عَنهُ الرسَالَة الجديدة للامام الشَّافِعِي وَمِمَّنْ اخذ عَنهُ عبد الرَّحْمَن بن عَليّ بن سُفْيَان وَمُحَمّد بن عُثْمَان الشاوري وَسَالم بن عمرَان بن ابي السرُور وَغَيرهم وَعَاد بَلَده بعد أَن قدم بَاب الْمُؤَيد بزبيد واحسن اليه وَبَلغنِي الْآن انه قَاضِي شيراز وَهُوَ أحد اصحاب الامام الْبَيْضَاوِيّ وَمن أكابرهم وَقل مَا رَأَيْت مثله فِي الْفُقَهَاء القادمين من

نَاحيَة الْعَجم لَهُ شرف نفس وعلو همة وَمَا قَصده سَائل الا أناله لما يَلِيق بِحَالهِ ثمَّ انه كَانَ من احافظ النَّاس للصَّلَاة مَا كَانَ يتلبث بعد أَن يسمع الْمُؤَذّن غير أَن يُبَادر الى السّنة ثمَّ يُقيم وَيُصلي الْفَرْض وَله مصنفات عديدة مِنْهُم شرحان للغاية القصوى تصنيف امامه الْبَيْضَاوِيّ مَبْسُوط ومقبوض ثمَّ مُخْتَصر للمحرر ثمَّ شرح للمنهاج فِي الْأُصُول تأليف اماه الْمَذْكُور ثمَّ شرح مُصَنف امامه الْمُسَمّى بِالْمِصْبَاحِ لشرح الطوالع لامامه ايضا الْجَمِيع فِي أصُول الدّين وَكتاب فِي التَّفْسِير وَعنهُ أَخذ الْأَحَادِيث الساعية وجملتها اربعة عشر حَدِيثا والرسالة الجديدة للامام الشَّافِعِي وَلما بلغي فضل امامه ووقفت على شَيْء من كتبه مِمَّا استدللت بِهِ على صِحَة مَا بَلغنِي سَأَلته عَنهُ فَقَالَ هُوَ عبد الله بن عمر بن مُحَمَّد الْبَيْضَاوِيّ وَكَانَ أَبوهُ قَاضِي قُضَاة شيراز قبله فلقبه نَاصِر الدّين ولقب ابيه امام الدّين فَسَأَلته عَن من تفقه فَقَالَ فِي المنقولات بابيه وَفِي المعقولات بشرف الدّين سعيد اوحد عُلَمَاء شيراز وَنسبه الْبَيْضَاوِيّ الى بلد على مرحلة من شيراز اذ خرج جده مِنْهَا وَسكن شيراز مَدِينَة الْملك فِي بلد فَارس مُنْذُ أحدثها مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْقَاسِم الثَّقَفِيّ الى عصرنا وَلم يكن لأحد من عُلَمَاء شيراز كَمَا كَانَ لَهُ من الْأَصْحَاب والتصانيف وَكَانَت وَفَاته بِمَدِينَة تبريز وَهِي مَدِينَة من اعمال أذربيجان وَكَانَ لنيف وَتِسْعين وسِتمِائَة بعد أَن بلغ عمره تسعا واربعين سنة وَمِمَّنْ أَخذ عَنهُ عبد الحميد بن عبد الرَّحْمَن الحيلوني الَّذِي ذكرته فِي واردي تعز

وَمِنْهُم عبد الْعَزِيز بن أبي الْقَاسِم الأبيني اعاد بِالْمَدْرَسَةِ المنصورية وَكَانَ يَنُوب القضا فناب مُحَمَّد بن عَليّ الْعَنسِي وَحكم بَين خصوم وسجل لبَعْضهِم فَذكرُوا أَن الْكَاتِب وَصله بِعشْرَة دَنَانِير فسئله عَن الْقِصَّة فَقَالَ جرت عَادَة القَاضِي أَن

يَأْخُذ على كل سجل عشرَة دَنَانِير خَمْسَة دَنَانِير لِلْكَاتِبِ وَعشرَة دَنَانِير للْقَاضِي فاستحلفه القَاضِي أَنه لم يجزه فِي ذَلِك وانها عَادَة الْقُضَاة فَحلف فَلَمَّا فرغ الْيَمين عزل نَفسه عَن النِّيَابَة وَلم يزل على ذَلِك حَتَّى توفّي وَخَلفه ابْن لَهُ اسْمه أَبُو الْقَاسِم فترتب معيدا فِي الْمدرسَة واستنابه الْحَاكِم فِي الْقَضَاء فوصلته حُرْمَة تَشْكُو من زوج لَهَا سوء عشرَة وتبرجت للْقَاضِي فَأَعْجَبتهُ وَتكلم بَينهَا وَبَين زَوجهَا بالاصلاح فامتنعت وَخرجت من مجْلِس الحكم فَحصل من افتاها انها أَن أحبت التَّخَلُّص ارْتَدَّت عَن الْإِسْلَام فَفعلت ذَلِك وانفسخ نِكَاحهَا وَكَانَ السُّلْطَان الْملك المظفر وقاضي الْقُضَاة الملقب بالبهاء فِي عدن فاخبر بذلك وَقيل لَهما أَن سكتما عَن هَذِه الْقِصَّة اسْتمرّ النِّسَاء على هَذَا كلما كرهت مِنْهُنَّ امْرَأَة زَوجهَا ارْتَدَّت عَن الاسلام وَلم تكد تفلح امْرَأَة مَعَ زَوجهَا وان لم تعملوا بحسم ذَلِك تَعب النَّاس فَأمر السُّلْطَان باحراقها فَجمع لَهَا حطبا كثيرا الى سَاحل حقات واخرجت الْمَرْأَة الى قرب النَّار لتحرق فَقيل لَهَا قولي اشْهَدْ ان لَا اله الا الله وان مُحَمَّد رَسُول الله وتوبي وَجعل النَّاس يهللون ويتوبون فتابت ظَاهرا ثمَّ بعد خُوطِبَ السُّلْطَان وقاضي الْقُضَاة فِي اطلاقها فاطلقت بعد ان كَانَ يئس لَهَا من السَّلامَة فَلَمَّا قعدت مُدَّة خطبهَا القَاضِي وَتَزَوجهَا فَبَان للنَّاس انه الَّذِي علمهَا مَا فعلت من الرِّدَّة فَلَمَّا سلك القَاضِي بذلك وَهُوَ ابو بكر بن الْجُنَيْد الْمُقدم ذكره ابعده عَن الاعادة فِي الْمدرسَة وَعَن نِيَابَة الْقَضَاء فتعاني التِّجَارَة الى الْهِنْد وَجعل يقارض التُّجَّار حَتَّى اعتف واكتف وَتُوفِّي مُسَافِرًا بِالْهِنْدِ

وَمِنْهُم شَيْخي ابو الفدا إِسْمَاعِيل بن احْمَد بن دانيال بن مُحَمَّد الهرموزي وَيُقَال القلهاني نِسْبَة الى البلدين الْمَشْهُورين مولده سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة ونشاء بهرموز وَبهَا تفقه على بعض من قدم الى هرموز من اصحاب الْبَيْضَاوِيّ ثمَّ حصل فِي سنة تسع عشرَة خلاف بَين مُلُوك هُرْمُز وَغلب رجل على الْبَلَد يكره الْفَقِيه فاخرجوه عَن هرموز مَعَ سفر الى مقدشوه فِي مركبهم فَغَلَبَهُمْ الرّيح

والقتهم الى عدن فَدَخلَهَا فِي شهر الْقعدَة من سنة تسع عشرَة وَسَبْعمائة فَلَمَّا دخل عدن وَصله الطّلبَة واخذوا عَنهُ كَمَا كَانُوا يَأْخُذُونَ عَن الزنجاني ثمَّ لما علم بِهِ الْمُؤَيد استدعاه من عدن الى زبيد وَكتب الى نَاظر عدن ان يزوده وَكَانَ قد وصل صحبته من أَبنَاء مشائخ الصُّوفِيَّة يُقَال لَهُ مُحَمَّد يلقب بزادة ليستخلفه على أَهله بعدن وَكَانُوا قد وصلوا صحبته من هرموز فاقام اياما بعدن هُوَ وَالسُّلْطَان بزبيد ثمَّ لما طلع السُّلْطَان الى تعز كتب السُّلْطَان الى النَّاظر باطلاعهم بعد التزويد فَفعل وَلم يزل فِي حوزة السُّلْطَان حَيْثُ كَانَ وَله فِي كل شهر مائَة دِينَار فضَّة وَمهما طلب اعطى وَمَتى حصل عَلَيْهِ افتقاد بِمَرَض افْتقدَ بِشَيْء واطلقت لَهُ بغلتان وحسيكهما من الاسطبل وانتفع بِهِ جمَاعَة من اهل زبيد وتعز وعدن وقراوا عَلَيْهِ وَأخذ عَنهُ بعض أَصْحَاب ابي حنيفَة الْمَنْظُومَة فِي مَذْهَبهم وَانْقطع بِهِ جمَاعَة من البلدين فِي معرفَة الْفِقْه وَالْأُصُول وَكَانَت لَهُ دراية جَيِّدَة بالنحو واللغة وَالْفِقْه وَالْأُصُول والمنطق وَله شعر رائق وَخط معجب وَلما توفّي السُّلْطَان الْمُؤَيد لم يطب لَهُ الْوُقُوف فحين صَار ابْنه الْمُجَاهِد الى الْجند صَار مَعَه ثمَّ لَازمه على بَدْء الوجبة الظفاري الَّذِي كَانَ جعله قَاضِي الْقُضَاة وعَلى يَد الْأَمِير عمر بن يُوسُف وَكَانَ أَكثر عَن ذَلِك واستخرج لَهُ زوادة وخطابا لفسح إِلَى سفر الْبِلَاد هرموز بعد أَن وصلته عدَّة كتب من مُلُوكهمْ وَكَانَ الموائد قد رشحه للْقَضَاء الْأَكْبَر ووعده بِهِ وصدره فِي فصل قضايا كَثِيرَة وَلما وصل الى الْجند نزل الى الْمدرسَة الَّتِي انا مدرسها يَوْمئِذٍ مدرسة عبد الله بن عَبَّاس مقدم الذّكر وَهُوَ يَوْمئِذٍ شاد الدَّوَاوِين والمدير للأمور السُّلْطَانِيَّة وَكَانَ سَفَره من تعز الى عدن فِي شهر

رببع الأول سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَسَبْعمائة فَلم نزل نساءل عَنهُ فنخبر أَنه على خير

وَمِنْهُم سَالم بن عمرَان بن الشَّيْخ ابي السرُور ترَتّب فِي اعادة الْمدرسَة بعد وَفَاة ابْن المقرى مقدم الذّكر من قبل القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن ابي بكر وَلما صَار ابْن عَمه حسن بن عبد الله حَاكما لعدن وَذَلِكَ بعد القَاضِي ابْن الْحرَازِي مقدم الذّكر جعل هَذَا سالما ناتبه وَفِي عدن الْآن طبقَة أهل الِاجْتِهَاد وترسيخ الْفَتْوَى وَمِنْهُم عبد الرَّحْمَن بن عَليّ بن الْفَقِيه سُفْيَان مقدم الذّكر مولده لبضع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وتفقه غَالِبا بِابْن الأديب وبالحرازي وَغَيره من الواردين الى عدن كالزنجاني والقلهاني وَغَيرهمَا وَهُوَ الْيَوْم يدرس فِي بَيته وَكَثِيرًا مَا يحجّ تفقه بِهِ من عدن جمَاعَة وَهُوَ فَاضل بالفقه والنحو وَالْعرُوض وَله تخلق يُونُس بِهِ الْأَصْحَاب وَكَانَ لَهُ اخ اسْمه مُحَمَّد بتفقه تفقها جيدا ثمَّ سَافر الى الْهِنْد فتأهل هُنَالك وَتُوفِّي سنة سِتَّة عشرَة وَسَبْعمائة وَله هُنَالك اولاد وَكَانَ والدهما رجلا صَالحا أما مَا للمدرسة المنصورية وَلما توفّي ابْن الْحرَازِي رتب ابْن الأديب مَكَانَهُ فِي التدريس مُحَمَّد بن سعد بن مُحَمَّد بن عَليّ بن سَالم يلقب بَابي شكيل تَصْغِير شكل بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْكَاف وخفض اللَّام مولده قَرْيَة الشحر فِي شهر رَجَب سنة ارْبَعْ وَسبعين وسِتمِائَة تفقه بِجَمَاعَة أَكثر اعترافه لِابْنِ الأديب وولاه بَنو مُحَمَّد بن عمرَان قضا زبيد وَاسْتمرّ على ذَلِك مُدَّة وتعاطى التِّجَارَة والزراعة فَتحصل مِنْهَا مَال جزيل وَلما صَار القضا الى القَاضِي جمال الدّين ابْن الْفَقِيه ابي بكر حصل من أوقع فِي نَفسه عَنهُ أُمُور غير لايقة فَعَزله بالمشيرقي مقدم الذّكر فِي أهل الحجفة وصنف شرحا للوسيط وَله أجوبة مفيدة على سُؤَالَات من فُقَهَاء محققين وَهُوَ الْآن فِي الشحر وَله فِي عدن نَائِب وَسَيَأْتِي ذكره فِي أهل بَلَده انشاء الله

وَمِنْهُم ابو عبد الله مُحَمَّد بن عُثْمَان الشاوري فَقِيه مبارك وَمُحَمّد البصال وَعبد الرَّحْمَن بن الْفَقِيه ابي بكر الْمقري

وَمِنْهُم عَليّ بن مُفْلِح الْكُوفِي كَانَ فَاضلا أَخذ عَن ابْن الْحرَازِي الْقرَاءَات وَالْفِقْه وَكَانَ خيرا من أَكثر النَّاس احسانا الى ابْن الْحرَازِي اذ كَانَ ابوه مُفْلِح

رب دنيا وَاسِعَة فَكَانَ هَذَا عَليّ مُحْتملا لغالب مُؤنَة ابْن الْحرَازِي من طَعَام وَكِسْوَة لَهُ ولعائلته فَكَانَ يجْتَهد فِي اقرائه ويبالغ فِي اكرامه ويؤثره على سَائِر الطّلبَة لذَلِك وَكَانَ على هَذَا يحسن الى الطّلبَة طلبة الْعلم بالمواساة ثمَّ فِي آخر مرّة حج وامتحن بالفقر وَمَات بِشَهْر عَرَفَة سنة تسع وَسَبْعمائة وَمِنْهُم اقبال كَانَ عبدا هنديا لخادم يُقَال لَهُ اقبال الدووي كَانَ من مياسر عدن تفقه بالقراءات عَن ابْن الحرزي وَكَانَ طَرِيقه فِي الاحسان اليه بِنَحْوِ طَرِيق ابْن الْكُوفِي وَلما سَافر سَيّده من عدن خرج هَذَا اقبال مِنْهَا ايضا وَسكن المهجم الْمَدِينَة الْمَذْكُورَة اولا وَحصل لَهُ عسف من بعض ولاتها فَقدم تعز فَتوفي بهَا سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَسَبْعمائة وَله اولاد بالمهجم وَمِنْهُم عبد الله بن الشحيري تَصْغِير شحري فَقِيه فَاضل وَهُوَ قاري الحَدِيث بالمنصورية وَفِيه دين وَذكر للفقه

وَمِنْهُم سَالم مَوْلَاهُ اعني مولا ابْن الْحرَازِي تفقه بسيده ايضا وَهُوَ مُجْتَهد الأن فِي الطّلب وقراء على بعض مَا كنت قرأته على سَيّده وَمِنْهُم أَحْمد بن السُّبْكِيّ فَقِيه بالفرائض وَهُوَ مِمَّن لَهُ بشاش وَأنس وعصبية فِي الله مرضية وانقضى ذكر من تحققته بعدن

وَلم يبْق الا الْخُرُوج الى نَوَاحِيهَا فابداء بذلك بمخلاف لحج وَهُوَ مخلاف قد ذكره ابْن سَمُرَة مِنْهُم جمَاعَة كصاحب الْمُسْتَصْفى وَغَيره وذكرتهم والآن اذكر أهل الطَّبَقَة الْمُتَأَخِّرَة عَن اولئك فَمن القريظيين جمَاعَة وهم بَيت علم وَصَلَاح ذكر ابْن سَمُرَة مِنْهُم جمَاعَة وَمِنْهُم مُحَمَّد بن مُوسَى بن الْحُسَيْن القريظي كَانَ فَقِيها فَاضلا جَامعا بَين الْفِقْه والقراءات وَهُوَ الَّذِي بنى الْجَامِع بقرية بِنَا ابة الْعليا إِذْ هِيَ مَسْكَنه ومسكن اهله قَدِيما وحديثا وَلما بنى الْجَامِع وقف عَلَيْهِ وَقفا جيدا يقوم بالامام والخطيب والعمارة وَجعل النّظر فِي ذَلِك الى ذُريَّته وهم على ذَلِك يتوارثون الخطابة والامامة فِيهِ وَلما توفّي مُحَمَّد خَلفه ابْن لَهُ اسْمه عُثْمَان تفقه بِعَبْد

الرَّحْمَن الأبيني مدرس عدن الْمُقدم ذكره وَمِنْهُم أَبُو الْحسن عَليّ بن احْمَد بن مياس الْوَاقِدِيّ امة ابْنة الْفَقِيه مُحَمَّد بن سعيد القريظي مؤلف الْمُسْتَصْفى وَيُقَال انه ولد بايامه فَحمل اليه فَرَآهُ ودعا لَهُ فنشاء نشواء مُبَارَكًا واشتغل بقرائه الْعلم وَأخذ قَضَاء لحج بعد جده أَحْمد عَم وَالِده وَلم اتحقق لَهُ تَارِيخا ثمَّ خَلفه ابْنه مُحَمَّد كَانَ فَقِيها خيرا تفقه بَاهل عدن وَكَانَ يَنُوب عَن ابْن العنيد على القضا بعدن فَلَمَّا توفّي جعل مَكَانَهُ فَسَار سيرة الْغَالِب عَلَيْهَا الْخَيْر ويعاني التِّجَارَة مَعَ مسافري الْبَحْر والزراعة فِي بَلَده لحج وَكَانَ مَسْكَنه مسكن اخويه القريظيين بِنَا ابه الْعليا ايضا وَاسْتمرّ على قَضَاء عدن سِنِين حَتَّى ولى الْقَضَاء الْأَكْبَر بَنو مُحَمَّد بن عمر فعزلوه عَن عدن وجعلوه بِبَلَدِهِ حَاكما وَجعلُوا مَكَانَهُ بعدن الْحَجَّاجِي مقدم الذّكر وقدمت عَلَيْهِ سنة تسع وَسَبْعمائة فَوَجَدته على بَاب دَاره يقرئي شَيْئا من الحَدِيث وَكَانَ لَهُ ملتقا حسنا وَسمعت الْعُدُول فِي عدن وبلده ينزهونه عَن مَا ينْسب الى بعض الْحُكَّام ولمي يزل كَذَلِك الى أَن توفّي شهر رَجَب سنة احدى عشرَة وَسَبْعمائة وَقد بلغ عمره تسعا وَسِتِّينَ سنة وَخَلفه ابْنه ابو بكر تفقه بابيه وَاللَّيْث مقدم الذّكر وَكَانَ يذكر بِالدّينِ وَالصَّلَاح ثمَّ لم يَعش غير اشهر بعد أَبِيه حَتَّى توفّي مستهل الْمحرم اول سنة اثْنَتَيْنِ وَسَبْعمائة فاقام مقامة اخوه احْمَد وَهُوَ من اعيان زَمَانه كرما وفضلا مَا صحب احدا الا وَكَانَ لَهُ الْفضل والْمنَّة وان كَانَ ملكا اَوْ اميرا وَمَا وَصله طَالب الا واعانه بغالب امله اَوْ كُله وَلم يزل مستمرا على مَكَان ابيه فِي القضا حَتَّى كَانَ سنة ارْبَعْ عشرَة وَولى ولد الْفَقِيه ابي بكر الْقَضَاء الْأَكْبَر فَحصل بَينه وَبَينه تشويش اتّفق النقلَة ان سَببه الْفَخر ابْن الْفَارِسِي وعضده صهر لَهُ متزوجا باخته فَلم يَزَالَا يكرران حَدِيثه على القَاضِي جمال الدّين وَهُوَ يَوْمئِذٍ قَاضِي الْأَقْضِيَة حَتَّى انه استدعاه يطْلب فِيهِ عنف واقام بِوَجْهِهِ صهره الْفَارُوق وطلع جمَاعَة من لحج عضدوه فِي الشكا فَبَيْنَمَا هُوَ فِي محاققتهم اذ قبض عَلَيْهِ الْمُؤَيد وصادره وَنَدم القَاضِي جمال الدّين على طلبه حَيْثُ لم ينفع النَّدَم وَأقَام فِي الترسيم والمصادرة عدَّة سِنِين سَمِعت الشريف ادريس يثنى عَلَيْهِ بِالْكَرمِ وَالْفِقْه وَيَقُول مَا كنت اظن ان فِي الْيمن مثله وَلَا اظن مثله فِي غَيرهَا وَلما صَار

بالمصادرة عني ابْن الْفَارِسِي بصهره الْفَارُوق فَجعل مَكَانَهُ قَاضِيا وَاسْتمرّ على قَضَاء لحج حَتَّى انْتقل القَاضِي جمال الدّين فَلَزِمَ الْفَارُوق وصودر ثمَّ اطلق فَجعله ابْن الأديب حَاكما بموزع وَتُوفِّي لأيام مَضَت من ربيع الآخر سنة خمس وَعشْرين وَسَبْعمائة

وَمِنْهُم مُحَمَّد بن يَعْقُوب الْحميدِي من قوم يسكنون بِنَا ابه يُقَال لَهُم بَنو الْحميدِي مِنْهُم جمَاعَة فضلا لم أكد اتحقق مِنْهُم عِنْد وضعي هَذَا الْكَلَام غَيره تفقه بِابْن الرَّسُول وَكَانَ عَارِفًا بالتنبيه والمهذب

وَمن صَعِيد لحج قَرْيَة تعرف بالنادرة وَهِي خراب الْآن وَهُوَ بنُون مَفْتُوحَة بعد الف وَلَام ثمَّ دَال مُهْملَة مخفوضة ثمَّ رَاء مخفوضة ثمَّ هَاء كَانَ بهَا فَقِيه اسْمه عَليّ بن حَاتِم الْكِنَانِي وَكَانَ رجلا صَالحا مَشْهُورا بِالْعلمِ وَالْعَمَل وَكَانَ لَهُ ابْنَانِ خيران تعلما الْقُرْآن واحكامه السَّبْعَة ثمَّ تفقهاء بابيهما ثمَّ غزاهم جمع من العجالم والأجعود واراد وانهب الْقرْيَة لَيْلًا فَخرج الْفَقِيه وابناه ليصدوا عَن النهب فوقعوا بهم وقتلوهم جهلا بهم فَلم يفلحوا بعْدهَا وَلَا انتفعوا وَذَلِكَ لنيف وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وَخَربَتْ الْقرْيَة الى الْآن

وَمِنْهُم ابو الْحسن عَليّ بن أَحْمد بن سُلَيْمَان بن دَاوُد العامري تفقه بِابْن قَاسم وَرَأَيْت لَهُ اجازة بِخَطِّهِ مَا مِثَاله قراء على الْفَقِيه الْأَجَل الْعَالم الأوحد ضِيَاء الدّين ابو الْحسن عَليّ ابْن احْمَد بن دَاوُد بن سُلَيْمَان العامري نفع الله بِهِ الْمُسلمين جَمِيع كتاب الْمُهَذّب فِي الْفِقْه بِجَمِيعِ أدلته من نُصُوص الْكتاب وَالسّنة وفحوى الْخطاب

ولحن الْخطاب وَدَلِيل الْخطاب والاجماع وَالْقِيَاس والبقاء على حكم الأَصْل عِنْد عدم هَذِه الْأَدِلَّة قراة صَار بهَا أَهلا ان يغتنم فَوَائده ويلازم للافادة فِي اوقاته وَإِنَّمَا استوعبت هَذَا الْكَلَام مَعَ طوله لرجل كَبِير الْقدر مصدر الشَّهَادَات وَرَأَيْت بِخَط هَذَا الْفَقِيه مَكْتُوبًا على دفة مهذبة اذ صَار بعدن الى الْفَقِيه ابي بكر الْمقري اشْتَرَاهُ من ذُريَّته بِمَا مِثَاله يَقُول مَالِكه يَعْنِي الْكتاب

. .. الصَّبْر أحسن مَا استعنت بِهِ ... فِي كل امرك فَالْزَمْ الصبرا

وَالصَّبْر مطعمه نَظِير لأسمه ... لَكِن عواقب امْرَهْ امرا ... وَكَانَ هَذَا الرجل مبارك التدريس تفقه بِهِ جمَاعَة من عدن ولحج وَغَيرهمَا وَعنهُ اخذ مشقر فِي بدايته وَكَانَ لَهُ اخ ولي نظارة عدن مُدَّة وَكَانَ هَذَا يدْخل الى اخيه وَيقف بِالْمَسْجِدِ الْمَعْرُوف بِمَسْجِد الشَّجَرَة ويدرس فِيهِ وَكَانَ من أيمة الْعَصْر وَتُوفِّي بالرعارع سنة سِتّ أَو سبع واربعين وسِتمِائَة

وَمِنْهُم ابو عبد الله مُحَمَّد بن ابراهيم عرف بمشقر بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وَضم الْقَاف وَسُكُون الرَّاء اصله من سبا صُهَيْب وتفقه فِي بدايته بِابْن دَاوُد الْمَذْكُور انفا ثمَّ لما توفّي ارتحل الى ابين فتفقه بمبارك السحيلي ثمَّ كَانَ كَمَال تفقهه بالامام ابْن عجيل وَكَانَ من اخيار الْفُقَهَاء معرفَة وصلاحا وتقا وَسمعت بعض الْفُقَهَاء مِمَّن درس عَلَيْهِ كتاب التَّنْبِيه يَقُول لم أر لَهُ نظيرا فِي الْفُقَهَاء زهادة وتواضعا وخشوعا وَكَانَت وَفَاته فِي اُحْدُ شهور ارْبَعْ وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة بعد أَن بلغ عمره سِتِّينَ سنة وَولده الْفَارُوق الَّذِي ذكرته مَعَ القَاضِي احْمَد بن مياس فِيمَا تقدم وانه صهره وَحمل على مقاولته عِنْد قَاضِي الْقُضَاة وَكَانَ اُحْدُ اسباب تفقه اولاد ابْن الأديب قضا موزع وولاه ولد الْفَقِيه قضا لحج بعد مصادرة ابْن مياس وَبَلغنِي انه الْآن فِي سنة ثَمَانِي وَعشْرين وَسَبْعمائة حَاكما بلحج

يذكر بالمرؤة والانسانية لَوْلَا مَا حصل بَينه وَبَين صهره ابْن مياس من المقاولة الَّتِي ادت الى المصادرة الَّتِي تقدم ذكرهَا

وَمن الواردين مُحَمَّد بن أَحْمد ابا مسلمة مولده قَرْيَة الطرية من ابين وَقد تقدم ذكرهَا واهلها حضارم تفقه بِابْن عَليّ بن رَسُول الْآتِي ذكره وَعلي بن ابراهيم التهامي وابراهيم الخرف قدم لحج وتديرها بانس بن مياس وامتحن بالعما وَحصر الْبَوْل وَهُوَ من اخيار الْفُقَهَاء صلاحا وفقها وَبَلغنِي وجوده سنة احدى وَعشْرين وَسَبْعمائة وَكَانَ لَهُ ولد فَقِيه تفقه بِابْن الرَّسُول ايضا وَتُوفِّي قبل ابيه بِمدَّة سِنِين وَتُوفِّي هَذَا ببنا ابه سلج صفر سنة سبع وَعشْرين وَسَبْعمائة

وَمِنْهُم الْفَقِيه اللَّيْث مقدم الذّكر فِي أهل ذابة وَمِنْهُم مُحَمَّد وَعلي بن مُحَمَّد جَابر الجبائي نسبه الى الْبَلَد الْمُقدم ذكره مولده سادس الْمحرم سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وسِتمِائَة اعني الجبائي تفقه بَابي مسلمة وَاللَّيْث مقدمي الذّكر وَهُوَ فِي عصرنا سنة خمس وَعشْرين وَسَبْعمائة مدرس الْبَلَد ومفتيها غير أَنه يذكر أَنه يتشاغل بِنَوْع من التِّجَارَة ليعتف عَن الْحَاجة اعانه الله حج سنة ثَمَان وَعشْرين وَسَبْعمائة وَأَظنهُ توفّي بِالطَّرِيقِ

وَمن الْبَلَد ابين وَهُوَ مخلاف أوسع عملا من مخلاف لحج واصح جوا وَأَعْدل هَوَاء ولأهلها شرف النُّفُوس وعلو الهمة وَلم أدخلها وَلَكِن أخبر بِحَالِهَا ثِقَات كَثِيرُونَ وَقد ذكر ابْن سَمُرَة مِنْهَا جمَاعَة وذكرتهم ايضا كَذَلِك مَعَ زِيَادَة تحصلت من نقل الاثبات فَمن الطَّبَقَة الْمُتَأَخِّرَة عَن من تقدم ذكره جمَاعَة مِنْهُم ابو الْحسن عَليّ بن يُوسُف العندي كَانَ فَقِيها فَاضلا يرجع نسبه الى عرب هُنَالك يُقَال لَهُم

الاعنود مِنْهُم بَقِيَّة فِي ابين وَغَيرهَا وَقد تقدم ذكر ابي بكر العندي الْوَزير مِنْهُم وَأما هَذَا فَكَانَ فَقِيها كَبِير الْقدر شهير الذّكر بالصلاح وَمَعْرِفَة الحَدِيث وَفِي آخر ايامه تصوف ثمَّ لما حضر الْفَقِيه نعيم الْوَفَاة وَبِيَدِهِ يَوْمئِذٍ مَسْجِدا لرباط أوصى أَن يَجْعَل هَذَا الْفَقِيه على اثره فِي الْمَسْجِد الى أَن توفّي بلحج لَا أَدْرِي باي تَارِيخ وَخَلفه فِي الْمَسْجِد سَالم وَبَنوهُ الى عصرنا يتوارثونه وَذَلِكَ سنة 723 فَرَأَيْت أَنِّي آتِي لَهُم على مَا تحققته من نقل بَعضهم اجْتمعت بِهِ فِي عدن أَيَّام كنت بحسبتها وَهُوَ ابو مُحَمَّد سَالم بن مُحَمَّد بن سَالم بن عبد الله ابْن خلف بن مُحَمَّد العامري مولده سنة سبعين وَخَمْسمِائة وَكَانَ فَقِيها كَبِيرا غَالب أَخذه بعدن من أَهلهَا والواردين وَكَانَ فَقِيها مُحدثا غلب عَلَيْهِ الحَدِيث وَكَانَ زاهدا ورعا وَكَانَ من كرام الْفُقَهَاء شرِيف النَّفس عالي الهمة وَلم يزل على الْقدَم المرضي حَتَّى توفّي سنة ثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَكَانَ زاهدا ورعا ينتابه النَّاس من الْبعد للزيارة وقرأة الْعلم وانتفع بصحبه جمع كثير مِنْهُم الشَّيْخ أَحْمد بن الْجَعْد وابو شُعْبَة الْمُقدم ذكره وَغَيرهمَا وقبره عِنْد الْمَسْجِد مَشْهُور يزار ويتبرك بِهِ وَخَلفه أَوْلَاد تفقه مِنْهُم مُحَمَّد وَعبد الله تفقها بابيهما وارتحل الى الامام بطال فأخذا عَنهُ وَلم يحضرني من تَحْقِيق من أحوالهما غير مَا ذكرت

وَمن اصحاب سَالم ابو عبد الله مُحَمَّد بن ابراهيم عرف بالتهامي واخوه عَليّ وَاحْمَدْ قدمُوا من تهَامَة وصحبوا الْفَقِيه بطالا وَأخذُوا عَنهُ وتفقهوا بِهِ ثمَّ نزلُوا أبين فصحبوا الْفَقِيه سَالم واخذوا عَنهُ وَاسْتَحَبُّوا بِهِ وَاسْتحبَّ بهم وَمُحَمّد هُوَ طريقي الى الامام بطال بِجَمِيعِ مصنفاته اذ يرْوى عَنهُ الْفَقِيه عبد الله سَالم مَا أرويها عَنهُ وَهُوَ أكبر اخوته وَكَانَت وَفَاته بِمَسْجِد الرِّبَاط سنة ثَمَان وَتِسْعين وسِتمِائَة تَقْرِيبًا وَأما اخوه عَليّ فصحب الشَّيْخ أَبَا معيد وَسكن مَعَه بميفعة ودرس هُنَالك وَعنهُ انْتَشَر الْفِقْه هُنَالك وَسَيَأْتِي بَيَان ذَلِك وَله ابْن اسْمه مُحَمَّد وَهُوَ الْآن فَقِيه الْموضع ويدرسه وَأما اخوهما الثَّالِث احْمَد فَلم اعرف من نَعته شيا غير الْفِقْه وَقد عرض مَعَ ذكر

الْفَقِيه سَالم ذكر رجلَيْنِ يَنْبَغِي ايراد مَا لَاق من احوالهما وهما الشَّيْخ احْمَد بن الْجَعْد وَالشَّيْخ ابو معيد فاما الشَّيْخ ابْن الْجَعْد فصحب هَذَا سالما وَكَانَ خَادِمًا صَدُوقًا ثمَّ لما توفّي سَالم تقدم الى الشَّيْخ الأهدل مقدم الذّكر فصحبه واخذ عَنهُ الْيَد وَعَاد بَلَده ابين فسكن قَرْيَة الطرية وَلم يزل بهَا حَتَّى توفّي وَصَحبه خلق لَا يُحصونَ كَثْرَة واخذوا عَنهُ الْيَد وَكَانَ صَاحب كرامات شهيرة وَلم يكن فِي المشائخ الْمُتَأَخِّرين لَهُ نَظِير وَفِي أَصْحَابه من اعيان المشائخ وكذل فِي اولاده وَلما سُئِلَ عَن صفة الْفقر قَالَ من لَهُ مدرعة من الْجُوع وَسَرَاويل من العفاف وطاقية من الخضوع ملوية بالخشوع تجْرِي مِنْهَا الدُّمُوع ويسقى مِنْهَا الربوع ورداء من الْحيَاء ومسبحة من المراقبة وَسوَاك من القناعة وزاوية من الْعلم وعكاز من التَّوَكُّل ومشعل من الأنبار وَنَعْلَان من الصَّبْر وَطَعَام من الذّكر وشراب من الْمحبَّة وبسطة من الانس وَبَيت من الْعُزْلَة فَذَلِك هُوَ الْفَقِير الخطير فَمن كَانَ هَذَا لِبَاس بَاطِنه فليلبس ظَاهِرَة مَا شَاءَ وغالب اصحابه فِي نَاحيَة بَلَده ثمَّ فِي حَضرمَوْت ثمَّ فِي نواحي الحجرية الَّتِي هِيَ شَرْقي الْجند ثمَّ لم اتحقق تَارِيخه وَكَانَت وَفَاته لبضع وَتِسْعين واخوه بعده خَلفه وَله كثير فِي الْحِكْمَة لم اتحقق مِنْهُ غير مَا تقدم وَفِيه الْكِفَايَة

وَأما الشَّيْخ ابو معبد فَهُوَ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن معبد كَانَ من اعيان المشائخ صَاحب حَال ومقال ورعا زاهدا سكن فِي بدايته موضعا بِقرب عدن يُقَال لَهَا الْعِمَاد فَلَمَّا سمع النَّاس بِهِ خَرجُوا إِلَيْهِ من عدن أَفْوَاجًا أَفْوَاجًا شغلوه من الْعِبَادَة فَشكى ذَلِك الى بعض اصحابه فَأمره ان يسالهم شيا من الدُّنْيَا على وَجه

الْقَرْض وَذَلِكَ كَمَا فعل الْفَقِيه عبد الله بن الْخَطِيب كَمَا قدمنَا حِين ذكرته وَبعد ذَلِك انْتقل الى نَاحيَة حجر الدغار فسكن هُنَالك موضعا يُسمى رضوم يَأْتِي ذكره أَن شَاءَ الله تَعَالَى وَصَحبه جمع كَبِير وَكَانَ لَهُ ولد مبارك يلقب بالغزالي وَيُسمى مُحَمَّدًا تفقه باحمد بن عَليّ بن ابراهيم التهامي وَتُوفِّي على حَيَاة ابيه ولقب بالغزالي لِأَنَّهُ كَانَ فَقِيها فَاضلا وَمن أَصْحَاب الْفَقِيه سَالم أَبُو عبد الله حُسَيْن بن عبد الله الدوعاني السروي قدم على الْفَقِيه سَالم مَسْجِد الرِّبَاط فُقَرَاء عَلَيْهِ وانتفع بِهِ وَتزَوج بابنته وَكَانَ يتَحَصَّل لَهُ بعض السَّاعَات سكر فَيبقى منطرحا بَين مدرس الْمدرسَة فَمَتَى مربه الْفَقِيه سَالم عجب على ذَلِك وَقَالَ ثمَّ زَاد على ابْن أدهم على هَذَا روى الشَّيْخ الحارب بعد مَوته فَقيل مَا فعل الله بك فَقَالَ استحققت الْعَذَاب فشفع بِهِ الْفَقِيه حُسَيْن الدوعاني وَقد رتحل الدوعاني الى الضُّحَى واخذ عَن مُحَمَّد بن اسماعيل مقدم الذّكر وَكَانَ كَبِير الْقدر شهير الذّكر فِي الْعِبَادَة وَلم اتحقق لَهُ تَارِيخا وانقضى ذكر من تحققته فِي مَسْجِد الرِّبَاط وَهُوَ مَسْجِد على سَاحل ابين مَشْهُور بِالْبركَةِ يقْصد للزيارة يُقَال أَنه أول مَسْجِد بني بناحيته على سَاحل الْبَحْر وبقربه المزار الَّذِي يعرف بالكثيب وَيُقَال إِن هَذَا الْمَسْجِد كَانَ معبدًا لقوم قبل الاسلام وَلَا يبعد ذَلِك إِذْ قد وجدكما ثَبت فِي الْخَبَر الصَّحِيح عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قصَّة قس بن سَاعِدَة أوردهَا ابْن عَسَاكِر

وَمن قَرْيَة الطرية وَهِي فِي مَا تقدم من قرى ابين الْمُعْتَمدَة وَخَربَتْ مُنْذُ مُدَّة وَاسْتمرّ بهَا الخراب الى عصرنا سنة ثَلَاث وَعشْرين وَسَبْعمائة وَخرج مِنْهَا جمَاعَة من الفضلا مِنْهُم متقدمون مضوا ومتأخرون مِنْهُم عبد الرَّحْمَن بن أبي الْخَيْر بن جبر فَالْأول ضد الشَّرّ وَالثَّانِي ضد الْكسر تفقه بالضحى على مُحَمَّد بن

اسماعيل وَكَانَ عَارِفًا لَا سِيمَا بكتب الْغَزالِيّ الْوَسِيط والبسيط بِحَيْثُ كَانَ يُقَال لَهُ فَارس الْوَسِيط ورائض الْبَسِيط وَكَانَ الْفَقِيه سَالم مَتى سئلعنه قَالَ هُوَ من الراسخين فِي الْعلم وسيئل بعض الْفُقَهَاء عَنهُ فَقَالَ حقيق بقول الشَّاعِر ... عقم النِّسَاء فَمَا يلدن بِمثلِهِ ... إِن النِّسَاء بِمثلِهِ عقم ... وَكَانَ يقوم كل لَيْلَة بِالْقُرْآنِ فِي رَكْعَتَيْنِ واخبرني الْفَقِيه ابو بكر بن احْمَد الرَّسُول عَن اخيه مُحَمَّد بن الْفَقِيه ابي الْخَيْر الْآتِي ذكرهمَا وَكَانَ أحد تلاميذه أَنه سَمعه يَقُول كنت أسمع الْقصاص يَقُولُونَ قَالَ مُوسَى يَا رب اجْعَلنِي من أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأنْكر ذَلِك بخاطري وَأَقُول مَا هَذَا صَحِيح قَالَ الله تَعَالَى أَنِّي اصطفيتك على النَّاس برسالتي وبكلامي وَقَالَ وكلم الله مُوسَى تكليما وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل أهل الْجنَّة جرد مرد الا مُوسَى فقد ران رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام عَن يَمِيني ومُوسَى عَن شمَالي فَقلت يَا مُوسَى انت قلت رب اجْعَلنِي من امة مُحَمَّد ثمَّ رجعت الى نَفسِي وَقلت كَيفَ اساله بحضر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قلت يَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَل قَالَ مُوسَى رب اجْعَلنِي من أمة مُحَمَّد فَسكت فاعدت السُّؤَال فَسكت فاعدت ثَالِثا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نعم نعم نعم ثَلَاثًا فَلم انكر بعد ذَلِك سَماع ذَلِك من قاص وَلَا غَيره

وَلما احْتضرَ هَذَا لافقيه بلغ الشَّيْخ احْمَد بن الْجَعْد وَكَانَ قد أقعد قَالَ لأَصْحَابه احْمِلُونِي الى الْفَقِيه فَحمل فَلَمَّا صَار عِنْده وَقَالَ لَهُ يَا فَقِيه عبد الرَّحْمَن هَذَا وَقت سفرك الى الْمقَام الْعلوِي ونريد مِنْك الصُّحْبَة فَقَالَ يَا شيخ تثبت وَكَانَت وَفَاته على الطَّرِيق المرضي سنة سبع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة

وَمِنْهُم مُحَمَّد بن احْمَد بن ابي بكر بن مُوسَى عرف بالخرف تفقه بِابْن الرَّسُول الْآتِي ذكره وَولى قَضَاء بَلَده وَتُوفِّي بهَا لسبع بَقينَ من رَمَضَان سنة ارْبَعْ

وَسبعين وسِتمِائَة عمره نيفا وَسِتِّينَ سنة وَخَلفه ابْنه ابراهيم تفقه بِهِ وبشيخه ابْن الرَّسُول وولاه بَنو مُحَمَّد بن عمر قَضَاء الكدراء فُقَرَاء فِي اثناء ذَلِك على الْفَقِيه عَليّ بن ابراهيم مقدم الذّكر بشيخه ثمَّ انْتقل الى احور فاقام بهَا حَاكما ومفتيا حَتَّى توفّي بسلخ جمادي الْآخِرَة سنة احدى عشرَة وَسَبْعمائة وَخَلفه ابْنه احْمَد تفقه بابيه وبابن السبتي فِي الشحر وبعلي بن ابراهيم بشجينه وَولى قُضَاة ذبحان من قبل ابْن الأديب وَبَلغنِي فِي سنة ثَلَاث وَعشْرين وَسَبْعمائة انه انْفَصل عَنهُ وَمن قرى أبين الجبنون بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَضم النُّون وَسُكُون الْوَاو ثمَّ نون بعْدهَا كَانَ بهَا جمَاعَة مِنْهُم زُرَيْع بن مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد بن مَسْعُود بن عبد الله اليامي ثمَّ الْهَمدَانِي كَانَ فَقِيها كَبِيرا فَاضلا وَكَانَ ابوه مُحدثا تفقه زُرَيْع بِمُحَمد بن اسماعيل الْحَضْرَمِيّ وبعلي بن قَاسم الْحكمِي وَكَانَ صَاحب رِوَايَات واخبار مستحسنات وَكَانَت لَهُ كرامات واسنادات عاليات وَمِنْه اخذ ابْن الرَّسُول فِي بدايته وَكَانَت وَفَاته سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وسِتمِائَة

وَمِنْهُم عمر بن مُفْلِح بن مُحَمَّد بن مهيوب بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْهَاء وَضم الْيَاء الْمُثَنَّاة من تَحت وَسُكُون الْوَاو ثمَّ بَاء مُوَحدَة وَنسبَة الربعِي ثمَّ النزاري كَانَ فَقِيها فَاضلا وَلَا سِيمَا بِعلم الْأَدَب واخذه لَهُ عَن الامام بطال وَله مِنْهُ اجازة عَامَّة وَكَانَ جوالا فِي الْبِلَاد بَين بَلَده وجبا وتعز والجند قَالَ حسن بن عَليّ الْمُقدم ذكره اجْتمعت بِهِ فِي سير سنة خمس وَخمسين وسِتمِائَة فأجازني اجازة عَامَّة وَأَخْبرنِي ان لَهُ اجازة من الْفَقِيه بطال

وَمن خنفر بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون وَفتح الْفَاء وَسُكُون الرَّاء وَكَانَ بهَا جمَاعَة مِنْهُم ابو الْحسن عَليّ بن ابي الْغَيْث بن احْمَد بن أبي الْحُسَيْن كَانَ فَقِيها مُحدثا وَكَانَ الْمَنْصُور بن الرَّسُول يَعْتَقِدهُ وَيُحِبهُ وَمَتى دخل ابين زَارَهُ وَالْتمس

دَعَاهُ وَقبل شَفَاعَته وَتزَوج بابنة الْفَقِيه عَليّ بن مياس الْمُقدم ذكره وَحدث لَهُ مِنْهَا أَوْلَاد ثَلَاثَة هم ابو بكر وَعمر وَعبد الله فعمر تفقه بعمر بن مُحَمَّد الَّاتِي ذكره فِي أَصْحَاب الشحبلي كَانَ فَاضلا توفّي بعد أَن كَانَ يَنُوب خَاله بَنو مُحَمَّد بن عَليّ بن مياس على قَضَاء عدن وَتُوفِّي أول ولَايَته بعد ابْن الْجُنَيْد ربدون السّنة وَذَلِكَ فِي لحج بعد أَن تفقه بِهِ ابْن الاديب وَأما أَبُو بكر فتفقه بتهامة على عبد الله بن إِبْرَاهِيم بن عجيل غَالِبا وإقامته بلحج يذكر بِالْخَيرِ وَالدّين والمروة

وَمِنْهُم مبارك بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله الشحبلي بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة بعد الف وَلَام وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة ثمَّ لَام ثمَّ يَا مثناة من تَحت تفقه بعلي بن قَاسم وانتشر عَنهُ الْفِقْه انتشارا متسعا وَكَانَ من ابرك النَّاس تدريسا عَنهُ أَخذ عمر بن مُحَمَّد بن معمر وَعلي بن عِيسَى الْمَذْكُورين فِي أهل الْجند وَغَيرهم مِمَّن درس وافتى ثمَّ مُحَمَّد بن أَحْمد بن صَالح وَمُحَمّد بن عَليّ بن جميل تفقها وَلم يدرسا وَلما توفّي قَامَ بعده تِلْمِيذه ابو الْخطاب عمر بن مُحَمَّد ابْن أَحْمد معمر فتفقه بِهِ جمَاعَة مِنْهُم عمر بن أبي الْغَيْث وَكَانَ هَذَا عمر فَقِيها مُحدثا درس بِجَامِع خنفر مُدَّة طَوِيلَة

وَمِنْهُم ابراهيم بن مُحَمَّد بن سعيد الْحَضْرَمِيّ يعرف بالأشل لشلل كَانَ بِيَدِهِ تفقه بمبارك

وَمِنْهُم أَبُو الْحسن أَحْمد بن عمر بن أَحْمد بن عمر بن أَحْمد بن غيلَان تفقه بِابْن الرَّسُول الَّاتِي ذكره ورايت سَمَاعه للتّنْبِيه وتاريخه لتمامه الثَّالِث وَعشْرين لَيْلَة خلت من الْقعدَة أحد شهور سنة وَاحِد وَسبعين وسِتمِائَة وَكَانَ يذكر بجودة الْفِقْه ووردت مِنْهُ أسئلة الى شَيخنَا ابي الْحسن فاستجادها واجابه عَنْهَا وَهِي مَذْكُورَة فِيمَا جمع من قَامَ بِهِ وَكَانَت وَفَاته بعد سَبْعمِائة تَقْرِيبًا وَمن الْمُتَقَدِّمين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن سعيد عرف بالثريبا بِضَم الثَّاء الْمُثَلَّثَة بعد الف وَلَام وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْيَاء الْمُثَنَّاة من تَحت وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة ثمَّ ألف كَانَ من أتراب الْفَقِيه

مبارك وَرُبمَا كَانَ هَذَا أكبر مِنْهُ وباشارة هَذَا الْفَقِيه بني الأتابك سنقر الْجَامِع بخنفر وَسبب ذَلِك أَن الأتابك تحمل لهَذَا الْفَقِيه مَالا وَسَأَلَهُ قبُوله كَيفَ شَاءَ أما لنَفسِهِ أَو ليفرقه على من رَاء فَلم يقبل الْفَقِيه بل قَالَ لَهُ الصَّوَاب انك تبني بِهِ جَامعا انفع لَك من ذَلِك فاعتمد الاتابك اشارته وَكَانَت مباركة وَلما توفّي خَلفه ابْنه إِبْرَاهِيم فارتحل إِلَى تهَامَة برفاقة الْفَقِيه مشقر مقدم الذّكر فَقدما على الامام أَحْمد بن مُوسَى بن عجيل فاسكنهما لبيت وَاحِد قَالَ الْفَقِيه مشقر فَبَيْنَمَا نَحن ذَات لَيْلَة نصلي التَّرَاوِيح خلف الْفَقِيه أَحْمد إِذْ رَأَيْت صَاحِبي قد ذهب نَحْو الْبَيْت وَلم يتم مَعنا التشفيع حَتَّى ذهب عَنَّا إِلَى الْمنزل الَّذِي يسكنهُ فَلَمَّا فَرغْنَا الصَّلَاة وَذهب كل الى منزله اتيت الْمنزل فَوجدت صَاحِبي حَزينًا باكيا متألما فَسَأَلته عَن سَبَب ذَلِك فَلم يجيبني بشي ثمَّ بَات لَيْلَة على ذَلِك لم يطعم طَعَاما ثمَّ ظلّ كَذَلِك ثمَّ بَات نَحوه لم يفْطر على شَيْء وَلما أَصبَحت جِئْت الى الْفَقِيه لأقرأ عَلَيْهِ فحين اردت الْقِرَاءَة اردت ابتدائها بمراجعة الْفَقِيه بِسَبَبِهِ فنهرني وَقَالَ لَا تشك من أَن ابراهيم من الابدال ثمَّ لما عدت من الْقِرَاءَة وجدته على ذَلِك الْحَال فَلم أزل الاطفه واسأله عَن سَببه فَقَالَ لي أما رَأَيْت تِلْكَ اللَّيْلَة النُّور الَّذِي نزل وَنحن فِي الصلوة وَغشيَ الْفَقِيه دون غَيره فشق على ذَلِك حَيْثُ لم يحصل لي مِنْهُ نصيب وَلَا لغيري فَقلت مَا رأى ذَلِك إِلَّا أَنْت وَقد قَالَ الْفَقِيه لَا يشك انك من الابدال

ثمَّ عقيب ذَلِك عَاد بَلَده فَلَزِمَ مَسْكَنه وابتني فِيهِ مصلا حَتَّى توفّي على الْعُزْلَة وَالْعِبَادَة لنيف وَتِسْعين وسِتمِائَة تَقْرِيبًا وَكَانَ بهَا قوم يُقَال لَهُم الكرديون يلون القضا وأصلهم اكراد كَانَ فيهم أخيار وَقد ذكر ابْن سَمُرَة جمَاعَة مِنْهُم فِي بعض نُسْخَة لم أكد أتحقق من متأخرهم غير مُحَمَّد بن ابراهيم فانه كَانَ حَاكما وَفِي طَرِيقه الَّتِي سلكها خير وَابْنه الَّذِي نقل إِلَى الشحر فأساء السِّيرَة على الْحَاكِم قبله وَأهل الْبَلَد وَسَيَأْتِي بَيَان ذَلِك مَعَ أهل الشحر ثمَّ صَار الْفِقْه الى طبقَة أُخْرَى مِنْهُم أَبُو الْعَتِيق أَبُو بكر بن احْمَد بن عمر بن الاديب مولده سنة احدى وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وتفقه بعمر بن ابي الْغَيْث الْمُقدم ذكره وبمشقر ثمَّ ارتحل الى تهَامَة فَأخذ عَن بعض بني عجيل ثمَّ عَاد بَلَده فاقام مُدَّة طَوِيلَة على طَرِيق

النّسك ثمَّ سَافر الى مَكَّة وَصَحب ابْن زُرَيْق الْمَذْكُور فِي فُقَهَاء تعز فَلَمَّا عَاد من الْحَج أخبر الْفُقَهَاء بني مُحَمَّد بن عمر بِدِينِهِ وفقهه فأثر ذَلِك عِنْدهم إِذْ كَانَ الْمخبر لَهُ حَظّ عِنْدهم فطلبوه وولوه قَضَاء عدن وَأبين فاستناب على أبين وَدخل عدن وَذَلِكَ سنة ارْبَعْ وَسَبْعمائة وعقيب دُخُوله حصل فِي عدن سيل جحاف فَاحْتمل بُيُوتًا وعالما كثيرا والقاهم الْبَحْر من جُمْلَتهمْ بَيت الضَّامِن الْبَلَد وَالْمَعْرُوف بِابْن معوضة واحاط المَاء بِالْبَيْتِ الَّذِي نزله القَاضِي حَتَّى أَنه لم يخرج مِنْهُ إِلَّا بحيلة من كوَّة فِيهِ ينزل مِنْهَا الى الشَّارِع فَاخْرُج كتبه وَأخرج على سلم ركز لَهُ من كَثْرَة المَاء على بَاب الْبَيْت وَلم يَتْرُكُوهُ بني مُحَمَّد بن عمر يسير فِي الْقَضَاء على مُرَاده بل الزموه على الْوُقُوف على حُدُود ضَاقَ مِنْهَا فعزل نَفسه وَعَاد ألى ابين فَبَقيَ على قَضَائهَا وَجعل مَكَانَهُ فِي عدن يُوسُف بن مَضْمُون الْمُقدم ذكره فَلبث نَحْو سنتَيْن وَلم تحسن اثاره فعزل وأعيد ابْن الاديب فِي سنة 706 فَلَمَّا اسْتمرّ على الْقَضَاء وَاقِفًا على مَأْخَذ الْقُضَاة متأدبا منضبطا واحدث مَعَ ذَلِك ضوابط اخر لم يجد بهَا قَاضِي قبله مِنْهَا أَنه مُنْذُ ولي لم يصرف للأيتام زكوة وَكَانَت مِمَّا ينْتَفع بهَا النَّاس وَمِنْهَا أَنه منع أهل عدن أَن يوصوا إِلَّا بحضر أَقوام عينهم وَسَمَّاهُمْ الْأُمَنَاء وهم عِنْد النَّاس على خلاف ذَلِك ظَاهرا وَبَاطنا وَمَتى فعل أحد بِخِلَاف ذَلِك انكر عَلَيْهِ بِالْحَبْسِ وَنَحْوه من التَّعْزِير وَرُبمَا حبس الشُّهُود وَهَذَا أَمر شاق بِالنَّاسِ بِحَيْثُ أَن الْفَقِير لَا يصله الشُّهُود المعنيون لعدم طمعهم بِهِ إِذْ لَا بُد عِنْد ان يُوصي الْمُوصي لَهُم من شَيْء يرْضخ بِهِ الْمُوصى لَهُم طَوْعًا وَكرها والغني قد يكون يحب كتم أمره وَلَا يُوصي وَلَا يُحْصى إِلَّا بحضر من يتَحَقَّق دينه وأمانته وكتمه لسره فَيمْتَنع كثير من الْفُقَرَاء والأغنياء لما ذكرته

وَمن مَا سنه ابْن الأديب انه مَتى وصل كل يطْلب مَاله فِي الْمُسْتَوْدع لم يسلمُوا لَهُ حَتَّى يضمن بهَا مَعْرُوف وَذَلِكَ وَجه ضَعِيف لَا عمل بِهِ ثمَّ أَنه لما سكن لحج عِنْدَمَا ولي قَضَاء عدن صَار يخرج بعد الْمَوْسِم ويدير الرعارع وَاشْترى ارضا ونخيلا وَمَتى خرج من عدن استناب الْفَقِيه أَحْمد الْحرَازِي واستناب ابْن

الْفَارِسِي مقدم الذّكر فِي اثناء قيام ولد الْفَقِيه ابي بكر وَقد ذكرت ذَلِك مَعَ ذكره وَمَعَ ذَلِك أَنه لَا يكَاد يُوجد لَهُ فِي هَذَا الْعَصْر نَظِير فِي الْفِقْه والْحَدِيث وَالْأُصُول والمنطق وَحسن تدريس الْجَمِيع وَلَقَد قَرَأت عَلَيْهِ الْوَسِيط فرأيته يحل غبهامه ويزيل اشكاله وانتفع بِهِ كثير من الْفُقَهَاء وشهدوا بِأَنَّهُ اوحد الْعَصْر فِي الْفِقْه والتدريس وَلَا يكَاد يخلوا حَيْثُ كَانَ عَن تدريس ومطالعة وَلم يزل حَاكما بعدن حَتَّى كَانَ سنة سِتّ عشرَة وَسَبْعمائة حدثت الْقِصَّة الْمَشْهُورَة بَين السُّلْطَان الْمُؤَيد وَبَين أَخِيه النَّاصِر وَقد مضى ذكرهَا وَكَانَ قد استحضر السُّلْطَان القَاضِي أَبَا شكيل وَالْقَاضِي المشيرقي مقدم الذّكر لمشاجرة جرت بَينهمَا وَقد ذكرتها مَعَ ذكر المشيرقي واستدعى بِهَذَا ابْن الاديب وبجماعة من اعيان فُقَهَاء تهَامَة كَابْن الْحَضْرَمِيّ احْمَد بن اسماعيل وجمال الدّين صَاحب المهجم وجمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله الْحَضْرَمِيّ وَأحمد بن أبي الْخَيْر فَلَمَّا حَضَرُوا مقَام السُّلْطَان بعد أَن أَمر ولد الْفَقِيه بِلُزُوم بَيته حكم ابْن الأديب بَينهمَا وأوضح الْأَمر وَأَنه خطا من المشيرقي وأكد ذَلِك اعْتِرَاف صدر مِنْهُ وَقَالَ أكرهت على مَا حكمت بِهِ فَلَمَّا ظهر للسُّلْطَان ذَلِك اطلق ابا شكيل عَن الاعتقال وَقطعت المساطير الَّتِي كَانَ المشيرقي كتبهَا عَلَيْهِ ثمَّ لما خَرجُوا قعدوا يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاث واستدعي السُّلْطَان بِابْن الاديب فَجعله قَاضِي الْقُضَاة وَذَلِكَ بحضر أبي شكيل وَالْقَاضِي حُسَيْن بن صَالح الْمُقدم ذكره وَكَانَ أول أَمر فعله أَن استناب على قضا الْجند ابْن قَيْصر وَهُوَ يَوْمئِذٍ بهَا من غيراختيار واستناب على قضا زبيد ابي شكيل إِذْ عزل المشيرقي نَفسه بالكره أكرهه الْجَمَاعَة وخوفوه وَاسْتمرّ على القضا حَتَّى توفّي الْمُؤَيد وَقعد بعده نَحْو ثَلَاثَة أشهر ثمَّ أَنه تحقق أَنه عرض المجاهدابن الْمُؤَيد يتْرك عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن الظفاري مَكَانَهُ فَلم يعرج على شَيْء غير تقدم لحج فِي سلخ صفر سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَسَبْعمائة وَلزِمَ منزله بالرعارع وَذَلِكَ سَابِع جمادي الْأُخْرَى بعد أَن قتل فِي تِلْكَ اللَّيْلَة الأتابك

عمر بن يُوسُف والوزير الظفاري وَمُحَمّد بن الْهمام وَمُحَمّد بن عُثْمَان الْعَنسِي حَتَّى انْقَضتْ ايام

الْمُجَاهِد الأولة وَقَامَ عَمه الْمَنْصُور بِالْملكِ فاستدعي بِابْن الاديب وَبعث لَهُ بزواد وَكِسْوَة فتوقف اياما ثمَّ يقدم فِي شعْبَان فَلم يلبث غير يسير وَدخل رَمَضَان ثمَّ فِي سادسه جرى للمنصور مَا سَيَأْتِي فَلبث ابْن الأديب الى ربيع الآخر من سنة ثَلَاث وَعشْرين وَسَبْعمائة ثمَّ اسْتَأْذن الْمُجَاهِد وَعَاد لحج فَهُوَ هُنَاكَ مُسْتَقرًّا ثمَّ انْتقل عَن الرعارع الى بِنَا ابه الْعليا وَهُوَ بهَا سَاكن وَقد بَلغنِي انه عَاد الرعارع وَلما استولى ولد الْمَنْصُور على عدن ونواحيها واستدعاه الى الدملوة وامره بالاستمرار على قضا القضا فَهُوَ على قضا القضا حَتَّى كَانَ فِي شهر جمادي الأولى نزل عَسْكَر من الْمُجَاهِد وهجموا الرعارع وَدخل جَعْفَر بن الصليحي بَيته فَدخل بعده وَقتل وَهُوَ مُتَعَلق بِهِ وداخل ابْن الديب من ذَلِك فزع وَمرض اياما سِتا أَو سبعا ثمَّ توفّي الْحَادِي وَالْعِشْرين من جمادي الأول سنة خمس وَعشْرين وَسَبْعمائة

وَمِنْهُم بخنفر رجل يعرف بِابْن الزبير تفقه بِابْن الأديب وَيذكر بِالدّينِ وَالصَّلَاح وَالْخَيْر وَمن قرى ابين الْمحل جمَاعَة مِنْهُم ابو الْعَبَّاس احْمَد بن ابي بكر بن ابراهيم الرَّسُول المخزمي نِسْبَة الى قوم يُقَال لَهُم المخازمة وهم بطن من كِنْدَة واحدهم مخزمي بِفَتْح الْمِيم ثمَّ سُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة ثمَّ زاء مَفْتُوحَة ثمَّ مِيم ثمَّ يَا نسب مولده سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وتفقه فِي بدايته بزريع الْمُقدم ذكره ثمَّ ارتحل الضُّحَى فَأخذ عَن الامام اسماعيل وَعَلِيهِ أكمل التفقه وَهُوَ أكمل اصحابه معرفَة للفقه ونظافة للْعلم وغزارة فِي النَّقْل وَرُبمَا ذكر انه اخذ عَن الامام ابْن عجيل فَصَارَ عَارِفًا بالفقه والْحَدِيث وَالتَّفْسِير عابدا زاهدا مبارك التدريس اخذ عَنهُ جمَاعَة كَثِيرَة من نواح شَتَّى فَمن الْجبَال شَيْخي ابو الْحسن الأصبحي وَصَالح بن عمر السفالي قدما اليه مُتَرَافِقين فُقَرَاء صَالح التَّنْبِيه أجمع وَشَيخنَا اخذ بعض الْوَسِيط ثمَّ عَارضه مرض استجاز الْكتاب وَعَاد الْجَمِيع الْبِلَاد فَنعم الرفيقان رَحْمَة الله عَلَيْهِمَا وَعبد الله بن سَالم وَسليمَان بن مُحَمَّد الصُّوفِي كِلَاهُمَا من

جبلة وَعمر الحبيشي وَمُحَمّد بن سُلَيْمَان من دَار نهد وَإِسْمَاعِيل بن احْمَد الخلي وَمُحَمّد الشَّامي من حجر وَمن الْبَلَد مُحَمَّد الخرف وَابْنه ابراهيم وَمُحَمّد بن أَحْمد أَبَا مسلمة وَولده وَمُحَمّد بن عَليّ الأحوري مَاتَ طَالبا سنة تسع وَسبعين وسِتمِائَة وَمُحَمّد بن أَحْمد السبتي الشحري وَمُحَمّد بن يَعْقُوب من لحج من بني الْحميدِي كَانَ عرافا بالتنبيه والمهذب وَأحمد بن عمرَان الغيلاني وَهَؤُلَاء غالبهم رَأس ودرس وَله ابْنَانِ هما مُحَمَّد وابو بكر تفقها وَتُوفِّي مُحَمَّد سنّ 675 وَهُوَ الَّذِي روى الْفَقِيه عبد الرَّحْمَن بن ابي الْخَيْر الْمُقدم ذكره

وَأما ابو بكر فتصوف وَهُوَ مَعَ ذَلِك يدرس وَاجْتمعت بِهِ فِي عدن فَوجدت رجلا خيرا وَله فِي عدن رِبَاط وَيَده فِي التَّحْكِيم لسيدي أَحْمد الرِّفَاعِي الْمُقدم ذكره حكمه الْفَقِيه أَبُو بكر بن فليح الْمُقدم ذكره فِي أَصْحَابنَا أهل الْجند وَتُوفِّي فِي بَلَده الْمحل فِي شهر جمادي الأول سنة خمس وَعشْرين وَسَبْعمائة وَلَقَد سَمِعت الثِّقَات ينقلون عَن هَذَا الْفَقِيه أَحْمد من غزارة النَّقْل وَكَمَال الْفضل مَا يعجب ويطرب وامتحن فِي آخر عمره بالعما وَيذكر بجودة النَّقْل وثبات الْعقل يقرى الْعلم فِي بَيته وَله كرامات وَهُوَ يرْوى الْبَيَان عَن عبد الله الدلالي وَأخذ عَن القَاضِي اسحاق الطَّبَرِيّ وَبِالْجُمْلَةِ مخصاله المحمودة أَكثر من أَن تحصى وَبَلغنِي أَنه توفّي ثَانِي عشر من رَمَضَان سنة أَربع وَعشْرين وَسَبْعمائة وأخرب عَسْكَر الظَّاهِر الْمحل فِي شهر رَمَضَان سنة ارْبَعْ وَعشْرين وَسَبْعمائة وَلم يزل دأب الظَّاهِر الأخراب والأفساد

وَمن دثينة بلد ضَبطهَا بِفَتْح الدَّال الْمُهْملَة وخفض الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَسُكُون الْيَاء الْمُثَنَّاة من تَحت وَفتح النُّون وَسُكُون الْهَاء وَهِي بلد للْعَرَب الَّذين يعْرفُونَ بالجحافل فِيهَا فَقِيه اسْمه أَحْمد بن مُحَمَّد يعرف بِابْن الدويح تَصْغِير دوح وَهُوَ ظرف

المَاء بلغَة الْيمن وَقد يسْتَعْمل فِي غَيره تفقه بالامام اسماعيل الْحَضْرَمِيّ وَهُوَ فَقِيه ناحيته يذكر بالورع والزهد واجادة نقل الْفِقْه ويلغني أَنه الْآن على قدم التصوف ومسكنه قَرْيَة تعرف بقاعة الرُّمَّان على قرب من مَدِينَة الفرط احدى مدينتي دثينة اذا الْأُخْرَى فويلع وَضبط الفرط بِضَم الْفَاء بعد ألف وَلَام وَضم الرَّاء وَسُكُون الطَّاء وَهِي مَدِينَة كَبِيرَة بهَا تربة الشَّيْخ عمر بن سعيد الْجَعْدِي الأيوبي نسبا وَكَانَ كَبِير الْقدر شهير الذّكر

وَمن أحور قد ذكر ابْن سَمُرَة مِنْهَا جمَاعَة فِيمَا مضى وذكرتهم وَكَانَ فِيهَا آخر جمَاعَة مِنْهُم أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد بن عراف اليافعي وَهُوَ أحد شُيُوخ ابي الْخَيْر الْحَضْرَمِيّ أَخذ عَنهُ الفايق فِي الْوَعْظ لأَخذه لَهُ عَن ابْن قَيْصر الظفاري عَن القلعي وَمِنْهُم مُحَمَّد بن احْمَد بن ابراهيم بن الخزف ثمَّ ابْنه احْمَد قد ذكرتهما فِي أهل ابين وَلم اتحقق غَيرهمَا وهما من الواردين اذ اصل بلدهما ابين كَمَا تقدم فِي ذكرهمَا مَعَ اهل ابين

وَمن ميفعة الْقرْيَة الَّتِي تقدم ذكرهَا وَأَن الشَّيْخ ابا معبد سكنها كَانَ بهَا جمَاعَة مِنْهُم عبد الله ابْن ابراهيم بن مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد بن جبر بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة ثمَّ رَاء الماربي بَلَدا نسبه الى الْبَلَد الْمَذْكُورَة فِي الْقُرْآن بسيل العرم قدم هَذَا ميفعة وَقد تفقه يعرفهُ اهل الْبَلَد واعتقدوا بِهِ وأحبوه فاقام عِنْدهم مفتيا وحاكما ثمَّ خَلفه ابْن لَهُ اسْمه ابو الْخَيْر خرج من ميفعة طَالبا للْعلم فقصد الطرية من ابين وقراء على الْفَقِيه عبد الرَّحْمَن بن ابي الْخَيْر مقدم الذّكر وَذكر أَن بنيهما قرَابَة لَازِمَة فتفقه بِهِ حَتَّى توفّي ثمَّ لحق بتهامة فأكمل تفقهه بالأمام اسماعيل الْحَضْرَمِيّ فتفقه بهَا تفقها جيدا ثمَّ عَاد الى حجر وخلت الشحر عَن حَاكم بِمَوْت عبد الرَّحْمَن السبتي الْآتِي ذكره فَطلب الى الشحر وَجعل حَاكما ومفتيا

فَانْتَفع بِهِ أهل الشحر وانتشر عَنهُ الْفِقْه وتفقه بِهِ جمَاعَة من أَهلهَا وَغَيرهم مِنْهُم أَحْمد بن أبي السبتي الْآتِي ذكره وَحسن بن عَليّ باخير الْحَضْرَمِيّ وَهُوَ فَقِيه الشحر فِي عصرنا حَتَّى توفّي ثمَّ عَليّ بن عبد الله با أَسد حضرمي ثمَّ من شبام عبد الله بن أَحْمد با حَارِث وَيعرف بعبيد تَصْغِير عبد ثمَّ مُحَمَّد بن مَسْعُود عرف بِأبي بهير من وَادي حَضرمَوْت يُقَال لَهُ بور بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْوَاو ثمَّ رَاء وَيذكر أَنه مَوْجُود الْآن سنة 726 وَلم يزل هَذَا أَبُو الْخَيْر حَاكما ومفتيا بالشحر حَتَّى صَار ملكهَا الى الْغَزْو ذَلِك سنة 76 وَقيل سنة 677 فاصدر القَاضِي الملقب بالبهاء اليها رجلا من أهل الْيمن من الْقُضَاة الَّذين كَانُوا بَابَيْنِ يعْرفُونَ بالكرديين جمع كردِي اسْمه عمر بن مُحَمَّد بن ابراهيم فَلَمَّا قدم الشحر لزم أَبُو الْخَيْر بَيته فَكَانَ الْكرْدِي يستدعيه فِي قضايا لَا يَلِيق استحضاره لأَجلهَا وَلَا يجوز وَرُبمَا انه كَانَ اذا حضر سفه عَلَيْهِ سفها لَا يَبْغِي أَن يكون من سفلَة الى سفلَة فَكيف من قَاض الى فَقِيه مَشْهُور بِالدّينِ وَالْفِقْه بِحَيْثُ كَانَ أهل الشحر يَقُولُونَ بَينهمَا فِي الْفِقْه والفهم وَالدّين كَمَا بَين الْبَهِيمَة والادمي وَلما طَال عَلَيْهِ سوء الْأَدَب من الْكرْدِي خرج عَن الشحر الى حَضرمَوْت فَأَقَامَ بهَا مُدَّة ثمَّ عَاد الى حجر مَسْكَنه أَولا فَلم يزل بهَا حَتَّى توفّي على راس سَبْعمِائة وَخمْس 705 وقبره مَشْهُور يزار ويتبرك بِهِ وَكَانَ ذَلِك بقرية تعرف بالحصين بِضَم الْحَاء وَفتح الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ وَسُكُون يَاء الْمُثَنَّاة من تَحت ثمَّ نون تَصْغِير حصن وَخَلفه فِي الْقرْيَة ابْن لَهُ اسْمه احْمَد هُوَ الْآن فَقِيه النَّاحِيَة وحاكما يسكن قَرْيَة يُقَال لَهَا ميفعة لعرب يُقَال لَهُم العبديون وَمِنْهَا مَوضِع يُسمى رضوم بِفَتْح الرَّاء وَضم الضَّاد

الْمُعْجَمَة ثمَّ وَاو ثمَّ مِيم وَهِي قَرْيَة اختطها الشَّيْخ الصَّالح ابو معبد

واسْمه أَحْمد بن مُحَمَّد بن معبد الدوعني نِسْبَة الى بلد تسمى دوعن وَهُوَ وَادي يحتوي على قرى كَثِيرَة مسافتها من الشّجر ثَلَاث مراحل وَمن حجر مرحلتان شَيْخه رجل اسْمه ابو سعيد وتربته وابوه برضوم مَعَ وَلدين لَهُ هما احْمَد وَعبد الرَّحْمَن واما مَحْمُود فقريته بِالْعينِ وَضبط بَلَده دوعن بِفَتْح الدَّال الْمُهْملَة وَسُكُون الْوَاو وَفتح الْعين الْمُهْملَة ثمَّ نون سَاكِنة ورضوم بِفَتْح الرَّاء وَضم الضَّاد الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْوَاو ثمَّ مِيم وَمَوْضِع تربته بخفض الْجِيم وَسُكُون الام وَفتح الْعين وَسُكُون الها الْحَضْرَمِيّ وَقد ذكرته مَعَ ذكر بني التهامي فِي أَصْحَاب الْفَقِيه سَالم كَانَ هَذَا على أَيَّام الشَّيْخ الْفَقِيه أَحْمد بن عَليّ بن ابراهيم مقدم الذّكر وابو بكر بن اِسْعَدْ الحبائي من سرو الطَّاهِر تفقه بِهَذَيْنِ فِي هَذِه الْقرْيَة جمَاعَة مِنْهُم ابْن الشَّيْخ مُحَمَّد الملقب بالغزالي قد ذكرته وَلما توفّي الشَّيْخ أَبُو معبد خَلفه ابْن لَهُ اسْمه عبد الله ثمَّ توفّي فخلفه اخر اسْمه مَحْمُود كَانَ فَاضلا بِالْعلمِ وَقَامَ بالرباط وَالْمَكَان ثمَّ توفّي بجمادي الأولى من سنة عشْرين وَسَبْعمائة

ثمَّ الشحر أقدم من فِيهَا يذكر بالفقه بَيت السبتي اصلهم من حَضرمَوْت وتدير وامر باطا ثمَّ ظفار فَأول من قدم مِنْهُم الشحر أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن يحيى السبتي بخفض السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة ثمَّ تَاء مثناة من فَوق ثمَّ يَاء مثناة من تَحت لَا ادري نِسْبَة الى مَاذَا وَهُوَ الْفَقِيه الْمَذْكُور فِي اصحاب الامام القلعي فِيمَا مضى يرجع نسبه الى ضمعج بن أَوْس الصَّحَابِيّ خرج أَحْمد من ظفار أخرجه السُّلْطَان أَحْمد بن مُحَمَّد الحبوضي أذ أرتاب مِنْهُ وَكَانَ اذ ذَاك ضَعِيف

الْملك وَلذَلِك خشِي من فَقِيه فَخرج الى سَاحل خريج فسكنه مُدَّة ثمَّ استدعاه صَاحب الشحر عبد الرَّحْمَن بن اقبال الْآتِي ذكره فَجعله حَاكما بعد ابراهيم ابي شكيل الْآتِي ذكر وَلم يزل حَاكما حَتَّى توفّي بعد أَن شرح التَّنْبِيه شرحا متسعا وَكَانَت وَفَاته تَقْرِيبًا لبضع وَسِتِّينَ وستماية

فخلفه ابْنه عبد الرَّحْمَن فسلك طَرِيقه فِي الدّين والورع حَتَّى توفّي لبضع وَسبعين من وَفَاته جعل أَبُو الْخَيْر مَكَانَهُ من قبل ابْن رَاشد فتفقه بِهِ وَلَده أَحْمد ابْتِدَاء وَلما قدم الابيني الْكرْدِي مقدم الذّكر وَكَانَ فِيهِ الْخِصَال الْمَذْكُورَة أجمع أهل الشحر على كَرَاهَته لذَلِك وَقدم اثناء ذَلِك رجل من تجار عدن يُقَال لَهُ ابْن الْعَسْقَلَانِي ويلقب الْكَمَال فَصَارَ نَاظرا بالشحر فتحقق سيرة الْكرْدِي وقبحها وَوجد أَحْمد بن مُحَمَّد السبتي قد صَار فَقِيها فَاضلا ونفوس اهل الشحر مائلة اليه وَكَانَ ابْن الْعَسْقَلَانِي من اعيان النَّاس وفضلائهم يحب الْفضل واهله وَمن حفظَة الْكتاب الْعَزِيز جعله السُّلْطَان نَاظرا لَهُ على الشحر وَكَانَ يحب الْفُقَهَاء وذراريهم وَيحسن الى الْفُضَلَاء كتب الى قَاضِي الْقُضَاة وَهُوَ مُحَمَّد بن أسعد الملقب بالبهاء مقدم الذّكر يُخبرهُ بِسوء سيرة الأبيني وَأَن لِابْنِ السبتي ولدا فَقِيها خير وَدين ولديه فقه وَالنَّاس مَحْبُوب لَهُ مائلون اليه وَقَالَ يتَصَدَّق سيدنَا بجعله حَاكما فاجابه القَاضِي الى ذَلِك فَلبث مُدَّة ثمَّ توفّي فخلفه ابْنه الْمَذْكُور فِي أَصْحَاب ابْن الرَّسُول وَكَانَ فَقِيها فَاضلا محققا حسن الاخلاق مرضِي الْفَتْوَى وَردت مِنْهُ أسؤلة الى شَيْخي ابي الْحسن الأصبحي تدل على تَحْقِيقه وتدقيقه وَكَانَ مِمَّن يذكر بِالْكَرمِ وعلو الهمة وَشرف النَّفس وَحسن الْقيام بِمن يصله لَا سِيمَا من ابناء الْجِنْس وَلَقَد نقل ذَلِك عَنهُ جمَاعَة من الْمُسَافِرين لَا يُمكن تواطيهم على الْكَذِب وَكَانَ خَطِيبًا مصقعا وَتُوفِّي على الطَّرِيق المرضي سنة 712 بلغ عمره بضعا واربعين سنة

وَخَلفه اخ لَهُ اسْمه ابو بكر تفقه بِهِ وبخاله مُحَمَّد بن سعيد بن ابي شكيل وَهُوَ الْآن الْحَاكِم فِي الْبَلَد والخطيب وَمِنْهَا مُحَمَّد بن أَحْمد ابا اسد هُوَ مدرس الْبَلَد ومفتيها الان

وَمِنْهَا حسن بن عَليّ باجبير فَقِيه صَالح يدرس بِمَسْجِد يعرف بِأبي قرين توفّي سنة 732 وَمِنْهَا مُحَمَّد بن سعد بن مُحَمَّد بن عَليّ سَالم عرف بَابي شكبيل مولده رَجَب سنة 624 تفقه بِأبي الْخَيْر الْمَذْكُور وبأبي أَسد وَكَانَ كَمَال تفقهه بِابْن الأديب الْمُقدم ذكره فِي أهل ابين وولاه بَنو مُحَمَّد بن عمر قضا زبيد فَأَقَامَ على ذَلِك مُدَّة طَوِيلَة وَسيرَته فِيهِ مرضية لم ينْقل عَنهُ كَمَا ينْقل عَن غَيره من الْحُكَّام من أَخذ الرشا وَغَيره واستعان على حَاله بزراعة فِي وَادي زبيد وتجارة ثمَّ لما قَامَ القَاضِي جمال الدّين ولد الْفَقِيه ابي بكر أول سنة 714 نقل اليه بعض مَا يُوجب المباينة فاجبره حَتَّى كَانَ سنة 715 وفصله بالمشيرقي الْمُقدم الذّكر فِي أهل الْجحْفَة وَحصل من شهد عَلَيْهِ شَهَادَات الله أعلم بِصِحَّتِهَا وَالظَّاهِر عدمهَا وَلَكِن قبلت للغرض وصودر بِمَال بالسجن والترسيم كَمَا قدمنَا ذَلِك واعاده ابْن الأديب الى قضا زبيد وَهُوَ أول من ولاه مَعَ ابْن قَيْصر فَلبث اشهرا ثمَّ عَزله السُّلْطَان كَانَ السَّبَب من ابْن الأديب

بعد أَن استعاد لَهُ مَا كَانَ اخذ لَهُ الى الخزانة ثمَّ انْتقل من زبيد بعد الْعَزْل بأيام الى قَرْيَة السَّلامَة فَجَلَسَ بهَا متجورا بِرَجُل صَالح يُقَال لَهُ الْفَقِيه عَليّ بن ابي بكر الزَّيْلَعِيّ قد مضى ذكره فاقام عِنْده اشهرا خشيَة المصادرة اذ بلغه ان السُّلْطَان هم بذلك ثمَّ توفّي ابْن الْحرَازِي الْمُقدم ذكره لاطف ابْن الأديب السُّلْطَان لَهُ فِي جعله مدرسا مَكَانَهُ وحاكما وَامْتنع عَن الاجابة الى الحكم واجابه الى جعله مدرسا فَلبث الى سنة عشْرين وَهُوَ مترتب وتلطف لَهُ ابْن الاديب بِطَلَب فسح من السُّلْطَان يُرِيد رواح الشحر لزيارة أَهله فاذن لَهُ فَتقدم وَهُوَ بهَا الى الْآن ثمَّ ارسل اخاه من الشحر يقف نَائِبا لَهُ وَهُوَ مُسْتَمر على

ذَلِك الى سنة سَبْعمِائة وَثَلَاثَة وَعشْرين وَخرج من الشحر قَاصِدا مَكَّة طَرِيق حَضرمَوْت ثمَّ عَاد طَرِيق تهَامَة فَلَمَّا صَار بتعز لقِيه الْفُقَهَاء وسلموا عَلَيْهِ ولبث بتعز أَيَّامًا وَبهَا السُّلْطَان الْمُجَاهِد وَكتب لَهُ الى الشحر باساس احترام وَغير ذَلِك وَتقدم طَرِيق عدن وَتَبعهُ جند الى لحج فأحس أَنه إِنَّمَا لحقه لريبة فَعَاد من لحج الى تعز فَلَمَّا صَار بهَا وَعلم السُّلْطَان أَمر باطلاعه الْحصن فَلبث مُدَّة طَوِيلَة وطولب بِمَال قدره عشرَة آلَاف دِينَار وَلما تقدم السُّلْطَان عدن مستهل جمادي الاولى سنة 729 نزل بِهِ صحبته وَلم أتحقق مَا جرى لَهُ وَهَذَا آخر من تحققته أَهلا للذّكر من أهل الشحر ثمَّ يَليهَا بلد يعرف بالهجرين هِيَ بَين حَضرمَوْت والشحر ذكر ابْن سَمُرَة مِنْهَا ابا زنيج وعدها من حَضرمَوْت فَلَمَّا نزلت عدن سَالَتْ على ذَلِك فاخبرت انها مخلاف مُسْتَقل بَين الشّجر وحضرموت وَله ابْن عَم اسْمه مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن سَالم يذكر بالفقه غير انه قَلِيل الْوَرع وَسَأَلت عَن الْفَقِيه ابي زنيج الَّذِي ذكره ابْن سَمُرَة فَقيل لي ضَبطه بِضَم الزَّاي وفتحالنون وَسُكُون الْيَاء الْمُثَنَّاة من تَحت ثمَّ جِيم وانه كَانَ مَشْهُورا بالنحو كَامِلا وَذكر لي الْمخبر أَنه لَهُ ذُرِّيَّة هُنَالك يتسمون بالفقه استصحابا

وَمِنْهُم مُحَمَّد بن سَالم أَبَا عقبَة الْخَولَانِيّ كَانَ فضالا وَله تصانيف وخطب تستحسن

وَخَلفه ابْن لَهُ اسْمه عبد الرَّحْمَن كَانَ زميلا للفقيه ابي الْخَيْر وَلابْن الرَّسُول مقدم الذّكر توفّي لبضع وَسَبْعمائة وَله ابْنَانِ فقيهان هما أَحْمد وابو بكر احْمَد توفّي وَأَبُو بكر حَاكم الهجرين مشتغل بِقَيْد الأوابد وَكَانَ فِي الزَّمن الْمُتَأَخر مِنْهُم جمَاعَة مِنْهُم ابو الْحسن عَليّ بن عقبَة بن أَحْمد بن مُحَمَّد الزيَادي ثمَّ الْخَولَانِيّ كَانَ فَقِيها فَاضلا لَا سِيمَا بِعلم الْأَدَب وَله شعر جيد مِنْهُ قَوْله ... إِذا لم يكن للمرء ذِي الْحلم جَاهِل ... يدافع عَن اعراضه ويناضل

خطت قدم الأعدا اليه وناله ... سَفِيه عرضه وَهُوَ غافل ...

وَكَانَ مِمَّن تقدم على المظفر وَله مِنْهُ رزق يعتاده فحسده بعض اعدائه وكاده عِنْده فامر بحبسه فِي عدن فحبس فَعمل قصيدة يعْتَذر بهَا وَأمر بهَا الى المظفر فجوب لَهُ المظفر بِبَيْت ابْن دُرَيْد الَّذِي هُوَ ... من لم يقف عِنْد انتهي قدره ... تقاصرت عَنهُ فسيحات الخطا ... فكاتب عَن ذَلِك بِالْبَيْتِ الآخر ... هَل أَنا بدع من عرانين علا ... جَار عَلَيْهِم صرف دهر واعتدا ... فحين وقف عَلَيْهَا السُّلْطَان صفح عَنهُ وَأطْلقهُ

وَخَلفه ابْن لَهُ اسْمه أَحْمد تفقه باسماعيل الْحَضْرَمِيّ ثمَّ أَخذ عَن البليقاني مقدم الذّكر وَعَاد إِلَى حجر فتديرها وامتحن آخر عمره بالعمي وَهُوَ أحد شُيُوخ القَاضِي ابي شكيل بالتنبيه خَاصَّة وَكَانَت وَفَاته بقرية يُقَال لَهُ الصدارة بِفَتْح الصَّاد وَالدَّال الْمُهْمَلَتَيْنِ ثمَّ ألف ثمَّ رَاء مَفْتُوحَة ثمَّ هَاء سَاكِنة وَهِي قَرْيَة بِحجر الدغار الْمُقدم ذكرهَا بَين أحور والشحر

وَخَلفه ابْنَانِ هما مُحَمَّد وَأَبُو بكر فمحمد مَاتَ طَالبا بتعز فِي رَجَب سنة تسع عشرَة وَسَبْعمائة

وابو بكر عهدته بعدن سنة 719 ايضا وفقيهها الْآن أَحْمد بن الْعَفِيف ويلقب بالشيخ اذ هُوَ من بَيت رياسة وَعز

ثمَّ مخلاف حَضرمَوْت وَهُوَ مخلاف يغلب على أَهله البداوة الشَّدِيدَة وَخرج مِنْهُ جمع من أَعْيَان الْعلمَاء غالبهم من قريتين هما تريم ثمَّ شبام وَقد ذكرتهما تريم

اقدمهما فَمن متقدميهم غير من ذكره ابْن سَمُرَة جمَاعَة مِنْهُم مُحَمَّد بن احْمَد بن يحيي ينْسب الى ضمعج الصَّحَابِيّ وَهُوَ أحد مَشَايِخ السبتي الَّذِي ذكرته فِي أهل الشحر تفقه بالامام القلعي مقدم الذّكر وَكَانَ فَقِيها فَاضلا مبارك التدريس وَهُوَ الَّذِي لزم الْمجْلس بعد القلعي

وَمِنْهُم أَبُو مَرْوَان لقبا واسْمه عَليّ بن أَحْمد بن سَالم بن مُحَمَّد بن عَليّ كَانَ فَقِيها خيرا كَبِيرا عَنهُ انْتَشَر الْعلم بحضرموت انتشارا موسعا لصلاح كَانَ وبركة فِي تدريسه وَكَانَ صَاحب مصنفات عديدة وَهُوَ أول من تصوف من بَيت أَبَا علوي اذ هم أَنما يعْرفُونَ بالفقه وَلما بلغ الْفَقِيه ذَلِك وَإِن هَذَا تصوف هجره

وَمِمَّنْ تفقه بِأبي مَرْوَان أَبُو زَكَرِيَّا خرج مقدشوه فنشر الْعلم بهَا وبنواحيها نشرا موسعا وَلم أتحقق لأحد مِنْهُم تَارِيخا

وَمن بَيت أبي علوي قد تقدم لَهُم بعض ذكر مَعَ ذكر أبي جَدِيد مَعَ واردي تعز وهم بَيت صَلَاح طَرِيق وَنسب فيهم جمَاعَة مِنْهُم حسن بن مُحَمَّد بن عَليّ باعلوي كَانَ فَقِيها يحفظ الْوَجِيز للغزالي غيبا وَكَانَ لَهُ عَم اسْمه عبد الرَّحْمَن بن عَليّ بن باعلوي

وَمِنْهُم عَليّ بن باعلوي كَانَ كثير الْعِبَادَة عَظِيم الْقدر لَا يكَاد يفتر عَن الصَّلَاة ثمَّ مَتى تشهد قَالَ السَّلَام عَلَيْك ايها النَّبِي ويكرر ذَلِك فَقيل لَهُ فَقَالَ لَا ازال افْعَل حَتَّى يرد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَانَ كثيرا مَا يُكَرر ذَلِك ولعلي ولد اسْمه مُحَمَّد ابْن صَلَاح وَله ابْن عَم اسْمه عَليّ بن باعلوي بعض تفاصيل ابا علوي احْمَد بن مُحَمَّد كَانَ فَقِيها فَاضلا توفّي سنة 724 تَقْرِيبًا وَعبد الله بن علوي بَاقٍ الى الْآن حسن التَّعَبُّد وسلوك التصوف

وَمِنْهُم ابو بكر بن احْمَد فِيهِ عبَادَة مرضية وَمِنْهُم أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر بن زَكَرِيَّا مُصَنف كتاب الأكمال لما وَقع فِي التَّنْبِيه من اشكال وَله مصنفات غَيره

وَمِنْهُم أَبُو عِيسَى كَانَ تربا لَهُ وَكَانَ حَاكم الْبَلَد حُكيَ عَنهُ ورع وَصَلَاح

وَمِنْهُم ابو اسحاق ابراهيم بن عَليّ بن سَالم عرف بَابي شكيل وَبِه لقب ابْن اخيه مقدم الذّكر فِي أهل الشحر وَنسبه فِي تيم الله بن الْخَزْرَج اُحْدُ بيُوت الْأَنْصَار وتفقه بفقهاء بَلَده ثمَّ ارتحل الى الشحر فَكَانَ مرضِي الْقَضَاء وَكَانَت ولَايَته من قبل عبد الرحمن بن اقبال الْآتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى ثمَّ عزل نَفسه وَعَاد بَلَده تريم فَلبث مُدَّة ثمَّ قدم الشحر فحين سمع بِهِ أهل الْبَلَد خَرجُوا للقائه ورحبوا وأهلوا وَرُبمَا كَانَ السُّلْطَان من جملَة الملتقيين فَسَأَلَهُ عَن سَبَب وُصُوله وَقَالَ لَهُ لَعَلَّك تعطفت علينا وعزمت على معاودة بلدنا فَقَالَ إِنَّمَا جيئت لأجل حكومات كنت حكمت بهَا وَأَنا مُتَرَدّد فاحببت ان اجتعل من اهلها فِي حل فَانِي ارى ان الْأَجَل قد دنى ثمَّ جعل يساءل عَن الْقَوْم حَتَّى اجْتمع باحدهم اخبره بحكومته فاستبراه من مأثمها فَتَأمل الْفُقَهَاء جَمِيع الحكومات فوجوده قد حكم بِظَاهِر الشَّرْع وَلَكِن فِي النُّفُوس من صِحَّتهَا بَاطِنا مَالا يطيب مَعَه ذُو الْوَرع فَذكرُوا ان اخر من وصل الْفَقِيه عَجُوز فَلَمَّا اخبرها بِالْأَمر واستحلها بَكت شَدِيدا ثمَّ احلته بعد ان سَأَلته الدُّعَاء فَمد يَده ودعا ثمَّ صَار من فوره الى بَلَده فَبعث السُّلْطَان وَهُوَ يَوْمئِذٍ عبد الرَّحْمَن بن اقبال الى ابْن اخيه بِشَيْء من المَال وَقَالَ لَهُ اعط هَذَا الْفَقِيه شَيْئا يتزوده فَقَالَ ابْن اخيه يَا سَيِّدي ان السُّلْطَان عبد الرَّحْمَن قد بعث لَك بِكَذَا وَكَذَا حوائج تستعين بِهِ على سفرك فَقَالَ لَا حَاجَة بِشَيْء غير مِنْك بِكَذَا زَاد وبكذا حوائج وَلَا حَاجَة لي بِشَيْء غير هَذَا فاخذ لَهُ ذَلِك الْمبلغ زهيد ثمَّ سَار الْفَقِيه فَلَمَّا وصل بَلَده وابرك جمله على بَاب منزله وَنزل مِنْهُ انعسفت رجله وَلم يدْخل إِلَّا مَحْمُولا فَمَرض اياما وَتُوفِّي على رَأس سِتِّينَ وسِتمِائَة وَكَانَ قد سمع مِنْهُ قبل ذَلِك يَقُول أَمُوت أَنا والفقيه شرَاحِيل فَكَانَ كَمَا قَالَ وَسَيَأْتِي ذكر شرَاحِيل

وَمن اعمال تريم مَوضِع يُقَال لَهُ باسم الْعَجز الانسان ثمَّ من قوم يُقَال لَهُم القشير وَمِنْهُم عبد بن ابراهيم باقشير يذكر بِالْعلمِ والاصلاح

وَقد عرض ذكر هَذَا السُّلْطَان عبد الرَّحْمَن فاحب ايراد مَا لَاق من ذَلِك كَمَا جرت الْعَادة فِي غَالب الْكتاب فَهُوَ أَبُو مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن بن رَاشد بن اقبال بن فَارس الأول كَانَ أحد مُلُوك الْعَرَب دهاء وكرما وشجاعة وَكَانَ يخالط الْعلمَاء وَيُحب الْفُضَلَاء وَكَانَ يُقَال لَهُ حَاتِم زَمَانه لِكَثْرَة كرمه وَقد مدحه الأكابر من الشُّعَرَاء وافادهم بذلك اموالا يجل حصرها وَمَا قَصده قَاصد فِي الْغَالِب فخاب وشاعره الْمُنْقَطع على مدحه ابو حنيفَة الْعَدنِي مُعظم ديوانه فِي مدحه وَله فِيهِ اشعار مستحسنة غالبها فِي البال بَال من ذَلِك قَوْله فِي بعض قصايده

. .. انا اشْهَدْ شَهَادَة حق ... إِن ابْن رَاشد من احدى المعجزات

هيكل الْملك حرز المملكة ... فَارس الْخَيل مَعْدُوم الصِّفَات

تعبت عيس وفاده وَمَا ... اتعبته العطايا والهبات

انت قَوْلك خُذُوا والغير هاتوا وَأَيْنَ قَوْله خُذُوا من قَول هَات

الف مولَايَ مني اسْمَع مديح لَك ... على رغم أناف الشنات

بل لشأن العلى وَالْمجد انطق ... بأفعالك المستحسنات

لَيْسَ الفاظ قوالي زوا ... اني مَعَ العربا بل لَك محصنات

كم وَكم بَين من يُعْطي ماية ... فِي هباته وَبَين من يُعْطي الميات

وَله فِيهِ من قصيدة أُخْرَى ... انت انت الَّذِي لَو عادلوا ... بك مُلُوك الورى لم يعدلوك

انت فِي الْبر وهاب الْقرى ... وانت فِي الْبَحْر وهاب الفلوك 5 ... ان مدح بِالْكَرمِ معطى الْمِائَة ... فبمَا يمتدح معطى اللكوك

أكل ملاك قحطان الأولى ... بكفالة بَينهم كفلوك ... وَمن جيد شعره ردا على من عاتبه من عدن على اقامته فِي الشحر واختيارها ... عنفوني وَقَالُوا اطلب التغرب ... وأوحشت الوطن

وتبدلت عَن صيره تعصه ... واعتضت الأسعا عَن عدن

وبسمعون والصرحة تناسبت

حقات والخان الْحسن

والقصور الَّتِي تبتدر مِنْهَا ... البدور الَّتِي صيغت فتن ... قلت قد غَابَ عَنْكُم أَمر مَا ... يفطنه غير أَرْبَاب الفطن ... ثمَّ قَالَ بعد ابيات مِنْهَا ... ورضيت ابْن رَاشد عبد الرحمن ... عَن كل من هُوَ فِي الْيمن ...

. . من حباني وادناني وَقرب ... مَكَاني وَبِي مَا طن طن

وَاصْطَفَانِي واطلعني على ... كل مضنون سره والعلن

ان تواليت بعد الله فِي ... الْحق اكن عَابِد وثن ... واقام ملكا فِي الشحر مُدَّة خمْسا واربعين سنة وَكَانَ عَلَيْهِ قِطْعَة لملوك الغز يحملهَا فِي كل سنة اليهم فَذكر بعض الخبرا ان الْمَنْصُور الرسولي ولى الشحر رجلا غزيا يُقَال لَهُ أرتق بِضَم الْهمزَة وَسُكُون الرَّاء وَالتَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون الْقَاف وَبعث مَعَه نَقِيبًا يعرف بالأصبحي فوصلا الشحر فاقاما فِيهِ سنة أَو سنتَيْن أَو أَكثر ثمَّ حصل بَينهمَا عَدَاوَة احترى بهَا النَّقِيب على قتل الغزى وَخَالف فِي الْبَلَد وَكَانَ السُّلْطَان عبد الرَّحْمَن لما وصلا وَأخذ الْبَلَد تقدم الى بَاب الْمَنْصُور واستصحب هَدَايَا للسُّلْطَان وَمن عَليّ بَابه من اعيان الدولة فَلَمَّا وصل فرق الْهَدَايَا ثمَّ لَاذَ بعلي بن يحيى الْأَمِير الْمَذْكُور أَولا فَلَمَّا اتَّصل علم مَا فعل الأصبحي بالغزي إِلَى الْمَنْصُور سَاءَهُ ذَلِك وَنَدم على عزل عبد الرحمن وراجع عَليّ بن يحيى فِي ذَلِك فَقَالَ يَا مَوْلَانَا أعد بعد الرَّحْمَن فَهُوَ أولى من أَن تبْعَث عسكرا واقرب فاستدعاه وخلع عَلَيْهِ وامره بالتقدم الى بَلَده فاجاب بِالطَّاعَةِ وَسَأَلَهُ ان يُعينهُ بِمَال فوعده بِهِ وَلم يُعْطه فاقترض من عَليّ بن يحيى شَيْئا ثمَّ عمل صناديق وَحملهَا على جمال موهما ان بهَا مَالا وَسَار فِي طَرِيق الْبر واستعان فِي مسيره بالعرب فصبحه مِنْهُم جمع كثير وَدخل الشحر فاستذم الأصبحي وَخرج الى مقدشوه ثمَّ توفّي الْمَنْصُور فَقدم السُّلْطَان عبد الرحمن الى الْملك المظفر بِهَدَايَا جليلة من جُمْلَتهَا قِطْعَة عنبر تشبه الْفِيل فِي الْعظم وبالمسك فِي الرَّائِحَة فكافأه المظفر على ذَلِك مُكَافَأَة

حَسَنَة وجهزه الى بَلَده احسن جهاز فَلبث فِي بَلْدَة على الطَّرِيق المرضي الملوكي حَتَّى توفّي لَيْلَة رَابِع وَعشْرين من الْحجَّة سنة ارْبَعْ وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وقبره فِي الشحر مَشْهُور يزار ويتبرك بِهِ قل مَا قَصده ذُو حَاجَة الا قضا الله حَاجته وَخَلفه فِي الْملك ابْن أَخ لَهُ يُقَال لَهُ رَاشد بن شجعة بن بَاقِي بن رَاشد بن اقبال مقدم الذّكر فَلبث ملكا للشحر حَتَّى سنة سِتّ وَسبعين وسِتمِائَة فَحصل مِنْهُ مَا غير بَاطِن المظفر وَذَلِكَ أَنه وَاصل السُّلْطَان سَالم صَاحب ظفار وَرُبمَا خَالفه وَكَانَ قد حصل بَينه وَبَين المظفر وَحْشَة فَبعث أَمِيرا غزيا يُقَال لَهُ بندقدار بعسكر جيد فَقبض الشحر وهرب رَاشد الى ظفار فاكرمه صَاحبهَا واحسن اليه فَلَمَّا وصل علم رَاشد الى المظفر انه صَار الى صَار صَاحب ظفار عِنْد السُّلْطَان سَالم جهز اليها عسكرا من الْبر وَالْبَحْر الى ظفار فَقتل صَاحبهَا واسر بَقِيَّة قومه واوصلوهم الى زبيد ثمَّ وصل رَاشد الى بَاب المظفر وأودعه سجن زبيد مُدَّة ثمَّ نقل الى بعض بيوتها وَجعل لَهُ رزقا يقوم بِهِ وباهله فَلبث مُدَّة ثمَّ توفّي وَله فِي زبيد قرَابَة وعقب وَكَانَ مُدَّة اقامته فِي الْملك الى أَن قبض فِي التَّارِيخ ثَلَاث عشرَة سنة

وفقيه تريم يَوْمئِذٍ فضل بن مُحَمَّد يذكر بالصلاح والورع وَهُوَ الْيَوْم مفتي الْبَلَد فِي عصرنا وَأكْثر جُلُوسه فِي مَسْجِد شجيعه ابو رَاشد صَاحب الشحر وَله ولد اسْمه مُحَمَّد تفقه بابيه وَيذكر بجودة الْفِقْه وَله أَعنِي فضل أَخ اسْمه سعد يذكر بِالْفَضْلِ وبمعرفة صَنْعَة جَابر بن حَيَّان

وَقد تطلع النُّفُوس الى معرفَة الشَّاعِر ابي حنيفَة فَهُوَ أَحْمد من اولاد التُّجَّار من أهل عدن كَانَ نَقِيبًا لفقراء زَاوِيَة جَوْهَر وغالب شعره فِي هَذَا ابْن اقبال

وَرُبمَا مدح المظفر وَغَيره وشعره بَال بَال

وَقد انْقَضى ذكر مَا لَاق من أَحْوَال عبد الرَّحْمَن بعد أَن انْقَضى ذكر الْفُقَهَاء فِي تريم

وَأما شبام فَهِيَ قَرْيَة محدثة لَيْسَ يملكهَا الا الغز بِخِلَاف تريم وضبطها قد تقدم خرج مِنْهَا جمَاعَة من الْعلمَاء مِنْهُم ابْن الشراحيل الَّذِي كَانَ معاصرا لابي شكيل الْمُقدم ذكره حَيْثُ قَالَ أَمُوت أَنا وَابْن شرَاحِيل وفقيهها الان عبد الله بن عمر يلقب أَبَا مهرَة يذكر بِالْخَيرِ وَالدّين وَهُوَ الْحَاكِم الْآن ايضا

وَمِنْهُم أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد القدوس الْأَزْدِيّ سكن مَدِينَة ظفار وَكَانَ فَقِيها فَاضلا لَا سِيمَا فِي علم الادب وَله اشعار رائقة مِنْهَا مَا أنشدنيه الْفَقِيه مُحَمَّد بن حمد بن عبد الله بن أَحْمد الْخَطِيب طَاقَة قَرْيَة من قرى ظفار وَذَلِكَ بعدن سنة ثَمَانِي عشرَة وَسَبْعمائة قَالَ أَنْشدني ابْن عبد القدوس لنَفسِهِ ... من أَيْن لي يَوْم القى الله معذرة ... أنجوبها من عَذَاب الْخَالِق الْبَارِي

ذَنبي عَظِيم وعفو الله أعظم من ... عَظِيم ذَنبي وَمن جُرْمِي وأوزاري 5 وَله ديوَان بله بِالْمَاءِ قبل مَوته بأيام وَله منظومة التَّنْبِيه وَله ايضا مُصَنف مُفِيد يُقَال لَهُ الْعلم الى معرفَة الْخط والقلم كَامِل الافادة فِي فنه وَهُوَ الْخط والقلم وَمَا كَانَ لائقا بهما كَانَ صنفه لخزانة السُّلْطَان سَالم الحبوضي الْآتِي ذكره ثمَّ انْتَشَر

وَمن أحسن مَا يذكر عَنهُ انه ورد من المظفر الى سَالم الْمَذْكُور كتابا يتهدده فِيهِ ويتوعده وَفِي آخِره وَترى الْجبَال تحسبها جامدة وَهِي تمر مر السَّحَاب صنع

الله فَأمر السُّلْطَان سَالم هَذَا الْفَقِيه يُجيب عَنهُ فَأجَاب عَنهُ بقوله ويسئولنك عَن الْجبَال فَقل ينسفها رَبِّي نسفا الْآيَة وَكَانَت وَفَاته بظفار قبل دُخُول الواثق اليها بِنَحْوِ من سنة وَذَلِكَ سنة احدى وَتِسْعين وَسَبْعمائة

وَمِنْهُم أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن كُلَيْب بن جَعْفَر الْخَولَانِيّ كَانَ فَقِيها فَاضلا تفقه بِابْن ابي الْحبّ بظفار وَمن فِي طبقته كَمَا سَيَأْتِي انشاء الله وَكَانَ ابْتِدَاء تفقهه بَابي الْخَيْر فِي ميفعة وَهُوَ الَّذِي ولى قضا الشحر كَمَا قدمت قبل الأبيني وَله شعر يعجب مِنْهُ فِي وصف الزَّمن قَوْله

. .. أرى زَمنا يدني الرفيع وَيرْفَع الوضيع ... ودهرا يخلط الْجد بِالْهَزْلِ

ارى ذل قوم كَانَ سفلا مكانهم ... تَعَالَى بهم هَذَا الزَّمَان من السّفل

واصبح من فِي مَوضِع السّفل وَضعه ... أَمِيرا وَأهل الْأَمر فِي مَوضِع النَّعْل ... فَأدى مَكَان الْعلم فَانْحَطَّ اهله ... بِلَا رُتْبَة لَا يرتضيها ذُو الْعقل ... وَقد كسدت سوقي لقل ذَوي النهى ... اذا الشكل فِي الأشيا تدنى الى الشكل ... وَعم الْعَمى كل الورى فتغيروا وَلَا ... وَلَا فرق فيهم بَين علم وَلَا جهل ... وصرت غَرِيبا بَين ماش بَهِيمَة ... وَبَين حسود منطولي على غل ... هَذَا الشّعْر من جملَة قصيدة كَبِيرَة

وَمن الْبِلَاد الْمَشْهُورَة بالفقهاء مَدِينَة ظفار أحدثها أَحْمد بن مُحَمَّد الحبوضي أول من ملك مِنْهُم وَيُقَال بل هُوَ ابوه مُحَمَّد هوابتنى ظفار وَكَانَ احداثها لبضع وَعشْرين وسِتمِائَة فغالب طبقتها اصحاب الامام القلعي من متقدميهم جمَاعَة

مِنْهُم ابراهيم بن ابي بكر بن يحيى بن فضل يلقب بِأبي ماجداصله من

حَضرمَوْت وَكَانَ حَاكما فِي مرباط وَاسْتمرّ على ذَلِك فِي ظفار وَبهَا توفّي غَالب وَكَانَ لَهُ ابْن اخ اسْمه ابا بكر تفقه بِعَمِّهِ ابراهيم

وَمِنْهُم يحيي بن ابي قصير كَانَ فَاضلا اخذ عَن الامام القلعي وَمِنْهُم سعد ابْن سعيد بن مَسْعُود المنجوي بالولا كَانَ رجلا صَالحا وفقيها محققا وشاعرا مفلقا وخطيبا مصقعا مَعَ صَلَاح نِيَّة وَحسن طوية وَلذَلِك أحبه الحبوضيون حبا جيدا وَكَانُوا يعولون على مشورته ووزر لِأَحْمَد ثمَّ لِابْنِهِ ادريس وَفِي أَيَّامه خرج الى مَكَّة ثمَّ الشَّام وَيُقَال انه توفّي بِدِمَشْق وَله شعر رائق يُوجد فِي ديوانه مَعَ أهل ظفار وغالبه فِي التَّجْنِيس وَله خمس وَعِشْرُونَ مقَالَة تُوجد ايضا مَعَ كثير من النَّاس لم اقف عَلَيْهَا بل وصفهَا لي بعض فضلاء الْعَصْر

وَلَقَد انشدني الأديب مُحَمَّد بن حمدى الْمُقدم ذكره عَن أَبِيه أَو غَيره عَن المنجوي هَذَا شعر

. .. يَا من يُعْفَى دائبا ... بالجير آثَار المساطر

انسخ فديتك مُصحفا ... وَعَن النساخة بالمساطر 5 وانشدني بِسَنَدِهِ رَضِي الدّين عمر بن مر النَّحْوِيّ انه وجد بَيْتَيْنِ فِي ديوانه متمضنا عمل الغالية هما

. .. غَالِيَة مِمَّا الْمُلُوك عنوا بهَا ... هِيَ الطّيب يُغني طيبها عَن تبخر ...

. . ثَلَاث اواق دهنها وَثَلَاثَة ... مَثَاقِيل مسك ثمَّ مِثْقَال عنبر ... وانشدني بِسَنَدِهِ الاول ... الْجَهْل يسْعَى للجهول بجهله ... ويحط من رتب الْعُقُول بعقله

وَيُقِيم قدما ثمَّ يخْفض عَالما ... ابدا يخبرنا محَاسِن فعله ... وانشدني ايضا بِسَنَدِهِ باسماء أهل الْكَهْف

. .. ومكسليما فتية الْكَهْف بملجنا ... ومرطوس سوديس دونواس

وساوى يَلِيهِ دوبواس ... واكفى سى موصوله بطيوس

بهَا أجرب بهَا أطلب وامشي فِي النَّار أطفها ... وداو صداع الرَّأْس من مترسيس

وَمن خَافَ من بَحر وَقتل وَإِن بكا ... صبي وان يحرس بهَا المَال يحرس ... أَنْشدني الْفَقِيه هَذَا الأبيات قلت اذْكُرْهَا لي نثرا فَقَالَ

مكشليما بميلخا مرطوس طرينوس ينيوس دونواس سادوس الس بطوس وَسَأَلت الْفَقِيه المنشد لي هَل أدْرك هَذَا الْفَقِيه فَقَالَ لي نعم أَدْرَكته وَأَنا فِي سنّ التَّمْيِيز وَلَكِن مَا ارويه من شعره اما ارويه من وَالِدي وَكَانَ مَعَ جلالة قدره بَين الْمُلُوك وَالنَّاس متواضعا متهذبا وَكَانَ اخذه للْعلم عَن ابي بكر أَبَا ماجد مقدم الذّكر وَمِنْهُم فِي الطَّبَقَة الْمُتَقَدّمَة آل أَبَا ماجد مِنْهُم من ذكرته اولا وَال أَبَا مَحْمُود وهم بَيت صَلَاح وَعلم كَانَ فيهم رجل من أَخذ بِيَدِهِ وَنظر فِي كَفه راي وَجهه فِيهِ كَمَا ينظر فِي الْمَرْأَة

وَمِنْهُم عَليّ بن يحيى بن مُحَمَّد بن عبد الله باططة قدم مَعَ ابي ماجد تلميذا

لَهُ فَعلم السُّلْطَان ادريس الْقُرْآن وببركته صَار الى مَا صَار ثمَّ توفّي فَعلمه عَبده عبد الْمولى وَخَلفه فِي أَهله ابْنه مُحَمَّد وَكَانَ من الصّلاح بمكانة جَيِّدَة بِحَيْثُ أجمع أهل عصره على ذَلِك وَسمع لَيْلَة مَوته الْقَائِل الْمَذْكُور طاهرها وَهُوَ أول من ولى خطابة ظفار من أَهله ثمَّ أَخُوهُ احْمَد كَانَ فِيهَا فَاضلا وخطيبا مصقعا وَكَانَت الْخطْبَة قبلهم فِي أل حمدي قوم الْفَقِيه المخبرلي فَنقل اولاده الى طَاقَة وَهِي قَرْيَة من أَعمال ظفار جعلُوا بهَا خَطِيبًا وَجعل هَذَا مكانهم وَلم تزل الْخطْبَة فيهم يتوارثونها الى عصرنا وَكَانَ مُحَمَّد أَخُوهُ رجلا فَقِيها محققا فرضيا وَله ارجوزة فِي الْفَرَائِض مفيدة وَهُوَ أول من ولى خطابة ظفار من اهله وَكَانَ من الصّلاح بمكانة جَيِّدَة وَلَيْلَة مَوته سمع أهل ظفار مناديا يُنَادي ان الله اصْطفى آدم وَاصْطفى نوحًا فِي أهل زَمَانه ثمَّ أَعْيَان الرُّسُل كَذَلِك حَتَّى جَاءَ آل نَبينَا ثمَّ قَالَ بعده وَاصْطفى الْحسن ثمَّ ذكر جمَاعَة حَتَّى قَالَ وَاصْطفى الْفَقِيه مُحَمَّد ابْن باططة فِي أهل زَمَانه وانه منتقل هَذِه اللَّيْلَة وَاصل بَلَده من حَضرمَوْت مَدِينَة تريم الْمُقدم ذكرهَا وَفِيهِمْ جمَاعَة يتسمون بالفقه وَالصَّلَاح وَقدم الْيمن مِنْهُم اثْنَان فلاذ بالفقيه الملقب شرف الدّين أَحْمد الظفاري الْمُقدم ذكره فِي القادمين الى تعز وَكَانَت لَهُ صلَة بِالْملكِ الموئد فجعلهما معلمين لِابْنِهِ واولاد ابْنه فَلَمَّا توفّي وَصَارَ الْملك الى ابْنه جعل احدهما قَاضِي قُضَاة المين وهوالذي يُسمى عبد الرَّحْمَن بن احْمَد بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله باططة الْمُقدم ذكره الظفاري فَلبث على ذَلِك وَكَانَ غَالِبا على كل أُمُوره الى أَن قتل لَيْلَة سَابِع جمادي الاخرة من سنة 722 وَبَقِي الآخر عَمه وهوابن احْمَد بن عبد الْمولى بن احْمَد بن مُحَمَّد الأصبحي اصله من الْيمن ومولده ظفار وتفقهه بِسَعْد المنجوي مقدم الذّكر وَكَانَ فَقِيها فَاضلا أماما فِي النَّحْو بِحَيْثُ كَانَ يُسمى يسبويه زَمَانه وَكَانَ معلما لادريس

الحبوظي شُرُوطه الْفَقِيه ابا ططة مقدم الذّكر فَلَمَّا صَار اليه الْملك استوزره وَكَانَ يتبرك بِرَأْيهِ وَلَا يكَاد يطقع امرا دونه وَكَانَ غَالب أَحْوَاله النّظر فيالكتب قِرَاءَة واقراء وَله شعر جيد مِنْهُ مَا انشدينه الْفَقِيه عبد الْملك بن مُحَمَّد بن الْفَقِيه عبد الْمولى الْمَذْكُور قَالَ من شعره

. .. إِن السُّكُوت بِلَا فكر هوالهوس ... وكل نطق خلا عَن حِكْمَة خرس

الْعُمر جَوْهَرَة مَا ان لَهَا بدل ... فَلَا تفت على طل من طائل نفس ... وَكَانَ رُبمَا طالع لَيْلًا فغلبه النّوم فيرميه على السراج فتحترق مشدته وَحَتَّى احْتَرَقَ عَلَيْهِ لذَلِك عدَّة مشاد وَكَانَ وَلَده من ابْنة عَمه وَكَانَت طَرِيقَته مرضية بذلك أَخْبرنِي الْخَبِير وَكَانَت وَفَاته سنة خمس وَسبعين وسِتمِائَة وَله مُصَنف فِي الْأَحْكَام معجب وَخَلفه ابْن لَهُ اسْمه مُحَمَّد سلك طَرِيقه وَولى القضا وَمَات بعد وَالِده بِنَحْوِ سنة وَلما توفّي رأى بعض الصَّالِحين بظفار صَاحبهمَا ادريس بعد مَوته فَسَأَلَهُ عَن حَاله فَقَالَ الْملك عسر الْملك عسر لَوْلَا من الله علينا بِصُحْبَة عبد الْمولى هدَانَا السَّبِيل ودلنا الطَّرِيق وَلم يتَوَلَّى سَالم ابْنه الْملك حَتَّى قدعجز عبد الْمولى من الْحَرَكَة فصحبه ابْنه مُحَمَّد حَتَّى توفّي وَله ولد يُقَال لَهُ عبد الْملك هُوَ الان مُقيم بِالْحَبَشَةِ

وَمِنْهُم أَحْمد ابا محمودتفقه بِسَعِيد بن سعيد بعد أَن لبث بتعز وزبيد مُدَّة بمراعاة الْأسد

وَمِنْهُم تِلْمِيذه عمر بن ابي الْحبّ قد ذكر ابْن سَمُرَة بَعضهم وذكرتهم وَأما هَذَا عمر فتفقه بَابا مَحْمُود وَكَانَ صَالحا عابدا زاهدا وَهُوَ الَّذِي كَانَ يُشَارك ابو عبد الْمولى مُحَمَّد وَكَانَ ابْن ابي الْحبّ مرضيا لورعه وزهده وَتردد فِي السفارة بَين

المظفر وَسَالم أَيَّامًا مُدَّة حدث الْخلف بَينهمَا وَكَانَ صبيحا من أحس النَّاس من رَاه ظن الشَّمْس طلعت وَخَلفه ابْن لَهُ اسْمه حُسَيْن بن ابي الْحبّ وَكَانَ فَقِيها فَاضلا جسيما وسيما ولى القضا دون السّنة يقْضى ثمَّ توفّي ثمَّ خَلفه أَبُو رشاح

وَمِنْهُم ابراهيم بن ابي بكر عرف بِابْن ابي رشاح ولى القضا مُدَّة وَكَانَ يذكر بالفقه حكى متوكلا انه مر فِي طَرِيق فَلَمَّا صَار قرب مدرسته اذ اقبل فرس قد انفلت بِقُوَّة وَالنَّاس تصيح بالتحذير والفقيه حول قَفاهُ لجِهَة الْفرس فَلَمَّا أَتَى الْفَقِيه عدل عَنهُ وَلم يُقَارِبه فَعجب النَّاس من ذَلِك اشد العجيب وَكَانَ فَاضلا بِعِبَارَة الْمَنَام بنقيض مَا لَا يَلِيق بالفقيه وَكَانَ لَهُ توكل شَدِيد فَقيل لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ خشيت أَن عملت يراني وَكَانَ لَهُ الْيَد الطُّولى فِي الْفِقْه وَمَا يَلِيق بالفقه توفّي فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَسَبْعمائة

وَمِنْهُم أَحْمد بن مُحَمَّد بن سَالم عرف بِأبي علاف كَانَ جيدا صَالحا فَقِيها تفقه فِي بدايته بِأبي رشاح وعزل ابْن أبي رشاح وَجعل هَذَا مَكَانَهُ ثمَّ لما توفّي أُعِيد أَبُو رشاح الى القضا وَكَانَ فِيهِ مرضيا وَتردد فِي السفارة بَين الواثق والأشرف وَوصل من الواثق معزيا بالمظفر الى الْأَشْرَف ثمَّ مرّة اخرى الى الْمُؤَيد معزيا بالأشرف فَاجْتمع بِهِ الْفُقَهَاء وراجعوه فَاعْتَرفُوا بفضله وَذَلِكَ فِي دولة الْمُؤَيد وَكَانَ يثنى عَلَيْهِ بِحسن السِّيرَة فِي القضا وَكَانَ تفقهه باحمد بن باططة وبابن عبد القدوس وَهُوَ خَاله وازوجه بابنته وَكَانَ بهَا ابْن عبد القدوس وَقد مضى ذكره مَعَ أهل بَلَده حَضرمَوْت وفقيه ظفار وحاكمها الْآن عبد الله بن ابراهيم أَبَا خلف تفقه بِأبي رشاح وَخَلفه فِي القضا وَيذكر بِالدّينِ وَالْفِقْه وَمَكَارِم الاخلاق

وَمِنْهُم ابراهيم بن عمر بن عبد الرَّحْمَن باططة فَقِيه فَاضل ذُو فنون كَثِيرَة نَحْو وفقها ولغة درس بِمَسْجِد احْمَد بن مُحَمَّد الحبوضي أول مُلُوكهمْ وَقيل ثانيهم وَمن فُقَهَاء ظفار أَيْضا خاجي بن عبير كَانَ فَقِيها فَاضلا كَبِير الْقدر وَكَانَ عَارِفًا بِعلم الْأَدَب والمنطق وَالْأُصُول وَكَانَ صَاحب مكاشفات ومجاهدات وان غَالب أَحْوَاله التحديث

وَمن بَيت ابا ططة عبد الله وَعِيسَى وَعبد الرَّحْمَن تفقهوا أهل بَيتهمْ بوالدهم مُحَمَّد واخيهم أَحْمد مقدمي الذّكر ولعبد الرحمن ولد اسْمه مُحَمَّد كَانَ خَطِيبًا بقرية الغب على قرب ظفار وَكَانَ طَوِيل الصّيام وَالْقِيَام وَله اجْتِمَاع بالخضر عَلَيْهِ السَّلَام توفّي بقرية الغب

وانقضى ذكر من تحققته اهلا للذّكر من عُلَمَاء الْيمن فِي غَالب بلادها وَللَّه الْحَمد على ذَلِك وَذَلِكَ م ن وَقت ظُهُور الاسلام الى عصرنا سنة ارْبَعْ وَعشْرين وَسَبْعمائة وَمضى من ذكر الْمُلُوك ايضا الى اخر الْمِائَة الثَّالِثَة واحببت تَكْمِيل ذَلِك بِذكر من قَامَ من أول الْمِائَة الرَّابِعَة الى عصر سنة ارْبَعْ وَعشر وَسَبْعمائة وَذَلِكَ على طَرِيق الايجاز والأختصار

فقد تقرر فِيمَا تقدم انه لما ازال الله الْملك عَن القرامطة بَقِي ملك الْيمن مُشْتَركا بَين ثَلَاثَة فَملك مخلا فِي صنعاء والجند بَنو يعفر فَكَانُوا على سُكْنى صنعاء ويستخلفون على الْجند بنى الكرندي وَلما طَال بهم المر استقلوا بِالْملكِ أَعنِي

بني الكرندي وَملك زبيد وعدن بايدي بني زِيَاد وهم الَّذين يعد أهل الْيمن ملكهم صَحِيحا لاتصالهم بِملك بني الْعَبَّاس اذ غَيرهم فِيهِ التَّرَدُّد هَل كَانَ نَائِبا اَوْ متغلبا وَقد بَينا ذَلِك وَملك صعدة وَمَا سامتها مَعَ اولاد الشريف الْمُقدم ذكره وَكَانَ الثَّلَاثَة المذكورون قد طَال الْوَقْت بعنا القرامطة واستعدوا وَاخْتلفُوا فَكَانَت تُوجد كتبهمْ بَعضهم الى الْبَعْض نعْمَة مُشْتَركَة وبركة مكملة وَلما تبين لي فِي ذَلِك وتحققت أَن الْعُمْدَة على بني زِيَاد وَقد ذكر عمَارَة فِي مفيدة ان الْجبَال والتهائم كَانَت طَوْعًا لَهُم فَتحمل ولاتها الْخراج اليهم الى تهَامَة واستخرت الله فِي أَن اجعلهم صدرالدول واتمم عَلَيْهِم النهل والعلل لاستطالت مدتهم وَصِحَّة دولتهم ثمَّ اتِّفَاق النَّاس على ثُبُوت دولتهم

فقد ثَبت أَن أول من قدم مِنْهُم مُحَمَّد بن عبيد بن زِيَاد وَقدم مَعَه مُحَمَّد بن

هَارُون التغلبي جد بني عقامة قَاضِي الْقُضَاة وَرجل من اولاد هِشَام وزيرا وَقد ثَبت ذَلِك فِيمَا مضى وَلما قدم وَمَعَهُ جَعْفَر مَوْلَاهُ كَمَا قدمنَا وَكَانَ هوالغالب عَلَيْهِ وَهُوَ رجل دولته ومدبرها بِحَيْثُ يُقَال ابْن زِيَاد بجعفره

قَالَ عمَارَة وَإِلَيْهِ ينْسب المخلاف فَيُقَال مخلاف جَعْفَر وهوالذي اختط المذيخرة مَدِينَة بجبل ثومان وَهَذَا غيرمسلم لعمارة بل الَّذِي ابتناها رجل يُقَال لَهُ جَعْفَر بن ابراهيم المناخي وَهُوَ جد بني المناخي مُلُوك ريمة وقياض المعروفين بسلاطين قياض فِي عصرنا وَلما توفّي خَلفه ابراهيم بن مُحَمَّد بن عبيد ثمَّ ابْنه زِيَاد ثمَّ اخوه اسحق بن ابراهيم الملقب بِأبي الْجَيْش طَال ملكه ثَمَانِينَ سنة

وَعجز عَن الْحَرَكَة والغز فاستخف بِهِ أهل الْبِلَاد وتغلب كل وَاحِد مِنْهُم على مَا فِي يَده

وَفِي أَيَّامه تقدم عَليّ بن الْفضل زبيد وانتهبها وَكَانَ مِنْهُ مَا كَانَ وقدمت ذكره عِنْد ذكره وَيُقَال انه قَتله وَقيل هرب وَتُوفِّي سنة وَاحِد وَسبعين وَثَلَاث مائَة عَن طِفْل اخْتلف فِي اسْمه فَقيل زِيَاد وَقيل عبد الله وَقيل ابراهيم فتولتكفالته اخت لَهُ لأبي الْجَيْش وَعبد لَهُم استاذ حبشِي يُقَال لَهُ رشيد كاون لَهُ عبد مولد مننوبية اسْمهَا سَلامَة والمولد اسْمه حُسَيْن نَشأ حازما عفيفا فرأس على من فِي الدَّار وَولى غَالب اموره وَمَات سَيّده غير بِعَبْد فَقَامَ الْحُسَيْن مقَامه وذب عَن ملك موَالِيه وغزى المتغلبين على الأتاوة وَحَملهمْ على الطَّاعَة حَتَّى عَادوا الى ذَلِك كَمَا كَانُوا مَعَ موَالِيه وَلم يبْق عَلَيْهِ فِي بِلَاد الْيمن مَدِينَة وَلَا حصن وَلَا بلد الا استولى عَلَيْهِ اواستناب فِيهِ من رضيه ثمَّ لما فرغ من ذَلِك اختط على وَادي سِهَام مَدِينَة الكدري وعَلى وَادي ذوال مَدِينَة

المعقر وتزيا بِالْعَدْلِ وَاعْتمد سيرة عمر ابْن عبد الْعَزِيز فِي السلوك ثمَّ ابتنى الْجَوَامِع الْكِبَار فِي المدن وحفر الْآبَار وَعمل المصانع فِي الطّرق وَهُوَ الَّذِي عمل عقبَة الطَّائِف على مَا هِيَ الْآن

وابتدأ عِمَارَته من حَضرمَوْت الى مَكَّة طول مَسَافَة ذَلِك سِتُّونَ يَوْمًا هَكَذَا ذكره عمَارَة

وَبني الأميال والفراسخ وَالْبرد فِي الطَّرِيق

وَمن اخباره المستحسنة ان النَّاس كَانُوا مزدحمين عَلَيْهِ ذاتي وم للصباح فَتقدم اليه رجل مِنْهُم وَقَالَ لَهُ ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعَثَنِي اليك لتدفع لي ألف دِينَار فَقَالَ لَعَلَّ الشَّيْطَان تمثل لَك فَقَالَ لَا والامارة بَيْنك وَبَينه انك مُنْذُ عشْرين سنة لَا تنام كل لَيْلَة حَتَّى تصلي عَلَيْهِ مأتي مرّة فَبكى فَقَالَ أَمارَة وَالله صَحِيحَة لم يعلم بهَا غيرالله ثمَّ دفع اليه الْألف

وعَلى الْجُمْلَة فمحاسنه أَكثر من أَن تحصى وَكَانَت وَفَاته سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعمِائَة وَذَلِكَ بعد أَن وقف فِي الْملك ثَلَاثِينَ سنة وَالْملك يَوْمئِذٍ مَعْدُودَة

لطفل من موَالِيه اسْمه عبد الله فكفلته عمَّة لَهُ واستاذ يُقَال لَهُ مرجان من عبيد حُسَيْن بن سَلامَة وَكَانَ لَهُ عَبْدَانِ فحلان قد رباهما وولاهما التَّدْبِير اسْم احدهما انيس بِفَتْح الْهمزَة وخفض النُّون وَسُكُون الْيَاء من تَحت ثمَّ سين مُهْملَة وَالْآخر اسْمه نجاح فولي انس تَدْبِير الْملك بزبيد ونجاح الْأَعْمَال الشامية كالمهجم ومور والكدرى وَكَانَ نجاح جوادا عطوفا عادلا بالرعايا محبوبا اليهم وأنيس على الْعَكْس من ذَلِك وَكَانَت عمَّة ابْن زِيَاد ايضا تميل الى نجاح وتكاتبه سرا من انيس فَاطلع من ذَلِك عَلَيْهَا فَشَكَاهُ الى سَيّده فَقبض على الْمَرْأَة وَابْن أَخِيهَا وسلمهما إِلَى أنيس فبنا عَلَيْهِمَا جدارا فِي دَار الْملك بزبيد وهما يناشدانه الله فَلَا يقبل حَتَّى ختم عَلَيْهِمَا وَذَلِكَ سنة سبع وَأَرْبَعمِائَة فَكَانَ ذَلِك أخر ملك بني زِيَاد المورد هُنَا فهمته غَالِبا من مُفِيد عمَارَة وَرَأَيْت فِي التَّعَالِيق الَّذِي علق عَلَيْهَا بعض أهل الْعِنَايَة بِهَذَا الْفَنّ أَنه كَانَ مُدَّة ملك مُحَمَّد بن عبيد الله بن زِيَاد القادم من قبل الْمَأْمُون سنة 203 هـ ثَلَاث وَمِائَتَيْنِ ثمَّ اختط زبيد سنة ارْبَعْ وَثَلَاث مائَة وَملك الْيمن كَمَا قدمنَا حَتَّى توفّي سنة خمس

واربعين وَمِائَتَيْنِ ثمَّ ولي ابْنه ابراهيم سنة تسع وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ ثمَّ تولى أَخُوهُ اسحاق واظنه الملقب بَابي الْجَيْش الَّذِي طَال مدَّته فِيمَا ذكر عمَارَة

قَالَ الْمُعَلق فاستمر اسحق الى سنة وَاحِد وَسبعين وثلثمائة فَقَامَ بعده مَوْلَاهُ حُسَيْن بن سَلامَة قلت وَمن التَّارِيخ هَذَا غلب موَالِي بن زِيَاد على الْملك لَكِن كَانُوا يُقِيمُونَ الناموس لبَعض مواليهم بِضَرْب السِّكَّة باسمه والدعا لَهُ فِي الْخطْبَة بعد بني الْعَبَّاس الى أَن قَامَ انيس واحب الِاسْتِقْلَال فَعمل مَا قدمنَا ذكره فعلى مَا ذكر هَذَا الْمُعَلق كَانَ بَنو زِيَاد ايام ملكهم مستطيلة وهم قَلِيل وعَلى مَا ذكر عمَارَة هم كَثِيرُونَ ومددهم طوال وقصار فَالله اعْلَم بِالْحَقِّ وَذكر الْمُعَلق ان الْحُسَيْن توفّي ثَلَاث واربعمائة بِزِيَادَة سنة على مَا ذكره عمَارَة

وَاعْلَم ان هَذِه الأخباريدخلها الصدْق وَالْكذب وَالزِّيَادَة وَالنُّقْصَان وَسبب ذَلِك اخْتِلَاف النَّقْل ثمَّ اخْتِلَاف كتب التَّارِيخ قد يكون المُصَنّف وَاحِدًا والتصنيف وَاحِدًا وَيخْتَلف مَا يُوجد باحدى النسختين عَن الْأُخْرَى يعرف ذَلِك الْعَارِف فَرُبمَا يُنكر الْمُنكر مَا نقلت عَن الْمُفِيد وَغَيره لأبي سَبَب لذَلِك الأقصوره عَن الِاطِّلَاع على كتب التواريخ وَالنَّظَر فِي عدَّة نسخا فقد تمخض لَك أَن مُدَّة ملك بني زِيَاد مُسْتَقل عَن مواليهم من سنة ثَلَاث وَمِائَتَيْنِ الى سنة احدى وَسبعين وثلثمائة وَهِي مائَة وَثَمَانِية وَسِتُّونَ سنة ويخلف عَلَيْهِم ثَمَانِيَة وَثَلَاثُونَ سنة لقِيَام ابْن سَلامَة ثمَّ كَانُوا اعوانا لمواليهم متأدبين مَعَهم حَتَّى كَانَ من انيس مَا قدمْنَاهُ ذكره

قَالَ عمَارَة وَذَلِكَ سنة سبع وَأَرْبَعمِائَة فمدة ذَلِك ثَمَانِيَة وَثَلَاثُونَ سنة ثمَّ تنَازع هُوَ وسيده وَله نجاح ثَلَاث سِنِين يغزوه نجاح ويقاتله مرّة بعد أُخْرَى حَتَّى قَتله بالعرق على بَاب زبيد فِي ذِي الْقعدَة سنة أثنتي عشرَة واربعمائة وَكَانَ نجاح حَبَشِيًّا معلوطا من جنس يُقَال لَهُ جزلة وَالنِّسْبَة اليهم جزلي وذرية هَذَا يتوارثون الْملك حَتَّى ازالهم ابْن مهْدي فَيكون الْملك بيد الموَالِي بطرِيق الِانْفِرَاد والاستقلال مائَة سنة وَخَمْسَة واربعون سنة مِنْهَا ثَلَاث تنَازع نجاح وانيس ثمَّ اسْتَقل نجاح بِالْأَمر من تَارِيخ قتل انيس وَلَا سِيمَا بتهامة خَاصَّة اذ لما مَاتَ ابْن سَلامَة تغلب نواب الْبِلَاد الْعليا وَالْجِبَال على مَا بايديهم فتغلبت هَمدَان على صنعاء وتغلب بَنو الكرندي وهم قوم من حمير كَانَت لَهُم رياسة متائلة وَمَكَارِم مَشْهُورَة وهم أهل المعافر وحصونها كالسوا والسمدان والدملوه وصبر وَذخر ثمَّ تغلبُوا على حصن التعكر وَهُوَ الْحَاكِم على الْجند وَكثير من مخلاف جَعْفَر وتغلب على بعدان ونواحيها كالشعر والنقيل وانور والشوافي السُّلْطَان ابو عبد اله الْحُسَيْن بن التبعي وتغلب بَنو وايل الَّذِي كَانَ مِنْهُم السُّلْطَان صَاحب الْكَرم العريض وَالثنَاء المستفيض اِسْعَدْ بن وَائِل بن عِيسَى على وحاظة وحصونها يريس ودهران ويفوز وَشعب وعزان والخضرا ومدينة شاحط مَحل الْمُلُوك فِيهَا وَهِي مقرّ عزهم وَلَيْسَ لَهَا ذكر فِي عصرنا

وَكَانَ هَذَا اِسْعَدْ رجلا صَالحا امؤثرا لمَذْهَب السّنة على غَيره ويصحب الْقُرَّاء والعباد ويؤثر عمَارَة الْمَسَاجِد ويعظم السّلف ويقتدي باخيارهم وَهُوَ الَّذِي اجتلب الامام زيد الفائشي الى وحاظة وَكَانَ سليما عَن الْبِدْعَة وَكَذَلِكَ قومه الى عصرنا وَكَانَت وَفَاته شَهِيدا مقتولا سنة خمس عشرَة وَخَمْسمِائة وقبر بِجَامِع الجعامي واخبار بني وَائِل طَوِيلَة

وَحِينَئِذٍ ارْجع الى ذكر الْمُعْتَمد عَلَيْهِ من الْمُلُوك وهما الْحَبَشَة فابتدىء من أَيَّام نجاح فَذكرت قَتله لأنيس واستقلاله بِالْملكِ من التَّارِيخ الْمُتَقَدّم قَالَ المؤرخون فَلَمَّا قَامَ لَهُ الأمرامسك مَوْلَاهُ مرجان وَقَالَ لَهُ مَا فعل مواليك وموالينا قَالَ هم فِي ذَلِك الْجِدَار فَفتح عَنْهُمَا وأخرجهما وغسلهما وَصلى عَلَيْهِمَا فِي جمع وَبنى لَهما مشهدا فِي الْعرق بعد أَن جعل سندولة مكانهما وَأمر بِحمْل جثة أنيس إِلَيْهِ فَبنى عَلَيْهِمَا ثمَّ ركب فِي المظلة وَضرب السِّكَّة باسمه ثمَّ كَاتب بني الْعَبَّاس الى بَغْدَاد وبذل الطاعه وَحمل الْقطعَة فكاتبه أهل بَغْدَاد بالاستنابة ونعتوه بالموئد نصير الدّين وفوض إِلَيْهِ تَوْلِيَة الْقَضَاء لمن رَآهُ أَهلا لَهُ فضبط تهَامَة ضبطا جيدا وهابته الْمُلُوك وهادنته

وَلما كَانَت سنة تسع وَعشْرين واربعمائة ظهر الصليحي فِي رَأس

مسار من بلد حراز واسْمه عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ الصليحي فَلَمَّا أحكم حصن مسار وَذَلِكَ بمخادعة مِنْهُ لأهل الْبَلَد وَوصل الشِّيعَة من غَالب أنحاء الْيمن وجمعوا لَهُ أَمْوَالًا جليلة واظهر الدعا الى الْمُسْتَنْصر ثمَّ وَجه لَهُ بِهَدَايَا جليلة مِنْهَا سَبْعُونَ سَيْفا قَوَائِمهَا من عقيق وَبعث مَعَ ذَلِك رجلَيْنِ من قومه هما أَحْمد بن مُحَمَّد والدالسيدة الأتي ذكرهَا الَّذِي انْهَدم عَلَيْهِ الدَّار بعدن وَأَبُو سبا أَحْمد بن المظفر وَلما وصلت هَذِه الْهَدَايَا الْمُسْتَنْصر قبلهَا وَأمر لَهُ برايات وَكتب عَلَيْهَا الألقاب وَعقد لَهُ الْولَايَة واذن لَهُ بنشر الدعْوَة وَكَانَ ذَلِك بعد أَن تغلب الصليحي على صنعاء وَأخرج هَمدَان عَنْهَا وَصَارَ فِيهَا خَائفًا من نجاح لعلمه بعجزه عَن مقاومته ثمَّ أَنه أهْدى لَهُ جَارِيَة حسنا واعطاها سما وأمرها ان تدسه لَهُ فِي طَعَامه فَفعلت وَتُوفِّي بالكدري من السم سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين واربعمائة فَكَانَت مُدَّة ملكه خمسين سنة وَمُدَّة الْمُنَازعَة بَينه وَبَين انيس ثَلَاث سِنِين وَحين اتَّصل الْعلم بِمَوْت نجاح بَادر الصليحي وَنزل تهَامَة وازاح مِنْهَا بني نجاح واستناب بهَا صهره اِسْعَدْ بن شهَاب فَسَار فِي أهل تهَامَة سيرة مرضية من الْعدْل والتفسح لأهل السّنة وعامل الْحَبَشَة وَمن يتهم بالدولة بالصفح والاحسان وَرُبمَا ظفر بِبَعْض من يخْشَى من فَيحسن اليه حَتَّى زرع لَهُ ذَلِك فِي قُلُوب النَّاس محبَّة حَتَّى كَانَت الْحَبَشَة مَتى ملكوا وطفروا بِهِ لم يبلغهُ مِنْهُم إِلَّا خيرا وَكَانَ القضا إذاك بيد الْحسن بن ابي عقامة مقدم الذّكر وعمال الحراج بيد ابْن القم وَالِد الشَّاعِر الْمُقدم ذكره وَلم تكمل سنة خمس وَخمسين حَتَّى ملك الصليحي غَالب الْيمن سهلا وجبلا وتمنعت صعدة بعض التمنع باولادالناصر ثمَّ انه قتل الْقَائِم فيهم وَملك

صعدة فاقام بِصَنْعَاء الى الْقعدَة سنة ثَلَاث وَسبعين واربعمائة ثمَّ توجه الى مَكَّة بعد ان اسْتخْلف ابْنه المكرم واخذ مَعَه زَوجته اسماء بنت شهَاب وَكَانَت من اعيان النِّسَاء وحرائرهن وكرائمهن بِحَيْثُ تقصد وتمدح ويمدح بهَا زَوجهَا وَابْنهَا المكرم وَكَانَ الصليحي لما تحقق كمالها وكل اليها التَّدْبِير وَلم يكن يُخَالِفهَا فِي غَالب أمرهَا وَكَانَ يجلها اجلالا عَظِيما حَتَّى كَانَت مَتى حضرت مَجْلِسا لَا تستر وَجههَا بِشَيْء عَن الْحَاضِرين حَتَّى كَانَ لَا يقدم على أمرهَا امْرَهْ وَكَانَت ابْنة عَم الصليحي وفيهَا من الحزم وَالتَّدْبِير مَا لم يكن فِي نسا زمانها وفيهَا يَقُول الشَّاعِر ... قلت اذ عظموا لبلقيس عرشا ... دست أسما من ذرى النَّجْم اسْما ... وَكَانَ عَليّ بن مُحَمَّد الصليحي من أَعْيَان الْيمن وسادات الزَّمن واذكيا الْمُلُوك ودهاتهم وَلما قهر مُلُوك الْيمن الزمهم ان لَا يفارقوا ركابه حَيْثُ كَانَ بعد ان توثق مِنْهُم بالرهائن والايمان فَلَمَّا عزم على التَّوَجُّه الى مَكَّة الزمهم ان يسافروا مَعَه فَسَار فِي الفي فَارس فيهم من قومه بني الصليح مائَة وَسَبْعُونَ فَارِسًا وَقيل وَسِتُّونَ فَلَمَّا صَار فِي المهجم وَحط فِي ظَاهر الْمَدِينَة هجم عَلَيْهِ بَنو نجاح رَأْسهمْ سعيد الْحول ثمَّ أَخُوهُ جياش ابْني نجاح وهما فِي سبعين رجلا من الْحَبَشَة مَا فيهم ذوسلاح وَلَا فرس وَإِنَّمَا عمِلُوا حرابا من جريدالنخل فَقتلُوا الصليحي وأخاه عبد الله بن مُحَمَّد وَذَلِكَ ثَانِي عشر ذِي الْقعدَة سنة ثَلَاث وَسبعين واربعمائة وَكَانَ من ظُهُوره الى مَوته خَمْسَة واربعون سنة ملكه فِي التهائم احدى وَعِشْرُونَ سنة وَأَيَّام ظهورة وقتاله خمس سِنِين وَملكه فِي الْجبَال خمس واربعون سنة ثمَّ ركب سعيد الْأَحول فرس الصليحي وَركب أَخُوهُ جياش فرس

عبد الله ثمَّ أَمر الاحول بامساك بني الصليحي واعيان الْمُلُوك الَّذين نزلُوا صحبته وبالتحويط على اسماء زَوْجَة الصليحي فاشارعليه اخوه جياش باطلاق أَسمَاء والصليحيين وَجَمِيع الْمُلُوك وَأَن يحسن الى السيدة أَسمَاء خَاصَّة فَلم يجبهُ أَلا كَمَا قَالَ الأول

. .. لَا تقطعن ذَنْب الافعى وترسلها ... إِن كنت شهما فَاتبع رَأسهَا الدُّنْيَا ... ثمَّ أَمر بقتل الصليحيين وَمن مَعَهم من الْمُلُوك واستبقى مِنْهُم ثَلَاثَة هم وَائِل بن عِيسَى صَاحب وحاظة وَعلي بن معن صَاحب عدن وبن الكرندي صَاحب المعافر ثمَّ تجهز رَاجعا الى زبيد وَجعل اسماء فِي هودج وَحين أتصل الْعلم باسعد خرج هَارِبا من زبيد حَتَّى لحق بالمكرم فِي صنعاء وَحين دخل الْأَحول زبيد أنزل اسماء بنت شهَاب فِي دَار شحار ووكل بهَا من يحرسها وَنصب الراسين امام طاقتها على رُمْحَيْنِ فاحتالت وكتبت الى ابْنهَا المكرم تحظه على قتال الْأَحول وَتقول انه قد وطئني العَبْد الْأسود وَأَنا حَامِل مِنْهُ فَإِن ادركتني قبل الْوَضع والا فَهِيَ الفضيحة والعار ثمَّ جعلت الْكتاب فِي رغيف ودسته الى فَقير وأمرته بايصاله الى وَلَده المكرم فَحَمله فحين وصل الْكتاب الى المكرم قَرَأَهُ على النَّاس واستثار حفائظهم فبكوا وضجوا فَأَمرهمْ بالتجهز لغزو زبيد وَخرج من فوره من صنعاء فِي ثَلَاثَة آلَاف فَارس فخاطبهم وَقَالَ من كَانَت لَهُ رَغْبَة فِي الْحَيَاة فَلَا يرحل مَعنا ثمَّ جعل يفعل فِي كل منزلَة كَذَلِك حَتَّى انه لم يصل وَادي زبيد الا فِي ألف فَارس وسِتمِائَة فحين سمع بِهِ الْأَحول خرج من زبيد وصف لَهُ فِي خَمْسَة وَعشْرين الْفَا من الْحَبَشَة وَغَيرهم وَقيل فِي إِحْدَى وَعشْرين ألفا فَقتل عَسْكَر المكرم اكثرهم ودخلوا زبيد قهرا وهرب الْأَحول وَكَانَ اول من وقف تَحت

طَاقَة اسماء والرأسين المكرم فَوجدَ امهِ مشرفة من الطاق سافرة وَجههَا كعادتها مَعَ زَوجهَا فَقَالَ لَهَا المكرم حياك الله يَا مولاتنا فَقَالَت وحياك الله يَا وَجه الْعَرَب من انت فَقَالَ انا الْوَلَد أَحْمد بن عَليّ قَالَت أَحْمد بن عَليّ فِي الْعَرَب كثير فاحسر لي عَن وَجهك حَتَّى اعرفك فحسر عَن لثامه وَهُوَ يتصبب عرقا فاصابه الفالج من ذَلِك الْوَقْت لم قَالَت لَهُ أمه من جَاءَ كمجيئك فَمَا أَخطَأ وَلَا أَبْطَا ثمَّ تلاحقت بِهِ الفرسان واحاطت بِهِ الأقران فاقام فِي زبيد أَيَّامًا مهد فِيهَا قَوَاعِد الْبِلَاد ثمَّ خرج رَاجعا الى صنعاء واستخلف خَاله اِسْعَدْ فَلبث أَيَّامًا على السِّيرَة المرضية والمكرم ووالدته فِي صنعاء حَتَّى كَانَت سنة تسع وَسبعين ورابعمائة توفت والدته بالتاريخ ثمَّ عَاد الْأَحول الى زبيد فَاخْرُج اِسْعَدْ على الْوَجْه المرضي لما كَانَ لَهُ اليهم من الاحسان والتعطف عَلَيْهِم ايام قِيَامه

ثمَّ ان المكرم قلد الْأَمر لامْرَأَته لاسيدة بنت أَحْمد وَكَانَ المكرم قد وكل اليها تَدْبِير ملكه وَلم يعذرها عَنهُ فاسعفته عَن اتيانها فَلم يفعل وَكَانَت قد علمت حَالَة الْيمن الْأَوْسَط خَاصَّة مخلاف جَعْفَر فَنزلت من صنعاء هِيَ والمكرم وسكنا جبلة ثمَّ صاحا بالرعايا فَاجْتمع مِنْهُم عَالم كثير فاشرقت عَلَيْهِم من طاق وَسَأَلت المكرم ان يشرف مَعهَا فَنَظَرا فَلم يجدا الامن يَقُود كَبْشًا اَوْ يحمل سمنا اَوْ برا وَقد كَانَت فعلت نَحْو ذَلِك بِصَنْعَاء واشرفت هِيَ والمكرم على الرّعية فَلم تقع أعينهما الا على رَاكب فرس مُتَقَلِّدًا رمحا اَوْ رجل شاهرا سَيْفا أَو مُتَقَلِّدًا قوسا ثمَّ قَالَت السيدة للمكرم الْعَيْش مَعَ هَؤُلَاءِ يَعْنِي رعية المخلاف أولى من أُولَئِكَ فَقَالَ المكرم نعم ثمَّ سكنا جبلة واختطت السيدة بهَا الدَّار الْمُسَمَّاة دَار الْعِزّ وَهِي

خراب من زمَان وَبنى مَكَانهَا بيُوت كَثِيرَة وتعرف فِي عصرنا بحارة الدَّار

ثمَّ ان السيدة اعملت الْحِيلَة فِي قتل الْأَحول فامرت نائبها فِي جبل الشّعْر ان يكاتبه ويخادعه ويستدعيه وَيَقُول هَؤُلَاءِ قوم شيعَة وَالنَّاس تكرههم فان وصلت الي افنيناهم فَرغب الاحول فِي ذَلِك وَحمل الْمكَاتب على الصدْق فَخرج من زبيد بعسكر عَظِيم وَصَارَ قَاصِدا جبل الشّعْر فحين صَار على قرب مِنْهُ ظهر لَهُ الْعَسْكَر ضعف عسكره فَقتل وَقتلت طَائِفَة من عسكره وأسرت زَوجته أم المعارك فَجعلُوا يعرضون عَلَيْهَا الْقَتْلَى بزوجها فعرفته فَقطعُوا رَأسه وَحمل على رمح أَمَام هودجها وَجِيء بهَا الى السيدة الى جبلة فانزلتها بغرفة من دَاره ووكلت بهَا من يحفظها وَجعل راس زَوجهَا امام طاقتها فَكَانَت السيدة تَقول لَيْت لَك عينا ترى يَا مولاتنا اسماء وراس الْأَحول تَحت طَاقَة أَمَام أم المعارك وَهِي أسيرة وَقد كَانَت السيدة حِين اجابته الى الْخُرُوج عَن زبيد كتبت الى اِسْعَدْ بن شهَاب وَهُوَ بِصَنْعَاء تَأمره التَّقَدُّم الى زبيد بعسكره واخذها وعرفته الْقَصْد فاعتمد ذَلِك فَقدم زبيد وَهِي خَالِيَة عَن قَائِم بهَا فقبضها وهرب بَنو نجاح فلحق جياش بِالْهِنْدِ وصحبته وزيره خلف بن ابي الطَّاهِر الْأمَوِي فلبثا بِالْهِنْدِ شهرا ثمَّ عادا إِلَى زبيد متنكرا بزِي أهل الْهِنْد ثمَّ لم يزل يتلطف حَتَّى استعاد ملك زبيد وَأخرج اِسْعَدْ سالما بعد أَن أحسن اليه فلحق بالمكرم ثمَّ أَن المكرم طلع من ذِي جبلة الى صنعاء فَتوفي بِبَيْت بوس

سنة ارْبَعْ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَقيل توفّي بحصن أشيح سنة ثَمَانِينَ وَقيل سنة تسع وَسبعين بعد أَن اسند الْوَصِيَّة فِي الْملك الى زَوجته السيدة وَفِي الدعْوَة الى ابْن عَمه سبا بن احْمَد بن المظفر بن عَليّ ومقر عزه إِذْ ذَاك اشيح اُحْدُ الْحُصُون المعدودة بِالْيمن وَكَانَ من أكْرم الْعَرَب واعفهم واشرفهم نفسا بِحَيْثُ ثَبت بِالنَّقْلِ الصَّحِيح الْمُتَوَاتر انه لم يشرب مُسكرا وَلَا وطىء أمة وَلَا خيب قَاصِدا وَكَانَ ممدحا يَقْصِدهُ الشُّعَرَاء ويمتدحونه فيثيبهم وَرُبمَا مدحهم بِشَيْء من الشّعْر مَعَ الاثابة والى ذَلِك أَشَارَ ابْن القم الْمُقدم ذكره

. .. وَلما مدحت الهبرزي ابْن احْمَد ... اجاز وجازاني على الْمَدْح بالمدح

وعوضني شعرًا بشعري وَزَادَنِي ... نولا فَهَذَا رَأس مَالِي وذارعي

شققت اليه النَّاس حَتَّى رَأَيْته ... فَكنت كمن شقّ الظلام الى الصُّبْح ... فقبح دهر لَيْسَ فِيهِ ابْن احْمَد ... ونزه دهر كَانَ فِيهِ من الْقبْح ... قَالَ عمَارَة فَلَمَّا قَامَ ابْن القم بَين يَدي سبا ينشده القصيدة الَّذِي مِنْهَا هَذِه الأبيات مَنعه من الْقيام وَرمى لَهُ بمخدة وَأمره بالقعود عَلَيْهَا اكراما لَهُ ورفعا عَن الْحَاضِرين ثمَّ لما فرغ من انشادها قَالَ لَهُ يَا ابا عبد الله أَنْت عندنَا كَمَا قَالَ المتنبي

. .. وفؤادي من الْمُلُوك وَإِن كَانَ ... لساني يرى من الشُّعَرَاء ... فَانْظُر ايها النَّاظر فِي كتابي فِي فعل هَذَا القيل وَحسنه وَمَا لاطف بِهِ هَذ الشَّاعِر وَأحسن اليه مقَالا وفعالا

وَمن اخباره ان السيدة لما خرجت من الْعدة خطبهَا فامتنعت واعتلت بمراجعة امامهم وكتبت الى الْقَائِم يسْأَله أَن يكْتب لَهُ اليها باجابته الى الزواج

وَبعث بكتابه رَسُولا معينا فَلَمَّا وصل الرَّسُول الى مصر وابلغ الْخَلِيفَة جوب لسبا وَكتب الى السيدة يأمرها باجابته الى الزواج فاجابته على كره مِنْهَا وَلَكِن خشيت ان يتَغَيَّر بَاطِن الْخَلِيفَة وَاخْتلف النَّاس هَل دخل بهَا أم لَا فَذهب الْأَكْثَرُونَ الى عدم الدُّخُول وَعَاد بَلَده

ثمَّ انه كَانَ يَغْزُو زبيد فِي كل سنة فيلبث فِيهَا فصل الشتَاء وَالربيع يجبي المتحصل فيهمَا من الْأَمْوَال ثمَّ مَتى اقبل الْحر خرج عَن زبيد وطلع بَلَده فَيَعُود جياش ويجبي الْمَوْجُود من المَال ويعتد للرعايا بِمَا أَخذ مِنْهُم سبا

ثمَّ لما طَال ذَلِك على جياش هجمه وَقد صَار على قرب من زبيد فَقتل اكثر عسكره وهرب سبا فَلم يكن بعد ذَلِك يطْمع بتهامة حَتَّى توفّي بحصنه اشيح سنة اثْنَتَيْنِ وتعسين واربعمائة وَضبط حصنه بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الْيَاء الْمُثَنَّاة من تَحت ثمَّ حاء مُهْملَة وَلَوْلَا انني رَأَيْت مَكَارِم هَذَا سبا أَكثر من أَن تحصى وان اهمال ذكره رَأْسا ظلم ظَاهر لما ذكرته

وَأما الْملك بالجبال وعدن فَلم يزل بيد السيدة بِوَصِيَّة المكرم كَمَا قدمنَا ذَلِك وَلم يكن لَهَا من الْأَوْلَاد سوى ابْنَيْنِ من المكرم وكانه المكرم لما عقد عَلَيْهَا بحياة ابيه جعل صَدَاقهَا عدن وَكَانَ عَليّ بن مُحَمَّد يجلها وَيَأْمُر أَسمَاء باكرامها

وَيَقُول هِيَ وَالله كافلة ذرارينا وحافظة هَذَا الْأَمر على من بَقِي منا نسْمع مِنْهُ ذَلِك غير مرّة فِي أَمَاكِن مُتعَدِّدَة وَكَانَت قد كفلها وَذَلِكَ ان اباها احْمَد بن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن مُوسَى الصليحي توفّي تَحت الْهدم بعدن وَهِي اذ ذَاك صَغِيرَة فَضمهَا الصليحي الى امْرَأَته اسماء وَكَانَ يوصيها بهَا فَذكرُوا انها قَالَت يَوْمًا لأسماء يَا مولاتنا رَأَيْت فِي الْمَنَام كَأَن فِي يَدي مكنسة وَأَنا اكنس قصر مَوْلَانَا يَعْنِي زَوجهَا عَليّ بن مُحَمَّد الصليحي فَقَالَت وَالله كاني بك يَا حميرا قد كنستي آل الصليحي وملكتي أَمرهم وَكَانَ يُقَال لَهَا بلقيس الصُّغْرَى لرجاحة عقلهَا وَحسن تدبيرها للْملك وَغَيره وَكَانَت قارئة لكتاب الله تَعَالَى حافظة لكثير من اشعار الْعَرَب عارفة بالتاريخ تفضل بالمعرفة على كثير من الْمُلُوك

وَلم يزل بَنو معن يرفعون خراج عدن اليها حَتَّى توفّي الصليحي كَمَا قدمنَا قبلا وتغلبوا على ذَلِك فغزاهم المكرم واخرجهم عَنْهَا وَجعل مكانهما الْأَخَوَيْنِ الْعَبَّاس ومسعود ابْني المكرم الياميين الهمدانيين وأحلفهما للسيدة وَكَانَ ذَلِك لسابقة كَانَت لَهما مِنْهَا انهما صدقا مَعَه فِي الْقِتَال يَوْم نزل لوالدته وَكسر الْحَبَشَة وَغير ذَلِك فَجعل عدن بَينهمَا نِصْفَيْنِ للْعَبَّاس حصن التعكر وَمَا أَتَى من الْبر ولمسعود حصن الخضرا وَمَا يَأْتِي من الْبَحْر والزم كل وَاحِد مِنْهُمَا ان يحمل للسيدة فِي كل سنة خمسين الْفَا فوفيا بذلك حَتَّى توفيا ثمَّ تغلب أولادهما عَلَيْهَا وَكَانَ المكرم قد توفّي وَسيف السيدة يَوْمئِذٍ وَرجل دولتها الْمفضل الْآتِي ذكره فغزاهم وَقَاتلهمْ ثمَّ صالحوه على نصف الْمُعْتَاد فوفوا بذلك حَتَّى توفّي الْمفضل ثمَّ تغلبُوا فَبعثت لَهُم السيدة ابْن عَم الْمفضل فَقَاتلهُمْ فحاربوه ثمَّ اصْطَلحُوا على

نصف الْخمسين فَمَا زَالُوا يحملونه حَتَّى هلك اِسْعَدْ وتغلب بَنو الزرعى على التعكر وتغلبوا لَهُم على مَا صَالحُوا عَلَيْهِ وَلم يزل بايديهم على مَا يَأْتِي ذكره بَيَان اجابتهم انشاء الله

ثمَّ كَانَ فِي سنة ثَلَاث عشرَة وَخَمْسمِائة قدم ابْن نجيب الدولة من بَاب الْخلَافَة من مصر فِي عشْرين فَارِسًا فَجَعَلته السيدة مَكَان الْمفضل فذب عَن ملكهَا وَقَاتل من عصاها وَلم تزل السيدة مَالِكه للجبال اجْمَعْ وهيتقيم ملكهَا بِرَجُل يذب عَنْهَا فَلَمَّا ذهب ابْن نحيب الدولة على مَا سَيَأْتِي قامات مقَامه الدَّاعِي ابراهيم ذ بنالحسين الحامدي ثمَّ لما بلغ السيدة وَفَاة الْقَائِم وَقيام الْحَافِظ بِمصْر اضافت دَعوته الى آل زُرَيْع وَقَالَت حسب آل الصليحي مَا عمِلُوا من أَمر مَوْلَانَا صلوَات الله عَلَيْهِم كَمَا سَيَأْتِي مُبينًا انشا الله تَعَالَى وَكَانَ ذَلِك بعد موت الدَّاعِي ابراهيم وَكَانَ أول من قبلهَا من آل زُرَيْع سبا بن ابي السُّعُود بن زُرَيْع بن الْعَبَّاس الْمُقدم ذكره وَهُوَ الَّذِي تَركه المكرم حِين تَركه على التعكر اعني الْعَبَّاس

وَتوفيت السيدة عقب ذَلِك بِذِي جبلة سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وخمسئائة واسندت الْملك الى مَنْصُور بن الْمفضل

وَلما كَانَ الْأَمر على مَا قدمنَا وَعرض مَعَ ذكر السيدة ذكر جمَاعَة من أَعْيَان دولتها تطلع النُّفُوس الى تَحْقِيق اللَّائِق من أَحْوَالهم ناسب بَيَان ذَلِك

أَوَّلهمْ سبا بن احْمَد وَقد ذكرته ثمَّ الْمفضل بن ابي البركات بن الْعلَا ابْن

الْوَلِيد الْحِمْيَرِي كَانَ وَالِده واليا للمكرم من جملَة صغَار الدَّار فَتوفي ابو البركان بعد المكرم فَجعلت السيدة ولَايَة التعكر الى ابْنه خَالِد وَلم يفرق الْمفضل عَن حضرتها فَلبث اياما نَحْو سنتَيْن فَقتله الْفَقِيه عبد الله بن المصوع مقدم الذّكر فِي فُقَهَاء ذِي السفال وَقتل عبد الله عقب ذَلِك كَمَا قدمت ذَلِك عِنْد ذكره فَجعلت السيدة الْمفضل مَكَانَهُ فَمن وَقت طلعته تعنت بالفقهاء واظهر عداوتهم وَقبض أَرَاضِي الْقَاتِل وَقَومه وَهِي الْأَمْلَاك الْقَدِيمَة فِي ذِي السفال وهرب غَالب الْفُقَهَاء من مجاورة التعكر خوفًا من سطوته وَقد ذكرت مَا فعل مَعَ اصحاب الْفَقِيه زيد عِنْد ذكره وَصَارَ الْمفضل رجل الْبَيْت ومدبر الْملك والذاب عَنهُ وَلم تكن تقطع السيدة أمرا دونه فبذلك عظم شَأْنه وعلت كَلمته وَلم يكن فِي اعيان الدولة من يساميه وَلَا يُسَاوِيه وغزى تهَامَة مرَارًا لَهُ وَعَلِيهِ وَكَانَت لَهُ مَكَارِم ومفاخر وَلكنهَا دون مفاخر سبا الْمُقدم ذكره وَكَانَ الْمفضل جوادا ممدحا يَقْصِدهُ الشُّعَرَاء من الانحا ويمدحونه فيثيبهم على ذَلِك ثَوابًا مغنيا واليه قدم مواهب بن جَدِيد المغربي وامتدحه بغرر القصائد من بَعْضهَا قَوْله

. .. يَا مَالك الدّين وَالدُّنْيَا وأهلهما ... وَمن بغرته الاسلام ممتسك

قد قيل جاور لتحظى الْبَحْر أَو ملكا ... وَقد فعلت وانت الْبَحْر وَالْملك ... وَمن آثاره المبقية للذّكر جَرّه للغيل من خنوة الى مَدِينَة الْجند وَلَقَد مر بِهِ فِي مَوَاضِع احتفر بهَا طَريقَة فِي أصفية بِحَيْثُ لَا يصدق بذلك على السماع لِأَنَّهُ نقر فِي الصَّفَا حفرا عديدة واجرى المَاء فِيهَا ثمَّ لما جَاءَ بَين جبلين اخْتَار

الصناع فِي ذَلِك فابتنى جدارا طوله من الْجَبَل الى الْجَبَل نَحوا من مأتى ذِرَاع وارتفاعه فِي الأَرْض نَحوا من خمسين ذِرَاعا وَعرضه نَحوا من عشرَة أَذْرع بالحديد وَهَذَا التَّقْدِير مني على طَرِيق التَّجَوُّز والتقريب فَلهَذَا اذا رَآهُ شخص يَقُول مَا اقتدر على هَذَا الْحفر الا الْجِنّ وَلَوْلَا ثُبُوت ذَلِك وادعاه مُدع لم يصدق

وَمن ذَلِك ابتنأه لمسجدالجند وتجديد بنائِهِ الْمُقدم والجناحان واما الْمُؤخر فبناه بعض الْقُضَاة من وفر الْمَسْجِد وجدد بِنَاء الْمفضل من الْمَسْجِد الْأَحْجَار وسقف عَلَيْهَا حَتَّى جَاءَ الْمهْدي بن عَليّ بن الْمهْدي فَأخر بِهِ وَأحرقهُ على مَا سَيَأْتِي إنْشَاء الله وَلم يزل مهدوما حَتَّى قدم الغز وَهُوَ على ذَلِك إِذْ لم تطل مُدَّة المهادنة بعد ذَلِك وَلَا قبله

ثمَّ لما قدم سيف الاسلام ابتنى ذَلِك وَزَاد فِي سمك الْمَسْجِد مَا هُوَ جَنْبي الْآن بِالْأَجْرِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَان ذَلِك عِنْد ذكرهم

وَقد ذكر القَاضِي أَبُو بكر اليافعي قصَّة الغيل فِي مدحه لِابْنِهِ مَنْصُور لما مدحه وَجعل من جملَة مدحه مدح أَبِيه وَنبهَ على فعله فِي الغيل وَكنت أتشكك فِي من جر الغيل حَتَّى وجدته فِي شعر القَاضِي الْمَذْكُور وَقد تقدم من ذَلِك مَعَ ذكره مَا يُغني عَن ذَلِك لَكِن احب ذكر مَا قَالَ فِي الغيل وَذَلِكَ أَنه لما ذكر الْمفضل قَالَ ... واقل مكرمَة لَهُ وفضيلة ... إجراؤه للغيل فِي الأجناد

شقّ الْجبَال الشامخات فاصبحت ... وكأنما كَانَت ثعاب وهاد ... وَفِي قَوْله شقّ الْجبَال الشامخات دَلِيل على صِحَة مَا ذَكرْنَاهُ ثمَّ لم يزل بمناكرة

هُوَ وَالْفُقَهَاء وَهُوَ يعلم انهم يسْتَحلُّونَ دَمه ويكرهون مذْهبه مَعَ مَا عمل بهم مُنْذُ ولى التعكر وَكَانَت السيدة قد انقبضت عَن الْمفضل وَذَلِكَ انها كَانَت تطلع التعكر ايام الصَّيف وتقف بِهِ فَإِذا جَاءَ الشتَاء نزلت الى ذِي جبلة وَكَانَت ذخائرها وذخائر آل الصليحي وَمَا يعز عَلَيْهِم من الْأَمْوَال والتحف مَوْضُوعَة بِهِ فَذكر أَن الْمفصل قَالَ لَهَا يَوْمًا يَا مولاتنا انظري مَا كَانَ لَك فِي هَذَا الْحصن فانقليه فَإِنِّي لَا أحب ان يكون لأحد فِيهِ طَاعَة فَقَالَت لَهُ لَا بَأْس عَلَيْك يَا فلَان انت رجل الْبَيْت وَلَا نكلفك مَا يسؤك ثمَّ لما نزلت من الْحصن لم تعده حَتَّى مَاتَت وَلم تغير للمفضل عَن مَا كَانَ يعهده مِنْهَا من الصلات والارسال لَهُ فِي مهام الْأُمُور وعَلى من تغلب عَلَيْهَا حَتَّى وَصلهَا بعض مُلُوك الْحَبَشَة يستنصرها على بعض أَهله فِي زبيد وبذل لَهَا مبلغا فَبعثت مَعَه الْمفضل فَسَار مَعَهم ونصرهم فَلَمَّا صَار بعسكره فِي زبيد هم ان يغدر ويأخذها عَلَيْهِم وَجعل يؤامر نَفسه فِي ذَلِك ثمَّ بَينا هُوَ كَذَلِك اذ قدم عَلَيْهِ الْعلم بِأخذ التعكر فَخرج من زبيد لَا يلوي على شَيْء حَتَّى طلع عزان التعكر وَصَارَ محاصرا للتعكر مِنْهُ وَكَانَ الْأَخْذ لَهُ جمَاعَة من الْفُقَهَاء وَمَعَهُمْ ابْن عَم لَهُ فَابْن سَمُرَة عزي الْآخِذ لَهُ الى ابْن عَمه وَعمارَة عزي ذَلِك الى جمَاعَة من الْفُقَهَاء فيهم عَم لَهُ وَرَأَيْت انه يحْتَمل الْأَمريْنِ مَعًا وَهُوَ اتِّفَاق الْفُقَهَاء مَعَ ابْن عَم الْمفضل فَقَالَ بعض الْمُخَالفين فِي التعكر قتلني الله إِن لم اقل الْمفضل قيل وَكَيف ذَلِك فَاخْرُج حظاياه الى سقوف الدَّار وامرهن بِضَرْب الدفوف والغنا فحين رأى ذَلِك الْمفضل وَكَانَ شَدِيد الْغيرَة أَخَذته بَطْنه وَقيل انه كَانَ بِيَدِهِ خَاتم مَسْمُوم فامتصه

فاصبح مَيتا وَهُوَ فِي فِيهِ فقبر بعزان وَذَلِكَ بتاريخ شهر رَمَضَان سنة ارْبَعْ وَخَمْسمِائة وطلعت السيدة من حبلة عقب ذَلِك فحطت بالربادي وكاتبت الْفُقَهَاء بالنزول من الْحصن على ان يشترطوا عَلَيْهَا مَا شاؤوا فاجابوا الى ذَلِك ونزلوا بعد أَن اشترطوا عَلَيْهَا شُرُوطًا وَافَقت لَهُم بهَا فَجعلت السيدة فِيهِ مَوْلَاهَا فتح بن مِفْتَاح وَالِد الْفَقِيه سُلَيْمَان مقدم الذّكر فِي اصحاب الشَّيْخ يحي بن ابي الْخَيْر فَلبث مَا شَاءَ الله ثمَّ تغلب على الْحصن فاحتال عَلَيْهِ بَنو الزر بِخطْبَة ابْنة لَهُ فازوجهم فَلَمَّا كَانَ لَيْلَة رفافها وصلوا بِجَمَاعَة فاخرجوه عَنهُ

وَأما السيدة فاقامت مَكَان الْمفضل ابْن عَمه اِسْعَدْ بن ابي الْفتُوح بن الْعلَا بن الْوَلِيد الْحِمْيَرِي بِالْقيامِ والذب عَن ملكهَا والتوجه الى حَيْثُ امرته وَقد ذكرته تقدمة الى بني زُرَيْع وصلحه مَعَهم فَلبث مُتَوَلِّيًا لحصن صَبر وتعز اذ كَانَ ابوه قبله مُتَوَلِّيًا عَلَيْهِمَا فَلم يزل قَائِما بالأمور كَمَا كَانَ الْمفضل حَتَّى كَانَت سنة أَربع عشرَة وَخَمْسمِائة غدر بِهِ رجلَانِ من أَصْحَابه فقتلاه بَين الباين بحصن تعز وَقد كَانَ قدم قبل ذَلِك على السيدة رجل من مصر وَهُوَ عَليّ بن ابراهيم ابْن نجيب الدولة ويلقب بالموفق قدم دَاعيا وَمَعَهُ عشرُون فَارِسًا وَذَلِكَ سنة ثَلَاث عشرَة وَخَمْسمِائة كَمَا قد مضى فِي ذكر السيدة وَكَانَ مَعَ صَاحب مصر على خزانَة الْكتب الافضلية وَكَانَ كثير المحفوظات ومستبصرا بِمذهب الشِّيعَة قيمًا بِتِلَاوَة الْقُرْآن الْعَزِيز على نعوته فتركته السيدة على بَابهَا حَافِظًا لَهَا فِي مَدِينَة جبلة وَكَانَت خولان قد بسطوا ايديهم على الرعايا والبلاد وعبثوا بِالنَّاسِ احتقارا بالسيدة لعدم الْقَائِم بامرها فَلَمَّا قعد ابْن نجيب الدولة طردهم عَن جبلة ونواحيها واوقع بِمن لقِيه مِنْهُم الْعَذَاب الشَّديد حَتَّى لم يبْق مِنْهُم أحد الا من كَانَ منتسبا الى السيدة دَاخِلا فِي جملَة الرّعية فَلَمَّا رَأَتْ مِنْهُ ذَلِك أَمرته ان يسكن الْجند

كَمَا كَانَ الْمفضل فَلَمَّا صَار اليها اعجبته لوطأتها وانكشاف جوها فكسنها وَهُوَ مَعَ ذَلِك يُرَاجع السيدة فِي غَالب اموره وَلَا يبرح مواصلا لَهَا ثمَّ انه استخف بهَا وَصَارَ اذا أَمرته بِأَمْر رُبمَا تردد فِيهِ وَرُبمَا اظهر انتقاص رأيها ونسبها الى الخرف والسفه وَقَالَ قد اسْتحقَّت عِنْدِي ان يحْجر عَلَيْهَا فشق ذَلِك بهَا وجهزت لَهُ جَيْشًا يحصاره فِي الْجند مبلغ الْجَيْش نَيف وَعِشْرُونَ الْفَا مَا بَين فَارس وراجل وَمَعَهُ اذ ذَاك فِي مَدِينَة الْجند اربعمائة فَارس مقدمهم رجل من هَمدَان وغالبهم ايضا مِنْهُم فَلَمَّا أضرّ الْحصار بِابْن نجيب الدولة وَعلمت السيدة بذلك عملت فِي ابطاله عَنهُ ثمَّ طلع اليها وَاعْتذر من خطائه وَلم يزل يستعطفها حَتَّى طَابَ قَلبهَا عَلَيْهِ فابقته على مَا كَانَ عَلَيْهِ ثمَّ قدم رَسُول من صمر الى السيدة فاحتقره ابْن نجيب الدولة وَرُبمَا اغلظ لَهُ فِي الْكَلَام فالتحف بِهِ اعداء ابْن نجيب الدولة وكثروا عَلَيْهِ فضمن لَهُم هَلَاكه بَان يضْربُوا لَهُ سكَّة نزارية ويكتبون عَلَيْهِ مسطورا فِيهِ شَهَادَتهم انه يَدْعُو الى نزار ويكتبوا عَلَيْهِ مَا يشابه ذَلِك ثمَّ عَاد الرَّسُول مصر وَاعْلَم الْخَلِيفَة بذلك فَبعث الى الْيمن رجلا يُقَال لَهُ ابْن الْخياط فِي مائَة فَارس وَأمره بِالْقَبْضِ على ابْن نجيب الدولة فَلَمَّا قدم على السيدة طلب مِنْهَا ابْن نجيب الدولة

فتمنعت من تَسْلِيمه فَلم يَتْرُكهَا اعداء ابْن نجيب الدولة بل عظموا عَلَيْهَا أَمر الْخَلِيفَة فاستدعت الرَّسُول واحلفته لَهُ انه لَا يعرض لِابْنِ نجيب الدولة بِسوء وكتبت مَعَه كتابا الى الْخَلِيفَة تشفع فِيهِ ثمَّ سلمته اليه وَبعثت مَعَه رَسُولا لَهَا فَلَمَّا صَارُوا بعدن سفر الرَّسُول وَابْن نجيب الدولة وَأخر الْكَاتِب اياما ثمَّ سَفَره بجلبية عهد الى اربابها فِي تغريقه فعرقه بِبَاب المندب وَلم اتحقق مَا تمّ عَليّ ابْن نجيب الدولة اذ لم يُحَقّق ذَلِك عمَارَة فندمت السيدة على تَسْلِيم ابْن

نجيب الدولة ثمَّ على ارسال كاتبها وَكَانَ عِنْدهَا بمَكَان ثمَّ لما رَاح ابْن نجيب الدولة اقامت السيدة مَكَانَهُ الدَّاعِي ابراهيم بن الْحُسَيْن الحامدي فَلم تطل مدَّته وَتُوفِّي عقيب ذَلِك وَفِي أثْنَاء ذَلِك وصل الْعلم بوفاة الْقَائِم لمصر وَقيام الْحَافِظ بعده واضافت السيدة الدعْوَة الى آل زُرَيْع ووليها سبا بن ابي السُّعُود وَلذَلِك لقب بالداعي ثمَّ وَليهَا عقبه كَمَا سَيَأْتِي ثمَّ لما توفيت السيدة بالتاريخ الْمُتَقَدّم عِنْد تَمام ذكرهَا قَامَ بملكها عَن وَصِيَّة عَنْهَا مَنْصُور بن الْمفضل مقدم الذّكر وَكَانَ من اعيان الْمُلُوك وكرامهم وَهُوَ ممدوح القاصي ابي بكر الجندي وَقد ذكرت ذَلِك مَعَ ذكره وَلما ضعف وَكبر واحب السّكُون والدعة بَاعَ التعكر وَحب حصني المخلاف واعمالهما من الدَّاعِي مُحَمَّد بن سبا واليهم الْجند وَذَلِكَ سنة سبع واربعين وَخَمْسمِائة بعد موت السيدة بِخمْس عشرَة سنة فَحِينَئِذٍ بلغت مُدَّة ملك بني الصليحي من سنة تسع وَعشْرين واربعمائة الى غَايَة سبع واربعين وَخَمْسمِائة مائَة وتسع عشر سنة وَاشْترى مِنْهُ التعكر بمبلغ مَعْلُوم وَصعد اليه والى سَائِر الْحُصُون وَفَرح فيهم وَقَبضهَا وَسَيَأْتِي ذكر ذَلِك مَعَ ذكره وَبَقِي مَنْصُور فِي حصن تعز حَتَّى توفّي بهَا وَهُوَ اول من اتخذ ثعبات منتزها وَكَانَ ينزل من الْحصن يقف بهَا الْأَيَّام وَتُوفِّي ببضع واربعين وَخَمْسمِائة وَخَلفه ابْن لَهُ اسْمه احْمَد فَقَامَ كقيام ابيه الى سنة ثَمَان وَخمسين وَخَمْسمِائة

ثمَّ طلع مهْدي بن عَليّ بن مهْدي من تهَامَة فاتباع مِنْهُ صَبر وتعز ثمَّ سكن الْجند الى سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وَتُوفِّي بهَا وَهُوَ آخر من لَاق ذكره من أَعْيَان الدولة السيدية وابناؤهم وَلم يبْق الا ذكر من استولى على الْبِلَاد من الْعَرَب

خَاصَّة وَيَأْتِي بعد ذَلِك ذكر الْحَبَشَة فَكَانَ من أَحَق النَّاس ذكرا واشهرهم فخرا بعد آل الصليحي أهل عدن الَّذين يعْرفُونَ بآل زُرَيْع

وَقد ذكرت فِيمَا تقدم ان المكرم أَزَال بني معن من عدن وَترك فِيهَا الْأَخَوَيْنِ عَبَّاس ومسعود الياميين الهمدانيين كَمَا قدمت قَالَ وَسبب ذَلِك انه كَانَ للْعَبَّاس بن الْكَرم سَابِقَة مَعَ الدَّاعِي عَليّ بن مُحَمَّد الصليحي فِي قيام الدعْوَة لَهُ وَحين نزل المكرم لأمه الى زبيد وَأَخذهَا فَلم يَزَالَا يحْملَانِ الاتاوة الَّتِي اشترطها عَلَيْهِم المكرم كل سنة مائَة الف دِينَار الى السيدة حَتَّى توفّي الْعَبَّاس وَخَلفه ابْنه زُرَيْع وَبَقِي مَسْعُود على حَاله وكل مِنْهُمَا يحمل مَا عَلَيْهِ فَلَمَّا بعثت السيدة الْمفضل الى زبيد كتب الى زُرَيْع وَعَمه مَسْعُود وَكَانَ بيد زُرَيْع مَا كَانَ بيد ابيه التعكر وَمَا يدْخل عدن من الْبر وبيد مَسْعُود الخضرا وَمَا يدْخل من الْبَحْر وعَلى كل وَاحِد فِي السّنة حمل خمسين الْفَا الى السيدة وَقد ذكرت انهم كَانُوا يتمنعون عَن السيدة فَنزل اليهم الْمفضل فَصَالحهُمْ على النّصْف والقائم بعد مَسْعُود ابْنه ابو الغارات والقائم بعدن ابْن اخيه زُرَيْع ابو السُّعُود فاستمر كل أحد مِنْهُمَا على مَا كَانَ عَلَيْهِ أَبوهُ قَانِع بِهِ موَالٍ لِابْنِ عَمه فَتوفي ابو السُّعُود وَجعل مَكَانَهُ سبا وَلما توفّي أَبُو الغارات أخلفه ابْنه مُحَمَّد ثمَّ توفّي فخلفه اخوه عَليّ بن ابي الغارات وَهُوَ آخر بني المسعود وَهُوَ صَاحب حصن الخضراء المستولى على الْبَحْر والمراكب وَالْمَدينَة وَله فِي لجج مَدِينَة الرعارع وَأما ابْن عَمه الدَّاعِي سبا فَكَانَ مَالِكًا لحصن التعكر على بَاب عدن وَله معقل الدملوة وسامع ومطران وَيَمِين وذبحان وَبَعض المعافر وَبَعض الْجند فَحصل عَلَيْهِ من عَليّ بن ابي الغارات بعض ضيم وبلغه انه ينتقصه ويهم بِرَفْع يَده عَن عدن فَخرج الدَّاعِي الى الدملوة وَخرج على ابْن ابي الغارات الى لحج فَلم يقف الدَّاعِي بالدملوة غير يسير حَتَّى نزل الى لحج بأموال

وعساكر فَنزل ببنا آبة العلياء وَهِي لَهُ وَلابْن عَمه الرعارع كَمَا قدمنَا وَهُوَ وَاقِف بهَا فهاجت بَينهمَا حروب كَثِيرَة افضت الى انتصار الدَّاعِي سبا على ابْن عَمه فهرب الى سبا صُهَيْب وتحصن هُوَ وَابْن عَمه بحصنين مِنْهَا وهما منيف والحفلة

وَمن عَجِيب مَا كَانَ فِي الْيَوْم الَّذِي انْكَسَرَ بِهِ ابْن ابي الغارات فتح بِلَال مولى سبا حصن الخضراء فَبعث مبشرا الى سَيّده بذلك وسيده بعث مبشرا اليه بِفَتْح الرعارع وانكسار بني عَمه فَالتقى الرسولان فِي الطَّرِيق وَكَانَت مُدَّة الْحَرْب بَينهمَا سنتَيْن كَانَ فِيهَا بِلَال مَوْلَاهُ يحارب الخضراء وفيهَا أم عَليّ بن ابي الغارات فَلَمَّا استولى على الخضراء وجد فِيهِ اموالا جليلة استولى عَلَيْهَا وَانْزِلْ الْحرَّة بهجة الى الْمَدِينَة فَلَبثت بهَا حَتَّى توفيت وَالْمَسْجِد الَّذِي يعرف بِمَسْجِد الْحرَّة على الْقرب من جَامع عدن أَظُنهُ ينْسب اليها فَلَمَّا انْقَضتْ الْحَرْب دخل الدَّاعِي سبا الى عدن فَلبث بهَا سَبْعَة اشهر فَقير فِي سفح التعكر فِي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة

وَلما كَانَ بعد سَبْعمِائة ظهر للنَّاس على أكمة بسفح التعكر حفير أظهره الْمَطَر فَتوهم النَّاس انه مَال فاعلموا وَالِي الْمَدِينَة فطلع ووقف واخرج الحفارون مِنْهُ صندوقا كَبِيرا مسمرا فَفتح فوجدوا فِيهِ رجلا ملففا باثواب مَتى أَمْسَكت صَارَت رَمَادا فاعادوه على حَاله بصندوقه وحفرته وَلَعَلَّه الدَّاعِي وَالله أعلم وَلما توفّي الدَّاعِي بعد ان اقام مقَامه ابْنه على الْأَغَر فَلم يقم غير أَيَّام يسيرَة حَتَّى توفّي بِمَرَض السل وَله اربعة أَوْلَاد صغَار جعل كفالتهم إِلَى خَادِم اسْمه انيس خصي

على اسْم العَبْد الَّذِي قتل موَالِيه أخر بني زِيَاد كَمَا ذكرت ذَلِك وهم جَمِيعًا بالدملوة وَلما علم بِلَال بذلك وَهُوَ اذ ذَاك مستول على عدن وَكَانَ يكره اللأغر والأغر يكرههُ لَكِن لم تطل بِهِ الْأَيَّام فيوقع بِهِ وَكَانَ اخوه مُحَمَّد ابْن سبا قد خشى مِنْهُ فهرب الى مَنْصُور بن الْمفضل واستجار بِهِ فاقام عِنْده بجبلة فَكتب بِلَال الى مُحَمَّد بن سبا بالمبادرة الى عدن ويعده بِالْخَيرِ وَالْقِيَام مَعَه بِالروحِ وَالْمَال فبادر وَنزل فَلَمَّا صَار على قرب من عدن لقِيه بِلَال ملتقى حسنا وترجل بَين يَدَيْهِ وانزله المنظر ثمَّ نزل وَقعد للنَّاس وَبَدَأَ فَحلف ثمَّ اسْتحْلف بَقِيَّة الْعَسْكَر ثمَّ بعد ايام امْرَهْ ان يتَقَدَّم الى الدملوة ويحصارها فَفعل ذَلِك وَاسْتولى على جَمِيع مَا كَانَ لابيه من سهل وجبل ببركة بِلَال ويمنه وسداد رَأْيه ثمَّ أَنه خطب ابْنَته وَتزَوج بهَا وَصرف فِي جهازه اموالا جليلة على الشُّعَرَاء

وَفِي اثناء ذَلِك قدم الرشيد بن الزبير برسالة من مصرالى على الْأَغَر ظنا انه هُوَ فَوَجَدَهُ قد توفّي فَجعل الرسَالَة الى آمحمد بن سبأ إِذْ وجده الْقَائِم وقلده الدعْوَة ونعته بالمعظم وَوَصفه بالمتوج المكين ونعت وزيره الشَّيْخ بِلَال السعيد الْمُوفق السديد وَفِي سنة خمس واربعين ظفر ببني عَمه على بن ابي الغاران وَمُحَمّد بن منيع بن مَسْعُود ورغبة بن ابي الغارات فَقَتلهُمْ فِي سنة سِتّ واربعين وَقيل سنة سبع وَأَرْبَعين وَتُوفِّي الشَّيْخ بِلَال وَفِي سنة سبع واربعين وَخَمْسمِائة ابْتَاعَ من مَنْصُور بن الْمفضل التعكر وَحب وجبلة والجند ونواحيها ثمَّ طلع التعكر وَحب وَفَرح فيهمَا وبذل أَمْوَالًا جليلة فِي طَرِيق الْمَعْرُوف وَالْبر واجازة الشُّعَرَاء وَكَانَ من كرام الْمُلُوك وممدحيهم

قَالَ عمَارَة وَمَكَارِم مُحَمَّد بن سبا أَكثر من أَن تحصر وَتُوفِّي على السِّيرَة المرضية من سير الْمُلُوك وَذَلِكَ سنة ثَمَان واربعين وَقيل تسع واربعين وَقيل خمسين وَخَمْسمِائة

وَقَامَ بِالْملكِ بعده ابْنه عمرَان ولقب بالمكرم فاقتفى طَرِيق ابيه مَعَ زِيَادَة لائقة وأخلاق رائقة وَمَكَارِم فائقة وعَلى الْجُمْلَة فمكارمه يبعد إحصاؤها ويشق استقصاؤها وَرُبمَا قد ذكرت مَعَ ذكر الأديب العندي مَا يدل على ذَلِك وَلما قَامَ بَنو مهْدي واستولوا على الْبِلَاد صَالحهمْ عَن بِلَاده بمبلغ يحملهُ لَهُم لَا أعلمهُ وَكَانَ المادحون لَهُ كثيرا واكثرهم مدحا الاديب ابو بكر العندي مقدم الذّكر فِي الْفُقَهَاء والفضلا فَمن مدائحه فِيهِ ومكارمه الْوَاصِلَة اليه مَا رَوَاهُ عمَارَة فِي عدَّة قصائد مِنْهَا قصيدة كَافِيَة مطْلعهَا ... حياك يَا عدن الحيا حياك ... وَجرى رضاب لماه فَوق لماك

وافتر ثغرالروض فِيك مضاحكا ... بالبشر رونق ثغرك الضَّحَّاك

ووشت خلائقه عَلَيْك مطارفا ... فاختال فِي حبراتها عطفاك

فَلَقَد خصصت بسر فضل اصبحت ... فِيهِ الْقُلُوب وَهن من سراك ... وَقَالَ فِي الْمَدْح والمخلص اليه ... وعَلى مَا استسقى الحيا بَعْدَمَا ... ضمن المكرم بالندى سقياك

وهمت مكارمه عَلَيْك فصافحت ... عَن كَفه مغنى الْغِنَا مغناك ... وَهِي كَبِيرَة مَشْهُورَة من القصائد الطنانات ذكرت مِنْهَا فِي ذكر الأديب قِطْعَة وافية وَمَا أحسن قَول عمَارَة فِيهِ أورد ذكره لله در الدَّاعِي عمرَان بن مُحَمَّد بن سبا مَا أغزر دِيمَة جوده وَأكْرم نبعة عوده واكثر وَحْشَة فِي هَذَا الطَّرِيق من النظراء واقل موانسة من الْمُلُوك والأمراء

قَالَ وَلَا يكذب من قَالَ إِن الْجُود والوفا مِلَّة عمرَان وانه حاتمها بل خاتمها وَلَو لم يكن من توفيقه الا سَلَامَته من ابْن مهْدي وَكَانَت وَفَاته سنة سِتِّينَ وَخَمْسمِائة فنقله الأديب ابو بكر الى مَكَّة وَدَفنه فِي مقابرها فرحم الله احسحان هَذَا لم يضع عِنْد هَذَا فان اكابر الْمُلُوك يودون الدّفن فِي مَكَّة وَأَن يبذلوا فِي

مُقَابل ذَلِك أَمْوَالًا فَلَا تحصل لَهُم وَهَذَا ايضا دَلِيل آخر على توفيقه

وَمن مآثره الْبَاقِيَة فِي عدن الْمِنْبَر الْمَنْصُوب فِي جَامعهَا واسْمه مَكْتُوب عَلَيْهِ وَهُوَ مِنْبَر لَهُ حلاوة فِي النَّفس وطلاوة فِي الْعين وَتُوفِّي عمرَان عَن ثَلَاثَة أَوْلَاد هم مُحَمَّد وابو السُّعُود وَمَنْصُور كلهم صغَار فِي كَفَالَة الاستاذ ابي الدّرّ المعظمي فِي حصن الدملوة والقائم بعدن وَالْمُدبر لأمر الْبِلَاد الشَّيْخ يَاسر بن بِلَال الَّذِي تقدم ذكره فَلم يزَالُوا كَذَلِك حَتَّى قدم السُّلْطَان شمس الدولة توران شاه بن ايوب وَاسْتولى على عدن وهرب يَاسر الى حصن الدملوة

وَهُوَ يَوْمئِذٍ فِيهِ وَقد قدمت مَا كَانَ فِيهِ وَكَانَ انقضا دولة آل زُرَيْع من عدن وَغَيرهَا بِحَيْثُ لم يبْق الا الدملوة بيد ابي الدّرّ حَتَّى بَاعهَا من سيف الاسلام كَمَا قدمنَا لبضع وَسبعين وَخَمْسمِائة

ثمَّ لم يبْق الا اعيان دولتهم اولهم الشَّيْخ السعيد بِلَال الْمُقدم ذكره وَإِن وَفَاته سنة سِتّ اَوْ سبع واربعين وَخَمْسمِائة وَهُوَ الَّذِي انشأ الأديب العندي كَمَا قدمت ذَلِك مَعَ ذكره ثمَّ اسْتخْلف السُّلْطَان مُحَمَّد بن سبأ بعد أَبِيه مدافع ثمَّ أَخُوهُ ابو الْفرج يَاسر بن بِلَال فاقام مَعَه ثمَّ مَعَ وَلَده وَكَانَ رجلا كَبِير الْقدر شهير الذّكر ممدحا يثيب المادحين وَلَا يخيب القاصدين

وَقد ذكر عمَارَة فِي اخبار الشُّعَرَاء نبذة من أخباره وَله الْمَسْجِد الْمَعْرُوف بعدن بِمَسْجِد ابْن الْبَصْرِيّ اذ كَانَ يعاني الْقيام بِهِ ثمَّ انه خرج من الدملوة وَدخل ذَا عدينة متنكرا وَمَعَهُ مَمْلُوكه مِفْتَاح الملقب بالسداسي فَحصل من همز عَلَيْهِ اهل الدولة فَقبض وَاعْلَم بِهِ شمس الدولة فَأمر بشنقه وشنق مَعَه

عَبده وَقيل أَمر بتوسيطهما فَفعل ذَلِك بهما وَذَلِكَ سنة 571 وَاحِد وَسبعين وَخَمْسمِائة وَكَانَ هَذَا آخر وزرائهم

قَالَ عمَارَة وبنوا الْكَرم يَعْنِي وَالِد الْعَبَّاس ومسعود اللَّذين ولاهما المكرم يعْرفُونَ بَال الذِّئْب وهم بعد بني الصيلحي بَقِيَّة الْعَرَب بِالْيمن وَقد ذكرت مَعَ ذكرهم جَوْهَر لانفصاله من الدملوة

وَلم يبْق الا ذكر مُلُوك الْحَبَشَة قد تقدم ذكر من لاصقت ايامه لأيام موَالِيه ثمَّ من دناهم لنجاح وابنيه سعيد وجياش

قَالَ عمَارَة وهم وَإِن كَانُوا حبشة فَلم يكن مُلُوك الْعَرَب تفوقهم فِي الْحسب لَكِن فِي النّسَب والا فَلهم الْكَرم الباهر والعز الظَّاهِر وَالْجمع بَين الوقائع الْمَشْهُورَة والصنائع الْمَذْكُورَة والمفاخر المأثورة وَفِيهِمْ فضلا ومحبون لَهُم وَيَأْتِي ذكر المستقلين ثمَّ الَّذين غلبهم وزرائهم وَلَك مَا تحققته من كتب التَّارِيخ

قَالَ عمَارَة كَانَ جياش ملكا يلقب بِالْملكِ الْعَادِل أَبُو الطامي وَكَانَ فَاضلا بِالْعلمِ وَله شعر رائق وَقَالَ عمَارَة ايضا رَأَيْته يَعْنِي شعره مجلدا ضخما وَله ترسل متوسط بعيد من الكلفة وَرَأَيْت مِنْهُ عدَّة مجلدات هَكَذَا قَالَ عمَارَة وَهُوَ مُصَنف كتاب الْمُفِيد فِي اخبار زبيد وَهُوَ كتاب متسع فِي الافادة وَفِي رسَالَته الَّتِي كتبهَا الى معلم وَلَده مَا يدل على كَمَاله وَهِي

الْأَمَانَة ديانَة تحرم فِيهَا الْخِيَانَة والمرء مُرْتَهن بِعَمَلِهِ لمقادة فَإِن راعي فمرعى وان اضاع فمجزى وَقد رَأَيْت انتدابك اذ انك اجل لحالك فَكُن ايدك الله عِنْد ظَنِّي بك علمك أَنِّي اتيتك بضعَة مني ولنوط الذَّهَب ذهبت الى نوط الْأَمَانَة بك والحازم يُوصي بِالْمَالِ من قبله وانا اوصيك بِمن اكْتسبت المَال لَهُ استصفيتك فاصف ذهنك بوصايتي واستكفيتك فِيمَا أثرتك بِهِ عَن كفايتي فَخذه بالتعبيس والابتسام وَعلمه وقار الْقعُود وَعدل الْقيام ولاتسامه بطول الْمكْث بَين يَديك وَلَا ترخى لَهُ فِي الأبطا أَن استأذنك وروضه بالصلوات فِي أَوْقَاتهَا ليتمرن على أَدَاء

مفترضاتها وَعلمه اسباغ الْوضُوء من ابتدائها الى انتهائها وَإِذا اراد الْكِتَابَة فشق قلمه وصور لَهُ وضع الْخط بمثال التَّصْوِير فِي موَاضعه وَعلمه الْفرق بَين الواوات والقافات وَعلمه ثلث نسبه المختلفات ليسلم لَهُ سلوك الصَّنْعَة م الأفات وَلَا تقبل من دواته الا الاصلاح وَمن اقلامه غيرالعقد الصِّحَاح وَعلمه كتاب الله فَإِنَّهُ الْحَبل المتين وَلَا ترخص لَهُ فِي نسيانه فَإِنَّهُ الخسران الْمُبين وَعلمه قراة ابي عَمْرو فَإِنَّهَا اشهر الْقرَاءَات فِي البدو والحضر واختر لَهُ مَذْهَب الشَّافِعِي الشَّيْخ مُحَمَّد بن ادريس رَحْمَة الله عَلَيْهِ فَإِذا بَلغنِي فِيهِ المأمول جزيتك الْحسنى بِمَشِيئَة الله وَالله يبلغنَا واياك ويسعد عقبانا وعقباك وَالسَّلَام الجزيل على الْمُؤَدب الْجَلِيل وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته وَمن شعره الْحكمِي قَوْله

. .. إِذا كَانَ حلم الْمَرْء عون عدوه ... عَلَيْهِ فان الْجَهْل أبقى واروح

وَفِي الصفح ضعف والعقوبة قُوَّة ... إِذا كنت تَعْفُو عَن كفور وتصفح ... قَالَ عمَارَة وَمِمَّا اجاد فِيهِ قَوْله ... كثيب نقا من فَوْقه خوط بانة ... باعلاه بدر فَوْقه ليل ساهر ... وَأما مفيده فعزيز الْوُجُود وَلَقَد ذكرت فِيمَا تقدم ان الْفَقِيه ابا بكر بن جَعْفَر بن عبد الرَّحِيم الظرافي كَانَ بِصُحْبَتِهِ وَنزل اليه من الْجند الى زبيد يناظر الْحَنَفِيَّة

وَلم يزل جياش مرضى القَوْل وَالْفِعْل حَتَّى كَانَ من قَتله القَاضِي الْحسن ابْن ابي عقامة مقدم الذّكر مِمَّا قد مضى ذكره فنفر عَنهُ النَّاس ووبخوه فَمِمَّنْ لامه فِي ذَلِك واظهر اللوم عَلَيْهِ الْحُسَيْن بن عَليّ القم بقوله ... أَخْطَأت يَا جياش فِي قتل الْحسن ... فقأت وَالله بِهِ عين الزَّمن ... وَقد تقدم من ذَلِك فِي ذكر الْحسن مَا يُغني عَن اعادته هُنَا وَإِنَّمَا استعظم

ذَلِك من جياش لكَونه كَانَ مَوْصُوفا بِالْعَدْلِ والحلم مُعظما للْعُلَمَاء مجللا لَا سِيمَا لِابْنِ ابي عقامة الَّذِي قَتله لفضله وَلِأَنَّهُ كَانَ اُحْدُ الاسباب لجياش فِي اخذ الْملك وَلم يزل جياش مَالِكًا لتهامة الى ان توفّي فِي شهر الْحجَّة آخر سنة ثَمَان وَتِسْعين واربعمائة وَقيل كَانَت وَفَاته برمضان سنة خَمْسمِائَة فخلفه ابْنه الفاتك امهِ الْهِنْدِيَّة فَلبث الى سنة ثَلَاث وَخَمْسمِائة وَتُوفِّي عَن ابْن صَغِير يُسمى منصورا ملكته عبيد الفاتك ابيه واقاموا لَهُ وزيرا وَاحِدًا مِنْهُم يُقَال لَهُ انيس فَلم يزل على ذَلِك حَتَّى بلغ مَنْصُور مبالغ الرِّجَال وَرَأى ان انيسا قد غَلبه على الْأَمر وَلَيْسَ لَهُ من الْأَمر سوى النواميس الظَّاهِرَة من ضرب السِّكَّة وَالْخطْبَة لَهُم بعد بني الْعَبَّاس ثمَّ شمخت نَفسه وَجعل ذَلِك باسمه وَركب المظلة وهم بقتل مَوْلَاهُ فَفطن لذَلِك وَجَمِيع موَالِي فاتك فدبروا حِيلَة على قَتله فَعمل مَنْصُور طَعَاما ودعى وُجُوه دولته وانيس من جُمْلَتهمْ فَقبض عَلَيْهِ وَقطع رَأسه معجلا فَكَانَ انيس أول وَزِير فِي الحبشه طَغى وتجبر وَأول وَزِير قتل جَهرا وَذَلِكَ فِي سنة 517 ثمَّ استوزر من الله الفاتكي وَكَانَ من كرام الوزراء واعيانهم فِي الشجَاعَة وَالْكَرم واثابه الشُّعَرَاء والقاصدين بِمَا يَلِيق

ثمَّ ان السُّلْطَان منصورا اشْترى الْحرَّة علم من وَرَثَة أنيس فحظيت عِنْده وَكَانَت من اهل الْعُقُول والأديان فعلقت مِنْهُ اببن سَمَّاهُ فاتكا وَجعل الله فِيهَا من الْخَيْر والسداد والتوفيق وَالْبركَة لمسلمين مَا تجَاوز حد الْوَصْف بِحَيْثُ لم يُوجد مثل ذَلِك فِي كثير من الرِّجَال كَيفَ فِي النِّسَاء وَذَلِكَ انها كَانَت تجهز الْحَاج بالخفارة والزاد من زبيد الى مَكَّة فِي أَمن من الأخطار والمكوس وَكَانَت كَثِيرَة الْحَاج وَالصَّدَََقَة كَانَ فِيهَا تسديد الْملك بِحَيْثُ وكل اليها سَيِّدهَا تَدْبِير ملكه وَكَانَ

لَا يقطع هُوَ وَلَا اُحْدُ من أهل الدولة أمرا دون مراجعتها وَلم يزل ذَلِك من عَادَتهَا حَتَّى توفيت وَكَانَت ايضا تكرم الْفُقَهَاء والعباد وتحترمهم وَلذَلِك كَانَت تسَامح ابْن مهْدي حِين بلغَهَا اجْتِهَاده فِي الْعِبَادَة وَرُبمَا بلغَهَا بِنَفسِهِ وَتعرض لَهَا فِي الْحَج وسألها ان تسامحه وَأَهله بِمَا عِنْدهم من الْأَرَاضِي بقريتهم فاجابتهم الى ذَلِك وَمِنْه اكتسبوا الْخُيُول وَالْأَمْوَال كَمَا سَيَأْتِي وَكَانَت وفاتها على الْحَال المرضى أحد شهور سنة خمس واربعين وَخَمْسمِائة وَلم أوغل بذلك لإكمال ذكرهَا الا حَيْثُ عرض ابتداها لِئَلَّا يعرض آخر فَاحْتَاجَ زِيَادَة بَيَان

ثمَّ لم يبْق إِلَّا الْعود الى تَتِمَّة ذكر الْمُلُوك والوزراء وَقد ذكرت اولا قيام من الله وَزِير الابْن سَيّده مَنْصُور ثمَّ بعد ذَلِك شمخت نَفسه على الوزراء وسمت إِلَى الْملك فقلته بالسم وَجعل الْملك لوَلَده فاتك الَّذِي من الْحرَّة علم وَهُوَ اذ ذَاك طِفْل وَتُوفِّي مَنْصُور وَأَبوهُ عَن اكثر من الف سَرِيَّة جعل الْوَزير يتَّصل بِهن وَاحِدَة بعد اخرى حَتَّى لم يسلم مِنْهُنَّ غير الْحرَّة علم ويسير من خواصهن اعتزلوا مَعهَا فِي دارها وَلم يجْعَلُوا لَهُ تطرقا اليهن بِوَجْه من الْوُجُوه وَلَا بِسَبَب من الْأَسْبَاب وَلم يقنع بالسراري حَتَّى تعرض للبنات الْأَبْكَار بَنَات موَالِي هفشق ذَلِك على ساير العبيد وعَلى الْحرَّة وَلم يقدر أحد على دَفعه اذ كَانَ شجاعا مهيوبا وَله وقائع مَشْهُورَة فَقَالَت احدى الحظايا الَّتِي سلمن أَنا احتال لكم فِي قَتله فَإِن لم اقتله فضحنا فِي نفوسنا واولادنا وَقد راسلها فَأَبت فَلَمَّا عزمت عَليّ الامر راسلته ففرح وَقَالَ لرسولها قل لَهَا هَل آتيها أم تَأتِينِي فَقَالَت قدرَة أجل عَليّ بل أَنا آتيه ثمَّ أخذت خرقَة لطختها بِسم قَاتل ووصلت اليه لَيْلًا فحين خلى بهَا جَامعهَا فَلَمَّا فرغ مسحت مذاكيره بالخرقة فَوَقع من فوره مَيتا وَخرجت مسرعة فلحقت بِالْحرَّةِ

وَدخل اليه فدفنه ابْنه فِي اصطبل دَاره وغيب قَبره وَذَلِكَ لَيْلَة السبت خَامِس جمادي الاولى من سنة 524 وَكَانَ لَهُ ولد جيد وَلم يكن فِي من الله خصْلَة يذم بهَا غير فسقه بِالنسَاء وَهُوَ أول من اغنى فُقَهَاء المذهبين بِالصَّدَقَةِ ومدحته الشُّعَرَاء وَكَانَ يثيبهم ثَوابًا جزيلا وَهُوَ الَّذِي درب زبيد بعد ابْن سَلامَة واذا اردت تَحْقِيق ذَلِك فَانْظُرْهُ فِي مُفِيد عمَارَة فانني اختصرت كثيرا لَكِن بِشَرْط ان مَا ذكرت دَلِيلا على مَا لم اذكره صَرِيحًا ومفهوما وَكَانَت وَفَاة من الله على الْحَال الْمُتَقَدّم من التَّارِيخ الْمُتَقَدّم فَلَمَّا كَانَ بعد ذَلِك جعلت الْحرَّة على الوزراء الْقَائِد زُرَيْق وَكَانَ كَرِيمًا شجاعا وَكَانَ غَالب كرمه على الشُّعَرَاء وَلم يكن لَهُ نَفاذ فِي سياسته وتدبير الْعَسْكَر والمملكة وَلَا باقامة نواميس السلطنة فاقام يَسِيرا واستقال فَجعل مَكَانَهُ

مُفْلِح الفاتكي وَكَانَ سحرتيا يكنى بَابي مَنْصُور بِابْن لَهُ كَانَ من اعيان النَّاس وأكابر الْفُقَهَاء وَقد ذكرته مَعَ ذكرهم وَكَانَ كَرِيمًا على الشُّعَرَاء

وَفِي أَيَّامه قدم ابو الْمَعَالِي بن الْحباب من الديار المصرية ومدحه بقصيدة فَلَمَّا قَامَ بهَا أجَازه بِخَمْسِمِائَة دِينَار ثمَّ مدح ابْنه منصورا الْمَذْكُور فأثابه بثلثمائة دِينَار وَحمله الى مَكَّة وَقد ذكرت ذَلِك مَعَ ذكر فُقَهَاء زبيد ثمَّ حصلت وَحْشَة بَينه وَبَين الْقَائِد سرُور الْآتِي ذكره فاحتال سرُور على اخراجه من زبيد فَخرج وَلحق بالجبال وَسكن حصنا من جبل برع يُقَال لَهُ الكرشي وَجعل يفادي تهَامَة ويراوحها بالغارات وَكَانَت لَهُ وقعات مَعَ سرُور تمت الدائرة لسرور عَلَيْهِ وَمَات

بالحصن الْمَذْكُور سنة سبع وَعشْرين وَخَمْسمِائة ثمَّ خَلفه ابْنه مَنْصُور فحارب الْقَائِد سُرُورًا مُدَّة والقائم بالوزارة يَوْمئِذٍ اقبال الفاتكي فَلَمَّا طَال ذَلِك تَأَخّر عَن مَنْصُور اصحابه وخذلوه فكاتب اقبالا الفاتكي فامنه وَعَاد زبيد على الْأمان من السُّلْطَان والوزير فَلَمَّا وصل خلع عَلَيْهِ الْوَزير وانزله دَار ابيه ثمَّ قبض عَلَيْهِ من الْغَد وَقَتله لَيْلًا فَغَضب عَلَيْهِ االسلطان والقائد سرُور لذَلِك فتلطف بالاعتذار وَقتل سَيّده بالسم فِي شعْبَان سنة احدى وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة وَلم يكن لَهُ عقب فاتفق رَأْي اعيان الدولة على ابْن عَم لَهُ اسْمه فاتك ابْن مُحَمَّد بن فاتك ابْن السُّلْطَان الْمُتَقَدّم الذّكر بن الْملك جياش وَكَانَ ضَعِيف الْعَزْم ثمَّ انه لم يقم للوزير اقبال بعد قَتله لسَيِّده حَال يرتضى وَكَانَ قد نَشأ فِي دَار الْملك فاتك بن مَنْصُور وَأمه الْحرَّة علم رجال واستاذون اشترتهم الْحرَّة وربتهم فَمن فحولهم سرُور

قَالَ عمَارَة وَهُوَ أَمِير الْقَوْم من حِين نشأوا وصاروا الْوَزير مَعَهم أَجْنَبِيّا وَعظم بهم وَعز جَانب مولاتهم الْحرَّة وَكَانُوا يَتَكَلَّمُونَ على لِسَان الْحرَّة وَالسُّلْطَان فاستمالوا خلقا كثيرا من لفارس والراجل وهم الَّذين اخْرُجُوا مفلحا وَجعلُوا اقبال مَكَانَهُ وَلما تحققوا مِنْهُ قتل سيدة وسيدهم جعلُوا الوزارة وَالتَّدْبِير بيد الْقَائِد سرُور فَكَانَ بِهِ ختام ملكهم ووزرائهم

قَالَ عمَارَة وَإِن جعلت ذكره ختامهم فَهُوَ فيالتحقيق أمامهم وَهُوَ سرُور الفاتكي نِسْبَة الى ولد الْحرَّة وَنسبه بطن من الْحَبَشَة يُقَال لَهُ امحرة وَقد ذكرت أَن الْحرَّة اشترته من جملَة جمَاعَة استاذين فحول

قَالَ عمَارَة فربت هَذَا سرُور تربية خَاصَّة فِي حجرها ثمَّ لم يلبث أَن شب فولته المماليك وَالتَّدْبِير بِجَمِيعِ الدَّار والترأس على من كَانَ فِيهِ فَكَانَ موفقا مُسَددًا ثمَّ ولى العرافة على طَائِفَة من الْجند شملهم بالاحسان والصفح ثمَّ ولى الترسل

بَين السُّلْطَان والوزراء فاستغنى بِهِ عَن الأزمة والأستاذين وَكَانَ زِمَام الدَّار يَوْمئِذٍ خَادِم يُقَال لَهُ صَوَاب كَانَ رجلا مُبَارَكًا يمِيل الى الدّين وَالْعِبَادَة واذا قيل لَهُ قد أَخذ سرُور مَكَانك قَالَ أَبُو مُحَمَّد سرُور هُوَ صَاحب الْأَمر وَالنَّهْي عَليّ وَعَلَيْكُم وعَلى مولاتنا وَلَيْسَ نخرج عَن طَاعَته وَهُوَ أهل ان يتقلد أمورالناس فِي الثَّوَاب وَالْعِقَاب ثمَّ ترقت بِهِ الْحَال الى أَن خرج اقبال عَن الوزارة وَصَارَ مَكَانَهُ لأمور كَثِيرَة يطول شرحها اسْتحق بهَا التقدمة وَلما كَانَ امْرَهْ كَذَلِك اتجه ان اذكر شَيْئا من احواله اللائقة

قَالَ عمَارَة كَانَ يخرج من بَيته الى مَسْجده بعد نصف اللَّيْل أَو ثلثه وَكَانَ من اعْلَم النَّاس بالمنازل فاذا قيل لَهُ كَيفَ تخرج بِهَذَا الْوَقْت قَالَ إِنَّمَا اخْرُج فِيهِ لعَلي اجد من اهل البيوتات وارباب السّتْر لَا يقدر على الْوُصُول الي بِالنَّهَارِ اما لِكَثْرَة النَّاس اَوْ لفرط الْحيَاء ثمَّ اذا صلى الصُّبْح ركب اما الى فَقير يزوره أَو صَالح اَوْ مَرِيض يعودهُ اَوْ ميت يحضرهُ أَو عقد نِكَاح يشهده ثمَّ لَا يخص بذلك أحدا بل يَفْعَله على الْعُمُوم وَمن دَعَاهُ اجابه كَبِيرا كَانَ اَوْ صَغِيرا وَكَانَ المتظلم من الرّعية يجفو عَلَيْهِ ويفحش لَهُ بالْقَوْل وَهُوَ أَمن من غَضَبه وَمَتى استدعى الى مجْلِس الحكم حضر وَلم يُوكل كَمَا يفعل الْجَبَابِرَة وان كَانُوا اصاغرا ثمَّ كَانَ مَتى حضر قعد بَين يَدي الْحَاكِم تواضعا ودخولا لأوامر الشَّرْع وليقتدى بِهِ من سواهُ وَكَانَ محبا للفضلا وَالْعُلَمَاء وان مَتى عَاد بعد الرّكُوب وصل الى دَار السُّلْطَان وَيدخل فَيسلم ثمَّ يقف بِبَاب السُّلْطَان فَيَقْضِي حوائج النَّاس على أكمل الاحوال ثمَّ كَانَ وَقت الغدا ذهب الى بَيته فَقعدَ فِيهِ حَتَّى الزَّوَال ثمَّ يخرج الى الْمَسْجِد فَلَا يشْتَغل بِشَيْء بعد الْفَرِيضَة غير المسندات الصَّحِيحَة عَن الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى الْعَصْر فيصليه وَيدخل دَاره يقْعد حَتَّى الْغُرُوب ثمَّ يخرج الى الْمَسْجِد فاذا صلى الْمغرب تناظر الْفُقَهَاء بَين يَدَيْهِ حَتَّى الْعشَاء فيصليه وَرُبمَا يُطَالب المناظر

اَوْ يطيلهاوركب حمارا واخذ وصيفا بَين يَدَيْهِ وَسَار حَتَّى يدْخل على الملكة الْحرَّة ويشاورها فِي بعض المهام وَلم يزل على عَادَته حَتَّى قتل بمسجده فِي الرَّكْعَة الثَّالِثَة من صَلَاة الْعَصْر يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشر رَجَب سنة احدى وَخمسين وَخَمْسمِائة قَتله رجل من اصحاب ابْن مهْدي يُقَال لَهُ محرم ثمَّ قتل من عشيته بعد قتل جمَاعَة ومسجده الى الان يعرف بِمَسْجِد سرُور غربي مرباع العجور بِمَدِينَة زبيد وَلَا يكَاد يعرف من هُوَ سرُور الا آحَاد النَّاس وَغَيرهم

وَأما أهل زبيد فيعرفون أَنه من الْمَسَاجِد المنسوبة الى الْحَبَشَة وَأما احواله المختصة بالدنيا وتدبيرها فَكَانَ من عاداته انه يخرج من زبيد فِي آخر شعْبَان فيصوم رَمَضَان بالمهجم فَيكْشف احوالها وَيصْلح أَعمالهَا وَجَمِيع الْأَعْمَال الشامية وَكَانَت نفقاته وصدقاته تتسع فِي رَمَضَان اتساعا يُجَاوز الْحَد وَالْوَصْف بِحَيْثُ كَانَت وَظِيفَة مطبخه فِي كل يَوْم من رَمَضَان الف دِينَار ثمَّ فِي آخر شَوَّال يعود بزبيد فَإِذا صَار على قرب مِنْهَا احتفل النَّاس بلقائه وَخَرجُوا عَن الْبَلَد على اخْتِلَاف طبقاتهم ويقفون لَهُ على تل عَال فاول من يسلم عَلَيْهِ الْفُقَهَاء الشَّافِعِيَّة وَالْحَنَفِيَّة والمالكية وَحين يراهم يترجل وَيسلم عَلَيْهِم وَاحِدًا ثمَّ لَا يترجل لأحد بعدهمْ ثمَّ يَجِيء بعدهمْ التُّجَّار فيسلمون ثمَّ الْعَسْكَر ثمَّ يدْخل من فوره دَار السُّلْطَان فَيَقْضِي حق السَّلَام ثمَّ يخرج الى دَار مولاته الْحرَّة فحين يدْخل عَلَيْهَا مجلسها يتفرق من حولهَا حَتَّى لَا يبْقى الا جَارِيَة من خواصها تسمى غزال وَهِي أُخْت زَوجته ثمَّ جاريتان لمولاها كن يَمْشين على منوالها فِي الْخَيْر وَالصَّلَاح وَكَانَ اذا دنى مِنْهَا نزلت من السريراكراما لَهُ وتجليلا ثمَّ تَقول لَهُ

انت يَا أَبَا مُحَمَّد وزيرنا بل مَوْلَانَا بل رجلنا الَّذِي لَا يحل لنا ان نخرج عَن طَاعَتك فِي شَيْء فيضج بالبكاء بَين يَديهَا ويعفر خَدّه الأَرْض حَتَّى تتولى رَفعه بِيَدِهَا ثمَّ يتأخرن الثَّلَاث النسْوَة عَن قربهم ويقفن طرف الْمجْلس بِحَيْثُ لَا يسمعن مَا يَقُولَانِ فيحدثها باموره الْمَاضِيَة والمستقبلة ثمَّ لَا يزَال بَين يَديهَا حَتَّى يقوم الى صَلَاة الظّهْر فيروح الى مَسْجده وَهُوَ على بَاب دَاره فيجده لَا يَتَّسِع لِكَثْرَة النَّاس الَّذين لَا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوج الى لِقَائِه فَيسلم عَلَيْهِم وَيُصلي الظّهْر ثمَّ يدْخل بَيته

قَالَ عمَارَة رَأَيْت جَرِيدَة الصَّدَقَة الْمُعْتَادَة فرايت ان مبلغ مَا يَدْفَعهُ للفقهاء والقضاة والمتصدرين لأمر الحَدِيث والنحو واللغة وَعلم الْكَلَام وَالْفُرُوع والمدرسين والمفتين اثْنَا عشر الف دِينَار وَذَلِكَ فِي كل سنة وَمَا يُعْطِيهِ لحواشي الدَّار واعيان الدولة من الأزمة والجهات والوصفان عشرُون الف دِينَار وَغير ارزاقهم المستمرة مَا يعمله الى بَيت مولاته

الْحرَّة وحواشيها وَمن يلوذ بهَا على وَجه الْهَدِيَّة خَمْسَة عشر الْفَا وَبِالْجُمْلَةِ واخباره فِي الْكَرم والشجاعة وَالْعدْل يطول شرحها وَقد اورد عمَارَة من ذَلِك مَا هُوَ مَشْهُور فليطلب ذَلِك مريده من مفيده مَعَ اني قد أطلت فِي ذكره بِخِلَاف غَيره لما رَأَيْت من اسْتِحْقَاقه وَذَلِكَ اني مَتى تحققت خير انسان ذكرت من محاسنه مَا يُنَبه عَن الْبَعْض الْمَتْرُوك

وَمن اعيان دولة الْحَبَشَة وَزِير جياش وَهُوَ خلف بن بن أبي طَاهِر الْأمَوِي كَانَ من افراد الدَّهْر نبْلًا وفضلا وَصَحب جياشا حَتَّى نَالَ الْملك وَدخل مَعَه الْهِنْد وعاهده ان الْأَمر اذا عَاد اليه قاسمه اياه فَلَمَّا عَاد إِلَيْهِ استوزره وَسَماهُ قسيم الْملك وَلم يزده على الِاسْم ولولاه مَا تمّ لجياش مَا تمّ ثمَّ حصلت الوحشة بَينه وَبَين جياش فهرب فَكتب اليه يستعطفه ويستخبر عَن احواله فاجابه بِشعر هُوَ

. . اذا لم يكن ارضي لعرضي معزة ... فلست وان نادت إِلَيّ أجيبها

وَلَو انها كَانَت كروضة جنَّة ... من الطّيب لم يحسن مَعَ الذل طيبها

وسرت الى ارْض سواهَا تعزني ... وَإِن كَانَ لَا يعوى من الجدب ذيبها ... وَقد تَأَمَّلت دولة الْحَبَشَة فِي الابتدا والانتها فَرَأَيْت ابتدائها رجل مبارك وَهُوَ الْحُسَيْن ابْن سَلامَة وختامها رجل مثله وَهُوَ هَذَا سرُور

وَلما قتل سرُور تنافس القواد واعيان الدولة على مَوْضِعه وَاشْتَغلُوا من تَدْبِير الْملك وتحصين بيضته بذلك فَابْن مهْدي قد طلع عَن بَلَده العنبرة بعد موت الْحرَّة بالتاريخ المقتدم الى الْجَبَل وتحصن بحصن يُقَال لَهُ الشّرف وَهُوَ اُحْدُ حصون وصاب المخلاف الْمَشْهُور من بِلَاد الْيمن فَلم يزل يُكَرر الْغَزْو ويضعف الْبَوَادِي الَّتِي حول زبيد حَتَّى أخلى أَهلهَا عَنْهَا وَلم يبْق غير الْمَدِينَة فَأَخذهَا وَذَلِكَ بعد أَن لَاذَ الْحَبَشَة بالشريف احْمَد بن سُلَيْمَان الرسي صَاحب صعدة وسئلوه ان ينصرهم على ابْن مهْدي فَقَالَ لَا افْعَل اَوْ تقتلُوا مولاككم فاتكا فَفَعَلُوا ذَلِك وَعجز الشريف عَن نَصرهم ليقضي الله أمرا كَانَ مَفْعُولا وَكَانَ ذَلِك سنة 553 فَلَمَّا تَيَقّن ابْن مهْدي ذَلِك تقرب الى زبيد فحقق الْحصار عَلَيْهَا وَذَلِكَ فِي رَجَب سنة 554

وَهَذَا بدايته ونهايته على طَرِيق الِاخْتِصَار فَهُوَ ابو الْحسن عَليّ بن مهْدي بن مُحَمَّد عَليّ بن دَاوُد بن مُحَمَّد الرعيني ثمَّ الْحِمْيَرِي اصل مولده قَرْيَة العنبرة بساحل زبيد وَقد تقدم ضَبطهَا مَعَ ذكر الْفُقَهَاء حِين ذكر فُقَهَاء عنبرة سِهَام وَكَانَ ابوه رجلا

صَالحا سليم الصَّدْر وَنَشَأ ابْنه هَذَا على طَرِيقه كثيرا لعزله متمسكا بِالْعبَادَة ثمَّ كَانَ يخرج الى الْحَج فَيَأْتِي حَاج الْعرَاق وعلماؤه ووعاظه فيتضلع من علومهم ومعارفهم ثمَّ مَتى عَاد الْيمن اعتزل النَّاس وَأظْهر الْوَعْظ والتحذير من صُحْبَة الْمُلُوك وحواشيهم وَكَانَ فصيحا صبيحا اخضر اللَّوْن مليح الْخَدين طَوِيل الْقَامَة حسن الصَّوْت بَين عَيْنَيْهِ سَجْدَة طيب النقمَة حُلْو الايراد غزير المحفوظات قَائِما بالوعظ وَالتَّفْسِير وَطَرِيق الصُّوفِيَّة وَرُبمَا تكلم بِشَيْء من الْأُمُور الَّتِي هِيَ مُسْتَقْبلَة فَيكون كَمَا ذكر فَصَارَ ذَلِك من أقوى الْعدَد لوصوله الى مقْصده فِي استماله قُلُوب الْعَالم فَأول مَا ظهر امْرَهْ بالقرى الَّتِي هِيَ سفل وَادي زبيد أَولهَا العنبرة والقضيب والأهواب والمقتفى وواسط وَمَا قاربها من الْأَمَاكِن وَصَارَ لَهُ ذكر فِي الصّلاح وَالْعِبَادَة والمكاشفة والوعظ وَصَارَ يفتقد اهل هَذِه الْأَمَاكِن بالوعظ وَلَا يقبل مِنْهُم هَدِيَّة وَلَا صَدَقَة وَكَانَ رَقِيق الْقلب قريب الدمعة غزيرها وَكَانَ مُبْتَدأ ظُهُوره سنة احدى وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة على الْحَال الْمُتَقَدّم من الْعِبَادَة والزهادة والوعظ وتنفير الْعَالم عَن الْمُلُوك والعسكر ثمَّ مَتى دنى الْحَج خرج حَاجا على نجيب وَثَبت لَهُ بذلك عِنْد الْحرَّة ام فاتك مكانة فاطلقت لَهُ من سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ خراج ارضه واراضي من يلوذ بِهِ من قريب وصحيب فَلم يمض لَهُم مُدَّة حَتَّى صَارُوا أهل خُيُول صاهلة وَعدد للحرب باهرة وفراسة ظَاهِرَة فَكَانُوا فِي ركُوب الْخَيل على مَا قَالَ عمَارَة كَمَا قَالَ الشَّاعِر وَهُوَ المتنبي

. .. فَكَأَنَّمَا نتجت قيَاما تَحْتهم ... وكأنما ولدُوا على صهواتها ... ثمَّ انه حَالف قوما من أهل الْجبَال وَصعد اليهم بِمن اجْتمع مَعَه من اهل تهَامَة وَجمع نَحوا من اربعين الْفَا وَقصد بهم الكدري فَلَقِيَهُ يَوْمئِذٍ صَاحبهَا الْقَائِد اسحاق فَهَزَمَهُمْ وَقتل جمعا من اصحابه سنة ثَمَانِي وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة ثمَّ انه

اقام فِي الْجبَال الى سنة احدى واربعين وَكَانَت الْحرَّة يتذلل ويتلطف وسألها ذمَّة لَهُ ولأصحابه وان تَأذن لَهُ فِي الْعود الى وَطنه فأجابته الى ذَلِك على كره من اعيان الدولة وَغَيرهم ليقضي الله أمرا كَانَ مَفْعُولا ثمَّ اقام يشْتَغل فِي أرضه وَحصل بذلك اموالا جليلة لعدم الْخراج وَكَانَ يَقُول فِي وعظه ايها النَّاس دنى الْوَقْت ازف الْأَمر فَلَمَّا توفيت الْحرَّة بالتاريخ الْمُتَقَدّم عِنْد ذكرهَا بَايع جمعا من النَّاس فِي قَرْيَة يُقَال لَهَا الْقَضِيب بقاف مَضْمُومَة بعد الف وَلَام وضاد مَفْتُوحَة مُعْجمَة وياء مثناة من تَحت سَاكِنة وباء مُوَحدَة وَذَلِكَ سنة سِتّ واربعين وَخَمْسمِائة على الْجِهَاد بَين يَدَيْهِ لأهل الْمُنكر وهم الْحَبَشَة وَمن عاضدهم من الْعَرَب واكثرهم عك وامرهم بقتل من خَالفه وان كَانَ من قومه اَوْ قَومهمْ وَلما كملت مبايعته لَهُم قَامَ فيهم خَطِيبًا فَقَالَ من جملَة خطبَته وَالله مَا جعل فَنًّا الْحَبَشَة الابي وبكم وَعَما قَلِيل انشاء الله سَوف تعلمُونَ وَالله الْعَظِيم رب مُوسَى وابراهيم اني عَلَيْهِم ريح عَاد وصيحة ثَمُود فَإِنِّي أحدثكُم فَلَا أكذبكم وأعدكم فَلَا أخلفكم وَلَئِن كُنْتُم أَصْبَحْتُم الْيَوْم قَلِيلا لتكثرن أَو وضيعا لتشرفن أَو أذلا لتعزن حَتَّى تصيروا مثلا فِي الْعَرَب والعجم ليجزي الله الَّذين أساوا بِمَا عمِلُوا وَيجْزِي الَّذين أَحْسنُوا بِالْحُسْنَى فالأناة الأناة فوحق الله الْعَظِيم على كل مُؤمن موحد لأخذ مِنْكُم بَنَات الْحَبَشَة واخواتهم ولأخولنكم اموالهم واولادهم ثمَّ قَرَأَ وعد الله الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات الى قَوْله أمنا

ثمَّ صعد الْجبَال بِجمع سماهم الْمُهَاجِرين فَقعدَ بِموضع يُقَال لَهُ الداشر لبث بِهِ مُدَّة ثمَّ ارْتَفع الى حصن يُقَال لَهُ الشّرف لبطن من خولان يُقَال لَهُم

خيوان حالفهم وَسَمَّاهُمْ الْأَنْصَار ثمَّ سأظنه بِجَمِيعِ عسكره فاحتجب عَنْهُم وَجعل للمهاجرين نقينا وللأنصار كَذَلِك وسماهما شَيْخي الاسلام وَكَانَ لَا يدْخل عَلَيْهِ غَيرهمَا وَرُبمَا احتجب وَكَانَ يَأْمر بالغزو غدوا ورواحا حَتَّى لم يبْق غير زبيد فَاشْتَدَّ الضَّرَر على أَهلهَا وَخرج غالبهم عَنَّا وَلَا سِيمَا الْفُقَهَاء الشَّافِعِيَّة فَابْن مهْدي كَانَ يكرههم وَقتل بَعضهم فَخَرجُوا الى عدن وَبَعض الى الْجبَال فكاتبه القَاضِي الحفائلي مقدم الذّكر مُكَاتبَة مَشْهُورَة وَإِنَّمَا اشْتَدَّ طمع ابْن مهْدي وضرره من قتل سرُور ثمَّ قتل السُّلْطَان فاتك كَمَا قدمنَا ثمَّ فتح زبيد بعد حروب كَثِيرَة كَانَ ابْن مهْدي فِيهَا من المسرفين الَّذين سعوا فِي الأَرْض الْفساد وَذَلِكَ يَوْم الْجُمُعَة رَابِع عشر من رَجَب من سنة أَربع وَخمسين وَخَمْسمِائة فَلبث بزبيد بَقِيَّة رَجَب ثمَّ شعْبَان ورمضان وَتُوفِّي فِي شَوَّال سابعه فَكَانَ مُدَّة ملكه شَهْرَيْن واحدى وَعشْرين يَوْمًا

ثمَّ خَلفه ابْنه مهْدي فَدفن اباه بِموضع كَانَ قد عينه لوَلَده وَأمر ان يَجْعَل جَامعا وَيُصلي فِيهِ الْجُمُعَة نظيرا لما فعلته الْحرَّة بِذِي جبلة فَفعل ذَلِك وَهُوَ الْموضع الَّذِي فِي مُقَابلَة الْمدرسَة الْمَعْرُوفَة بالميلين الْمَعْرُوف بالمشهد وَمن مآثره الْبَاقِيَة الى عصرنا المنارة وادركته وَقد جعل اصطبلا لبَعض مُلُوك الغز لذَلِك اسرع اندثاره وَلَقَد أذكر الْقُبُور الظَّاهِرَة فِيهِ

وَلما تمهدت لَهُ قَاعِدَة تهَامَة غزا الْبِلَاد فَصَالحه الدَّاعِي عمرَان عَن عدن والدملوة بِمَال قبله وَلم يتَعَرَّض لَهُ وَلَا لبلاده ثمَّ طلع الْجند والمخلاف فَقتل فِي الْجند ونواحيها مَقْتَله عَظِيمَة فغالب قَتْلَى الْجند رماهم البئير الَّتِي فِي الْمَسْجِد وَقتل أهل العربة والذنبتين فاما اهل الذنبتين فَهَرَبُوا مِنْهَا الى قبليها واختفوا باكمة

عراكض فنبه عَلَيْهِم حمَار فطلع لَهُم وَقتل مِنْهُم جمعا كثيرا ثمَّ عَاد الْجند واخرب الْجَامِع وَذَلِكَ سنة 558 ثَمَان وَخمسين وَخَمْسمِائة وَعَاد الى زبيد وَقد اصابته طائرة تفطر مِنْهُ جِسْمه بعد ان ظَهرت فِيهِ شبه احراق النَّار بِحَيْثُ انه لم ينزل من تعز الا بمحفة قد فرشت بالقطن المندوف فَلَمَّا صَار فِي زبيد توفّي مستهل الْقعدَة من السّنة الْمَذْكُورَة وَكَانَ مَعَ كَونه يتمذهب بِمذهب ابي حنيفَة يكفر بِالْمَعَاصِي ويتقل بهَا أَو وَيقتل من خَالف معتقدها وَلذَلِك قتل جمعا من الْفُقَهَاء ويستبيح وطىء نسا من خَالفه فِي المعتقد ويسترق ذَرَارِيهمْ وَيجْعَل دَارهم دَار حَرْب وَكَانَ لَا يَثِق باحد من اصحابه حَتَّى يقتل بعض أَهله ويقرىء عَلَيْهِم لَا تَجِد قوما يُؤمنُونَ بِاللَّه وَالْيَوْم الاخر يؤادون من حاد الله الأية وَكَانَ اصحابه يَعْتَقِدُونَ فِيهِ فَوق مَا يعْتَقد الأخيار بالأنبياء وَكَانَ اذا غضب على رجل من عسكره حبس نَفسه بالشمس وَلم يَأْكُل وَلم يشرب وَلَا يُوصل اليه وَلَا يقتدر اُحْدُ يشفع فِيهِ حَتَّى يرضى ابْتِدَاء وَبِالْجُمْلَةِ فَكَانَ مِمَّن سعى فِي الأَرْض فَسَادًا وَدَلَائِل ذَلِك ظَاهِرَة

وَلما توفّي خَلفه اخوه عبد النَّبِي فَلبث يَسِيرا وخدعه أَخُوهُ عبد الله فَلبث مُدَّة وخلص واستعاد الْملك وغزى الْجبَال وطلع المخلاف وَكَانَ لَهُ وقائع مَشْهُورَة فِي لجج وابين ومخلاف الساعد فِي بني سُلَيْمَان الشرفاء وَسبي ذَرَارِيهمْ وَسَفك دِمَاء الْمُسلمين وَكَانَت دولتهم فِي زبيد خمس عشرَة سنة وَثَلَاثَة اشهر وَثَمَانِية ايام

وَذَلِكَ انها انْقَضتْ ايامهم بقدوم توارن شاه بن ايوب بن شادي بن مَرْوَان الأيوبي ثمَّ الْكرْدِي فالأيوبي نِسْبَة الى وَالِده وَكَانَ يلقب بِالْملكِ الإفضل ويلقب بِأبي الشُّكْر وَبِيَدِهِ قلعة تكريت هُوَ وَأَخُوهُ اسد الدّين شيركوه يديران امرها وَتُوفِّي والدهما بهَا وَولد صَلَاح الدّين بهَا ومولد أَبِيه ايوب باصل بَلَده وبلد أَهله يُقَال لَهَا دوين بِضَم الدَّال الْمُهْملَة وَكسر الْوَاو ثمَّ يَاء مثناة من تَحت ثمَّ نون وَهِي فِي آخر عمل أذربيجان وهم أكراد روادية بطن من الهدبانية

كَانَ دُخُوله زبيد يَوْم الِاثْنَيْنِ تَاسِع شَوَّال سنة تسع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وَكَانَ يلقب بالمعظم وَذَلِكَ بِوَجْه الْقَهْر وَالْغَلَبَة واسر عبد النَّبِي ثمَّ جمَاعَة من قومه ثمَّ توجه الى سَائِر بِلَاد الْيمن فَأخذ عدن وتعز وَسَائِر الْجبَال وَلم يمْتَنع عَلَيْهِ شَيْء من مدن الْيمن وَلَا كثير من حصونها حَتَّى أَخذه وَلما عزم شمس الدولة على التَّوَجُّه من زبيد اسْتخْلف عَلَيْهَا الْمُبَارك بن منقذ اُحْدُ الْأُمَرَاء الواصلين مَعَه واستخفظه بِعَبْد النَّبِي فَجعل يعذبه ويصادره بانواع الْعَذَاب حَتَّى أَخذ مِنْهُ اموالا جزيلة وَبعد أَن لبث بِالْيمن مَا يزِيد على سنة وتمهد لَهُ غالبها واشتاق الى مصر والى اخيه فَكتب اليه وَهُوَ صَاحب مصر يَوْمئِذٍ الملقب بصلاح الدّين وَيَأْتِي ذكر مُكَاتبَته فِيهَا شعر مِنْهُ

. . الشوق اولع فِي الْقُلُوب واوجع ... فعلام ادْفَعْ مِنْهُ مَا لَا ادْفَعْ

وحملت من وجد الْأَحِبَّة والنوى ... مَا لَيْسَ تحمله الْأَحِبَّة اجْمَعْ مَعَ

لَا تستقربي النَّوَى فِي مَوضِع ... الا تقاضاني الترحل مَوضِع

والى صَلَاح الدّين اشكو أنني ... ضمنا كئيب مستهام موجع ... جزعا لبعد الدَّار مِنْهُ وَلم أكن ... لَوْلَا هَوَاهُ لبعد دَار اجزع

فلأركبن اليه متن عزائمي ... وتخب فِي ركب الغرام وتوضع

حَتَّى أشاهد فِيهِ أكْرم طلعة ... من أفقها صبح السَّعَادَة تطلع ... ثمَّ بعثي بِالْكتاب رجلا من أَعْيَان الْيمن فَلَمَّا قدم على صَلَاح الدّين اكرمه وبجله وَكَانَ شمس الدولة قد قَالَ لَهُ مَتى وجدت مجْلِس أنس من اخي فانشده هَذِه الأبيات فَلَمَّا وجد ذَلِك فعل فحين فرغ من الانشاد قَالَ صَلَاح الدّين الْقعُود والقفول اليه ان احب ان يقف وَإِلَّا وصل ثمَّ انه جهز الرَّسُول جهازا جيدا ثمَّ كتب مَعَهم كتابا فِيهِ أَبْيَات هِيَ ... مولَايَ شمس الدولة الْملك الَّذِي ... شمس السَّعَادَة من سناها تطلع

مَالِي اليك من الْحَوَادِث ملجاء ... مَالِي سواك من النوائب مفزع

ولأنت شمس الدّين فخري فِي الورى ... وملاذ أمالي وركن أمنع

وَبِغير قربك كلما أرجوه من ... دَرك الْعلَا مترعرع مستمتع ...

. . النصران اقبلت نحوي مقبل ... واليمن ان اسرعت نحوي مسرع ... فَلَمَّا عَاد الرَّسُول الى شمس الدولة وقراء الْكتاب عزم على السّفر الى الْبِلَاد وَالْعود اليها فَأمر بشنق اولاد ابْن مهْدي وهم اذ ذَاك ثَلَاثَة فِي الْأسر عبد النَّبِي وَأحمد وَيحيى فشنقوا على بَاب خَان زبيد ووسط ابْن بِلَال وَعَبده مِفْتَاح السداسي فِي رَجَب 571 الشَّهْر الَّذِي شنق بِهِ بَنو مهْدي ثمَّ عَاد مصر واستخلف على زبيد الْأَمِير ابا مَيْمُون الْمُبَارك بن كَامِل بن عَليّ منقذ بن نصر بن منقذ الْكِنَانِي الملقب مجد الدّين الْمَشْهُور بِسيف الدولة مولده قلعة شيزر سنة 526 وَكَانَ من أُمَرَاء الدولة الصلاحية وشاد الدَّوَاوِين بديار مصر من بَيت كَبِير ن وَلما هم شمس الدولة بِرُجُوع مصر كَانَ قد نَاب هَذَا ابو الميمون على زبيد مُدَّة ثمَّ اسْتَأْذن شمس الدولة فِي الرُّجُوع مَعَه فاذن فاستناب أَخَاهُ خطابا باذن شمس الدولة فاذن لَهُ وَهَذَا الْمُبَارك باني مَسْجِد المناخ وَكَانَ سيف الدولة ذَا فَضِيلَة وَيُحب اهلها ومدحه جمَاعَة من الشُّعَرَاء وَله شعر رائق فِي البراغيث

. .. ومعشر يسْتَحل النَّاس قَتلهمْ ... كَمَا استحلوا دَمًا الْحجَّاج فِي الْحرم

اذا سفكت دَمًا مِنْهُم فَمَا سفكت 5 يداي من دَمه المسفوك غير دمي ...

واستخلف على تعز ونواحيها ياقوت التعزي وعَلى المخلاف والجند مظفر الدّين قايماز وعَلى عدن عُثْمَان الزنجبيلي ثمَّ توجه الى مصر بِبَقِيَّة الْأُمَرَاء والعسكر الَّذِي وصلوا مَعَه وَلما سَافر شمس الدولة كَانَ بزبيد رجل صوفي يُقَال لَهُ الْمُبَارك بن خلف وَكَانَ النَّاس قد مالوا اليه واقبلوا عَلَيْهِ فتخشاه الْمُبَارك بن منقذ فعل ابْن مهْدي فَقتله فحيل بَينه وَبَين النّوم حَتَّى اشرف من ذَلِك على الْهَلَاك فَشَكا ذَلِك الى بعض الْفُقَهَاء فَقَالَ لَهُ ان اعدت الْخطْبَة الى الْجَامِع الْقَدِيم الَّتِي بنته الْحَبَشَة رَجَوْت لَك الشفا فَفعل ذَلِك فعاوده النّوم وَأمر باخراب جَامع ابْن مهْدي فبادر النَّاس الى ذَلِك بغضا لبني مهْدي وَبني الْمُبَارك من الْجَامِع بزبيد جَمِيع مقدمه وَبنى مؤخره ومنارته وجناحيه سيف الاسلام الْآتِي ذكره ثمَّ سَافر مصر بعد ان اسْتخْلف وَلحق بتوران شاه فَلم يزل ملتصقا بِهِ حَتَّى توفّي بالاسكندرية فِي سلخ الْمحرم سنة 576 فَقبض صَلَاح الدّين عَلَيْهِ وصادره وَاحْتج عَلَيْهِ بمصادره بني مهْدي

قَالَ ابْن خلكان وَكَانَ الْمُبَارك هَذَا من بَيت كَبِير وَلم يزل وَاقِفًا بِالْقَاهِرَةِ حَتَّى توفّي سنة 589 وَله مَعَ مقدم الْجَامِع بزبيد الْمَسْجِد الْمَعْرُوف بِمَسْجِد المناخ عَلَيْهِ عقار كثير فِي زبيد

وَأما احوال الْيمن فَإِنَّهُ لما طَالَتْ الْغَيْبَة فِيهِ على النواب لم يَأْتِيهم من مصر

مفتقد أظهرُوا الْخلاف وَالْخُرُوج عَن الطَّاعَة وَضرب كل وَاحِد مِنْهُم سكَّة وَحرم على أهل بَلَده التَّعَامُل بغَيْرهَا الا مَا كَانَ من قايماز فَإِنَّهُ عجز عَن ضبط المخلاف وَكَانَ من جملَة عمله الْجند فَلَمَّا بلغ ذَلِك عُثْمَان الزنجبيلي طمع فِي المخلاف والجند فَصَعدَ الْجند ولبث بهَا ثَمَانِيَة ايام وطلع المخلاف فتسلم مِنْهُ التعكر سنة 578 وَلم يزل اسيرا حَتَّى قدم سيف الاسلام

وَأما خطاب فان النَّاصِر لما صادر أَخَاهُ بعث مَمْلُوكه خطلبا الى الْيمن وَكتب الى امرائها يَأْمُرهُم بِالْجمعِ على خطاب واخراجه من زبيد وَتَوَلَّى خطلبا فوصل الى عدن فالتقاه الزنجبيلي بِالطَّاعَةِ ثمَّ خرجا فحطا بالجند ثمَّ وصلهما ياقوت من تعز وقايماز من التعكر وقصدوا زبيدا فهرب خطاب الى قَوَارِير وَقبض خطب زبيدا وَعَاد كل من الْأُمَرَاء بَلَده فراسل خطاب خطلبا وهاداه وَحصل بَينهمَا ألفة ثمَّ مرض خطلبا فاشرف على الْمَوْت فاستدعاه خطلبا فوصله لَيْلًا فَسلم لَهُ الْبَلَد وَمَات من فوره واستفحل أَمر الزنجبيلي حَتَّى غزا حَضرمَوْت ونهبها وَقتل بهَا خلقا كثيرا فيهم فُقَهَاء وقراء وَلم يزل فِي عدن حَتَّى قدم سيف الاسلام فهرب فِي الْبَحْر وَلم اتحقق مَا آل

امْرَهْ وَكَانَ معدودا فِي الَّذين سعوا فِي الأَرْض الْفساد وابتنى فِي عدن مَسْجِدا وَجعل خَان الْبر وَقفا يصرف مِنْهُ مَا يحْتَاج ثمَّ مَا يزِيد على ذَلِك يصرف الى حرم مَكَّة

وَأما خطاب فَهُوَ لقب لمُحَمد بن كَامِل اخي سيف الدولة فَلم يزل بزبيد وَقد يرتاب من الزنجبيلي فَيطلع الى حصن قَوَارِير وَيقف فِيهِ متمنعا واحب

بَيَان مَا صَحَّ لي من سَبَب دُخُول الغز الْيمن فَذكر لي الثِّقَة ان اُحْدُ أَسبَابه ابْن النساخ حَدِيث ابْن النساخ وَكَانَ فَقِيها فَاضلا وَهُوَ فِي مَا أَظن الَّذِي كتب الى صَاحب بَغْدَاد قصيدا يشكو من فعال ابْن مهْدي فَيُقَال ان صَاحب بَغْدَاد حِين بلغه كتب الى صَلَاح الدّين يَأْمر ان يُجهز الي الْيمن عسكرا فَوجه اخاه توران

وَمن القصيدة الْمَكْتُوبَة الى بَغْدَاد فِي سَبَب بني مهْدي

. .. قصر وقصران ودد سودد 5 وحاسه مهامه وجناب

الى ان ترى بَغْدَاد والمنبر الَّذِي ... بِهِ نسب للهاشمي قرَاب

مَحل صَلَاة الله منبع رسله ... بِحَيْثُ على الصدْق الدعا يُجَاب

فيا غاديا نحوالعراق محثحثا ... رحيل زكوة والحياة نِصَاب

ألم بابارج الْخلَافَة لاثما ... عراصا وَمَا كل التُّرَاب تُرَاب 5 ... ترى مَسّه الْعَبَّاس ثمَّ رِجَاله ... هُوَ الْمسك والكافور طَابَ وطابوا

مقَام بني الْعَبَّاس كرْسِي ملكهم ... فَللَّه برج فِي الْعرَاق وَغَابَ

وَهل فِي مدحه الدُّنْيَا حَدِيثا قادما ... لمستنجد بِاللَّه قطّ يصاب

امام بني الْعَبَّاس مُشْتَقّ نبعه ... وَعَن شيبَة الْحَمد انتضاه نِصَاب

وَقل لأمام الْعَصْر يَا ابْن خلايف ... هم حجج محجوجة وكعاب

غَدَتْ مِلَّة الاسلام مقصومة العرى ... وعامر دين الله وَهُوَ خراب ...

. . أتذبح ابناء وستبى عقائل ... ضلال يرى فِي ارضنا وتباب

بَنَات رَسُول الله بَين بُيُوتهم ... سَبَايَا من السّتْر الْجَمِيل سلاب

فدع عَنْك ارْض الرّوم وانهض لمَكَّة ... فسيفك فِيهَا مضرب وذباب

فَمَا فِي قتال الرّوم فَخر وَهَذِه ... باظهركم مَا فِي الْكَلَام كَذَّاب

يُغير ريب الدَّهْر دين مُحَمَّد ... وَمَا راب اديان الْيَهُود مراب ... وَهِي طَوِيلَة وَقيل سَبَب بعثة ان صَلَاح الدّين خشِي من نور الدّين بن زنكي وَكَانَ من خدمه وَهُوَ الَّذِي جهزه الى مصر نجدة للْمُسلمين على الافرنج وعزم على الْهَرَب فَبعث اخاه يتجسس لَهُ أَحْوَال الْيمن ليجعلها ملْجأ لَهُ فَيحْتَمل الْأَمريْنِ وَالله أعلم وتحتمل صِحَة احدهما وَلم يزل خطاب غَالِبا على زبيد حَتَّى قدم سيف الاسلام وَذَلِكَ فِي شَوَّال سنة 579 وَلِهَذَا التَّارِيخ تَاسِع شعْبَان عطل الزنجبيلي الْجند حِين بلغه ان عُثْمَان لحقه اليها اذ هرب من زبيد وانكسر عسكره وطلع الْجَبَل هَارِبا فتعطل الْجند لِئَلَّا يديرها خطاب فَجَعلهَا وَعُثْمَان بِيَدِهِ المخلاف فَكَانَت الْحَرْب بَينهمَا بمصابيح مُدَّة أَيَّام ثمَّ سد الْحَال على ان يتخلى عُثْمَان من الْجند وَمن حصون ذخر واعادتها لياقوت فَاعْتَذر وَرجع خطاب من الْجند الى زبيد وَذَلِكَ فِي شعْبَان ورمضان ثمَّ فِي شَوَّال من السّنة الَّتِي قدم بهَا سيف الاسلام طغتكين بن أَيُّوب الْمُقدم ذكره وَكَانَ يلقب بالوزير

وَضبط اسْمه بِضَم الطَّاء وَسُكُون الْغَيْن الْمُعْجَمَة وخفض التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق مَعَ الْكَاف وَسُكُون الْيَاء الْمُثَنَّاة من تَحت ثمَّ نون بعْدهَا قَالَ ابْن خلكان وَهُوَ اسْم تركي ودخوله زبيد يَوْم السبت ثَالِث عشر شَوَّال سنة تسع وَسبعين كَمَا تقدم وَكَانَ قد التقاه خطاب الى مَدِينَة الكدري وترجل لَهُ سيف الاسلام وَفَرح بِهِ اذ كَانَ أول من لقاه من نواب أَخِيه ثمَّ قَالَ لَهُ انت أخي بعد أخي ثمَّ ان خطابا لما وقف سيف الاسلام بالبلاد لم تطب لَهُ وَاسْتَأْذَنَ بالرواح فاذن لَهُ سيف الاسلام وهما مقيمان بزبيد فتجهز وبرز امواله وَجَمِيع ذخائره الى خَارج زبيد وَحط بالجنابذ وَهِي القباب الْمَشْهُورَة بالْقَوْل الَّتِي يذكر النَّاس ان بَعْضهَا بِهِ رَأْسا الصليحيين عَليّ بن مُحَمَّد واخيه المقتولين بالمهجم وَبَعض بِهِ ابْن زِيَاد وَعَمَّته وَبَعض بِهِ جياش بن نجاح الْمُقدم ذكره هَكَذَا سمعته من جمَاعَة لَهُم دراية باحوال النَّاس وأخبارهم ثمَّ لما صَارَت أَمْوَاله هُنَالك دخل زبيد ليودع السُّلْطَان فَقبض عَلَيْهِ وَأمر بِالْقَبْضِ على أَمْوَاله قُم سجنه فَيُقَال انه أَخذ مِنْهُ سبعين غلاف درزية مَمْلُوءَة ذَهَبا ثمَّ ان ياقوت التعزي بَادر وَنزل من حصن تعز الى زبيد وَسلم مَفَاتِيح الْحصن الى سيف الاسلام فاعجبه وأكرمه ثمَّ اعاده على ولَايَته وَبعث مَعَه بخطاب وَأمره ان يحْبسهُ فِي حصن تعز ثمَّ بعد أَيَّام امْر بقتْله فَقتل سرا وَهَذَا ياقوت أحد الْأُمَرَاء المعروفين ببني التعزي ثمَّ طلع تعز وَتقدم الْجند وَعِيد فِيهَا عيد النَّحْر فَهُوَ أول عيد عيده وَقد صَار مَالِكًا لليمن وَقبض حصن التعكر على يَد مَمْلُوكه إيليا من الْأَمِير عمر بن عَليّ أخي عُثْمَان الزنجبيلي وَلما علم الزنجبيلي مَا تمّ لخطاب حمل نَفسه وأمواله بمراكب وَخرج من عدن يَوْم الْأَحَد سادس ذِي

الْقعدَة سنة تسع وَسبعين وَخَمْسمِائة فامر سيف الاسلام من قطع عَلَيْهِ الْبَحْر فَأخذ عَلَيْهِ شَيْء من مراكب أَمْوَاله وَنَجَا بِنَفسِهِ وَبَعض مَاله وَلم اتحقق مآله الى مَاذَا

وَلما علم سيف الاسلام خلو عدن من وَال بعث اليها ابْن عين الزَّمَان وَقد تحققت نِهَايَة نواب توران شاه ان خطابا قتل والزنجبيلي هرب والتعزي اشفق عَلَيْهِ سيف الاسلام وَعظم حَاله عِنْده وَله ذُرِّيَّة الى الْآن فِي الْيمن يعْرفُونَ ببني االتعزي أمّهم منبنات بنت عَليّ بن الرَّسُول واستقام سيف الاسلام ودانت لَهُ الْيمن وَأَهْلهَا وَلم يكد يبْقى عَلَيْهِ سهل وَلَا وعر أَلا ملكه طَوْعًا وَكرها

وَلما طلع البلا د العلياء وَبَنُو حَاتِم الهمدانيون بايديهم حصن كوكبان والعروس وَذي مرمر فاخذ كوكبان والعروس وَذي مرمر فَلَمَّا شقّ الْحصار بِأَهْل الْعَرُوس نزلت امْرَأَة واستأذنت على السُّلْطَان فأدخلت عَلَيْهِ وتحتها مَوْلُود لم يره اُحْدُ فَقَالَت لَهُ حِين دخلت عَلَيْهِ قد سمينا هَذَا بِاسْمِك ونحب ان تهب لنا الْحصن فامر بَان يكْتب لَهُم بالحصن وَلعن من يعترضهم فِيهِ اَوْ بِشَيْء من عمله وارتحل مسرعا

وَهَؤُلَاء بَنو حَاتِم بَيت رياسة هَمدَان لَهُم مَكَارِم مستفاضة رَأَيْت مِنْهُم مُحَمَّد بن حَاتِم بن عَمْرو بن عَليّ بن حَاتِم الْهَمدَانِي اليامي مَعْدُود فِي الفضلا لَهُ تَارِيخ فِي أَخْبَار الْيمن لم أَقف عَلَيْهِ وَهُوَ وَأَهله اهل سمعلة فِي الدّين وَكَانَ أَخذه

للدملوة من جَوْهَر على مَا قدمْنَاهُ ثَالِث ربيع الآخر سنة 584

قَالَ ابْن خلكان كَانَ سيف الاسلام رجلا شجاعا كَرِيمًا مشكور السِّيرَة حسن السياسة مَقْصُودا من الْبِلَاد الشاسعة لاحسانه وبره قَالَ مولفه عَفا الله عَنهُ وبناؤه غَالب الحصنون فِي الْيمن كالتعكر وخدد وَحب وتعز انما هُوَ على وَضعه وترتيبه وَفِي درب زبيد نَاحيَة تعرف بِهِ الى الْآن ودوخ عرب الْيمن وأذل جبابرته وَقتل فيهم جمعا كثيرا بوقائع كَثِيرَة وَقَالَ متمثلا فِي ذَلِك

. .. بسفك الدما يَا جارتي تحفن الدما ... وبالقتل تنجو كل نفس من الْقَتْل ... وَكَانَ مَعَ ذَلِك يُشَارك الْفُقَهَاء وَله مسموعات ومقروآت بِحَيْثُ أَخذ عَنهُ القَاضِي أَحْمد بن عَليّ العرشاني موطأ مَالك وَفِي منتصف جمادي الأولى سنة 585 أَمر بهدم التعكر وَقدم عَلَيْهِ شرف الدّين بن عنين الشَّاعِر فامتدحه بغرر القصائد واجازه ببدر وفرائد وَلما عَاد الى الديار المصرية وَقد توفّي صَلَاح الدّين وَالْملك يَوْمئِذٍ بيد وَلَده الملقب بالعزيز طُولِبَ شرف الدّين بزكوة متجره كَمَا كَانَ يفعل بالتجار فِي مصر حَتَّى ابطله الْمَنْصُور بن قلاوون الصَّالِحِي اُحْدُ المماليك وَلما طُولِبَ بالزكوة سأه وَقَالَ فِي ذَلِك شعرًا

. .. مَا كل من يتسمى بالعزيز لَهَا ... اهل وَلَا كل برق سحبه غدقه

بَين العزيزين بون فِي فعالهما ... هذاك يُعْطي وَهَذَا يَأْخُذ الصَّدَقَة ...

واختط بِالْيمن مَدِينَة سَمَّاهَا المنصورة وَهِي قبلي مَدِينَة الْجند وعَلى ربع مرحلة مِنْهَا وَكَانَ ذَلِك فِي ذِي الْقعدَة سنة 592 وابتنى فِيهَا دَارا كَبِيرَة وحماما وَكَانَ واديها الْمَعْرُوف بخنوة مسكنا للوحوش فاحياه وَأَحْيَا وَادي الدارة وَالْقَاعِدَة وابتنى فِي المنصورة قصرا كَبِيرَة وحماما وابتنى للعسكر بهَا بُيُوتًا وابتنى بقرية خنوة دَار مضيف وَلم يزل مستمرا حَتَّى ولى الْمَنْصُور بن الرَّسُول الْملك فاخر بِهِ ابْن اخيه فَخر الدّين ابو بكر بن حسن وَنقل احجارة فابتنى بهَا دَارا بعكار

وَلما تحقق سيف الاسلام انه قد قهر الْيمن دَعَتْهُ نَفسه الى شرى اراضيهم حَيْثُ كَانَت وَندب المثمنيين الى كل سَائِر الْبِلَاد واخذها عَلَيْهِم قهرا وَلما علم النَّاس ذَلِك وان غَرَضه ان تكون أَرض الْيمن ملكا للديوان وَيكون من اراد حرث شَيْء وصل الى الدِّيوَان يسْتَأْجر كَمَا هُوَ فِي ديار مصر ويزعمون ان ذَلِك عَادَة جَارِيَة من زمَان يُوسُف الصّديق عَلَيْهِ السَّلَام شقّ عَلَيْهِم غَايَة الْمَشَقَّة ثمَّ اجْتمع جمَاعَة من صلحاء الْجبَال هم الْفَقِيه عَليّ بن سَالم الْمُقدم ذكره من وَادي عميد وَالشَّيْخ دحمل الصهباني من وَادي ذِرَاع الا عموو قَرْيَة من بِلَاد صهْبَان وفقيه من الظرافة الَّتِي تقدم ذكرهَا وانه كَانَ بهَا الْفَقِيه جَعْفَر وَهِي على مقربة من المنصورة وَلم يصله المذكورون الارجا ان يُرَاجع السُّلْطَان للنَّاس فحين قَالَا لَهُ

فَكيف نصْنَع قَالَ ندخل الْمَسْجِد وَلَا نخرج حَتَّى تقضي الْحَاجة فَدَخَلُوا الْمَسْجِد واقاموا بِهِ ثَلَاثًا صياما فَفِي الْيَوْم الثَّالِث خرج دحمل فِي السحر ونادى على طَرِيق الولة يَا سُلْطَان السَّمَاء اكف الْمُسلمين حَال سُلْطَان الأَرْض فَقَالَ لَهُ اصحابه اسْكُتْ إسكت فَقَالَ قضيت الْحَاجة وَحقّ المعبود سَمِعت قَارِئًا يقرئ قضي الْأَمر الَّذِي فِيهِ تستفيتان وَيُقَال ان اُحْدُ الْجَمَاعَة خرج سحرًا الْيَوْم الثَّالِث فَذكر الله تَعَالَى وَقَالَ لأَصْحَابه ابشروا فقد قضيت الْحَاجة فَقَالُوا وَبِمَ علمت ذَلِك قَالَ رايت السُّلْطَان بارزا وسهام تَأتيه من نواح شَتَّى واصابه بَعْضهَا فَوَقع مَيتا فَلَا تَشكوا بِمَوْتِهِ وَلما كَانَ وَقت الظّهْر يَوْم الاربعاء سادس وَعشْرين شَوَّال سنة 593 توفّي وَكَانَ المثمنون فِي انحاء الْيمن فحين بَلغهُمْ ذَلِك هربوا وَلم يعْتَمد ذَلِك ملك بعده وَيُقَال أَنه لما أحس بِالْمَوْتِ جعل يتقلقل وَيَقُول لَا اله الا الله مَا أُغني عني ماليه هلك عني سلطانية وَكَانَ مُدَّة ملكه على طَرِيق التَّقْرِيب سبع عشر سنة

وَقد ذكرت فِي غَالب كتابي هَذَا من عرض ذكره من فَقِيه اَوْ ذِي سُلْطَان وَقد عرض مَعَ ذكر توران ذكر أَخِيه صَلَاح الدّين وَهُوَ اعظم حَالا مِنْهُ فِي غَالب اموره كَانَ ملكا كَبِير الْقدر بِهِ اعاد الله على الْمُسلمين الشَّام من ايدي الافرنج وَفتح

عكا وَكَانَ فِي ذَلِك اخبار يطول شرحها

مولده قلعة تكريت اذ كَانَ ابوه مديرا امرها كَمَا تقدم وَهُوَ الَّذِي ارسل اخاه توران الْيمن فانقذ اهله من ظلم بني مهْدي جزاه الله خيرا وَكَانَت ايامه مباركة وَكَانَ مصير الْملك اليه من عَمه اسد الدّين شيركوه الَّذِي قتل شاور ممدوح عمَارَة الْمُقدم ذكره وَذَلِكَ فِي عشْرين من جمادي الاخرة سنة 564 وَتُوفِّي بِدِمَشْق بعد صَلَاة الصُّبْح يَوْم الابعاء سَابِع وَعشْرين صفر سنة 589 وَيُقَال انه مَاتَ مسموما من الشَّيْخ عَليّ بن مُحَمَّد بن ابراهيم عرف بِابْن الْمعلم وَكَانَت لَهُ مِنْهُ مكانة وَهُوَ الْمُلْتَزم لجَمِيع المخلاف بِمَال مَعْلُوم وَكَانَ مَوْصُوفا بِالْكَرمِ والحلم وَكَانَ اصل بَلَده حدبة على وزن فعلة بِالْفَتْح والتحريك على الْقرب من جبلة وَله فِي جبلة دَار هُوَ الان مدرسة تعرف بالنجمية الْمدرسَة الْمَشْهُورَة

وَمن جملَة مَا حكى ان جمَاعَة من فُقَهَاء السحول قدمُوا عَلَيْهِ وراجعوه فِي ازالة مظْلمَة فتمنع عَن ذَلِك فاخذ بَعضهم نَعله بِيَدِهِ واقدم عَلَيْهِ يضْربهُ بهَا فَلم يزده على قَوْله يَكْفِي يَا فَقِيه أيكفي يَا فَقِيه فهم الغلمان بالبطش بالفقيه فزجرهم عَن ذَلِك وَلم يزل يستعطف الْفَقِيه حَتَّى سكن غَضَبه وَعمل لَهُ مَا سَأَلَهُ ثمَّ كرم شَرحه يطول مِنْهُ مَا اخبرني الثِّقَة عَن المقرى حميد مُؤذن جبلة وَكَانَ من اعيان الْبَلَد انه اخبره انه قدم عَلَيْهِم عيد عَرَفَة وهم على فرَاغ قَالَ فضقت من ذَلِك فَقلت النَّاس يصفونَ ابْن الْمعلم بِالْكَرمِ فانا اقصده لهَذَا العَبْد انْظُر كرمه فَكتبت اليه ورقة اسأله عشرَة اذهاب ذرة وَخَمْسَة اذهاب بر فَهَذَا من الطَّعَام

وَمَتى حصل دبر الله بالاضحية ثمَّ انني تَوَجَّهت بِالْوَرَقَةِ اليه فَوَجَدته قَاعِدا بدهليز دَاره فَسلمت عَلَيْهِ وناولته الورقة فحين قَرَأَهَا عبس واعرض عني فَخرجت وانا الوم نَفسِي وَقلت مَا اكذب النَّاس ثمَّ انه أَمر من لَحِقَنِي وردني اليه فَلَمَّا جِئْت اليه أَمرنِي بالدنو مِنْهُ وَقَالَ لي سرا يَا سُبْحَانَ الله المقرى حميد المقرى حميد اسْم كَبِير وهمته ضَعِيفَة تصل الى وتسالني قدرا حَقِيرًا من مثلي فاعتذرت اليه فناولني ورقة بَيْضَاء وَقَالَ اكْتُبْ بِجَمِيعِ مَا تحتاجه فَكتبت وانا اسئل مِائَتي ذهب ذرة وَمِائَة ذهب بر وراس بقر وراس غنم وَكِسْوَة لي ولاولادي فحين نظر اليها اسفر وَجهه وَكتب الى نَائِبه بجبله ان يسلم مَا سَالَتْ معجلا فحين اعطيته خطه بَادر الى تَسْلِيم مَا سَالَتْ

ثَمَان سيف الاسلام صادره بجملة مستكثرة وَاشْترى مِنْهُ كثيرا من امواله بضراس وحدبة والمقرعة وَغَيرهَا وشيا من دوره بجبلة مِنْهَا وَلم يمت سيف الاسلام وَهُوَ عَنهُ طيب وَلَا كَانَ يحضرهُ وَقت الْمَوْت وَهَذَا يدل على برائته من قَتله وَإِنَّمَا قَتله ابْنه

الْمعز تجنبا مِنْهُ إِذْ كَانَ بقيه رُؤَسَاء الْيمن واعيانهم وَيُقَال ان سيف الاسلام دَاخله فِيهِ الطمع فوصل من صنعاء إِلَى جبلة وَطلب مِنْهُ المَال الَّذِي ضمن مِنْهُ الْبِلَاد فعجز فَقبض املاكه وهرب لَيْلَة السبت ثَانِي عشر شعْبَان سنة 602 فامر حِينَئِذٍ بِقَبض دوره فِي المقرعة وَذي جبلة وضراس وَذي اشرق وَجَمِيع مَا فِيهَا ثمَّ ان القَاضِي نصب من قضا للسُّلْطَان جَمِيع املاكه حَيْثُ كَانَت بِمَا سعى عَلَيْهِ من ضَمَان الْبِلَاد وَكَانَت امواله جليلة فِي أَمَاكِن كَثِيرَة

ثمَّ لما ولى الْمعز بن سيف الاسلام اعاده على عمالة المخلاف فاقام يَسِيرا ثمَّ اسره وَهدم دوره فِي المقرعة وَغَيرهَا فَلبث فِي اسره سِتَّة اشهر وشنقه فِي أَخّرهَا

عَاشر الْمحرم سنة سِتّ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة

وَهَذَا ذكر الْجَمَاعَة وتسميتهم فاما الشَّيْخ دحمل فَكَانَ رجلا صَالحا متعبدا يغلب عَلَيْهِ الوله وَيظْهر للنَّاس ان فِي عقله ضعفا وَكَانَ يَأْتِي مَنَابِر الْجَوَامِع فيضربها تَارَة بِيَدِهِ وَأُخْرَى بالعصا الَّتِي لَهُ وَيَقُول يَا حمَار الْكَذَّابين وَيُقَال أَنه وصل الى قُضَاة عرشان فِي شَفَاعَة فَلم يقبلُوا مِنْهُ وَكَانُوا إِذْ ذَاك على حَال كَمَال من الدُّنْيَا وراهم فِي عجب عَظِيم من انفسهم فَخرج من عرشان مغضبا فَلَمَّا صَار مِنْهَا خطوَات الْتفت اليها وَقَالَ هدكى عرشان فَلم يقفوا غير يسير حَتَّى زَالَ عَنْهُم الْقَضَاء الى القَاضِي مَسْعُود على مَا قدمنَا وَلم يزل دحمل على الطَّرِيق المرضي حَتَّى توفّي بعد سِتّمائَة تَقْرِيبًا وَقيل انه توفّي بدولة الْمَنْصُور بن الرَّسُول وَالله أعلم وَقد تقدم ذكر بَقِيَّة اصحابه

وَنَرْجِع الى سير احوال الْمُلُوك فَلَمَّا توفّي سيف الاسلام وَله ولدان الْمعز والناصر الْمعز الْأَكْبَر وَقد كَانَ ظهر لَهُ مِنْهُ الْخُرُوج عَن مَذْهَب السّنة الى التَّشَيُّع فطرده وقلاه فَخرج مغاضبا يُرِيد بَغْدَاد يشكو اباه فحين توفّي ابوه بعث أَعْيَان الدولة وبعثوا خَلفه من يَطْلُبهُ فادركه النجابون فِي المخلاف السَّلمَانِي فاعادوه من السرين فَدخل حرض وَطلب ناظرها القَاضِي اِسْعَدْ فَقتله لِأَنَّهُ حِين مر بِهِ لم يُكرمهُ وَحين قَتله استصفى أَمْوَاله وَمن جُمْلَتهَا جَارِيَة تعرف بفتحة فحضيت عِنْده وَصَارَ قصادا زبيد فَدَخلَهَا يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشر الْقعدَة فَبَاتَ بهَا لَيْلَة ثمَّ خرج فَدخل تعز يَوْم الاحد ثَانِي وَعشْرين مِنْهُ فَلبث بتعز مَا شَاءَ الله ثمَّ طلع ذَا جبلة فَدَخلَهَا يَوْم الْخَمِيس رَابِع وَعشْرين الْحجَّة فَلبث مَا شَاءَ الله

وَفِي سنة 594 ابْتَدَأَ حراب دَار الْعِزّ بجبلة يَوْم الِاثْنَيْنِ منتصف ربيع الاول من السّنة ورسم الْمعز من يهدم التعكر فهدم بجمادي الاخرة من السّنة ثمَّ طلع

الْجَبَل واستدام مذْهبه واظهره وَقَوي بِهِ اهله قُوَّة عَظِيمَة بِحَيْثُ طمعوا باماتة مَذْهَب السّنة وَلَو بجبلة كَمَا كَانَ ايام الصليحيين وَتمّ لَهُم مَا قدمنَا ذكره من سُؤَالهمْ لَهُ ان يَأْمر الخطباء بالسب فَامْتنعَ فَقَالُوا مرهم باسقاط ذكر الشَّيْخَيْنِ فَقَالَ لَا طَاقَة لي بِالسَّوَادِ الاعظم فَقَالُوا لَهُ افْعَل لنا ذَلِك وَلَو بجبلة وَحدهَا فَكَانَ مَا قدمنَا ذكره وَغلب على الْمعز الشُّح عَليّ الْجند وَالْكَرم على الشُّعَرَاء والصفا عَنهُ ثمَّ تولع بِذبح بني آدم واكلهم

وَحكى ان الاتابك دخل عَلَيْهِ يَوْمًا فَقَالَ لَهُ مَا احسن اظلاعك مصوص وكما قَالَ فَخرج الاتابك وَلم يشك انه يذبحه فهرب حَتَّى سمع بقتْله

وَادّعى انه اموي النّسَب فَخَطب لَهُ بأمير الْمُؤمنِينَ فِي جمادي الْآخِرَة سنة 597 وَطَالَ ظلمه للجند والرعايا وَصَرفه للمساخر وَالشِّرَاء فَانْتدبَ لقَتله اكراد كَانُوا مَعَه رئيسهم رجل اسْمه هندوه وَهُوَ اذ ذَاك بِمَدِينَة زبيد وَكَانَ يلبس لِبَاس الْخُلَفَاء القمصان ذَوَات الاكمام الطوَال فَخرج يَوْمًا من زبيد يُرِيد جِهَة القوز رَاكِبًا بغلة وَخَلفه حصان مجنب فكيسه الاكراد عِنْد مَسْجِد ساسه وأكمامه مسبلة على يَدَيْهِ وَفِي احداهن المقرعة فَلبث سَاعَة يحارب بهَا وَيَدْعُو الْغُلَام الَّذِي مَعَه بِجنب الْفرس وَقد صرف عَنهُ الى بعد فَقتل وَذَلِكَ فِي رَجَب سنة تسع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة

واحدث فِي زبيد الْمدرسَة الْمَعْرُوفَة بالميلين وَفِي تعز الْمدرسَة الَّتِي ابوه مقبور

بهَا وَذَلِكَ ان اباه لما توفّي بالمنصورة نقل الى حصن تعز فقبر بِهِ فاقام سنة ثمَّ لم تطب نَفسه بِطُلُوع الْقُرَّاء كل يَوْم أَي الْحصن فَاشْترى الدَّار وَجعلهَا مدرسة وَكَانَت دَار سنقر الاتابك مقدم الذّكر ومؤخره نقل اليها عِظَام ابيه وقف عَلَيْهَا وَادي الضباب وَجعل عَلَيْهَا سَبْعَة قراء فهم على ذَلِك لَكِن قد يزِيد الْقُرَّاء من النَّاظر وَبَعض الاوقات يعطونهم دَرَاهِم وَبَعضهَا طَعَاما لَا سِيمَا من وَقت تطلع الْمُلُوك الى الْوَقْف فِي الدولة المويدية وهلم جرا الى عصرنا

وَهُوَ اول من عمل الْمدَارِس من مُلُوك الْعِزّ بتعز وزبيد وَكَانَ فصيحا شَاعِرًا فَاضلا وَلما قَتله الأكراد انتهبوا زبيد واجترأوا عَلَيْهَا وَذَلِكَ يَوْم الْأَحَد فِي رَجَب سنة 599 مدَّته سِتّ سِنِين وقبره شَرْقي زبيد فِي قبَّة هُنَالك تعرف الان بقبة الْخَلِيفَة قد صَارَت خرابا والناصر يَوْمئِذٍ بحصن تعز والاتابك سنقر متخوف بِبَعْض الْجبَال فحين بلغه وَفَاة الْمعز وصل الى النَّاصِر وَهُوَ مربية وَلذَلِك سمى الاتابك اذ هَذِه اللَّفْظَة تُوضَع لمن يربى الْمُلُوك قَالَه ابْن حكان وَكَاتب الأكراد وصالحهم ثمَّ بعد سنة بلغه انهم يُرِيدُونَ نقض الصُّلْح فجيش عَلَيْهِم وقصدهم الى زبيد وحاربهم وكسرهم سنة احدى وسِتمِائَة

وَفِي سنة ستماية نزل من السَّمَاء رماد وأظلمت الدُّنْيَا ظلاما مُفردا وَبهَا سميت سنة الرماد وَصُورَة ذَلِك ان اول مَا نزل رماد ابيض يَوْمًا وَلَيْلَة وأظلمت

الْبِلَاد وَخَافَ النَّاس الْهَلَاك ثمَّ نزل بعد ذَلِك رماد أسود ورواجف وزلازل

وَمن عَجِيب مَا جرى فِي ذَلِك الظلام انه وَقع قوم فِي ظَاهر زبيد بالمجرا فَلم يطيقوا رواح بُيُوتهم وَفِيهِمْ أعمى فَقَالَ من أَعْطَانِي زبدي طَعَام قدته الى بَيته واعطوه وقاد كلا الى بَيته

وَلما كَانَ فِي سنة سبع وسِتمِائَة فِي شهر جمادي الْآخِرَة توفّي الأتابك بحصن تعز وقبر بِذِي هزيم بِالْمَدْرَسَةِ الَّتِي أَنْشَأَهَا هُنَالك وَهُوَ الَّذِي أنشأ جَامع المغربة وَعمل الْمِنْبَر الَّذِي فِيهِ وَبنى بزبيد مدرستين احدهما للشَّافِعِيَّة وَهِي تعرف بالعاصمية وَالْأُخْرَى للحنفية وتعرف بالدحمانية وَهُوَ الَّذِي بني الْجَامِع بخنفر من ارْض ابين والصفين والجناحين والمؤخر فِي مَسْجِد الْجند

وَلما توفّي الاتابك جعل النَّاصِر غَازِي بن جِبْرِيل مَكَانَهُ قَائِما بِالْملكِ فَحمل النَّاصِر على طلوعه صنعا لقِتَال الامام الْمَنْصُور بِاللَّه فَلَمَّا صَار بِصَنْعَاء سمه غَازِي فَتوفي بالمحرم سنة احدى عشرَة وستماية فطلى بالممسكات وَحمل الى تعز فقبر بالقبة الَّتِي قبلي ميدان تعز فِي عصرنا وحالف غَازِي الْعَسْكَر وَقَامَ بِالْملكِ وَنزل من صنعاء فَلَمَّا صَارُوا بالسحول احاط الْعَرَب بهم وانتهبوهم وَوصل غَازِي الى أَب وَكَانَت أم النَّاصِر وغالب الخواتين إِذْ ذَاك مقيمين بحصن حب فطلع مماليك ابْنهَا اليها فشتمتهم ولامتهم وحملتهم على قتل غَازِي ابْن جِبْرِيل فنزلوا الى اب وهجموا بَيته وقتلوه واطلعوا رَأسه الى حب وقبر بَاب جثة بِغَيْر راس وَذَلِكَ على وَفَاة سنة من قتل النَّاصِر ثمَّ ان أم النَّاصِر نزلت من أَب الى تعز فاقامت مُدبرَة للْملك سِتَّة اشهر ثمَّ قدم سُلَيْمَان بن تَقِيّ الدّين فِي جمَاعَة من

الْفُقَرَاء والمسافرين وَأَبوهُ من بني أَيُّوب فاستدعوه وَقَالُوا لَهُ تكون سُلْطَانا فَنحْن حَرِيم نخشى ان تطمع فِينَا الْعَرَب وَذَلِكَ بربيع وَلما صَار سُلْطَانا غَلبه اللَّهْو واللعب وغفل مَعَ النِّسَاء حَتَّى تضعضع الْملك وَفِي أَيَّامه قتل من الغز نَحْو مائَة فَارس بصبر عِنْد أكمه تعرف بجمعه مقتلة عَظِيمَة وَكَانَ اذا سكر يرقص وَيَقُول ... أَنا مَشْغُول بأيري ... انْظُرُوا للْملك غَيْرِي ... وَلم يزل كَذَلِك حَتَّى قدم المسعود وَذَلِكَ فِي سنة اثْنَتَيْ عشرَة وسِتمِائَة وَهُوَ إِذْ ذَاك قد تزوج بالملكة ابْنه سيف الدّين الأتابك وتعرف بابنة جوزة وشغف بهَا فَلم يزل مَالِكًا لليمن وَهُوَ مُقيم لبنى الرَّسُول وَهُوَ اذ ذَاك اربعة فَلَمَّا عزم على رواح مصر شوقا للبلد الْأَهْل استناب على الْيمن الْأَمِير فليم وَفِيه جبروت المصريين وَذكروا انه اشار على بعض اصحاب الشَّيْخ والفقيه صَاحِبي عواجه وصاردهما وهما رجلَانِ كبيران انْتقل اهلهما وسكنا عواجة فِي بَيت الشَّيْخ والفقيه وَغَيرهمَا وَجعلُوا يَشكونَ مَا فعل مَعَهم نواب فليم فاشار الشَّيْخ الى نَاحيَة فليم باصبعه وَقَالَ طعنته فِي أنثييه فَقيل ظهر بهما دم مَاتَ مِنْهُ وَذَلِكَ بعد وُصُوله الرّجلَانِ هاربان فَكَانَ الْمَنْصُور يوافي ذَلِك ويحتال بجامكيته اليهما ويسامحهم فَكَانُوا يحبونه وَيدعونَ لَهُ وَرُبمَا بشروه بمصير الْملك اليه وَعَاد المسعود من مصر فَلبث إِلَى سنة خمس وَعشْرين وَأَرَادَ السّفر الى مصر فَقَالَ للمنصور تنوب عَنَّا

فَقَالَ لَا أفعل حَتَّى تبعد عني اخوتي فاجابه الى ذَلِك فاستدعاهم الى الْجند فقيدهم بِالْقصرِ وهم اذ ذَاك ثَلَاثَة بدر الدّين وفخر الدّين وَشرف الدّين فبعثهم فِي الْبَحْر الى مصر وَتقدم مَكَّة فَتوفي بهَا مسموما يُقَال من ابيه فِي رَجَب وَقيل شعْبَان سنة خمس وَعشْرين وستماية وَلم يكن لَهُ من الْآثَار غير تجديده لمدرسة الميلين بزبيد ثمَّ إِنَّه أخرب جَامع الْجند وَنَدم لأمر حصل عَلَيْهِ فَنَذر أَن يُعِيد الْمَسْجِد فكشف عَنهُ الْأَمر وَهُوَ يصر يتَرَدَّد فَأمر بِمَال الى الشَّيْخ ظهير الدّين عَليّ بن عمر وَأمر باعادته مزوقا مذهبا كَمَا جرت الْعَادة للملوك وَنقص الاتمام الف دِرْهَم تممها الشَّيْخ من مَاله وَأمره ان يَبْنِي على بَابه خلْوَة اذا جَاءَ سكنها فَلم يعد

وَفِي ايامه ظهر مرغم الصُّوفِي بجبل سحمر وَجَرت لَهُ حروب كَثِيرَة ثمَّ هرب الى نَاحيَة وصاب فَمَاتَ هُنَاكَ وَقد بيّنت هُنَالك فِيمَا تقدم ومرغم كَانَ رجلا صَالحا مُبَارَكًا يغْرف اللَّحْم بِيَدِهِ من الْقدر وَهُوَ يغلي فَلَمَّا رأى ظلم الغز وَكثر الْمُنكر اراد يظْهر لازالة ذَلِك فَظهر فِي جبل سحمر وَنَصره اهل الْجَبَل بَنو مُسلم فَلَمَّا كثر الْقَتْل اسْتَلَبَ حَاله أَو بعضه فهرب الى وصاب وَكَانَ قد سامح الْعَرَب بِمَا يَأْخُذ مِنْهُم الْعزو وَإِلَى ذَلِك أَشَارَ الراجز لَهُ فديتك الْيَوْم يَا مرغم لم عَاد أَرَاك خلصتني الْخرص واللاحق وَحمل الشباك

وَفِي حربه قتل رَاشد بن مطفر ممدوح ابْن هتيمل الَّذِي يَقُول فِيهِ

. . بيني وَبَين الْفقر صَوت وَاحِد ... يَا رَاشد بن مطفر يَا رشاد ... ثمَّ جعل القضا الاكبر فِي الْفَقِيه ابو بكر بن الْفَقِيه احْمَد بن الْفَقِيه مُحَمَّد بن مُوسَى الْعمرَان مقدم الذّكر وسافر المسعود اولا الى مصر فَغَاب مُدَّة سنة فَلَقِيَهُ أهل الْجبَال الى تعز وَالْقَاضِي فيهم وسلموا عَلَيْهِ فحين واجهه القَاضِي ترجل لَهُ اذ كَانَ القَاضِي قد ترجل فاعتنقا فَعجب النَّاس من ذَلِك ثمَّ لما صَار الى دَاره سَأَلَهُ بعض خواصه فَقَالَ رايت من الملتقيين قد تغير حَاله من الْحَال الَّذِي فارقني عَلَيْهِ الا القَاضِي فانه وَدعنِي على دَابَّة شهبا وَعَلِيهِ ثِيَاب قطن وعَلى دَابَّته مجْلِس فَوق الْمجْلس سجادة فَلَمَّا عدت لَقِيَنِي بذلك الْحَال لم يُغَيِّرهُ فتحققت بذلك ورعه وزهده وَهَذَا من احسن الاثار أَعنِي تَوليته فان من استناب عدلا كَانَ مَا فعله الْعدْل وَلذَلِك حكى ان كسْرَى قَالَ مَا عدل جَار وزيره والى ذَلِك اشار الشَّاعِر ... اذا مَا المليك الْعدْل وكل ظَالِما ... بِأَمْر جَمِيع النَّاس عُوقِبَ بالذنب

وَمن يرْبط الْكَلْب الْعَقُور بِبَابِهِ ... فعقر جَمِيع النَّاس من رابط الْكَلْب ... وعَلى الْجُمْلَة تَوْلِيَة الْعدْل ماجور فاعلها مشكور عَلَيْهَا اذ النَّفْع فِيهِ مُتَعَدٍّ وَعدل هَذَا القَاضِي مستفيض وَهُوَ أحد من جدد مَسْجِد مرعيت الَّذِي على طَرِيق الرَّائِح من تعزالى عدن

وَمن عجائبه ان رجلا من أهل جبلة وَصله وشكا ان الْحَاكِم سفه عَلَيْهِ فَاسْتَحْضر الْحَاكِم الى الْجند فسئله فاعترف فَعَزله وَقَالَ إِنَّمَا جعلتك حَاكما لَا مسافها وَقَالَ مَتى كَانَ الْحَاكِم ظَالِما فَالَّذِي يتْركهُ اظلم مِنْهُ وعَلى الْجُمْلَة

فصلاحه وَعلمه مشهوران يشق حصرهما وَيطول ذكرهمَا بل قد ذكرت من ذَلِك بعض اللَّائِق مَعَ ذكره فِي عداد الْفُقَهَاء

وَمن ذَلِك التَّارِيخ اسْتمرّ الْملك بيد الْمَنْصُور عمر بن رَسُول ثمَّ فِي ذُريَّته واقام مظْهرا انه نَائِب للمسعود وَالسِّكَّة وَالْخطْبَة لَهُ ايضا وَهُوَ مُضْمر الْقيام والاستقلال بِالْملكِ وَفِي اثناء ذَلِك يُولى فِي الْحُصُون والمدن من يرتضيه وَمن خشى مِنْهُ خلافًا اعْمَلْ على اسره اَوْ قَتله حَتَّى كَانَ سنة تسع وَعشْرين وَقيل ثَلَاثِينَ ضرب الدِّرْهَم باسمه وَأمر الخطباء بِذكرِهِ وَكَانَ المقوى لَهُ على ذَلِك انه كَانَ قد تقدم لَهُ بشارات الْملك وأشارات من الشَّيْخ والفقيه صَاحِبي عواجة وَقد تقدم بَيَانهَا ثمَّ كَانَ يرى منامات تدل على مصير الْملك اليه مِنْهَا انه رأى وَهُوَ فِي دَار عومان قَائِلا يَقُول لَك الْبشَارَة يَا أَبَا الْخطاب بِالْملكِ من عدن الى عيذاب فَكَانَ كَمَا قَالَ ملك الى عيذاب وأحرق مراكب الْكَامِل وَهِي متجهزة نَحْو الْيمن بعسكر جرار ثمَّ انه خطب زَوْجَة الْملك المسعود ابْنة الاتابك فاجابته حِين علمت انه قد غلب على الْملك وَكَانَ ابْنه المظفر مَوْجُودا وَكَانَ الْمَنْصُور من أهل الحزم والعزم دَانَتْ لَهُ الْبِلَاد والعباد وادرك فِي نَفسه المُرَاد وَأَتَتْ لَهُ ابْنة جوزة اولادا ذُكُورا واناثا وغلبت عَلَيْهِ فاقصت المظفر وكريمته الدَّار الشمسي عَن أَبِيهِمَا وأمهما ام ولد تركية حَتَّى كَانَا فِي الْغَالِب لَا يُوجد ان بِحَضْرَتِهِ وأحلف الْعَسْكَر لِابْنِهِ الْمفضل أحد ابْني بنت جوزة وَكَانَ المظفر اذ ذَاك بعومان مَعَ جدته أم ابيه فَوَجَدَهُ رجل من أهل تِلْكَ النَّاحِيَة كَانَ قد حضر تَحْلِيف الْعَسْكَر فَقَالَ يَا مَوْلَانَا كَيفَ أَحْلف والدك الْعَسْكَر لاخيك وانت أكبر فَقَالَ يَا هَذَا نسيت

قَول الله تَعَالَى قل اللَّهُمَّ مَالك الْملك وَاسْتمرّ على الْملك وَكَانَ فِي بدايته حَنَفِيّ فَلَمَّا حج مَكَّة وَسمع مَا نقلته عَن الْفَقِيه عَليّ بن مُحَمَّد بن مَضْمُون انْتقل عَنهُ فليطلبه من اراده هُنَالك

وَلما دخلت عدن وَذكرت ذَلِك بِحُضُور شَيْخي احْمَد بن عَليّ الْحرَازِي الزبيدِيّ قدم علينا عدن مُحَمَّد بن ابراهيم الفشلي الْفَقِيه الْمُحدث بزبيد وَقد مضى ذكره وَكَانَ من شُيُوخ الْمَنْصُور فِي الحَدِيث قَالَ اخبرني من لَفظه الْمَنْصُور انه حَنَفِيّ الْمَذْهَب فَرَأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ يَا عمر صر الى مَذْهَب الشَّافِعِي أَو كَمَا قَالَ فاصبح ينظر فِي كتب الشَّافِعِي ويعتمد مذْهبه وَكَانَ من امرائه ابنى اخيه مُحَمَّد بن حسن الملقب أَسد الدّين وفخر الدّين أَبُو بكر فَحِينَئِذٍ اسد الدّين على اقطاع صنعاء وَتكلم فِي حَقه الى عَمه حَتَّى هم بعزله عَن صنعاء وَجعل اقطاعه لَاحَدَّ اولاده من بنت جوزة واسد الدّين اذ ذَاك مَعَ عَمه بِالْيمن فحين سمع ذَلِك خرج وطلع الْبِلَاد الْعليا فَأمر الْمَنْصُور من حفظ عَلَيْهِ نقِيل صيد وَكَانَ يصحب رجلا من بني نَاجِي اسْمه الْورْد بن نَاجِي فَخرج بِهِ طَرِيق القفر وَجَاء بِهِ من وصاب الى ذمار ثمَّ دخل صنعاء وَكَاتب الامام احْمَد بن الْحُسَيْن حَتَّى قَامَ وَلم يكن قَامَ قبل ذَلِك

وَكَانَ ملكا داهية شجاعا مقداما وَله مَعْرُوف الى الْفُقَهَاء وَالشعرَاء وَغَيرهم وَصَحب فِي الْجبَال مُحَمَّد بن مَضْمُون الْفَقِيه مقدم الذّكر وَفِي تهَامَة مُحَمَّد بن ابراهيم الفشلي وَبنى البَجلِيّ فِي عواجة وخلقا كثيرا فِي اهل الْجبَال والتهائم من

اخيار فُقَهَاء وَعباد وبشره بَنو البَجلِيّ بِالْملكِ وصحبهم صُحْبَة جَيِّدَة وقصته مَعَ جفريل فِي مَكَّة وطرده يدل على عزمه وَهُوَ مَشْهُور لَا يحْتَاج الى ذكر فَإِن جفريل هرب من مَكَّة من غير قتال بل بمكيدة عَملهَا وهرب الى الْمَنْصُور جمَاعَة من الْأُمَرَاء الَّذين مَعَ جفريل ثمَّ دخل الْمَنْصُور مَكَّة وَكَانَ على قرب مِنْهَا عسكرا وَترك مَمْلُوكه السِّلَاح نَائِبه فَقَامَ بضبط الْحجاز قيَاما مرضيا بِحَيْثُ ابتنى بَين المدينتين حصونا ورتب فِيهَا الرتب وَبنى المصانع حَتَّى أثار ذَلِك بَاقِيَة الى عصرنا وَمن الاثار المبقية للذّكر كثير مِنْهَا ابتناؤه بمغربة تعز مدرستين هما الوزيرية والغرابية فالوزيرية سميت بمدرسها قد تقدم ذكره من أهل الوزيرة والغرابية بمؤذن كَانَ يُقَال لَهُ عزاب وَكَانَ من الصَّالِحين وبزبيد ثَلَاث مدارس للشَّافِعِيَّة وَالْحَنَفِيَّة وَبهَا مدرسة أُخْرَى للْحَدِيث ايضا ثمَّ إنهابتنى من أول قَرْيَة فِي التهائم مَسْجِدا فِي كل قَرْيَة ووقف على غالبها وَقفا جيدا وَكَانَت النويري اذ ذَاك مفازة عَظِيمَة يهْلك النَّاس بهَا فابتنى مَسْجِدا فِيهَا وَجعل فِيهِ اماما ومؤذنا وَاشْترط لمن سكن مَعَهُمَا مُسَامَحَة فِيمَا يزرعه فَصَارَت قَرْيَة جَيِّدَة ينْتَفع النَّاس بهَا ثمَّ ابتنى فِي المنسكية الْمَسْجِد ووقف عَلَيْهِ وَقفا نَافِعًا وَشرط فِيهِ أَن يكون فِيهِ مدرس ودرسة وَقد ذكرت حِين ذكرت ابْن الاحمر فِي أهل شجينة وَله الْمدرسَة المنسوبة اليه فِي الْجند وَله الْمدرسَة المنسوبة اليه ايضا فِي مَكَّة بِحَيْثُ يغبطه عَلَيْهَا سَائِر مُلُوك الارض وَله مدرسة ايضا بعدن فَعدَّة مَا بنى من الْمدَارِس ثَمَان مدارس

وَأما الْمَسَاجِد فَلَا تكَاد تحصى وأفعاله فِي ذَلِك كثير وَلم يكن لَاحَدَّ من الْمُلُوك مثله عَسْكَر ومماليك قيل كَانَت حلقته نَحْو ألف فَارس ومماليكه التّرْك الْمُشْتَرى من

الخزانة كَذَلِك وَلم يزل مَالِكًا لليمن لجميعه وَإِنَّمَا نقم عَلَيْهِ من الظُّلم وَقيل بل الَّذِي احدثه على النَّاس وَسَماهُ المعونة على كل بلد وَهُوَ مَال مَعْلُوم غير الْخراج حَتَّى قتل بشوال وَقيل فِي الْقعدَة لَيْلَة السبت سَابِع الشَّهْر من سنة سبع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وَكَانَ الْغَالِب عَلَيْهِ بني نَاجِي أهل المخادر بَيت رياسة مُتَقَدّمَة وهم بطن من التباعيين الَّذين تقدم ذكرهم وَكَانُوا يسكنون قَرْيَة المخادر الَّتِي تقدم ذكرهَا وَلَهُم فِيهَا اثار جَيِّدَة مدارس ومساجد تشهر ولبعضهم مدرسة بِموضع يعرف بالمحفد وَهِي على قرب من الْقرْيَة الْمَشْهُورَة بالمخادر وعَلى الْجُمْلَة مكارمهم كَثِيرَة وصدقاتهم جزيلة وهم أَكثر عرب الْجبَال مُنْذُ ظَهَرُوا حَتَّى انقرضوا مَعْرُوفا

وَكَانَ القاتلون للمنصور جمَاعَة من مماليكه وَلما قَتَلُوهُ خَرجُوا عَن الْجند وقصدوا زبيد وحاصروها وَبهَا يَوْمئِذٍ وَلَده المظفر وكريمته الدَّار الشمسي والطواشي بدر الملقب بالصغير مَحْبُوسًا اذ كَانَ يحب المظفر حَبسته بنت جوزة فاخرجته وَالِدَة المظفر واعطته مَالا واخرج من مَاله وبذله وشمر لِلْقِتَالِ حَتَّى صد المماليك وفخر الدّين الى ان جَاءَ المظفر وواليها مَمْلُوك اسْمه قايماز وناظرها غَرِيب يعرف بالشرف فبذلت والدته وكريمته والطواشي مقدم الذّكر الْأَمْوَال لمن يطلع الدروب ويحارب وَكَانَ التَّرْتِيب فِي التاليب للطواشي بدر على كره من الْوَالِي والناظر وَلم يزَالُوا كَذَلِك حَتَّى قدم المظفر من اقطاعه المهجم باشارة ابي الْغَيْث فَملك بزبيد وَكَانَ اخوته ووالدتهم بحصن تعز يستعدون بجهاز السِّت غَازِيَة ابْنة الْمَنْصُور عروسا على شرِيف من اهل مَكَّة فانتقلت بهم الى الدملوة وَلم

يزل المظفر يستفتح الْبِلَاد حَتَّى اسْتَقل بِولَايَة الْيمن اجْمَعْ بعد حروب جرت لَهُ وَكَانَ الْمُدبر اذ ذَاك الشَّيْخ عَليّ ابْن ابي بكر السوادي كَانَ يلقبه المظفر بالشيخ مخلص الدّين الْخَولَانِيّ وَكَانَ من اكفا الرِّجَال واعيانهم وَبعد قرب ابْن عَمه وَمن مَعَه من المماليك نَحْو جبل الْمِيزَاب يُرِيد اللحاق باخيه ففكر غَالب المماليك الَّذين لَا ذنُوب لَهُم فِي قتل الْمَنْصُور وهم الاكثر انه لَا ذَنْب لَهُم يُوجب الْهَزِيمَة فكاتبوا المظفر فِي ذمَّة فاذم بِشَرْط لزم فَخر الدّين وَجَمَاعَة القتلة فَفَعَلُوا ذَلِك ووصلوا بهم مقيدين فرسم على فَخر الدّين وَسيف الدّين المبارز بن برطاس

وَكَانَ مِيلَاد المظفر سنة تسع عشرَة وسِتمِائَة وَقيل سنة عشْرين وَلما قبض بزبيد سَار الى عدن سَاحل سَاحل وَقَبضهَا ثمَّ صعد الْجَبَل فَأول بلد دخله من الْجبَال جبا الْبَلَد الْمَشْهُورَة الْمُقدم ذكرهَا فَلَقِيَهُ القَاضِي مُحَمَّد بن اِسْعَدْ الملقب بالبهاء مقدم الذّكر اليها واختطب لَهُ فَهِيَ اول بلد خطب لَهُ بهَا فِي الْجبَال ثمَّ قدم الى تعز وحاصر الْحصن من دَار السعيدة بالحبيل بَين الْحصن وقرية عسق ثمَّ كتب الى الشَّيْخ علوان الجحدري مقدم الذّكر ان يَأْتِيهِ وينصره فحين وَصله الْعلم جمع جَيْشًا جرارا من مذْحج وَوَصله ووالي الْحصن اذ ذَاك سنجر الشّعبِيّ فَحصل الصُّلْح بَينه وَبَين خَالَته خداعا وَأمر لوَلَده الاشرف وأخيه ووالدتهم الى الدملوة يبقون مَعهَا رهائن وَحلف لَهَا وسألها ان تسلم لَهُ حصن تعز فَكتبت لَهُ الى الشّعبِيّ ان يسلم الْحصن الى المظفر وَقيل انه كَانَ نظر الْحصن بَين الشّعبِيّ وخادم استاذ يُقَال لَهُ عنبر ويلقب بَابي الْمسك كَانَ من اعيان الاستاذين كتب السُّلْطَان الى الشّعبِيّ يقبض الْخَادِم على لِسَان خَالَته وَكتب الى الْخَادِم

يلْزم الشّعبِيّ وهم كل مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ ثمَّ اتفقَا وَعرف أَنه يُرِيد خدعهما فكاتبا المظفر وتوثقا مِنْهُ فَأَما الشّعبِيّ فَلم يزل مقطعا لصنعاء وَأما الْخَادِم فَجعله زماما لابنَة اسد الدّين وَكَانَ كَرِيمًا فِيهِ الْخَيْر حَتَّى انه لما مَاتَ لم يُوجد لَهُ غير سِتِّينَ دِينَارا فضَّة توفّي لبضع وَسبعين وسِتمِائَة ومكارمه كَثِيرَة وَلم يسلم الشّعبِيّ حَتَّى وَصله خطّ ابْنة جوزه وَلذَلِك قدر المظفر الشّعبِيّ حَيْثُ لم يفرط بالحصن وَلَا ساعده فِي أَمر من الْأُمُور ثمَّ كَانَ مُدَّة حِصَار الْحصن سِتَّة أشهر وَقيل دون ذَلِك وأباح السُّلْطَان لعلوان نهب الْجند فَكَانَ مِنْهُ مَا قدمنَا ذكره واعاصه بِنَهْب المغربة وَاسْتمرّ ملكه فِي سنة سبع واربعين قدم عماه من مصر بدر الدّين وفخر الدّين فحين بلغه ذَلِك والتهائم قد صَارَت بِيَدِهِ كتب الى نوابه فِيهَا يَأْمُرهُم باكرامهم وَالْقِيَام بهم اتم قيام وَكتب الى عمته الْمَعْرُوفَة بالنجمية مُقَدّمَة الذّكر وَهِي بالتعكر يَقُول لَهَا ان رَأَيْت ان تنزلي تلقي اخويك فافعلي فَفَرِحت بذلك لانها كَانَت بَين اهلها خَاصَّة وَالنَّاس عَامَّة وَكَانَ مُحَمَّد ابْن خضر قد صَار من حلف السُّلْطَان فَقَالَ لَهُ يَا مُحَمَّد انْزِلْ مَعَ جدتك والق جديك فَنزل مَعَ الدَّار النجمي وجهزهما السُّلْطَان اتم جهاز ثمَّ نزل السُّلْطَان بعدهمْ فوافاهم فِي حيس وَقبض عَلَيْهِم فقيد عميه وَابْن خضر لانه كَانَ قد أسأوا وَخَالف خلافًا ظَاهرا ثمَّ عَاد من ذَلِك وَأمه وَابْنه بدر الدّين الْمَعْرُوفَة بزهرا وَكَانَت من أَعْيَان الخواتين عازمة حازمة قَائِمَة بِمَا يلْزمهَا اتم قيام وَهِي الَّتِي ابتنت الْمدرسَة المنسوبة الى بني خضر بقرية الجبابي وَبهَا قبرها وقبورهم وَعرفت عمته انه لَا بُد لَهَا من تَسْلِيم التعكر اذ كَانَ بِيَدِهَا فسلمته وَلما قيدوا سروا بهم فوصولوا لَا تعز فحين دخلُوا بهم بَاب الْحصن قَالَ بدر الدّين قبحك الله قلعة خرجنَا مِنْك مقيدين وعدناك مقيدين ثمَّ تمثل بقول الاول ... اقول كَمَا يَقُول حمَار سو ... وَقد ساموه حملا لَا يُطيق ...

. . ساصبر والامور الى اتساع ... كَمَا ان الامور لَهَا مضيق

فَأَما ان اموت اَوْ المكارى ... وَإِمَّا تَنْقَضِي عني الطَّرِيق ... فادخلوا الى الْجنب ولد فَخر الدّين وَهُوَ أول من حبس مِنْهُم كَمَا قدمنَا ذكره

وَكَانَ اول من اطاع السُّلْطَان وَنَصره من اعيان الْعَسْكَر بَنو فَيْرُوز أهل أَب وَلذَلِك احسن اليهم وَلِأَنَّهُم حملُوا الْمَنْصُور من مَدِينَة الْجند الى ذِي هزيم وتولوا قبرانه مَعَ الاتابك سنقر فِي مدرسته فَلم يزَالُوا على اعزاز مَعَه باقطاعات وطبلخانات الى أَن توفّي مجللين وَلما عجز أهل الطبلخانة عَن الْقيام بواجبها ابقاهم على اقطاع بُيُوتهم حَتَّى توفوا وهم أهل فراسة وشجاعة وَلَهُم بَاب مدارس وذراريهم فيهم الاخيار والشجاعة والفراسة وَرُبمَا كَانَ فيهم من يذكر بِالدّينِ ثمَّ كَانَ مِنْهُم شمس الدّين ابو بكر يذكر مَعَ الشجَاعَة بِالْكَرمِ وَله أَوْلَاد جمَاعَة خَيرهمْ حسن وَكَانَ جيدا متعبدا كثير التِّلَاوَة لكتاب الله يصحب الْفُقَهَاء وَالصَّالِحِينَ وابتنى بَاب مدرسة هِيَ أحسن مدارسها ثمَّ اولاده اربعة الْغَالِب عَلَيْهِم الدّين وَالْخَيْر وسلوك طَرِيقه واولاده مُحَمَّد يلقب الاسد ثمَّ ايوب ثمَّ دَاوُد ثمَّ عمر والاسد وَعمر هما اللَّذَان كَانَا رَأس مقطعي الْجند من قبل الظَّاهِر وَأما دَاوُد فيذكر بِالدّينِ والمشار لَهُ بِالْعلمِ وايتنى عِنْد بَيته مدرسة جعل فِيهَا يتامى ومعلما لَهُم يجْرِي عَلَيْهِم رزقا وايوب يذكر بِالدّينِ وَالْخَيْر

ثمَّ كَانَ عَليّ بن يحي يلائم المظفر ويلاحظه فابقاه على اقطاعه الَّذِي كَانَ لَهُ من ابيه مَعَ تحَققه انه يمِيل الى اسد الدّين ابْن عَمه فَلم يزل يجاريه ويحارب الامام الْمهْدي احْمَد بن الْحُسَيْن حَتَّى قتل قَتله بَنو حَمْزَة بشوابة بمساعدة المظفر واشارته غَالِبا وَكَانَ الْقَائِم لَهُ شمس الدّين احْمَد بن عبد الله بن حَمْزَة فِي عَسْكَر جرار

قَالَ شمس الدّين يَوْم لِقَائِه لاحمد بن الْحُسَيْن وَقد انهزم اصحابه تولى

هَارِبا وَهُوَ متمثل بِهِ لَيْسَ من قَتله وَكَانَ الْقَاتِل لَهُ رجل من أهل ضهر راجل وَلم يُبَاشر شمس الدّين لَهُ طعنة وَلَا ضَرْبَة وَلكنه صَاحب الْعَسْكَر وقائده فنسب ذَلِك اليه وقبر بشوابه ثَلَاث سِنِين ثمَّ نقل الى ذِي بَين فَهُوَ هُنَالك الى عصرنا يزار وَمَوْضِع قَبره بشوابه اخبر الثِّقَة انه يُوجد عِنْده رَائِحَة الْمسك وَكَانَ قَتله سنة سِتّ وخسمين وستماية فِي الْيَوْم الَّذِي قتل بِهِ المستعصم فِي بَغْدَاد وَكَانَ قد كتب الى المظفر يحثه على أَحْمد بن الْحُسَيْن حِين بلغه ظُهُوره واقبال النَّاس عَلَيْهِ ووعده على ذَلِك اقطاع مصر

وَكَانَ احْمَد بن الْحُسَيْن امثل ائمة الزيدية الْمُتَأَخِّرين علما وَعَملا وكرما وَلابْن هتيمل بِهِ مدائح كَثِيرَة وَلم يزل اسد الدّين منافرا لِابْنِ عَمه وَهُوَ مُحَمَّد ابْن بدر حسن بن عَليّ بن رَسُول حَتَّى كَانَ سنة ثَمَان وَخمسين وسِتمِائَة طلع عَليّ بن يحي وَالشَّيْخ عبد الله بن الْعَبَّاس مقدمي الذّكر اليه الى صنعاء فَمَا زَالا بِهِ حَتَّى اصلحا بَينه وَبَين السُّلْطَان حَتَّى انزلاه مَدِينَة زبيد والمظفر يَوْمئِذٍ بهَا فَأمر بتقييده وَيحمل للفور والسرعة فَخرج بِهِ من بزبيد وعَلى بن يحي مَعَه مُقَيّد كَمَا قدمنَا ذَلِك مَعَ ذكره وَلما دخل اسد الدّين على ابيه واخيه وَعَمه وَابْن اخيه بدر الدّين جعلُوا يعاتبونه ويخاصمونه فَقَالَ اسْكُتُوا لَا نَكُون كَاهِل جَهَنَّم نتخاصم فِيهَا

وَهَذَا أَسد الدّين كَانَ شجاعا مقداما وَهُوَ الَّذِي نسب اليه يَوْم شعوب يَوْم التقى فِيهِ مَعَ عز الدّين بن الامام فَقتل من أَصْحَابه جمعا كثيرا وابادهم ثمَّ لم يزَالُوا فِي الْحَبْس حَتَّى توفوا بِهِ غير ابْن خضر فاما بدر الدّين فَتوفي سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وستماية وَهُوَ الَّذِي بنى الْمَسْجِد بعكار عِنْد تربة ابيه عَليّ بن رَسُول ووقف عَلَيْهِ وَقفا جيدا لدرسة ومدرس وامام ومؤذن وضيف ان وصل وَقد درست بِهِ أشهرا وَقد مضى اسد الدّين وَعلي بن يحيى وَأما اسد الدّين فَوقف فِي الْحَبْس مُدَّة مديدة ثمَّ تَابَ وَحسنت سيرته فنسخ كتبا ومصاحف ومقدمات ووقف مِنْهَا بِذِي عقيب وَمِنْهَا فِي مدرسته الَّتِي أَنْشَأَهَا

وَمن الاثار الَّذِي احدثها اسد الدّين بقرية الجبابي حَيْثُ كَانَ مَسْكَنه وفيهَا تربته وتربة غَالب ذُريَّته ومدرسة بِمَدِينَة أَب وَبني سدا بقرية قرفة ووقف على الْجَمِيع وَقفا تقوم بِمَا يَلِيق من حَاله وَكَانَ من اخير بني ابيه فِي الدّين والشجاعة وَالْكَرم وعلو الهمة وَكَانَ يَسْتَدْعِي الْفَقِيه احْمَد السرددي وَغَيره من الْفُقَهَاء الى السجْن وَيسمع عَلَيْهِم هُوَ وَعلي بن يحي وَابْن خضر كتب الحَدِيث وَكَانَ لَهُ احسان اليهم وَكَانَت وَفَاته على الطَّرِيقَة المرضي فِي السجْن يَوْم الاربعاء ثَالِث عشر الْحجَّة سنة سبع وَسبعين وسِتمِائَة وَكَانَ من اخير بني رَسُول وَذريته كَذَلِك وهم اقْربْ بني رَسُول الى فعل الْمَعْرُوف ثمَّ الى الدّين وَلَقَد رَأَيْت ذَلِك حَتَّى فِي مواليهم وَخلف عدَّة أَوْلَاد كَانَ مِنْهُم أَبُو بكر يتعانى الْعلم والادب وَكَانَ فَاضلا يَقُول الشّعْر وَله فِي النَّحْو يَد جَيِّدَة وَاجْتمعت ذُرِّيَّة بني رَسُول بقرية الجبابي كَانَ فيهم من قد يَسْطُو على النَّاس بادلال قرَابَة السلطنة وشق ذَلِك بِالنَّاسِ وبالمتصرفين وتعبوا مِنْهُم وَكَانَ مُلْتَزم المخلاف يَوْمئِذٍ مَنْصُور ابْن حسن مقدم

الذّكر فَكتب الى السُّلْطَان يُعلمهُ الْحَال فَعَاد جَوَابه يَا مَنْصُور انْفَكَّ مِنْك وان خشمت وتمثل بقول الاول ... وَإِن كنت اكالا لُحُوم بني ابي ... فلست بمهديها الى كل جازر ... وَللَّه در المظفر مَا كَانَ احسن بره باهله

وَأما وَفَاة عَليّ بن يحي فقد تقدم ذكرهَا حِين ذكرته مَعَ الْفَقِيه ابْن فضل وَأما ابْن خضر فَإِنَّهُ اطلق من الْحَبْس بعد وَفَاة ابْن يحي واقام فِي مَسْكَنه المنظر غربي الجبابي وَكَانَ خيرا فَاضلا باخبار النَّاس ذَاكِرًا للتاريخ كثير مطالعة الْكتب وَلم يزل المظفر وَمن جَاءَ بعده يجْرِي عَلَيْهِ مَا يقوم بِحَالهِ حَتَّى توفّي بتاريخ منتصف شعْبَان سنة سبع وَسَبْعمائة وَسَيَأْتِي من ذَلِك مَا لَاق بَيَانه انشاء الله تَعَالَى فِي أَعْيَان الدولة

وَكَانَ المظفر من أخيار الْمُلُوك قطع المعونة الَّتِي كَانَ احدثها ابوه بِالْيمن وَهُوَ مَال مستكثر يوخذ فِي كل سنة لَا سَبَب لَهُ وَحج فِي سنة سبع وَخمسين وستماية وفيهَا تحالف هُوَ والوزير القَاضِي البها بِمَكَّة فِي الْمقَام وَلما عَادوا اوقع ببني سَلمَة أهل خدير فَقَتلهُمْ قتلا ذريعا وَكَانُوا أهل مَكَارِم ورياسة متأثلة لَكِن كَانُوا قد اعجبوا وبطروا واشاعوا ان السُّلْطَان المظفر قد قتل حِين صَار بزبيد ونهبوا سوق السبت وقافلة وصلت من عدن فاشتكى النَّاس فطلع النَّاس من زبيد وَخرج لَهُم من الْجند عَسْكَر فَكتب الى عبد الْوَهَّاب يُغير مَعَهم فَفعل واسروا وَقتلُوا فالاسراء وصل بهم الْجند كحل مِنْهُم ثَمَانِيَة وَمن ذَلِك الْوَقْت الى عصرنا لم يكادوا بِخَير وَسقط بِلَادهمْ من الْعَرَب وَغَيرهم من قَرْيَة من بِلَاد شهَاب

وَكَانَ قد ظهر بعد احْمَد بن الْحُسَيْن الامام حسن بن وهاس وَكَانَ قَلِيل الظفر وَرُبمَا كسر عسكره واسر ثمَّ ظهر بعده السَّيِّد السراجي الْمُقدم فِي أهل صنعاء وَقد ذكرته فِي عُلَمَاء صنعاء ثمَّ ظهر بعده الامام ابراهيم بن تَاج الدّين فحارب المظفر مرَارًا وظفر بِهِ فِي سنة أَربع وَسبعين وسِتمِائَة فانزله الْيمن اسيرا وأودعه حصن تعز حَتَّى توفّي

وَمن عَجِيب مَا جرى انه كَانَ فِي مَوضِع يعرف بِبَيْت حنبص قَرْيَة من بلد بني شهَاب اخرجه السُّلْطَان مِنْهَا قهرا وَقَبضه فَقَالَ غَازِي بن المعمار

. .. وَلما فتحنا بَيت حنبص عنْوَة ... وجدنَا بهَا الأدواح مَلأ من الْخمر

فَإِن تكن الاشراف تشرب خُفْيَة ... وَتظهر للنَّاس التنسك فِي الْجَهْر

وَتَأْخُذ من خلع العذار نصِيبهَا ... فَإِنِّي امير الْمُؤمنِينَ وَلَا ادري ... وَأقَام المظفر الى سنة 676 فَجهز عسكرا الى الشحر واخذه من بني شجيعة وَقد مضى ذكر ذَلِك ثمَّ جهز بعد ذَلِك الى ظفار عَسَاكِر يطول ذكرهَا برا وبحرا فَقتل صَاحبهَا واسر بَقِيَّة قومه واوصلهم زبيد وهم على ذَلِك الى عصرنا تَحت شَفَقَة الْمُلُوك انْقَطَعت عَنْهُم فِي اثناء دولة الْملك الْمُجَاهِد

وللمظفر رَحمَه الله من الاثار المبقية للذّكر مِنْهَا الْمدرسَة فِي المغربة عَلَيْهَا وقف جامل لمدرس ودرسة وَمَا يَلِيق بِحَالِهَا ثمَّ جَامع المهجم الَّذِي ذكرت ان الْفَقِيه جمال الدّين كَانَ مدرسا بِهِ ثمَّ جَامع وَاسِط المحالب بِهِ درسة ومدرس وَله

مَسْجِد باعلا المغربة يعرف بِالْمَسْجِدِ الْجَدِيد وَله بظفار مدرسة ايضا بناها بعد ان فتحهَا وَله دَار مضيف بِذِي عدينة ثمَّ اخرى بحيس وَله الْجَامِع بِذِي عدينة اذ كَانَ النَّاس يصلونَ الْجُمُعَة بِالْمَسْجِدِ الَّذِي يعرف بِمَسْجِد الرشيدية بِالْقربِ مِنْهَا وبنيت بايامه مدارس كَثِيرَة لاهله ولغيرهم

وَكَانَت دولته اقْربْ الى الرافة وَالْعدْل وَكَانَ يحترم الْعلمَاء والصلحاء ويعتقدهم وَلَقَد اخبرني الثِّقَة أَنه لما اقْطَعْ ابا بكر بن فَيْرُوز بلد صبهان وَحضر الْمقَام فَقَالَ يَا با بكر لنا مِنْك فِي هَذَا المقم ارْبَعْ خِصَال نحذرك ان تتعداها الْعدْل بالرعية ثمَّ ذُرِّيَّة الشَّيْخ يحي بن ابي الْخَيْر وَابْن عَمه عُثْمَان ابْن حُسَيْن ثمَّ قرَابَة الْفَقِيه عَليّ بن سَالم العميدي تحترمهم احتراما كليا فَقَالَ سمعا وَطَاعَة وَهَذِه الْوَصِيَّة يدل على خَيره وتوفيقه

وَبِالْجُمْلَةِ فاوصاف المظفر تطول وذكراته كَانَ لَهُ فِي مصر خَمْسمِائَة فَارس تُجَاهِد فِي سَبِيل الله وَيحمل جوامكها من الْيمن مَعَ مَا كَانَ يحملهُ جنس الْهَدِيَّة الى مُلُوك مصر وَكَانَ فَقِيها نحويا لغويا يكرم الْفُضَلَاء وَكَانَ شهير الذّكر

وَمن عَجِيب ذَلِك أَنه لما بلغه ان ملك الصين حرم على الْمُسلمين فِي بَلَده الاختتان فتعبوا من ذَلِك وضاقوا كتب اليه شَفَاعَة يسْأَله الاذن لَهُم وارسل بهدية توَافق غَرَضه فَقبل شَفَاعَته وَكَانَ من توفيقه تورعه عَن اموال الْوَقْف اذ لَا يعلم انه بحث عَن شَيْء مِنْهَا وَلَا استدعاه بل علقه برقاب الْحُكَّام حَتَّى توفى وَرُبمَا رَجَعَ على الْقُضَاة بِسَبَبِهِ وَيحسن لَهُ مناقشتهم فَلم يقبل ذَلِك وَكَذَلِكَ من تقدمه من الْمُلُوك ثمَّ وَلَده الاشرف مَعَ قصر مدَّته فَلم يحدث شيأ وَفِي سنة تسعين أقطع ابْنه الواثق ظفار وَكَانَ مولده سنة 659 فَتقدم

اليها فِي رَمَضَان فَلبث بهَا حَتَّى توفّي بهَا بتاريخ الْعَاشِر من محرم سنة 711 وَهُوَ خير أَوْلَاد المظفر طَرِيقا لم يذكر عَنْهُم صبوة وَله مُشَاركَة جَيِّدَة فِي الْعلم فقها ونحوا ولغة وَكَانَ يَقُول الشّعْر مِنْهُ مَا كتبه الى ابيه من جملَة قصيدة ... وَمَا انت الا دوحة انا غصنها ... واحسن مَا فِي الدوح عصن مثمر ... وَفِي سنة 694 وَفِي شهر صفر طلع الاشرف حصن تعز بعد اسْتِخْلَاف ابيه لَهُ فِي ثامن عشر من الشَّهْر وَفِي ثَالِث عشر يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث جماديالاولى قلد وَلَده الاشرف الْملك ودعا لَهُ على المنارة وَحلف لَهُ الْعَسْكَر وَجعل حسان اخ القَاضِي البها لَهُ وزيرا وَنشر لَهُ فِي الْبِلَاد ودعا لَهُ على المنابر وعقب ذَلِك تقدم المويد الشحر وَيَأْتِي بَيَان ذَلِك

وَكَانَت وَفَاة المظفر ببستان ثعبات يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث اَوْ ثَانِي عشر رَمَضَان وَدفن يَوْم الاربعاء نقل من الْبُسْتَان الى مدرسته بالمغربة وقبر بهَا وَلم يزل الاشرف مستمرا على الْملك وَقدم فِي الْحجَّة أَخُوهُ الْمُؤَيد من الشحر فَجهز لَهُ عسكرا من الْيمن والبلاد العلياء أَشْرَاف وَغَيرهم فيهم عَليّ بن عبد الله الشريف وَغَيره فَلَزِمَ بقرية الدعيس من ارْض لحج يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع عشر شهر الْمحرم واخرج من سجن الدملوة قَاسم بن حَمْزَة الشريف وَذَلِكَ فِي الْمحرم من السّنة الْمَذْكُورَة وَلم يزل مكرما من اعيان الاشراف حَتَّى توفّي بتعز بعد ان كَانَ المويد استولى على لحج وعدن وابين وَوصل بِهِ صبح الاحد تَاسِع عشر الْمحرم سنة خمس وَتِسْعين وسِتمِائَة وَبِذَلِك الْيَوْم وصلت عمته الدَّار الشمسي الى المغربة فحطت على تربة اخيها المظفر مُدَّة أَيَّام ثمَّ توجعت فانتقلت الى دَار المويد بالميهال فَتُوُفِّيَتْ بِهِ وَذَلِكَ مستهل رَجَب تَقْرِيبًا سنة خمس وَتِسْعين وستماية فَلبث بدار الامارة سنة وأياما

حَتَّى توفّي الاشرف بتاريخ لَيْلَة الثُّلَاثَاء لست بَقينَ من الْمحرم سنة سِتّ وَتِسْعين وستماية فَاخْرُج الخواتين المويد من دَار الادب بليلته وصبيح النوابة كَمَا سَيَأْتِي انشاء الله

وَكَانَ الاشرف خيرا برا بابيه مُطيعًا لَهُ بنى مدرسة على حَيَاة ابيه باسم والدته فِي مغربة تعز وَكَانَ النّخل بزبيد قد تلف أَهله من الْجور فَأمر من افتقده فازال مِنْهُ مظْلمَة عَظِيمَة فِيهِ فتراجع اهله وَهِي من احسن المناقب المعدودة مِنْهُ وَحصل فِي سنته جَراد عَظِيم فَلَمَّا اشْتَكَى الرّعية اليه امْر بمسامحتهم فتوقف عَلَيْهِم وزيره حسان وعارضهم فَشَكَاهُ النَّاس فَخرج اليه جَوَاب ايا فلَان انقصر عَنْهُم وَلَا تفرقهم يصعب علينا جمعهم ثمَّ لما انْتقل الْوَزير ايام المويد وَسكن سهفنة وبخه النَّاس وَقَالُوا انت فعلت مَعنا فبئس ذري الْقَبِيح ذريا

وَمن خصاله الحميدة أَنه اخلص الدِّرْهَم عَن الْغِشّ اخلاصا جيدا وَمن التَّارِيخ اسْتمرّ الْمُؤَيد فِي الْملك ميلاده لَيْلَة السبت ثَانِي وَعشْرين صفر سنة 662 اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وستماية بِمَدِينَة الْجند وَكَانَ اذ ذَاك فِي الْحصن من الخواتين ثَلَاث اختاه وخالته ابْنة الشَّمْس فاما الاخوات فجهة الدملوة وجهة الاسدية الْحرَّة مَاء السَّمَاء وخالته ابْنة الشَّمْس الْعَفِيف وَمن سَاعَة قَامَ اطاعته الْعباد والبلاد وَلم يتمنع عَلَيْهِ الأحصن الدملوة فانه بيد خَادِم الْأَشْرَف وَيعرف بفاخر فامر المويد بحصاره فحوصر وَبَاعَ والى المنصورة ونفسها المنصورة فَدخلت وَلم يسلم الْخَادِم الْحصن حَتَّى اشْترطَا يخرج اولاد سَيّده وَمَا كنزه سَيّده فِيهَا فاجابه المويد الى ذَلِك وَكَانَ الْوَالِي يَوْمئِذٍ التريكي فَلم يكد يفلح بعد ذَلِك وَلَا النَّقِيب ايضا وَقبض الْمُؤَيد الدملوة ووفا للخادم بِمَا شَرطه فاراد ان يَشْتَرِيهِ فاعتقه سَيّده وَهُوَ أَبُو بكر بن الاشرف الملقب بالعادل خشيَة الشرى لَهُ

ودانت الْبِلَاد للمويد طَوْعًا وقسرا وَاسْتمرّ ملكه وَقدم عَلَيْهِ جمع من

الغرباء بعض باستدعائه وَبَعض بِسَمَاع احسانه الى الغرباء فَاجْتمع بِبَابِهِ مِنْهُم جمع كَبِير غالبهم من بلد حماه وَلم يعرف لاحدهم مكرمَة انما قدم من مصر رجلَانِ غزى وَكَاتب هما امثل من سَمِعت النَّاس يذكرهما بِالْخَيرِ وينال من برهما وهما يُوسُف ابْن يَعْقُوب التركماني الَّاتِي ذكره وابراهيم الفتاحي مَا مِنْهُمَا إِلَّا من ذكر بجود مفقودهما باقيان على ذَلِك وَسَائِر من قدم الا قَلِيل رُبمَا انيه عَلَيْهِ عِنْد ذكره فَإِنَّهُ مِمَّن يفرح بمقره عَن مفره وَغلب عَلَيْهِ الْفَقِيه ابو بكر بن مُحَمَّد التعزى مقدم الذّكر ووزر لَهُ اخوه على واسقط ضَمَان الْخمر والتظاهر بِهِ وَجعل الْوَقْف مَعَ ارباب الدِّيوَان نَقله عَن الْحُكَّام وَهَذَا من اكبر مَا احدث فانها ادت الى خراب الْمَسَاجِد وَغَيرهَا اذ أكلهَا النواب وَالْكتاب وَصَارَت تضمن وَذَلِكَ كَانَ باشارة الْفَقِيه وَبَلغنِي انه اراد الرُّجُوع عَن ذَلِك فَلم يحس وَلم يزل على ذَلِك الى عصرنا سنة تسع وَعشْرين وَسَبْعمائة

ولطع الْبِلَاد العلياء ثَلَاث مَرَّات مرّة لحصني الْعَظِيمَة والميقاع ثمَّ سنة احدى وَسَبْعمائة لظفار فَأَشْرَف على أَخذه ثمَّ خودع حَتَّى ارْتَفع عَنهُ ثمَّ لما قتل طغر بك مَمْلُوكه سنة سبع وَسَبْعمائة طلع وَحصل بِصَنْعَاء وَكَانَ قتل طغر بك يَوْم وَفَاة الْفَقِيه بزبيد وَكَانَ طغر بك اُحْدُ الامراء الاخياربل انه كَانَ بِهِ جبروت وَكَانَ شجاعا مقداما اشفق عَلَيْهِ الْفَقِيه واخويه فَجعله اميرا بطبلخانة واقطعه فِي آخر عمره صنعاء فَقتله الأكراد ببلدهم ذمار وَلم يزل الْمُؤَيد ملكا حَتَّى توفّي مستهل الْحجَّة سنة احدى وَعشْرين وَسَبْعمائة وَذَلِكَ فِي بُسْتَان الشَّجَرَة قبلي حصن تعز فَاطلع لَيْلًا الى الْحصن فَلم يفتح لَهُ ابْنه بل أَمر بِتَرْكِهِ فِي خَارجه بدار تعرف بدار

الْعدْل فبيت بِهِ الى الْيَوْم الثَّانِي ثمَّ غسل بألة مدر مشتراه وكفن من السُّوق وَتَوَلَّى غسله الْفَقِيه الظفاري والبهاء الخازندار بِوَصِيَّة مِنْهُ وَكَانَ ذَلِك أول شَيْء استنكره النَّاس من وَلَده الْمُجَاهِد بعده وَأنزل من دَار الْعدْل فقبر بمدرسته الَّتِي احدثها بالمغربة وَلم يحدث غَيرهَا من المأثر الدِّينِيَّة بل ان جمَاعَة من اعيان دولته ابْتَنَوْا مآثر مِنْهَا ان كريمته دَار الدملوة وَدَار الاسدية ابتنتا مَوَاضِع فدار الدملوة بنت مدرسة بزبيد ومسجدا بتعز ومدرسة بظفار والاسدية ابتنت مدرسة بتعز بالحدبة ومدرسة بظفار وجددت بزبيد مَسْجِدا بهَا وَقد ذكرت مَا صنعت بِموضع مُفْرد وابتنى الْفَارِس الخازندار مسجدين أَحدهمَا بزبيد والاخر براس مغربة تعز تعرف بِعَين الدهمة ثمَّ مُحَمَّد بن مِيكَائِيل الَّذِي كَانَ استاذ دَاره صدر دولته ابتني مدرسة بزبيد وَبني البها الخازندا مَسْجِدا بَين مغربة تعز وعدينة وَلما حضر وَلَده المظفر الْوَفَاة اوصى ان يَبْنِي لَهُ مدرسة بقرية الْمُحَارب وَيُوقف عَلَيْهَا ارْض الزعرور فَفعل ذَلِك وَبنى دَار المضيف بالمغربة اياض يُقَال أَنه بِوَصِيَّة من ززوجته الْحرَّة ابْنة اسد الدّين وَكَذَلِكَ الْمدرسَة وَلم يمت حَتَّى قد اسْتحْلف الْعَسْكَر لوَلَده على الملقب الْمُجَاهِد سيف الاسلام فَقَامَ بِالْملكِ وَلزِمَ ابْن عَمه النَّاصِر بعد شَهْرَيْن من قِيَامه على غير ذَنْب وَذَلِكَ لأيام مَضَت من صفر على غدر من تربة الْفَقِيه عمر بن سعيد ثمَّ وصل الْجند فنصب الْوَجِيه الظفاري قَاضِي قُضَاة بِمحضر جمَاعَة من فُقَهَاء تعز وَذَلِكَ أول قدومه الْجند ثمَّ تقدم الى حصن الدملوة ولبث بِهِ أَيَّامًا وافتقد خزائنه وَكَانَ الْمُلُوك قبله إِذا طلعه اُحْدُ مِنْهُم صرف مِنْهُ جملَة مَال مستكثرة على الْعَسْكَر والمرتبين فِي الْحصن فَلَمَّا طلع سَأَلُوهُ ذَلِك فَلم يفعل وَكَانَ ذَلِك ثَالِث كَرَاهَة وقْعَة لَهُ فِي نفس الْعَسْكَر وغالب عقلاء النَّاس اذ اولها منع ادخال وَالِده

الْحصن وَثَانِيها لُزُوم ابْن عَمه النَّاصِر وَثَالِثهَا مَا فعل بالدملوة وَكَانَ فِي أول قِيَامه القايم بِبَاب ابيه رجلَانِ فِي الاستاذ داريه يُوسُف ابْن يَعْقُوب الملقب بِجَمَال الدّين الْخصي رجل غَرِيب من أهل الافضال والنوال وَقد ذكرته والاخر فِي الشد هُوَ عمر بن الامير يُوسُف بن مَنْصُور فقاما بدولة الْمُجَاهِد ثمَّ غلب عمر بن يُوسُف عَلَيْهِ واشيلت لَهُ طبلخانه واقطاع وَضبط الْبَاب ضبطا عَظِيما واقصى الْخصي فطرد عَن الْبَاب وَرُبمَا تكلم عَلَيْهِ الى الْمُجَاهِد بانه مشرم وَكَانَ ابْن يُوسُف من اذكياء الرِّجَال ودهاتهم وَمن اظرفهم بتدبير الْملك وَكَانَ من تَدْبيره انه جهز الْمُجَاهِد على لزم النَّاصِر وَبعث العساكر فِي طلبه فَقبض من تربة الْفَقِيه عمر بن سعيد سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وسبعماية والقابض لَهُ جمَاعَة رَأْسهمْ ابْن الصليحي وَابْن الحريري وَابْن عمرَان المذجحي فَلم يَأْتِ على احدهم مِنْهُم سنة حَتَّى قد اصابته افة واصيب الْجَمِيع حَتَّى فني غَالب من حضر ذَلِك فِي قدر سنتَيْن اَوْ ثَلَاث اخرهم ابْن عمرَان توفّي وَكَانَ اهل جبلة اكثر النَّاس سعيا فِي ذَلِك فاصيبوا بمصيبة مشهروة فاجمع النَّاس ان ذَلِك عُقُوبَة لهجمهم على تربة الْفَقِيه عمر بن سعيد ثمَّ انْزِلْ النَّاصِر من حصن تعز الى عدن فَلم يلبث غير يسير بهَا دون سَبْعَة أَيَّام حَتَّى قتل عمر بن يُوسُف وَلزِمَ الْمُجَاهِد من ثعبات وَقتل مَعَ عمر بن يُوسُف جمَاعَة مِنْهُم الظفاري قَاضِي الْقُضَاة ثمَّ صهره مُحَمَّد بن عَليّ ابْن الْهمام وَكَانَ من افرس اهل زَمَانه واشجعهم ثمَّ مُحَمَّد بن عُثْمَان الْعَبْسِي من عبس حرض وَكَانَ كريم وَفِيه ظلم فَقطع راس ابْن يُوسُف وَابْن الْهمام وَذَلِكَ كُله لَيْلَة الاربعاء ثامن جمادي الاخرى من سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَسَبْعمائة وَلم يصبح الصَّباح حَتَّى قد استقام الْملك الْمَنْصُور ابي الشُّكْر ايوب ابْن يُوسُف بن لمظفر مقدم الذّكر مولده شَوَّال سنة سِتّ وَسِتِّينَ وستماية وَحلف الْعَسْكَر لَهُ وَجِيء لَهُ بالمجاهد من ثعبات فَتَركه مَعَه حَتَّى طلع الْحصن ثَالِث يَوْم ثمَّ اودع الْمُجَاهِد دَار الامارة فَلبث بِهِ على اكرام يُؤْتِي لَهُ بِمَا شَاءَ من طَعَام وشراب وحريم حَتَّى كَانَ لَيْلَة السبت سادس رَمَضَان سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين ايضا دخل عَلَيْهِ جمَاعَة من الْعَرَب الْحصن بمساعدة من بعض البوابة أهل الْحصن وَلم يشْعر بهم الْمَنْصُور حَتَّى

دخلُوا وأمسكوه وأخرجوا ابْن أَخِيه فقعدوه على سَرِير الْملك وصبحه البوابون وَجعل عَمه حَيْثُ كَانَ وَلزِمَ ابنيه التامور بيومه وشمس الدّين بعد أَيَّام وَلزِمَ ابْن عَمه النَّاصِر وَقد كَانَ جمَاعَة من الْعَسْكَر حملوه على الْقيام فخادعه الْمُجَاهِد بِذِمَّة فَلم يكد يستتم قراة الذِّمَّة حَتَّى هجم عَلَيْهِ دَاره وَصَاح الصائح من الْحصن بنهبه ثمَّ نهب بَيت وَلَده شمس الدّين وَبَيت التامور وَابْن عَمه شرف الدّين وَلم يَأْتِ صبحي صبح الْيَوْم حَتَّى صَار بالسجن جمَاعَة خَمْسَة هم الْمَنْصُور وَابْنه التامور والناصر وَابْنه وَابْن اخيه وَالسَّادِس الشمسي لحق بعد ايام وَبَعض حَرِيم الْمَنْصُور بَنَاته الَّذين كن مَعَه بالحصن ونهبت بيُوت الْمَذْكُورين وكشفت حرائمهم كشفا شنيعا فِي ذَلِك الْيَوْم بِعَيْنِه وَلزِمَ خَالَته جِهَة النّوبَة بعد ايام يسيره وَقد نهب بَيتهَا وَفرق بَين الْمَذْكُورين فِي الْحَبْس حبس كلا مِنْهُم بِموضع وَقَامَ مَعَه اتم الْقيام الامير الْغَرِيب بِالْمَعْرُوفِ بالفارس الاليكي وَهُوَ أحد الْأُمَرَاء المعتبرين الواصلين الى الْمُؤَيد لكنه لم يلقه اذ قدم بعد مَوته وَذَلِكَ انه قدم طَرِيق الْحَج فاستراب مِنْهُ عمر بن يُوسُف ابْن مَنْصُور وَعمل عَلَيْهِ حِيلَة افضت الى اذيته ففرجها الله بقتْله وتخلص الامير على وَجه جيد وَاجْتمعت بِهِ فِي الْجند فرايت رجلا لبيبا عَاقِلا وَخرج مخرجا فَذكر عَنهُ بِهِ شجاعة جَيِّدَة وَسمعت من يذكرهُ بِكَثْرَة الصَّدَقَة ومواظبة الصَّلَاة ثمَّ حصل النزاع بَين الْمُجَاهِد وَبَين ابْن عَمه الْمَنْصُور وَذَلِكَ ان الْمَنْصُور كَانَ اطلع ولدا لَهُ يُقَال عبد الله الى حصن الدملوة وَكَانَ بِهِ خَادِم يعرف بريحان الدِّمَشْقِي قدر الله مَوته وَقت طُلُوع الْوَلَد فطلع ابْن الْمَنْصُور الى الدملوة بخداع وَقت الْمَوْت وَاسْتولى على الْحصن واستفحل أمره بِرَجُل حبشِي يُقَال ياقوت يلقب بالافتخار فظبط الْحصن واطلق للمرتبين مَا يحتاجونه فَلَمَّا حبس الْمُجَاهِد اباه واخوين لَهُ هما التامور وَالشَّمْس والناصر وَابْنه وَابْن أَخِيه وَكَانَ عَددهمْ ثَمَانِيَة اذ فيهم حرمتان ابنتان للمنصور تمنع عبد الله عَليّ الدملوة ولقب بِالْملكِ الظَّاهِر وَلم تزل الْمُحَاربَة بَينه وَبَين الْمُجَاهِد اعني عسكريهما واما هما فَلم ينزل عَن حصنيهما وَصَارَ عَسْكَر هَذَا تغير على بلد هَذَا وعسكر هَذَا

تغير على بلد هَذَا وَاسْتَشَارَ الْمُجَاهِد فِي أول خُرُوجه وقعوده بِحَدِيث الدملوة فَأَشَارَ عَلَيْهِ نور الدّين بن حسن وَقد تَركه صَاحب بَابه الا يعرض للدملوة بحصار وَلَا غَيره وَيبدأ بتمهيد قَوَاعِد الْبِلَاد والعسكر فَمَتَى كمل ذَلِك أدْرك من الدملوة مَا اراد فَلم يقبل بل أمره بتجهيز الْعَسْكَر اليها فَفعل فلبثوا عَلَيْهَا نَحْو شَهْرَيْن فخادعهم الظَّاهِر بِأَن اعطي عمرَان المغلسي مَالا فارتفع عَن المحطة وتلاحق النَّاس بِهِ منهزمين وَتركُوا كثيرا من أَمْوَالهم وخيامهم وَكَانَت الدولة فِي أَيَّام الْمَنْصُور قد انضربت وَحدث بأيامه قضيتان مِنْهُمَا الزام الْيَهُود لبس العمايم الصفر والاخرى عزمه على اعادة الْوَقْف الى الْحُكَّام ثمَّ اخلاص الدِّرْهَم اخلاصا جيدا وَكثر الْقَتْل والنهب وَطَالَ الْحَرْب وَكَانَ مُعظم ذَلِك بِنَاحِيَة جبا من ارْض المعافر بِموضع يعرف بالنشمة وَلم يزل يتزايد حَتَّى قتل مَا لَا يكَاد ينْحَصر بَين الْفَرِيقَيْنِ غز وعرب وَقطعت رؤوسهم وطيف بهَا الْبِلَاد ثمَّ فِي أول صفر من سنة ثَلَاثَة وَعشْرين نَهَار الاربعاء ثَانِي الشَّهْر توفّي الْملك الْمَنْصُور بدار الامارة وعقب ذَلِك نزل حسن ابْن الاسد من ذمار بعسكر فحط على الْجند واخذها للظَّاهِر بربيع الاول وَتقدم تعز وَحط عَلَيْهَا سَبْعَة أَيَّام ثمَّ ارْتَفع عَنْهَا فِي الْيَوْم السَّابِع منكسرا بعد أَن قتل من أَصْحَابه مَا يزِيد على مائَة رجل وَقتل من أهل تعز نَحوا من اثنى عشر رجلا وَسلم الله الْجند عَن النهب حِين اخذت اذ كَانَ بهَا ابراهيم ابْن شكر حِين قدم اليها ابْن الاسد وَمَعَ ذَلِك كَانَ خيرا اعني ابْن الاسديه شَفَقَة على الْمُسلمين وَلَوْلَا اختلال البحرية باختلال من هُوَ حِينَئِذٍ يسكن الْجند وَهُوَ حاكمها الْمَعْرُوف بِابْن قَيْصر وَمَعَهُ جمَاعَة لَا بورك فيهم لم يطق ابْن الْأسد على الْجند وَلَا تعز ولبث ابْن الاسد بالجند يَوْمَيْنِ يمهد قاعدتها فنهب عسكره قَرْيَة اليهاقر مَا ظهر وَمَا بطن ونهبوا فِي قرامد مَا ظهر لَا غير وَصَالَحَهُ ساير

الْقرى وَلم يخْطب للظَّاهِر غير جُمُعَة وَاحِدَة خطبهَا ولد ابْن قَيْصر وَابْن الاسد اذ ذَاك محاصر لتعز وَبعد ذَلِك عَاد ابْن الاسد من تعز الى الْجند ثمَّ تقدم الدملوة ثمَّ طلع بَلَده ذمار وَاسْتمرّ امْر النَّاس الى الان على التَّنَازُع فاخذت زبيد وَكَانَ سَبَب ذَلِك ان البحرية لما تغيرُوا فِي الْجند ومالوا الى ابْن الاسد وحلفوا فِي الْجند للظَّاهِر ثمَّ تقدمُوا الى تعز وقفُوا بُيُوتهم وغلبها بالمحارب وعدينه ولحقهم ابْن الاسد وَقد اوعدهم بِشَيْء لم يُمكنهُ الْوَفَاء وغالبهم ايضا مويديه غير أَنه قد كَانَت بواطنهم متغيرة من قَضِيَّة الدملوة الْمُقدم ذكرهَا ثمَّ تَأَخّر الجامكية ثمَّ أَنه انشأ اصاغرهم قدمهم على اكابرهم فَفِي اثناء اقامة ابْن الاسد فِي تعز حصل من سعي بَينهم وَبَين السُّلْطَان الْمُجَاهِد حَتَّى استمالهم وَكَانَ نكثهم بِسَبَب عدم الْوَفَاء لَهُم من ابْن الْأسد بِمَا وعدهم وَلما ولى ابْن الْأسد عَن تعز الى الْجند كَمَا قدمنَا طلع البحرية الى السُّلْطَان وحلفوا لَهُ وَحلف لَهُم فِي الْحصن مِنْهُم بنوا ميكايل ثمَّ اقاموا بُيُوتهم وَمن اعيانهم جمَاعَة نَحْو خمسين فَارِسًا تقدمُوا مَعَ ابْن الاسد الْجند ثمَّ سَبَقُوهُ الى الدملوة فاحسن اليهم الظَّاهِر ورحب بهم وَلم تزل الْبِلَاد مطيعة لولاة الْمُجَاهِد ماخلا المخلاف حَتَّى خَالف ابْن الدويدار وَأخذ عدن كَمَا سَيَأْتِي وَقبل ذَلِك اخذ المماليك زبيد وَسَيَأْتِي بَيَان ذَلِك إِن شَاءَ الله تَعَالَى مَا خلا المخلاف فان اهله تجبروا من رَمَضَان سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وسبعماية وَمن الْجند الى جَمِيع انحاء التهايم مطيعة وأموالها تنساق الى الْمُجَاهِد وَفِي نَفسه من المماليك بعض الامور مَعَ مَا يبلغهُ من كَلَام جهلتهم لكَونه لم يُطلق لَهُم جامكية وَطَالَ بهم الْأَمر وَحرقت قُلُوبهم وَبَاعَ كثير مِنْهُم عدته وشيئا من دوابه واشرفوا على الْهَلَاك فغالب جهالهم الْكَلَام الْقَبِيح حَتَّى كثر ذَلِك وتكرر فِي مسمع السُّلْطَان واغضبه حَتَّى كَانَ فجر يَوْم الْخَمِيس رَابِع جمادي الأول 723 صَاح الصايح من الْحصن باباحتهم قتلا ونهبا واسرا وَقد صَار ابْن شكر بعسكر الْجَبَل حافظين للميدان وَذي هزيم والزعيم بعسكر

تهَامَة حافظين لجِهَة الْجند والشجرة فَخرج جمع مِنْهُم على خيولهم قتل فِي الميدان خَمْسَة وَلزِمَ جمَاعَة فطلع بهم الْحصن جد مِنْهُم وشنق خَمْسَة وَفِي يَوْم الاحد شنق اثْنَان وَفِي الاحد الثَّانِي شنق أخران فَعدَّة من اعدم مِنْهُم فِي ذَلِك سِتَّة عشر شخصا وَكَانَ هَذَا قبل وَفَاء السّنة من قَتلهمْ لعمر بن يُوسُف بِثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ ان من فَلت مِنْهُم لحق بعسكر الظَّاهِر مقيمين بقرية الحوجية فَبعد لَبِثُوا مَعَهم اياما قصدُوا زبيد فساعدهم الْوَالِي لزبيد وَكَانَ مِنْهُم وَهُوَ مُحَمَّد بن طريطه وادخلهم مستهل رَجَب فَكَانَ ابْن ازدمر احْمَد بقرية السَّلامَة فطلع الْبَاب واقتلد باستعادة زبيد فاشيلت لَهُ الطبلخانه الَّتِي كَانَت لَهُ وجهز بِنَحْوِ خَمْسمِائَة فَارس وستماية راجل من الشفاليت وَنزل مَعَهم المشد مُحَمَّد بن عمر الْعِمَاد فحط بالبستان الْمَعْرُوف بالمنصورة بَين القرتب وزبيد وَكَاتب المماليك وكاتبوه ثمَّ كتب الى تعز يطْلب الْمَادَّة ثمَّ ان المماليك قصدوه الى المحطة فَلم يجدوه وهرب جمع من الْعَسْكَر والزعيم فيهم وَثَبت ابْن الْعِمَاد فِي جمَاعَة خيل وَرجل قتلوا وَلم يقبروا بل رمى بهم هُنَالك فِي بِئْر خراب واسر جمَاعَة فيهم ابْن ازدمر وصل لانه كَانَ رَاح ينظر ارضا لَهُ بوادي زبيد وَالْبَاقِي شفاليت وَقتل من البحرية ابيك الدويدار وعربا من اب فشق بهم ذَلِك وَلم يزل ابْن ازدمر بزبيد حَتَّى توفّي اخر شعْبَان وَبِهَذَا التَّارِيخ خَالف عمر بن الدويدار بلحج وابين وحاصر عدن نَحوا من عشْرين يَوْمًا ثمَّ اخذها بمساعدة بعض مراتبيها وهم يافع وخطب فِيهَا للظَّاهِر وَكَانَ دُخُوله عدن قهرا لايام بَقينَ من شعْبَان سنة 723 وصودر ابْن البيلقاني بِبَعْض مَال واطلع واليها الى الدملوة وَبعث بِهِ الى السمدان وَهُوَ من قرَابَة بني النقاش وَالْأَمر مُسْتَمر على ذَلِك الى الان وَالنَّاس فِي ضيق لِكَثْرَة الْخَوْف وَانْقِطَاع الطَّرِيق فَالله يَجْعَل عَاقِبَة ذَلِك الى خير وَيصْلح مَا بَين الْمُسلمين وَيجْعَل امورهم بايدي خيارهم حَتَّى يقودهم الى الْخَيْر وَكَانَ ابْن حُسَيْن واليا للجند من قبل ابْن الاسد حِين قبضهَا

فَكَانَ من اسوء الْوُلَاة تَصرفا وَأَكْثَرهم خِيَانَة لله وَلمن هونائب عَنهُ وقبائحه يطول عدهَا وعزله الْمُجَاهِد برجب لما كثر شكا النَّاس مِنْهُ وَجعل مَكَانَهُ ابْن وهيب العريقي احْمَد فخان وافسد فاعيد ابْن حُسَيْن فَاشْتَدَّ فَسَاده وَظَهَرت خيانته وَوصل ابْن عَلَاء الدّين بعساكر فَجعل يخادعهم وَيذكر أهل الْبَلَد على مَنعه فِي فتح الْبَاب وغرضه من ذَلِك أَن يلْعَب بِصَاحِب الدملوة وَصَاحب تعز وَهُوَ من اشام الْوُلَاة ايضا مَا تصرف بِجِهَة الا تَغَيَّرت وَدَلِيل ذَلِك أَنه لما ولى تعز لم يكد يفلح بل انْفَتح على أَهلهَا الْبلَاء وَالْحَرب حَتَّى طلع البحرية من زبيد وَابْن الدويدار من عدن فَابْن الدويدار قصد الْجند وانتهبها فِي أول ربيع الاول من سنة 724 واسر غَالب الغز الَّذين كَانُوا قد استولوا عَلَيْهَا من أهل اب واخذ خيلهم ثمَّ بعد أَيَّام وصل ابْن اليشوع من الجوة خرج على غير طيبَة من صَاحب الدملوة وَمَعَهُ جمَاعَة من اصحابه أهل ذمار ثمَّ اهل اب وتحالفوا وتصالحوا مَعَ ابْن الاسد وَلم اضع هَذَا الْكتاب جَامعا لعلم التَّارِيخ بل غرضي لي ان لَا اخليه عَن نبذة مفيدة من التَّارِيخ فِيهَا ذكر الْمُلُوك واعيان دولتهم الأخيار لَا سِيمَا الدول الرسولية اذ تَحْقِيق ذَلِك مُمكن فَكَانَ الْغَالِب على الْمَنْصُور فِي أَمر الوزارة بَنو نَاجِي أهل المخادر وَلَهُم اذ ذَاك حصن انور فَلَمَّا توفّي الْمَنْصُور وَقَامَ ابْنه المظفر حاربهم وحاصرهم فِيهِ سِنِين عديدة ثمَّ اخرجهم مِنْهُ على ذمَّة وَصَارَ لَهُ وَبَقِي نَاس سكنوا قَرْيَة المخادر الْمُقدم ذكرهَا وَكَانَ من جُمْلَتهمْ نَاس يشتمونه شتما عَظِيما فَاشْترط فِي الذِّمَّة خُرُوجهمْ عَن الْبِلَاد فَخَرجُوا الى نَاحيَة وصباب الْأُمَرَاء فِي الدولة ايضا معظمهم ابْنا اخيه اسد الدّين وفخر الدّين فَاسد الدّين قد مضى ذكره وفخر الدّين ايضا ذكرته فِي أول قيام المظفر وَكَانَ جبارا عسوفا غير انه كَانَ مَتى نبه على مَعْرُوف فعله وَهُوَ الَّذِي بنى المطاهير بِجَامِع ذِي جبله وجر المَاء اليه ووقف على ذَلِك وَقفا جيدا وابتنى بالعارضة طَرِيقا الى ذِي جبلة

هِيَ مَا بَين ذِي عقيب وجبله وَلم اكد اتحقق وَفَاته وعَلى بن يحي قد مضى هُوَ واسد الدّين ذكرتهما مَعَ ذكر بني مَضْمُون

وَمِنْهُم بدر الدّين مُحَمَّد بن احْمَد بن خضر بن يُونُس بن الحسام اخبرني ثِقَة انهم يرجعُونَ اشراف علويون وَالله أعلم كَانَ فَارِسًا شجاعا وَكَانَ عَارِفًا بايام النَّاس مطالعا لكتب التَّارِيخ ذَاكِرًا لَهَا جمعت خزائنه من الْكتب مَا لم يكد يجمعه خَزَائِن نظرائه وَكَانَ رجلا سليم الصَّدْر وَأمه ابْنة بدر الدّين حسن بن الرَّسُول الْمُقدم ذكرهَا وَلذَلِك تقدم للقائه فَلَزِمَ مَعَه كَمَا قدمنَا غير انه نقل الى حبس عدن مُدَّة ثمَّ خُوطِبَ بِهِ فاعيد الى جده الى تعز وَلم يزل بدار الادب حَتَّى فنى جَمِيع من ترك فِيهِ من الامراء كَانَ اخرهم عَليّ بن يحي مقدم الذّكر ثمَّ اخْرُج هَذَا فسكن دَاره الْمَعْرُوفَة بالمنظر واطلق لَهُ رزق فِي كل شهر حَتَّى توفّي منتصف شعْبَان سنة سبع وَسبع مايه تَقْرِيبًا وَخلف ابْنَيْنِ هما خَلِيل وَعُثْمَان كَانَ جَيِّدين توفّي عُثْمَان بِصَنْعَاء وخليل بَاقٍ فِيهِ خير وَدين وَطَرِيقَة تقرب من طَرِيق ابيه بمطالعه الْكتب وَمَعْرِفَة الاخبار مُقيم بدار ابيه وَبهَا قُبُورهم بدر الدّين ووالده احْمَد زَوجهَا وغالب من مَاتَ من ذُرِّيتهمْ قبر الى جنبهم وَهِي بقرية الجبابي مَعْرُوفَة قد يكون بهَا بعض مرتبي الْمدَارِس وَكَانَت تعرف بالست زهرا كَانَت حازمة عَاقِلَة لَبِيبَة تفعل الْمَعْرُوف كثيرا من مدرس ودرسة ثمَّ استقام الْأَمر للمظفر لم يكن لَهُ من الْأُمَرَاء غير أَسد الدّين على مَا كَانَ بَينهمَا وَعلي بن يحيي والمبارز بن برطاس فانه قدم أَيَّام الْمَنْصُور وَكَذَلِكَ نجم الدّين بن أبي زَكَرِيَّا قدم أَيْضا وَكَانَا أميرين كرديين فَقتل نجم الدّين بحضرموت لبضع وَثَلَاثِينَ وستماية وَابْن برطاس حصلت بَينه وَبَين المظفر مؤاخاة فِي حَيَاة ابيه وَذَلِكَ بحضر الْفَقِيه ابي بكر بن نَاصِر مقدم الذّكر وَكَانَ ابْن ابي زَكَرِيَّا صهرا للمنصور بطرِيق زواج اخته الْمَعْرُوفَة بالنجمية نِسْبَة اليه اذ كَانَ يلقب نجم الدّين

وَقد تقدم ذكرهَا وانها بنت فِي أَيَّامهَا مدرسة على اسْمه وَكَانَ فِي حايته كثير الصدقه وَالْمَعْرُوف وَإِنَّمَا اتى بَنو صَالح من طَرِيقه كَمَا قدمنَا

وَأما المبارز فَلهُ من الاثار جَامع موزع وجامع حيس ووقف عَلَيْهِمَا وعَلى قوتهما وَقفا يقوم بهم وَكَانَ لَهُ كرم لَا سِيمَا على الشُّعَرَاء وَله قرَابَة فِي الْيمن غالبهم ذُرِّيَّة أَخِيه وَكَانَت وَفَاته بزبيد لبضع وَخمسين وستماية وقبره على بَاب سِهَام

وَمن اعيان الْكتاب القَاضِي الملقب بالمكين واسْمه ابو الْعَزِيز دَاوُود احسبه ادركته الدولة المظفرية كَانَ فِيهِ فِي المنصورمكانة عَظِيمَة حكى ان الْمَنْصُور استدعى بِهِ لَيْلًا فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ وجده على فرَاش النّوم قَالَ فغضضت طرفِي خوفًا من ان يكون مَعَه حُرْمَة فَجعل يحدثني واحدثه وَأَنا مطرق اذ بِشَيْء تحرّك فِي الْفرش فازددت اطراقا وتحفظا من رفع رَأْسِي فَقَالَ يَا مكين ارْفَعْ رَأسك فَإِنَّمَا هُوَ الْوَلَد ابو بكر وَلَو كَانَت امهِ مَا حجبناها عَنْك لعلمنا بك فَلم يزدني قَوْله الا تحفظا هَكَذَا سمع مِنْهُ وَهُوَ يُوصي أَخِيه القَاضِي الرشيد بالأمانة والتحفظ حكى انه كَانَ مرّة فِي زبيد يُحَاسب كتابها وَكَانَ بهَا كاتبين يعرف احدهما بالمكين كتب اليه الاخر واخبره بقسط من الْمَنْفَعَة وَرُبمَا ستره مَعَ ورقة وَقَالَ للرسول تقدم بِهَذِهِ الورقة الى القَاضِي المكين فَظن الرَّسُول انه يَعْنِي المشد فاجابها اليه وَهُوَ فِي مَلأ من النَّاس فقرأها وَسكت ولبث الرَّسُول سَاعَة وَذكره الْجَواب فَقَالَ لَهُ روح لَا جَوَاب فَعَاد الى مرسله وَأخْبرهُ الْقِصَّة فداخله فزع عَظِيم وايقن بالعقاب ثمَّ لما اجْتمع بِالْقَاضِي المكين بش بِهِ وانسه وَقَالَ لَهُ على خلْوَة لَا تعد على مثل مَا فعلت فَمَا كل اُحْدُ يحْتَمل فرحمة الله عَلَيْهِ

وَأما اعيان الدولة المظفرية فجماعة بَيت الْقُضَاة والوزارة بَنو عمرَان اولهم

مُحَمَّد بن القَاضِي ابي بكر الَّذِي تقدم ذكر وَالِده فِي الدولة المسعودية ثمَّ ابْن عَمه مُحَمَّد بن اِسْعَدْ الملقب بالبهاء واضيف اليه مَعَ الْقَضَاء الوزارة وَكَانَ فُقَهَاء الْبِلَاد يمقتونه لذَلِك وَيَقُولُونَ لم يكن يعرف اخْتِلَاط القضا بالوزارة الا مِنْهُ حَتَّى صَار ذَلِك اسلوبا لكل من ولي القضا بِالْيمن فَكَانَ وَقد قدمنَا ذَلِك وذكرناهم بِمَا يَلِيق وتوافق عَلَيْهِ العارفون بِهِ وَلَا يُنكرُونَ علينا وَقد ذكرت مَعَ ذكر ابْن الاديب وَغَيره وَكَيف صَار الْقَضَاء اليه وانه انْتقل عَنهُ الى الظفاري ثمَّ عَاد اليه فِي أَيَّام الْمَنْصُور ايوب

وَأما الاعيان الاخيار فجماعة يطول ايرادهم ويشق تعدادهم لَكِن فيهم جمَاعَة امراء وَكتاب فالمتقدم من الْأُمَرَاء قد ذكرت غالبهم كَابْن ابي الْفَهم وَابْن المعمار والمتاخرين مِنْهُم جمَاعَة يَنْبَغِي ان ابدأ مِنْهُم بالفضلاء فَمنهمْ علم الدّين سنجر الْمَعْرُوف بالشعبي اُحْدُ المماليك المنصورية قد ذكرت انه كَانَ واليا فِي حصن تعز يَوْم قتل الْمَنْصُور وَكَانَ عديم النظير فِي الشجَاعَة وطهارة الْفرج بِحَيْثُ انه اشْتهر بذلك فَمن تعسر عَلَيْهَا الْولادَة من النِّسَاء علق عَلَيْهَا بِشَيْء من ازاره وَمَا سمي الشّعبِيّ الا لِأَنَّهُ فِي المماليك لَيْسَ على سيرتهم بل كَانَ عفيفا خيرا فَكَانُوا يَقُولُونَ انه من اولاد شُعْبَة عَرَبِيّ لعقله ولزومه طَرِيق الْخَيْر وَلما تحقق المظفر دينه وانه لم يخل بامانته فِي حصن تعز وَصَارَ الْملك اليه رفع لَهُ طلبخانه واقطعه أَمَاكِن اخرها صنعاء فَعمل بهَا مَا لم يعمله اُحْدُ قبله وَذَلِكَ الْعَرَب والحصون وَكَانَ مَتى خرج مخرجا لم يعلم انه قطع صَلَاة مَعَ شدَّة الْبرد حَتَّى كَانَ النَّاس يَقُولُونَ مَا فِي المحط من يُصَلِّي رَكْعَة غير الْأَمِير وَفِي آخر أَيَّامه سقط عَلَيْهِ الْقصر بصنعا وَقت الْعَصْر يَوْم الِاثْنَيْنِ سلخ ربيع الاخر سنة 682 وَمَعَهُ حِينَئِذٍ السُّلْطَان مُحَمَّد وَعلي أَبنَاء حَاتِم الهمدانيان ثمَّ صهره مُحَمَّد بن بدر بن جحاف من هَمدَان الْجوف وَالْقَاضِي عمر بن سعيد وَكَاتب سره الشَّيْخ ابوب بكر بن عمار من أهل جبله وَكَاتب اخر ومملوكان فنجا مُحَمَّد بن حَاتِم وَعمر بن سعيد وَاحِد

المملوكين والجميع اخْرُج من تَحت الْهدم مَيتا فقبر الامير وَعمل عَلَيْهِ ابْن ينْتَه شمس الدّين عَبَّاس قبَّة فرحمة الله على الْجَمِيع وكاتبه ابْن عمار من اعيان النَّاس يذكر بِالْخَيرِ وَولده مُحَمَّد أحد اعيان الْكتاب وكرامهم وأخيارهم هُوَ الان مُسْتَوْفِي بَاب السُّلْطَان الْملك الْمُجَاهِد مَا ذكر عَنهُ وَلَا رَأَيْت لَهُ إِلَّا مَا يسْتَحق بِهِ الشُّكْر وَعَلِيهِ سمعته يذكر ان ميلاده كَانَ سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وهما قادمان من الديار المصرية فِي الدولة فاولهما ابو المظفر مُوسَى بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن ابي بكر بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن ابي بكر بن بركَة بن عُرْوَة من ولد الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب اصل بَلَده ميافارقين ثمَّ انْتقل عَنْهَا الى الْموصل فغالب أَوْلَاده الْمَذْكُورين ولدُوا فِيهِ ثمَّ ان عَليّ بن ابي بكر قدم الى مصر فاتخذها مسكنا ثمَّ أولد الْحسن بهَا فَنَشَأَ نشوا مُبَارَكًا بِحَيْثُ صَار من اعيان كتاب الدرج بهَا وأولد ابْنه ابا المظفر هَذَا بهَا فَنَشَأَ على الطَّرِيق الْجَمِيل تعلم الْأَدَب والخط ثمَّ بعث المظفر الى مصر الْعِمَاد الْكَاتِب فالتصق بِهِ بعد أَن جلبهم اليه من جملَة جمَاعَة من الْفُضَلَاء فوصلوا مَعَه الْيمن مِنْهُم هَذَانِ الشّرف ابْن الْحداد الحاسب والمسبحي الْكَاتِب فرفعهم السُّلْطَان واحسن اليهم وَكَانَ هَذَا ابو المظفر يلقب بتاج الدّين وَيعرف بِابْن الْموصِلِي من كرام النَّاس بِحَيْثُ لم يكن فِيمَن وصل مذ ذَاك الى عصرنا من يشابهه فِي الْغَالِب علما وادبا وَمَكَارِم اخلاق اِدَّرَكَ ابْن الْحَاجِب الْفَقِيه النَّحْوِيّ بِمصْر فاخذ عَنهُ مقدمته واخذها عَنهُ جمَاعَة من اصحابنا الْفُقَهَاء ثمَّ كَانَ لَا يكْسب درهما وَلَا يدّخر شيا وَلَقَد اخبر الثِّقَة انه لم يكن لَهُ مخدة لنَفسِهِ غير ثِيَابه وَمَتى اشْتَدَّ الوجع اشْترى فرشا ثمَّ مَتى تعافى بَاعه وَكَانَ

راس طبقَة الشُّعَرَاء وَكَانَ يَوْم الْعِيد لَا يَنْصَرِفُونَ من سماط السُّلْطَان الا الى بَيته فَيدْخلُونَ على سماط حسن لَا يقوم الا بِمَال جزيل يقفون هم وَغَيرهم ويأكلون حَتَّى لَا يكَاد يبْقى أحد من الشُّعَرَاء وغالب الْكتاب وَالْفُقَهَاء من أهل الْبِلَاد واعيانها ثمَّ كَانَ بَيته موردا لِذَوي الْحَاجَات من أَعْيَان الْبَلَد فيقفون ببيته على كِفَايَة واحسان وَقد أَخْبرنِي الثِّقَة عَنهُ بمحاسن يطلو تعدادها وَيكثر ايرادها وَلَقَد رَأَيْت من وَصله فِي قَضِيَّة قد صَعب سدها فَقَامَ بِنَفسِهِ وَسَار فِيهَا والمسير اليه لم يكن أَهلا يَأْتِي اليه مثل الفسح لَكِن فعل ذَلِك سَعَة فِي مَكَارِم اخلاقه وَنصحا لطيف اعراقه وَكَانَ غَالب من يصل بَاب المظفر من الاعيان وَالْفُقَهَاء خَاصَّة إِنَّمَا يصل الى بَيته وَيسْعَى هُوَ فِي أمره وَكَانَ حسن اللَّفْظ جيد الضَّبْط ثَابت الْخط وَكَانَ المظفر يجله ويبجله وَيَقُول لَوْلَا رزن سَمعه لَكَانَ يصلح وزيرا ثمَّ إِن وَالِده ايضا كَانَ كَاتب درج فِي الديار المصرية فَقدم رَسُولا الى المظفر وَلما صَار على قرب من تعز كتب هَذَا مُوسَى للسُّلْطَان يسْأَله ان يودعه ويودع اخاه بالحصن لِئَلَّا يسمع كلَاما فيتوهم انه مِنْهُمَا ثمَّ انه لما دخل وَقضى حَوَائِجه عِنْد السُّلْطَان وودع سَأَلَ الاذن بالاجتماع باولاده فَاخْرُج لَهُ فَلم يزده اجْتِمَاعهم على السَّلَام والوداع وَهَذِه رياسة ومبالغة فِي حفظ البواطن للمخدومين وَتُوفِّي فِي الدولة المؤيدية أول سنة تسع وَتِسْعين وسِتمِائَة بعدن بعد أَن نزل صُحْبَة الْمُؤَيد الى هُنَالك وَلم يكن فِي الْبَاب اذ ذَاك لَهُ نَظِير بل خَلفه ابْنه حسن وَهُوَ يَوْمئِذٍ شَاب صَغِير السن واشفق عَلَيْهِ السُّلْطَان والوزير وَهُوَ صَاحب فصاحة وَكَمَال طَرِيقه غير أَنه ابتلى بِشرب الْمُسكر فَبَدَا مِنْهُ فِي حَال ذَلِك مَالا يَلِيق بالمنصب وَغَضب المويد عَلَيْهِ مرَارًا فاقصاه وسجنه لانه وجد لَهُ تزوير كثير على خطه واخذ اشياء من الخزانة وَغَيرهم من المتصرفين ثمَّ امْر السُّلْطَان أهل الخزانة وَغَيرهم ان لَا يطلقوا شياء الا بعد مُرَاجعَته وَاسْتمرّ ذَلِك الى عصرنا وضربه الْمُؤَيد وحبسه

بالتعكر ثمَّ اخرجه واقصاه ثمَّ لما عَاد الْمُجَاهِد الْمرة الثَّانِيَة اسْتَخْلَفَهُ وَكَانَ يدعى الْحساب الفلكي ثمَّ هُوَ فِي عصرنا صَاحب المنصب فِي بَاب الْملك الْمُجَاهِد وَله عَلَيْهِ شَفَقَة كَامِلَة لكِنهمْ غير جمَاعَة ابيه من أهل طَريقَة الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا ولديه فَضِيلَة بالنحو واللغة وَالْعرُوض وَعلم الْحساب وَعلم الْمعَانِي وَالْبَيَان والحساب النجومي وَرُبمَا صنف فِي ذَلِك اشياء وَلما حوصر الْمُجَاهِد فِي ربيع أول سنة أَربع وَعشْرين وَسَبْعمائة هرب الى جبا واقام بهَا وَفِي جمادي الاولى نزل الغياث واستذم واقام بمحطة ابْن الدويدار اياما ثمَّ تقدم الدملوة باذن صَاحبهَا وَكَانَ أَمر النَّاس على الْمُجَاهِد مَعَ ابْن الْموصِلِي يحسنان لَهُ كل قَبِيح ويقبحان عَلَيْهِ كل حسن فبئس الصاحبان كَانَا انهما الا كَمَا قَالَ الله يَا لَيْت بيني وَبَيْنك بعد المشرقين فبئس القرين وَكَانَ لَهُ اخ اكبر مِنْهُ يُقَال لَهُ مُحَمَّد كَانَ ايضا فَاضلا بفن الْكِتَابَة وَكَانَ رُبمَا يفضل على ابيه بشرف النَّفس وعلو الهمة وَولى كِتَابَة الدرج مَعَ الواثق بن المظفر وطلع مَعَه صنعاء فَتوفي بهَا ببضع وَثَمَانِينَ وستماية وَله جمَاعَة اخوه الْغَالِب عَلَيْهِم الْخَيْر والنفوس الشَّرِيفَة والهمم الابية حَتَّى ان الانسان ليعجب مِنْهُم فِي ذَلِك غير انهم يمْتَحنُونَ بالفقر كَمَا هُوَ من طبع الزَّمَان يُمِيت الْكِرَام ويحي السقط واللئام وَالْمَوْجُود مِنْهُم على الصّفة عِيسَى وَإِبْرَاهِيم خالطتهما فوجدتهما على الصّفة الْمُتَقَدّمَة كَامِلين لزمانهما اما المنبجي فَكَانَ يلقب بالناصح وَكَانَت كِتَابَته رُبمَا تقدم على غَيرهَا وَله شعر رائق وديوان صَغِير غالبه فِي ذكر منبج بَلَده ورسوها وَكَانَت لَهُ مسموعات اخذها عَنهُ عدَّة من مدرسي تعز كشيخنا ابْن الصفي وَغَيره وَلم ادركه لاني لم أَدخل تعز لتمييز بَين

النَّاس وَالْقِرَاءَة على الْفُقَهَاء بهَا الا بعد فَقده بِمدَّة وَهَذَانِ هما اكمل من ورد فِي الدولة المظفرية وتأهل بهَا اعني الى الْيمن على مَا بلغه بِهِ فهمي وادركه علمي وَقدم فِي الدولة المظفرية جمَاعَة مِنْهُم شرف الدّين الأربلي كَانَ كثير الْحَج واجتلاب الْكتب لخزانة المظفر وَكَانَ فَاضلا اِدَّرَكَ الرَّازِيّ اَوْ من صَحبه

وَفِي الدولة المؤيدية أَحْمد الساعور نسبه الى قَرْيَة على بَاب دمشق شهد لَهُ بالنحو بِحَيْثُ انه شرح التسهيل فِيهِ وتظاهر للمؤيد بالطب فَجعل لَهُ على علمه رزقا حَتَّى توفّي بتعز فِي الدولة المؤيدية

وَمِنْهُم ابو عَليّ المراكشي كَانَ فلكيا فَاضلا توفّي لبضع وسبعماية وَأوصى بِولد لَهُ الى تعز الى بعض من قر رأ عَلَيْهِ وَهُوَ مَسْعُود المنصوري فَلَمَّا شب ابتنى دَارا بالحميرا هِيَ الَّتِي سكنها بَنو الْمَنْصُور الملقب

وَمن اعيان الْكتاب الشَّيْخ ابو الْخطاب عمر بن مُحَمَّد بن عبد الله بن يحي بن الْحسن الْكِنَانِي يلقب بالبهاء كَانَ من كرام النَّاس وَأهل السماحة فيهم فاراد المظفر ان يُرْسِلهُ الشحر صَاحب ديوَان حِين بلغه ثقته ومرؤته فارسل لَهُ الْوَزير وَهُوَ يَوْمئِذٍ القَاضِي البها العمرني فاجاب فَسئلَ عَن اسْمه فاستحى ان يَقُول باللقب حِين سُئِلَ عَنهُ فَحَضَرَ من عرف القَاضِي بذلك فَقَالَ لقبوه بالعفيف فلقب فَلَمَّا صَار بالشحر زرع الْجَمِيل فِي مَوضِع هُوَ غَيره حَتَّى حُكيَ لَهُ بذلك اخبار وَكَانَت وَفَاته هُنَالك سنة 695 وَمن اعيان الدولة ايضا الشَّيْخ ابو بكر بن مُحَمَّد بن عبد الله بن عَمْرو بن عَليّ بن يحيى الحيد بن عَليّ اليمني نسبا الْكُوفِي بَلَدا قدم يحيى اصنعاء وتديرها وَكَانَ يلقب بالحيد لطول بِهِ ثمَّ ان ابْن ابْنه عَمْرو بن عَليّ صحب الامام الْمَنْصُور صَاحب ظفار وَكَانَ اخوه حَاتِم يترسل بَين الْأَشْرَاف وملوك الغز ثمَّ لما تولى ترسل ابْن أَخِيه هَذَا عبد الله بَين يَدي شمس الدّين أَحْمد ابْن الامام عبد الله بن حمزه وَبَين الْملك المظفر فاعجب بِهِ وَكَانَ اذ ذَاك شَابًّا جميل الْخلق حَافِظًا

للاشعار رَاوِيا للاخبار وَلما توفّي شمس الدّين استماله المظفر الى صحبته فَصَارَ اليه وَجعله من جملَة جُلَسَائِهِ وندمائه وَكَانَ لَهُ عَلَيْهِ افضال كثير وَكَانَ هَذَا عبد الله يحب الْمَعْرُوف واهله وَيحسن اليهم ويغشي مجَالِسهمْ ويغشون مَسْكَنه ويستعينون بِهِ فِي نوايبهم وعَلى الْجُمْلَة فمكارمه اكثر من ان تحصر وَكَانَ من أهل المروات والديانات توفّي على الطَّرِيق المرضي من الامانة وَحفظ الْكتاب الْعَزِيز استظهارا بتاريخ مستهل رَجَب من سنة 698 بِصَنْعَاء فِي الدولة المؤيدية بعد بلغ عمره سبع وَسِتِّينَ سنة 67 وَخَلفه ابْنه مُحَمَّد فالتحق بالمؤيد فِي أَيَّام امرته ثمَّ فِي أَيَّام سلطنته ثمَّ لم يزل مَعَه على اكرام وَكَانَ حسن الالفة كثير التفضل وَاسِعًا لمعارفه وقاصدا بِهِ بجاهه وَمَاله خالطته فَوَجَدته مَعْدُوم النظير وَكَانَ هُوَ ووالده مشاركين لاهل الْعلم بعلمهم فِي فقه مَذْهَبهم والنحو واللغة وجمعت خَزَائِن وَالِده من الْكتب مَا لم تكد تجمعه خزانَة نَظِير لَهُم زَاد اليها هَذَا عدَّة ووقفها بِصَنْعَاء على طلبة الْعلم وَوَقع فِي نفس الْمُؤَيد مِنْهُ شَيْء اوجب غَضَبه عَلَيْهِ فسبجنه بحصن تعز نَحوا من خمس سِنِين وَكَانَ ميلاده سنة 663 وَتُوفِّي على ذَلِك من الْعشْرين من ربيع الاخر سنة 718 وَالْغَالِب ان وافته على هَذَا الْحَال وقبر كَمَا يقبر الغرباء دَلِيل على خَيره ونجد أَهله الْغَالِب عَلَيْهِم الْخَيْر وَلَا سِيمَا ذُرِّيَّة هَذَا عبد الله فان لَهُم محَاسِن يطول تعدادها

وَمن اعيان الدولة أَيْضا ثمَّ من الامراء عَبَّاس بن عبد الْجَلِيل بن عبد الرَّحْمَن قد مضى ذكره مَعَ ذكر قَاضِي عدن ثمَّ ابْنه مُحَمَّد بن عَبَّاس كَانَ امير بطبلخانة شجاعا مقداما غير انه قورن بعجب وَتزَوج بابنة الشّعبِيّ الْمَذْكُور فِي حِصَار تعز وَابْنه عَبَّاس مِنْهَا اُحْدُ امراء الدولة المؤيدية طَرِيقه نَحْو طَرِيق ابيه فِي الفروسية والشجاعة وَغير ذَلِك وَتُوفِّي مُحَمَّد بن عَبَّاس فِي رَمَضَان سنة سبع وَثَمَانِينَ وستماية بعد أَن كحله المظفر بعد سِنِين وَابْنه عَبَّاس محن بِمَرَض النقرس حَتَّى بطلت قواه وَفِي أول حِصَار تعز نزل الى تهَامَة فَهُوَ بهَا الى الان

شهر شعْبَان سنة ارْبَعْ وَعشْرين وَسَبْعمائة

ثمَّ من الامراء جَعْفَر ابْن ابي الْفَهم الملقب عز الدّين كَانَ فَاضلا اقطعه المظفر اقطاعا كَامِلا وَترسل بَينه وَبَين صَاحب بَغْدَاد ثمَّ توفّي ذكر انه حضر مجْلِس المظفر وَعِنْده طير اذا اشير اليه بِالْيَدِ غرد وطرب فاشار المظفر اليه فَفعل مَا يعْتَاد على ذَلِك فَقَالَ ابْن ابي الْفَهم ... لِوَاء الْعَصْر انت فِيهِ سُلْطَان ... عنْدك فِيمَا نرَاهُ حَيَوَان

اجابك الطير اذا اشرت اليه ... ايوسف انت أم سُلَيْمَان ... وَمِنْهُم غَازِي ابْن المعمار ولي المدينتين عدن وزبيد كَامِل الْفَضِيلَة فِي الْمَرْوَة والانساية وَقَالَ الشّعْر وَهُوَ أول من سنّ الْقِرَاءَة فِي مَسْجِد الاشاعر بزبيد بعد صَلَاة الْعَصْر وَالصُّبْح ووقف الْكتب لذَلِك وَقفا جيدا على من يقرا بهَا بِحَيْثُ يسمع من حضر الْمَسْجِد فَيكون ذَلِك عظة وتذكارا بعد ان امْر فنصب فِي جَانب الْمَسْجِد منبرا يقْعد عَلَيْهِ القارى وَلما توفّي وجد تَحت راسه رقْعَة فِيهَا مَكْتُوب

. .. وَشَيخ سؤله ذنُوب ... تعجز عَن حملهَا المطايا

قد بيضت شعره اللَّيَالِي ... وسودت قلبه الْخَطَايَا ... الْحق بهَا وَالِدي بَيْتا ثَالِث هُوَ ... فَاغْفِر لَهُ يَا الالهي ... فانت ذُو الْمَنّ والعطايا ... وَلم اتحقق تَارِيخ وَفَاته وقبره وقبر ابْن الْفَهم بمقابر تعز فِي مَوضِع وَاحِد غير ان قَبره مندرس وقبر ابْن ابي الْفَهم قضاضه بَاقٍ وكتابته بَينه وَمِنْهُم احْمَد بن الامير نجم الدّين حسن بن الْحُسَيْن ابْن احْمَد بن همام ابْن همل الربعِي نسبا والخرتبرني بَلَدا لوالده فاما احْمَد فمولده زبيد نَهَار الاحد مستهل رَمَضَان سنة 653 فَنَشَأَ نشؤ حسنا وَكَانَ من جملَة الْجند الَّذين تقدمُوا

ظفار واخذوها وَلما عَاد ولي جبا فَلبث بهَا مُدَّة ثمَّ نقل عَنْهَا الى ولَايَة المحالب ثمَّ نقل بعد ذَلِك الى ولَايَة زبيد فَكَانَ لَهُ فِيهَا من الاحكام السديدة والسياسة الحميدة عجايب وعرايب بِحَيْثُ يكَاد يقصر عَن ادراكها الْعُقُول من ذَلِك مَا حكى ان رجلا من أهل زبيد فقد امراته اياما فوصله وشكى اليه ذَلِك فَقَالَ لَهُ انْظُر ثِيَابهَا وَمَا فِيهَا من شَيْء لَيْسَ مِنْهَا فَذهب الرجل وَعَاد بقناع حسن فَقَالَ هَذَا لم اعرفه فَطلب المستعملة وسألهم عَن صانعه فعرفوه واستدعى بِهِ وسال عَن من اخذه مِنْهُ فَقَالَ اخذه مني الدَّلال فلَان بِثمن مبلغه كَذَا فاستدعى الامير بالدلال فَحَضَرَ فَقَالَ لمن اشْتريت هَذَا القناع فَقَالَ لفُلَان وَذكر رجلا من أَعْيَان زبيد فَطَلَبه على خلْوَة وَأرَاهُ القناع فَعرفهُ واعترف بالقضية فَقَالَ بَادر باطلاق الْحُرْمَة الى زَوجهَا فاجاب بِالطَّاعَةِ فَخرج وَفعل ذَلِك وَله نَحْو هَذَا الْحِكَايَة حكايات كَثِيرَة يطول ايرادها وَكَانَت زبيد قد فَسدتْ قبل ولَايَته فَلَمَّا ولي لزم المفسدين وعاملهم بالتوسيط وَضرب الرّقاب فهابه النَّاس هَيْبَة عَظِيمَة وَاسْتعْمل الْعدْل وَسَار بِالنَّاسِ على السوية فاحبوه وَلم يزل تِلْكَ عَادَته وَلم يسمع عَنهُ انه اخذ رشوة وَلَا ميز ذَا جاه على ضَعِيف وَفِي الدولة المويدية تولى عدن وساقتني الْمَقَادِير اليها محتسبا فرايته على الطَّرِيق الْمَذْكُور مَعَ اه يُشَارك الْفُقَهَاء بفقههم والتجار بمتجورهم وَله يَد جَيِّدَة بِالْحِسَابِ وانست بِهِ وخالطته لدينِهِ وعقله وَمَا كَانَ يذكر عَنهُ وَهُوَ الَّذِي اخبرني بميلاده وَهُوَ مِمَّن جمعت خزائنه عدَّة من الْكتب النفسية وَلما عَاد المماليك مَدِينَة زبيد بالتاريخ الْمُقدم بَلغنِي انه خرج من زبيد وَصَارَ الى قَرْيَة السَّلامَة للوقوف عِنْد الْفَقِيه عَليّ بن ابي بكر الْمُقدم ذكره من جملَة من وقف كَذَلِك ثمَّ عَاد زبيد وَتُوفِّي بهَا خَامِس وَعشْرين ربيع الاول سنة ارْبَعْ وَعشْرين وسبعماية

ووالده نجم الدّين كَانَ ايضا من اعيان النَّاس قد قَامَ ايام المظفر فولاه زبيد

فتاهل بهَا وَكَانَ ذَا دين وسياسة مَشْهُورَة اخبرني وَالِدي يُوسُف بن يَعْقُوب رَحمَه الله وَكَانَ مِمَّن خالطه قَالَ كَانَ عدلا فِي احكامه بِحَيْثُ يفضل على قُضَاة زَمَانه لصلاحه وعدالته فِي الحكم وَله سياسة كسياسات وَلَده وَكَانَ الامام ابْن عجيل لَا يكْتب الى اُحْدُ لَا سِيمَا من الغز فيلقبه الا الى هَذَا فانه يكْتب اليه نجم الدّين فيفتخر الامير بذلك وَمن سياساته ان حارس خَان زبيد فَتحه ذَات يَوْم وَدخل من دخل على جاري عَادَته واذ بِرَجُل اتى الى خزانَة لَهُ فَوجدَ قفلها قد عصر واخذ مِنْهَا بعض الشَّيْء فاصطاح وَذهب الى الامير هَذَا فاخبره فاستدعي الحارس وَسَأَلَهُ من دخل وَقت فَتحه للباب فَقَالَ فلَان وَفُلَان فاستدعاهم من فوره وشم يَد كل وَاحِد مِنْهُم ثمَّ امرهم بالذهاب فَلَمَّا ولوا استدعى احدهما وَقَالَ ان لم تعد مَا اخذت تَكَلَّمت بك فاجاب بِالطَّاعَةِ واعاده فَقَالَ قَائِل للأمير بِمَ عرفت قَالَ شممت يَده فَوجدت بِهِ ريح الْحَدِيد فَهَذِهِ حكايتان عَنهُ وَعَن وَلَده يسْتَدلّ بهما عَن صِحَة الامور الْمَذْكُورَة عَنْهُمَا وَكَانَ وَفَاته بزبيد سنة 676 سنّ وَسبعين وسِتمِائَة فسالت وَلَده مقدم الذّكر عَن الَّذِي ينتسبون اليه فَقَالَ هِيَ بلد من الرّوم مَشْهُورَة وَهِي بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون لاراء وتا مثناة من فَوق ثمَّ فتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الرَّاء وثاء مثناة من فَوق وَالله اعْلَم وانقضى ذكر من تحققته اهلا للذّكر فِي الدول الْمُتَقَدّمَة وَيبقى ذكر اعيان الدولة المؤيدية فَقَامَتْ والوزارة بايدي الْقُضَاة بني عمرَان حسان الْوَزير وَهُوَ الَّذِي احْلِف الْعَسْكَر للمؤيد وَلم يكد يحدث الاشرف شَيْئا غير الْحَال الَّذِي كَانَ ايام ابيه بل انه زف طبلخانة لاحمد بن ازدمر واقطعه حرض وعزله الْمُؤَيد عَنْهَا وسجنه حَتَّى توفّي وَأخرجه الْمُجَاهِد فَلَزِمَ بَيته فِي تعز حَتَّى قَامَ الْمَنْصُور فَرفع لَهُ طبلخانة واعاده حرض ثمَّ لما قدم الْمُجَاهِد استدعي بِهِ فوصل السَّلامَة ووقف بهَا وَبعث الطبلخانه وَلما خَالف المماليك طلع وَكَانَ مِنْهُ مَا قدمْنَاهُ وَقَامَ بَنو مُحَمَّد بن عمر بالوزارة اشهرا

فبادروا بانتزاع الْمَسَاجِد نواب بني عمرَان وَالْقَبْض عَلَيْهِم والمصادرة لَهُم فاقاموا بذلك كَاتبا يعرف بِابْن الكسارى لأمور يطول شرحها واخرجوا صهرا لَهُم يُقَال لَهُ عمر بن ابي المسعود طَاف الْبِلَاد على الْمَسَاجِد وَغَيرهَا حَتَّى انه صادر نَاسا كثيرا حَتَّى حكى ان نَاسا اخربوا مَوَاضِع بيوتها واتاهم حِين طَلَبهمْ بِمَا فِيهَا وتعطل بذلك عدَّة سبل وَاجْتمعَ فِي أول سنة مَا يزِيد على ماية الف ثمَّ اضيف اليهم الْقَضَاء ايضا واستمروا على ذَلِك وَاسْتمرّ النّظر فِي الاوقاف الى الدِّيوَان السلطاني وَرُبمَا وصل الى الْوَزير من يضمن جملَة وقف المخلاف اَوْ يعضه فَيضمن بمجلسه اَوْ نَائِبه وارتفع الى الخزانة المؤيدية من ذَلِك اموال جليلة اعْتبر الْخزَّان ذَلِك فراؤه سَبَب تناقص احوال كَثِيرَة فِيهَا وَانْقِطَاع اموال جليلة مِنْهَا وَلَقَد سَمِعت بعض الْخزَّان دارية يَقُول قيل للْملك الْمُؤَيد ان الخزانة مُنْذُ دَخلهَا مَال الْوَقْف لم يكن بركَة فَانْقَطع عَنْهَا عوايد كَثِيرَة فاعرض عَن ذَلِك لانه لَا يُصدقهُمْ وَذَلِكَ انه لما فعل لما حسن لَهُ الْفَقِيه اخذ ذَلِك وَكَانَ السُّلْطَان كثير الْبَحْث عَمَّا يرْتَفع من ذَلِك كانه مُتَّهم للوزراء اذ كَانُوا هم المعنيون بهَا وَلَا يدْخل ضَامِنا وَلَا نَائِبا الا من ارتضوه فَلذَلِك كَانَ يحصل مَعَ السُّلْطَان الْوَهم اذ لم يقدروا على رفع مَا رَفَعُوهُ أَولا اذ الْوَقْف لم يكن بهَا بركه وَانْقطع عَنْهَا عوايد كَثِيرَة وَلَقَد كَانَ يَأْتِي عَلَيْهَا كثير من الْأَوْقَات بعد ذَلِك يعْدم فِيهَا الدِّرْهَم الْفَرد وَاسْتمرّ ذَلِك الى عصرنا وَقد تقدم تَارِيخ وفاتهم وَأَقَامُوا شادا للديوان اليمني رجلا غَرِيبا يعرف بَابي الهيجا وَكَانَ فظا غليظا وَكَانَ قَائِما يخدمهم خَاصَّة بِخِلَاف غَيرهم وَكَانَ يمشي فِي غَالب الاحوال على غرضهم وَكَانَ فِي غلظته يذكر عَنهُ خِصَال حميده بَاطِنه لَا يكَاد يصدق بهَا من يرى ظَاهره وَقد عزل مرّة بعمر بن الْعِمَاد وَكَانَ رجلا رَفِيقًا بِالنَّاسِ كاشفا لمضارهم قامعا للظلمة من الْكتاب وَغَيرهم رباه الْمُؤَيد ووالده كَانَ رجلا عَرَبيا كَاتبا مصريا تولى السفارة الى مصر وَهُوَ الَّذِي وصل صُحْبَة التَّاج ابْن

الْموصِلِي والمنبجي مقدمي الذّكر وَابْن الْحداد الحاسب وَكَانَ هَذَا عمر مِمَّن اذا وَصله الْمَظْلُوم كشف مظلمته وقمع ظالمه ثمَّ انه امتحن فِي آخر عمره بِمَرَض فَاعْتَذر الى السُّلْطَان فعذره الْفَقِيه ابراهيم الأصبحي واخوه عمر بن الْفَقِيه مُحَمَّد الذخري انه اخبره انه راي ملكَيْنِ نزلا من السَّمَاء والتقيا على قرب من بَيت هَذَا وَعَلَيْهِمَا لِبَاس اخضر فَقَالَ احدهما للأخر ايْنَ تُرِيدُ فَقَالَ زِيَارَة هَذَا الْبَيْت واشار الى بَيت الْعِمَاد فَقَالَ كَيفَ تزوره وَهُوَ متصرف على يَده مظالم فَقَالَ انه يحترم الصَّالِحين وَيُحب الْفُقَهَاء فاعاد القضا الشد الى ابْن ابي الهيجا وَسمعت جمَاعَة من عدُول الرّعية يثنون عِنْد ذكر المشدين عَن هَذَا ابْن الْعِمَاد وَقَبله عَليّ مُحَمَّد بن عَليّ الهكاري الْمُتَوَلِي للشد فِي أخر الدولة المظفرية ثمَّ فِي الاشرفية قَالَ جمَاعَة من الرّعية كُنَّا مَتى جيئناه ادنانا وَسمع كلَاما وَزَالَ مظلمتنا وان شَكَوْنَا عَلَيْهِ من وَال اَوْ متصرف احضره لنا وَسوى بَيْننَا وَبَينه فِي الْمجْلس وقوى قُلُوبنَا على مقاومته فاذا اتَّضَح لَهُ انه احدثها علينا ظلما اَوْ حيفا عَزله بعد ان يلْزمه اعادة مَا ظلم اَوْ عرفه ككما جرى وامتحن بالدولة المؤيدية باطالة الْحَبْس فِي حصن الدملوة حَتَّى توفّي عَلَيْهِ مُنْقَطِعًا على الْعِبَادَة وَذَلِكَ يدل على خَيره وَكَانَ لَهُ من الاثار المتبقية للذّكر مدرسة اجدثها بزبيد عِنْد دَاره مُسْتَقِيمَة الْحَال الى عصرنا وَله ولد يذكر فِي الْعِزّ بِالدّينِ وَقِرَاءَة الْقرَان وَتَركه الْمُجَاهِد شادا بزبيد فِي رَجَب سنة خمس وَعشْرين وَسَبْعمائة واما ابْن الْعِمَاد فَتوفي فِي أول سنة 713 ثَلَاث عشرَة وَسَبْعمائة بعد موت الصاحب الْوَزير بايام قلايل نَحْو الشَّهْر وابتنى مَسْجِدا مستحسنا بِنَاحِيَة الحميرا بمغربة تعز ووقف عَلَيْهِ وَقفا يقوم بِهِ وَكَانَ يُرْجَى ان تطول الْأَيَّام فيدير لَهُ زِيَادَة فِي الْوَقْف وبمدرس ودرسة وَخلف عدَّة اولاد ولى احدهم الشد مَكَان ابيه فِي سنة 723 وَنزل الى زبيد بعد شكوى الرّعية ان طَرِيقه كَانَت الْعَكْس من طَرِيق ابيه فَقتل من جملَة جمَاعَة على بَاب بُسْتَان الْمُقطعَة المنصورة على قرب من قَرْيَة القرتب وَقد مضى ذكرهَا اعنى القرتب فِي ذكر الْفُقَهَاء بنواحي زبيد والوقعة قد تقدم ذكر وصفهَا واقام القضا الاكبر بَقِيَّة سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَسنة ثَلَاث عشرَة شاغرا عَن زعيم يعْتَمد وَذَلِكَ لما توفّي الْوَزير عَليّ بن مُحَمَّد بن عمر كَمَا قد

بَينا ذَلِك فِيمَا مضى تعرض للوزارة القَاضِي اخوه وَعرض بهَا مَا لَا يُقَال مبلغه ماية الف فاجابه السُّلْطَان ووعده الى يَوْم فاقبل على اصلاح مَا يَلِيق للوزارة فِي دَاره وَلما كَانَ الْيَوْم الْمَوْعُود طلب الْعَسْكَر وَتقدم مِنْهُم نَاس بِأَمْر السُّلْطَان حَتَّى أَن السرعان وصلوا بَيته واذا برَسُول يَأْمُرهُم بالعودة فعادوا وَلم يعلم السَّبَب وَلَا ظهر علم بعد ذَلِك وَبَقِي الامر شاغرا والقضاة مستمرون على مَا هم عَلَيْهِ حَتَّى كَانَ مبتدا سنة ارْبَعْ عشرَة وَالسُّلْطَان بزبيد وَقد ضجر من امور الشَّرْع وَكَثْرَة مُرَاجعَة اهله لَهُ وشكوى النَّاس مِنْهُم فَعرض على الْفَقِيه احْمَد بن عَليّ الظفاري مقدم الذّكر فِي الواردين الى تعز ان يقوم بذلك وَيكون قَاضِي قُضَاة فَامْتنعَ واشار الى جعل ذَلِك فِي وَلَده الْفَقِيه ابي بكر الْمُقدم ذكره فَقبل الْمُؤَيد المشورة وَجعله فَكَانَ على القضا والوزارة جَزَاء وشفقة من السُّلْطَان فاستمر الى سنة سِتّ عشة وحصلت عَلَيْهِ مكيدة وَقَامَ عَلَيْهِ بتحقيقها حقيقها أَعدَاء لَهُ كَثِيرُونَ وَقد ذكرت ذَلِك وَقدم من الغربا جمَاعَة من اعيانهم كسد عدى رفع لَهُ المويد طبلخانة واقطعه اقطاعا لايقا وَذَلِكَ سنة خمس عشرَة فغلب عَلَيْهِ لانه كَانَ حريفا ظريفا حَافِظًا لجملة من الاخبار والاشعار وَجعل يصف للسُّلْطَان جمَاعَة مناهل بَلَده فامر لَهُم السُّلْطَان باموال ويستدعيهم فوصل مِنْهُم جمَاعَة مِنْهُم صهر لَهُ اسْمه عبد الله الوَاسِطِيّ يلقب بصفي الدّين فولاه شدّ بَابه فَسَار سيرة عنيفة وعزله فِي آخر جمادي سنة عشْرين وَلم يعرف لَاحَدَّ من المصارعة مكرمَة مَعَ كَونه قد ورد مِنْهُم خلق كثير واكتسبوا مَالا جزيلا

ثمَّ فِي سنة 17 قدم ابو المحاسن عبد الْبَاقِي بن عبد الْمجِيد بن مُحَمَّد مولده رَجَب سنة ثَمَانِينَ وستماية بِمَدِينَة عدن وَنَشَأ بهَا نشواء جيدا ثمَّ انْتقل بِهِ وباخوته والدهم الى مَكَّة أَقَامُوا بهَا ثَمَانِي سِنِين ثمَّ عَادوا عدن فَقَرَأَ شَيْئا من الْعلم على ابْن الْحرَازِي وَغَيره وتعانى بتجويد الْخط ثمَّ صعد الْجبَال فاقام فِي تعز اياما وَذكر

عِنْد الصاحب وانه صَالح لكتابة الدرج فاستدعاه امْرَهْ بملازمة الْوَظِيفَة واطلقت لَهُ بغله ودواة وَقرر لَهُ رزق هَين لَا يكَاد يقوم بِهِ فنفر من ذَلِك لَيْلًا وَخرج عَن تعز وَلحق بِمصْر وَالشَّام وجالس علمائها واخذ عَنْهُم واخذوا عَنهُ وفرحوا بقدومه وارخه مورخهم وَحسن ذَلِك عِنْدهم ولقبوه بتاج الدّين وَقدم حماة فاكرمه ملكهَا وَهُوَ من بَقِيَّة بني ايوب واحسن اليه ثمَّ لقد اخبرني الْخَبِير لما رَاه معززا مُقَدرا عِنْد الْمُؤَيد مكرما وَكَذَلِكَ عِنْد النَّاس يعدون نَاسا قَالَ لي كَانَ هَذَا عِنْد النَّاس بِالشَّام ومصر مُمَيّزا بِخِلَاف هَذَا بِحَيْثُ من رأى ذَلِك اسْتَقل هَذَا بجنبه وَلم يكن لَهُ وَظِيفَة مقررة لكراهته لذَلِك ثمَّ لما قدم بالتاريخ مر بِمَكَّة فحج وعزم على دُخُول الْيمن اخذ كتابا من قَاضِي مَكَّة وَهُوَ اذ ذَاك الى عصرنا اُحْدُ اعيان الدُّنْيَا الْمَشْهُور لَهُم بالاجادة والافادة وَهُوَ القَاضِي مُحَمَّد بن احْمَد الْمُحب الطَّبَرِيّ مقدم الذّكر ويلقب النَّجْم الى السُّلْطَان الْمُؤَيد فَقبل مِنْهُ وَكَانَ من جملَة كِتَابه الفاظ يخبر بهَا عَن فَضله وَيشْهد لَهُ بِالْعلمِ والكمال فَكَانَ ذَلِك اُحْدُ الاسباب الداعية الى اكرامه خُصُوصا من السُّلْطَان وَكَانَ الْقَائِم يَوْمئِذٍ بِالْبَابِ الامير كسد عدى فَحصل بَينهمَا أنس وَجعل يثني عَلَيْهِ بمقام السُّلْطَان ثَنَاء متكررا فاثر ذَلِك وَزَاد بِقَدرِهِ عِنْد السُّلْطَان وَصَارَ لَهُ بذلك مَحل جيد وَجعل لَهُ فِي كل شهر من الجامكية مَا لم يكن لَاحَدَّ قبله من أهل رتبته غير مَا يفتقده فِي الاعياد وَغَيرهَا واطلق لَهُ اطلاقا جَيِّدَة من الْخَيل وَالثيَاب وَغَيرهَا وَقل مَا ساله شَيْئا الا ووهبه لَهُ وامره ان يقرى وَلَده الْمُجَاهِد النَّحْو وَكَانَ بِهِ عَارِفًا وَفِي اللُّغَة وَالْفِقْه والاصولين والمعاني وَالْبَيَان شَيخا كملا فِي ذَلِك وَهُوَ أول من رتبه الْمُؤَيد بمدرسته لاقرأ النَّحْو وأجرى لَهُ من الرزق فِي كل شهر ثَلَاثِينَ دِينَارا فَلبث يقرى بهَا سِنِين ثمَّ اعتذر فعذر وَلما تحقق فَضله رتبه فِي مدرسة بزبيد تعرف بِأم عفيف فدرس بهَا الْفِقْه فقه عدَّة سِنِين ثمَّ اعتذر فعذر وَأثر بذلك فَقِيها مُحْتَاجا وَله تكرم مستحسن ومناقب تستحسن وَمن ذَلِك مَعَ مَا تقدم شرف النَّفس وعلو همة وشفقة على الاصحاب وعنايته بهم وحمية عَلَيْهِم حاضرين وغائبين تمّ انني صحبته عدَّة سِنِين فرايته لَا يَأْكُل طَعَاما مُنْفَردا وَلَا مَعَ حريمه انما ياكله فِي جمَاعَة

من اصحابه الْغَالِب عَلَيْهِم الِاسْتِحْقَاق واما فِي رَمَضَان فانه كَانَ يمد سماطا يحضر فِيهِ كل لَيْلَة نَحْو من عشْرين رجلا قَرِيبا لَا يدعى غالبهم الا احتسابا لانني رايتهم من الَّذين قَالَ الله فيهم يَحْسبهُم الْجَاهِل اغنياء من التعفف وَلَقَد رايته حَاضر جمَاعَة من أهل الْفضل وَسَار مَعَهم فِي ميدان فيهم من الْأُصُول اَوْ غَيرهَا من الْعُلُوم الْمُتَقَدّمَة الا رايته استظهر على كثير مِنْهُم اَوْ كَاد لما يسمعهم يثنون عَلَيْهِ ويعترفون لَهُ وَلما عَاد الله الْملك على الْمُجَاهِد بن الْمُؤَيد اوقع فِي قلبه مِنْهُ شَيْء فصودر بِمَال لَا اعرف مبلغه ثمَّ انه ضمن جمَاعَة ببقيه الجنبه وَقعد اماما بتعز ثمَّ تقدم الى قَرْيَة السَّلامَة متخفيا فاقام اشهرا ثمَّ لما اخذ المماليك مَدِينَة زبيد دَخلهَا واقام اياما ثمَّ عَاد الى السَّلامَة واستدعاه الطَّاهِر صَاحب الدملوة اليه فَلَمَّا وَصله اكرمه واحسن اليه ثمَّ عَاد الى زبيد فَكَانَ لَهُ من المماليك احترام جيد واحسنوا اليه ثمَّ لما اخرجهم اهل زبيد لحق بالسلامة ثمَّ صعد الدملوة وَقد جعلت ذكره فَارس الاعقاب ثمَّ فِي اخر شعْبَان اخذ الدويدار مَدِينَة عدن قهرا بَاعهَا بعض مرتبيها وهم يافع فنهب اشرافها وَحمله من بيوتها نهبا لم يعْهَد نصف يَوْم ثمَّ فِي الْعشْرين من شَوَّال طلع ابْن الديويدار الدملوة وصحبته خزانَة جَيِّدَة بز وَغَيره وَكَانَ جَعْفَر بن الاعف نزل اليه من الدملوة فِي رَمَضَان فَحسن لَهُ الطُّلُوع حَتَّى طلع ثمَّ جرد عسكرا الى الْجند مقدمه مُحَمَّد بن عمر بن عمر بن علا الدّين الشهابي وَمَعَهُ جمَاعَة من اعيان البحرية كالقصرى ودغشر وَغَيرهمَا فوصلوا الْجند يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع الْقعدَة فحاربهم اهله حَربًا جيدا من السُّور وعادوا خائبين الى قَرْيَة العربة فاقاموا بهَا وَكَتَبُوا أهل الْجند الى السُّلْطَان الْمُجَاهِد يستنجدونه فانجدهم بعسكر خيل وَرجل مقدم الْخَيل الْعَرَب الاليكي وَكَانَ من احسن من وصل من الغربا اهل الْحَرْب وصلوا يَوْم الاربعاء وحاربوا حَربًا جيدا اذا وصلهم اهل جرانع مَعَ احْمَد بن مُحَمَّد العريقي وزحفوا عَلَيْهِم الْجند فَنقبُوا موضعا من الدَّرْب وَلم يظفروا بل

ابعدتهم الْقوس عَن الْبَلَد ان قتل جمَاعَة من رِجَالهمْ فيهم ولد شيخهم مُحَمَّد بن زُرَيْع وجرح جمع ثمَّ فِي يَوْم الْخَمِيس لم يحصل حَرْب بل وصلوا وداروا حول الْمَدِينَة من بعد خشيَة الْقوس وَقعد ابْن علا الدّين فِي المقاضيب سَاعَة جَيِّدَة فَرَاجعه بعض عسكره بَان يزحف على الْمَدِينَة فَقَالَ مَا جِئْنَا على نِيَّة الْقِتَال بل جَاءَ كتاب الْوَالِي ابْن حُسَيْن ابْن ابراهيم وصلنا نستلم الْبَلَد وَمَعَهُ ابْن قَيْصر مساعد وَجَمَاعَة وَفِي عَشِيَّة وصل الطواشي بارع وَابْن الكاملي والورد السنبلي وَبشر الدهاني بفتيان من الشفاليت وَوصل بوصولهم عَسْكَر من الْخَيل وَالرجل فيهم جمع من السرحة فَالله يحسن الْعَاقِبَة فَلَقَد هلك الرّعية وتكلفوا الْخُرُوج عَن الطَّاعَة لشدَّة ظلم المتصرفين لَا سِيمَا رعية الْجند واظن ساير الْبِلَاد كَذَلِك وجبى الْمُجَاهِد اهل السمكر جباية كَبِيرَة لَا ذَنْب لَهُم غير قبُوله للكذب من غير تدبر ورغبة الْوَالِي وَمن عَليّ بَاب السُّلْطَان بذلك ليحصل لَهُم بِجِنْسِهِ الطمع وَلم يخَافُوا على نُفُوسهم وَلَا على سلطانهم من غضب اهل الارض بِالدُّعَاءِ وَلَا أهل السَّمَاء باستجابة الدُّعَاء وانصاف المظلومين وَكَانَ فِي الْجند وَال لَهُ فِي الخداع وَالْمَكْر بالملوك وَالنَّاس بِحَيْثُ كَانَ ياخذ من الْمُجَاهِد جامكية وَمن الظَّاهِر جامكية وَلما طلع ابْن عَلَاء الدّين بالتاريخ الْمُقدم خادعه من فتح الْبَلَد حَتَّى عَاد الدملوة خائبا ثمَّ ادب النَّاس فِي الْجند ونواحيها فجباهم لنَفسِهِ وللغيان وللسلطان مَالا جزيلا حَتَّى اضربهم ذَلِك ثمَّ عَزله السُّلْطَان بِابْن الْحِجَازِي فَلَمَّا صَار يتعز اراد الغياث هَلَاك اهل تعز فولاه حصن تعز فبدو فتشأم النَّاس بِهِ وَلم يكادوا يَخْلُو عَن تشوش غالبه مِنْهُ والشفاليت مَعَ الغياث يَنْقَلِبُون على بيُوت النَّاس وينهبونها وياخذون اخشابها ويوقدونها وَلما طَال ذَلِك مِنْهُم امسك وَالِي عدينة مِنْهُم شخصا وَذَلِكَ ثَالِث عشر صفر سنة اربعة وَعشْرين وسبعماية وَأمر بِهِ الْحَبْس فَلَمَّا صَار بالحصن اصطاح بِنَفسِهِ فَضرب الَّذِي اطلعه وخلاه فانف الاجناد من ذَلِك فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الثَّانِي

بعد صَلَاة الْجُمُعَة حصل بَين الاجناد والشفاليت حَرْب عَظِيم عصب فِيهِ أهل المغربة مَعَ الاجناد اذ غالبهم مِنْهُم واستغاروا بَاهل صَبر وَاسْتمرّ الْحَرْب وَدخل القَاضِي وابنا شكر وبانا فَيْرُوز بَينهم على انه يعطيهم مَا يعتادونه من الجامكية وَلَو شهرا وَاحِدًا وَيبعد الشفاليت فَلم يساعد الى ذَلِك وتتسامع البحرية وَغَيرهم بذلك وكاتبهم اصحابهم وَكَانَ النَّاس قد كثر عَلَيْهِم الظُّلم بتعز فَمَا مِنْهُم الا من هُوَ كَارِه وقدمت البحرية من زبيد الى تعز يَوْم الثُّلَاثَاء لثلاث مضين من ربيع الاول من سنة ارْبَعْ وَعشْرين وسبعماية وحطوا مَا بَين الاجناد والسايلة واذموا على النَّاس وحصلت الْمُحَاربَة بَينهم وَبَين الشفاليت مرَارًا وَكَانَ اعيان محطتهم اذ ذَاك ثَلَاثَة الشريف دَاوُود بن قَاسم بن حمزه ثمَّ مُحَمَّد بن طريطيه الْمَذْكُور فِي الْكتاب ثمَّ الْبَهَاء السنبلي وَفِي جمادي الاول ظهر ابناء المظفر بتهامة وَقَامَ مَعَهم المعازبة اصل خُرُوجهمْ من قَرْيَة السَّلامَة وحصلت بَينهم وَبَين المماليك حروب كَثِيرَة خرج من محطتهم من تعز بِسَبَب ذَلِك جمع كَبِير وهم الان فِي المعازبة لم يكَاد يظفرون بطائل وَكَانَ خُرُوجهمْ من عمهم مغاضبين اذ ناكروه لانه اقصاهم ومنعهم مَا يعتادونه من الجامكية والاقطاع واقاموا بِبَيْت الْفَقِيه اياما لم يدْخل بَينهم وَبَين عمهم اتِّفَاق بعد ان سعى القَاضِي جمال الدّين فِي ذَلِك اشد سعي ثمَّ ان الاشراف من صعدة وحرض لما بَلغهُمْ تغلب المماليك على التهائم اجْتَمعُوا وقصدوهم فَلم تحصل بَينهم حَرْب بل لَقِيَهُمْ ابْن طريطيه وصالحهم بِمَال جزيل قيل ثَلَاثُونَ الف اَوْ نَحْوهَا وَفِي الاحد حادي عشر ربيع الاول من السّنة قدم عمر بن بَال بَال الدويدار الْعلم بعد ان انتهب الْجند وَأَقَامُوا بهَا نَحوا من نصف شهر فحط بالجند حَيْثُ كَانَ الْمُلُوك يمدون السماط فِي الاعياد وَلم يجنب الجؤه بل مر بالحاضنة وَصدر من الْجند مُحَمَّد بن ابي بكر سنجر الى عدن يطلع المنجنيق فاطلعه غَالب اخشابه مربه الحاظنة والشهم والفخذين ركبُوا الْبَحْر الى موزع ثمَّ حملُوا من موزع الى تعز وَركب وَرمى بِهِ الى الْحصن عدَّة احجار فِي

الْغَالِب لم يكد يُؤثر وَرُبمَا ذكرُوا انه حصل فِي بَعْضهَا فرج ثمَّ فِي الْعشْرين من جماد الاولى تكسر وَنزل صَاحبه بُسْتَان الشَّجَرَة فَقطع مِنْهُ اخشابا جزيلة وهم على اصلاحه اذ ظهر للمجاهد مِنْهُ مَا كَانَ يَكْتُمهُ فاخرجه عَن الْحصن اخراجا جميلا وَخرج ابْن بوز الملقب بالغياث من الْحصن خداعا مِنْهُ فاقام مَعَ ابْن الدويدار اياما قَلَائِل ثمَّ تقدم الدملوة فَحلف للمتغلب عَلَيْهَا انه نَاصح ومجتهد فَكَانَ مِنْهُ مَا سَيَأْتِي وَفِي اثناء ذَلِك بعثوا من يَأْتِيهم من الدملوة بمنجيق اخر فوصل بِهِ وَمَعَهُ الافتخار ياقوت وَابْن بوز احْمَد بن مُحَمَّد الملقب بالغياث فَكَانَ لَهُ من الِاجْتِهَاد مَا يدل على قلَّة مرؤته وَعدم انسانيته اذ قَاتل الْمُجَاهِد مَعَ كَونه احسن اليه احسانا لم يسْبقهُ اليه اُحْدُ وابوه الْمُؤَيد احسن الى بني بوز احسانا بِحَيْثُ لم يذكرُوا الا بايامه بالطبلخانات والاقطاعات وَكَانَ الغياث يرْجم بالمنجنيق الى الْحصن كل يَوْم فَوق اربعين حجرَة وَاسْتمرّ الْحَال هَكَذَا الى دواخل من رَجَب

وَقد تطلع النَّفس الى أخبارابن الدويدار فَهُوَ عمر ابْن بَال بَال العلمي اذ كَانَ صَاحب دَوَاة سَيّده سنجر أرمني النَّوْع رومي الْجِنْس من المماليك المنصورية وَيعرف بالشعبي الامير الْمَشْهُور فِي الدولة المظفرية وَقد تقدم من ذكره مَا لَاق وَلما توفّي على الْحَال الْمُقدم قَامَ مَمْلُوكه هَذَا بَال بَال واخذ حملا وعلما وَخرج بِهِ لقِتَال الاشراف وَقد هموا بِقِتَال الغز وطمعوا بِصَنْعَاء حِين بَلغهُمْ موت الشّعبِيّ فباغتهم هَذَا الْمَمْلُوك وهاجمهم الْحَرْب وكسرهم كسرة شنيعة وَعَاد صنعاء مؤيدا منصورا فحين بلغ المظفر ذَلِك شقّ عَلَيْهِ واستعظم وخشى أَن يتجرأ بذلك على مَا هُوَ اعظم مِنْهُ فكتم ذَلِك بباطنه واطلع ابْنه الواثق فاقطعه صنعاء ثمَّ بعد ذَلِك بِمدَّة كتب لَهُ يَأْمُرهُ بلزمه ويودعه سجن حصن براش فَلبث بِهِ مُدَّة سِنِين ثمَّ بعد ذَلِك توفّي فَقيل أَنه عمل غزلا كَبِيرا شبه الحبال اذ كَانَ يُؤْتى لَهُ بالغزل على أَنه يعْمل مِنْهُ تكات فَلَمَّا صَار عِنْده مِنْهُ جملَة مستكثرة بِحَيْثُ ظن أَنه يصل الارض يدلى بِهِ لَيْلًا فَلَمَّا انْتهى الى طرفه نظر واذا بَينه وَبَين الارض أَكثر مِمَّا بَينه وَبَين الْموضع الَّذِي نزل مِنْهُ فترت يَده وَوَقع مَيتا وَالله أعلم وَقيل أَنه تحيد مُتَعَمدا تخشيا مِنْهُ اَوْ لأمر بلغ الْمُتَوَلِي بِصَنْعَاء يَوْمئِذٍ وَالله أعلم وَأما ابْنه عمر فَإِنَّهُ

رباه الامير عَبَّاس بن عَبَّاس مُحَمَّد الْمُقدم الذّكر واستخرجه فِي أَيَّام امرته وولاه اقطاعه الَّذِي أقطعه الْمُؤَيد فَخرج شهما حازما شجاعا وَولي بعد ذَلِك لحجا وابين من قبل الْمُؤَيد ثمَّ فِي أَيَّام الْمُجَاهِد ولى عدن واظهر للمجاهد نصحا صافيا فشال لَهُ طبلخانه واقطعه ابين ثمَّ فِي سنة 723 ثَلَاث وَعشْرين وَسَبْعمائة فِي شعْبَان ظهر مِنْهُ الْخلاف على الْمُجَاهِد والميل الى صَاحب الدملوة فحاصر عدن ثمَّ أَخذهَا كَمَا قدمنَا وَحدث مِنْهُ مَعَ المماليك كَمَا قدمْنَاهُ وهوالان مُقيم على حِصَار تعز بهمة عالية وَذَلِكَ سلخ رَجَب سنة ارْبَعْ وَعشْرين وسبعماية

وَكَانَ المنجنيق أول من ركب فَوق الْمدرسَة الْعليا تعرف باسم السُّلْطَان ثمَّ اشتور وَجعل هُوَ المنجنيق الَّذِي وصل بِهِ عِنْد الْمدرسَة المظفرية احدهما قبليها وَالْآخر يمنيها ثمَّ اسْتمرّ الرَّمْي فَذكرُوا انه قدر فِي الْحصن الى سلخ رَمَضَان بِنَحْوِ من الفي حجرَة فاخربت وَجه الْحصن ومناظره الْعليا من قبل المغربة دون الدَّاخِلَة وَمَا كَانَ بِوَجْه الْحصن من عدينه وَفِي عَاشر شَوَّال هم المماليك باخذ المحطة ونزول التهايم فتعب ابْن الدويدار وَاجْتمعَ لَهُم وَفتح عَلَيْهِم فَقَالُوا نَحن بِلَا جامكية فَقَالَ انا اقرضكم بعض شَيْء بَيْنَمَا اكْتُبْ الى السُّلْطَان فاقرضهم الف دِينَار فضَّة فاقتسموها وبقوا وَتَقَدَّمت الى زبيد منتصف شَوَّال فَلبث بهَا أيلما وعدت وَقد كَانَ حدث بتهامة الى المعازبة لما وجدوا الشريف طَالَتْ غيبته عَن القحمة اذ هِيَ اقطاعه والعماليك ايضا الْجَمِيع بمحطة تعز هجموا القحمة واتهبوها واخربوها فَنزل الشريف وَجَمَاعَة من المماليك مغيرين ورتب الْقصرى فِي القحمة وَكَانَ مُعظم قبايلهم مَعَه فَقتلُوا فيهم طوايف وتراجعت القحمة وابتني النَّاس بهَا وَقد كَادَت تتكامل اذ اقبل الزعيم والاشراف من صعدة والمخلاف السُّلَيْمَانِي وَابْن عَلَاء الدّين وَابْن الاسد وَابْن اليسوع وَذَلِكَ انهم عيدوا الاضحي فِي المحالب وَكَانُوا قد وصلوا قبل ذَلِك كَمَا قدمنَا وَحصل بَينهم الصُّلْح واما وصولهم هَذِه الْمرة فغالبه بِتَوْفِيق الله واهتمام الزعيم وَقيل ان المتغلب على الدملوة لما تحقق مُخَالفَة المماليك لَهُ كتب الى الاشراف يحثهم على حربهم وقتالهم وبذل لَهُم مَا شَاءُوا كَانَ ذَلِك تَأْكِيدًا لتحريك الزعيم وَكَانَ ابْن طريطيه قد ترك المحطة فِي شَوَّال

واستناب السنبلي فَكَانَ أَكثر اقامته فِي حيس فَلَمَّا سمع المماليك باقبال الاشراف وَغَيرهم إِلَيْهِم اجْتَمعُوا فِي الكدرا فراسلوهم يطْلبُونَ مِنْهُم مَالا فَقَالَ المماليك مَا مَعنا غيرالناشي فَلبث الاشراف اياما يسيرَة ثمَّ قدمُوا المهجم فلبثوا بهَا كَذَلِك ثمَّ قدمُوا الكدرا ولقيهم المماليك الى الْوَادي الْمَعْرُوف بجاحف وَكَانَ الاشراف فِي الف فَارس وثلثمائة فَارس وَنَحْو من الف رجل لَا غير وَذَلِكَ فِي منتصف الْحجَّة فَحصل الْحَرْب بجاحف وَقتل من الْفَرِيقَيْنِ جمع وانكسر المماليك بعد أَن قَاتلُوا قتالا لم يشْهد مثله وكسروا الاشراف وَلَوْلَا تناكفوا ونكفهم على ابْن مُوسَى وَقَالَ الى ايْنَ الْمَهْرَب فَقتل من المماليك عدَّة من اعيانهم اللثة والسراجي واريك الصارمي واطبيه المحمودي وَكَانَ يذكر انه اشجعهم واسر جمَاعَة مِنْهُم الْقصرى والصارم ابْن مِيكَائِيل ابْن الريَاحي وَلم تكن المعركة غالبه الا للمماليك لَا سِيمَا المحمودي فالقصرى وقف فرسه فَلَزِمَ وهم الاشراف بقتْله منع مِنْهُ عَليّ ابْن مُوسَى وَقَالَ مثل هَذَا لَا يقتل لَو أَن فِي أَصْحَابه عشرُون مثله لم يقم اُحْدُ بِوُجُوهِهِمْ وَأما المحمودي فَضرب على يَده حَتَّى بطلت وَخرج هَارِبا حِين انْكَسَرَ اصحابه فَوَقع فِي بلد المعازبة اَوْ غَيرهم مِمَّن كَانَ قد قتل فيهم قتلة عَظِيمَة واثر فيهم تَأْثِيرا عَظِيما وَذَلِكَ فِي المعركة فِيمَا تقدم والى ذَلِك اشار بعض من مدحه فِي قصيدة كَبِيرَة مِنْهَا مَا حفظه الممثلى ... اطبيا الْمَحْمُود فائض الْجُود فَارس الْخَيل ... بدر ملتقى ضِدّه بباس شَدِيد

علم النَّاس كَيفَ قتل الأعادي ... وحصاد الرؤوس قبل الحصيد

فعلت خيله بَاهل ذوال ... مثل فعل الرِّيَاح فِي يَوْم هود

صَيْحَة لم تذر على الأَرْض مِنْهُم ... غير طِفْل بمهده اَوْ وليد

هَذِه الصَّيْحَة الَّذِي انْزِلْ الله ... تَعَالَى من قادم فِي ثَمُود

اخذتهم صواعق التّرْك حَتَّى ... أهلكت جملَة بِغَيْر عديد ...

. . لبسوا للوغا قُلُوب حَدِيد ... جَعَلُوهُ وقاية للحديد ... وَمن عَجِيب مَا جرى انه قتل اخوين لاحدهما ابْن وللاخر بنت فزوجهما ثمَّ قتلا عقيب الاملاك فَسَأَلَ الصَّبِي تَمام الْعرس فَقَالَت الصبية لَا تعرفنِي وَلَا اعرفك حَتَّى تأتين براس اطبيا المحمودي فَقَالَ هَذَا مَالا استطيعه انا وَلَا أكبر مني ثمَّ استمرا على الهجر حَتَّى كَانَت وقْعَة الكدرا ساقته الْمَقَادِير على الصّفة الْمُتَقَدّمَة اليهم فحين علم الصَّبِي خرج فِي جمَاعَة فوقعوا بِهِ فَقَاتلهُمْ سَاعَة وقتلوه وَقَطعُوا راسه وجا الى زَوجته فَبَاتَ عروسا وَبَات بَنَات الْحَيّ يقلن فِي السمرَة

. .. يَا صبية قومِي العبي بالدف ... فاطبيا المحمودي وَقع فِي الْكَفّ ... وَرجع المماليك زبيد وطلق الْقصرى بولدي عَلَاء الدّين مُحَمَّد اذ كَانَ المماليك غيروه بزبيد فَلم يحفل بهم القصري وَلم يكد يفهمهم بل صَار كالشامت لَهُم وَجه وَابْن طريطيه خرج فِي لِقَاء الاشراف وليعمل فِي صلحهم فوصل بَيت الْفَقِيه ابْن عجيل وراسلهم وَحصل الصُّلْح على يَد ابْن عَلَاء الدّين على ان الْقصرى يسلم عشْرين الْفَا وَفرس وَبغلة بزنار وَهُوَ يغالطه خساسة ويعيدهم بانه بقيمهم فَلَمَّا اتم الصُّلْح بَينه وَبَين الاشراف لم يحفل بهم وَلَا رفع لَاحَدَّ مِنْهُ شَيْئا الا الْقصرى فانه اعطاه فرسا بعدة جَيِّدَة وَلم يُعْط البَاقِينَ شَيْئا فَخرج المماليك الى السَّلامَة على وَجه الْغَضَب فتخشى مِنْهُم وَأمر اليهم الجمالي يصلحهم فوصل اليهم وَقعد مَعَهم وَلم يخرج الْقصرى عَن زبيد واما محطة تعز فانه لما بَلغهُمْ قَتله المماليك بالكدر الم يسْتَقرّ لَهُم قَرَار وَذَلِكَ انه بَلغهُمْ الْعلم يَوْم الْجُمُعَة لعشرين من الْحجَّة وصبروا الى الْمغرب وحملوا اعني المماليك ثمَّ ان ابْن الدويدار لم يقر لَهُ قَرَار بعدهمْ وهم بِالسَّفرِ فَنزل الله ابْن عنوان فَقَالَ لَهُ لم تروح فَقَالَ راحوا المماليك فَقَالَ يروحوا بلعنة الله وانا ارتب هَل صَبر بمحطتهم فتشكك

فِي صَلَاح ذَلِك سَاعَة ثمَّ امْر بالتحميل فَحمل عسكره لَيْلَة السبت نصف اللَّيْل والمماليك اول اللَّيْل وَكَانَ ابْن وهيب الاصفر قد وَصله مُسلما ومعوذا فَلَزِمَهُ وَسَار بِهِ مَعَه الى لحج ثمَّ ان اخاه احْمَد بعث فِي طلبه جمعا كَبِيرا من مَشَايِخ الصُّوفِيَّة ومشايخ الْعَرَب فَلم يُطلقهُ الا بجبية مبلغها الف دِينَار وكسوروكتب ابْن الدويدار بِجمع على عدن يُرِيد استعادتها قهرا على كره الظَّاهِر وَغَيره فَقَدمهَا فِي اخر صفر وحاصرها حصارا شَدِيدا فخدع بِالصُّلْحِ وَكَانَ ذَلِك باشارة السُّلْطَان وَجَمَاعَة من الغز خَلِيل وَالْجمال الخصى وَغَيرهم فاصلح مضمرا بهم الْهَلَاك وَحين تمّ صلحهم على الْبَاب خَارج عدن قَالَ للوالي بني أَنِّي اريد ادخل قَالَ لَا بَاب الْبَلَد بلدك الا انك تعلم الضعْف بعدن وَأَهْلهَا فاذا احببت تدخل فبمن يَلِيق مِمَّن يعقل لَا يحصل مِنْهُ تشويش فَدخل بِجَمَاعَة وَهُوَ غير حاسب لَاحَدَّ محتقرا لجَمِيع من فِي عدن فَبَاتَ بهَا لَيْلَة على شرب الْمُسكر ثمَّ اصبح فَدخل الْحمام فَقعدَ فِي مخلعه فَقَالَ لَهُ بعض منيرده يَا مَوْلَانَا اخذت الْبَلَد للظَّاهِر ام للمجاهد فَلم يجبهُ فكرر عَلَيْهِ فحرك رَأسه وَقَالَ عَبده حيدار يُقَال لَهُ المياح قد فهم مُرَاده فَقَالَ هَذَا الظَّاهِر وَهَذَا الْمُجَاهِد واشار اليه فَتَبَسَّمَ فَنقل ذَلِك الى الْوَالِي وانه يتوعده فَجمع لَهُم جمَاعَة وامرهم بالهاجم عَلَيْهِ بِقَيْد فَهَجَمُوا وقيدوه واخرجوه فروجع فِي قَتله والمحطة بهَا اخوه خَارج الْبَلَد ينتظرون خُرُوجه فَقتل فِي يَوْم السَّابِع فِي ربيع الاول قبل وَفَاة السّنة من نهبه للجند باربعة ايام قتلا شنيعا وصيح الى المحطة بذلك فَخرج أَهلهَا مِنْهَا هاربين وَلحق اخوه بالحصن الَّذِي كَانَ قد بناه الْمَعْرُوف بمنيف فَلم يكد يقف غير ايام قلائيل حَتَّى اخذته بَطْنه وَتُوفِّي وَمن عَجِيب مَا ذكر انه لما ولى لحجا وابين وَاسْتمرّ عَلَيْهِمَا مَعَ عدن هُوَ واخوته آساءوا السِّيرَة فِي الرعايا وَغَيرهم وَلم يكد يحل الصَّالِحين وذراريهم وَلَا الرَّبْط وَأَهْلهَا

فَذكر لي ثِقَة عَن رجل من ذُرِّيَّة الْفَقِيه سَالم صَاحب مَسْجِد الرِّبَاط انه رأى فِيمَا يرى النايم ان الْفَقِيه ابا بكر بن مُحَمَّد بن سَالم مشمرا عَن سَاقه وكانه فِي حَرَكَة قَوِيَّة فَقَالَ يَا سَيِّدي مَا الَّذِي انت فِيهِ اَوْ كَمَا قَالَ فَقَالَ يُرِيد ناخذ بالثار من اهل الدويدار وَكَانَ قد اسأ اليهم فِيمَن اساء اليه فَلم يقم ابْن الدويدار غير يَوْمَيْنِ اَوْ ثَلَاث حَتَّى دخل عدن وَكَانَ من امْرَهْ مَا كَانَ وجهز ابْن الصليحي عسكرا الى لحج فقبضها ثمَّ ان اخا ابْن الدويدار كتب الى السُّلْطَان الْمُجَاهِد يستمده فأمده بِابْن وهيب وَابْن الْفَخر الزكي وَجَمَاعَة خيل وَرجل فوصل بهم الرعارع وَخرج لَهُم من بهَا من الْعَسْكَر مِنْهُم ربيع الصليحي وَابْن عَمه جَعْفَر وَغَيرهمَا فخذلهم الجحافل وباعوهم فَقَاتلُوا وغلبوا وَحكى ان ربيع قَاتل قتالا لم يشْهد مثله لَاحَدَّ من الْعَرَب وَلَا للعجم ثمَّ انهزم فَلَقِيَهُ جمع قادمون عَلَيْهِ على مَال وسلبه فَلَمَّا ينزل عَن فرسه وتخلى عَن سلاحه اقدم عَلَيْهِ حسن الجحفلي فَقتله وَذهب براسه الى ابْن الدويدار فذكورا انه كافأه بِمَال لم اتحقق مبلغه وَبَقِي اخوه ممسكا للحصن الى وقتنا سلخ رَجَب سنة 725 وهومع ذَلِك يُكَاتب السُّلْطَان وَأما اخبار السُّلْطَان فانه لما عَاد عسكره من لحج بعد قتل ربيع الصليحي وَابْن عَمه جَعْفَر اذ قَتله ابْن الدويدار لقِيه فِي بَيت ابْن الاديب وهومتعلق ابْن الاديب وَلم يكد يلبث ابْن الاديب بعد ذَلِك بل مرض فَزعًا وَتُوفِّي بعد ذَلِك بايام قَلَائِل كَمَا ذكرت لَيْلَة الْحَادِي اَوْ يَوْمه وَالْعِشْرين من جمادي الاولى وَفِي الْعشْرين من ربيع الاخر من السّنة توفّي الْملك المغيث دَاوُود بِابْن الْملك الاشرف بقرية ضراس هربه حُسَيْن من بادية الْجند طَمَعا بِمَالِه فَلَمَّا هرب نهب بَيته واخذ مِنْهُ جملَة مستكثرة وتعدى بذلك الى الساكنين مَعَه جباهم كَمَا لم يزل ذَلِك طبعه الْخِيَانَة لله وَلمن ولي من الْمُسلمين وَأما المماليك فَإِنَّهُم دخلُوا من السَّلامَة إِلَى زبيد ودخلوا على الْقصرى بَيته هجما فارتاب مِنْهُم ورحب بهم وَقَالَ مَا ترسموا بحساسية فَقَالُوا

تخرج عَن زبيد انت صَاحب اقطاع وَقد رسم مَوْلَانَا السُّلْطَان ان الشهابي يبْقى والى الْبَلَد وطريطيه الْهَمدَانِي مشدها والصفرى مشد المشدين وَكَانَ الصفري لم يخرج من الْبَلَد وَحين سمع بهم وانهم هجموا على الْقصرى وصل اليهم فَوَجَدَهُمْ بالمحاورة فَقَالَ للقصرى مَا قَالُوا لَك الا حَقًا انت استوليت على الْبَلَد والبلاد فَقَالَ السّمع وَالطَّاعَة واوكدهم التَّجْهِيز وَالْخُرُوج ثمَّ انه دعى اعيان العوارين وبذل لَهُم اربعة الالف دينارعلى انهم يلزمون لَهُ اربعة القصى والشهابي والهمداني والشريف دَاوُود فقصدوهم عشى نَهَار الاربعاء فحين احس الْقصرى بذلك لبس والبس فرسه وَخرج على النَّاس وَقد احاطوا ببيته ففرقهم وَقصد بَيت الْهَمدَانِي فصرف عَنهُ النَّاس فاخرجه فَخرج لابسا ملبسا ثمَّ تقدما الى الشهابي فاخرجاه ثمَّ عرضوا على الشريف دَاوُود ان يخرج مَعَهم فكره وَكَانَ ذَلِك ثِقَة بالقصرى وَرُبمَا كَانَ عَن تواط بَينهمَا والسنبلي كَذَلِك لم يوافقهم وَاجْتمعَ العوارين عليهماواخرجوهم اخراجا شنيعا مسحوريين فعزز بهما حَتَّى وصلوا بهما بَيت الْقصرى فصفح عَنْهُمَا وانتهب العوارين بُيُوتهم وبيوت ساير المماليك وَقعد الشريف والسنبلي مَعَ الْقصرى فِي بَيته وظل العوارين يتهجمون الْبيُوت وينهبون يَوْم الْخَمِيس بليلة الْجُمُعَة ثمَّ اجْتَمعُوا ظهيرة يَوْم الْجُمُعَة وقصدوا بَيت الْقصرى وطلبوا مِنْهُ المَال الَّذِي بذله لَهُم وَهُوَ اربعة الاف فَقَالَ لَهُ مَا يَكْفِي هَؤُلَاءِ مَا نهبوا من بُيُوتنَا وبيوت الغز وَغَيرهم فترقبهم الْقصرى وتهددهم فحين سمعُوا ذَلِك رجموهم فاغلق الْبَاب دونهم وَلبس الْقصرى والبس وَفعل الشريف والسنبلي كَفِعْلِهِ ثمَّ خَرجُوا عَلَيْهِم ففرقوهم وَقت الظّهْر وقصدوا بَاب الشبارق هاربين وَقَاتل الشريف قتالا عَظِيما لم يشْهد مثله وَلَوْلَا ذَلِك لم يسلم الْقصرى وَلَا السنبلي وانتهب العوارين بَيت الصفري وَكَانَ بِهِ مَال جليل وَحين

خَرجُوا من زبيد وَتقدم السنبلي والشريف الى حيس فَاجْتمعُوا بِابْن طريطيه فَأَخْبَرَاهُ بِمَا جرى فَتقدم هُوَ وَجَمَاعَة من المماليك السَّلامَة واجتمعوا بِالْملكِ النَّاصِر ولازموه على ان يقوم ووعدوه على ذَلِك مَا شَاءَ وَكَانَ قد وَصله علم ان السُّلْطَان قبض عَلَيْهِ شَيْئا من غَلَّته بِغَيْر وَجه فَكبر ذَلِك بخاطره اذ لم يتَقَدَّم لَهُ ذَنْب يُوجب ذَلِك فَكَانَ سَبَب اوجب مرافقة المماليك وَخُرُوجه مَعَهم وقصدوا زبيد يَوْم الاحد ثَالِث خُرُوج الصفرى فحطوابالحايط السلطاني على بَاب الشبارق وَمَعَهُمْ قدر سبعين فارسامن المماليك فَحصل بَينهم وَبَين اهل زبيد مهاوشة قبلت فِيهَا حجره ثمَّ اصبح النَّاصِر فانتقل الى التربية فَلبث ثَلَاثًا دخل فِي اثنائها اولاد المظفر من بلد المعازبة الى زبيد اذ قد صَارَت لعمهم وَاد ومشد ثمَّ تقدم النَّاصِر الكدرا فَلبث بهَا نَحْو شَهْرَيْن يجبي مَالهَا وَوَصله اليها ابْن عَلَاء الدّين وَابْن الاسد وَغَيرهمَا من الامراء وحلفوا لَهُ على الطَّاعَة والموافقة وَترك كل مِنْهُم جمَاعَة من عسكره بِمقدم فَابْن علا الدّين ترك ابْنه الاكبر وَابْن الاسد ترك اخاه ابراهيم ثمَّ عَاد النَّاصِر فقصد زبيد فاستطرق فشال وَبهَا ابْن المظفر اخ السُّلْطَان الملقب شمس الدّين فِي جمَاعَة عَسْكَر فاخرجهم عَن فشال ولبث بهَا يَوْمَيْنِ ثَلَاث فحار بهم واسر جمَاعَة وَسلم ولد السُّلْطَان وَعَاد زبيد سالما ثمَّ تقدم زبيد فحط فِي قَرْيَة التريبه شَرْقي زبيد وَفِي أول حطهم خرج اليهم جمع من زبيد غالبهم من العوارين فَقَاتلُوا قتالا عَظِيما واستجرهم عَسْكَر النَّاصِر بَان انْهَزمُوا فلحقوهم فَلَمَّا تبعوهم عَادوا عَلَيْهِم فَقتلُوا نَحْو خمسين نفسا واسروا عشْرين ثمَّ بلغه ان الأكراد أَصْحَاب ابْن الْأسد قد خامروا يُرِيدُوا الْغدر بِهِ فانتقل الى فشال فَأَقَامَ بهَا شَهْرَيْن يجبيها مَعَ الكدرا واسبتقوا عسكره ثمَّ قصد زبيد يُرِيد النّخل فحط بِمحل زُرَيْق وَذَلِكَ على قرب من النّخل وَأمن اهل النّخل ووعد جَمِيع أهل الْوَادي بالمسامحة والحط عَمَّا يعتادونه هَذَا مُنْتَهى حَال المماليك الْمُحْتَاج الى مَعْرفَته الى هَذِه الْقِصَّة

وَأما اهل زبيد فانه لما خرج الْقصرى على الْوَجْه الْمُتَقَدّم علمُوا انهم لَا طَاقَة لَهُم بِالْقيامِ بِالْبَلَدِ وَلَا بُد لَهُم من ظهر يرجعُونَ اليه فكاتبوا السُّلْطَان الى تعز ينزل اليهم واليا فَانْزِل اليهم حُسَيْن ابْن عَليّ بن حُسَيْن وَبعد ايام انْزِلْ اليهم الغياث ابْن بورز ثمَّ بعد أَيَّام انْزِلْ اليها جمَاعَة من الْعَسْكَر الَّذين كَانُوا مَعَه فِي الْحصن كَابْن السرودي وصلوا وَقت فرج الله عَنهُ الْحصار كسدره ودغش وَاجْتمعَ اليهم جمع كَبِير كَانُوا مَعَ اولاد اخيه المظفر فِي بَلَده المعازبة فاانزل اليهم ابراهيم فَيْرُوز بعسكر من أَهله واصحابه حَتَّى آلوا نَحْو من مِائَتي فَارس وَكَانَ الْمَشْهُور بجود الْقِتَال عبد النَّبِي ابْن السويدي وابراهيم ابْن فيروزوالغياث ابْن بورز وكل مِنْهُم هَذِه الرُّتْبَة قوته وشجاعته حَتَّى انهم حسدوا عبد النبي على اشتهاره وافتقولا على كسر همته فأوقع بِهِ بيدره وَجَمَاعَة ثمَّ ان بيدر هم يتَقَدَّم بَاب السُّلْطَان فَمَنعه الغياث واولاد المظفر واصلحوا بَينه وَبَين عبد النَّبِي فَلبث اياما وطلع بَاب السُّلْطَان فَلبث مَعَ السُّلْطَان اياما والقصرى يُكَاتب السُّلْطَان ويسال الذِّمَّة فاجيب الى ذَلِك فَقدم فِي آخر ربيع الاخر فَانْزِل فِي بَيت بورز ثمَّ ارسل لَهُ السُّلْطَان خَمْسَة أحمال بِخَمْسَة اعلام وَفِي سلخ ربيع الاخر اخترقت الْقرْيَة الْمُسَمَّاة بالسلامة احتراقا عَظِيما وَحرق من النَّاس فَوق خمسين نفسا واحترقت من الاموال مَا لَا ينْحَصر اذ كَانَ غَالب اموال النَّاس فِيهَا واقطع السُّلْطَان للقصرى قَرْيَة حيس واسْمه بهادر الْمُؤَيد عَن وَقيل لَهُ الصفرى نسبه الى تَاجر من عدن جأبه للْملك المؤيدي وَهُوَ يذكر بِالْعقلِ وَالْخَيْر غَالِبا ثمَّ فِي الْعشْرين من جمادي الاولى قدم ابْن الشوع الْجند من بلد ذمار وَوصل اول عسكره الْجند بعد هجعة من اللَّيْل ودقوا بَاب الْمَدِينَة فَلم يفتح لَهُم بل كلموهم أَن الْوَالِي غايب فَبَاتُوا خَارج الْبَلَد وَبَات ابْن الشوع بالمنزل الْمَعْرُوف بمنزل الطواشي فَلَمَّا اصبح وصل الى الْقصر وَحط فِي الْبُسْتَان ثمَّ انه قدم تعز بعد يَوْمَيْنِ ثَلَاث وَقد أَمر لَهُ الى الْجند بخلعة جَيِّدَة وَطلب طلبا حثيثا ثمَّ لما دنى من تعز لقِيه اعيان الدولة وسلموا عَلَيْهِ ثمَّ حضر من فوره الْمقَام فَخلع عَلَيْهِ ثيابًا ووعده بِكُل خير ثمَّ كَانَ السُّلْطَان قبل ذَلِك وصل الْجند على وَجه التصيد يَوْم جُمُعَة فَلبث من صبحه الى ان برد النَّهَار فِي

الْبُسْتَان ثمَّ عَاد تعز وَكَانَ صحبته من الاعيان القَاضِي شمس الدّين يُوسُف ابْن النقاش ثمَّ الْورْد السنبلي واهل قطاف ثمَّ لما لبث ابْن الشوع اياما وَكَانَ يَوْم جمعه خَامِس جمادي الاخرة رفع لَهُ اربعة احمال باربعة اعلام وَذَلِكَ قبل صَلَاة الْجُمُعَة وَبعدهَا خرج السُّلْطَان بِجمع من الشفاليت واخذ مَعَه بعض عَسْكَر من الْخَيل وَجَمَاعَة من الشفاليت وَسَار صحبته جمَاعَة من السمكر ويختل حَتَّى دخل الجؤة وَلعب بميدانها وطلع بعض الْعَسْكَر الى الجنات فانتهب مِنْهَا بَيت العصار هُنَالك وَغَيره وَذَلِكَ يَوْم السَّادِس من جمادي الاخرى ثمَّ عَاد فانتهب الْعَسْكَر أم قُرَيْش قَرْيَة بني سَلمَة اذ كَانَ يبلغهُ انهم يتعصبون مَعَ الظَّاهِر وَقدم ذَلِك الْيَوْم قَرْيَة السمكر فاراد دُخُولهَا وَالْمَبِيت بِبَعْض بيوتها فَقيل لَهُ ان الْحَاشِيَة يهجمون على النَّاس ويوعثوا بهم فَعَاد من طرف الْبيُوت وَنزل بديمة وَبَات بهَا حَتَّى اصبح وَدخل تعز صبح الْأَحَد فَلبث إِلَى صبح الاربعاء عَاشر الشَّهْر وقتدم زبيد على طَرِيق بلد المغلسي ووادي نَخْلَة فَبَاتَ على قرب من حصن المغلسي فاضافه ضِيَافَة جَيِّدَة وَجَمِيع الْعَسْكَر وَحمل مَا مبلغه عشرَة الاف دِينَار ثمَّ ركب نصف اللَّيْل فَدخل قَرْيَة السَّلامَة صَبِيحَة الْخَمِيس وامر من فوره من صَاح للنَّاس بالامان وَوصل غَالب من فِيهَا من الْجِنّ د كعباس ابْن عبد الْجَلِيل وَنور ابْن حسن وَغَيرهمَا من المماليك فاذم على الْجَمِيع وَتقدم المماليك وَمن رغب تَحت ركابه الى زبيد وَذَلِكَ لَيْلَة الْجُمُعَة ركب من السَّلامَة نصف اللَّيْل وَلم يتَأَخَّر عَن المماليك الا الشهابي والسنبلي فانهما افتسحا ففسح لَهما عَن طيب قلب مِنْهُ على انهما يحجان والحمراني استعظم ذَنبه فَلم يطب قلبه بل هرب الى بَقِيَّة المماليك الْمُخَالفين وَقدم

السلطانزبيد يَوْم الْجُمُعَة فحط بالحايط السلطاني وَالْمُكَاتبَة والمراسلة بَين اعيان عسكره وعسكر النَّاصِر وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ عزم على قصدهم فَركب العشى وَبَات بِمحل القَاضِي غربي زبيد ثمَّ صبح الثلاثا عزم على قصد النّخل وَكَانَ اصحاب النَّاصِر لم يصدقُوا ان السُّلْطَان ينزل على الْحصن فَلَقِيَهُ بَعضهم الى شَيْء من الطَّرِيق وَنَظره عيَانًا وَعَاد المحطة فاخبر بوصول السُّلْطَان بِنَفسِهِ وَقدم السُّلْطَان وَبَات أهل المحطة غير مُطْمَئِنين واصبح الصَّباح وَقد انْحَلَّت عزائمهم وَشد ابْن طريطيه دوابه وَحمل ثقله واخذ طَرِيق السَّلامَة ووتبعه النَّاصِر والاشرف ابْن الواثق وتبعهم سَبْعُونَ من اعيان المماليك حَتَّى وصلوا السَّلامَة فاقاموا بعد ان استوثقوا من الْفَقِيه بالاجارة وَأما بَقِيَّة المماليك فانهم استودعوا الْفَقِيه وتقدموا نَحْو الدملوة فَذكرُوا انهم اقاموا مَعَ السمداني وَأما بَقِيَّة عَسْكَر النَّاصِر فانهم اقْبَلُوا الى السُّلْطَان وَهُوَ إِذْ ذَاك حاط بدارالنخل فاستذموا وسئلوا عَن النَّاصِر وَمن مَعَه فَقيل راحوا لَا نَدْرِي ايْنَ فَلبث السُّلْطَان بدار النّخل الى بعد الظّهْر وَوصل عز الدّين قَتَادَة فَسَأَلَ ذمَّة لولدا بن عَلَاء الدّين فاذم عَلَيْهِ فَلَمَّا وصلته الذِّمَّة اقبل بطبلخانة واعلام فَأمر السُّلْطَان استاذ دَاره بندره بلقايه واعلامه بزِي الظَّاهِر فنزقه وحنق عَلَيْهِ وَشَتمه وَشتم الظَّاهِر ثمَّ قطع الْخرق وَهُوَ سَاكِت وَدخل بهَا عشا ثمَّ بعد الظّهْر نَهَضَ السُّلْطَان من النّخل فَدخل زبيد وَحط ببيته الَّذِي كَانَ بناه اباه اياما فَلم يسترح فَدخل السُّلْطَان زبيد من فوره يَوْم الاربعاء وَكَانَ بعد الظّهْر وصل ولد الْفَقِيه عَليّ وَصَاحبه ابْن نوح واجتمعا بالسلطان على وَجه سر وخرجا فاشيع ان النَّاصِر بالسلامة ثمَّ جهز السُّلْطَان ابْن اخيه الملقب بالمفضل بِجَمَاعَة من الْعَسْكَر وَمن عوارين زبيد فَسَارُوا اول لَيْلَة الْخَمِيس ودخلوا السَّلامَة صبح الْخَمِيس فاحاطوا بِبَيْت الْفَقِيه ث ماجتمع الْفَقِيه وَالْملك الْمفضل والناصر والاشرف وَابْن طريطيه وناولهم الْمفضل ذمَّة من السُّلْطَان

بانهم يصلونَ بَابه ويقطعهم وَيحسن اليهم فقراها النَّاصِر وناولها الاشرف فقراها وناولها الى طريطيه فَقَالَ مَا رو وَلَا اقابل وَلَا لي حَاجَة باقطاع وَقَالَ النَّاصِر والاشرف كَقَوْلِه فلاطفهم الْمفضل فَلم يقبلُوا فاشار الى عوارين زبيد باخراج ابْن طريطيه وَقَالَ فوقعوا بِهِ وسحبوه فحين رأهم النَّاصِر والاشرف فتشاورا بَينهمَا وخرجا مستسلمين عشى الْخَمِيس واركب الْجَمِيع واخذ بهم طَرِيق زبيد بدا اتِّخَاذ للفقيه ان يلحقهم الى هُنَالك فَلَمَّا صَارُوا بِالْقربِ من حيس عطفوا نَحْو طَرِيق تعز وَبَاتُوا سايرين لَيْلَة الْجُمُعَة بيومين وَلَيْلَة السبت ثمَّ دخلُوا بهم تعز يَوْم السبت تَاسِع عشر الشَّهْر وقيدوا من الحبيل والتقاهم النَّاس فَجعل اوباشهم يؤذونهم وَابْن طريطيه بِالصَّرِيحِ والملوك بالتعريض ويتهددوا ابْن طريطيه وَرُبمَا بطشوا بِهِ لَوْلَا مدافعة الْملك الْمفضل لاتوا عَلَيْهِ وَلما دنى من الْحصن قطعت امْرَأَة دبوقه وجعلتها فِي عنق كلب وَلَوْلَا دَافع عَنهُ الامير صَالح لقتل فَلبث ببرج هُوَ وَابْن عَمه الاشرف ابْن الواثق يُقَال لَهُ برج الرماد وادخل ابْن طريطيه سجن الْعَامَّة فَلبث النَّاصِر نَحْو نصف شهر وَتُوفِّي لَيْلَة الْخَمِيس مستهل رَجَب وقبر يَوْم الْخَمِيس مَعَ وَالِده فِي الْمدرسَة الَّتِي احدثها بمغربة تعز بحافة الحميرا وَفِي تقدم السُّلْطَان لَهُم النّخل ولزمهم قَالَ الْفَقِيه جمال الدّين مُحَمَّد بن مَنْصُور العامري قصيدا مِنْهَا قَوْله فِي أَولهَا

. .. وعارض يَحْدُو بِهِ راعد ... يحسن فِي الجو حنين اللقَاح

يَسُوقهُ الْبَرْق باسواطه ... اذا ونى مَال عَلَيْهِ وصباح ... ثمَّ ذكر المعرك على لِسَان السُّلْطَان وَابْن اخيه الْمفضل

. . لما تلاقينا وَقد أثمرت ... بِالْمَوْتِ اطراف غصون الرماح

وللمنايا سحب مَاؤُهَا ... يجْرِي على خد متون الصفاح

سَأَلت نفوس بَين حد الظبا ... كَالْمَاءِ يجْرِي بَين خضر البطاح

ومضمرات الْخَيل كرانها ... كراتها صب مبتلى بالملاح

فاقبلت خضراء يمانيه ... عجاجها كالمسك والند فاح

سيقيته يحمل اثقالها ... تمشي رويدا مثل مشي الرداح

يغار فِي الارواح اجفانها ... ولحظها يرنو بِحَدّ السِّلَاح

بِلَا ولي انكحت نَفسهَا ... وَلَا ينْكح الهيجا الا سفاح

ملاحها لاشته وصلهم ... وَرب وصل فِيهِ حتف متاح ... وَهِي كَبِيرَة هَذَا مَا استمليته بِهَذَا الْموضع وَكَانَ الْفَقِيه لما اخذوا من بَيته قهرا نكفه النَّاس على انهم قد اخذوا من بَيته وانه يتبعهمزبيد ويخلصهم من يَد السُّلْطَان فسرى ليلته واصبح بِمَسْجِد على بَاب الشبارق يعرف بِمَسْجِد النَّبِي فَخرج اعيان الدولة فَسَلمُوا عَلَيْهِ وسألهم عَن الملزومين فاخبروه انه طلع بهم حصن تعز فَلبث يكْتب الى السُّلْطَان على يَد بعض الاعيان يسْأَله اطلاقهم وَالْعَفو عَنْهُم فجوب لَهُ يعْتَذر عَن ذَلِك فَتقدم الْفَقِيه مَسْجِد معَاذ لبث بِهِ اياما ثمَّ عَاد بَيته واقام بِهِ محتجبا عَن النَّاس وَغلب على ظن كثير مِنْهُم ان الْفَقِيه كَانَ مساعدا فِي لَزِمَهُم وَإِنَّمَا فعل الْفَقِيه ذَلِك تبريا عَن الظَّن فَالله أعلم بِصِحَّة الْأَمر ثمَّ قدم على السُّلْطَان المبشرون بقدوم الْغَارة اليه من مصر فَوقف السُّلْطَان حَتَّى قدمُوا عَلَيْهِ يَوْم الاحد سَابِع عشر رَجَب سنة خمس وَعِشْرُونَ وهم اربعة أُمَرَاء بالفي فَارس والفي رَاحِلَة واثنتين وَعشْرين الف جمل يحمل ازوادهموعتادهمواكبر امرائهم المأمورين بِطَاعَتِهِ رجل اسْمه بيبرس واخر اسْمه طيلان بعده وَلما دنوا من زبيد لَقِيَهُمْ السُّلْطَان الى القوز الْكَبِير قبلي زبيد بعسكر الْيمن فَلَمَّا دنوا مِنْهُ ترجل فعرفوه وقبلوا الارض ثمَّ سَارُوا سَاعَة وَأمرُوا بِضَرْب خيمة وسألوه الْمصير مَعَهم اليها فَصَارَ فالبسوه خلعة وعمامة ذكرُوا ان صَاحب مصر تشددها وَتركهَا فِي صندوق

أَمرهم ان لَا يفتحوه الاعند اجْتِمَاعهم بالسلطان والباهم لَهُ فألبسوه عِمَامَة بعذتين وخلعة فاخبره ثمَّ قدمُوا زبيد فحطوا خَارِجهَا ثمَّ لم يلبث السُّلْطَان أَن خرج إِلَى خرج إِلَى تعز بغالب عَسْكَر الْيمن وَبَعض المصريين إِذْ لَا تسعهم الطَّرِيق وَأمر السُّلْطَان يكحل الْفَارِس الَّذِي كَانَ واليا بصبر أول خلاف أَهله عَلَيْهِ اذ كَانَ قد طلع قبل السُّلْطَان فكحل يَوْم الاحد كحلا شنيعا فأعيد السجْن فَتوفي بِهِ بعد يَوْمَيْنِ اَوْ ثَلَاث وثار أهل صَبر الْحَرْب فِي ذَلِك الْيَوْم وَدخل السُّلْطَان تعز ثمَّ فِي خَامِس عشر شهر رَجَب وَأهل صَبر مصرون على الْحَرْب وَخرج المصريون من زبيد بعده يَوْم الاربعاء سَابِع جمادي الاخرة فعاثوا بهَا وبنواحيها وانتشروا الى الْجند ونواحيها حَتَّى بلغُوا ظفر الاعروق من الْجِهَة الشرقية وخدير من اليمنية وسهفنة من الْقبْلَة وَلم يكادوا يتْركُوا بِهَذِهِ النواحي طَعَاما الا اخذوه بابخس اثمن غَالِبا وانتهبوا بُيُوتًا كَثِيرَة فِي النواحي الْمَذْكُورَة حَتَّى عدم فِيهَا الطَّعَام وَصَارَ لَا ينتال الا من الْبعد من بِلَاد الْخَيْر وارتفع السّعر وتعب النَّاس مِنْهُم وَتُوفِّي جمَاعَة من ضَربهمْ فِي الْجند وَغَيرهَا فَمَا احقهم بقول الله عز وَجل وَعَسَى ان تحبوا شَيْئا هُوَ شَرّ لكم وَكَانَ النَّاس مُجْتَمعين على ان بمجيئهم يصلح الْيمن فَكَانَ عكس ذَلِك وانتهبوا قَرْيَة من اعمال تعز وَسبوا حريمها وباعوهم كَمَا تبَاع الرَّقِيق والقرية تعرف بعقاقة وَقَطعُوا جَمِيع زرع تعز ونواحيها وَفِي اثناء اقامتهم بتعز ارسلوا جمَاعَة مِنْهُم الى صَاحب الدملوة فعاقهم عِنْده نَحْو ثَمَانِيَة ايام وعادوا على مُرَاده ثمَّ بعْدهَا لم يكادوا يَلْبَثُوا بل

قصدُوا جِهَة من صَبر من سَائِلَة تعرف بسعاس بِنَاحِيَة عَبْدَانِ فَقتل مِنْهُم نَحْو اربعين وعادوا مكسورين ثمَّ قبضوا على الصفرى فوسطوه وعَلى الغياث فلزموه وَذَلِكَ يَوْم السبت ثَالِث وَعشْرين رَجَب فَلَمَّا قبض الصفرى ووسط علق نصفاة بأثلة فِي سوق الْوَعْد فَلبث اياما بعد ان سحب من المحطة كَمَا تسحب الميتات فَقَالَ جمَاعَة من رَاه قد فعل هَكَذَا بِجَمَاعَة لَو لم يكن الا عبد الله الْعِيَال فانه شنقه وَدفن بعد مَوته وَأمر بنبشه وبسحبه الى المشنق واعيد عَلَيْهِ وَغَيره ولبث المصارية الى يَوْم الْخَمِيس وتحركوا على السّفر فتجهزوا عشى الْخَمِيس وَالْجُمُعَة حَتَّى كَانَ اخرهم السبت مستهل شعْبَان والغياث بن بوز تَحت حفظهم وراجع السُّلْطَان بِهِ مرَارًا وبذل على اطلاقه مَالا فَلم يقبلُوا بل سَارُوا طريقهم الَّتِي جاؤا بهَا تهَامَة فانتهبوها انتهابا شنيعا وَلما صَارُوا بزبيد حيل بَينهم وَبَين دُخُولهَا فحطوا خَارِجهَا اذ كَانَ فِيهَا وَال جيد هُوَ الشهَاب ابْن الحرتبرتي ولاه السُّلْطَان حِين تحقق خِيَانَة ابْن حُسَيْن وَذكر لَهُ بَعْضهَا فامر بلزم ابْن حُسَيْن وايداعه السجْن وتقييده فَفعل بِهِ ذَلِك وَهُوَ دون مَا يسْتَحقّهُ وَلما صَار المصريون خَارج زبيد خرجت امْرَأَته اليهم وبذلت لَهُم مَالا على استنقاذه من الاسر فلاطفوا الْوَالِي حَتَّى اخرجه لَهُم فَلَمَّا صَار مَعَهم تغلبُوا عَلَيْهِ واطلقوه من الْقَيْد وَسَار مَعَهم حَتَّى جَاوز الكدرا فَعدل الى شجينة قَرْيَة الْفُقَهَاء هَارِبا وَأقَام بهَا وَاسْتمرّ المصريون فَذكرُوا انهم فقدوه بالمحالب وَلما صَارُوا بِمَدِينَة حرض وسطوا الغياث وَلم يزل مُقَيّدا فِي رقبته باشه وَسَارُوا رَاجِعين وَفِي ثَانِي خُرُوجهمْ من تعز خرج السُّلْطَان وَمَعَهُ القَاضِي شمس الدّين وَابْن شكر وَابْن الشُّيُوع وَابْن وهيب وَهَؤُلَاء اعيان النازلين مَعَه فحط بالحوبان ثمَّ تقدم الْجند فحط بقاعها الاسفل يمنى قَرْيَة العربة ثمَّ تقدم فَبَاتَ

بالرحامية ثمَّ ارتحل نصف اللَّيْل فَلم يزل سائرا حَتَّى اللَّيْل فوصل المَاء الْحَار ثمَّ ارتحل سحرًا وَحط وَقت الظّهْر ثمَّ رَحل عَنهُ بعد الْعَصْر وَلم يزل سائرا طول ليله حَتَّى اصبح فِي لحج بالخبت وَوَصله ابْن نَاصِر الدّين بمأتى فَارس وَسلم ثمَّ تقدم الرعارع فَلبث بهَا من الظّهْر الى الْعَصْر اذ بِابْن الدويدار على قد اقبل وَمَعَهُ مايتا فَارس وَخَمْسُونَ قائسا وَخَمْسُونَ جلادا فَدخل على السُّلْطَان وَسلم فَخلع عَلَيْهِ وعَلى الغز وَجَمَاعَة من الجحافل وَكَانَ ذَلِك لَيْلَة النّصْف من شعْبَان ثمَّ لما اجْتمع النَّاس للصَّلَاة وحضروا وَحضر مَعَهم السُّلْطَان وَصلى بالجامع وَفِي السحر خرج السُّلْطَان بِالنَّاسِ وَقصد عدن فحط بِمَسْجِد المبأة يَوْمَيْنِ ثمَّ امْر السُّلْطَان بالزحف على عدن فزحفوا وقاتلوا فَخرج من عدن عَسْكَر لم يكن يظنّ فَقتل ثَلَاثَة من جِيَاد الشفاليت هم اخو المقروض والعبداني والمراني ثمَّ لزم ابْن الدويدار وَابْنه وَابْن اخيه واستاذ دَاره الملقب بالمعز واخر يعرف بِابْن مَكْتُوب فَلم يزَالُوا ملزومين وانتقل السُّلْطَان بعد سَبْعَة أَيَّام الى الاخبة فحط بالبستان فَلبث بِهِ ثَمَانِيَة أَيَّام يسير عَنهُ يَوْمَيْنِ الى قرب عدن وَلم يلق كيدا ثمَّ حصل فِي المحطة انضراب بِأَنَّهُ شا يحصل بهَا بيعَة فتشوش السُّلْطَان من ذَلِك وارتحل السَّاحِل قَاصِدا موزع ثمَّ زبيد فَدَخلَهَا فِي اثناء رَمَضَان وانفرجت المحطة عَن عدن وَاسْتقر السُّلْطَان بزبيد الى سلخ رَمَضَان وَلما وصل سَاحل العارة أَمر بتغريق ابْن مَكْتُوم الْمَلْزُوم مَعَ ابْن الدويدار فغرق فَذكر بعض من كَانَ مَعَ السُّلْطَان حِين رَجَعَ أَنه لم يضْرب لَهُ خيمة إِنَّمَا كَانَ يستظل بِشَيْء من الثِّيَاب

سَاعَة ثمَّ يسير وَكَانَ ابْن عَلَاء الدّين يتعقب على الْعَسْكَر ويسقيهم حَتَّى قَالُوا لَوْلَا ابْن عَلَاء الدّين لهلك غَالب الْعَسْكَر وَكَانَ اسْمه مُحَمَّد بن عمر بن عَلَاء الدّين الشهابي وطلع الطواشي خضير من زبيد الى تعز يُرِيد ينزل الة الْعِيد الطبلخانة وَغَيرهَا بعد اطلع خزانَة جَيِّدَة ومرسوم بشنق ابْن طريطيه فشنق نَهَار الْأَرْبَعَاء سَابِع عشر رَمَضَان سنة 25 بمحطته الَّتِي حطها لحصار الْحسن فَلم يزل مشنوقا الى يَوْم الِاثْنَيْنِ وقبر بعد ان تقطع واكلت الْكلاب بعضه ثمَّ فِي الْحَادِي وَالْعِشْرين كحل رجل من حرض يعرف بِابْن مبارز ذكر أَنه اُحْدُ من بَاعَ محطة ابْن ازدمر بالقرتب وَأما صاحبالدملوة فحين تحقق وُصُول السُّلْطَان زبيد خرج من الدملوة الى عدن يَوْم الِاثْنَيْنِ منتصف رَمَضَان فَدخل يَوْم الاربعاء سَابِع عشر الشَّهْر وصحبته نَحْو خمسين اَوْ سِتِّينَ فَارِسًا من البحرية وَقيل اقل من ذَلِك واخبرني من رَاه بعدن حِين دخل ان لَيْسَ مَعَه غير أحد عشر فَارِسًا فَلبث بالمنظر الى بضع وَعشْرين من شَوَّال من السّنة ثمَّ وَصله عَسْكَر من ذمار مَعَ اُحْدُ بني الاسد مبلغهم ماية وَثَمَانُونَ فَارِسًا وَحين أَرَادَ دُخُول عدن ابْن الصليحي وَهُوَ فِي التعكر وَلم يكن مَا قيل ان الظَّاهِر طلعه حق قبح النَّاس عَلَيْهِ ذَلِك حَتَّى ساعدوا لِابْنِ الاسد فِي عشر من الْخَيل فَدخل وَلم يزل اصحابه يدْخلُونَ فَارِسًا فَارِسًا حَتَّى صَار مِنْهُم بِالْمَدِينَةِ نَحْو من خمسين فَارِسًا فَلَزِمَ ابْن الصليحي وسجن يَوْمَيْنِ اَوْ ثَلَاثًا وَتُوفِّي بالاسر اخبرني عمر بن حُسَيْن بن ميكايل انه لم يمت الا خنقا خنقه خدام الظَّاهِر بامر مِنْهُ وَكَانَا جَمِيعًا محبوسين بِبَعْض نواحي دَار المنظر وَبئسَ جزى جازي ابْن الصليحي فانه ادخله عدن وَكَانَت الْحُصُون بيد اصحابه اعني التعكر والخضراء فحين يأسوا مِنْهُ بِالْمَوْتِ استذموا ونزلوا وَكَانَ الظَّاهِر قد شَرط لِابْنِ الاسد على لزم الصليحي مَالا مبلغه سِتُّونَ الْفَا وَكَانُوا حِين لزموا الصليحي قد دخلُوا باجمعهم الْمَدِينَة فسالوا السُّلْطَان مَا بذل لَهُم واقطاع لحج اذ كَانَ

قد ومهم بذلك فجبي اهل عدن جباية عَظِيمَة واعطاهم وامرهم بِالْخرُوجِ الى لحج فتمنعوا وامروا عشْرين فَارِسًا لقبض لحج وَبهَا الْقصرى فَقَالَ لَهُم مَا اسلمها الا لاميركم فعادوا خائبين وهم الى سطرها بدعدن يظْهر مِنْهُم التغلب وَالظَّاهِر يظْهر مِنْهُ الحذر بَاقٍ فِي المنظر وَيُرِيد طُلُوع اُحْدُ الْحُصُون

وَأما السُّلْطَان الْملك الْمُجَاهِد فانه تقدم فِي شَوَّال بلد المعازبة فاخربها وانتهب غالبها فَمَاتَ عَليّ ابْن الدويدار بفشال والمعز توفّي بالمدبي وَهُوَ مَحل للمعازبة وَقبض أَبُو بكر بن إِسْرَائِيل من فشال وَابْني اخيه اسرائيل ويوسف فَتقدم بِالْجَمِيعِ زبيد وَهلك ابْن اسرائيل بالقعدة من السّنة وَحبس ابناء اخيه بتعز فهما هُنَالك الى الان غير أَن يُوسُف توفّي على ذَلِك برجب سنة سبع وَعشْرين وَأما اسرائيل فباق الى رَجَب سنة ثَمَان وَعشْرين وَوَصله الزعيم اليها واقطع ابْن شكر حيس وموزع وَابْن اخيه المهجم فنكر الصَّغِير وَتقدم الْكَبِير فحين مر بالكدرا ولقيه ابْن حُسَيْن اللعين اذ كَانَ واليها أَمر بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ بِوَجْه شنيع فَقبض وَضرب ضربا مبرحا ثمَّ تقدم بِهِ المهجم صحبته فَلم يزل يعذب بانواع الْعَذَاب كَمَا كَانَ يفعل وَاسْتحق ان يُقَال لَهُ ... اشرب بكأس كنت تشربها ... أَمر بِالْحلقِ من العلقم ... وَذَلِكَ تَصْدِيقًا لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... كَمَا تَكُونُوا يولي عَلَيْكُم ثمَّ بعد ذَلِك وَسطه وَقطع رَأسه وطيف بِهِ غير مَذْكُور بِخَير وَلَا متراحم عَلَيْهِ فَلم أرى وَلَا سَمِعت فِي عصرنا باخبث مِنْهُ سيرة فِي دينه وَلَا دُنْيَاهُ وَفِي منتصف الْقعدَة تقدم ابْن مومن الى مصر بهدية جليلة سيرت فِي الْبَحْر من سَاحل زبيد وَسَار بِنَفسِهِ برا الى سَاحل الْحَادِث فَركب مِنْهُ بحرا صَحبه الله السَّلامَة وَمن وَقت وصل الزعيم

كَانَ هُوَ الْغَالِب على أَمر السُّلْطَان فَذكر لنا الثِّقَة من النَّاحِيَة الشامية انه احدث حوادث ردية مِنْهَا انه احدث غير مُسَامَحَة الْفُقَهَاء بني الْحَضْرَمِيّ وَبني الخلى وَغَيرهم وانه اظهر كراهتهم وانه تغير عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ من طَرِيق الْعِبَادَة وَالصَّدَََقَة وَفعل الْمَعْرُوف وَلِهَذَا اخبرني بذلك ابراهيم العسلقي وَهُوَ اُحْدُ فُقَهَاء نَاحيَة الكدرا وَقد درس بِنَاحِيَة المهجم وَشَاهد الْفِعْل الْمَذْكُور فِيهِ وارجو ان الله يردهُ الى طَرِيقَته الْمُتَقَدّمَة فان الالسن عَنْهَا بهَا كَانَت ناطقة والقلوب لَهَا مُوَافقَة وَصَاحب ديوَان النّظر الشَّيْخ الجمالي مُحَمَّد بن ابي بكر بن عمار اُحْدُ اعيان الْكتاب وافاضل ذَوي الالباب اصله من جبله ونواحيها وَقد ولى ديوَان النّظر بجبله واحسن بسيرته حَيْثُ تصرف وانتفع الرّعية بِهِ وَحصل عَلَيْهِ من الْوَزير مَا كَاد يهلكه من الْعَذَاب وَالْحَبْس وَمن الله عَلَيْهِ بالسلامة وَللَّه الْحَمد وَفِي الثَّانِي وَالْعِشْرين من الْمحرم سنة سِتّ وَعشْرين وَسَبْعمائة قدم السُّلْطَان تعز نَهَار الاحد بعسكر جيد وَصَاحب بَابه الامير الشجاع الزعيم فحط بِالشَّجَرَةِ وَنزل أَهله اليه وَأول مَا وَصله الامير عز الدّين نَائِبه فِي الْحصن اتجه نَحْو مائَة وَخمسين رَاجِلا ثمَّ لبث فِي الشَّجَرَة نَحوا من سَبْعَة أَيَّام فَخرج الزعيم يسير واصطدم بفرس وراكب فَسقط الزعيم سقطة عَظِيمَة لم يرفع عَن الارض إِلَّا بعد غيبَة سَاعَة ثمَّ حمل الى دَاره وعَلى بغلة وَمَعَهُ من يسانيها ويسانيه وَفِي الْيَوْم الثَّانِي وصل السُّلْطَان الى قرب مِنْهُ يُرِيد زيارته فَامْتنعَ وَقد قيل انه زَارَهُ وَالله أعلم فطلع الحبيل ووقف بغرفة بدار عمته ثمَّ فِي يَوْم الْخَمِيس حادي عشر صفر انْتقل من بُسْتَان الشَّجَرَة الى الحبيل فَلبث بِهِ الى صبح الاحد ثمَّ تقدم الْجند

واصبح ذَلِك الْيَوْم فِي بَاب السِّرّ وَفِي عشى الْيَوْم خرج فِي جمَاعَة قَلِيل من بَاب الْحَدِيد شَرْقي الْبَلَد وسير الى نَحْو قَرْيَة العربة ثمَّ عَاد فَدخل الْبَاب الَّذِي خرج مِنْهُ وَكَانَ صحبته عبد النَّبِي السودي والخراساني مَعَ جمَاعَة قَلِيل وَهَذَانِ الْمَذْكُورَان مشهود لَهما بالنصح فِي الْخدمَة والشجاعة والفراسة وَقد تقدم ذكر عبد النَّبِي فِي محاط الناصرية على زبيد وَمَا حسده بِهِ الغربا لما ظهر من شجاعته ونصحه بذلك بعد أَن اتَّفقُوا مَعَ الغياث وَابْن حُسَيْن مُتَوَلِّيًا زبيد يَوْمئِذٍ فَلبث ابْن شكر يَوْمًا اَوْ يَوْمَيْنِ ثمَّ أمره السُّلْطَان يتَقَدَّم تهَامَة يقف بهَا حَافِظًا فَتقدم من الْجند الى تهَامَة وَكَانَ الْملك الفائز يَوْمئِذٍ قد خَالف وَهُوَ يتَرَدَّد بَين تهَامَة والجبل وَكَانَ ذَلِك صَوَابا اذ هجم على أهل فشال وتغلب عَلَيْهَا فقصده ابْن شكر فحاربه وَكسر عسكره وربمها وَقع بِهِ جرح من بعض الْعَسْكَر ثمَّ صَالحه وَكَانَت لَهُ السُّلْطَان يطْلب ذمَّة فاذم عَلَيْهِ وَبَقِي بتهامة حَتَّى صَار السُّلْطَان بتعز فَقدما عَلَيْهِ بالتاريخ الَّاتِي فِي مَوْضِعه وَخرج السُّلْطَان من الْجند قَائِم الظهيرة يَوْم الْجُمُعَة قَاصِدا طَرِيق عدن فحط بالرحامية ثمَّ صَار مِنْهَا يَوْم السبت فَمر بِبَلَد الاعمور فَحصل بَينهم وَبَين الْعَسْكَر مهاوشة بِسَبَب زرع اراد الْعَسْكَر اخرابه فَقتل وَاحِد واسر اربعة ثمَّ تقدم السُّلْطَان فحط بِالْمَاءِ الْحَار ثمَّ مِنْهُ إِلَى حبيل السروح ثمَّ مِنْهُ إِلَى الرعارع ثمَّ مِنْهَا صبح الثُّلَاثَاء حط باللخية فَلبث الْخَمِيس فَدخل لحج ثمَّ قصد اللخية فحط بهَا وغزى المباءة صبح الْخَمِيس سَابِع خُرُوجه من الْجند ادبها عَسْكَر الْخَارِج فَحصل حَرْب عَظِيم كسروه وَقتل مِنْهُم سِتّ عشرَة قطعت رُؤْسهمْ واطلعت وَلم ينصح غَالب الْعَسْكَر بل ذكرُوا انهم قتل بني عمهم فَلَزِمَ عَسْكَر المتغلب المباءة الْقرْيَة الَّتِي هِيَ خَارج عدن اذ مَنعهم استاذهم عَن دُخُول الْبَلَد فلبثوا هُنَالك فَقيل انه كَانَ من المقتولين نَحْو من سبعين رجلا مِنْهُم عمر بن السواق وَكَانَ المعرك عِنْد جبل حَدِيد ثمَّ انْهَزمُوا ولحقهم الْعَسْكَر حَتَّى دخلُوا المباءة وتبعهم

الْعَسْكَر اليها فَلَزِمَ مُحَمَّد بن الاسد من بني شكر وَقتل من غلْمَان السُّلْطَان اربعة مِنْهُم شاوش البغلة اسْمه ابو بكر بن حَمْزَة والبحري ثمَّ لبث السُّلْطَان باللخية سِتّ أَيَّام وَحصل حَرْب اخر فَقتل من عَسْكَر السُّلْطَان عربان وَلزِمَ ابْن أخي الشوع وَانْهَزَمَ عَسْكَر السُّلْطَان الى جبل حَدِيد والشفاليت وقُوف عَلَيْهِ وَالسُّلْطَان وَاقِف عِنْد الْمَسْجِد وَحين علم السُّلْطَان بلزم ابْن اخي الشوع غلب على ظَنّه ان الاكراد يحسون عَلَيْهِ وَقد كَانَ النَّاس اشاعوا ذَلِك وَقَالَ السُّلْطَان لِابْنِ الشوع انتم تعتمدون هَذَا وَمَا فَعلْتُمْ هَذَا الا قصد على انكم راهنون ثمَّ عَاد السُّلْطَان اللخية فَلبث نَحوا من نصف شهر ثمَّ غزى الى جبل حَدِيد وَخرج لَهُم عَسْكَر عدن فَحصل هُنَالك الْحَرْب فحارب الشفاليت حَربًا جيدا وَظهر نصحهمْ ونصح مَعَهم الْملك الْمفضل وَدَاوُد بن عمر بن سُهَيْل والاسد بن صَالح جمَاعَة من اصحاب الزعيم وَصَاح أهل عدن للشفاليت بالطيب وشتموا الغز شتما بليغا وَعَاد السُّلْطَان اللخية وَفِي ثامن ربيع الاخر وجد مكتب لِابْنِ الاسد يُرِيد عدن فَقبض وقبضت كتبه واذا فِيهَا انه وَاصل بالف فَارس واثنى عشر الف راجل وارجف المرجفون بذلك وانه صَحِيح فَانْصَرَفت المحطة وتزايد الارجاف لَا سِيمَا الاكراد وهم غَالب الْعَسْكَر وَلم يكن مَعَ الامام وَابْن الاسد الا قدر مِائَتي فَارس فحين وصلوا حصن الابحور وبلغهم انْتِقَال السُّلْطَان عَن محطة اللخية رَجَعَ مِنْهُم نَحْو ثَمَانِينَ فَارِسًا وَسَار الى عدن بِمِائَة وَعشْرين وَمن الرجل قدر سِتّمائَة هَذَا خبر خَبِير وَالسُّلْطَان سايد ويتأمل الْعَسْكَر وَغلب على ظَنّه انهم غير ناصحين لَا سِيمَا الاكراد وهم غَالب عسكره واظهروا انهم ساركون عَن المحطة بِغَيْر رضى السُّلْطَان وَرُبمَا قَامَ بَعضهم وَحمل وَتَبعهُ اصحابه فخشى السُّلْطَان

الْبيعَة فحين تحقق ذَلِك ركب وَتقدم الْبِلَاد فَدخل الْجند صبح الْخَمِيس لنيف وَعشْرين من ربيع الاخر وَقصد مَسْجِد صرب فَبَاتَ بِهِ لَيْلَة ثمَّ فِي الْيَوْم الثَّانِي دخل قصر الْجند وَتقدم تعز من جابا هله فَلبث بِالْقصرِ نَحْو اثْنَي عشر يَوْمًا وَتقدم تعز يَوْم الثُّلَاثَاء فَلبث بهَا الى شطرها وَفِي شهر جمادي الاولى قدم ابْن شكر والفائز من تهَامَة فمرا بِبَلَد بني السبائي فأخرباها واستباحاها ثمَّ دخلا تعز يَوْم الاحد لايام بَقينَ من جمادي الاولى من السّنة ولبثا بهَا أَيَّامًا ثمَّ عَاد ابْن شكر مقطعا وَفِي شهر جمادي الاخرة خرج الظَّاهِر من عدن وَجَمِيع من مَعَه من الْعَسْكَر الى لحج والامام وَابْن الاسد وَابْن عَلَاء الدّين مرا طَرِيق صُهَيْب وطلع المدير طَرِيق الخبت وَمَعَهُ اهل اب نَحْو سِتِّينَ فَارِسًا فحين اوصلوه مَاء مِنْهُ مروا طَرِيق جرانع قَالَ لَهُم المتغلب تغيرون معي على حُدُود الظفر ننهب مِنْهَا فَأَجَابُوهُ طَمَعا وغزوا مَعَه فَلم يكادوا يظفروا بطائل فَكتب أهل الظفر الى السُّلْطَان يخبرونه بذلك فَمَا لبث أَن غزا جرانع فَلم يشْعر أَهلهَا حَتَّى هجمهم الْعَسْكَر فَخَرجُوا وقاتلوا فحين علمُوا أَنه هُوَ ضَعِيف قواهم وَقتل مِنْهُم اثْنَان وَاثْنَانِ من عَسْكَر السُّلْطَان ثمَّ هربوا حِين تحققوا ان السُّلْطَان حَاضر فانتهب مَال كَبِير مِنْهُ مَا وصل بِهِ أهل اب وَمِنْه لاهل الْبَلَد ثمَّ اصطاح أهل الْبَلَد بِهِ وسألوه الذِّمَّة فاذم عَلَيْهِم وَوصل اليه جمَاعَة من اعيانهم فاحتفظ بهم حَتَّى وصلوا تعز فادخلوا السجْن وَأما الْخَارِج فطلع حصن السمدان وَلم يخرج مِنْهُ من وَقت دخله الى عصرنا سنة سبع وَعشْرين وَسَبْعمائة وَذَلِكَ ان الْعَادة مِنْهُ لُزُوم الْمسكن لم يعرف قطّ بركوب فرس وَلَا خُرُوج مَعَه عَسْكَر لغزاة فاما السُّلْطَان الْمُجَاهِد فَلبث بتعز أَيَّامًا بعد اخذ حصن الشدف وَولى فِيهِ واليا من جِهَته ونقيبا وخادما يعمره فخان النَّقِيب وَجَهل الْخَادِم وأساء التَّدْبِير وَنزل السُّلْطَان تهَامَة فِي شعْبَان وَكَانَ قد اقْطَعْ ابْن اخيه حرض فَبَلغهُ انه اراد الْخُرُوج من الطَّاعَة فقصده من زبيد وَلم يزل يتلطف بِهِ

حَتَّى انتزعه من حرض وَفِي اثناء ذَلِك قدم ابْن مومن وَمَعَهُ بشائر ومماليك نَحْو ثَلَاثِينَ فَارِسًا وَعِيد السُّلْطَان عَرَفَة بزبيد وَحصل لَهُ بعض حما وطلع تعز صمتا ثمَّ من الله بعافيته وَدخلت سنة 27 سبع وَعشْرين طلع فِي أَولهَا حصن التعكر واستدعى من مرتبيها فَلبث بِهِ اياما تقدم فِي اثنائها الزعيم الى تهَامَة ثمَّ فِي شهر جمادي الاولى احدث الْمَنْصُور بخيانة مرتبيها وَبهَا عَسْكَر من جِهَة السُّلْطَان وَفِي الشَّهْر الْمَذْكُور طلع القَاضِي ابْن مومن الى جبلة ليعْمَل بِفَتْح الْجَبَل الْمَعْرُوف ببعدان فطلع بعسكره جبل الْغَالِب من الْعَسْكَر الَّذِي وصل مَعَه من مصر ورحل كثير بعد أَن وصل ابْن الشوع الى تعز وَمَعَهُ ابْن شكر فقابلهم السُّلْطَان مُقَابلَة جَيِّدَة وخلع واحسن وَكَانَ مَعَهم جمَاعَة من مشائخ مذْحج واعيانهم وطلبوا مَالا يبْذل لَهُم على فتحالجبل فبذل لَهُم مَال لم اتحقق مبلغه واطلعوا الْيَوْم التَّاسِع من جمادي الاخرة جبلة وطلع مذْحج بعدان وفتحوا فِيهِ الْحَرْب وَلم يتم ذَلِك قيل سَببه عدم الْوَفَاء بِمَا شَرط لَهُم وَقيل بل بِسَبَب ولد الْفَقِيه ابي بكر بذلك وَكَانَت الْقَبَائِل تنكفهم وَرُبمَا افسد فِي جبله جمَاعَة من اهلها وطلع اهل الشوافي الى اهل بعدان بمكاتبة ابْن الْفَقِيه ثمَّ كَانَت الْخَارِج الى السمدان وامر ابْن الْملك المغيث بالرواح اليه وَقد كَانَ على وَجه خير مَعَ السُّلْطَان واقتراب امان ومكاتبة لَكِن الشَّقَاء بالشقي مولع لَا يملك الود الا لَهُ ان اتاه وَلما لم يقدر على فتح الْجَبَل جبل بعدان نزل القَاضِي ابْن مومن من جبلة وَابْن الشُّيُوع من اب والزعيم من وَادي ظبا وَذَلِكَ باستدعي من السُّلْطَان وَاسْتمرّ السُّلْطَان بتعز الى شهر رَمَضَان ثمَّ تقدم لايام بَقينَ من طَرِيق عدن حط باللخية واتابكه الامير الزعيم فَشكر تَدْبيره فِي جَمِيع اموره وَلم يزل يعْمل فِي كل يَوْم سماطين صباحا وعشيا يتغدى عَلَيْهِمَا ويتعشى ذُو الْحَاجة من الْعَسْكَر وَهَذَا شَيْء لم يطقه اُحْدُ غَيره مَعَ ان ذَلِك فِي وَقت عز فِيهِ الطَّعَام وغلى وَلم يزل السُّلْطَان فِي اللخية وَهُوَ

يَغْزُو عدن وَيخرج اليه مِنْهَا عَسْكَر بخيل وَرجل فَيكون الْحَرْب سجالا وَظهر من الحمراني جمَاعَة م ن المماليك واود تعز وَغَيرهم سوء ادب من سفه اللِّسَان وتاليب لِحَرْب السُّلْطَان ولبث القَاضِي ابْن مُؤمن بالمحطة الى ان دخلشهر الْحجَّة وَتقدم تهَامَة وصحبته ابْن مفضل الْمصْرِيّ لياء تيائه بِمَال يَسْتَعِين بِهِ فِي الْمخْرج وَتقدم الْمَذْكُور ان بِحَيْثُ لم يعيدا عيد الاضحى الا فِي العارة وَلم يزل ابْن مُؤمن بزبيد ولبث مَعَه ابْن مفضل نَحْو شَهْرَيْن ثمَّ تقدم مُنْفَردا الى المهجم فساق مِنْهَا مَالا جيدا وَظهر مِنْهُ نصح بسياقه الْأَمْوَال ومصادرة الْعمَّال فَدخلت سنة ثَمَان وَعشْرين وَالسُّلْطَان مُقيم باللخية صَاحب بَابه الامير الشجاع الملقب الزعيم على أحسن طَرِيق وَمن وضع الاشياء موَاضعهَا واطعام الطَّعَام وَفعل مَا يذكر بِهِ من جميل الايام وَكَانَ الْمَمْلُوك الْقصرى فِي لحج وابين يحاول رفع المحطة فَلم يقدر على هجمها بل صَار يُغير على قرى لحج وَيخرب وَيحرق وَبعث السُّلْطَان فِي مقاتلة حُسَيْن بن الاسد على ان يصده فعجز عَن ذَلِك وَقلع الله الْقصرى بِدُعَاء الْمُسلمين بعد أَن اخرب غَالب لحج ثمَّ عَاد من ذَلِك الى الْخَارِج فصادف مِنْهُ مَا قَالَ صللم

من سل سيف الْبَغي قتل بِهِ وَمن أعَان ظَالِما أغرى بِهِ فَلَزِمَهُ الْخَارِجِي وأباح بَيته واودعه السجْن وبانعراب الْقصرى ووقوعه امنت الطَّرِيق مَا بَين تعز والمهجم وطاب اهل لحج فرخصت الاسعار ثمَّ ان السمداني جهز المماليك المحالفين مَعَه يتقدمون تهَامَة صُحْبَة ابْن عبد الْمجِيد وَذَلِكَ فِي شهر الْمحرم سنة 728 فتقدموا حِين مروا بالسلامة سمعُوا جمَاعَة ينتسبون الى محبَّة الْمُجَاهِد فاذوهم ونهبوا بُيُوتهم ثمَّ تقدمُوا قَاصِدين زبيد فحطوا بخارجها فَخرج اليهم القَاضِي جمال الدّين ابْن مُؤمن فِي منتصف صفر وحاربهم فِي عَسْكَر جيد وانكسروا وَقتل من الْفَرِيقَيْنِ جملَة ثمَّ عَاد المماليك السمدان يرأس عَلَيْهِم الغياث بن السبأى فاخرب وَنهب وَقتل بِجِهَة جبا ثمَّ تقدم موزع فصولح بِشَيْء وَعَاد بَلَده وَذكر انه لزم الْقصرى غدرا وحبسه فِي مدفن وَوصل جمَاعَة من اصحاب تعز استذموا من الامير عز الدّين وَذَلِكَ فِي سلخ جمادي الاولى ثمَّ وصلوا السُّلْطَان الْجند فَلَمَّا دخل صفر فَفِي ثَانِيَة أَو ثَالِثَة بَاعَ رُتْبَة الدملوة الْحصن عَليّ يَد من فِي

المنصورة بيعا هينا فبادر الْأَمِير عز الدّين والدويدار بدار بَال رسال الطواشي جَوْهَر رِضْوَانِي لقبضها فَخرج من تعز مسرعا بِمَال نقد وخلع غَالب ذَلِك مكتسبه فَلَمَّا طلع حصن الدملوة لاطف وبذل حَتَّى استمكن فَوجدَ مبذوله سِتَّة الاف دِينَار غير الْخلْع وَوجد فِي الْحصن نور الدّين وَولدا لَهُ ثمَّ بِنْتا للمنصور وَأما الْخَارِجِي فَكتب الى السُّلْطَان يُعلمهُ بارسالهم وطلع لَهُم رجل يعرف بطلحة أَمِيرهمْ يقرب للزعيم من تهَامَة فوصل المنصورة وَحمل الْجَمِيع تَحت الْحِفْظ حَتَّى وصلوا تعز فادخلوا دَار الامارة بالحصن قيد رِجَالهمْ ولايام بَقينَ من صفر خرج بعض مرتبي عدن من يافع الى السُّلْطَان وَبَايع بعدن واخذ جمعا من الشفاليت وطلع بهم من جِهَة الْجَبَل الْمَعْرُوف بالتعكر لَيْلًا ثمَّ فِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشر من صفر زحف السُّلْطَان على عدن فَخرج أَهلهَا لحربة على عَادَتهم وَظهر الْعَسْكَر الَّذين طلعوا لَيْلًا بِالسِّلَاحِ وَمن ورائهم واصطاحوا باسم السُّلْطَان فانفشل المحاربون وَفتح بَاب عدن فَدخل الزعيم وَالْملك الْمفضل بعد الظّهْر وَدخل السُّلْطَان لَيْلَة الْجُمُعَة وَقت الْعشَاء على حِسَاب فَبَاتَ بالتعكر ثمَّ سَار صبح الْجُمُعَة من التعكر الى الخضراء الدَّرْب المدرب ثمَّ فِي يَوْم السبت استدعى بِجَمَاعَة من الشفاليت والمماليك الظَّاهِرِيَّة وبالرهائن من الشوافي وبعدان وذمار الى الخضراء فطلعوا وعادوا بعد ان اعدم مِنْهُم جمع من المماليك والحمراني وَولد اسْمه الشعوبي والهمداني والشبهاني وَنزل بالرهائن والوالي والناظر وهما الْوَالِي ابْن اربك المَسْعُودِيّ والناظر مُحَمَّد بن الْمُوفق والزكوي الْكل مقطرين بسلسلة من حَدِيد اولهم الركوى ثمَّ ابْن المرضي ثمَّ ابْن اربك ذَلِك وَالسُّلْطَان بالخضرا فعذب الركوى وَابْن الرضى الى حادي عشر ربيع الاول ثمَّ ابْن اربك وَابْن الرضى

وكحل من الرجل جمع كثير من مشهوريهم الشريف من عكار وَابْن عطاف من صنعاء وَابْن ياقوت من عكار وَابْن علوان وقاسم الدَّلال وَابْن بِلَال الجندي وغرق جمَاعَة مِنْهُم الحرباتي والزمعري ولؤلؤ كلابرى وَبهَا در ركنى رندى وَتَمام ثَمَانِيَة ووالي زَيْلَعِيّ بهادر الاشرفي وَغَيره ولبث السُّلْطَان الى نَهَار الْخَمِيس عشْرين جمادي الاولى وَخرج من عدن فَدخل الدملوة مستهل جمادي الاخرة فَلبث بهَا اياما نَحْو نصف شهر ثمَّ نزل مِنْهَا الى الجؤه فَلبث بهَا يَسِيرا من الايام ثمَّ وصل الْجند عشى الثُّلَاثَاء ثَانِي عشر الشَّهْر فقصد مَسْجِد صرب بَات بِهِ لَيْلَتَيْنِ ثمَّ نزل يَوْم الْخَمِيس ظهرا فحط بِالْقصرِ تصل الْعلم ان المعازبة قصدُوا قَرْيَة الودن فَخرج اليهم جمَاعَة من اجناد زبيد فيهم دغشر صَاحب البحرية الْمَشْهُورين فلحقوهم الى قرب من بلدهم وَقد كَانُوا كمنوا لَهُم خيلا ورحلا فحين توسطوا الْمَكَان خَرجُوا وَقتلُوا دغشر واربعة مِنْهُم من الغز وجرحوا جمَاعَة وَذَلِكَ سَابِع عشر جمادي الاخرة وَلذَلِك الْيَوْم توفّي الشَّيْخ سنبل الجزار اُحْدُ مَشَايِخ العوارين فَلَمَّا صَار السُّلْطَان بالجند استدعى من حبس تعز بِولد لِلْحسنِ اُحْدُ شُيُوخ المعازبة فوسط بالجند يَوْم الْجُمُعَة وجهز السُّلْطَان بعد الْعَصْر ولبث اياما لَا يحدث شَيْئا غير الْبِلَاد الظفرية بعسكر مِنْهُ فَقَدمهَا بعد الْعَصْر ولبث اياما لَا يحدث شَيْئا غير الاقامة بحصن الظفر حَتَّى كَانَ يَوْم الِاثْنَيْنِ فزحف على الْحصن وَبِه أَحْمد بن وهيب فَلم يكد يلبث ابْن وهيب بل هرب لَيْلَة الثُّلَاثَاء بلد العربين وَفِي صبح الثُّلَاثَاء وصل الطواشي وَبَات بَاب السُّلْطَان مجيرا بذلك فَركب السُّلْطَان بغالب الْعَسْكَر الى أَن وصل الدمينة وانقلب نَحْو سير وعميد على وَجه السّير فَلم يبت لَيْلَة الاربعاء غير الْجند وَصلى الْجُمُعَة وَوصل الامير عز الدّين صَالح بن

نَاجِي الْخَمِيس بعسكر جيد وطبلخانه هِيَ اربعة أحمال فَلبث اياما وَعند قدومه دخل على السُّلْطَان الْقصر وَقدم فرسا وهدايا اخرى وَضربت لَهُ خيمة خَارج الْبَلَد فَخرج اليها بعد السَّلَام والحضور وَهُوَ من احسن من وصل وساطة بَين السُّلْطَان وَالنَّاس احسنهم مُرَاعَاة لمن لَاذَ بِهِ ثمَّ انه يسْتَعْمل سماطا كل يَوْم يَأْكُل مِنْهُ كل وَاحِد يَقْصِدهُ يعمر من حَضَره وَفِي لَيْلَة الْخَمِيس سرق من خيمته أَشْيَاء لَا ادري حَقِيقَتهَا وَفِي الْخَمِيس الثَّانِي من رَجَب تقدم الامير خازندار فنبه ثمَّ فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي عشر الشَّهْر قتل عبد الْملك قطب عبد الامير السنبلي وَاجْتمعَ الشفاليت وهموا يفتنة عَظِيمَة فَقَامَ الامير زعيم الدّين بالامر واقاد فرسا للسنبلي وَحين وصل بِهِ اليه قَالَ مسدلا للْعَبد الْمَقْتُول مَاذَا الْمليح كل يَوْم يقتل منا وَاحِد يعادله فرسا ثمَّ اخْتَرَطَ سَيْفه وَضرب بِهِ رجلى الْفرس فَانْقَطَعت احدهما فاستقبح ذَلِك وهرب العَبْد الى بَيت السنبيلي وَكَانَ على بَاب السُّلْطَان فَتقدم بَيته غاضبا فَوجدَ العَبْد قد سبقه وَأمر بكفنه وجر فريسا وَتقدم بِهِ بَاب الزعيم فحين وَصله أَمر بعض الشفاليت أَن يعقره فاخترط سَيْفه وَضرب رجْلي الْفرس مرَارًا فَلم يقطع وَالْعَبْد قَاسم مكفوت فابتدر السنبلي وَاخْتَرَطَ سَيْفه وَضرب بِهِ رجْلي الْفرس فعقره بضربة وَاحِدَة ثمَّ اراد ان يضْرب رَقَبَة العَبْد فصاح بِهِ الزعيم ان لَا يفعل وحنق على الْحَاضِرين حِين لم يفرعوا عَن الْفرس ثمَّ خرج مسرعا فلاطف السنبلي بِكَلَام حسن صفي الْورْد وتصافيا وَأمر الزعيم باطلاق العَبْد وخلع عَلَيْهِ فوطة كَانَت عَلَيْهِ تَسَاوِي اربعين دِينَارا وَفِي اثناء شغلهمْ بذلك لقى جمَاعَة من الشفاليت العَبْد العقاتل فَقَتَلُوهُ بِالسوقِ الْكَبِير وطفى الشَّرّ بلطف الله ثمَّ حسن تَدْبِير الزعيم وَفِي ثَانِي ذَلِك الْيَوْم غزى السُّلْطَان بِنَفسِهِ وَادي عميد وانتهب الْعَسْكَر مِنْهُ بِذِي السّلف جملَة من الدَّوَابّ وَفِي منتصف الشَّهْر قتل ولد عمرَان المفلسي مُحَمَّد مَكْنُون ظلما وعدوانا وَفِي مستهل شعْبَان جرد السُّلْطَان

الى عدن جَرِيدَة مقدمها ابْن طَاهِر وابدعه مُحَمَّد ولايام قلايل من شعْبَان وصلت هَدَايَا من ذمار من جُمْلَتهَا خيل من حسن بن الْأسد فِيهَا فرس قل مَا يُوجد مثله طولا اذ وجد طوله ثَمَانِيَة اشبار كَامِلَة وَفِي ثامن شعْبَان خَالف الامير عز الدّين صَالح بحصن تعزواخرج الخدام الَّذِي فِيهِ وَأمر بِنَهْب بَيت الزعيم وَابْن مومن والرشيدية اذ فِيهَا أَمْوَال التُّجَّار احْتج انها لِابْنِ مُؤمن ثمَّ انه كَاتب السُّلْطَان وَاعْتذر فَتقدم الطواشي جَوْهَر الرضواني وَهُوَ يَوْمئِذٍ الزِّمَام يَوْم الْجُمُعَة وَمَعَهُ امْرَأَة تعرف بالدادوه وَشرعا الصُّلْح فَسَأَلَ الذِّمَّة وَعَاد الطواشي مخبرا بذلك ثمَّ فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ وصلا اسد بن صَالح وَمَعَهُ فُقَهَاء تعز المدرسون وَالْحَاكِم راس الْفُقَهَاء أَبُو بكر بن جِبْرِيل وَالْحَاكِم مُحَمَّد بن عمر بن عبد الله فقصدوا جَمِيعًا قصر السُّلْطَان واذن لَهُم بالحضور فقابلهم السُّلْطَان حسن مُقَابلَة وعرضوا بَين يَدَيْهِ قصصا اجاب عَلَيْهَا جَوَابا شافيا وَخَرجُوا من عِنْده داعيين شاكرين جزاه الله خيرا وَعَاد الْفُقَهَاء يَوْم الثُّلَاثَاء بِذِمَّة للأمير من السُّلْطَان والدور وَفِي الْخَمِيس الاقرب وصل القَاضِي ابْن مومن من عدن بخزانة جَيِّدَة نَقْدا وعرضا وَفِي يَوْم السبت سادس عشر شعْبَان وصل الامير عز الدّين والجند بعدان نقل جَمِيع مَا كَانَ بالحصن الى بَيته فِي الشامر ثمَّ وصل الْجند صُحْبَة الْفُقَهَاء فَدَخَلُوا على السُّلْطَان الى الْبُسْتَان فَقعدَ لَهُم بالميدان فَكَانَ حضروهم دون الاول فِي كل أَحْوَاله وَفِي الْحُضُور تقدم الطواشي كافور الْوزان بِجَمَاعَة من الأصاهية لقبض الْحصن فَقَبضهُ بعد أَن أنزل الْأَمِير عز الدّين جَمِيع قماشه الى بَيت لَهُ بالشامر فَكَانَ من السُّلْطَان اليه كلَاما حَاصله معاتبة واحضر القَاضِي والزعيم الْمجْلس فتعاتبا هم وَصَالح ثمَّ أوخذا طيبَة خواطرهما وهون الْآن الْأَمر عَلَيْهِمَا وَكَذَلِكَ السُّلْطَان فعل ذَلِك وَخرج الْفُقَهَاء هم وَصَالح وَالْفُقَهَاء دخلُوا الْمَسْجِد صلوا

الظّهْر وعادوا تعز وَصَالح سكن فِي بَيت أحلى فَجعل يحصنه وَيَبْنِي بِهِ الستائر والمحاجي وَفِي الربوع الَّذِي يَلِي الْيَوْم الْمَذْكُور وَهُوَ ثَانِي عشر شعْبَان خرج وَمَعَهُ السنبلي وَقصد القَاضِي ابْن مومن اذ كَانَ شاع انه ساك فلبثا سَاعَة ثمَّ اذن لَهما وَلم يدْخل مَعَهُمَا اُحْدُ من حواشيهما كَمَا جرت الْعَادة ثمَّ عَادوا بُيُوتهم وَلما كَانَ وَقت الْعَصْر خرج السُّلْطَان بِجَمَاعَة قَلِيل واشعر على كَافَّة الامرا بِالْخرُوجِ فَخَرجُوا سرَاعًا وَطلب صَالح فتقاعد ثمَّ خرج على كره مُنْفَردا عَن وَلَده فَلَمَّا صَار خَارج الْبَيْت وَمَشى خطوَات يسيره استدعى بولده فَخرج مَعَه وَخرج قدامهما جمع من الشفاليت وَهُوَ شبه المفكر مَا مُوجب طلبه حَتَّى وصل هُوَ وَولده الميدان وَقد صَار السُّلْطَان يسير والعسكر وقُوف والامير الزعيم يسير مَعَه فحين صَار صَالح وَابْنه واقفين بِطرف الميدان برز لَهُم الزعيم ودعاهما على انه يشاورهما بامر فظنا انه يُرِيد السباق والمجاملة فَقَالَا تركب الْخَيل فَقَالَ نُرِيد مشورة وركوب الْخَيل بعد ذَلِك ثمَّ انه ابعدهما الى وسط الميدان وَضم جمعا من عسكره قد بَينهم اشارة فَدَارُوا بهما وَقَالُوا لَهما التزما وَبَادرُوا عَلَيْهِمَا بالطعن وَالضَّرْب فَلم يكد ينزل صَالح من بغلته الا مَيتا واما ابْنه فَنزل فتمنع سَاعَة ثمَّ قتل وقاما مكشوفين على وجوهما بَقِيَّة يومهما ثمَّ لَيْلَة الْخَمِيس ويومها وَفِي وسط لَيْلَة الْجُمُعَة خرج الامر بدفنهما وَدفن جمَاعَة من اصحابهما قتلوا ذَلِك الْيَوْم وهم ولد ابْن المقاولة وَعبد حَرْبَة صوان والمملوك ارقوس قَاتل على صَالح وشفلوت على بَاب تعز وَهَؤُلَاء هم المتحققون دفنُوا بديمة كَانَت بمنزل الْقَيْسِي واما صَالح وَابْنه فدفنا بمقابر الْمُسلمين فِي قبر وَاحِد وَلم ينصب وشفلوت يُسمى سعلة قطعت رجله من فَوق الرّكْبَة وَفِي عشى يَوْم الْجُمُعَة كحل حيد يُسمى ابْن الصحى وحوايج كاش يُسمى المصبري كل مِنْهُم غُلَام صَالح

وَمن عَجِيب الِاتِّفَاق ان الثِّقَة اخبر انه كَانَ بَات لَيْلَة الاربعاء الَّتِي قتل صَالح قبلهَا بساعات شاع وَقت الْعشَاء قتل صَالح لَا يعلم من اشاعة وَمن ذَلِك مَا اخبر ثِقَة انه تِلْكَ اللَّيْلَة ايضا بحصن المجمعة فَلَمَّا كَانَ نصف اللَّيْل اذ نَادِي مُنَادِي الى الْحصن يخبر بقتل صَالح وَهَذَا امْر لم يعْهَد فِي طَاقَة الانس فانه

بَين الْجند واب بوم للمجد وَبَينهمَا وَبَين اعنى الْجند والمجمعة يَوْم وَنصف على طَرِيق التَّقْرِيب وَقتل صَالح كَانَ وَقت الْعَصْر فَكيف اتّفق لانسى ابلاغ الْخَبَر الى أَب مَا بَين الْعَصْر وَالْعشَاء وَالِي المجمعة مَا بَين الْعَصْر وَنصف اللَّيْل وَهَذَا من الْعجب وَالْغَالِب ان الشَّيَاطِين هِيَ الناقلة لذَلِك فِي يَوْم السبت رَابِع يَوْم تقدم السُّلْطَان تعز وَمُدَّة اقامته بالجند كَانَ الْقَائِم بِالْبَابِ الزعيم حَتَّى وصل ابْن مُؤمن فاشتركا وَحط السُّلْطَان فِي الشَّجَرَة فَلبث بهَا يَوْم الثُّلَاثَاء وَصعد الْحصن بعد ان نقل السنبلي جَمِيع هداده من الْحصن الى بَيت بعدينة وَلم يصعد من الْعَسْكَر غير يسير من الْخَواص وَلم يقم مَعَ السُّلْطَان بِهِ غير ابْن خَاله الامير الشهَاب أَحْمد بن عَليّ ابْن اسماعيل عرف بالمنتخب النقاش وَفِي مستهل رَمَضَان خَالف بعض أهل صَبر على ابْن مُنِير وَأخذ الْحصن من يَد قوم يعْرفُونَ ببني شرِيف وَتُوفِّي شعلة ثامن رَمَضَان وَفِي منتصفه تقدم ابو بكر بن العتمى الشحر واليا فَلبث بالسمكر اياما وَتقدم بعد أَن الْحق بابراهيم بن مِيكَائِيل واسرائييل بن اسرائيل اخرجا من حبس تعز وسيرا اليه تَحت الْحِفْظ وأسار بهما لذَلِك لم يدر مَا الْغَرَض فيهمَا فادخلا عدن وسفر بهما على وَجه النَّفْي مَعَ الكويلي فدخلا كولم واكرمهما تجارها ثمَّ ركبا مِنْهَا الى ظفار فاسرائيل تزوج من أَهله هُنَالك وَابْن مِيكَائِيل عَاد الْيمن وَفِي سادس عشر رَمَضَان حصل بَين أهل الشذف بني حَامِد وَأحمد بن مُحَمَّد اجْتِمَاع واتفاق على انهم يقبضوا الْحصن للسُّلْطَان اذا نزل عَنهُ ابْن وهيب الى الدمينة وَترك بِهِ جمَاعَة من بني حَامِد واصحابهم وَقد تعبوا مِنْهُ تعبا كليا فقبضوه للسُّلْطَان وَكَانَ بِهِ حَرِيم ابْنا وهيب فأخرجوهم مصحبين بعد أَن نهبوهم لم يخْرجن بِشَيْء سَوَاء وَتقدم الى السُّلْطَان يَوْم الثَّامِن وَالْعِشْرين الْعلم بذلك فَبعث جَرِيدَة ومقدما فِي التَّاسِع وَالْعِشْرين وصلوا جرانع فَقَالَ من بِيَدِهِ الْحصن لَا ينزل عَنهُ الا بِأَلف دِينَار وَعشر فوط وأمان شَامِل فَأمر الْعَسْكَر الى السُّلْطَان رَسُولا يُعلمهُ بذلك فاجابهم السُّلْطَان الى ذَلِك وَبعث لَهُم بِمَا سَأَلُوهُ وطلع الطواشي جَوْهَر الظفري الملقب بالسنبلي فَقبض

الْحصن فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الْخَامِس من شَوَّال خرج السُّلْطَان من تعز وَقصد الشذف فَبَاتَ بحصن الظفر لَيْلَة السبت حَتَّى الْتحق بِهِ الْعَسْكَر ثمَّ لم يبت لَيْلَة الاحد الا فِي الْحصن فَلبث فِيهِ الى يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع الشَّهْر فَرجع قَاصِدا تعز بعد أَن ولى فِيهِ ابْن قيماز البعداني للحصن وَجعل أَخَاهُ نَقِيبًا وَلم يعد الْجند ذَاهِبًا وَلَا رَاجعا فاقام بالحصن أَيَّامًا ثمَّ فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ منتصف شَوَّال نزل الشريف دَارا بناه باسفل الْحصن فَلبث فِيهِ الى الانيسير للصَّيْد وَغَيره ثمَّ يعود فيقف بِهِ وَبعد ايام نزل الشَّجَرَة بَين الْمصْرِيّ بن مفضل وَبَين رعية تهَامَة ثمَّ بعد ذَلِك بأيام عَاد السُّلْطَان الْحصن فَلبث بِهِ اياما ثمَّ نزل الشَّجَرَة لمضي أَيَّام من شهر الْقعدَة وَذَلِكَ يَوْم السبت رابعه واظهر تقدمه تهَامَة وَالنَّاس مترددون فِي الصِّحَّة لذَلِك وَفِي اثناء ذَلِك لَيْلَة الِاثْنَيْنِ طلع النَّقِيب الْورْد السنبلي حصن صَبر بِمِائَتي رجل اوصلهم السُّلْطَان الى ثعبات وَرجع المحطة وَفِي صبح الِاثْنَيْنِ تقدم ايضا ابْن الشرحيين فَلَقِيَهُ رَسُول السنبلي بالبشارة بِقَبض الْحصن وَأَنَّهُمْ رموا فِي ليلتهم بقرى كَثِيرَة لم يكد يشْعر بهم اُحْدُ وَفِي عشى السَّادِس تقدم السُّلْطَان من بُسْتَان الشَّجَرَة جِهَة جبا بعد ان طلب مَادَّة من وَالِي الشذف فَمروا بالجند يَوْم سَابِع من اخ الْوَالِي وَفِي سلخ شَوَّال قبض الْحَرِيم حصن عمرَان على جِهَة البيع من وَلَده وَرجع السُّلْطَان من نَاحيَة جبا صبح الْخَمِيس تَاسِع الشَّهْر وَلم يطق طُلُوع صَبر وَحط فِي بُسْتَان صالة ثمَّ انْتقل مِنْهُ الى عَبْدَانِ فَلبث بهَا وحصلا مِنْهُم قتل عَظِيم ولبث بهَا الى الثُّلَاثَاء

وَفِي اثناء ذَلِك ظهر من معلم هُنَالك خِيَانَة بعد احسان من السُّلْطَان فامر بشنقه فشنق وَحصر اهل صَبر من صَار بالحصن وَلم يكن مَعَهم شحنة فضاقوا واستذموا ونزلوا يَوْم الِاثْنَيْنِ وَصَارَ السُّلْطَان الى تعز يَوْم الثُّلَاثَاء فَلبث ببستان الشَّجَرَة ثَمَانِيَة أَيَّام وَنزل اليه جمع من جبله ونواحيها

فيهم جمَاعَة من الشفاليت اصحاب صَالح فَقتل مِنْهُم اثْنَيْنِ المعروضي والمباخ على بَاب الشَّجَرَة عشى الثُّلَاثَاء حادي عشر من الْقعدَة وعقيب قَتلهمَا تقدم السُّلْطَان الى حصن الْحَرِيم فَقَبضهُ من ولد عمرَان المغلسي وَعَاد تعز فَلبث يَسِيرا ثمَّ سَافر يَوْم السبت طَرِيق تهَامَة خَامِس وَعشْرين الْقعدَة وَفِي يَوْم الاحد ثَالِث الْحجَّة اصْطلحَ الْوَالِي بتعز مَعَ اهل صَبر بعد أَن خَافت الطَّرِيق الَّتِي نالها اهل جبركالحوبان والضباب وَنَحْوهمَا أَيَّامًا وَكَانَت تَنْقَطِع بِسَبَب ذَلِك وَلما حصل الصُّلْح بِطيب ابْن مُنِير وَالِي الْحصن صَبر وطلع أهل الْمَدِينَة من كَانَ لَهُ حَاجَة فِي صَبر ثمَّ دخلت سنة تسع وَعشْرين وصل الْحَاج فِي شهر الْمحرم طيبون متعافون مخبرون برخاء الْحجاز وان الوقفة كَانَت الْجُمُعَة لَا غير وان الْعِرَاقِيّ كَانَ اقوى الْحَاج القادم من الْجِهَات الَّتِي يقدم مِنْهَا الْحجَّاج وَلما كَانَ فِي شهر صفر حصل من بعض أهل المنصورة الدملوة مخامرة فادخلوا جمَاعَة من الشعوب فانتهبوا غَالب المنصورة بيُوت الَّذين لم يخامروا مَعَهم ثمَّ كاتبوا السمداني يخبرونه بِقَبض المنصورة وَيطْلبُونَ مِنْهُ مَادَّة بِالْمَالِ وَالرِّجَال فَعَاد جَوَابه بِكَرَاهَة ذَلِك وان لَا مَال مَعَه وَلَا رجال فَرَجَعُوا اخربوا غَالب بيُوت المنصورة حَتَّى دَار السُّلْطَان الَّذِي يعرف بدار الذَّهَب وَسبوا جملَة من الْحَرِيم مستحسنات نَحْو اربعين امراة على مَا قيل فَبلغ الْعلم إِلَى السُّلْطَان وَهُوَ بزبيد فسرى الطواشي بِنَحْوِ ثَلَاثِينَ فَارِسًا وَمِائَة راجل مقدمهم الشَّامي فوصلوا الْجند وَلَبِثُوا فوصلوا الْجند وَلَبِثُوا بهَا اباما فحين علم الاشعوب بذلك علمُوا أَن لَا طَاقَة لَهُم بِلُزُوم المنصورة فَهَرَبُوا مِنْهَا وَوصل الطواشي جَوْهَر من الْجند وَقد قبضهَا الطواشي أهيف فطلع الشَّامي اليها وَعَاد الطواشي من الجنات لم يكن لَهُ طُلُوع وَرَاح بالجند الَّذِي مَعَه

تعز وَوصل السُّلْطَان من تهَامَة فَدخل تعز يَوْم الاحد منتصف صفر حط بِالشَّجَرَةِ فَالله تَعَالَى يَجْعَل ذَلِك عَلَيْهِ وعَلى الْمُسلمين وصُولا مُبَارَكًا فَلبث بِهِ الى سحر يَوْم الْخَمِيس تطلع الْحصن طُلُوع الْفجْر فَلبث بِهِ الى ثَالِث ربيع الاخر وَقد كثر ارجاف النَّاس بوفاته اذ كَانَ مَرِيضا بالجدري طلع بِهِ من تهَامَة فَخرج مسيرًا الى الشَّجَرَة والبستان الْمَعْرُوف لبث بِهِ سَاعَة وَعَاد الْحصن ثمَّ بعد ذَلِك بايام قلايل توفّي ولد من ابْنة ابْن مودود وَفِي ثَالِث وَعشْرين من الشَّهْر توفّي لَهُ ولد لَهُ اخر يَوْم الْجُمُعَة وَفِي هَذَا الشَّهْر كثر استخدامه للرجل وَطَلَبه لَهُم من أَمَاكِن مَعْرُوفَة وَلَا يعلم اُحْدُ ايْنَ يُرِيد وَكَانَ ابْن مُنِير صَاحب فِي هَذَا الشَّهْر كَاتب ابْن السباني الملقب بالغياث ان يكف فَسَاده من الْعباد والبلاد اذ كَانَ قد قَتله القَاضِي مُحَمَّد بن الْفَقِيه ابي بكر قد اعْجَبْ وَظن مَا ظَنّه امثاله ان لن يقدر عَلَيْهِ اُحْدُ فجوب الى ابْن مُنِير ورقة يَقُول فِيهَا كلَاما يشْعر انه غير لافت عَلَيْهِ وانه قَادر على أهلاكه واهلاك من ناواه من الْعَرَب ثمَّ من حَملَة ذَلِك يَقُول انا مؤتم الْأَوْلَاد أَنا مقرب الْآجَال انا مرمل النسوان أَنا مخرب الديار أَنا الَّذِي لَو اجْمَعْ عَلَيْكُم اهل الأَرْض نَالَ مِنْهُم وَلَا ينالوا مِنْهُ وَمن اشباه ذَلِك فحين وقف ابْن مُنِير على جَوَابه الْمَذْكُور شقّ عَلَيْهِ ودعا وُجُوه أهل صبرو من حوله الْعَرَب وقرى عَلَيْهِم الْكتاب جَهرا فشق عَلَيْهِم واجمعوا على كفره وجهله وَجَوَاز قِتَاله ودعوا اليه من والاهم من الْعَرَب فاجابوهم الا ابْن الحبشي من جبل ذخر فانه تاخر ثمَّ اجْمَعُوا على حربه وغزو بِلَاده بعد ان صَار اليهم جمَاعَة من الغز الَّذين مَعَ الْخَارِج فِي السمدان وَرُبمَا كَانَ ذَلِك على كره مِنْهُ وَقيل

على رِضَاهُ لاجل قَتله لولد الْفَقِيه فانه فعل ذَلِك افتتانا عَلَيْهِ فَلَمَّا توَسط الْعَسْكَر بَلَده فِي ربيع الثَّانِي قتلوا جمعا من أَهله واصحابه ونهبوا غَالب بَلَده واخربوها وتحصن بحصن مِنْهَا فراسل السُّلْطَان ببذل الطَّاعَة والرهائن على انجاده الْعَرَب واستنقاذه من حضرهم وكشف محطتهم فَاسْتَشَارَ السُّلْطَان فِي ذَلِك عقلا اصحابه وَأهل دولته فاشاروا بانه لَا يقبل مِنْهُ حَتَّى يسلم لَهُ الْحُصُون الَّذِي اعطاه الْخَارِج فَلَمَّا برز السُّلْطَان من الْحصن الى الشَّجَرَة ارتاب الْعَرَب وَتَفَرَّقُوا من المحطة خوفًا من السُّلْطَان يَغْزُو بِلَاده وَنزل السُّلْطَان من الْحصن الى الشَّجَرَة يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي جمادي الاولى فَلبث بهَا الى يَوْم الِاثْنَيْنِ وَقد وصل الزعيم يَوْم نزُول الشَّجَرَة وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سافروا عدن طريقالماء الْحَار وَلما صَار السُّلْطَان بعدن وَكَانَ ابْن السبأي قد استنقذ بني النقاش من يَد السمداني اليه الى حصن يَمِين فَلَمَّا رأى أَن الْعَرَب قد رمته عَن قَوس وَاحِدَة رَأْي ان يتَقرَّب باطلاقهم والاحسان اليهم وايصالهم الى بَاب السُّلْطَان اجتلابا لشفقته عَلَيْهِ وَفعل ذَلِك وَكَانَ الْوَالِي الَّذِي لزمَه ابْن الدويدار حِين اخذ عدن وَهُوَ رجل مَشْهُور بِالْعقلِ وَالتَّدْبِير وَكَانَت لَهُ رهائن بالسمدان فراسل صَاحبه على اطلاق رهاينه وَمرَاده الْميل الى السُّلْطَان اذ يأس من فلاح الظَّاهِر فَقَالَ أعمل بخلاص والدتي من يَد السُّلْطَان وَأَنا اطلق لَك رهاينك فَأخْرج الْأَمِير بدر الدّين وأحلفه انه مَتى دخل عدن عمل باستنقاذ وَالِدَة السمداني فَدخل عدن لنيف وَعشْرين مَضَت من جمادي الاخرة والتقاه النَّاس ملتقى حسنا فَلم يكن غير يسير حَتَّى طلعت جَرِيدَة انزلت أم الْخَارِج الى عدن ليطلق السبائي بَقِيَّة بني النقاش اذ عَاد مِنْهُم بَقِيَّة بِيَمِين وَفِي سلخ جمادي الاولى يَوْم الْجُمُعَة وَهُوَ التَّاسِع وَالْعشْرُونَ مِنْهُ خرج احْمَد بن مُحَمَّد الرمدي من الْجند اخر النَّهَار متاخرا وَخرج اولاده لَيْلًا وحريمه ومواشيه وَفِي صبح يَوْم السبت قتل عبد الله بن حَنش وَهُوَ رجل رعوى من اهل السودَان واستعد مَعَ اولاد وهيب على

الْخلاف واخراج السودَان مِنْهُ وَفِي الْخَمِيس ثَانِي عشر جمادي الاخرة استعد الصهباني والتعكر وَأهل الشوافي وقصدوا جبلة وانتهبوا اطرافها وَحصل صلح ضَعِيف ثمَّ حصل شقَاق عَظِيم بَين أهل الشوافي عقيب ذَلِك انْفَتح بِهِ حَرْب عَظِيم وَقتل خلق كثير وَفِي الشَّهْر حصل من ذكر السُّلْطَان عَن ابْن مومن انه خَان فِي أُمُور كَثِيرَة فصادره بِمَال لَهُ ذكر وَجعل الامير ابْن العتمي شادا للدواوين وَفِي شهر رَجَب لنيف وَعشْرين مِنْهُ رَحل السُّلْطَان من عدن الى ابين يحضر فِيهَا لَيْلَة الكتيب وَهِي لَيْلَة سَابِع وَالْعِشْرين مِنْهُ فَحَضَرَ حضورا جيدا وَتصدق بِصَدقَة جَيِّدَة وَمنع الجندارية عَن طرد النَّاس عَنهُ ثمَّ لما انْقَضتْ أَيَّام الْكَثِيب عَاد الى عدن فَلبث بهَا أَيَّامًا وَفِي رَجَب توفّي الامير بدر الدّين الدعوي وَبعده بِثمَانِيَة ايام توفّي الامير شمس الدّين على العجمي الْجَمِيع بعدن

وَقد تطلع النُّفُوس الى خبر الْكَثِيب اما الشَّأْن فِيهِ فَهُوَ مَوضِع فِي ابين عدن وَهُوَ أحد الْمَوَاضِع الْمُبَارَكَة فِي الْيمن على مَا ذكر الثِّقَة فِيمَا رَوَاهُ الرَّازِيّ مقدم الذّكر ان فِي الْيمن اربعة مَوَاضِع مباركة بالِاتِّفَاقِ مِنْهَا الْكَثِيب الابيض عِنْد وَادي يرامس ارْض ابين وَمِنْهَا الْجند وَمِنْهَا زبيد وَمِنْهَا نَجْرَان وَلم يزل النَّاس ينتابون الْكَثِيب لَا سِيمَا فِي رَجَب ويجتمعون فِيهِ لَيْلَة سبع وَعشْرين من الشَّهْر ويزعمون انها سنة الْعلمَاء المتقدمون سُئِلَ بعض فُقَهَاء تِلْكَ النَّاحِيَة من الْمُتَأَخِّرين هَل ان يذكر شَيْء من فَضله فَقَالَ لَا اعْلَم الا اني رايت وَسمعت الاجماع مُنْعَقد على قَصده وزيارته وَمَا يكون مجَّانا عَن بَاطِل وَنزل السُّلْطَان من الْحصن فِي رَمَضَان فحط بالحبيل ثَمَانِيَة ايام ثمَّ عَاد الْحصن فَلبث بِهِ الى الْعِيد وَنزل بعد ان اخْرُج الاشرف ابْن عَمه الواثق فِي اثناء اقامته بالشريف فَدَعَا النَّاس لَهُ بذلك ووقف بالميدان فطعن الْعَسْكَر طَعنا جيدا أصَاب سابعة الطعْن لاسد الدّين ابْن الواثق يحسن الطعْن واتقانه بالاصابة لِلْفَتْحِ

اصابة متقنة وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء حادي عشر شَوَّال قدم السُّلْطَان الْجند على وَجه الجريدة فَلبث بهَا الى بعد الظّهْر فطلع الْقصر بورستانة ثمَّ تقدم تعزمسرعا وَفِي الشَّهْر الْمَذْكُور ثامنه عقد على ابْنة عَمه الواثق جعله الله عقدا مُبَارَكًا فَلبث الى سلخ الشَّهْر عرس فِي اثْنَا الشَّهْر وطلعت قافلة من عدن بهبها اهل الهجر فغزاهم السطان رَابِع الْقعدَة واوقع بهم فطلع الدملوة ووقف بهَا مُدَّة ثمَّ نزل الجوأة فعيد بهَا وَقد صَارَت خرابا لَا سَاكن بهَا وَلما انتصف شهر الْحجَّة خرج السُّلْطَان على الأشعوب وَحصل الْحَرْب وَلما كَانَ يَوْم تَاسِع عشر الْحجَّة يَوْم الْخَمِيس انْكَسَرَ بعض عَسْكَر السُّلْطَان وَقتل ابْن طَاهِر وَقَرِيب لَهُ وَجَمَاعَة من الْعَسْكَر خيلا ورجلا

وودخلت سنة ثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَالسُّلْطَان بالناحية هَذِه استاذ دَاره الشرق بن حباجر وَأَبُو بكر والزعيم وأمير جنداره وَفِي عشر الْمحرم الأولى أَخذ السُّلْطَان حصن يَمِين قهرا من ابْن السبائي على يَد الزعيم بعد أَن حاصره مُدَّة حصارا جيدا وهرب ابْن السبائي الى نَاحيَة ذخر ثمَّ حصل بَين السُّلْطَان والسمداني فِي عَاشر الْمحرم اَوْ منتصفه سنة 730 واخذ ذخْرا قهرا بالتاريخ الْمَذْكُور ثمَّ جنب السُّلْطَان بلد السبائي وامتحن بهَا بعد ان ولي بقدس واليا هُوَ عَلَاء الدّين وَالِي زبيد الطواشي جَوْهَر الظفاري وبالسواء ثمَّ تقدم تعز يَوْم

الثُّلَاثَاء منتصف صفر بعساكر عَظِيمَة الْمقل يَقُول اثْنَا عشر ألفا وَالْمُكثر سَبْعَة عشر ألفا وَوجد أهل صَبر مصرين على الْخلاف وخزق الْعرض بالشتم الشنيع والاستقلال بالعسكر فَلَمَّا كَانَ لَيْلَة الاحد طلع الْعَسْكَر من نواحي شَتَّى فَلم يكد يكن الضُّحَى حَتَّى قد ملك غَالب الْجَبَل وهرب غَالب أَهله وطلع السُّلْطَان الْحصن فَوجدَ بِهِ رجلا كَانَ نَائِبا للسلوك الَّذِي كَانَ واليا لصبر بايامه وَحصل بايامه الْخلاف وكحل فِي سنة 725 اسْمه يُوسُف بن عمر صَاحب محرب فامر فذبح على بَاب الْحصن وَقطع راسه وَلم يطلع السُّلْطَان الموادم حَتَّى قطع اربعين راسا من اهل صَبر وَفِي اثناء الْوَاقِعَة شنق نَحْو ثَلَاثَة عشر نفسا مَا بَين الْمُحَارب وعدينة ثمَّ صدر الْخَمِيس الَّذِي يَلِيهِ ثَلَاثَة عشر نفسا تِسْعَة بالسمكر عشي الْخَمِيس وَفِي الْجُمُعَة وصل بأَرْبعَة شنقوا بسوق الْجند وَبعد الْمَوْت قطعت رؤوسهم وكل من شنق قطع رَأسه حَتَّى انه ذكر لي من موثوق انه قتل اربعماية نفس وقصعت رؤوسهم وهرب ابْن مُنِير الى جبل حمر وَاسْتقر بِهِ اياما ثمَّ هرب مِنْهُ الى الحشاء فَذكر انه توفّي فِي سلخ ربيع الاولى وَلم يَصح بل رَجَعَ من الحساء الى بلد الأشعوب لبث بهَا الى تَارِيخ يَأْتِي ذكره منتصف جمادي الاخرة وعَلى وفا نصف

شهر من أَخذ الْجَبَل صَاح الصائح بِأَمْر السُّلْطَان أَن الذِّمَّة على ضعوف صَبر وَمن لَا يحمل السِّلَاح يطلعون الْجَبَل وَفِي الْأَحَد الثَّانِي صِيحَ لَهُم كَذَلِك وصيح لَا أهل الاجناد ان لَا يتعسفوا وَفِي ثَانِيَة قدم السُّلْطَان جَرِيدَة وَدخل الاصطبلات وَذَلِكَ ظهيرة الْيَوْم الْمَذْكُور هُوَ عَاشر ربيع الاول فَلبث فِي الْبُسْتَان الى بعد الظّهْر وَعَاد الى تعز فيحفظ الله تَعَالَى ورعايته والخلق داعون لم يحدث عَلَيْهِم مظْلمَة بل انْتفع اهل الْبَلَد على قدر حَالهم اعني اهل بيع الْخبز والادام وعقيب اخذ الْجَبَل حصل بتعز والجند ونواحيهما مرض غَرِيب عَجِيب هُوَ سعال وزكام ونواغز جنوب فَمَاتَ بِسَبَب ذَلِك جمع كَبِير فِي هَذِه النواحي ولبث بهم الى منتصف ربيع الاول وَهُوَ مُسْتَمر بهم وكل من قدم من الْبِلَاد النائية جبلا وتهامة مَتى سُئِلَ عَن شَيْء من ذَلِك الْخَبَر انه مَوْجُود عَام لم يكد يسلم مِنْهُ مَوضِع وَلَا اُحْدُ الا نادار اَوْ هُوَ اذ ذَاك لَا حكم وَذَلِكَ من اواخر صفر الى اواخر ربيع الاخر وَحصل بالشهر الْمَذْكُور بنواح من الْيمن نزُول جنس الرماد من السَّمَاء وَذَلِكَ بِبَلَد ذبحان وَمَا يقاربها وَرُبمَا كَانَ ذَلِك بلحج وعدن واقام السُّلْطَان فِي ثعبات مشيعا مظْهرا بنزول تهَامَة وَلم ينْسك اُحْدُ من عسكره فِي ذَلِك حَتَّى كَانَ يَوْم الاربعاء رَابِع ربيع الثَّانِي اظهرالعزم على قدوم الْجند فوصل اول الْعَسْكَر عصر الْيَوْم وضربوا خيما فِي الميدان والجبانة وَوصل السُّلْطَان الى المخيم عشيا فَبَاتَ بِهِ وَلما كَانَ ضحى الْخَمِيس دخل الْمَدِينَة من بَابهَا الايمن بَاب

الْبُسْتَان وصحبته العساكر واعيان بَابه كَالْقَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن مومن والامير الشّرف مُوسَى بن استاذ دَاره ونائبه فِي الْملك الامير الزعيم فَدخل السُّلْطَان الْقصر وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامن ربيع الآخر جئى بِالْقَاضِي ابراهيم بن مُحَمَّد بن عمر هُوَ وَبَعض اولاده الْجند طلعت لَهُم جَرِيدَة فلقيتهم فِي الطَّرِيق فوصلوا بهم الى أَمِير خازندار وادعهم الشقان وَلم اسْمَع على بَاب السُّلْطَان هَذِه الْمدَّة مِمَّن يُحِبهُ ويخدمه ويلوذ بِهِ غير القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن مومن فانه يتوسط لَهُ واليه من النَّاس بِالْخَيرِ شاهدت ذَلِك وَسمعت اصلحه الله ووفقه وَفِي صبح السبت ثَالِث عشر ربيع الاخر من السّنة قدم الشَّيْخ عبيد بن مجهف الْمُتَوَلِي على التعكر مُدَّة الْخلاف والحافظ لَهُ فَخرج غَالب الْعَسْكَر والتقوه حَتَّى دخل الْجند وَنزل مَعَ الامير الزعيم حَيْثُ هُوَ نَازل وَفِي يَوْم الاحد اخذ خطه الى نَائِبه فِي التعكر وطلع بِهِ الطواشي بارع فَقبض التعكر لَيْلَة الِاثْنَيْنِ وَقبض العربيون الدامغ قهرا بِالسَّيْفِ السُّلْطَان وَكَانَ شيخهم عمر بن معوضة اول من وصل بَاب السُّلْطَان فِي الْجند على يَد الزعيم وَذَلِكَ من مشائخ الْعَرَب فِي الْجِهَة المخلافية

انْتهى الْمَوْجُود فِي النُّسْخَة هُنَا وَهُوَ آخر الْكتاب بِحَمْد الْملك الْوَهَّاب وَاتفقَ الْفَرَاغ من زبره وَتَمَامه نَهَار السبت سَابِع عشر من شهر ذِي الْحجَّة الْحَرَام من شهور سنة سبع وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَذَلِكَ بِحَمْد الله وَكَرمه وَمِنْه وَحسن توفيقه على يَد من لَا يذكر اسْمه معترفا بِذَنبِهِ الى رَحْمَة ربه العراني بن أَحْمد بن عَليّ بن حُسَيْن الْحلْوانِي غفر لَهُ ولوالديه ومالكه ومستكتبه وَسَائِر إخْوَته وَلِجَمِيعِ الْمُسلمين آمين اللَّهُمَّ آمين

الْكتاب مَوْلَانَا وَسَيِّدنَا وبركتنا الْعلم الْعَامِل الْفَاضِل الصَّالح محب الْعلم وَأَهله الْعَالم الْعَلامَة نفع الله بِهِ وبعلومه وفسح مدَّته وَتقبل الله من سَيِّدي ذَلِك وَجعله لَهُ خَالِصا لوجهه الْكَرِيم ومقربا الى جنَّات النَّعيم ومدخرا الى جنابه الْكَرِيم ومستشفعا بِنَبِيِّهِ الْكَرِيم وَرَضي الله عَن أَصْحَابه غنه على مَا يَشَاء قدير وبالاجابة جدير وَصلى الله على رَسُوله مُحَمَّد وَآله وَصَحبه وَسلم

وَهَذَا نَص نُسْخَة باريس انْتَهَت نساخته وَهُوَ الْمَوْجُود فِي النُّسْخَة ن وَكَانَ الْفَرَاغ من نساخته ظهر الِاثْنَيْنِ تَاسِع شهر شعْبَان الْمُبَارك احدى شهور سنة عشْرين وثماني مائَة وَالْحَمْد لله على ذَلِك كثيرا وَسُبْحَان الله بكرَة واصيلا وَصلى الله على سدينا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه

وَقد تمّ بِحَمْد الله الْمُقَابلَة الثَّانِيَة لهَذَا الْجُزْء الثَّانِي من تجزئة الْمُحَقق مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن الْأَكْوَع الحوال على مصورة نُسْخَة باريس بِعَهْد جهد مضن ومشقة بَالِغَة وعناء معن مَعَ الْعَلامَة عُضْو المحكمة الشَّرْعِيَّة للواء تعزالسيد عبد الله بن أَحْمد بن مُحَمَّد الاكوع الحوالي حفظه الله وَبَارك فِي أَيَّامه واصلح أَوْلَاده وَذَلِكَ فِي السَّاعَة الثَّانِيَة من صَبِيحَة يَوْم الْأَرْبَعَاء الْمُوَافق سبع عشرَة مَضَت من شهر ذِي الْحجَّة الْحَرَام سنة 1404 أَربع واربعمائة والف من الْهِجْرَة النَّبَوِيَّة على صَاحبهَا الصَّلَاة وَالتَّسْلِيم الْمُوَافق 12 سبتمبر سنة 1984 م

وانتهت الْمُقَابلَة الْأَخِيرَة فِي السَّاعَة الثَّامِنَة بالتوقيت الْمحلي من نَهَار يَوْم الاربعاء لأَرْبَع وَعشْرين مَضَت من شهر ذِي الْقعدَة سنة 1414 هـ الْمُوَافق لأَرْبَع من شهر مايو سنة م 1994

سَائِلًا من الله التَّوْفِيق وَحسن الختام

مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن الاكوع الحوالي والى هُنَا انْتهى شوط الْقَلَم لزير كتاب السلوك فِي طَبَقَات الْعلمَاء والملوك تأليف القَاضِي ابي عبد الله الْبَهَاء مُحَمَّد بن يُوسُف بن يَعْقُوب الجندي السكْسكِي الْكِنْدِيّ الْمَشْهُور بتاريخ الجندي مَعَ تعليقنا عَلَيْهِ بِحَسب الطَّاقَة والامكان فِي صَبِيحَة يومالخميس لسبع وَعشْرين مَضَت من شهر جمادي الاولى سنة 1401 احدى واربعمائة والف من الْهِجْرَة النَّبَوِيَّة على صَاحبهَا افضل الصَّلَاة وَالتَّسْلِيم الْمُوَافق 2 اثْنَيْنِ من شهر ابريل سنة 1981 م احدى وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة والف ميلادية أَي من مِيلَاد الْمَسِيح عِيسَى بن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام وَذَلِكَ بمنزله الْكَائِن جوَار مَشْرُوع الْمِيَاه وَحي احواض الْملك الْأَشْرَف بتعز 

LihatTutupKomentar